الرئيسية | دروس في المعارف الإلهية | دروس في المعارف الإِلٰهيَّة



معارف الهية ( 1 )
الدرس : (1 )/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين . /علم: ( الحروف ) / إِنَّ علم : ( الحروف ) علمٌ جمٌّ يشمل علوم شتَّىٰ ، بعضها غريبة وخفيَّة ومن الأَسرار ، كـ : علم : (الرمل) ، و(التَّنجيم) ، و(تعبير الرؤيا)، و(تأويل الأَحاديث). وبعضها الآخر ظاهر ومبذول ومنتشر ، كـ : علم : (النَّحو) ، و(الصرف) ، و(البلاغة) ، و(الاشتقاق). وهناك نظريَّة لغويَّة مستفادة من بيانات الوحي الباهرة ؛ حاصلها : «إِنَّ الحرف في الأَصل عبارة عن اختزال مجموعة كلمات ، بل جمل وفصول ، بل كُتب، بل مجموعة براهين من علوم شتَّىٰ : عقليَّة ونقليَّة ولغوية» ؛ فالحرف الواحد : وعاء لمعانٍ ، وكتابٍ ، وكُتبٍ. فهو إِشارة رمزيَّة لمعنىٰ كان في الأَصل معانٍ مُتعدِّدةٍ ومُستقلَّةٍ بعضها عن الآخر. وهذا ما يُوضِّح : نكتةٌ وفلسفةٌ من نكات وفلسفات الحروف المُقطَّعة الواردة في القرآن الكريم. وعليه : فعلىٰ الباحث والمُستنبِط إِذا أَراد فتق معنىً الإِلتفات إلى هذه النتفة اللَّطيفة ، والجوهرة الثَّمينة ؛ من أَنَّ طبيعة الحروف : معانٍ وكلماتٍ مُتعدِّدة. وهذه القضيَّة ليست بتخيُّل ، ولا أَهازيج شعر ، ولا أَساطير خواطر ، بل ثابتة بالبرهان : (العقلي) ، و(النَّقلي) ، و(اللُّغوي) ، و(النحوي) ، و(الصَّرفي) ، و(البلاغي) و(الاشتقاقي). وقد نقَّح علماء أُصول فقه الإِماميَّة (أَعزَّهم الله) لاسيما الشَّيخ العراقي + الشيء الكثير مِنْ هذا المطلب. ومنه تتَّضح : بيانات الوحي الواردة في المقام ، منها : ما دلَّ على أَنَّ كُلَّ القرآن الكريم في سورة الفاتحة ، والفاتحة في البسملة ، والبسملة في حرف الباء، ومعناه : أَنَّ حرفاً واحداً ـ وهو : (الباء) ـ يشتمل جملة القرآن الكريم وعلومه. لكن : علم ذلك عند أَهله : أَهل البيت ؛ سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت صلوات الله عليهم(1). فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين عليه السلام: « لو شئتُ لأَوقرت لكم ثمانين بعيراً من معنىٰ: (الباء) »(2). 2ـ ما رواه القندوزي الحنفي : « أَنَّ جميع أسرار الله (تعالىٰ) في الكتب السَّماويَّة ، وجميع ما في الكُتب السَّماويَّة في القرآن ، وجميع ما في القرآن في الفاتحة، وجميع ما في الفاتحة في البسملة ، وجميع ما في البسملة في (باء) البسملة ، وجميع ما في (باء) البسملة في النقطة الَّتي هي تحت (الباء) ، قال الإِمام عليٌّ كرَّمَ الله وجهه : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء»»(3). ومعناه : بي كان ما كان ، وبي يكون ما يكون ، وهذا المعنىٰ يرجع إِليه جميع ما يُؤخذ من القرآن الكريم. 3ـ بيانه صلوات الله عليه أَيضاً : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »(4). ودلالته ـ كدلالة سابقيه ـ قد اتَّضحت. وسيأتي (إِنْ شاء الله تعالىٰ) في ذيل هذه المسألة تحقيق وبيان خاصّ بهذا البيان الوحياني الشَّريف وسابقه ؛ تُكشف فيه ستار ونقاب بعض درر بحور حقائقهما الصَّاعدة المُتلاطمة. فانتظر هنيئة. 4ـ بيانه صلوات الله عليه أَيضاً : « العلم نقطة كثَّرها الجاهلون ، والأَلف وحدة عرَّفها الرَّاسخون ، والباء مدَّة قطعها العارفون ، والجيم حفرة تأهلها الواصلون ، والدال درجة قدَّسها الصَّادقون »(5). 5ـ ما ورد عن ابن عبَّاس ، قال : « أَخذ بيدي الإِمام عَلِيّ عليه السلام ، في ليلةٍ مقمرةٍ ، فخرج بي إِلى البقيع بعد العشاء ، وقال : إِقرأ يا عبد الله ، فقرأت: «بسم الله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيْم»، فتكلَّم لي في أَسرار (الباء) الى بزوغ الفجر »(6). 6ـ وعنه ، قال : « قال لي عليٌّ عليه السلام : إِذا صلَّيتَ العشاء الآخرة فالحقني إِلى الجَبَّان(7)، قال: فصلَّيتُ ولحقته ، وكانت ليلة مقمرة ، قال : فقال لي : ما تفسير (الأَلف) من الحمد ؟ قال : فمَا علمتُ حرفاً منها أُجيبه ، قال : فتكلَّم في تفسيرها ساعة تامَّة ، قال : ثُمَّ قال لي : ما تفسير (اللام) من الحمد ؟ قلتُ: لا أَعلم ، فتكلَّم في تفسيرها ساعة ، ثُمَّ قال : ما تفسير (الحاء) من الحمد ؟ قال: فقلتُ : لا أَعلم ، فتكلَّم في تفسيرها ساعة تامَّة ، قال : ثُمَّ قال : ما تفسير (الميم) مِن الحمد ؟ إِلى أَنْ قال : ما تفسير (الدَّال) ؟ قلتُ : لا أَدري ، فتكلَّم فيها إلى أَنْ برق عمود الفجر ، فقال لي : قم يا أَبا العبَّاس إلى منزلكَ ... فقمتُ وقد وعيتُ كُلَّ مَا قال ، ثُمَّ تفكَّرتُ فإذا علمي بالقرآن في علم عَلِيٍّ عليه السلام كالقَرَارَةِ في الـمُثْعَنْجِرِ(8)»(9). ودلالته ـ كدلالة سابقيه ـ واضحة ، بعد الإِلتفات إِلى أَنَّ عنوان ولفظ: (السَّاعة) حينما يُطلق ويُستعمل في لغة العرب فليس المراد منه ما هومُتعارف في يومنا هذا ؛ فإِنَّه مصطلح حادث في العصور المُتأَخِّرة ؛ وبعد إِكتشاف آلة السَّاعة ، وبالتالي يكون إِستعماله على وفق المُصطلح الحادث ليس بشرعي ولا عرفي في عصر التَّشريع ولا لغوي ، وإِنَّما المراد منه : (الوقت) ، ومن ثَمَّ قد يكون زمانه ومصداقه أَكثر من (60 دقيقة) أَو أَقل. مثاله : ـ إِضافة لِـمَا تقدَّم ـ بيان أَمير المؤمنين صلوات الله عليه الوارد في حقِّ إِبليس (عليه اللَّعنة) : « ... فاعتبروا بما كان من فعل إِبليس ؛ إذ أَحبَطَ عمله الطَّويل ، وجهده الجهيد ، وكان قد عبد الله ستَّة آلاف سنةٍ ، لا يُدْرَىٰ أَمِنْ سِنِيّ الدُّنيا أَم سِنِيّ الآخرةِ ، عن كِبرِ ساعَةٍ واحدةٍ ... »(10). مثالٌ آخر : ما ورد في بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ؛ في صحيحة منصور ابن حازم ، قال : «سألته عن ركعتي طواف الفريضة ، قال : لا تؤخِّرهما ساعة ، إِذا طفتَ فصلِّ»(11). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ قد اتَّضحت ؛ فإِنَّ المقصود من قوله عليه السلام: «لا تؤخرهما ساعة» : لا تؤخِّرهما وقتاً. 6ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام الوارد في بيان معنىٰ : الاسم الإِلٰهي (الصَّمد)(12)، قال : «... لو وجدتُ لعلمي الَّذي آتاني الله (عزَّ وجلَّ) حَمَلَةً لنشرتُ التَّوحيد ، والإِسلام ، والإِيمان ، والدِّين ، والشَّريعة من الصَّمد...»(13). ودلالته واضحة أَيضاً. و(الصَّمد) وإِنْ كانت كلمة وليست بحرفٍ ، لكن مُثِّلَ بها لوحدة النكتة؛ وأَنَّ كلمات الوحي الإِلٰهي كحروفه لها القابليَّة ، بل هي بالفعل بحار وحي موَّاجة لا نهاية لمعانيها وحقائقها ، أَبد الآباد ودهر الدُّهور ؛ ما دامت صادرت من ساحة القدس الإِلٰهية ؛ وأَفعال للذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وإِلَّا ـ أَي : لو كانت كلمات الوحي وحروفه متناهية ـ للزم (والعياذ بالله تعالىٰ) تناهي الذات المُقدَّسة فتأَمَّل جيِّداً. ومعناه : أَنَّ طبيعة الحرف ـ كطبيعة الكلمة ـ لها القابليَّة على استيعاب معاني وحقائق غير حدَّ وغير نهاية لها. وسيأتي (إِنْ شاء الله تعالىٰ) مزيد بيان عن هذه القضيَّة في البيان والدَّليل التَّالي. 7ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : « ... إِنِّي أَتكلَّم بالحرف الواحد فيه سبعون وجهاً ، إِنْ شئتُ أُحدِّث كذا ، وإِنْ شئتُ أُحدِّث كذا »(14). ودلالته واضحة أَيضاً ، بعد الالتفات : أَنَّ ما أَخذه صلوات الله عليه من عددٍ ليس المراد منه خصوص السَّبعين ، وإِنَّما كناية عن مُطلق الكثرة ، وعدم التَّناهي ، كحال بيان قوله جلَّ شأنه : [اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ](15)؛ فإِنَّ معنىٰ : (الحرف الواحد) الَّذي يتكلَّم به الإِمام عليه السلام بعدما كان وحيانيّاً كان مصداقاً لبيانات الوحي الدَّالَّة على عدم تناهي معاني وحقائق كلمات وحروف بيانات الوحي. فانظر : أَوَّلاً : بيان قوله تعالىٰ ذكره : [وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ](16). بتقريب : أَنَّ معاني وحقائق حروف بيانات الوحي لو كانت متناهية للزم تناهي معاني وحقائق كلمات بيانات الوحي أَيضاً ، لكنَّ الثابت بالبرهان العقلي والوحياني ، كصريح هذا البيان الشَّريف عدم محدوديَّتها وعدم تناهيها ، فتكون معاني وحقائق حروفها غير محدودة وغير متناهية أَيضاً. ثانياً : بيان قوله جلَّ ذكره : [مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ](17). ودلالته واضحة. رجوع حقيقة جملة الأَسماء والصِّفات الإِلهيَّة إلى حرف فارد ومن كُلِّ ما تقدَّم يتَّضح : ما سيأتي (إِنْ شاء الله تعالىٰ) في مبحث : (الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة) : أَنَّ كافَّة الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة الفعليَّة تؤول إِلى اسمٍ وصفةٍ إِلٰهيَّة فعليَّة فاردة ، وهذا الاسم والصفة يؤول(18) إلى اسمٍ وصفةٍ إِلٰهيَّة ذاتيَّة واحدة ، وجميع الأَسمآء والصفات الإِلٰهيَّة الذاتيَّة تؤول إلى اسم فاردٍ ، وهو : (هو) ، واصل (هو) : الهاء(19)، فعادت جميع الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة إِلى حرف واحد(20). وهذا نظام قائم في باب الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ، ومعناه : الإِشتقاق(21). خروج في الجملة عن صلب الموضوع بحث في الأَسماء والصفات الإِلهيَّة، ومقامات وشؤون أَهل البيت عليهم السلام تفسير لبيان أَمير المؤمنين عليه السلام: «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» قبل الدخول في صميم البحث ينبغي الإِلتفات إِلى الأُمور التَّالية : الأَوَّل : أَنَّ مبحث الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة دورة معارف ، بل من أَعقد معارف بيانات الوحي ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سيأتي (إِنْ شاء الله تعالىٰ) في أَبواب الإِمامة الإِلٰهيَّة : أَنَّ عنوان ولفظ : (أَهل البيت عليهم السلام ) يُطلق في بيانات الوحي على معانٍ مُتعدِّدة ، شاملة لسيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، بل رأس هرمه وأَوَّل مصاديقه ومصاديق آية التَّطهير ، منها : ( أَهل البيت الحرام ) و( أَهل البيت المعمور في السَّماء الرَّابعة ، والَّذي نزل فيه جملة القرآن الكريم دفعة واحدة ، ليلة القدر على قلب سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله في تلك الطبقة ) ، فتكون أَزواجه صلى الله عليه واله خارجات منه موضوعاً وتخصُّصاً ، لا تخصيصاً ، كمورد النزول ، ومن ثَمَّ لا يُحَوَّر هذا العنوان بـ : ( أَهل بيت النَّبيّ صلى الله عليه واله) ؛ كيما يُتوَّهم دخول أَزواجه فيه ، وخروجه صلى الله عليه واله منه ؛ لأَنَّ الشيء لا يُضاف إِلى نفسه. إِذنْ : مرادنا من استعمال عنوان ولفظ : (أَهل البيت عليهم السلام) في هذا المورد وسائر الموارد ما يشمل : (الأَربعة عشر معصوماً صلوات الله عليهم). فالتفت ، وليكن ذلك حاضراً في الذهن عند تلك الاستعمالات. (2) لطائف المتن ، 1 : 171. (3) ينابيع المودَّة ، 2 : 195. تفسير البصائر ، 1/ 24. (4) بحار الأَنوار ، 40 : 165. (5) ينابيع المودَّة ، 2 : 195. (6) المصدر نفسه : 214/ ح19. (7) الجَبَّان : تأتي بمعنىٰ : (المقبرة) و(الصحراء). (8) القَرَارَة : (الغدير). أَو (قاع مستدير يجتمع فيه ماء المطر). أَو (ماء يصب في القدر بعد الطبخ لئلا يحترق). أَو (ما لصق بأسفل القدر من مرق أَو غيره). أَو (المكان المنخفض ؛ أَندفع إِليه الماء فاستقرَّ فيه). المُثْعَنْجِر : البحر. (9) بحار الأَنوار ، 89 : 105/ ح83 . (10) نهج البلاغة / خ: 192 : 316. (11) وسائل الشيعة ، 13/ الباب : 76 ، من أَبواب الطواف : 435/ح5. (12) سيأتي (إِنْ شاء الله تعالىٰ) في أَبواب التَّوحيد : باب الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ذكر لبعض معاني الاسم الإِلٰهي : (الصمد) ، المشار إِليها في بيانات الوحي ، منها : 1ـ إِنَّه (سبحانه وتعالىٰ) لا خواء ولا نقص ، ولا جوف له. 2ـإِنَّه لا يمكن لمخلوق قَطُّ ـ وإِنْ كان ملحداً ومن أَهل الباطل ـ الصمود والتوجُّه واستمداد قوَّته وعطائه إِلَّا منه (تبارك وتعالىٰ). 3ـ نفس معنىٰ بيان قوله جلَّ قوله : [فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ] [البقرة : 115]. 4ـ إِنَّ نهاية اللقاء له (سبحانه). (13) بحار الأَنوار ، 3 : 225/ ح15. (14) بحار الأَنوار ، 47 : 119 ـ 120/ ح64 . (15) التوبة : 80 . (16) لقمان : 27. (17) النحل : 96. (18) مرجع الضمير : (واقع الاسم والصفة) ؛ فإِنَّ حقيقتهما واحدة ، وسيأتي (إِنْ شاء الله تعالىٰ) في المباحث والمسائل التالية بيان ذلك فانتظر. (19) المستفاد من بيانات الوحي الإِلٰهي : أَنَّ مقام الاسم الإِلٰهي : (هو) ـ وهو : غيب مُطلق ـ أَسبق وأَعظم رتبة وهيمنة وفوقيَّة على معرفة الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة من مقامات سائر الأَسماء الإِلٰهيَّة الحسنىٰ ، ومن ثَمَّ قُدِّم عليها في عِدَّة مواضع من بيانات القرآن الكريم ، منها : سورة الإِخلاص ، ونهايات سورة الحشر. ثُمَّ يأتي بعده مقام الاسم الإِلٰهي : (الله) ، ثُمَّ مقام : (الأَحد) و(الأَحديَّة) ـ خلافاً للعرفاء ؛ فإِنَّهم عكسوا وقدَّموا : الأَحد والأَحديَّة على اسم الله ـ ثُمَّ يأتي مقام : (الواحد) و(الواحديَّة). ولعلَّ أَحد معاني الإِبهام في الاسم المستأثر (هو) : عدم تناهي تجلِّيات الذات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة في الأَفعال الإِلٰهيَّة. إِذنْ : الاسم المستأثر (هو) اسم استأثر به الباري المُسمَّىٰ (تقدَّس ذكره) في باطن الغيب ، لا ظهور له ، ولا يظهر أَبداً لأَحدٍ من المخلوقات ، ومعناه : عدم التناهي في الأَسميَّة وعدم التناهي في البطن والبطون. ومِنْ ثَمَّ ورد في بيانات الوحي : أَنَّ البَدَاء الأَعظم يحصل من هذا الإِسم الإِلٰهي ، ومنه كانت للذات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة ربوبيَّة على الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ، وربوبيَّة على كافَّة العوالم والمخلوقات. (20) يجدر الالتفات : أَنَّ التبعيض في الأَسماء أَو في الصفات الإِلٰهيَّة يؤدِّي لا محالة إلى ثنويَّة وشرك وكفر خفي. (21) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ التَّفسير العقلي لمبحث اشتقاق الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة صعب جِدّاً
معارف الهية (2) تفسير لبيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »
الدرس : ( 2 )/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين . تفسير لبيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ » ؛ ولتوضيح ما ذكره صلوات الله عليه كبيان كاشف عن بعض طبقات حقيقته عليه السلام الصاعدة نقول : /بحث في الأَسماء والصفات الإِلهيَّة، ومقامات وشؤون أَهل البيت عليهم السلام / /تفسير لبيان أَمير المؤمنين عليه السلام: «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء»/ قبل الدخول في صميم البحث ينبغي الإِلتفات إِلى الأُمور التَّالية : الأَوَّل : أَنَّ مبحث الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة دورة معارف ، بل من أَعقد معارف بيانات الوحي. الثَّاني : أَنَّ كثير مما يتخيَّله المخلوق من شُبهات وتساؤلات وإِشكالات على ساحة القدس الإِلٰهيَّة ناشئة من عدم معرفته بباب الأَسماء والصِّفات الإِلٰهيَّة، وهو باب خطير وحسَّاس ومهمّ جِدّاً في توطيد صلة المخلوق بخالقه (جلَّ قدسه) ، وله تأثير بالغ في المعرفة الإِلٰهيَّة ، فاليهود ـ مثلاً ـ مع إِعتقادهم بالله (عزَّ وجلَّ) ، لكن نتيجة عدم وعيهم ومعرفتهم بالذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقَدَّسة ، والأَسماء والصِّفات الإِلٰهيَّة أَعتقدوا (والعياذ بالله تعالىٰ) ببخله (سبحانه وتعالىٰ) وقالوا : [يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ] (1 ) . الثَّالث : أَنَّ حقيقة الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ، بل وكذا حقيقة القرآن الكريم والمعارف الإِلٰهيَّة لاتكمن بوجوداتها الإِعتباريَّة . ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1 ) المائدة : 64
معارف ألهية (3)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »
الدرس : ( 3 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، لكن قبل الدخول في صميم البحث يجدرالإِلتفات إِلى امور ، سنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ستة منها ، مر الكلام عن الامر الاول والثاني ، ووصلنا ( بحمد الله تعالى ) الى الامر : الثَّالث : أَنَّ حقيقة الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ، بل وكذا حقيقة القرآن الكريم والمعارف الإِلٰهيَّة لاتكمن بوجوداتها الإِعتباريَّة ـ الصوتيَّة والكتبيَّة ـ بل ولا بمعانيها الذهنية ، ولا ببحور معانيها، فإِنَّ هذه الوجودات وإِنْ كانت لها قدسية وشعشعانيَّة ونورانيَّة عظيمة جِدّاً ، ولها آثار طلسميَّة عجيبة وغريبة وردت في بيانات الوحي ، لكن حقائقها تكمن في عوالم وبحور صاعدة ، تُهيمن على ما دونها ، وتتصرَّف بها تصرُّف اللطيف في الأَغلظ. وبالجملة : هناك قاعدة منهجيَّة مطَّردة ، وردت في بيانات الوحي المتواترة ، تأتي في كافَّة أَبواب المعارف الإِلٰهيَّة ، لا يمكن للباحث في أَبواب المعارف ، وفي جميع خطاه البحثيَّة تخطِّيها والإِعراض أَو الغفلة عنها أَو نسيانها أَو تناسيها ، وهي : «أَنَّ كُلَّ عنوانٍ معرفيٍّ ورد في أَبواب المعارف الإِلٰهيَّة لابُدَّ أَن تكون له عينيَّة تَحَقُّقيَّة ، وحقيقة خارجيَّة تكوينيَّة ثابتة في العوالم الصَّاعدة». ومِنْ ثَمَّ لا يبحث أَصحاب المعارف عن الأَصوات ، ولا عن النقوش ؛ لكونها أُموراً إِعتباريَّة ، بل ولا عن الوجودات الذهنيَّة فحسب ؛ لأَنَّها ليست هي الغاية ، وإِنَّما يبحثون عن الواقعيَّات الخارجيَّة والعينيَّات التَّحقُّقِيَّة. وإِلى هذا تشير بيانات الوحي ، منها: بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... هو الرَّبُّ ، وهو المعبودُ وهو اللَّـهُ ، وليس قولي : اللَّـه إِثبات هذه الحروف : ألِفٍ ولآمٍ وهَاءٍ ، ولا راءٍ ، ولا باءٍ ، ولكن ارْجِعْ إِلى مَعْنَىٰ ، وشيءٍ خالق الأَشياء وصانِعِهَا ، ونعت هذه الحروف ، وهو المعْنَىٰ ، سُمِّيَ به اللَّـهُ والرَّحْمٰنُ والرَّحيم والعزيز ، وأَشباه ذلك من أَسمائه ، وهو المعبودُ جلَّ وعزَّ» (1) . وهذا بمثابة جرس وإِيقاظ علمي ، وصحوة علميَّة تُوهِّج أَنوار البصيرة. إِذَنْ : أَبواب المعارف قائمة على الحقائق التَّكوينيَّة ، فبيئتها وموضوعها : (الحقائق). بخلاف أَبواب فقه الفروع ؛ فإِنَّها قائمة على الوجودات الرَّمزيَّة الإِعتباريَّة في دار الدُّنيا. وبعبارة أُخرىٰ : أَنَّ موضوع فقه الفروع هو : (الشَّريعة) ، والمراد منها : مبدأ الإِنطلاق ، وهو يتحقَّق بالإِعتبار. ثُمَّ إِنَّ الحقائق على مراتب وطبقات ودرجات جليَّة وخفيَّة ، والجليَّة كالخفيَّة على مراتب وطبقات ودرجات لا متناهية ، بل وعلى أَلوان وأَثواب وأَنماط وأَنواع وأُطر ولغات. وعليه : فلا يكفي المخلوق لا سيما الباحث التَّعَرُّف على طبقة منها ، بل لا بُدَّ أَنْ يسير سيراً لا متناهياً ، دؤوباً ودائماً. ومِنْ ثَمَّ كانت جملة العلوم لغات للحقيقة ، فلذا يمكن إِقامة البراهين والبيانات العلميَّة على المعارف الحقَّة الإِلٰهيَّة ـ كالواردة في أَبواب : التَّوحيد ، والنُّبُوَّة ، والإِمامة ، والمعاد ـ في كُلِّ علمٍ من العلوم وإِنْ كانت علوم تجريبيَّة ؛ فيمكن البرهنة على المعارف الحقَّة بلغة علم : الفيزياء ، والكيمياء ، وعلم : الإِجتماع ، والقانون والإِدارة وهلمَّ جرّاً. وهذا ما يوضِّح : نكتة وفلسفة تعدُّد معاجز الأَنبياء عليهم السلام ؛ فإِنَّ البرهان بعدما كان لمعان غيب فلا يمكن أَنْ يكون مختصّاً بالبرهان العقلي ـ خلافاً لمنهج الفلاسفة والمُتكلِّمين ـ بل يمكن إِقامته بالحسِّ والخيال وبقيَّة العلوم والفنون وقوىٰ النَّفس ، ومن ثَمَّ نظرة السحرة للمعان غيب القدرة الإِلٰهيَّة في فنِّ تبديل عصا النَّبيّ موسىٰ عليه السلام الغيبي دعتهم أَنْ يكونوا أَوَّل المؤمنين ؛ مع أَنَّه برهان من عالم الفنّ والخيال. إِذِنْ : الوصول إلى الحقيقة لا ينحصر في نمط مُعَيَّن ، بل له أَنماط وأَلوان وأَنواع وطبقات مُختلفة. ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1 ) أُصول الكافي ، 1: 60/ح6
معارف الهية(4)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : ( 4)/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ » ، لكن قبل الدخول في صميم البحث يجدرالإِلتفات إِلى امور ، سنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ستة منها ، مر الكلام عن الامر الاول والثاني والثالث ، ووصلنا ( بحمد الله تعالى ) الى الامر : الَّرابع : أَنَّ مطلق الأَسماء والصِّفات الإِلٰهيَّة ـ فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة ـ مخلوقات إِلٰهيَّة ـ كما تقدَّم ـ ، لكن ليس لها حدود وتناهي وحدوث ولون خلقي، وإِنَّما حدود وتناهي وحدوث في الحُجب والسدنة الربوبيَّة ؛ فإِنَّ اسم الرحمٰن غير اسم الرَّحيم ، وهما غير اسم القادر ، وهذه الثلاثة غير اسم الأَوَّل ، وهذه الأَربعة غير اسم الآخر ، وهلمَّ جرّاً. وبعبارة أُخرىٰ : أَنَّه حينما تقول : (رحمٰن) لا تستغني بوصفه عن اسم (الرَّحيم) ؛ فكمال الرحمٰن كاسمٍ ووصفٍ لا ينطوي على كمال الرَّحيم . وعندما تقول : (أَحد) و (واحد) فكمال كُلِّ واحدٍ منهما لا ينطوي على كمال الآخر ، بل ولا ينطوي على كمال سائر الأَسماء الإِلٰهيَّة ؛ كـ : اسم : (العَالِم) و(القادر). وهذه حدود ونهايات ومغايرة وإِنْ لم تكن حدود ونهايات ومغايرة خلقيَّة ؛ لكنَّها كاشفة عن حدوث وتناهي خفيٍّ ؛ وحدود ومغايرة خفيَّة ؛ مُنزَّه عنها الباري ـ المُسمَّىٰ ـ (تقدَّس ذكره). إِذَنْ : مُطلَق الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ـ أَفعليَّة كانت أَم ذاتيَّة ـ وإِنْ كانت لا محدودة ولا متناهية بلحاظ حقائقها وما تحتها من جملة العوالم وسائر المخلوقات ، لكنَّه إِذا قوبل بعضها بالآخر كانت محدودة ومتناهية ، فالاسم الإِلٰهي (الأَوَّل) وإِنْ كان لا محدوداً ولا متناهياً بلحاظ حقيقته ، لكنَّه إِذا قوبل بالاسم الإِلٰهي (الآخر) صار محدوداً ومتناهياً ، لكن هذه ليست حدود وتناهي خلقي ، وإِنَّما حدود وتناهي الشؤون الإِلٰهيَّة . ويُعبِّر أَهل المعرفة عن هذه القضيَّة بـ: «دولة الأَسماء» ؛ فإِنَّ لكلِّ اسمٍ إِلٰهيٍّ دولته الخاصَّة به . وهذا التعبير مُستفاد من بيانات الوحي الإِلٰهي ، منها: 1 ـ بيان قوله تعالىٰ : [ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن] (1). 2ـ بيان دعاء الإِفتتاح للحُجَّة ابن الحسن عجَّل الله تعالىٰ فرجه : «... وَاَيْقَنْتُ اَنَّكَ اَنْتَ اَرْحَمُ الرّاحِمينَ في مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، وَاَشَدُّ الْمُعاقِبينَ في مَوْضِعِ النَّكالِ وَالنَّقِمَةِ، وَاَعْظَمُ الْمُتَجَبِّرِينَ في مَوْضِعِ الْكِبْرياءِ وَالْعَظَمَةِ...»(2). ومعناه : أَنَّ كمال الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة أَعظم وفوق هذه الشؤون والأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة. ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1 ) الرحمٰن : 29 . (2 ) بحار الأَنوار ، 94 : 337
معارف الهية(5) تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : ( 5 )/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، لكن قبل الدخول في صميم البحث يجدرالإِلتفات إِلى امور ، سنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ستة منها ، مر الكلام عن الامر الاول والثاني والثالث والرابع، ووصلنا ( بحمد الله تعالى ) الى الامر : الخامس : أَنَّ لكثير من الأُمور وجودين : أَحدهما : حقيقي ، والآخر : مجازي عقلي ، والمجاز العقلي يدور مدار كيفيَّة الإِستعمال. ثُمَّ إِنَّ الباحث في أَبواب المعارف لا يهمُّه كثيراً التَّمييز بين الحقيقة اللغويَّة والمجاز العقلي ؛ لأَنَّ دأَب الباحث في أَبواب المعارف التحرِّي عن الحقائق العقليَّة والتَّكوينيَّة ، دون المجازات العقليَّة. إِذَنْ : البحث في علوم المعارف ينصبُّ أَوَّلاً وبالذَّات على الحقائق العقليَّة ، خلافاً لعلم (الأَخلاق) وعلم (النَّفس والروح) ؛ فإِنَّهما علمان إِعتباريان ، نعم يُبحث في نهاياتهما عن الحقائق التَّكوينيَّة . وخلافاً لعلم (السياسة) وعلم (الإِجتماع) والعلوم (الإِنسانيَّة) ؛ فإِنَّها علوم إِعتباريَّة. لكن : هذا لا يعني عدم تأثير الإِعتباريَّات في الحقائق التَّكوينيَّة ، لا سيما على المبنىٰ المختار القائل: أَنَّ الإِعتبار الصّادق : إِدراك تكوينيّ مبهم ومن بُعد ، في قبال العلوم التَّكوينيَّة التَّفصيليَّة؛ فإِنَّها تفصيل للحقائق. وعليه : فتندرج ـ بشكل واضح ـ العلوم الإِعتباريَّة في بحوث الحقائق التَّكوينيَّة. السَّادس : أَنَّ استبداد الباحث في أَبواب المعارف والعقائد بالأَدلَّة العقليَّة من دون الإِستعانة ببيانات الوحي الإِلٰهي يجعله في عرضة ومعرض الهلاك والخطر الدائم ؛ فإِنَّ العقل وقدرته لَـمَّا كانا محدودين بلحاظ ما فوقهما فقد تَـجُـرَّاه إِلى إِعتقادات فاسدة وكاسدة وباطلة يخلد بسببها (والعياذ بالله تعالىٰ) في نار جهنَّم وبئس المصير. ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار
معارف ألهية (6)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : ( 6 )/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ » ، لكن مر الكلام انه قبل الدخول في صميم البحث يجدرالإِلتفات إِلى ستة امور ، وقد تم الانتهاء منها ( بحمد الله تعالى ) في الدرس المتقدم ، ولتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات : /المُقدِّمة الاولى:/ /أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة/ إِنَّ الثابت بالضرورة الدينيَّة والشَّرعيَّة ، وعند كافَّة فرق المسلمين ، وبالبيانات الوحيانيَّة البالغة فوق التواتر اللَّفظي والعقلي والوحياني : أَنَّ أَشرف وأُكمل جملة المخلوقات ، وأَوَّل ما خلق اللَّـه على الإِطلاق : طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة. فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «إِنَّ اللَّـه (عزَّوجل) خلقني وخلق عليّاً وفاطمة والحسن والحسين من نورٍ واحدٍ ... ثُمَّ خلق اللَّـه السَّماوات والأَرض ، وخلق الملائكة ، فمكثت الملائكة مائة عام لا تعرف تسبيحاً ولا تقديساً ، فسبَّحنا ... فسبَّحت الملائكة ، وكذا(1) في البواقي ، فنحن المُوحِّدون حيث لا مُوحِّد غيرنا ، وحقيق على اللَّـه عزَّوجلَّ كما اختصَّنا واختصَّ شيعتنا أَنْ يزلفنا وشيعتنا في أَعلىٰ عليِّين ، إِنَّ اللَّـه اصطفانا واصطفىٰ شيعتنا من قبل أَنْ نكون أَجساماً...»(2). ودلالته واضحة ؛ فإِنَّه لو كانت هناك مخلوقات من جملة المخلوقات والعوالم ـ منها : عَالَم المُجرَّدات التامَّة ؛ عَالَم السرمد والأَزل ؛ عَالَم الصفات والأَسماء الإِلٰهيَّة الحسنىٰ فضلاً عمَّا دونها ـ مخلوقة قبل رأس هرم طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة لَـمَا عبَّر صلى الله عليه واله وأَطلق بيانه : «فنحن المُوحِّدون حيث لا مُوحِّد غيرنا». بعد الإِلتفات : أَنَّ الأَسمآء الإِلٰهيَّة الحسنىٰ ، والصفات الإِلٰهيَّة ـ ذاتيَّة كانت أَم فعليَّة ـ مخلوقات مُكرَّمة مهولة ، تُسَبِّح اللَّـه ـ المُسَمَّىٰ ـ وتمجِّده وتُقدِّسه وتُوحِّده ، وسياتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) توضيح وبيان وادلة ذلك في المُقدِّمة الثانية ، في الدرس : (9 ) ، فانتظر هنيئة . 2ـ بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً : «أَوَّل ما خلق اللَّـه نوري ، ابتدعه من نوره ، واشتقَّه من جلال عظمته ، فأَقبل يطوف بالقدرة حتَّىٰ وصل إلى جلال العظمة في ثمانين ألف سنة ، ثُمَّ سجد للَّـه تعظيماً ففتق منه نور عَلِيّ عليه السلام ، فكان نوري مُحيطاً بالعظمة ، ونور عَلِيّ محيطاً بالقدرة ، ثُمَّ خلق العرش واللوح والشَّمس وضوء النهار ونور الأَبصار ، والعقل والمعرفة ، وأَبصار العباد وَأَسماعهم وقلوبهم من نوري ، ونوري مُشْتَقّ من نوره. فنحن الأَوَّلون ونحن الآخرون، ونحن السَّابقون ... ونحن كلمة اللَّـه ، ونحن خاصَّة اللَّـه ... ونحن وجه اللَّـه ... ونحن يمين اللَّـه ... ونحن محال قدس اللَّـه...»(3). 3ـ بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً : «... خلقنا اللَّـه نحن حيث لا سماء مبنيَّة ولا أَرض مدحيَّة ، ولا عرش ولا جنَّة ولا نار ، كُنَّا نُسبِّحه حين لا تسبيح، ونقدِّسه حين لا تقديس ، فلمَّا أَراد اللَّـه بدء الصنعة فتق نوري فخلق منه العرش فنور العرش من نوري ، ونوري من نور اللَّـه ، وأَنا أَفضل من العرش ، ثُمَّ فتق نور ابن أَبي طالب فخلق منه الملائكة ... وفتق نور ابنتي فاطمة منه فخلق السَّماوات والأَرض ... ثُمَّ فتق نور الحسن فخلق منه الشَّمس والقمر ... ثُمَّ فتق نور الحسين فخلق منه الجنَّة والحور العين...»(4). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة على أَنَّ أَوَّل جملة المخلوقات وأَشرفها طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ، وإِلَّا لَـمَا عبَّر صلى الله عليه واله وأطلق قوله : «وكُنَّا نُسبِّحه حين لا تسبيح ، ونقدِّسه حين لا تقديس» ، وكذا كلامه صلى الله عليه واله : «فَلَمَّا أَراد اللَّـه بدء الصنعة فتق نوري منه ...». 4ـ بيانه ’ مخاطباً أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «... يا عَلِيّ ... ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) زاد في المصدر : «وقدَّسنا وقدَّست شيعتنا ، وقدَّست الملائكة ، وكذا». (2) بحار الأَنوار ، 27 : 131/ح122. المحتضر : 112 ـ 113. (3) بحار الأَنوار ، 25 : 22/ح38. رياض الجنان : (مخطوط). (4) بحار الأَنوار ، 25 : 16/ ح30
