/ الفَائِدَةُ : (169) /
06/09/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / خلوّ المقام وهذه الأَبحاث من شائبة الغُلُوّ / / لا شائبة ولا شبهة غُلُوّ في مقامات أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ / ولخطورة هذه الأَبحاث المعرفيَّة والتَّوحيديَّة نُعيد ما ذكرناه سابقاً بشيءٍ من التَّفصيل ، فنقول : ثُمَّ إِعلم أَنَّه لا تُوجد في جملة هذه الأَبحاث وما سيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) أَيّ شائبة غُلُوّ ـ وخروج عن الجادَّة والمنزلة الوسطىٰ الَّتي ليلها كنهارها جادَّة ومنزلة أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وهي الديانة الَّتي من تقدَّمها مرق ، ومن تخلَّف عنها محق ، ومن لزمها لحق ، والَّتي لا تخرج إِلى عوج ، ولا تزيل عن منهج الحقّ ، ولا تجد لها بديلاً ، ولن تجد لها تحويلاً ، نعم ، هي دقيقة الوزن ، حادَّة اللِّسان ، صعبة التَّرَقِّي حتَّىٰ على الحاذق اللَّبيب ـ لأَنَّنا نعضُّ بضرس قاطعٍ على ضابطةٍ وقاعدةٍ معرفيَّةٍ وعقليَّةٍ بديهيَّةٍ ، مستفادة من بيانات الوحي ، ضربها وقنَّنها علماء المعقول في القرنين الأَخيرين في باب الغُلُوّ والتَّقصير ، سيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) بيانها في بابها ، مضروبة للتمييز بين الغُلُوّ والتَّقصير في صفات الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة (جلَّ ذكره) وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه ، وصفات المخلوق وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه ، وهي : « أَنَّ صفات الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (تقدَّس ذكره) وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه تحكمها وواقعة في إِطار ضابطة : (ما منه الوجود) ، بخلاف صفات المخلوق وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه فتحكمها وواقعة في إِطار ضابطة : (ما به الوجود) » . فصفة : (عدم التناهي) والأَسماء ـ كالأَسماء الذاتيَّة الواردة في سورة الإِخلاص : (الأَحد ، والصمد ، ولم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أَحَد) ـ والأَفعال والكمالات والشؤون إِذا نُسبت وأُسندت إلى الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ وتقدَّس) كصفات وأَسماء وأَفعال وكمالات وشؤون إِلٰهيَّة فالمراد منها : (ما منه الوجود) . أَمَّا إِذا نُسبت وأُسندت إِلى المخلوق كصفات وأَسماء وأَفعال وكمالات وشؤون مخلوقة فالمراد منها : (ما به الوجود) ، وحينئذٍ لا إِشكال ولا شبهة ولا شائبة غُلُوّ في المقام ؛ بعدما أُفيضت وتجلَّت وظهرت وانعكست في المخلوق من الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، فأين شائبة الغُلُوّ بعدما كان الجميع من ساحة القدس الإِلٰهيَّة. بل هذه الضابطة أُستحدثت في الآونة الأَخيرة وتوسَّعت بقاعدة وضابطة بديهيَّة أَيضاً ، أَكثر دِقَّة وغوراً وعمقاً ، وهي : « أَنَّ ما منه الوجود على ضربين : أَحدهما : (ما منه الوجود أَصالة وبالذات) . الآخر : (ما منه الوجود حكاية ومن الغير) » . والأَوَّل مختصٌّ ومنحصرٌ بـ : (الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) أَزلاً وأَبداً . وإِلى هذا تشير بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان قوله جلَّ قوله : [فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ](1). 2ـ بيان قوله عزَّ قوله : [اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا](2). ودلالتهما قد اتَّضحت . والثَّاني وجود ظلِّي وحاكٍ ، يأتي في الممكنات ، مفاض عليها من ساحة القدس الإِلٰهيَّة . نظيره : المرآة المنطبعة فيها صورة الشَّاخص الخارجي . وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان قوله عزَّ من قائل الحاكي لخبر النَّبيّ عيسىٰ عَلَيْهِ السَّلاَمُ في احتجاجه على بني إِسرائيل : [أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ]( (3). 