معارف الهية ( 64 )تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
19/03/2024
الدرس ( 64 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) ولا زال في الطائفة السادسة، وكانت تحت عنوان : ( لامامة اهل البيت عليهم السلام اياد خطيرة ومهولة ) ، منها الاسم الاعظم ، وروح القدس ، ولازال الكلام في هذا المبحث الاخير ، ووصل البحث الى المطلب التالي : بعض خصائص هذا المبحث ومن خصائص هذا المبحث أَنَّه يوقف الباحث على مباحث أُخرىٰ مُهمَّة وخطيرة جِدّاً ، منها : مبحث النزاع الدستوري ، وهو من أَعقد النزاعات الحاصلة بين سلطات الدولة الثلاث ـ التشريعيَّة ، والتنفيذيَّة ، والقضائيَّة ـ فإِنَّه لابُدَّ من الإِلتجاء في حلِّه : الإِحتكام لجهةٍ عُليا ، لها سيادة الحسم لِـمِثْلِ هذه القضايا والمواقف والنِّزَاعات والصِّرَاعات ، وهي : (المحكمة الدستوريَّة) ؛ فإِنَّ أَصحابها يتمتَّعون بمكنة وقدرة الوقوف على بواطن قوالب أَلفاظ ومعاني وحقائق دستوريَّة لم تكن عند غيرهم ـ كـ : رئيس الدولة ، ورئيس البرلمان ، ورئيس السلطة القضائيَّة ، وأَصحاب الخبرة من الكُتل البرلمانيّة ـ مع أَنَّهم من أَبناء اللغة الَّتي كُتِبَ بها الدُّستور ، ومن ثَمَّ يُضطرُّ ـ بعدما كانت حقيقة الدستور ليست قائمة في الأَلفاظ ، بل في معانيه وحقائقه الَّتي لا يُخبرها إِلَّا الخبير الدستوري ـ في الأُمور الشائكة المُتعلِّقة به إلى مُفسِّرٍ ومُترجمٍ لغوامضه ومبهماته ، وصاحب علم ومعرفة أَرفع في قراءته وتفسيره. ويُصطلح على مَنْ يتمتَّع بهذه المكنة والقدرة بـ : (الترجمان) ، والمراد منه : مَنْ يتمتَّع بعلمٍ ومعرفةٍ وإِحاطةٍ بمنظومة العلم ، يتمكَّن من خلالها : معرفة أُصول تشريع ذلك العلم وفروعه. وعليه : فهل يحقُّ في مِثْلِ تلك الخلافات والنِّزَاعات والصِّرَاعات أَنْ يقول قائلهم : «حسبنا دستور الدولة» !! فإِنَّ نقوش وأَلفاظ فقراته بعدما كانت صامتة وصمَّاء ولا تنطق بنبرة شفة ، وكان المتجاذبون كُلّ يجرّ النَّار إِلى قرصه فلا تشفع ـ تلك النقوش والأَلفاظ ـ في حلِّ مسائله وقضاياه المُعقَّدة ، لاسيما الشائكة ، وحينئذٍ لا تكون يد الحلّ إِلَّا عند من يُحيط بعمق وجذور وبواطن : قوالب أَلفاظه ، ومعانيه ، وحقائقه ليس إِلَّا. هكذا حال الإِختلافات الشرعيَّة والدينيَّة لاسيما المعرفيَّة منها ، بل والعقائديَّة ، والنِّزَاعات والصِّرَاعات بين أَصحاب المذاهب والأَديان والملل، فلا تُحلُّ إِلَّا بيد مَنْ كان مُحيطاً بعمق وجذور وبواطن قوالب التَّشريعات والمعارف والعقائد الإِلٰهيَّة ، وبواطن معانيها وحقائقها ، ولا يوجد ذلك إِلَّا في أَهل البيت الأَطهار (صلوات اللَّـه عليهم). وهذا ما أَشارت إليه بيانات الوحي ، منها : بيان خطبة فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها(1): «... وطاعتنا نظاماً للملَّة ، وإِمامتنا أَماناً من الفرقة ...»