معارف ألهية (7)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : ( 7 )/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه: «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ » ، ولتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، لازال البحث في بيانات و ادلة المُقدِّمة الاولى ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة )، ووصلنا الى الدليل والبيان الرابع : 4ـ بيانه صلى الله عليه واله مخاطباً أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «... يا عَلِيّ ... وأَنت السبب فيما بين اللَّـه وبين خلقه بعدي ...»(1). 5ـ بيانه صلى الله عليه واله ، عن جابر بن عبداللَّـه ، قال : «قلتُ لرسول اللَّـه صلى الله عليه واله : أَوَّل شيء خلق اللَّـه تعالىٰ ما هو ؟ فقال : نور نبيِّك يا جابر ، خلقه اللَّـه ثُمَّ خلق منه كُلّ خير ، ثُمَّ أَقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء اللَّـه ثُمَّ جعله أَقساماً ، فخلق العرش من قسم ، والكرسي من قسم ، وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم...»(2). 6ـ بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «... والنَّبيُّ والعترة ... رأس دائرة الإِيمان ، وقطب الوجود ، وسمآء الجود ... جلَّ مقام آل محمَّد صلى الله عليه واله عن وصف الواصفين ، ونعت الناعتين ، وان يُقاس بهم أَحد من العالمين ... فهم خاصَّة اللَّـه وخالصته ... ومبدء الوجود وغايته ، وقدرة الرَّبّ ومشيئته ...»(3). 7ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «كان اللَّـه ولا شيء معه ، فأَوَّل ما خلق نور حبيبه مُحَمَّد صلى الله عليه واله قبل خلق الماء(4)والعرش والكرسي والسَّماوات والأَرض ، واللوح والقلم ، والجنَّة والنَّار ، والملائكة وآدم وحواء بأربعة وعشرين وأَربعمائة أَلف عام ، فلمَّا خلق اللَّـه تعالىٰ نور نبينا مُحَمَّد صلى الله عليه واله بقي أَلف عام بين يدي اللَّـه عزَّ وجلَّ واقفاً يُسَبِّحه ويحمده ، والحقُّ تبارك وتعالىٰ ينظر إِليه ويقول : يا عبدي ، أَنْتَ المراد والمريد ، وأَنْتَ خيرتي من خلقي ... فخلق اللَّـه منه اثني عشر حجاباً ، أَوَّلها حجاب القدرة ، ثُمَّ حجاب العظمة ، ثُمَّ حجاب العزَّة ، ثُمَّ حجاب الهيبة ، ثُمَّ حجاب الجبروت ... ثُمَّ حجاب الكبرياء ... ثُمَّ إِنَّ اللَّـه تعالىٰ خلق من نور مُحمَّد صلى الله عليه واله عشرين بحراً من نورٍ ، في كلِّ بحر علوم لا يعلمها إِلَّا اللَّـه تعالىٰ ... قال الله تعالىٰ : يا حبيبي ، ويا سيِّد رسلي ، ويا أَوَّل مخلوقاتي ، ويا آخر رسلي ... ثُمَّ قام فقطرت منه قطرات كان عددها مائة أَلف وأَربعة وعشرين أَلف قطرة ، فخلق اللَّـه تعالىٰ من كُلِّ قطرة من نوره نبيّاً من الأَنبياء ، فلَمَّا تكاملت الأَنوار صارت تطوف حول نور مُحَمَّد صلى الله عليه واله كما تطوف الحجاج حول بيت اللَّـه الحرام ...»(5). ودلالته ـ كدلالة سوابقه ـ واضحة أَيضاً ؛ على أَنَّ أَوَّل المخلوقات وأَشرفها وأَعلاها مقاماً وفضلاً وكمالاً طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ، وإِلَّا لَـمَا عبَّر عليه السلام بقوله : «كان اللَّـه ـ أَي : المُسَمَّىٰ (جلَّ وتقدَّس) ـ ولا شيء معه ـ فليس معه (تقدَّس ذكره) صفة إِلٰهيَّة ولا اسم إِلٰهي ، ولا مخلوق البتَّة ـ فأَوَّل ما خلق ـ على الإِطلاق ـ نور حبيبه مُحَمَّد صلى الله عليه واله ». ثُمَّ خلق ـ كما صرَّحت بذلك بيانات الوحي الأُخرىٰ ـ نور أَمير المؤمنين ، ثُمَّ نور فاطمة الزهراء ، ثُمَّ نور الحسن ، ثُمَّ نور الحسين صلوات اللَّـه عليهم. 8ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام : «... ليس شيء أَقرب إِلى اللَّـه من رسوله... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار، 22 : 147 ـ 148/ ح141. كتاب سليم بن قيس : 215 ـ 216. (2) بحار الأَنوار ، 25 : 21 ـ 22/ح37. (3) المصدر نفسه : 169 ـ 174/ ح38. (4) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ لعنوان : (الماء) الوارد في بيانات معارف الوحي ، منها : هذا البيان الشريف ليس السائل المعهود ، بل له رمزيَّة عجيبة وعظيمة جِدّاً ؛ فإِنَّ همزة (ماء) ليست من الحروف الأَصليَّة للكلمة فتكون مقلوبة عن (هاء) ، وكذا أَلفها فتكون مقلوبة عن (واو) ، فيكون أَصلها : (موه) ، أَي : ماهية وأَصل الأَشياء ، وهو : (العلم). ثُمَّ إِنَّ حقيقة (العلم) عَالَمٌ برأسه ، مخلوق من مخلوقات عوالم الخلقة الصَّاعدة ، فوق عَالَم العرش، ولحقيقته نشأة ملكوتيَّة يراها العَالِم ولا يراها الجاهل ؛ لعدم تفعيله لأَبدانه وحواسها وقواها الصاعدة ، فإِنّ العلم ماء حياتها ، فكما أَنَّ للأَبدان الغليظة المعهودة غذاؤها وشرابها المادِّي الغليظ ، وتستدام حياتها به ، وتموت بتركه ، كذلك حال الأَبدان الصَّاعدة وحواسّها وقواها ، لكن غذاؤها ما يناسب تلك العوالم ، وهو : العلم والتسبيح والتحميد وذكر اللَّـه الكريم ، فهذا ليس غذاء الملائكة والمخلوقات الصاعدة فحسب ، بل وغذاء أَبدان الإِنسان الصاعدة وحواسها وقواها. وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الباقر × ـ عن زيد الشحام : «في قول اللَّـه : [فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ] [عبس : 24] قال : قلتُ : ما طعامه ؟ قال : علمه الَّذي يأخذه مِـمَّن يأخذه». بحار الأَنوار ، 2 : 96/ح38. (5) بحار الأَنوار ، 15 : 27 ـ 29
معارف ألهية (8)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (8 )/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر انه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، لازال البحث في بيانات و ادلة المُقدِّمة الاولى ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، ووصلنا الى الدليل والبيان الثامن : 8ـ بيان الإِمام الباقرعليه السلام : «... ليس شيء أَقرب إِلى اللَّـه من رسوله ، ولا أَقرب إِلى رسوله من وصيِّه ، فهو في القرب كالجنب ...»(1). 9ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... ونحن السبيل فيما بين اللَّـه وخلقه ، ونحن الرباط الأَدنىٰ ...»(2). 10ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «... ونحن أُمناؤه على خلقه ... والحجاب فيما بينه وبين خلقه ...»(3). 11ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «ما بعث اللَّـه نبيّاً أَكرم من محمَّد صلى الله عليه واله ، ولا خلق اللَّـه قبله أَحدا ...»(4). 12ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «... رسول اللَّـه صلى الله عليه واله ... كان أَقرب الخلق إِلى اللَّـه تبارك وتعالىٰ ...»(5). 13ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «ليس شيء يخرج من اللَّـه حتَّىٰ يبدأ برسول اللَّـه صلى الله عليه واله ، ثُمَّ بأمير المؤمنين ، ثُمَّ واحداً بعد واحد...»(6). 14ـ بيان الإِمام الكاظم عليه السلام : «ما خلق اللَّـه خلقاً أَفضل من مُحَمَّد صلى الله عليه واله ، ولا خلق خلقاً بعد مُحمَّد أَفضل من عَلِيّ عليه السلام »(7). 15ـ بيان الإِمام الرضا عليه السلام : «... ودعا أَمير المؤمنين عليه السلام فكان نفسه بحكم اللَّـه (عزَّوجلَّ) ، فقد ثبت أَنَّه ليس أَحد من خلق اللَّـه تعالىٰ أَجلّ من رسول اللَّـه صلى الله عليه واله وأَفضل ، فواجب أَنْ لا يكون أَحداً أَفضل من نفس رسول اللَّـه صلى الله عليه واله بحكم اللَّـه تعالىٰ...»(8). 16ـ بيان الإِمام الجواد عليه السلام عن محمَّد بن سنان ، قال : «... يا مُحَمَّد ، إِنَّ اللَّـه تبارك وتعالىٰ لم يزل مُتفرِّداً بوحدانيَّته ، ثُمَّ خلق مُحَمَّداً وعليّاً وفاطمة، فمكثوا أَلف دهر ، ثُمَّ خلق جميع الأَشياء ، فأشهدهم خلقهم ، وأَجرىٰ طاعتهم عليها ، وفوَّض أُمورها إِليهم ، فهم يُحلِّون ما يشاؤون ، ويُحرِّمون ما يشاؤون ، ولن يشاؤوا إِلَّا أَنْ يشاء اللَّـه تبارك وتعالىٰ ، ثُمَّ قال : يا مُحمَّد ، هذه الديانة الَّتي مَنْ تقدَّمها مرق ، ومَنْ تخلَّف عنها محق ، ومَنْ لزمها لحق ، خذها إِليك يا مُحَمَّد»(9). 17ـ بيان زيارة أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم : «... إِليكم انتهت المكارم والشرف ، وفيكم استقرَّت الأَنوار والمجد والسؤدد ، فليس فوقكم أَحد إِلَّا اللَّـه ، ولا أَقرب إِليه منكم ، ولا أَكرم عليه منكم ، ولا أَحظىٰ لديه...»(10). 18ـ بيان زيارتهم صلوات اللَّـه عليهم أَيضاً : «... إِليكم انتهت المكارم والشرف ، ومنكم استقرَّت الأَنوار والعزَّة والمجد والسؤدد ، فما فوقكم أَحد إِلَّا اللَّـه الكبير المُتعال ، ولا أَقرب إِليه ولا أَخصّ لديه ولا أَكرم عليه منكم ...»(11). 19ـ بيان زيارتهم صلوات اللَّـه عليهم أَيضاً : « ... آتاكم اللَّـه ما لم يؤتَ أَحداً من العالمين ، طأطأ كُلّ شريفٍ لشرفكم ، وبخع(12) كُلّ متكبِّر لطاعتكم ، وخضع كُلّ جبّارٍ لفضلكم ، وذلّ كُلّ شيءٍ لكم ...»(13). ودلالة الجميع واضحة ؛ على أَنَّ أَوَّل جملة المخلوقات وجوداً وخلقة ، وأَشرفها وأَعلاها سؤدداً ومقاماً وفضلاً وكمالاً ، وأَقربها إلى الباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (علا ذكره) ، وأَخصَّها عنده : طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة. ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 4 : 9. (2) المصدر نفسه، 24 : 216ـ 217/ ح8 . (3) بحار الأَنوار، 25 : 363/ ح23. المحتضر : 159 ـ 160. (4) بحار الأَنوار ، 16 : 371/ ح82 . (5) بحار الأَنوار، 5 : 236/ ح12. (6) المصدر نفسه ، 26 : 92/ح20. (7) المصدر نفسه ، 16 : 377/ ح88 . (8) المصدر نفسه ، 10 : 350/ ح9. الفصول المختارة ، 1 : 15. (9) بحار الأَنوار ، 15 : 19/ ح29. الأصول ، 1 : 441. (10) بحار الأَنوار ، 97 : 344. المزار الكبير : 877 . (11) بحار الأَنوار ، 99 : 152. (12) خ . ل : (نخع). خ . ل : (نجع). (13) بحار الأَنوار ، 99 : 132. عيون الأَخبار ، 2 : 272 ـ 277
معارف ألهية (9)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (9 )/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه: «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ » ، ومر انه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 _ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى )الى المُقدِّمة الثانية : /المُقدِّمة الثانية:/ /الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة / إِنَّ مُطلق الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة مخلوقات مهولة ، غير المسَمَّىٰ والموصوف بها ؛ (صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) ، داخلة في ما تحتها من جملة العوالم والمخلوقات(1) دخول اللطيف في الأَغلظ ؛ لا بالممازجة والمزاولة ، وخارجة عنها خروج اللطيف عن الأَغلظ ؛ لا بالمفارقة والمزايلة ، ومُهيمنة عليها ، وتتصرَّف فيها تصرف الالطف . مثاله : اسم : (اللَّـه) ؛ فإنَّه مخلوق مهول ، مهيمن على ما دونه من جملة العوالم وطرِّ المخلوقات ، داخل فيها ، لكن لا بالممازجة والمزاولة ، وخارج عنها، لكن لا بالمفارقة والمزايلة ، وهو من مخلوقات عَالَم السرمد والأَزل والأَبد؛ عَالَم الحضرة الربوبيَّة (2) ؛ عَالَم الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ، والمُعَبَّر عنه في بيانات الوحي بعنوان : (عنده) ، وهو غير المُسَمَّىٰ بـ : (اسم اللَّـه) ؛ صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، فإِنَّه (تقدَّست أسماؤه وعظمت آلاؤه) وراء وفوق ذلك ، ومهيمن على سائر العوالم وكافَّة المخلوقات ، منها: (اسم اللَّـه)، وداخل فيها وفيه دخول اللطيف في الأَغلظ ؛ لا بالممازجة والمزاولة ، وخارج عنها وعنه خروج اللطيف عن الأَغلظ ؛ لا بالمفارقة والمزايلة . وعلى هذا قس صفة : (الأُلوهيَّة) ؛ فإِنَّها مخلوق مهول من عَالَم السرمد والأَزل والأَبد ؛ عَالَم الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة أَيضاً ، مهيمنة على ما دونها من مطلق العوالم وجميع المخلوقات هيمنة اللطيف على الأَغلظ ، وهي غير الموصوف بها ؛ صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة. إِذَنْ : اسم اللَّـه وصفته مخلوقان بنحو التَّجلِّي والإِشتقاق التَّكوينيّ للمُسَمَّىٰ والموصوف بهما ؛ صاحب : (الذات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة) ، وهو (جلَّ قدسه) وراء وفوق جملة عَالَم الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ـ ذاتيَّة كانت أَم فعليَّة ـ مملوكة له ، ومهيمن عليها هيمنة اللَّطيف على الأَغلظ(3). وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان قوله عظمت آلاؤه : [قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى](4). ودلالته واضحة ؛ فإِنَّـه جـيء بـ : (لام الْـمُلك) ، الداخلة على : (هو) ـ (له) ـ ، والمقصود منه : المُسمَّىٰ (تقدَّست أسماؤه) ؛ صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة(5)، وهو (عزَّ ذكره) مالك لجملة أَسمائه وصفاته(6) ـ فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة ـ ، ومن البيِّن والواضح : أَنَّ المالك غير المملوك ، وما عدا المُسَمَّىٰ (سبحانه وتعالىٰ) ـ صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ـ مخلوق من مخلوقاته، وإِلَّا لكانت (والعياذ بالله تعالىٰ) آلهة. فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام: «... والاسم غير المُسَمَّىٰ ... لِلَّـه تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ اسماً ، فلو كان الاسم هو المُسَمَّىٰ لكان كُلُّ اسمٍ منها إِلٰها ...» (7). وعليه : تكون جميع الأَسمآء والصفات الإِلٰهيَّة ـ فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة ـ مخلوقات إِلٰهيَّة ، وتجلِّيات وظهورات وآيات للذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة، يعود واقعها إِلى حروفٍ ، بل حرفٍ فاردٍ ، وهو : (اللَّام) ، أَي : لام الملك ، وأُضيفت إِلى أَعظم اسم إِلٰهي : (هو) ، وهو الجامع لجملة الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة. 2ـ بيانه جلَّت آلاؤه : [وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ](8). ودلالته قد اتَّضحت من سابقه. نعم هناك فارقٌ واحدٌ ، وهو إِضافة (اللام) ؛ فإِنَّها في هذا البيان الشريف أُضيفت لاسم الجلالة : (اللَّـه) ، بخلاف البيان السَّابق ؛ فإِنَّها أُضيفت للإسم الإِلٰهي : (هو) . 3ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام: «إِن اللَّـه (تبارك وتعالىٰ) خلق اسماً ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المستفاد من بيانات الوحي : عدم انحصار المخلوقات الإِلٰهيَّة (الحيَّة الشاعرة ، الناطقة العاقلة) بالمخلوقات الثلاثة ـ الإِنس والجنّ والملائكة ـ بل هي إِلى ما شاء الله تعالىٰ ، موجودة في السماوات والأَرضين ، وفي فضائنا ونشأتنا هذه ، مخفيَّة على كثير من المخلوقات ، منها الطبقات النَّازلة من الملائكة. (2) معنىٰ الحضرة الرُّبوبيَّة : ذلك العَالَم الحاوي على مخلوقات مُكرَّمة ، لا يُشمُّ منها رائحة المخلوقيَّة، والخالصة من شائبة الأَنا والفرعونيَّة ، والفانية فناء حكاية في ذيها : (الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة). ومخلوقات هذا العالم : طبقات حقائق أَهل البيت صلوات الله عليهم الصَّاعدة ، والَّتي لا يُرىٰ فيها ماهيَّة : (مُحمَّد ، وعَلِيّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين...) ، بل عكوسات وتجليَّات ربوبيَّة. (3) ينبغي الالتفات : أَنَّ الخلقة في العوالم الصَّاعدة ؛ أَي : عَالَم الـمُجرَّدات التامَّة تختلف عن العوالم النَّازلة ؛ أَي : العوالم الجسمانيَّة ؛ فإِنَّها في تلك العوالم لا تكون إِلَّا بنحو الظهور والتجلِّي والإِشتقاق . نظيره : الصورة المرآتيَّة. (4) الإسراء : 110. (5) يجدر بالباحث وغيره لاسيما في أَبواب المعارف الإِلٰهيَّة ، وتفادياً من حصول الخلط في المباحث والمعارف الإِلتفات إِلى إِطلاقات واستعمالات الأَسماء الإِلٰهيَّة الواردة في بيانات الوحي ؛ فإِنَّه تارة يُراد منها : المُسَمَّىٰ (جلَّ شأنه) صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وأُخرىٰ يُراد منها : الاسم الإِلٰهي. وهو مخلوق مهول ، وتشخيص ذلك يعتمد على القرائن ، كقرينة السياق. (6) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ هذا البيان الشَّريف وإِن ذكر الأَسماء الإِلٰهيَّة فحسب ، لكنَّه شامل أَيضاً لسائر الصِّفات الإِلٰهيَّة ؛ بدليل : أَنَّه لَـمَّا كانت الصفات الإِلٰهيَّة وما يسانخها من الأَسمآء الإِلٰهيَّة مُتفقين حقيقة ، ومختلفين بالإِعتبار واللحاظ الذهني ـ كحال المصدر واسمه على رأي مشهور الأُصوليِّين ـ كما أَصحرت بذلك بيانات الوحي ، وسيأتي (إِنْ شاء الله تعالىٰ) عرضها في محلِّها كان ذكر أَحدهما مغنٍ عن الآخر ، ومن باب : (إِذا أَجتمعا أَفترقا ، وإِذا افترقا اتَّفقا). (7) أُصول الكافي ، 1 : 38 ـ باب : معاني الأَسمآء واشتقاقها : 80/ح2. (8) الأعراف : 180