2ـ بيان قوله تقدَّس ذكره : [حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ] (4). 3ـ بيان قوله تعالىٰ ذكره : [فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ] (5). 4ـ بيان قوله جلَّ ذكره : [قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ] (6). ودلالة الجميع واضحة . 5ـ بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... يا أَيُّها النَّاس ، لعلَّكُم لا تسمعون قائلاً يقول مثل قولي بعدي إِلَّا مفتر ... أَنا موتم البنين والبنات ، أَنا قابض الأَرواح ... »(7). 6ـ بيانه (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) أَيضاً : « ... أَنَا أُحيي وأُميت بإِذن ربِّي ، أَنا أُنبئكم بما تأكلون ، وما تدَّخرون في بيوتكم بإِذن ربِّي ، وأَنا عَالِم بضمائر قلوبكم ، والأَئمَّة من أَولادي عَلَيْهِم السَّلاَمُ يعملون ويفعلون هذا إِذا أَحَبُّوا وأَرادوا... »(8). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة ، ومضمونه نفس مضمون البيانات الوحيانيَّة المُتقدِّمة ، لاسيما البيان الأَوَّل ؛ فإِنَّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وسائر أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لَـمَّا كانوا أَشرف وأَكمل المخلوقات ، وأَعلاها وجوداً ومقاماً ورتبةً، وكانوا وسائط الفيض الإِلٰهي لجملة العوالم وسائر المخلوقات غير المتناهية فما أُعطي لسائر جملة المخلوقات من شرفٍ وعزَّةٍ وكمالٍ وفضلٍ ومقامٍ ورتبةٍ فبالأَولىٰ يُعطىٰ لهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) وزيادة ، وإِلَّا ففاقد الشَّيء لا يُعطيه . وهذا برهانٌ عقليٌّ بديهيٌّ . ومن ثَمَّ ما تمتَّع به النَّبيّ عيسىٰ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وسائر المخلوقات المُكرَّمة ؛ منهم : إِسرافيل وعزرائيل عَلَيْهِما السَّلاَمُ تمتَّع به أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وزيادة ؛ فيحيون ويميتون بفعلٍ أَلطف ، وأَعظم هيمنة ، وأَشدُّ سلطنة وقدرة وقوَّة على وفق القاعدة ؛ ومن دون أَيّ شائبة غُلُوّ في المقام . بل البراهين والبيانات الوحيانيَّة قائمة على ذلك . فلاحظ ، منها : 1ـ بيان الإِمام زين العابدين صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن الثمالي ، قال : « قلتُ له : جُعِلْتُ فداك ، الأَئمَّة يعلمون ما يُضمر ؟ فقال : علمتُ واللَّـه ما علمت الأَنبياء والرُّسل ، ثُمَّ قال لي : أزيدكَ ؟ قلتُ : نعم . قال : ونزاد ما لم تزد الأَنبياء »(9). 2ـ بيان الإِمام الصادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « إِنَّ عيسىٰ بن مريم عَلَيْهِ السَّلاَمُ أُعطي حرفين كان يعمل بهما ، وأُعطي موسىٰ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَربعة أَحرف ، وأُعطي إِبراهيم عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثمانية أَحرف ، وأُعطي نوح خمسة عشر حرفاً ، وأُعطي آدم خمسة وعشرين حرفاً ، وإِنَّ اللَّـه تبارك وتعالىٰ جمع ذلك كلّه لمحمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ (10)، وإِنَّ اسم اللَّـه الأَعظم ثلاثة وسبعون حرفاً ، أَعطىٰ(11) محمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ اثنين وسبعين حرفاً ، وحجب عنه حرفاً واحداً »(12). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة . / الإِماتة وسائر الأَفعال الإِلهيَّة على طبقات / وَمِنْ كُلِّ ما تقدَّم يتَّضح : أَنَّ الإِماتة على مراتب وطبقات ودرجات من حيث الغلظة واللطافة . أَحدها : ما يقوم به جنود عزرائيل عَلَيْهِم السَّلاَمُ . ثانيها : أَلطف وأشف ، وهي : ما يقوم به عزرائيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ . ثالثها : أَلطف وأَشف مِمَّا يقوم به عزرائيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، وهي : ما يقوم به الاسم الإِلٰهي (المميت) ، وهو : أَحد طبقات حقيقة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وحقائق سائر أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة في مرتبة الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة . وهذا ما تُشير إِليه بياناتهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم) ، منها : ما تقدَّم ، ويضاف إِليها : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً ، مُخاطباً الحارث الهمداني : « يا حار همدان ، من يمت يرني ، من مؤمن أَو منافق قبلاً »(13) . وبيانه (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) أَيضاً ، عن عبد الرحيم القصير ، قال : « قلت لأَبي جعفرعَلَيْهِ السَّلاَمُ : حدَّثني صالح بن ميثم ، عن عباية الأَسدي أَنَّه سمع عليّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ يقول : واللَّـه ، لا يبغضني عبد أَبداً يموت على بغضي إِلَّا رآني عند موته حيث يكره ، ولا يحبّني عبداً أَبداً فيموت على حبِّي إِلَّا رآني عند موته حيث يحب . فقال أَبو جعفر عَلَيْهِ السَّلاَمُ : نعم ، ورسول اللَّـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ باليمين »(14). رابعها : وهي الأَلطف والأَشدُّ على الإِطلاق ، والمهيمنة على جميع ذلك ؛ ما يقوم به : (الـمُميت) ـ المُسَمَّىٰ ـ صاحب الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة . وعلى هذا قس الإِحياء وسائر الأَفعال والصفات والأَسماء والشؤون(15) . فأَين الغُلُوّ في المقام . وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صٓ: 72. (2) الزمر: 42. (3) آل عمران: 49 . (4) الأَنعام: 61. (5) محمَّد: 27. (6) السجدة: 11. (7) بحار الأَنوار، 53: 45/ح1. (8) المصدر نفسه، 26: 1ـ7/ ح1 . (9) بحار الأَنوار، 26: 55/ح114. بصائر الدرجات: 66. (10) في البصائر: (وإِنَّه جمع اللَّـه ذلك لمحمَّد ’ وأَهل بيته). (11) في البصائر: (أَعطىٰ اللَّـه). (12) بحار الأَنوار، 17: 134/ح11. أُصول الكافي، 1: 230. بصائر الدرجات: 57. (13) بحار الأَنوار، 6: 181. (14) المصدر نفسه ، 39: 238/ح25. فروع الكافي، 3: 132ـ133. (15) هناك خلط حصل لدىٰ البعض بين الفاعل بالآلة ـ كحال عزرائيل وإسرافيل وجندهما عَلَيْهِم السَّلاَمُ ـ ، والفاعل بالتَّجلِّي ـ كحال الباري المُسَمَّىٰ (تعالىٰ ذكره) ، والأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ؛ طبقات حقائق أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ـ وحكم بالوحدة. والحقُّ : أَنَّ بينهما فرق وبون شاسع ؛ فإِنَّ الفاعل بالآلة ناقص ؛ لإِحتياجه إِلى حركة ، وقرب وبُعد ، ومُوازاة ، ومباشرة ومعالجة . بخلاف الفاعل بالتَّجلِّي ؛ فإِنَّه أَكمل أَنواع الفاعل ، ولا نقص فيه ؛ ومن ثَمَّ لا يحتاج إِلى جملة ذلك . وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ في ردِّه على سؤال الزنديق : « ... فما هو؟ قال أَبو عبداللَّـه عَلَيْهِ السَّلاَمُ : هو الرَّبُّ ، وهو المَعْبُود ، وهو اللَّـهُ ... قال السَّائلُ : فيُعاني الأَشياء بنفسه ؟ قال أَبو عبداللَّـه عَلَيْهِ السَّلاَمُ : هو أَجَّلُّ من أَنْ يُعَانِيَ الأَشياء بمباشرةٍ ومعالجةٍ ؛ لأَنَّ ذلك صِفَةُ المخلوق الَّذي لا تجِيءُ الأَشياءُ له إِلَّا بالمباشرةِ والمعالجةِ ، وهو مُتعَالٍ نافِذُ الإِرادة والمشِيئَة ، فَعَّالٌ لِـمَا يَشاءُ » . أُصول الكافي، 1: 59ـ 61/ح6. ودلالته واضحة