معارف إِلٰهيَّة : ( 72 ) قضايا و تنبيهات / القضيَّة و التَّنْبِيه الثاني و السَّبعون
23/04/2024
القضيَّة و التَّنْبِيه الثاني و السَّبعون : / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين . / الإِعتبار وغفلة الحقيقة/ هناك مبحث لطالما أُكِّد عليه في أَبواب المعارف ، حاصله : « أَنَّ مصاديق المعاني الَّتي يتعاطاها أَهل الدُّنيا غالباً ما تكون إِعتبارية ومجازيَّة ، ويعيشون حالة الغفلة عن الحقيقيَّة منها ، والحال أَنَّ عالم الإعتبار مهدٌ تربويٌّ تُستفاق من خلاله الحقائق ». فالملكيَّة وما شاكلها من أَبواب المعاملات ، بل عامَّة فقه الفروع والأَسماء والأَقوال والكلمات والأَدبيَّات الفقهيَّة والقانونيَّة ، بل وغيرها الَّتي يُتعاطى بها في عالم الدُّنيا أُمورٌ اعتباريَّة لما ورائها من حقائق. وخذ على ذلك المثال التَّالي : ( الرِّفعة ) و ( العِزَّة ) ؛ فبحسب ما يتصوَّره ويتخيَّلَه أَرباب الهوى وأَبناء الدُّنيا : أَنَّهما يحصلا بكثرة : الأَولاد ، والأَتباع ، والأَموال ، والجاه ، والمظهر الخارجي الـمُمِيِّز. فلاحظ: ما أَشارت إِليه بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان قوله تعالى: [فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ](1). ثانياً : بيان قوله تقدَّس ذكره : [وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا](2). ومن ثَمَّ كان الظَّالم هو الأَعزُّ بحسب المحاسبات الدُّنيويَّة ؛ فيُحسب أَنَّ الرفعة والعزَّة تتمُّ من خلال : سفك الدِّماء وهتك الأَعراض ونهب الأَموال ، لكنَّ : واقعهما أَنَّهما : للَّـه ، ولرسوله صلى الله عليه واله ، ولسائر أهل البيت الأَطهار عليهم السلام. فانظر : ما أَشارت إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان قوله تعالى : [وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ](3). 2ـ بيان قوله جلَّ قدسه : [وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا](4). وبالجملة : المشهد الحقيقي الَّذي يعيشه البشر في عالم الدُّنيا عبارة عن مسرحيَّات تمثيليَّة لما وراء ذلك من حقائق ، وهذا أَحد تفاسير : أَوَّلاً : بيان قوله تعالى: [فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ](5). ثانياً : بيان قوله تقدَّس ذكره : [اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ](6). ثُمَّ إِنَّ لغة الإِعتبار وإِنْ أُخذت في أَبواب فقه الفروع كطريق موصل للحقائق ، لكنَّها لم تُؤخذ كذلك في سائر أَبواب فقه المعارف والعقائد ، فإنَّ الحاكم فيها لغة الحقائق ، وهذه توصية وقاعدة مُهمَّة ، وقاموس وناموس مطَّرد، وأَصل أَصيل لا بُدَّ من ضرورة مراعاته ، لكنَّه يُغفل عنه عادةً ، ومِنْ ثَمَّ ورد بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : « النَّاس نيام فإِذا ماتوا انتبهوا »(7) ، فنفس ما يحسبه الإنسان يقظة في عالم الدُّنيا رقدة ونومة عميقة وسكرة عن الحقيقة ، نظيرها : رؤى المنامات ، فإنَّ صاحبها يأخذها حال نومه مأخذ الجدِّ والحقيقة ، فيُصيبه الجَذَل والبهجة ويبكي سروراً إِنْ كانت زاهرة ، ويصيبه السدم والوجل والوهل ، وترتعد فرائصه ويحصل له : البكاء والشهيق والزفير والحركات البدنيَّة إِن كانت سيِّئة ، غير أَنَّه سرعان ما تنكشف له الحقيقة بعد ما يستفيق ليجدها كرماد تذروه الرِّياح ، ليس لها عين ولا أَثر. فعلى اللبيب أَنْ يكن ذا عينين ، ويُشمِّر عن ساق الجدِّ والإِجتهاد ليتخلَّص من هذه الرَّقدة والسكرة ؛ ليفز بالحسنيين قبل الفوات. وهذا ما دعت إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : « موتوا قبل أنْ تموتوا »(8). والتخلُّص من ذلك وإِنْ كانت فيه حزازة ومرارة لكنَّهما(9) حلم ، يجد لذَّته(10)بعد إِنكشاف الحقيقة. فلاحظ : بيان سيِّد الشهداء عليه السلام : « ... الدُّنيا حلوها ومرّها حلمٌ والإنتباه في الآخرة »(11)، فسفك الدِّماء في سبيل الله وإِن كانت فيه مرارة ، لكنَّه لِـمَنْ يستفيق يجده شهد المذاق ، وجراحات وسلاح الحديد برداً وسلاماً . ومن ثَمَّ ورد في بيان الدُّعاء في زيارة سيِّد الشهداء عليه السلام : « اللَّهُمَّ إِجعَل ما أَقُولُ بلساني حقيقته في قلبي وشريعته في عملي »(12). وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) القصص : 79. (2) الكهف : 34. (3) المُنَافِقُون : 8. (4) الفرقان : 27. (5) قٓ : 22. (6) الحديد : 20. (7) بحار الأَنوار ، 50 : 134 . (8) المصدر نفسه ، 69 : 59 . (9) مرجع الضمير : الـ (حزازة) والـ (مرارة). (10) مرجع الضمير : (التخلُّص). (11) بحار الأنوار ، 11 : 150 . (12) كامل الزيارات : 358/ح1