معارف ألهية (10)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (10 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه: «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ » ، ومر انه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 _ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى ) في الدرس (9 ) الى المُقدِّمة الثانية ، وكانت تحت عنوان : ( الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة ) ، ولازال البحث في بيانات و ادلة هذه المُقدِّمة ، ووصلنا الى الدليل والبيان الثالث : 3ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «إِن اللَّـه (تبارك وتعالىٰ) خلق اسماً بالحروف غير منعوت ، وباللَّفظ غَيرَ مُنْطَقٍ ، وبالشَّخصِ غَيْرَ مُـجَسَّدٍ ، وبالتَّشبيه غير موصوفٍ ... مُبَعَّدٌ عنه الحُدُودُ ، محجوبٌ عنه حِسُّ كُلِّ مُتَوَهِّم، مُسْتَتِرٌ غَيْرُ مَستُورٍ ، فجعله كلمةً تامَّةً على أربعة أَجزاءٍ معاً ، ليس منها واحدٌ قبل الآخر ، فأظهَرَ منها ثلاثة أَسماءٍ ؛ لفاقةِ الخلقِ إِليها ، وحَجَبَ واحداً منها، وهو الاسمُ المكنُونُ المُخزُونُ بهذه الأَسماء الثلاثة الَّتي ظَهَرَت(1)، فالظاهِرُ هو: (اللَّـه ، وتبارك ، وسبحان)(2)، ولكلِّ اسمٍ مِنْ هذه أَربعة أَركان ، فذلك اثني عشر رُكناً ، ثُمَّ خلق لكلِّ ركنٍ منها ثلاثين اسماً فعلاً منسوباً إِليها ، (فهو الرحمٰن ، الرَّحيم ، الملك ، القدوس ...) فهذه الأَسماءُ وما كان من الأَسمآء الحُسنىٰ حتَّىٰ تَتِمَّ ثلاثَ مائةٍ وستينَ اسماً فهي نسبةٌ لهذه الأَسماء الثلاثة ، وهذه الأَسمآءُ الثلاثةُ أَركانٌ ، وَحَجَبَ الاسمَ الواحد المَكنُونَ المَخزُونَ بهذه الأَسمآءِ الثلاثةِ ، وذلك قوله عزَّ وجلَّ : [قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى](3). 4ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «اسم اللَّـه غير اللَّـه ...» (4). 5ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «... والاسمُ غيرُ المُسَمَّىٰ ... إِنَّ للَّـه تسعةً وتسعين اسماً ، فلو كان الاسمُ هو المُسَمَّىٰ لكان كُلُّ اسمٍ منها إِلٰهاً ، ولكنَّ اللَّـهَ معنىً يُدَلُّ عليه بهذه الأَسماء ، وكُلُّها غيْرُهُ ...» (5). ودلالة الجميع واضحة على أَنَّ الأَسمآء الإِلٰهيَّة ـ ذاتيَّة كانت أَم فعليَّة ـ مخلوقات من عَالَم الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ، وجميعها غير المُسَمَّىٰ بها ؛ صاحب: الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وهو (تقدَّس ذكره) : فوقها ، ومهيمن عليها ، ومُمدِّها ، وغني عنها ، وهي مفتقرةٌ إِليه جلَّ قدسه ، ولا إِستقلاليَّة لها عنه ولو بمقدار مثال حبَّة من خردلٍ أَزلاً وأَبداً ، فحقيقتها نظير: حقيقة الحرف؛ والصورة المرآتيَّة ؛ فإِنَّها قائمة بغيرها ، وصاحبة وجود طفيليّ ، كسائرالمخلوقات من هذه الجهة. ثُمَّ إِنَّه ينبغي الإِلتفات: أَنَّ لفظ وعنوان: (المعنىٰ) يُستعمل ويُطلق ويُراد به: تارة : الصُّورة الذهنيَّة المقصودة. وأُخرىٰ : الحقيقة والواقعيَّة الخارجيَّة المقصودة ، من باب : عنيت الشيء، أَي : قصدَّته . وهذا النحو من الإِستعمال هو مراد الإِمام صلوات الله عليه بقوله : «ولكنَّ اللَّـه ـ أَي : المُسَمَّىٰ ـ معنىً» أَي : حقيقة وواقعيَّة خارجيَّة يُعنىٰ ويُقصد ، و «يُدَلُّ عليه بهذه الأَسمآء». ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في الكافي : (فهذه الأَسمآء الَّتي ظهرت). (2) في التوحيد المطبوع والكافي : (هو الله تبارك وتعالىٰ). (3) بحار الأَنوار ، 4 : 166/ح8. أُصول الكافي ، 1 : 78/ح1. مع اختلاف يسير. (4) بحار الأَنوار : 160/ح6. (5) أُصول الكافي ، 1 : 62/ح2
معارف ألهية (11)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : ( 11 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر انه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : ( الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة ) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى ) الى المُقدِّمة الثالثة : /المُقدِّمة الثالثة :/ /طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة/ إِنَّ الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة الحُسنىٰ ـ فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة ـ هي طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ، والخالصة من شائبة الأَنا والمخلوقيَّة ، والمنتفية والمنمحية (1) فيها ـ لشدَّة خلوصها ـ ماهيَّاتها وذواتها الممكنة ؛ فلم يُرَ فيها ماهيَّة : (مُحَمَّد ، وعَلِيّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ...) ، وفنيت في الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة فناء حكاية انعكست فيها جميع صفات وأَسمآء وشؤون الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة إِلَّا الأُولوهيَّة ، لخروجها تخصُّصاً وموضوعاً ، فكما أَنَّ اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ صاحب الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المقدَّسة هو : (اللّٰـه ، رحمٰن ، رحيم ، ملك ، قدوس ، سلام ، مؤمن ، مهيمن ، عزيز ، جبَّار ، مُتكبِّر ، خالق ، بارئ ، مصوُّر ، غفَّار ، قهَّار، وهَّاب ، رزَّاق ، فتَّاح ، عليم ، قابض ، باسط ، خافض ، رافع ، معز ، مذل ، سميع ، بصير ، لطيف ، خبير ، عظيم ، عَلِيّ ، مقيت ، رقيب ، مُجيب ، شهيد، حقٌّ ، قويٌّ ، متين ، محصي ، محي ، مميت ، حيّ ، قيُّوم ، واحد ، صمد ، قادر ، مقتدر ، أَوَّل ، آخر ، ظاهر ، باطن ، توَّاب ، منتقم ، عفو ، رؤوف ، غني ، مغني ، مانع ، ضار ، نافع ، هادي ، باقي ، بديع ، وارث) وهلمَّ جرّاً من سائر الأَسمآء الإِلٰهيَّة الحُسنىٰ ، وموصوف بما يلائمها من الصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة المقدَّسة كذلك طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة تتَّصف بهذه الأَسمآء والصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة المقدَّسة ، وتفعل أَفاعيلها ، لكن لا بالأَصالة ، بل بالتَّبع وبالتَّجَلِّي والظُّهور والإِفاضة ، كرماً وعطيَّة من الذَّات الإِلٰهيَّة المقدَّسة ، وتفعل أَفاعيلها بإِذن الواحد الأَحد (عزَّ ذكره). وهذا ما أَشارت إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان أَمير المؤمنين (صلوات اللّٰـه عليه) ، فإِنَّه سُئِلَ عن العَالَم العلوي فقال : «صور عارية من المواد ، عالية عن القُوَّة والإِستعداد ، تجلَّىٰ لها فأَشرقت ، وطالعها فتلألأت ، وأَلقىٰ في هويَّتها مِثاله فأَظهر عنها أَفعاله ...»(2). نظيره : أَوَّلاً : المرآة شديدة : الصقل ، والصَّفاء ، والفناء ، والحكاية ، والانعكاس ؛ فإِنَّها بعدما كانت فانية فناء حكاية في محكيِّها ، فلا تُري نفسها ، بل محكيِّها انطبعت فيها كافَّة صفات وشؤون محكيِّها ـ الشَّاخص الخارجي ـ ، وأَخذت صورتها بالتَّبع جملة صفاته وأَسمائه وشؤونه إِلَّا ما خرج موضوعاً وتخصُّصاً. وإِلى هذا أَشارت بيانات الوحي ، منها : بيان خطبة أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «الحمدُ للّٰـه الَّذي ... تتلقَّاه الأَذهان لا بمشاعرة ، وتشهد له المرائي لا بمحاضرة ، لم تحط به الأَوهام ، بل تجلَّىٰ لها بها ، وبها امتنع منها ، وإِليها حاكمها ...»(3). ثانياً : (الصَّرح) الوارد في قضيَّة بلقيس مع النَّبيّ سليمان عليه السلام ، الواردة في بيان قوله جلَّ قوله : [قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ](4)، فإِنَّه لشدَّة خلوصه وصفائه وانعكاسه وتمرُّد وفناء ذاته في الحكاية ، فلم يُرِ نفسه ، بل محكيِّه ـ اللُّجَّة ، أَي: الماء الغزير ـ انعكست فيه(5) جميع صفاته(6) وأَسمائه وشؤونه ، فحسبته ماءً غزيراً فكشفت عن ساقيها لتتخطَّاه ، ولَـمَّا أُخبرت بالواقع ؛ وأَنَّه : (صرح مُمَّرد) تمرَّدت ذاته وفنيت في حكاية ذيه آمنت بالله تعالىٰ من دون نظر وتدبُّر ومهلة وتردُّد ؛ لإِلتقاطها إِشارة معرفيَّة توحيديَّة إِلى معنىٰ تجلِّي وظهور الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة في المخلوقات المُكرَّمة ؛ طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصاعدة ، المنتفية فيها ماهيَّة : (مُـحَمَّد ، وعَلِيّ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ...) ، لتصبح أَسمآء إِلٰهيَّة : (حميد ، وأَعلىٰ، وفاطر ، وقديم الإِحسان ، ومُحسن ...) ، لا يشوبها شوب الأَنا والمخلوقيَّة ، ولا تُري نفسها ، بل محكيِّها : (المُسَمَّىٰ (العزيز الجبَّار) ؛ صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقَدَّسة) (7) . وإِلى كُلِّ هذا أَشارت بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين صلوات الله عليه : «... نحن الاسم المخزون المكنون ، نحن الأَسماء الحسنىٰ الَّتي إِذا سُئل الله عزَّوجلَّ بها أَجاب...» (8). ثانياً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «... وأَنا أَسماء اللَّـه الحسنىٰ ...» (9). ثالثاً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «... أَنا الأَسماء الحسنىٰ الَّتي أَمر أَن يدعى بها..» (10). رابعاً : بيان الإِمام البا قر عليه السلام : «... عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا ، نحن الأَسماء الحسنىٰ الَّتي لا يقبل اللَّـه من العباد عملاً إِلَّا بمعرفتنا ...»(11). خامساً: بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «نحن واللَّـه الأَسماء الحسنىٰ الَّذي لا يُقبل من أَ حدٍ إِلَّا بمعرفتنا ، قال: [فَادْعُوهُ بِهَا](12)»(13). سادساً : بيان الإِمام الرضا عليه السلام : «إِذا نزلت بكم شدَّة فاستعينوا بنا على اللَّـه ، وهو قول اللَّـه : [وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا](14)»(15). ودلالة الجميع واضحة. ومن كُلِّ هذا تتَّضح : كثير من بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان خطبة أَمير المؤمنين عليه السلام في جامع البصرة : «معاشر المؤمنين والمسلمين ، إِنَّ اللَّـه عزَّوجلَّ أَثنىٰ على نفسه فقال: «هو الأَوَّل ... والآخر ... ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1 )يجدر الالتفات : أَنَّ لعنوان : (المحو) و (الفناء) معانٍ : أَحدها: الحكاية ؛ ومن ثَمَّ لا يوجد في المخلوق الحاكي رائحة المخلوقيَّة ، وجبل الأَنانية والفرعونيَّة. ثانيها : طفيليٌّ في الوجود. وهذا المعنىٰ كالأَوَّل مراد في المقام. ثالثها : أَنَّ الحاكي عين المحكي. وبطلان هذا المعنىٰ وفساده من الواضحات ؛ لأَنَّه يعني : (الوحدة الشَّخصيَّة). وسيأتي (إِنّ شاء الله تعالىٰ) بيانها في محلِّها وبيان أَدلَّة فسادها. (2) بحار الأَنوار ، 40 : 165. (3) بحار الأَنوار ، 4 : 261/ح9. (4) النمل : 44 . (5 مرجع ضمير : (فيه) : (الصرح) ، كمرجع الضمائر المُتقدِّمة ؛ المُتصلة بكلمة : (فإِنَّه) و(صفائه) و(انعكاسه) و(ذاته) و(نفسه) و(محكيِّه). (6) مرجع الضمير المُتَّصل بكلمة : (صفاته) و(أسمائه) و(شؤونه) و(لتتخطَّاه) : المحكي ، وهو : اللُّجَّة ، أَي : الماء الغزير والوفير. (7) هناك قضيَّة وآليَّة معرفيَّة مُهمَّة جدّاً ، أَشارت إِليها بيانات الوحي ، ينبغي صرف النظر إِليها ، حاصلها : أَنَّ النَّبيّ سليمان عليه السلام استخدم ووظَّف الجمال وعلوم الفنون المُحلَّلة لهداية المخلوقات إِلى الإِيمان باللَّـه (عزَّوجلَّ) وتوحيده. وهذا أَمر بديع ، وأَصل قرآنيٌّ مُشرِّع ومجوِّز لاستخدام واستعمال الجمال والفنون المُحلَّلة في الدعوىٰ الإِلٰهيَّة. ومعناه : أَن نشر الدعوىٰ إِلى الحقِّ لا يتوقَّف على البرهان العقلي والفكر الجاف ، بل يمكن من خلال توسُّط الجمال وعلوم الفنون المُحلَّلة : تسويق أَدقَّ المعاني وأَصعبها وأَعقدها إِلى نفوس المخلوقات وأّذهانها وعقولها ، وإِيجاد الجذبات الروحيَّة والمعنويَّة في دخيلة ذواتها. ولعلَّ بلقيس لو أُقيم لها البرهان العقلي لم تستجب له كما استجابت للغة الفنّ في حادثة الصرح. وهذا ما نفتقده بشكل استراتيجي كبير في الدعوىٰ إِلى نور الإِيمان وهداية الثقلين ، فنحن لم نستخدم الجمال وعلوم الفنِّ وما شاكلها في جانب الخير ؛ كما استخدمه العدو في جانب الشرّ ونشر الرذيلة. وكثير من البلدان الإِسلاميَّة كانت شعوبها قبل فترة موالية لأَهل البيت صلوات الله عليهم ، لكن قلبت الوهابيَّة بفنِّ قراءة القرآن الكريم اعتقادهم وولائهم لأَهل البيت عليه السلام إِلى عداءٍ لهم صلوات الله عليهم. (8) بحار الأَنوار ، 27 : 28/ح5. (9) المصدر نفسه ، 53 : 46 ـ 49/ح20. (10)مشارق انوار اليقين :269 . (11) المصدر نفسه ، 25 : 4ـ 5/ح7. المحتضر : 129. (12) الأعراف : 180. (13) بحار الأَنوار ، 91 : 6/ح7. تفسير العياشي ، 2 : 42. (14) الأعراف : 180. (15) بحار الأَنوار ، 91 : 5ـ 6/ح7. تفسير العياشي ، 2: 42
معارف ألهية (12)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (12) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه: «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ » ، ومر انه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، ووصل بنا البحث في الدرس (11 ) الى المُقدِّمة الثالثة ، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، و لازال البحث فيها، ووصل بنا الكلام الى الامر التالي : ومن كُلِّ هذا تتَّضح : كثير من بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان خطبة أَمير المؤمنين عليه السلام في جامع البصرة : «معاشر المؤمنين والمسلمين ، إِنَّ اللَّـه عزَّوجلَّ أَثنىٰ على نفسه فقال: «هو الأَوَّل ... والآخر ... والظَّاهر ... والباطن» سلوني قبل أَنْ تفقدوني ؛ فأنا الأَوَّل وأنا الآخر ، إِلى آخر كلامه ، فبكىٰ أَهل البصرة كُلّهم وصلّوا عليه» . وقال عليه السلام: «أَنا دحوتُ أَرضها، وأَنشأتُ جبالها ، وفجَّرتُ عيونها ، وشققتُ أَنهارها ، وغرستُ أَشجارها ، وأَطعمتُ ثمارها ، وأَنشأتُ سحابها ، وَأَسمعتُ رعدها ، ونوَّرتُ برقها ، وأَضحيتُ شمسها ، وأَطلعت قمرها ، وأَنزلتُ قطرها ، ونصبتُ نجومها ... وسكنتُ أَطوادها ، وأَنشأتُ جواري الفلك فيها ، وأَشرقتُ شمسها ، وأَنا جنب اللَّـه وكلمته ، وقلب اللَّـه وبابه الَّذي يؤتىٰ منه ، ادخلوا الباب سجّداً أغفر لكم خطاياكم وأزيد المحسنين ، بي وعلى يديّ تقوم السَّاعة ، وفيَّ يرتاب المبطلون ، وأَنَا الأَوَّل والآخر ، والظاهر والباطن وبكلِّ شيء عليم»(3). ودلالته قد اتَّضحت ؛ فإِنَّه صلوات الله عليه بعدما كانت طبقات حقيقته الصَّاعدة أَسماء وصفات إِلٰهيَّة ـ فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة ، كـ : (اسم : الأَوَّل والآخر ، والظَّاهر والباطن ، والعليم ، والخالق والباري والمصور ، والرازق والغافر والباعث ، والمحسن والمُدبِّر ، والنور) ـ كان علَّة إِلٰهيَّة فاعليَّة ، وصدرت منه صلوات الله عليه هذه الأَفعال وتلك الشؤون ، وحينئذٍ لا إِشكال ولا غبار على هذا البيان وما شاكله ، ولا حزازة فيه وفيها ، ولا تحتاج ـ بعد ما كان على أَقلِّ تقدير مجموع هذه البيانات قطعيَّة الصدور بالقطع النقلي والعقلي والوحياني ـ إِلى نظرٍ إلى سندها ، أَو توجيه لدلالتها وحملها على معانيها المجازيَّة ؛ بعدما لم تكن هناك شائبة في الحمل على معانيها الحقيقيَّة . فالتفت ، وتأمَّل جيِّداً. 2ـ بيان خطبته صلوات الله عليه : «... أَنَا مُنزل الملائكة منازلها ، أَنا آخذ العهد على الأَرواح في الأَزل ، أَنا المُنادي لهم : أَلستُ بربِّكم ؛ بأَمر قيُّوم لم يزل ... أَنا صاحب الهبات ، بعد الهبات ولو أَخبرتكم لكفرتم ... أَنا منشئ الأَنام ... أَنا صاحب النجوم ، أَنا مُدبِّرها بأَمر ربّي ... أَنا المُعطِي ، أَنا المُبذِل ، أَنا القابض يدي على القبض ... أَنا صاحب القطر والمطر ، أَنا صاحب الزلازل والخسوف ... أَنا صاحب الغيث بعد القنوط...»(4). ودلالته قد اِتَّضحت ولا غبار عليها أَيضاً ؛ فإِنَّه بعدما كانت طبقات حقيقته صلوات الله عليه الصَّاعدة صفات وأسماء إِلٰهيَّة كـ : اسم : (خير المُنزلين)، و(الـمُمكِّن)، و(المُعطِي)، و(الـمُنشِئ)، و(المُدبِّر)، و(القابض)، و(المُغيث) حصل منه صلوات الله عليه ذلك الشأن ؛ وصدرت منه تلك الأَفعال. 3ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «... وإليَّ إِياب الخلق جميعاً ، وأَنا الإِياب الَّذي يؤوب إِليه كُلّ شيءٍ بعد الفناء ، وإِلَيّ حساب الخلق جميعاً ... وأَنا خازن الجنان ... والحُجَّة على أَهل السماوات والأَرضين وما فيهما وما بينهما ... وأَنا الَّذي سُخِّرت لي السحاب والرعد والبرق ، والظُّلم والأَنوار ، والرياح والجبال والبحار ، والنجوم والشَّمس والقمر ، وأَنا الَّذي أَهلكتُ عاداً وثموداً ، وأَصحاب الرسّ وقروناً بين ذلك كثيرة. وأَنا الَّذي ذلَّلتُ الجبابرة ، وأَنا صاحب مدين ، ومُهلك فرعون ، ومنجي موسى عليه السلام ... وأَنا الَّذي أَحصيتُ كُلّ شيءٍ عدداً ...»(5). ودلالته قد اِتَّضحت ، ولا غبار عليها أَيضاً. 4ـ بيانه عليه السلام أَيضاً في رسالته إِلى سهل بن حنيف & : «... واللَّـه ، لو... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الأعراف : 180. (2) بحار الأَنوار ، 91 : 5ـ 6/ح7. تفسير العياشي ، 2: 42. (3) بحار الأَنوار ، 39 : 348. (4) مشارق أَنوار اليقين في أَسرار أَمير المؤمنين عليه السلام ، الخطبة الإِفتخاريَّة: 165 ـ 166. (5) مختصر البصائر : 130 ـ 134/ ح102 ـ 2
