/ الفَائِدَةُ : (172) /
13/09/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / نُكْتَةُ ابتلاءات بعض الأَنبياء عَلَيْهِم السَّلاَمُ / وَمِنْ كُلِّ ما تقدَّم تتَّضح : نُكْتَة وفلسفة تعرُّض بعض الأَنبياء عَلَيْهِم السَّلاَمُ السَّابقين إِلى الابتلاءات ، منهم : النَّبيّ آدم عَلَيْهِ السَّلاَمُ ؛ فإِنَّه لَـمَّا عُرضت عليه بعض مقامات وشؤون أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ توقَّف فعوقب بابتلائه المعروف وأُخرج من الجنَّة ، وعفي عنه بعد أَن رجع واستغفر وتاب ، لكنَّه لم يُجعل من أَنبياء أُولي العزم عَلَيْهِم السَّلاَمُ بسبب تُوَقِّفه . وهكذا النَّبيّ أَيوب عَلَيْهِ السَّلاَمُ ؛ فابتُلي بالمرض وسائر ابتلاءاته إِلى أَنْ تاب فأدركته السعادة بأَمِير الْمُؤْمِنِين وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . وعلى هذا قس حال النَّبيّ يونس عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، فأبتُلي بالحوت ، وحُبس في بطنه إِلى أَنْ تاب وقَبَل ولاية أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، منضمّاً إِليه بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، قال : « إِنَّ اللَّـه تعالىٰ عرض ولاية عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ على أَهل السَّماوات وأَهل الأَرض فقبلوها ما خلا يونس بن متى ، فعاقبه اللَّـه وحبسه في بطن الحوت ؛ لإنكاره ولاية أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حتَّىٰ قبلها ». قال أبو يعقوب(1) : « فنادىٰ في الظلمات أَنْ لا إِلٰه إِلَّا أَنْتَ سبحانك إِنِّي كنت من الظالمين لإنكاري ولاية عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ » . قال أبو عبد اللَّـه : فأنكرتُ الحديث فعرضته على عبداللَّـه بن سليمان المدنيّ فقال لي : « لا تجزع منه ؛ فإنَّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ خطب بنا بالكوفة ، فحمد اللَّـه تعالىٰ وأَثنىٰ عليه ، فقال في خطبته : « فلولا إِنَّه كان من المُقِرِّين للبث في بطنه إلى يوم يُبعثون ». فقام إِليه فلان بن فلان وقال : يا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ؛ إِنَّا سمعنا اللَّـه(2) : [فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ] . فقال : أُقعد يا بكّار؛ « فلولا إِنَّه كان من المُقِرِّين للبث... إلى آخِر الآية »(3) »(4). 2ـ بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، مُخاطِباً سلمان (رضوان اللَّـه عليه) : « ... يا سلمان، أَنا الَّذي دُعيت الأُمم كُلِّها إِلى طاعتي فكفرت فعُذِّبت بالنَّار ... » . قال سلمان : ... وأَنتَ قصَّة أَيُّوب وسبب تغيُّر نعمة اللَّـه عليه . فقال أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : « أتدري ما قصَّة أَيُّوب ، وسبب تغيُّر نعمة اللَّـه عليه ؟ قال : اللَّـه أعلم وأَنْتَ يا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ . قال : لَـمَّا كان عند الانبعاث للنطق شَكَّ أَيُّوب في ملكي ، فقال : هـذا خطب جليل وأَمـر جسيم . قـال اللَّـه (عَزَّ وَجَلَّ) : يا أَيُّوب أَتَشكُّ في صورة أقمته أَنا ؟ إِنِّي ابتليتُ آدم بالبلاء فوهبته له وصفحت عنه بالتسليم عليه بأَمرة الْمُؤْمِنِين ، وأنت تقول : خطب جليل ، وأَمر جسيم ؟! فوعزَّتي لأُذيقنَّك من عذابي أَو تتوب إِلَيّ بالطَّاعة لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ . ثُمَّ أَدركته السَّعادة بي ؛ يعني : أَنَّه تاب وأذعن بالطَّاعة لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وعلى ذرِّيَّته الطَّيبين عَلَيْهِم السَّلاَمُ»(5). 3ـ بيان تفسير الإِمام الباقر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وبيان نُكْتَة عدم جعل النَّبيّ آدم عَلَيْهِ السَّلاَمُ من أَنبياء أُولي العزم عَلَيْهِم السَّلاَمُ : «في قول اللَّـه (عَزَّ وَجَلَّ) : [وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا](6) قال : عهد إِليه في مُـحمَّد والأَئمَّة من بعده فترك ، ولم يكن له عزم فيهم أَنَّهم هكذا ... »(7). 4ـ بيان الإِمام الرضا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... وإِنَّ آدم عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَـمَّا أَكرمه اللَّـه (تعالىٰ ذكره) بإسجاد ملائكته له ، وبإدخاله الجنَّة قال في نفسه : هل خلق اللَّـه بشراً أَفضل منِّي ؟ فعلم الله (عَزَّ وَجَلَّ) ما وقع في نفسه ، فناداه : ارفع رأسَكَ يا آدم ، فانظر إِلى ساق عرشي ، فرفع آدم رأسه فنظر إِلى ساق العرش فوجد عليه مكتوباً : لا إِلٰه إِلَّا اللَّـه ، مُـحَمَّد رسول اللَّـه ، عَلِيّ بن أبي طالب أمير المؤمنين ، وزوجته فاطمة سيِّدة نساء العالمين ، والحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنَّة . فقال آدم عَلَيْهِ السَّلاَمُ : يا ربّ ، مَنْ هؤلاء؟ فقال (عَزَّ وَجَلَّ) : من ذُرِّيَّتك ، وهم خير منكَ ومن جميع خلقي ، ولولاهم ما خلقتكَ ولا خلقتُ الجنَّة والنَّار ، ولا السَّماء والأَرض ، فإِيَّاك أَنْ تنظر إِليهم بعين الحسد فأُخرجكَ عن جواري . فنظر إِليهم بعين الحسد ، وتمنَّىٰ منزلتهم ، فتسلَّط الشَّيطان عليه حتَّىٰ أكل من الشَّجرة الَّتي نُهي عنها ، وتسلَّط على حوَّاء ؛ لنظرها إِلى فاطمة عَلَيْها السَّلاَمُ بعين الحسد حتَّىٰ أَكلت من الشَّجرة كما أَكل آدم ، فأخرجهما اللَّـه (عَزَّ وَجَلَّ) عن جنَّته ، وأَهبطهما عن جواره إِلى الأرض »(8). ودلالة الجميع واضحة. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أَبو يعقوب ـ هذا ـ وأَبو عبداللَّـه الآتي ذكره من أَصحاب رواة وإسناد هذا الحديث الشريف. (2) في المصدر: (إِنَّا سمعنا اللَّـه يقول). (3) الصافات: 143. (4) بحار الأَنوار، 26: 333 ـ 334/ح16. تفسير فرات الكوفي: 94. (5) بحار الأَنوار، 26: 292 ـ 293/ح52. كنز جامع الفوائد: 264 ـ 265. وفيه: (أَنَّه تاب إِلى اللَّـه). (6) طٰه: 115. (7) بحار الأَنوار، 11: 35/ح31. علل الشرائع: 52. (8) بحار الأَنوار، 26: 273/ح15. عيون الأَخبار: 170