معارف إِلٰهيَّة : ( 2) قضايا و تنبيهات / القضيَّة و التَّنْبِيه الثاني :
18/04/2024
القضيَّة و التَّنْبِيه الثَّاني: / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / العقائد والمعارف الإِلهيَّة علوم تكوينيَّة / آليَّات التَّوصُّل إِلى النتائج في أَبواب المعارف آليَّات تكوينيَّة / إِنَّ العقائد والمعارف الإِلٰهيَّة : حقائق تكوينيَّة كونيَّة من أَكوان وعوالم غيبيَّة صاعدة ، ومن ثَمَّ لا ينفع معها إِلَّا البراهين العقليَّة المُستفادة من متون ومضامين بيانات الوحي المعرفيَّة العقليَّة ؛ فلذا لا يوجد في صناعة علم العقائد والمعارف الإِلٰهيَّة إِطلاق وعموم وتقييد وتخصيص بمنفصل ، وإِلَّا فدليل على بطلان الصَّنعة والنتائج ؛ كحال سائر القواعد والعلوم العقليَّة ، نعم يوجد فيها خروج تخصُّصي ونسبي ومُجمل ومفصَّل ، ومن ثَمَّ وجوه الجمع بين الأَدلَّة المُتعارضة أَو الدِّلالات المُتعارضة في أَبواب المعارف تختلف عن وجوه الجمع في باب فقه الفروع. وعليه : فلا يصحُّ الإِشكال على النتائج المُتحصَّلة منها بآليَّات علم فقه الفروع ؛ كضعف سند الدَّليل ؛ لأَنَّ فقه الفروع علم إِعتباري ، وآليَّاته آليَّات إِعتباريَّة ؛ فلذا يصحُّ فيه التَّقييد والتَّخصيص. وضعف الطَّريق والسَّنَد واعتباره لا دخالة له في تحصيل البرهان العقلي والوحياني من المتون والمضامين. فالتفت. بل التَّواتر السَّنَدي لا يغني ولا يُسمن من جوعٍ ، ولا ينفع في أَبحاث العقائد ؛ لأَنَّه يُورِث اليقين الحسِّي ؛ وهو في معرض الخطأ ، والمطلوب في أَبحاث العقائد تحصيل اليقين العقلي الَّذي لا يقبل الخطأ ، واستفادة اليقين العقلي لا يُفرَّق فيه بين الدَّليل المتواتر والضَّعيف سنداً ؛ لأَنَّ اليقين العقلي يدور مدار متون ومضامين الأَدلَّة بغضِّ النَّظر عن أَسانيدها ؛ ومن باب ما ورد في بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «لا تنظر إِلى مَنْ قال ، وانظر إِلى ما قال»(1). ويُضاف إِليه : أَنَّ الدَّليل المتواتر سنداً قد يكون متنه ظَنِّيّ الدِّلالة ، فعاد إِلى الظَّنِّ ، وهو لا ينفع في أُسس وأُصول العقائد بالإِجماع. نعم ، إِنْ كان متنه ومضمونه مفيداً لليقين العقلي كان حُجَّةً في أَبواب العقائد وغيرها ، لكنَّه لا لكونه متواتراً سنداً ، بل لكون متنه ومضمونه أَورث القطع العقلي. فتدبَّر جيِّداً. ثُمَّ إِنَّه يجب على الَّذي ليس له باع عقليّ في صناعة وأَبحاث العقائد ترك أَبحاث وتحقيقات هذا الباب ، ولا يلجه ولا يتصدَّىٰ له ، وليترك المجال لأَهله. بعد الإِلتفات : أَنَّ لغة بيانات الوحي المعرفيَّة : لغة عقليَّة وحيانيَّة ، وهي أَعظم من نتاج العقل البشري الأَرضي بما لا يُتَنَاهىٰ. / المُرَاد مِنْ حُجِّيَّة المتن والمضمون / والمراد من حُجِّيَّة المتن ليس حُجِّيَّة الدِّلالة ، وإِنَّما ـ المراد ـ : نفس نظام المعلومات المُودعة في متن الدَّليل ، فيدرس الفقيه أَو الباحث ذلك المتن والمضمون ـ بِغَضِّ النَّظَر عن الدَّليل ودلالته ؛ وصدوره وسنده وجهته ؛ والكتاب الَّذي ورد فيه المتن والمضمون ـ ويعرضه على مُحكمات القرآن الكريم ، ومُحكمات السُّنَّة الشَّريفة القطعيَّة ، ومُحكمات وبديهيَّات العقل ، ومُحكمات وبديهيَّات الوجدان الَّتي لا يختلف عليها وجدان بشر ، ويوزنه مع منظومة معادلات وقواعد الدِّين والشَّريعة ؛ فإِذا أَورث له ذلك العرض : القطع واليقين بمطابقة هذا المتن والمضمون لتلك المُحكمات أخذ به ، وكانت حُجِّيَّة ذلك المتن عقليَّة وحيانيَّة ذاتيَّة. ثُمَّ إِنَّ تحصيل حُجِّيَّة المتن والمضمون ليست إِلَّا من شأن الفقهاء المُتضلِّعين في فقه الفروع ، وعلم الكلام ، وعلم العقائد والمعارف الإِلٰهيَّة ، وعلم الأَخلاق والآداب والنِّظام الرُّوحي والأَخلاقي والآدابي الدِّيني ، وعلم التَّفسير ، وعلم السِّيَر ، وغيرها. بخلاف حُجِّيَّة السَّنَد ؛ فإِنَّها يُمكن معرفتها من قِبَلِ عامَّة النَّاس ، وتدور مدار الحافظة ، كما أَشارت إِلى ذلك بيانات الوحي ، أَمَّا حُجِّيَّة المتن والمضمون فتحتاج إِلى حصول مطابقة لمُحكمات وأُصول وأُسس وقواعد ومعادلات الشَّرع والدِّين ، وهذه ليست من إِختصاص إِلَّا الفقيه المُتَضلِّع في شَتَّىٰ العلوم الشَّرعيَّة والدِّينيَّة ؛ فحُجِّيَّة المتن والمضمون لا تدور مدار فقاهة الفقيه فحسب ، بل وتضلُّعه في كافَّة العلوم الشَّرعيَّة والدِّينيَّة. إِذَنْ : حُجِّيَّة المتن والمضمون تتطلَّب فقاهة وتضلُّع الفقيه بذلك العلم الَّذي يختصُّ به ذلك المتن والمضمون ؛ فلو لم يكن للفقيه باعٌ بالعلم الَّذي يختصُّ به المتن والمضمون فمن أَين يعرف حُجِّيَّة المتن والمضمون وعدمها. فتأَمَّل. وهذا بحث تصوُّريٌّ وتصديقيٌّ لا يتوقَّف على حُجِّيَّة صدور الخبر وسنده. وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ( 1 ) كنز العمَّال ، 16 : 197/ح44218.