معارف ألهية (13)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (13)/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر انه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، ووصل بنا البحث في الدرس (11 ) الى المُقدِّمة الثالثة ، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وقد تقدمت بيانات و ادلة هذه المُقدِّمة ، ووصلنا ( بحمد الله تعالى ) الى العنوان التالي : ومن كُلِّ ما تقدم تتَّضح : كثير من بيانات الوحي ، وصل الكلام بنا الى البيان الرابع : 4ـ بيانه عليه السلام أَيضاً في رسالته إِلى سهل بن حنيف & : «... واللَّـه ، لو تظاهرت العرب على قتالي لَـمَا ولَّيت ، ولو أَمكنتني الفرصة من رقابهم لَـمَا بقَّيت ...»(1). ودلالته قد اتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّه بعدما كانت طبقات حقيقة أَمير المؤمنين صلوات الله عليه النازلة ظهورات وتجلِّيات لطبقات حقيقته المتوسطة ، وطبقات حقيقته عليه السلام المتوسطة ظهورات وتجلِّيات لطبقات حقيقته الصَّاعدة ، ولَـمَّا كانت طبقات حقيقته صلوات الله عليه الصاعدة صفات وأَسماء إِلٰهيَّة ـ كـ : اسم : (المنتقم)(2) و(الضَّار) و(المقتدر) و(القوي) و(المقيت) و(المذل) و(المُتكبِّر) و(القهَّار) ـ أَمكن لو أُتيحت له الفرصة من رقاب مَنْ خالفه من العرب لَـمَا أَبقىٰ منها عين ولا أَثر. وهذا ما يُوضِّح : نكتة ما ورد من أَحوال أَهل البيت عليهم السلام العظيمة المهولة العجيبة الغريبة من أَصحاب الدائرة الإِصطفائيَّة الأُولىٰ ـ الأَربعة عشر معصوماً ـ وأَصحاب الدائرة الإِصطفائيَّة الثانية من بني هاشم ، كأَبي الفضل العبَّاس عليه السلام ؛ فإِنَّه ورد في حقِّه أَنَّه قتل في يوم العاشر من المحرَّم مقتلة عظيمة من جيش يزيد بن معاوية (عليهم اللعنة) ، فإِنَّه عليه السلام بعدما كان من أَصحاب الدائرة الإِصطفائيَّة الثَّانية كان باباً من أَبواب أَصحاب الدائرة الإِصطفائيَّة الأُولىٰ ، فتكون طبقات حقيقته النَّازلة والمتوسطة والصَّاعدة تجلِّيات وظهورات لطبقات حقائقهم صلوات الله عليهم ، فيكون عليه السلام وطبقات حقيقته اسم الإِسم الإِلٰهي ، وآية عظمىٰ للآيات الإِلٰهيَّة الأَعظم ؛ طبقات حقائق أَهل البيت صلوات الله عليهم الصَّاعدة ، فتصدر منه تلك الشؤون والأَفعال من دون حزازة ولا شبهة ولا إِشكال ، بعدما كان الجميع فيض من ساحة القدس الإِلٰهيَّة ، ومن ثَمَّ لا يُقاس فعله عليه السلام وفعلهم صلوات الله عليهم بأَفعال البشر. ولا يُقال ما يقوله بعض أَصحاب المنابر ؛ وأَنَّه لو جيء بأَربعة آلاف دجاجة ـ مثلاً ـ لاحتاج ذبح كُلّ واحدةٍ إِلى كذا من الوقت ، ولاحتاج المجموع إلى فترة أَوسع من زمان المعركة فكيف يُقال : إِنَّ أَبا الفضل العبَّاس قتل على المشرعة أَربعة آلاف فارس!! فإِنَّه يُقال : إِنَّ سنخ فعله عليه السلام وسنخ أَفعال سائرأَصحاب الدائرة الإِصطفائيَّة الثانية كسنخ أَفعال أَصحاب الدائرة الإِصطفائيَّة الأُولىٰ تختلف عن سنخ أَفعال سائر البشر. فانظر : بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين صلوات الله عليه : «... وصرتُ أَنا صاحب أمر النَّبيّ صلى الله عليه واله ، قال اللَّـه عزَّ وجلَّ : [يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ](3)» ، وهو : روح اللَّـه ... فمن أَعطاه اللَّـه هذا الروح فقد أَبانه من النَّاس ، وفوَّض إِليه القدرة ، وأَحيىٰ الموتىٰ ، وعلم بما كان وما يكون ، وسار من المشرق إِلى المغرب ، ومن المغرب إِلى المشرق في لحظة عين ، وعلم ما في الضمائر والقلوب ، وعلم ما في السَّماوات والأَرض ...»(4). ثانياً : بيانه صلوات الله عليه أَيضاً : «... والإِمام ... بشرٌ ملكيّ ، وجسدٌ سماويٌّ ، وأَمرٌ إِلٰهيٌّ ، وروحٌ قدسيٌّ ، ومقامٌ عَلِيٌّ ، ونورٌ جليٌّ ، وسرٌّ خفيٌّ ، فهو ملك الذَّات ، إِلٰهيُّ الصفات ... وهذا كُلّه لآل مُـحَمَّد لا يُشاركهم فيه مُشارك ...»(5). ثالثاً : بيانه صلوات الله عليه أَيضاً ، عن سلمان  : «...قال : أتريدون أَنْ أُريكم عجباً ؟ قلنا : نعم ، قال : غُضُّوا أَعينكم ، ففعلنا ، ثُمَّ قال: افتحوها ، ففتحناها فإذا نحن بمدينة ما رأينا أَكبر منها ، والأَسواق فيها قائمة ، وفيها أُناس ما رأينا أَعظم من خلقهم على طول النخل ، قلنا : يا أمير المؤمنين من هؤلاء ؟ قال : بقيَّة قوم عاد ، كُفَّار لا يؤمنون باللَّـه (عزَّوجلَّ) أَحببتُ أَنْ أُريكم إِيّاهم ، وهذه المدينة وأَهلها أُريد أَنْ اهلكهم وهم لا يشعرون. قلنا : يا أَمير المؤمنين ، تهلكهم بغير حُجَّةٍ ؟ قال : لا ، بل بحُجَّة عليهم ، فدنا منهم وترآءىٰ لهم فهمُّوا أَنْ يقتلوه ... ثُمَّ تباعد عنهم ودنا مِنَّا ، ومسح بيده على صدورنا وأَبداننا ، وتكلَّم بكلمات لم نفهمها وعاد إِليهم ثانية حتَّىٰ صار بإِزائهم وصعق فيهم صعقة . قال سلمان : لقد ظننَّا أَنَّ الأَرض قد انقلبت ، والسَّماء قد سقطت ، وأَنَّ الصواعق من فيه قد خرجت ، فلم يبقَ منهم في تلك السَّاعة أحد . قلنا : يا أَمير المؤمنين ، ما صنع الله بهم ؟ قال: هلكوا وصاروا كُلّهم إِلى النَّار. قلنا : هذا مُعجز ، ما رأينا ولا سمعنا بمثله. فقال عليه السلام: أَتريدون أَنْ أُريكم أَعجب من ذلك ؟ فقلنا : لا نطيق بأسرنا على احتمال شيء آخر ، فعلىٰ من لا يتوالاك ، ويؤمن بفضلك وعظيم قدرك على الله (عزَّوجلّ) لعنة الله ولعنة اللاعنين والملائكة والخلق أَجمعين إِلى يوم الدِّين ...»(6). ودلالته ـ كدلالة سابقيه ـ واضحة. 5ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «واللَّـه ، إِنِّي لديَّان النَّاس يوم القيامة ... وإِنَّ جميع الرسل والملائكة والأَرواح خُلقوا لخلقنا ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 21 : 26/ح25. أَمالي الصدوق : 307. (2) المراد من الاسم الإِلٰهي : (المنتقم) : تطهير الأَرض من أَسباب الشرّ والشرور ، والفساد والمفسدين. وليس المراد منه : الإِنتقام والتشفِّي ؛ فإِنَّه (عزَّوجلَّ) لا يحتاج إلى خلقه ؛ كيما ينتقم ويتشفَّىٰ منهم. وعلى هذا قس سائر أَسماء الجلال الإِلٰهيَّة. (3) غافر : 15. (4) بحار الأَنوار ، 26 : 1ـ 7/ح1. (5) بحار الأَنوار ، 25 : 169 ـ 174/ح38. (6) المصدر نفسه، 27 : 33ـ 40/ح5. المحتضر : 71 ـ 76
معارف ألهية (14)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (14)/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر انه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10)، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، ووصل بنا البحث في الدرس (11 ) الى المُقدِّمة الثالثة ، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وقد تقدمت بيانات و ادلة هذه المُقدِّمة ، ووصلنا ( بحمد الله تعالى ) الى العنوان التالي : ومن كُلِّ ما تقدم تتَّضح : كثير من بيانات الوحي ، وصل الكلام بنا الى البيان الخامس: 5ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «واللَّـه ، إِنِّي لديَّان النَّاس يوم القيامة ... وإِنَّ جميع الرسل والملائكة والأَرواح خُلقوا لخلقنا ، ولقد أُعطيت التسع الَّذي لم يسبقني إِليها أَحَد ... وبي كمل الدِّين ... ومِنَّا الرقيب على خلق اللَّـه ... إِذ يقول اللَّـه : [وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا](1)...»(2). 6ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «أَنا علم اللَّـه ، وأَنا قلب اللَّـه الواعي ، ولسان اللَّـه النَّاطق ، وعين اللَّـه النَّاظرة ، وأَنا جنب اللَّـه ، وأَنا يد اللَّـه»(3). 7ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «... فنحن روح اللَّـه وكلماته ، وبنا احتجب عن خلقه ...»(4). 8 ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «أَنا أورث من النَّبيِّين إِلى الوصيِّين ، ومن الوصيِّين إِلى النَّبيِّين ، وما بعث اللَّـه نبيّاً إِلَّا وأَنا أَقضي دينه وأنجز عداته ...»(5). 9ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «... ونحن إِذا شئنا شاء اللَّـه ، وإِذا كرهنا كره اللَّـه ...»(6). 10ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «... ويطيعنا كُلُّ شيءٍ حتَّىٰ السَّماوات والأَرض، والشَّمس والقمر ، والنجوم والجبال والشجر والدواب والبحار ، والجنَّة والنَّار ...»(7). ودلالته ـ كدلالة سوابقه ـ قد اِتَّضحت أَيضاً. 11ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «لو كشف الغطاء ما ازددتُ يقيناً»(8). 12ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «... ولولا آية في كتاب اللَّـه لأَنبئتكم بما في السَّماوات والأَرض ... فاسألوني قبل أَنْ تفقدوني ... ولولا أَنْ يقول قائلكم: إِنَّ عَلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام ساحر كما قيل في ابن عمِّي لأَخبرتكم بمواضع أَحلامكم ، وبما في غوامض الخزائن (المسائل) ، ولأَخبرتكم بما في قرار الأَرض ...»(9). 13ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «... سلوني قبل أَنْ تفقدوني ، فَلأنا بطرق السَّماء أَعلم مِنِّي بطرق الأَرض...»(10). 14ـ بيانه صلوات الله عليه أَيضاً ، عن أَبي عبد اللَّـه عليه السلام ، قال : «إِنَّ جويريَّة بن مسهّر العبديّ خاصمه رجل في فرسِ أُنثىٰ ، فادَّعيا جميعاً الفرس، فقال أَمير المؤمنين عليه السلام : أَلواحد منكما البيِّنة ؟ فقالا : لا. فقال لجويريَّة : أَعطه الفرس. فقال له : يا أَمير المؤمنين ، بلا بيّنة ؟! فقال له : والله لأَنا أَعلم بكَ منكَ بنفسكَ ، أَتنسىٰ صنيعك بالجاهليَّة الجهلاء ، فأَخبره بذلك»(11). 15ـ بيان زيارته عليه السلام : «... أَشهدُ أَنَّكَ تراني وتبصرني وتعرف كلامي وتجيبني وتعرف ما يجنَّه قلبي وضميري...»(12). ودلالته ـ كدلالة سوابقه ـ قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّه مُشير إلى طبقة حقيقة أَمير المؤمنين صلوات الله عليه الصَّاعدة ، في عَالَم السرمد والأَزل ، والمُعبَّر عنه في بيانات الوحي بعنوان : (عنده) عَالَم الصفات والأَسماء الإِلٰهيَّة، وتتبعها طبقات حقيقته صلوات الله عليه المتوسِّطة والنَّازلة ؛ فإِنَّها بعدما كانت أَلطف مخلوقات عوالمها ، كانت داخلة في جميع شراشرها وجزئيَّاتها وذرَّاتها وكانت أَقرب إِليها من أَنفسها ومن حبل وريدها ، ومن ثَمَّ يرىٰ صلوات الله عليه ويبصر في اللَّحظة الواحدة ظواهر وبواطن جملة المخلوقات، وفي كافَّة العوالم ، ويسمع ويعرف كلامها ويجيبها ، ويعرف ما تجنَّه طبقات حقائقها أَكثر من معرفة نفس المخلوقات بأنفسها. وسيأتي (إِنْ شاء الله تعالىٰ) بيان وتفصيل أَكثر عن هذه القضيَّة في المُقدِّمات التَّالية فانتظر هنيئة. 16ـ بيان زيارتهم صلوات اللَّـه عليهم : «... بأَبي أَنتم وأُمِّي ونفسي وَأَهلي ومالي ، ذكركم في الذَّاكرين ، وَأَسماؤكم في الأَسمآء ، وأَجسادكم في... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) النساء : 1. (2) بحار الأَنوار ، 39 : 350ـ 351/ح24. تفسير فرات : 61 ـ 62. (3) بحار الأَنوار ، 24 : 198/ح25. (4) المصدر نفسه ، 26 : 291/ح51. كنز الفوائد : 55 . (5) بحار الأَنوار، 39 : 350/ح23. تفسير فرات : 13. (6) بحار الأَنوار ، 26 : 1 ـ 7/ح1. (7) بحار الأَنوار ، 26 : 1 ـ 7/ح1. (8) المصدر نفسه ، 40 : 153. (9) كتاب خطبة البيان لأَمير المؤمنين عليه السلام . (10) بحار الأَنوار ، 66 : 227/ح19. نهج البلاغة ، 1/خ 181 : 386. (11) بصائر الدرجات ، 1 : 483/ح 895 ـ 1. (12) بحار الأَنوار ، 97 : 347 ـ 352/ح34. المزار الكبير : 97 ـ 101
معارف ألهية (15)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (15)/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر انه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10)، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، ووصل بنا البحث في الدرس (11 ) الى المُقدِّمة الثالثة ، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وقد تقدمت بيانات و ادلة هذه المُقدِّمة ، ووصلنا ( بحمد الله تعالى ) الى العنوان التالي : ومن كُلِّ ما تقدم تتَّضح : كثير من بيانات الوحي ، وصل الكلام بنا الى البيان السادس عشر : 16ـ بيان زيارتهم صلوات اللَّـه عليهم : «... بأَبي أَنتم وأُمِّي ونفسي وَأَهلي ومالي ، ذكركم في الذَّاكرين ، وَأَسماؤكم في الأَسمآء ، وأَجسادكم في الأَجساد ، وأَرواحكم في الأَرواح ، وأَنفسكم في النُّفوس ، وآثاركم في الآثار، وقبوركم في القبور ، فما ... أَعظم شأنكم ، وَأَجلّ خطركم...»(1). ودلالته قد اِتَّضحت أَيضاً ، فإِنَّ طبقات حقائق أَمير المؤمنين وسائرأَهل البيت صلوات الله عليهم الصَّاعدة لَـمَّا كانت صفات وأَسمآء إِلٰهيَّة كانت أَلطف الموجودات ؛ فيكونوا صلوات الله عليهم بلحاظ تلك الطبقات الصَّاعدة داخلين في جميع شراشر وجزئيَّات وذرَّات كافَّة المخلوقات دخول اللطيف في الأَغلظ لا بالممازجة والمزاولة ، وخارجين عنها خروج اللطيف عن الأَغلظ لا بالمباينة والمزايلة ، ومن ثَمَّ يكونوا صلوات الله عليهم أَعرف من جملة المخلوقات وفي كافة العوالم بأنفسها من أَنفسها. وعلى هذا قس سائر طبقات حقائقهم صلوات الله عليهم المتوسطة والنَّازلة ؛ فإِنَّها لَـمَّا كانت ألطف مخلوقات عوالمها كانت داخلةً فيها دخول اللطيف في الأَغلظ ، وخارجةً عنها خروجه عنه ، فكانت أَجسادهم وأَرواحهم ونفوسهم وسائر طبقات حقائقهم صلوات الله عليهم داخلة ـ على وفق القاعدة ـ في جميع شراشر وجزئيَّات وذرَّات أَجساد وأَرواح ونفوس وسائر طبقات حقائق جملة مخلوقات تلك العوالم دخول اللطيف في الأَغلظ لا بالممازجة والمزاولة ، وخارجة عنها خروج اللطيف من الأَغلظ لا بالمباينة والمزايلة . ومن ثَمَّ يحيطوا صلوات الله عليهم أَيضاً ـ على طبق القاعدة ـ بجميع شراشر وجزئيَّات وذرَّات مخلوقات جملة العوالم ، ولا يشذُّ عنهم صلوات الله عليهم شيء البَتَّة. وسيأتي (إِنْ شاء الله تعالىٰ) مزيد بيان عن هذه القضيَّة في المُقدِّمات التالية فانتظر. 17ـ بيان زيارتهم صلوات الله عليهم أَيضاً : «... لم تزالوا بعين اللَّـه وعنده ، وفي ملكوته تأمرون ، وله تخلفون ، وإِيَّاه تُسَبِّحون ، وبعرشه... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 99 : 132. عيون الأَخبار ، 2 : 272 ـ 277
