معارف إِلٰهيَّة : ( 55 ) قضايا و تنبيهات / القضيَّة و التَّنْبِيه الخامس و الخمسون
23/04/2024
القضيَّة و التَّنْبِيه الخامس و الخمسون: / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين . / مقام الولاية الإِلهيَّة الكبرى لأَهل البيت عليهم السلام/ إِنَّ مقام الولاية الإِلٰهيَّة الكبرىٰ ـ وما قد يُعبَّر عنه بـ : (الدولة الإِلٰهيَّة) ـ لسيِّد الأَنبياء ولسائرأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم على جملة العوالم وكافَّة المخلوقات أَرفع شأناً وأَخطر دوراً وأَعظم هولاً من دون قياس من إِمامتهم صلوات اللّٰـه عليهم السياسيَّة ، وحُجِّيَّتهم الإِلٰهيَّة في هذه النشأة الأَرضيَّة ؛ فإِنَّ الدولة الإِلٰهيَّة لا تقتصر على الحاكميَّة الإِلٰهيَّة في النشأة الأَرضيَّة ، وإِنَّما تعتمد على حاكميَّة اللّٰـه في طُرِّ العوالم وعلى سائر المخلوقات ـ كما تقدَّم ـ. إِذَنْ : ليس المراد من ولاية أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الولاية السياسيَّة في حقبة زمنيَّة ضيِّقة ، أَو حقبة زمنيَّة خاصَّة بِعَالَم النشأة الأَرضيَّة ، بل شاملة لِكُلِّ العوالم ؛ وجميع المخلوقات الإِلٰهيَّة غير المتناهية ، وشاملة لكافَّة أُمورها وأَحوالها(1) وشؤونها. وإِلى هذا تشير بيانات الوحي الوافرة الباهرة ، منها: ما تقدَّم ، ويضاف إِليها : بيان قوله جلَّ ثناؤه : [وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ](2). فإِنَّه برهان وحيانيٌّ دالٌّ على أَنَّ غاية النشأة الأَرضيَّة إِلى حين ، وخلافة خليفة اللّٰـه ليست مقرونة بها ، كحال ولاية اللّٰـه ودينه. بعد الإِلتفات : أَنَّ هناك فوارق بين الدِّين والشريعة(3)، منها : أَوَّلاً : أنَّ دين اللّٰـه واحد ؛ وهو دين الإِسلام. فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان قوله تعالىٰ ذكره : [إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ](4). بخلاف الشَّريعة ؛ فإِنَّها مُتعدِّدة. فلاحظ : بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان قوله تبارك وتعالىٰ : [لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا](5). ثانياً : أَنَّ دين الإِسلام شامل لجميع المخلوقات ، وفي كُلِّ العوالم ؛ من بداية الخلقة إِلى ما لا نهاية ، ومن ثَمَّ يكون عَالَم الآخرة الأَبديَّة محكوماً به ؛ فهو النظام الحاكم لأَهل الجنَّة في الجنان ، ولأَهل النَّار في النيران. بخلاف الشريعة ؛ فإِنَّها مختصَّة بالنشأة الأَرضيَّة ، وبالثقلين (الإِنس والجن) ، وهذا ما يُوضِّح نكتة اشتقاقها ؛ فإِنَّها مشتقَّة من الشروع والإِبتداء. وعليه : فالموقعيَّة العقائديَّة والمعرفيَّة المرتبطة تداعياتها بالدِّين تكون أَعظم هولاً ، وأَخطر أَثراً ، وأَعظم فائدةً من الموقعيَّة العقائديَّة المرتبطة تداعياتها بالشريعة. وحيث إِنَّ ولاية أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ومقاماتهم من الدِّين، بل من أُصوله وأُسسه فلا تختصُّ بالنشأة الأَرضيَّة ، بل شاملة لكُلِّ العوالم ؛ وكافَّة المخلوقات غيرالمتناهية ، وتداعياتها أَخطر وأَعظم هولاً. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... وليبعثن اللّٰـه أَحياء من آدم إلى محمَّد صلى الله عليه واله كُلّ نبيٍّ مرسل ، يضربون بين يدي بالسيف هام الأَموات والأَحياء والثقلين جميعاً. فيا عجباً وكيف لا أَعجب من أَمواتٍ يبعثهم اللّٰـه أَحياء يُلبُّون زمرة زمرة بالتَّلبية : لبيكَ لبيكَ يا داعي اللّٰـه ... وإنَّ لي الكرَّة بعد الكرَّة ، والرَّجعة بعد الرَّجعة ، وأَنا صاحب الرَّجعات والكرَّات، وصاحب الصولات والنقمات ، والدولات العجيبات ... وَأَنا الحاشر إلى اللّٰـه ... وَأَنا صاحب الجنَّة والنَّار ، وأسكن أَهل الجنَّة الجنَّة ، وأسكن أَهل [النَّار] النَّار ، وإِلَيّ تزويج أَهل الجنَّة ، وإِلَيّ عذاب أَهل النَّار ، وإِلَيّ إِياب الخلق جميعاً ، وأَنا الاياب الَّذي يؤوب إِليه كُلّ شيء بعد القضاء ، وإِلَيّ حساب الخلق جميعاً ... وأنا المؤذن على الأَعراف ... وَأَنا خازن الجنان وصاحب الأَعراف ، وَأَنا ... الحُجَّة على أَهل السماوات والأَرضين وما فيهما وما بينهما ، وَأَنا الَّذي احتجَّ اللّٰـه به عليكم في ابتداء خلقكم ...» (6). ودلالته واضحة على شمول إِمامة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم لجملة المخلوقات وسائر العوالم ، منها : عَالَم البرزخ ، وعَالَم الرَّجعة ـ آخرة الدُّنيا ـ ، وعَالَم القيامة ، وعَالَم الآخرة الأَبديَّة ـ الجنَّة والنَّار الأَبديَّتان ـ وعَالَم الذَّرِّ والميثاق ؛ وبقيَّة العوالم. 2ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن المُفضَّل بن عمر ، قال : «... فقلت له: يابن رسول اللّٰـه فَعَلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام يدخل محبّه الجنَّة ومبغضه النَّار أَو رضوان ومالك ؟ فقال: ... فَعَلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام إذاً قسيم الجنَّة والنَّار عن رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله ، ورضوان ومالك صادران عن أَمره بأمر اللّٰـه تبارك وتعالىٰ ، يا مُفَضَّل ، خذ هذا فإنَّه من مخزون العلم ومكنونه ، لا تخرجه إِلَّا إِلى أَهله»(7). ودلالته قد اتَّضحت. / هول وعظمة وخطر ولاية الزهراء عليها السلام الإِلهيَّة/ ومنه يتَّضح : أَنَّ بيانات الوحي الظافرة الوافرة بعدما رسمت لفاطمة الزهراء صلوات اللّٰـه عليها موقعيَّة في الدِّين ؛ فلا تكون ولايتها ولاية إِمامة سياسيَّة مختصَّة بهذه النشأة الأَرضيَّة ، بل ولاية إِلٰهيَّة كبرىٰ شاملة لجملة العوالم وطُرّ المخلوقات. ومن ثَمَّ ليس من المناسب للباحث في علم الكلام وغيره التساؤل عن ثبوت إِمامتها السياسيَّة في هذه النشأة ، فإِنَّ ما تتمتَّع به صلوات اللّٰـه عليها من ولاية إِلٰهيَّة كبرىٰ هي أَعظم خطراً وأَرفع شأناً وأَعلىٰ مقاماً من دون قياس من الإِمامة السياسيَّة ؛ والرسالات الإِلٰهيَّة الأَرضيَّة ، مع أَنَّ الثابت في بيانات الوحي والمُسلَّمات العقائديَّة والفقهيَّة : أَنَّ لها صلوات اللّٰـه عليها أَدواراً في حكومة سيِّد الأَنبياء وحكومة أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آليهما السياسيَّتين في عَالَم آخرة الدُّنيا (الرَّجعة). وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مرجع الضمير في (أُمورها) ، و (أَحوالها) ، و(شؤونها) : «كُلّ العوالم وجميع المخلوقات». (2) البقرة : 35 ـ 36. (3) ينبغي أَنْ لا يُخلط ـ كما خلطت كثير من كُتُب علم الكلام ـ بين مباحث الدِّين ، ومباحث الشريعة. (4) آل عمران : 19. (5) المائدة : 48. (6) بحار الأَنوار ، 53 : 46 ـ 49/ح20. (7) المصدر نفسه ، 39 : 194 ـ 196/ح5. علل الشرائع : 65.