/ الفَائِدَةُ : (156) /
05/08/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / التَّعامل مع معارف أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ / / التَّقصير أَشَدُّ جرماً ومُؤاخذة وانحطاطاً من الغُلُوِّ / يَنْبَغِي الْاِلْتِفَات : أَنَّنا نتعامل في هذه المسائل والمطالب المعرفيَّة مع علوم أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ومعارفهم وعقائدهم ، وهي جسيمة وعظيمة وخطيرة جِدّاً ، بعض مراتبها لا يحتملها مَلَكٌ مُقرَّب ـ كـ : جبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَم(1) ـ ولا نبيٌّ مرسل ـ كـ : النَّبيِّ إِبراهيم عَلَيْهِ السَّلاَم ـ ولا مؤمنٌ مُمتحن ـ كـ : سلمان رضوان الله عليه ـ . فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن أَبي الصَّامت ، قال : « ... إِنَّ حديثنا صعب مُستصعب ، شريف كريم ، ذكوان ذكيٌّ وعر ، لا يحتمله مَلَكٌ مُقَرَّب ، ولا نَبيٌّ مُرْسَلٌ ، ولا مؤمنٌ مُمتحنٌ . قلت : فَمَنْ يحتمله جُعِلْتُ فداك؟ قال : مَنْ شئنا يا أبا الصامت . قال أبو الصامت : فظننتُ أَنَّ للّٰـه عباداً هم أَفضل مِنْ هؤلاء الثلاثة »(2). ودلالته واضحة . لكن : الشَّكّ والتَّرَدُّد في علوم أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ومَعَارِفهم وعَقَائِدهم ـ بعد قيام الدَّليل القطعي عليها ـ يكشف عن وجود تقصير وعداء ونصب خفيّ لأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . فلاحظ : بيانات الوحي ، منها : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... لا تسمُّونا أَرباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فإِنَّكم لن تبلغوا من فضلنا كُنْه ما جعله الله لنا ، ولا معشار العشر ؛ لأَنَّا آيات الله ودلائله ... ولو قال قائل : لِمَ ، وكيف ، وفيم ؟ لكفر وأَشرك ؛ لأَنَّه لا يُسأل عمَّا يفعل وهم يُسألون ... مَنْ آمن بما قلتُ وصدَّق بما بيَّنتُ وفسَّرتُ وشرحتُ وَأَوضحت ونوَّرتُ وبرهنتُ فهو مؤمنٌ مُمتحن ، امتحن اللهُ قلبه للإِيمان ، وشرح صدره للإِسلام ، وهو عارف مُستبصر ، قد انتهىٰ وبلغ وكمل ، وَمَنْ شَكَّ وعند وجحد ووقف وتحيَّر وارتاب فهو مُقصِّرٌ وناصب ... » (3). ودلالته واضحة ، بعد الْاِلْتِفَات : أَنَّ النصب والعداء لأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وإِن عدَّه بعض العامَّة : خمسة عشرة دركة ؛ لكنَّ واقعه لا حدَّ ولا مُنتهىٰ له ، وليس له إِلَّا لظىٰ . وعلى المخلوق تحديد موقفه من طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ومن معارفهم وعلومهم ؛ فإِنَّه على أَقلِّ تقدير أَنَّ الاِبْتِعَاد عنهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وعن علومهم ومعارفهم لاسيما العقائديَّة تقصير جَلِيّ ، وهو أَشَدُّ ذنباً وجُرماً وانحطاطاً من الغُلُوِّ فيهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وفيها . والوجه : أَنَّ الباري (عَزَّ وَجَلَّ) طعن في قرآنه الكريم على النصارىٰ ونعتهم بالضَّالين ؛ لغُلُوِّهم في النَّبيّ عيسىٰ عَلَيْهِ السَّلاَم ، لكنَّه (جَلَّ شأنه) طعن في قرآنه الكريم أَيضاً على بني إِسرائيل بأَشَدِّ من ذلك ونعتهم بـ : (المغضوب عليهم) ؛ وذلك لتقصيرهم في معرفته عَلَيْهِ السَّلاَم ، وبين التَّعبيرين بون شاسع ، يكشف عن مدىٰ جرم التَّقصير وشناعته وانحطاطه ؛ لاسيما في معرفة علوم أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وحقائقهم لاسيما طبقاتها الصَّاعدة . وعليه: فليلتفت الهارب من شائبة الغُلُوّ في أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ومعارفهم وعلومهم أَنْ لا يرتطم من حيث لا يشعر بمحذور التَّقصير ، وهو الأَشنع والأَشَدُّ جرماً وانحطاطاً ومُؤاخذة لاسيما في حقِّ أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وعلومهم ومعارفهم لاسيما العقائديَّة ؛ وذلك عن طريق الاِبتعاد وعدم التَّعَرُّض لمعارفهم وعقائدهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الواردة في طبقات حقائقهم لاسيما الصَّاعدة . والنَّجاة تكمن في الجادَّة الوسطىٰ ، وهي : (الأَمرُ بَيْنَ الأَمرين)، وذلك عن طريق الأَخذ ببيانات الوحي الواردة في حقِّهم بعد عرضها على مُحكمات الشَّرع والدِّين . بل ورد في بيانات الوحي : أَنَّ التَّقصير في حقِّ أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وعقائدهم ومعارفهم ومقاماتهم وشؤونهم وَأَحوالهم أَشنع وأَشدُّ جرماً ـ والعياذ بالله تعالىٰ ـ من النصب ؛ لأَنَّ النصب عداء لشيعتهم ؛ بخلاف التقصير فإِنَّه عداء لهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وأَيُّ جرمٍ أَعظم وَأَخطر من هذا . فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ جواب الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ عن سؤال المُفَضَّل بن عمر(4) ، قال : « ... يا مولاي ، مَنْ المُقصِّرة ...؟ قال : يا مُفضَّل، هم الَّذين هداهم الله إِلى فضل علمنا، وأَفضىٰ إِليهم سرّنا فشكُّوا فينا، وَأَنكروا فضلنا... قال المُفَضَّل : يا مولاي ، أَليس قد روينا عنكم أَنَّكم قلتم ... والتَّالي نلحقه بنا ، قال : ... التَّالي هم من خيار شيعتنا، القائلين بفضلنا، المُستمسكين بحبل الله وحبلنا، الَّذين يزدادون بفضلنا علماً، وإِذا ورد على أَحدهم خبر قبله وعمل به ولم يشكّ فيه، فإِنْ لم يطقه ردَّه إِلينا، ولم يرد علينا... »(5). 2ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ... النَّاصبة أَعداؤكم ، والُمقَصِّر أَعداؤنا ؛ لأَنَّ النَّاصبة تُطالبكم أَنْ تُقدِّموا علينا أَبا بكر وعُمر وعثمان ، ولا يعرفوا من فضلنا شيئاً ، والمُقَصِّرة قد وافقوكم على البراءة مِـمَّن ذكرنا ، وعرفوا فضلنا فأَنكروه وجحدوه ، وقالوا : هذا ليس لهم ؛ لأَنَّهم بشرٌ مِثلنا ، وقد صدقوا أَنَّنا بشرٌ مِثْلهم إِلَّا أَنَّ الله بما يُفوّضه إِلينا من أَمره ونهيه فنحن نفعل بإذنه... »(6). ودلالتهما واضحة . ومن ثَمَّ وجب على العاقل ـ لاسيما مَنْ تَزيَّىٰ بجلباب العلم ـ بذل قصار جهده للخروج عن هذه الدَّائرة وعنوان التقصير وما يصاحبه من الأَمراض النفسيَّة والمعنويَّة ـ كـ : الجهل المُرَكَّب ، والقناعات المُسْبَقة ، والشَّكِّ والرِّيبة والتردُّد في قبول ما قام عليه الدَّليل من مقامات لأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وشؤونهم وَأَحوالهم . والإِنسان وإِنْ كان حُرّاً في تصرُّفاته واعتقاداته لكنَّنا أَحببنا التَّنبيه على ذلك . وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) لَا بَأْسَ بالْاِلْتِفَات إِلى أَنَّ اسم (جبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَم) مأخوذ من الجبروت والجبر ، ولهما معنيان : الأَوَّل : الغضب والقدرة . فلذا كان جبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَم مظهراً لغضب اللّٰـه تعالىٰ وقدرته وبطشه وجبروته ؛ ومن ثَمَّ جرىٰ العذاب الإِلٰهيّ لكثير من الأَقوام السَّالفة ـ كقوم لوط ـ على يديه . الثَّاني : جبر النقص بالكمال ، ومن ثَمَّ كان جبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَم يمدُّ الأَنبياء والأَوصياء عَلَيْهم السَّلاَم بالوحي والْعِلْم اللَّدُنِّيّ ، بل ويمدُّ غيرهم من موارد جبر الكائنات . (2) بحار الأَنوار، 2: 192/ح34. (3)بحار الانوار، 26: 1 ـ 7/ح1 . (4) إِنَّ المفضَّل بن عمر كان من النُّوَّاب الخاصِّين للإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وهو ذو قدم راسخ في المعرفة وأَسرار المعارف والعقائد. (5) الهداية الكبرىٰ: 431. (6) عوالم العلوم: 5/77