معارف ألهية (16)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (16)/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه: «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ » ، ومر انه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 _ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، ووصل بنا البحث في الدرس (11 ) الى المُقدِّمة الثالثة ، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وقد تقدمت بيانات و ادلة هذه المُقدِّمة ، ووصلنا ( بحمد الله تعالى ) الى العنوان التالي : ومن كُلِّ ما تقدم تتَّضح : كثير من بيانات الوحي ، وصل الكلام بنا الى البيان السابع عشر : 17ـ بيان زيارتهم صلوات الله عليهم أَيضاً : «... لم تزالوا بعين اللَّـه وعنده ، وفي ملكوته تأمرون ، وله تخلفون ، وإِيَّاه تُسَبِّحون ، وبعرشه محدقون، وبه حافُّون حتَّىٰ مرَّ بكُم علينا ، فجعلكم في بيوتٍ أَذِنَ اللَّـه أَنْ تُرفع ...»(1). ودلالته قد اِتَّضحت أَيضاً ، فإِنَّ بيان قوله عليه السلام : «لم تزالوا بعين اللَّـه وعنده» إِشارة إِلى عَالَم السرمد والأَزل ؛ عَالَم الصفات والأَسماء الإِلٰهيَّة. وقوله عليه السلام : «وفي ملكوته تأمرون ، وله تخلفون ، وإِيَّاه تُسبِّحون ، وبعرشه محدقون ، وبه حافُّون» إِشارة إِلى طبقات حقائق أَهل البيت صلوات الله عليهم الصاعدة في مرتبة الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة ؛ فإِنَّها هي الآمرة والنَّاهية ، والحاكمة والمُتصرِّفة في جملة العوالم وسائر المخلوقات ؛ من بداية الخلقة والوجود إِلى ما لا نهاية له أَزلاً وأَبداً ما دام للَّـه (عزَّوجلَّ) حاجة في خلقه. وقوله عليه السلام : «حتَّىٰ مرَّ بكم علينا ، فجعلكم في بيوتٍ أَذِنَ اللَّـه أَنْ ترفع» إشارة إلى مرتبة أَبدانهم صلوات الله عليهم المُقدَّسة الشَّريفة ؛ فإِنَّها بيوت لأَرواحهم وطبقات حقائقهم عليهم السلام النازلة. وكذا أَرواحهم عليهم السلام الطَّاهرة النَّازلة ؛ فإِنَّها بيوت لأَرواحهم الأَعلىٰ طبقة. وهذا أَحد معاني عنوان: (أَهل البيت عليهم السلام ) ؛ فإِنَّ أَبدانهم الشَّريفة بيوت لأَرواحهم النَّازلة ، وأَرواحهم النَّازلة بيوت لأَرواحهم الصَّاعدة. فالتفت ، وتدبَّر جيِّداً ، واغتنم تربت يداك. وسيأتي (إِنْ شاء الله) في محلِّه مزيد بيان عن هذه القضيَّة فانتظر. 18ـ بيان زيارتهم صلوات اللَّـه عليهم أَيضاً : «... طأطأ كُلّ شريفٍ لشرفكم ، وبخع(2) كُلّ مُتكبِّرٍ لطاعتكم ، وخضع كُلّ جبّارٍ لفضلكم ، وذلّ كُلّ شيءٍ لكم ، وأَشرقت الأَرض بنوركم ... بكم يُسلك إِلى الرضوان ...»(3). 19ـ بيان زيارتهم صلوات اللَّـه عليهم أَيضاً : «... حتَّىٰ لا يبقىٰ ملك مُقرَّب ، ولا نبيّ مرسل ، ولا صِدِّيق ولا شهيد ، ولا عَالِم ، ولا جاهل ، ولا دني ولا فاضل ، ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ، ولا جبَّار عنيد ، ولا شيطان مريد ، ولا خلق فيما بين ذلك شاهد ما هنالك إِلَّا عرَّفه جلالة أَمركم، وعظم خطركم ، وكبير شأنكم ، وجلالة قدركم ، وتمام نوركم ، وصدق مقعدكم ، وثبات مقامكم ، وشرف محلَّكم ، ومنزلتكم عنده ، وكرامتكم عليه ، وخاصَّتكم لديه ، وقرب مجلسكم منه ...»(4). 20ـ بيان زيارته صلوات اللَّـه عليه : «... السَّلام عليك ... أَوَّل من ابتدع اللَّـه ، والحُجَّة على جميع من خلق اللَّـه ... أَيُّها النَّبأ العظيم ، والخطب الجسيم ... اَيُّها النَّازل من عِليِّين ، والعالم بما في أَسفل السَّافلين ، ومهلك من طغىٰ من الأَوَّلين ، ومبيد من جحد من الآخرين...»(5). ودلالته ـ كدلالة سابقيه ـ قد اتَّضحت أَيضاً ، ولا غبار عليها. 21ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام ، عن أَبي حمزة ، قال : «سألت أَبا جعفر عليه السلام ... عن قول اللَّـه تعالىٰ : [وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا](6) قال: تفسيرها في بطن القرآن يعني : عَلِيّ هو ربّه في الولاية والطاعة ، والرَّبُّ هو : الخالق الَّذي لا يوصف ...» (7). ودلالته قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّه مُشير إِلى بعض طبقات حقيقة أَمير المؤمنين صلوات الله عليه الصَّاعدة في عَالَم السرمد والأَزل ، فإِنَّها أَسماء إِلٰهيَّة، كـ: (اسم الرَّبِّ) ، وهو : المالك والمُدبِّر والمدير لأَحوال وشؤون جملة المخلوقات في عَالَم الولاية والطَّاعة ، و(اسم الخالق)(8). 22ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «إِنَّه ليس عند أحد من حقٍّ ولا صواب ، وليس... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 99 : 151 ـ 152. (2) خ . ل : (نخع) . خ. ل (نجع). (3) بحار الأَنوار ، 99 : 132. عيون الأخبار ، 2 : 272 ـ 277. (4) بحار الأَنوار: 99 : 130. عيون الأَخبار ، 2 : 272 ـ 277. (5) بحار الأَنوار ، 98 : 347 ـ 352/ح34. المزار الكبير : 97 ـ 101. (6) الفرقان : 55. (7) بصائر الدرجات ، 1 : 168 ـ 170/ح 319 ـ 5. (8) هذا عطف على (اسم الرَّبِّ) ، فتكون العبارة كالتالي : (فإِنَّها ـ أَي: طبقات حقيقة أَمير المؤمنين عليه السلام الصَّاعدة ـ أَسماء إِلٰهيَّة ، كـ : (اسم الرَّبِّ) ... و(اسم الخالق))
معارف ألهية (17)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (17)/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه: «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ » ، ومر انه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، ووصل بنا البحث في الدرس (11 ) الى المُقدِّمة الثالثة ، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وقد تقدمت بيانات و ادلة هذه المُقدِّمة ، ووصلنا ( بحمد الله تعالى ) الى العنوان التالي : ومن كُلِّ ما تقدم تتَّضح : كثير من بيانات الوحي ، وصل الكلام بنا الى البيان الثاني والعشرون : 22ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «إِنَّه ليس عند أحد من حقٍّ ولا صواب ، وليس أَحد من النَّاس يقضي بقضاء يصيب فيه الحقّ إِلَّا مفتاحه عَلِيٌّ ، فإذا تشعَّبَتْ بهم الأُمور كان الخطأ من قبلهم ، والصواب من قِبَله أَو كما قال»(1). 23ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «أَمَا إِنَّه ليس عند أَحد علمٌ ولا حقٌّ ولا فتيا إِلَّا شيءٌ أُخذ عن عَلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام ، وعنَّا أَهل البيت ، وما من قضاء يُقضىٰ به بحقٍّ وصوابٍ إِلَّا بدءُ ذلك وسببه وعلمه من عَلِيٍّ عليه السلام ومِنَّا ، فإذا اختلف عليهم أَمرهم قاسوا وعملوا بالرأي ، وكان الخطأ من قِبَلهم إِذا قاسوا ، وكان الصَّواب إِذا اتَّبعوا الآثار من قِبَل عَلِيّ عليه السلام »(2). 24ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «كُلُّ ما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل»(3). 25ـ بيان الإِمام الصادق عليه السلام: «... فكُلّ علمٍ خرج إِلى أَهل السَّماوات والأَرض فمنَّا وعنَّا ...»(4). ودلالته ـ كدلالة سوابقه ـ قد اِتَّضحت ؛ فإِنَّه بعدما كانت طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلٰهيَّة ، منها: اسم : (العليم ، واللَّطيف ، والنَّافع ، والنُّور ، والهادي ، والرشيد) ، وكانوا صلوات اللَّـه عليهم هم الرباط الإِلٰهي الأَدنىٰ ، والسبب الحصري الفارد بين الساحة الإِلٰهيَّة المُقدَّسة وجملة العوالم وكافَّة المخلوقات ، ووسائط الفيض الإِلٰهي لطرِّ العوالم وسائر المخلوقات من بداية الخلقة والوجود إِلى ما لا نهاية له كانوا صلوات الله عليهم مُحيطين بجملة العلوم والمعارف الحقَّة الصَّادرة من الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، ولا يشذُّ عنهم شيء ، ومن ثَمَّ كُلّ ما حوته وتحويه كافَّة المخلوقات ـ منها : طبقات حقائقهم صلوات اللَّـه عليهم المتوسطة والنَّازلة، وطبقات حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة (الرُّوح الأَمري) ، وهو مخلوق مهول وعظيم جِدّاً ، وطبقات حقيقة جبرئيل عليه السلام ـ وفي كُلِّ العوالم والنَّشَآت ، من بداية الخلقة والوجود إِلى مالا نهاية له من علوم ومعارف وعقائد حقَّة لا يكون إِلَّا ببركة ضخّ طبقات حقائقهم صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة لتلك العلوم والمعارف والعقائد. وإِلَّا ـ أَي : ما حوته المخلوقات من غير طريق وصراط أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ـ فزيغ وجهل وضلال وغواية وانحراف ليس إِلَّا ، فالتفت واغتنم تربت يداك. وعلى طرز هذه البيانات الوحيانيَّة وردت بيانات وحيانيَّة وافرة وباهرة أُخرىٰ ، منها : أَوَّلاً : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «أَنَا مدينة العلم ، وَعَلِيّ بابها ، وهل تُدخل المدينة إِلَّا من بابها...»(5). ثانياً : بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً : «أَنا مدينة الفقه ، وعَلِيّ بابها»(6). ثالثاً : بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً : «أَنا مدينة الحكمة ، وَعَلِيّ بابها ، فَمَنْ أَراد الحكمة فليأت الباب»(7). رابعاً : بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً ، مُخاطباً أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «... يا عَلِيّ ، أَنتَ بابي الَّذي أُوتىٰ منه ، وأَنا باب اللَّـه ، فَمَنْ أَتَاني من سواكَ لم يصل ، وَمَنْ أَتىٰ سواي لم يصل...»(8). خامساً : بيانه صلى الله عليه واله مخاطباً أَمير المؤمنين صلوات الله عليه أَيضاً : «... ياعَلِيّ ، ما عُرف اللَّـه إِلَّا بي ثُمَّ بكَ ...»(9). سادساً : بيان الإِمام الباقر عليه السلام : «... ولولانا ما عُرف اللَّـه ، وأيم اللَّـه، لولا وصيَّة سبقت وعهد أُخذ علينا لقلتُ قولاً يعجب منه أَو يذهل منه الأَوَّلون والآخرون»(10). وكُلُّ هذه بيانات معارف إِلٰهيَّة دينيَّة ـ وليست شرعيَّة مختصَّة بالثقلين وبهذه النشأة الأَرضيَّة ـ كحال دين الإِسلام وسائر معارفه وعقائده شاملة لجملة العوالم وكافَّة المخلوقات من بداية الخلقة إِلى مالا نهاية له، فالتفت ، واغتنم. 26ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن أَبي بكر الحضرمي ، قال : «قال لي أَبو عبداللَّـه عليه السلام : ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 2 : 95/ح35. (2) بحار الأَنوار ، 2 : 95/ح36. (3) مختصر البصائر : 198/ح179 ـ 20. (4) بحار الأَنوار ، 25 : 24/ح41. (5) بحار الأَنوار ، 10 : 120/ح1. التوحيد : 319 ـ 323. الأمالي : 205 ـ 208/ المجلس : (الخامس والخمسون). (6) إحقاق الحقّ ، 5 : 505. تذكرة الخوص : 26. كتاب الغدير ، 6 : 81. (7) بحار الأَنوار ، 23 : 126/ح53 (مع اختلاف يسير). أَمالي الصدوق : 162. إِكمال الدين: 140. أَمالي الطوسي ، 2 : 51/ح24 ـ 1055. (8) بحار الأَنوار ، 40 : 204/ح10. تفسير فرات : 12. (9) بحار الأَنوار ، 22 : 148/ح141. كتاب سليم : 215 ـ 216. (10) بحار الأَنوار ، 25 : 4ـ5/ح7. المحتضر : 129
معارف ألهية (18)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (18)/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ » ، ومر انه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، ووصل بنا البحث في الدرس (11 ) الى المُقدِّمة الثالثة ، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وقد تقدمت بيانات و ادلة هذه المُقدِّمة ، ووصلنا ( بحمد الله تعالى ) الى العنوان التالي : ومن كُلِّ ما تقدم تتَّضح : كثير من بيانات الوحي ، وصل الكلام بنا الى البيان السادس والعشرون : 26ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن أَبي بكر الحضرمي ، قال : «قال لي أَبو عبداللَّـه عليه السلام : يا أَبا بكر ، ما يخفىٰ عَلَيَّ شيء من بلادكم»(1). 27ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن عدَّة من أَصحابنا ، فيهم عبد الأَعلىٰ وعبيدة بن عبداللَّـه بن بشر الخثعميّ وعبداللَّـه بن بشير ، سمعوا أَبا عبداللَّـه يقول : «إِنِّي لأَعلم ما في السَّماوات ، وأَعلم ما في الأَرضين ، وأَعلم ما في الجنَّة ، وأَعلم ما في النَّار ، وأَعلم ما كان وما يكون . قال : ثُمَّ مكث هنيئة ، فرأَىٰ أَنَّ ذلك كبر على مَنْ سمعه ، فقال: علمتُ من كتاب اللَّـه ، إِنَّ اللَّـه يقول : «فيه تبيان كُلّ شيء»»(2). 28ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «إِنَّ للَّـه (عزَّوجلَّ) اثنىٰ عشر أَلف عَالَم ، كُلُّ عَالَمٍ منهم أَكبر من سبع سماوات وسبع أَرضين ، ما يرىٰ كُلّ عَالَمٍ منهم : إِنَّ للَّـه عَالَـماً غيرهم وأَنا الحُجَّة عليهم»(3). ودلالته ـ كدلالة سابقيه ـ قد إِتَّضحت. 29ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «لو أَنَّ اللَّـه خلق الخلق كلّهم بيده لم يحتجَّ في آدم أَنَّه خلقه بيده ...»(4). ودلالته قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ فيه إِشارة معرفيَّة إِلى ما تقدَّم ؛ من أَنَّ جملة العوالم وكافة المخلوقات خُلقت بأَيدي طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة في عَالَم السرمد والأَزل ؛ عَالَم الصفات والأَسماء الإِلٰهيَّة الحسنىٰ ، كـ : اسم : (الخالق) و(الباري) و(المصور). 30ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «... أَمَا واللَّـه ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بصائر الدرجات ، 2 : 345/ح1576 ـ 7. (2) بصائر الدرجات ، 1 : 264/ح497 ـ 5. الكافي ، 1 : 361/ح2. (3) مختصر البصائر : 76/ ح47 ـ 47. الخصال للصدوق : 639/ ح2. (4) بحار الأَنوار ، 4 : 1/ح1
معارف ألهية (19)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (19)/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ » ، ومر انه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، ووصل بنا البحث في الدرس (11 ) الى المُقدِّمة الثالثة ، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وقد تقدمت بيانات و ادلة هذه المُقدِّمة ، ووصلنا ( بحمد الله تعالى ) الى العنوان التالي : ومن كُلِّ ما تقدم تتَّضح : كثير من بيانات الوحي ، وصل الكلام بنا الى البيان الثلاثون : 30ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «... أَمَا واللَّـه ، لو علموا كيف كان أَصل الخلق ما اختلف إِثنان»(1). 31ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «... أَما لو علموا كيف كان بدؤ الخلق وأَصله لَـمَا اختلف إِثنان»(2). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة لَـمَّا كانت أَوَّل الموجودات أُشتقَّت وتجلَّت منها كافَّة العوالم وجميع المخلوقات ، ومن ثَمَّ لو اطَّلعت المخلوقات على أَصل خلقتها لَـمَا حصل فيما بينها الإِختلاف ، وكانت بجملتها مُحبَّة وموالية لأَصلها ومنبعها : أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي الإِلٰهي الأُخرىٰ ، منها : أَوَّلاً : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله مُخاطباً أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «... يا عَلِيّ ... أَنا وأَنتَ أَبوا هذه الأُمَّة ، فلعن اللَّـه من عقَّنا...»(3). ودلالته واضحة ؛ فإِنَّ معنىٰ الأَب : كُلُّ مَنْ كان سبباً في إِيجاد الشيء وإِصلاحه وظهوره ، وإِظهاره من ظلمات العدم إِلى نور الوجود. بعد الإِلتفات : أَنَّ عنوان : (أُمَّة مُـحَمَّد صلى الله عليه واله) ، المُشار إِليها في بيانه صلى الله عليه واله: «أَبَوا هذه الأُمَّة» شامل لجملة العوالم وكافَّة المخلوقات ؛ من بداية الخلقة إلى مالا نهاية له ؛ لأَنَّها : (أُمَّة الإِسلام) ، وهو شامل لجملة ذلك من بداية الخلقة إِلى مالا نهاية له. فالتفت. ثانياً : بيانه صلى الله عليه واله ، عن جابر بن عبداللَّـه الأَنصاري ، قال : «قلتُ لرسول اللَّـه صلى الله عليه واله : أَوَّل شيء خلق اللَّـه تعالىٰ ما هو؟ فقال : نور نبيِّك يا جابر ، خلقه اللَّـه ثُمَّ خلق منه كُلّ خير ، ثُمَّ أَقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء اللَّـه ، ثُمَّ جعله أَقساماً : فخلق العرش من قسمٍ ، والكرسي من قسمٍ ، وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم ، وأَقام القسم الرابع في مقام الحبّ ما شآء اللَّـه ، ثُمَّ جعله أَقساماً : فخلق القلم من قسمٍ ، واللوح من قسمٍ ، والجنَّة من قسمٍ ، وأَقام القسم الرابع في مقام الخوف ما شآء اللَّـه ، ثُمَّ جعله أَجزاءً : فخلق الملائكة من جزء ، والشَّمس من جزءٍ ، والقمر والكواكب من جزءٍ ، وأَقام القسم الرابع في مقام الرجاء ما شآء اللَّـه ، ثُمَّ جعله أجزاءً : فخلق العقل من جزءٍ ، والعلم والحلم من جزءٍ ، والعصمة والتوفيق من جزءٍ ، وأَقام القسم الرابع في مقام الحياء ما شآء اللَّـه ، ثُمَّ نظر إِليه بعين الهيبة فرشح ذلك النور وقطرت منه مائة أَلف وأَربعة وعشرون أَلف قطرة ؛ فخلق اللَّـه من كُلِّ قطرة روح نبيّ ورسول ، ثُمَّ تنفَّست أَرواح الأَنبياء فخلق اللَّـه من أَنفاسها أَرواح الأَولياء والشهداء والصالحين»(4). ثالثاً : بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً : «... خلقنا اللَّـه نحن حيث لا سماء مبنيَّة ، ولا أَرض مدحيَّة ، ولا عرش ، ولا جنَّة ولا نار ، وكنَّا نُسبِّحه حين لا تسبيح ، ونقدِّسه حين لا تقديس ، فلَمَّا أَراد اللَّـه بدء الصنعة فتق نوري فخلق منه العرش ، فنور العرش من نوري ، ونوري من نور اللَّـه ... ثُمَّ فتق نور ابن أَبي طالب فخلق منه الملائكة ... وفتق نور ابنتي فاطمة منه فخلق السَّماوات والأَرض ... ثُمَّ فتق نور الحسن فخلق منه الشَّمس والقمر ... ثُمَّ فتق نور الحسين فخلق منه الجنَّة والحور العين ...»(5). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة أَيضاً. 32ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن المفضّل بن عمر ، قال : «... فقلتُ له : يابن رسول اللَّـه ، فَعَلِيّ بن أبي طالب عليه السلام يُدخل مُحبّه الجنَّة ومبغضه النَّار أَو... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المصدر نفسه ، 2 : 132/ح23. (2) بحار الأَنوار ، 2 : 135/ح34. (3) المصدر نفسه ، 36 : 5ـ 6/ح4. (4) بحار الأَنوار ، 25 : 21ـ22/ح37. رياض الجنان : (مخطوط). (5) بحار الأَنوار: 6/ح30
