/ الفَائِدَةُ : (173) /

15/09/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / مقامات كُمَّل المخلوقات لا تُعطى إِلاَّ بقدر معرفتهم بأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ / إِنَّ كمَّل المخلوقات ـ منهم : الملائكة المُقرَّبين ، والأَنبياء والمرسلين ، والأَوصياء والأَصفياء عَلَيْهِم السَّلاَمُ ـ لم يُعطوا المقامات والكمالات الْإِلَهِيَّة ولم يُفضَّل بعضهم على الآخر إِلَّا بقدر معرفتهم بأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وبقدر تحمُّل قابليَّاتهم لأَسرارهم . وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان الحديث القدسي ، عن ربِّ العزَّة (تقدَّس ذكره)، مخاطباً سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « ... وَإِنِّي جعلتكم محنة لخلقي ، أَمتحن بكم جميع عبادي وخلقي في سمائي وأَرضي وما فيهنَّ ؛ لأَكمل الثواب لمن أَطاعني فيكم ، وأَحلّ عذابي ولعنتي على مَنْ خالفني فيكم وعصاني ، وبكم أُميِّز الخبيث من الطَّيِّب ... »(1). ودلالته قد اتَّضحت ؛ فإِنَّ جملة المخلوقات ، منهم : كافَّة الملائكة لا سيما المُقرَّبين ، وجميع الأَنبياء والمرسلين ، وسائر الأَوصياء والأَصفياء عَلَيْهِم السَّلاَمُ لم يُعطَ أَحدٌ منهم مقاماً ـ كـ : مقام : المقرَّبيَّة ، والنُّبُوَّة والرسالة ، والوصاية والاِصطفاء ـ ولا كمالاً ولا فضيلة ، ولا شأناً إِلٰهيّاً البَتَّة في هذا العَالَم ، وفي العوالم السَّابقة واللَّاحِقَة ، ولم يُمَيَّز خبيثٌ عن طيِّبٍ إِلَّا بعد الابتلاءات والاِمتحانات في قدر معرفته بـ : أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وطاعته لهم ، ومدىٰ تحمُّله لأَسرارهم ومعارفهم . 2ـ بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « ... والَّذي نفسي بيده ، ما استوجب آدم أَنْ يخلقه اللَّـه وينفخ فيه من روحه ، وأَنْ يتوب عليه ، ويردَّه إِلى جنَّته إِلَّا بنبوَّتي والولاية لِعَلِيّ بعدي ، والَّذي نفسي بيده ما أَرىٰ إِبراهيم ملكوت السَّماوات والأَرض ، ولا اتَّخذه خليلاً إِلَّا بنبوَّتي والإِقرار لِعَلِيّ بعدي ، والَّذي نفسي بيده ، ما كلَّمَ اللَّـه موسىٰ تكليماً ، ولا أَقام عيسىٰ آية للعالمين إِلَّا بنبوَّتي ومعرفة عَلِيّ بعدي ، والَّذي نفسي بيده ، ما تنبَّأ نبيٌّ إِلَّا بمعرفتي ، والإِقرار لنا بالولاية ، ولا استأهل خلق من اللَّـه النظر إِليه إِلَّا بالعبوديَّة له ، والإِقرار لِعَلِيّ بعدي ... »(2). 3ـ بيانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم أَيضاً : « ما تكاملت النُّبوَّة لِنَبِيٍّ في الأَظلَّة حتَّىٰ عرضت عليه ولايتي وولاية أَهل بيتي ، ومُثِّلوا له فأَقَرُّوا بطاعتهم وولايتهم »(3). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة. 4 ـ إِطلاق بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... أَنَا مُنزل الملائكة منازلها ... أَنَا صاحب الهبات بعد الهبات ولو أَخبرتكم لكفرتم ... أنَا المعطي ، أَنا المبذل ، أَنا القابض يدي على القبض ... »(4). وهذا أَحد تفاسير هذا البيان الشَّريف. 5ـ بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ما نُبِّئ نبيّ قَطُّ إِلَّا بمعرفة حقِّنا ، وبفضلنا على من سوانا »(5). ودلالته قد اِتَّضحت ؛ فإِنَّ مقام النُّبُوَّة لم يُعطَ لنبيٍّ قَطُّ إِلَّا بعد معرفته في العوالم السَّالفة بحقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، ومعرفة : حقّهم وحقوقهم وبفضلهم على جملة المخلوقات وفي جميع العوالم غير المتناهية. 6ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ... فَمَنْ أَراد اللَّـه أَنْ يُطَهِّر قلبه من الجنِّ والإِنس عرَّفه ولايتنا، ومن أَراد أَنْ يطمس على قلبه أَمسكَ عنه معرفتنا... واللَّـه ، ما استوجب آدم أَنْ يخلقه اللَّـه بيده ، وينفخ فيه من روحه إِلَّا بولاية عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، وما كلَّم الله موسىٰ تكليماً إِلَّا بولاية عِليّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، ولا أَقَام اللَّـه عيسىٰ بن مريم آية للعالمين ، إِلَّا بالخضوع لِعَلِيّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، ثُمَّ قال : اجمل الأَمر: ما استأهل خلق من اللَّـه النظر إليه إِلَّا بالعبوديَّة لنا »(6). ودلالته واضحة. 7ـ بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً ، الوارد في حقِّ جَدَّته فاطمة الزهراء صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِا : «... وهي الصِّدِّيقة الكبرىٰ ، وعلى معرفتها دارت القرون الأُولىٰ»(7). ودلالته قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ مقامات كُمَّل المخلوقات ـ كـ : الملائكة المُقرَّبين ، والأَنبياء والمرسلين ، والأَوصياء والأَصفياء عَلَيْهِم السَّلاَمُ ـ وغيرهم وكمالاتهم وشؤونهم لم تعطها يد ساحة القدس الإِلٰهيَّة لهم في العوالم السَّابقة ـ وهي الأَساس ـ إِلَّا على قدر معرفتهم بـ : مراتب طبقات حقيقة فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها ، وبـ : مقاماتها ، وكمالاتها ، وفضائلها ، وشؤونها . ولوجود تفاوت في معرفتهم بها فُضِّل بعضهم على الآخر. 8 ـ بيان الإِمام الحسن العسكري صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... فالكليم أُلبس حلَّة الإِصطفاء لَـمّا عهدنا منه الوفاء ...»(8). ودلالته قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ النَّبيَّ موسىٰ عَلَيْهِ السَّلاَمُ نال الاِصطفاء والنُّبُوَّة والرِّسالة ؛ وسائر المراتب والمقامات الإِلٰهيَّة ؛ لَـمَّا عهد أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ منه الوفاء والإِخلاص لهم . 9ـ بيان زيارتهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : « ... حتَّىٰ لا يبقىٰ مَلَك مُقرَّب ، ولا نَبِيّ مُرْسَل ، ولا صِدِّيق ولا شهيد ، ولا عَالِم ولا جاهل ، ولا دني ولا فاضل ، ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ، ولا جبَّار عنيد ، ولا شيطان مريد ، ولا خلق فيما بين ذلك شهيد إِلَّا عرَّفه جلالة أَمركم ، وعظم خطركم ، وكبير شأنكم ، وجلالة قدركم ، وتمام نوركم ، و صدق مقاعدكم ، وثبات مقامكم ، وشرف محلَّكم ، ومنزلتكم عنده ، وكرامتكم عليه ، وخاصَّتكم لديه ، وقرب مجلسكم منه...»(9). ودلالته قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ أَحد فلسفات هذا العرض وعلله في بداية الخلقة ، والتعريف بمقامات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وكمالاتهم وشؤونهم وذلك لاِختبار وامتحان جملة المخلوقات ؛ ليُعطىٰ كُلّ ذي قابليَّة حقَّه وشأنه في المسؤوليَّات المستقبليَّة . وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار، 18: 399 ـ 400/ح101. (2) بحار الأَنوار، 40: 95 ـ 97/ح116. كتاب سليم: 168 ـ 170. (3) بصائر الدرجات، 1: 161/ح300 ـ 7. (4) مشارق أَنوار اليقين، الخطبة الافتخارية: 165 ـ 166. (5) بحار الأَنوار، 26: 281/ح28. بصائر الدرجات، 1: 51. (6) بحار الأَنوار، 26 : 294/ ح56. الاختصاص: 250. (7) بحار الأَنوار، 43: 105/ح19. (8) بحار الأَنوار، 26: 364 ـ 365/ح50. (9) ) بحار الأَنوار ، 99 : 152