(2). قضايا ثلاث وللتوضيح أَكثر ينبغي الإِلتفات إِلى القضايا الثلاث التَّالية : القضيَّة الأُولى : ... وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) لا بأس في المقام بالإِلتفات إِلى القضايا الأَربع التَّالية : الأُولىٰ : المعروف : أَنَّ لفاطمة صلوات اللَّـه عليها خطبتين ، لكنَّه ثبت بالتتبُّع الناقص أَنَّ لها أَربع خطب في أَربعة مواطن ، وليست لها أَربع نسخ لخطبةٍ واحدة ، وأَحد هذه المواطن : في المسجد النبوي. وهي الخطبة المعروفة. الأُخرىٰ : عندما أَتتها صلوات اللَّـه عليها نساء المهاجرين والأَنصار. وهذه أَيضاً خطبة معروفة. ثالثها : حينما أَتتها عائشة بنت طلحة ، فخطبت صلوات اللَّـه عليها ، ونشرتها ابنة طلحة. رابعها : عند قبر حمزة × أَو في مكان آخر. الثَّانية : أَنَّ خُطْب فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها كانت تشريح وتحليل للأَوضاع دقيق ورقيق. الثَّالثة : أَنَّ أَمير المؤمنين والبتول فاطمة صلوات اللَّـه عليهما جناحان وفرسان نوران نبويَّان إِلٰهيَّان في مواجهة تربية هذه الأُمَّة وتمرُّدها ، لكن الأُمَّة لم تتحمَّل ولم تخضع ولم تنصاع تربويّاً لهما صلوات اللّٰـه عليهما ، ولا زالت إِلى الآن. الرابعة : المعروف ـ بحسب تدبُّر كثير من أَكابر الفريقين ـ : أَنَّ فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها حينما احتجَّت في قضيَّة فدك احتجَّت بحجج لا تدافع بينها ؛ بل بينها تمام الموافقة والموائمة والمؤازرة ؛ فإِنَّه يمكن للإِنسان تَملُّك الشيء الواحد بأسباب مُتعدِّدة لا تضارب بينها. الحُجَّة الأُولىٰ : أَنَّها وارثة أَبيها صلَّىٰ اللَّـه عليهما وعلى آلهما وراثة اصطفائيَّة. وقد اعترف علماء العامَّة والجمهور بـ : أَنَّ وراثة النَّبيّ سليمان من أَبيه النَّبيّ داود ‘ الواردة في بيان قوله تعالىٰ : [وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ] [النمل: 16] وراثة اِصطِفائيَّة. وحيث إِنَّ لسيِّد الأَنبياء ’ ولاية على الفيء شاملة لكلّ الأَرض ؛ انتقل هذا الإِرث بالوراثة الاِصطِفائيَّة من ضمنه أَرض فدك ـ بنصِّ بيان قوله تعالىٰ المُتقدِّم وغيره ـ بعد استشهاده ’ إِلى قرباه : فاطمة الزهراء وأَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت^. لكن : هذه القضيَّة غفل عنها الكثير من الخاصَّة ، وحصروا وراثتها ÷ من أَبيها ’ بالوراثة الماليَّة الماديَّة. والحقُّ : أَنَّ إِرث فيء الأَرض وإِن كان ماليّاً ماديّاً ، لكنَّ ماليَّته ليست ماليَّة ماديَّة فرديَّة فقط ؛ لأَنَّه لَـمَّا كانت ـ هذه الماليَّة ـ لها سعة شاملة لجملة الأَرض كانت ولاية اِصطِفائيَّة. الحجَّة الثَّانية : أَنَّ أَبيها ’ وهب أَرض فدك لها. الحُجَّة الثَّالثة : أَنَّ أَرض فدك كانت تحت يدها حين استشهاد أَبيها ’ ؛ فتكون داخلة في ملكها ؛ لقاعدة اليد من دون حاجة إِلى بيِّنة. الحُجَّة الرابعة : أَنَّ أَرض فدك سداد دين مهر أُمّها خديجة ، وهذا إِرث اِصطِفائي ورثته من أُمِّها صلوات اللّٰـه عليهما. (2) بحار الأَنوار ، 29 : 223.