معارف ألهية (20)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (20)/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ » ، ومر انه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، ووصل بنا البحث في الدرس (11 ) الى المُقدِّمة الثالثة ، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وقد تقدمت بيانات و ادلة هذه المُقدِّمة ، ووصلنا ( بحمد الله تعالى ) الى العنوان التالي : ومن كُلِّ ما تقدم تتَّضح : كثير من بيانات الوحي ، وصل الكلام بنا الى البيان الثاني والثلاثون : 32ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن المفضّل بن عمر ، قال : «... فقلتُ له : يابن رسول اللَّـه ، فَعَلِيّ بن أبي طالب عليه السلام يُدخل مُحبّه الجنَّة ومبغضه النَّار أَو رضوان ومالك ؟ فقال: يا مفضَّل ... فَعَلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام إِذاً قسيم الجنَّة والنَّار عن رسول اللَّـه صلى الله عليه واله ، ورضوان ومالك صادران عن أَمره بأمر اللَّـه (تبارك وتعالىٰ)، يا مفضَّل ، خُذ هذا ؛ فإِنَّه من مخزون العلم ومكنونه ، لا تخرجه إِلَّا إِلى أَهله»(1). 33ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «ما من شيءٍ ولا من آدمي ولا إِنسيّ ولا جنِّي ، ولا ملك في السَّماوات إِلَّا ونحن الحجج عليهم ، وما خلق اللَّـه خلقاً إِلَّا وقد عرض ولايتنا عليه واحتجَّ بنا عليه فمؤمن بنا وكافر وجاحد حتَّىٰ السَّماوات والأَرض والجبال الآية»(2). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ قد اتَّضحت. 34ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : « من صام أَوَّل يوم من شعبان... ومن صام ثلاثة أَيّام زاره اللَّـه في عرشه من جنَّته في كُلِّ يومٍ»(3). ودلالته قد اتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ بيان قوله عليه السلام : «زاره اللَّـه» أَي : زاره (اسم اللَّـه) ، وهو مخلوق من مخلوقات عَالَم السرمد والأَزل ؛ عَالَم الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة : طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة، وهذا الاسم المُقدَّس أَحد طبقات حقائقهم صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة، وحينئذٍ لا شبهة ولا إِشكال ، ولا يحتاج هذا البيان الوحياني الشَّريف إِلى تأويلٍ ؛ وحملٍ على معانيه المجازيَّة، كما كان ولا زال يُفعل بمثل هذه البيانات الوحيانيِّة وأَشباهها ونظائرها ، فيعمدون ويحتالون عليها بكُلِّ ما أُوتوا من قوَّة وصنعة ؛ لقصور عقولهم ، ولعدم تضلعهم ببيانات الوحي المعرفيَّة ، ويستخدمون معها اساليب وآليَّات وصنعة المخالفين ؛ أَعداء أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ؛ فيسقطون منها أُلوف الآلاف عن الحُجِّيَّة ؛ إِمَّا من جهة سندها ، أَو من جهة دلالتها من خلال الحمل على معانيها المجازيَّة. فالتفت. وهذا(4) كالأَوَّل(5) قتل للمعارف الإِلٰهيَّة ؛ معارف أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ليس إِلَّا ، وجناية وإضرار بدين الإسلام وبأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم أَعظم من دون قياس وأشنع من جناية وإِضرار يزيد بن معاوية وجيشه (عليهم لعائن اللَّـه) بدين الإسلام وبأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ، لأَنَّ هؤلاء قتلوا الأَبدان وحرموا أَصحابها الحياة الدنيويَّة الزائلة ، بخلاف أُولئك ؛ فإِنَّهم يقتلون في كُلِّ لحظةٍ أَرواح وحقائق ومعارف وعقائد دين الإِسلام وأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ، ويقتلون الحياة الأُخرويَّة الأَبديَّة الدائمة ، فأيُّ جناية هذه ، و أيُّ إِضرار وظلم لأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم هذا ، وللمسلمين والمؤمنين، بل للبشريَّة جمعاء ، بل لجملة المخلوقات ، مشمولة ببيانات الوحي الدَّالة على ظلم أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ، منها : أَوَّلاً : إِطلاق بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «ما زلتُ مظلوماً، لقد ظلمتُ عدد المدر والوبر»(6). ثانياً : إِطلاق بيان الإِمام الباقر صلوات اللَّـه عليه : «... ثُمَّ لم نزل أَهل البيت نستذل ونستضام ، ونقصىٰ ونمتهن...»(7). ودلالتهما واضحة. 35ـ بيان الإِمام الكاظم عليه السلام ، في تفسير بيان قوله تعالىٰ : «[فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ](8) قال : نحن هم ، نشهد للرُّسِل على أُممها»(9). 36ـ بيان الإِمام الرضا عليه السلام : «... بنا يُمسك اللَّـه السَّماوات والأَرض أَنْ تزولا ، وبنا ينزل الغيث ، وينشر الرَّحمة ...»(10). 37ـ بيان النَّاحية المقدَّسة : «... ونحن صنائع ربّنا ، والخلق بعد صنائعنا»(11). ودلالة الجميع قد اِتَّضحت ، ولا غبار ولا شائبة عليها. ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المصدر نفسه ، 39 : 194ـ196/ح5. علل الشرائع : 65. (2) بحار الأَنوار ، 27 : 46/ح7. السرائر : 473. (3) من لا يحضره الفقيه ، 2 : 92/ح1824. (4) أَي: إِسقاط حُجِّيَّة بيانات الوحي المعرفيَّة عن الإِعتبار والحُجِّيَّة من خلال حمل أَلفاظها على معانيها المجازيَّة. (5) المراد من (الأَوَّل) : إِسقاط حُجِّيَّة بيانات الوحي المعرفيَّة من خلال تضعيف سندها. (6) بحار الأَنوار ، 109 : 46. (7)المصدر نفسه ، 44 : 68. (8) آل عمران : 53. (9) بحار الأَنوار ، 23 : 336/ح3. مناقب آل أَبي طالب ، 3 : 403. (10) بحار الأَنوار: 35/ح59. كمال الدين : 177. (11) بحار الأَنوار ، 53 : 178/ح9
معارف ألهية (21)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (21)/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ » ، ومر انه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، ووصلنا ( بحمد الله تعالى ) الى المُقدِّمة الرابعة : /المُقدِّمة الرابعة :/ /حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى/ إِنَّ الصفات والأَسماء الإِلٰهيَّة الحسنىٰ المعروفة لدينا وإِنْ ثبت في المُقدِّمة الثالثة : أَنَّها طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة بالبيان ؛ المُتقدِّم وما سيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) في المسائل والأَبحاث التالية ، لكنَّها ليست رأس هرم طبقات حقائقهم صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة ، بل رأس هرم طبقات حقائقهم عليهم السلام الصَّاعدة وراء وفوق ذلك. كحال حقيقة سائر البشر ؛ فإِنَّها لا تكمن في النَّفس ، ولا في طبقات الرُّوح ؛ فلا تكمن في طبقة العقل ، ولا في طبقة القلب ، ولا في طبقة السرِّ ، ولا في طبقة الخفي ، ولا في طبقة الأَخفىٰ ، وإِنَّما وراء وفوق ذلك ، ومهيمنة عليها هيمنة اللطيف على الأَغلظ. وللتوضيح أَكثر : لاحظ المُقدَّمتين التاليتين : الأُولَىٰ : أَنَّه تقدَّم في المُقدِّمة الأُولى بيان لضرورة دينيَّة وشرعيَّة ، وعند كافَّة الفرق الإِسلاميَّة ، بل وبيانات وحيانيَّة بالغة فوق التواتر اللفظي والعقلي والوحياني : أَنَّ رأس هرم جملة المخلوقات وأَوَّلها وأَشرفها وأَكملها وأَقربها على الإِطلاق لِلْذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة : طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة. الثَّانية : تقدَّم أَيضاً في المُقدَّمة الثانية: ذكر بيان للإِمام الصَّادق عليه السلام المُصرِّح بـ : أَنَّ وراء وفوق أُسس وأُصول وأَركان الأَسماء الإِلٰهيَّة الأَربعة ـ وهي : (هو ـ وهو الاسم المكنون المخزون ـ ، واللَّـه ، وتبارك ، وسبحانه ـ خ. ل : تعالىٰ ـ) : ـ حقيقةً مخفيَّةً ، مهولةً وخطيرةً جِدّاً ، وإِسماً إِلٰهيّاً مخفيّاً : «بالحروف غَيْرَ منعوتٍ ، وباللَّفظ غَيْرَ مُنْطَقٍ ، وبالشَّخص غَيْرَ مُجَسَّدٍ ، وبالتَّشبيه غَيْرَ موصوفٍ ، وباللَّون غَيْرَ مصبوغٍ، منفي عنه الأَقطار، مُبَعَّدٌ عنه الحُدُودُ ، مَحْجُوبٌ عنه حِسُّ كُلِّ مُتَوَهِّمٍ ، مُسْتَتِرٌ غَيْرَ مَسْتُورٍ». والنتيجة : أَنَّ طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة لا تنتهي بالصفات والأَسماء الإِلٰهيَّة الحسنىٰ المعروفة ، والمُصرَّح بها في بيانات الوحي. بل إِنَّه صلوات اللَّـه عليه لم يذكر في بيانه الشَّريف هذا : أَنَّ ذلك الاسم الإِلٰهي المخفي هو أَوَّل المخلوقات ورأس هرمها ، وأَبقىٰ صلوات اللَّـه عليه الباب مفتوحاً لمخلوقات مكرَّمة ـ (طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة) ـ وراء ذلك الإِسم الإِلٰهي المخفي ، بل ووراء جملة المخلوقات وفوقها ومُهَيْمِنَة عليها ، أَرفع شأناً ، وأَعلىٰ مقاماً . ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار
معارف ألهية(2 2)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (22)/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ » ، ومر انه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس ( 9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وعن المُقدِّمة الرابعة في الدرس (21 )، وكانت تحت عنوان : (حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى ) ، ووصلنا ( بحمد الله تعالى ) الى المُقدِّمة الخامسة : /المُقدِّمة الخامسة :/ /تجلِّي الصفات والأَسمآء الإِلهيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام/ ثُمَّ إِنَّه لَـمَّا كانت طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة هي : الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة الحسنىٰ ـ فعليَّة كانت تلك الصفات والأَسمآء أَم ذاتيَّة ـ ، بل فوقها ، وخلصت من شائبة الأَنا والمخلوقيَّة ، وصارت تجلِّيات وظهورات للذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقَدَّسة اَنعكست وظهرت وتجلَّت فيها كافَّة : صفات وأَسمآء وكمالات وشؤون الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة إِلَّا الأُلوهيَّة ؛ لخروجها موضوعاً وتخصُّصاً. نظيره: أَوَّلاً : ما مرَّ في مثال (المرآة شديدة الصقل والصفاء والاِنْعِكَاس) ؛ والفانية في حكاية ذيها ، فلا تري نفسها ، بل محكيِّها ، ومن ثَمَّ تأخذ صورتها جميع صفات محكيِّها ـ إِلَّا ما خرج موضوعاً وتخصُّصاً ـ ، لكنَّه بالتَّبع وإِفاضة منه. ثانياً : ما مرَّ أَيضاً في مثال (الصَّرح) الوارد في قضيَّة بلقيس الواردة في بيان قوله تعالى :[ قيل لها ادخلي الصرح فلما راته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال انه صرح ممرد من قوارير قالت رب اني ظلمت نفس واسلمت مع سليمان لله رب العالمين ] (1) ؛ فإِنَّه لشدَّة صفائه ، وتمرُّد ذاته ، وفنائها في حكاية ذيه لم يُرِ نفسه ، بل محكيَّه : (اللُّجَّة ـ الماء الغزيرـ) ، وانعكست فيه جميع صفاتها وأَسمائها وكمالاتها وشؤونها وأَحوالها ، فحسبته ماءً غزيراً فكشفت عن ساقيها لتتخطَّاه ، ولَـمَّا أُخبرت بالواقع ؛ وأَنَّه : (صرح مُـمرَّد) ؛ فُنيت وتمرَّدت ذاته في حكاية ذيه ، ولم يُرِ نفسه ، بل محكيَّه آمنت بما جاء به النَّبيّ سليمان عليه السلام من دون مهلة ونظر وتردُّد؛ لإِلتقاطها إِشارة معرفيَّة لمعنىٰ تجلِّيات وظهورات الذات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة في المخلوقات المُكرَّمة. وهذا ما يوضِّح : نكتة وفلسفة إِسناد الباري ـ المُسمَّىٰ ـ (تعالىٰ ذكره) لإِسمين وصفتين من أَسمائه وصفاته المُقدَّسة في كتابه الكريم ، وهما : (ذو الجلال) و(ذو الإِكرام) ، فتارة أَسندهما إِلى ذاته المُقدَّسة. فانظر : بيانه جلَّ قوله : [تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ](2)فإِنَّ (تبارك) فعل ماضي ، و(إسمُ) فاعل ، و(ربِّك) مضاف إِليه مجرور بالكسرة ، و(ذي) صفة ربّك فأخذت حكم الموصوف وهو (الرَّبّ) فجُرَّت بـ : (الياء) ؛ لأَنَّها من الأَسماء الخمسة ، و (الجلال) مضاف إِليه ، و(الإِكرام) معطوف على الجلال. إِذنْ : صفة واسم (ذي الجلال) و(الإِكرام) أسندهما الباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ ذكره) في المقام إِلى ذاته المُقدَّسة. وتارة أُخرىٰ أسندهما إِلى (وجه الرَّبِّ) ، وهو أَحد المخلوقات المُكرَّمة؛ وطبقة من طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة في عَالَم السرمد والأَزل؛ عَالَم الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ، وهو(3) أَحد المرادفات الإِلٰهيَّة العقليَّة للإسم الإِلٰهي والصفة الإِلٰهيَّة . وحينئذٍ يَصحُّ إِسنادهما(4) إِلى الاسم الإِلٰهي والصفة الإِلٰهيَّة أَيضاً من دون حزازة ولا شائبة إِشكال. فلاحظ: بيان قوله علا ذكره : [وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ](5). فإِنَّ (يبقىٰ) فعل مضارع ، و(وجهُ) فاعل مرفوع بالضمة ، و(ربِّكَ) مضاف إِليه مجرور بالكسرة ، و(ذو) صفة وجه ، فأخذت حكمه فرفعت بـ (الواو) ؛ لأَنَّها ـ كما تقدَّم ـ من الأَسماء الخمسة ، و(الجلال) مضاف إِليه ، و(الإِكرام) معطوف على الجلال. وإِلى كلِّ هذا تُشير بيانات الوحي الواردة في حقِّ طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة ، منها : البيان الأَوَّل : بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : « ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ( 1)النمل : 44 . (2)الرحمن :78 . (3) مرجع الضمير : (وجه الرَّبّ). (4) مرجع الضمير : (اسم وصفة : (ذو الجلال) و(ذو الإِكرام)). (5) الرحمٰن : 27
معارف ألهية (23)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (23)/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر انه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وعن المُقدِّمة الرابعة في الدرس (21 )، وكانت تحت عنوان : ( حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى ) ، ووصلنا في الدرس (22 )الى المُقدِّمة الخامسة ، وكانت تحت عنوان : (تجلِّي الصفات والأَسمآء الإِلهيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام ) ، ووصل الكلام بنا ( بحمد الله تعالى ) في هذه المُقدِّمة الى البحث التالي : وإِلى كلِّ ما تقدم تُشير بيانات الوحي الواردة في حقِّ طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة ، منها : البيان الأَوَّل : بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه(1) : «... لا تجعلونا أَرباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فإِنَّكم لا تبلغون كُنْه ما فينا ولا نهايته ؛ فإِنَّ اللَّـه (عزَّوجلَّ) قد أَعطانا أَكبر وأَعظم مِـمَّا يصفه واصفكم ، أَو يخطر على قلب أَحدكم ، فإِذا عرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون... لا تسمُّونا أَرباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فإِنَّكم لن تبلغوا من فضلنا كُنْه ما جعله اللَّـه لنا ولا معشار العشر...»(2). ودلالته قد اتَّضحت ؛ فإِنَّ جملة صفات الذات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة وأَسمآئه وكمالاته وفضائله وشؤونه (تقدَّس ذكره) قد انعكست وظهرت وتجلَّت في طبقات حقائقهم صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة ، منها : (صفة عدم التناهي) ، ومن ثَمَّ كيف يُحيط المتناهي بكُنْه غير المتناهي ، وبكُنْه صفاته وأَسمآئه وكمالاته وأَفعاله وفضائله وشؤونه غير المتناهية. وهذا ما يُشير إِليه صلوات اللَّـه عليه بقوله : «وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فإِنَّكم لن تبلغوا من فضلنا كُنْه ما جعله اللَّـه لنا ولا معشار العشر»؛ فإِنَّ (لن) تفيد التأبيد في كافة النَّشَآت والعوالم ؛ منها : عَالَم الآخرة الأَبديَّة وما فوقه ، كما هو واضح. بل وتُشير إِليه بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان الإِمام الحسن المجتبىٰ عليه السلام : «... أَيُّها النَّاس إِنِّي لو قمتُ حولاً فحولاً أذكر الَّذي أعطانا الله (عزَّوجلَّ) وخصَّنا به من الفضل في كتابه وعلى لسان نبيِّه صلى الله عليه واله لم أُحصه ...»(3). وبيان الإِمام الكاظم عليه السلام : «... لا تعجب ، فما خفي عليك من أَمر الإِمام أَعجب وأَكثر ، وما هذا من الإِمام في علمه إِلَّا كطيرٍ أَخَذَ بمنقاره من البحر قطرة من ماء ، أَفَتَرىٰ الَّذي أخذ بمنقاره نقص من البحر شيئاَ؟ قال : فإِنَّ الإِمام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده ، وعجائبه أَكثر من ذلك ، والطَّير حين أَخذ من البحر قطرة بمنقاره لم ينقص من البحر شيئاً ...»(4). والنكتة : واضحةً أَيضاً ؛ فإِنَّ المخلوق مهما علا شأوه وشأن كُنْهه يبقىٰ متناهي على مَرِّ النَّشَآت والعوالم ، فكيف يُحيط بكُنْه وحقيقة غير المتناهي ، وبكُنْه وحقيقة صفاته وأَسمآئه وأَفعاله وكمالاته وفضائله وشؤونه. وإِلَّا لانقلبت ماهيَّة غير المتناهي وصارت متناهية ، وبطلان ، بل واستحالة انقلاب الماهيَّة من الواضحات ، بل وخلف الفرض. وهذا ما قرَّره أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم في قاعدة معرفيَّة ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) يجدر الالتفات : أَنَّ هذا البيان الشريف مستفيض ، بل متواتر عن أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ؛ فإِنَّ الثابت بالإِستقراء الناقص أَنَّه وارد عنهم عليهم السلام بإِثني عشر طريقا. وإِذا ضُمّ إِلى مرادفاته العقليَّة ـ منها : ما سيأتي (إِنْ شآء اللَّـه تعالىٰ) في الدليل والبيان الثاني والثالث ـ يصبح سنده فوق المتواتر. (2) بحار الأَنوار ، 26 : 1ـ7/ح1. (3) المصدر نفسه ، 10 : 142. (4) بحار الأَنوار ، 26 : 190 ـ 191/ح2. قرب الإِسناد : 144
معارف ألهية(24)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (24)/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر انه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وعن المُقدِّمة الرابعة في الدرس (21 )، وكانت تحت عنوان : ( حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى ) ، ووصلنا في الدرس (22 )الى المُقدِّمة الخامسة ، وكانت تحت عنوان : (تجلِّي الصفات والأَسمآء الإِلهيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام ) ، والى ما تقدم من بحث في هذه المقدمة تشير كثير من بيانات الوحي ، سنذكر(إِنْ شآء الله تعالىٰ) ثلاثة منها ، لازال البحث في البيان الاول ، وهو بيان امير المؤمنين عليه السلام : « ...لا تجعلونا اربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فانكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته ... » ودلالته قد اتضحت ؛ فان جملة الصفات والاسماء الالهية قد انعكست وظهرت وتجلت في حقائق اهل البيت عليهم السلام الصاعدة الا الالوهية ؛ لخروجها موضوعا وتخصصا ، ومن تلك الصفات والاسماء الالهية : (عدم التناهي ) ، واستحالة احاطة المتناهي بغير المتناهي ، ووصل الكلام بنا ( بحمد الله تعالى ) في هذه المُقدِّمة الى البحث التالي : وهذا ما قرَّره أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم في قاعدة معرفيَّة وعقليَّة جزلة وبديهيَّة ، خطيرة الثمار ، عظيمة الفائدة ، يأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) التَّعَرُّض لبيانها وبيان أَدلَّتها (1)، وهي : (أَنَّ مَنْ وصف شيئاً بكُنْه كان أَعظم من الموصوف). وهذه القاعدة الشَّريفة تنحلُّ إِلى قاعدتين : الأُولىٰ : (أَنَّ مَنْ وصف شيئاً بالكُنْه فقد أَحاط به). الثَّانية : (أَنَّ مَنْ أَحاط بشيءٍ كان أَعظم منه). والمراد من الإِحاطة في هذه القاعدة : أَعمُّ من التَّجرُّديَّة والعقليَّة والجسميَّة(2). وهذه القاعدة غفلت عنها أَجيال العلماء ، بل لم يُسلِّم بها فلاسفة الإِماميَّة فضلاً عن غيرهم مع بداهتها ، نعم سلَّم بها أَهل المعرفة ؛ اقتباساً من بيانات الوحي ، وتفطَّنوا إِلى إِشاراتها(3) الإِرشاديَّة ؛ وأَنَّ كُلَّ معرفةٍ بالذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة لا تخرج عن الظُّهور والتَّجلِّي ، أَي : معرفة بالآيات ؛ ومن وجه. وعليه : فلا يمكن لجملة المخلوقات من رأس هرمها ؛ فعل اللَّـه ومخلوقه الأَوَّل : سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله فما دون وصف كُنْه (الذَّات الأَزليَّة المُقدَّسة) أَزلاً وأَبداً ، وعبر جملة العوالم والنَّشَآت ، وإِلَّا فدعوىٰ كفر وإِلحاد. وهذا أَحد تفاسير بيان قوله تعالىٰ: [وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ](4). نعم ، يمكن للمخلوق معرفته (سبحانه وتعالىٰ) من وجه ، ومن خلال أَسمائه وصفاته وأَفعاله وآثاره ، وهذه المعرفة على درجات غير متناهية. وعلى هذا قس معرفة فعل اللَّـه ومخلوقه الأَوَّل ؛ سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ؛ فإِنَّه لا يمكن لسائر جملة المخلوقات من فعل اللَّـه ومخلوقه الثاني أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه فما دون معرفته صلى الله عليه واله ووصفه بالكُنْه. وهذا ما أَشارت إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان قوله تعالىٰ ذكره : [انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا](5). وهكذا الحال في معرفة فعل اللَّـه ومخلوقه الثاني ؛ أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه ؛ فإِنَّه لا يمكن لسائر جملة المخلوقات من فعل اللَّـه ومخلوقه الثالث فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها فما دون معرفته صلوات اللَّـه عليه ووصفه بالكُنْه. وهذا ما أَشارت إِليه بيانات الوحي أَيضاً ، منها : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله مخاطباً أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «ما عرَفَكَ إِلَّا اللَّـه وأَنا»(6). وكذا الحال في معرفة فعل اللَّـه ومخلوقه الثالث ؛ فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها ؛ فإِنَّه لا يمكن لسائركافَّة المخلوقات ، وفي جملة عوالم الخلقة أَبد الآباد ودهر الدهور من فعل اللَّـه ومخلوقه الرَّابع الإِمام الحسن المجتبىٰ صلوات اللَّـه عليه فما دون معرفتها صلوات اللَّـه عليها ووصفها بالكُنْه. وعلى هذا قس احوال سائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم بحسب مراتبهم في الحُجِّيَّة. وإِلى جملة ذلك أَشارت بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، عن جابر بن عبداللَّـه الأَنصاري ، قال : «... فقلتُ : يا رسول اللَّـه ، هذه حالنا فكيف حالكَ و حال الأَوصياء بعدكَ في الولادة ؟ فسكت رسول اللَّـه صلى الله عليه واله مليّاً ثُمَّ قال : ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مَنْ أَراد الإِطِّلاع على بيان هذه القاعدة وبيان أَدلَّتها فليراجع ما سيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) في باب الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة في مسألة خاصَّة بها. (2) سيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) التعرُّض لأَنواع الإِحاطة وضروبها في المُقدّمة السابعة ؛ فانتظر. (3) مرجع الضمير : (بيانات الوحي). (4) آل عمران : 28. (5) الفرقان : 9. (6) مناقب آل أبي طالب ، 3 : 267. إِرشاد القلوب ، 2 : 209
معارف ألهية(25)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (25)/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر انه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وعن المُقدِّمة الرابعة في الدرس (21 )، وكانت تحت عنوان : ( حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى ) ، ووصلنا في الدرس (22 )الى المُقدِّمة الخامسة ، وكانت تحت عنوان : (تجلِّي الصفات والأَسمآء الإِلهيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام ) ، والى ما تقدم من بحث في هذه المقدمة تشير كثير من بيانات الوحي ، سنذكر(إِنْ شآء الله تعالىٰ) ثلاثة منها ، لازال البحث في البيان الاول ، وهو بيان امير المؤمنين عليه السلام : « ...لا تجعلونا اربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فانكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته ... » ودلالته قد اتضحت ؛ فان جملة الصفات والاسماء الالهية قد انعكست وظهرت وتجلت في طبقات حقائق اهل البيت عليهم السلام الصاعدة الا الالوهية ؛ لخروجها موضوعا وتخصصا ، ومن تلك الصفات والاسماء الالهية : (عدم التناهي ) ، واستحالة احاطة المتناهي بغير المتناهي ، وهذا ما اشار اليه بيان القاعدة المعرفية المتقدمة : « ان من وصف شيئا بكنهه كان اعظم من الموصوف » ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) الى المطلب التالي : وإِلى جملة ذلك أَشارت بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، عن جابر بن عبداللَّـه الأَنصاري ، قال : «... فقلتُ : يا رسول اللَّـه ، هذه حالنا فكيف حالكَ و حال الأَوصياء بعدكَ في الولادة ؟ فسكت رسول اللَّـه صلى الله عليه واله مليّاً ثُمَّ قال : يا جابر ، لقد سألت عن أمرٍ جسيم ، لا يحتمله إِلَّا ذو حظ عظيم ، إِنَّ الأَنبياء و الأَوصياء مخلوقون من نور عظمة اللَّـه جلّ ثنآؤه ... فأمرهم يجلُّ عن أَنْ يوصف ، وأَحوالهم تدّقُّ عن أَنْ تُعلم ؛ لأَنَّهم نجوم اللَّـه في أَرضه ... وأَنواره في بلاده ... يا جابر ، هذا من مكنون العلم ومخزونه ، فاكتمه إِلَّا من أَهله»(1). 2ـ بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «... مَنْ ذا ينال معرفتنا أَو يعرف درجتنا أَو يشهد كرامتنا أَو يدرك منزلتنا ؟ حارت الأَلباب والعقول ، وتاهت الأَفهام فيما أَقول ، تصاغرت العظماء وتقاصرت العلماء ، وكلَّت الشعراء ، وخرست البلغاء ، ولكنت الخطبآء ، وعجزت الفصحآء ، وتواضعت الأَرض والسمآء عن وصف شأن الأَوليآء. وهل يُعرف أو يُوصف أو يُعلم أَو يُفهم أَو يُدرك أَو يُملك من هو شعاع جلال الكبريآء ، وشرف الأَرض والسَّمآء ؟ جلَّ مقام آل مُحمَّد صلى الله عليه واله عن وصف الواصفين ونعت الناعتين ، وأَنْ يُقاس بهم أَحد من العالمين ، كيف وهم الكلمة العليآء، والتَّسمية البيضاء ، والوحدانيَّة الكبرىٰ الَّتي أَعرض عنها من أَدبر وتولَّىٰ ، وحجاب اللَّـه الأَعظم الأَعلىٰ...»(2). 3ـ بيان الإِمام الصَّادق صلوات اللَّـه عليه ، عن مالك بن أَعين ، قال: «أَقبل إِلَيَّ أَبو عبداللَّـه عليه السلام فقال : ... يا مالك ، تراك فقد أَفرطت في القول في فضلنا ؟ إِنَّه ليس يقدر أَحد على صفة اللَّـه وكُنْه قدرته وعظمته ، فكما لا يقدر أَحد على كُنْه صفة الله وكُنْه قدرته وعظمته ، وللَّـه المثل الأَعلىٰ ، فكذلك لا يقدر أَحد على صفة رسول اللَّـه صلى الله عليه واله وفضلنا ، وما أعطانا اللَّـه ، وما أَوجبه من حقوقنا ...»(3). ودلالة الجميع واضحة. وبالجملة : مَنْ يتخيَّل إِمكانيَّة إِكتناه (الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) ، أَو إِمكانيَّة إِكتناه حقائق وذوات : (الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة) أَو (الآيات الإِلٰهيَّة الكبرىٰ) أَو (المخلوقات العظمىٰ) طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة ولو كان ذلك تخيُّلا بسبر فكره وبقراءته ومطالعته للمباحث الفكريَّة والمعرفيَّة والعقائديَّة والفلسفيَّة فقد ارتطم ـ كما يرتطم الحمار بالطين ـ بالوهم والكفر والإِلحاد الجلي أَو الخفي شعر بذلك أَم لا ، ووقع في محذور الفرعونيَّة ، وصار جبتاً وطاغوتاً ، وصيَّر نفسه صنماً ليُعكف ويُطاف عليها. بعد الالتفات : أَنَّ حقيقة صنم الفكر تكمن في أَن يُجعل طواف الفكر حول غير المعصوم. ومن كُلِّ هذا تتَّضح : كثير من بيانات الوحي ، منها : بيان سيِّد الأَنبياء مخاطباً أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليهما وعلى آلهما : «ما عرفني إِلَّا اللَّـه وأنتَ»(4) ؛ فإِنَّ معرفة الباري (تبارك اسمه) بسيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله معرفة ووصف بالكُنْه ، ومعرفة أَمير المؤمنين عليه السلام به صلى الله عليه واله معرفة ووصف بوجه ، أَي : من خلال أَسمائه صلى الله عليه واله وصفاته وأَفعاله وآثاره. نعم ، المعرفة في بيان قوله صلى الله عليه واله مخاطباً أَمير المؤمنين عليه السلام أَيضاً : «ما عرفكَ إِلَّا اللَّـه وأَنا»(5) أَنَّ كلا المعرفتين بالكُنْه. بخلاف بيانه صلى الله عليه واله مخاطباً أَمير المؤمنين عليه السلام أَيضاً : «ما عرف اللَّـه إِلَّا أَنا وأَنتَ»(6) أَنَّ كلا المعرفتين من وجه ، ومن خلال الأَسمآء والصفات والأَفعال والآثار الإِلٰهيَّة. /خلط الملائكة بين الذات المُقدَّسة وحقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة/ ومن كُلِّ ما تقدَّم تتَّضح : نكتة حصول الخلط والإِشتباه لدىٰ جملة الملائكة عليهم السلام ـ منهم المُقرَّبين ؛ كـ : إِسرافيل وجبرئيل عليهما السلام ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 57 : 352 ـ 353/ح36. الفقيه : 589. (2) بحار الأَنوار ، 25 : 169ـ174/ح38. (3) بحار الأَنوار ، 71 : 226/ح18. المحاسن : 143. (4) مختصر بصائر الدرجات : 125. مناقب آل أَبي طالب ، 3 : 267. إِرشاد القلوب ، 2 : 209. (5) مختصر بصائر الدرجات : 125. (6) المصدر نفسه
معارف ألهية(26)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (26)/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر أَنَّه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وعن المُقدِّمة الرابعة في الدرس (21 )، وكانت تحت عنوان : ( حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى ) ، ووصلنا في الدرس (22 )الى المُقدِّمة الخامسة ، وكانت تحت عنوان : (تجلِّي الصفات والأَسمآء الإِلهيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام ) ، والى ما تقدم من بحث في هذه المقدمة تشير كثير من بيانات الوحي ، سنذكر(إِنْ شآء الله تعالىٰ) ثلاثة منها ، لازال البحث في البيان الاول ، وهو بيان امير المؤمنين عليه السلام : « ...لا تجعلونا اربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فانكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته ... » ودلالته قد اتضحت ؛ فان جملة الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة قد انعكست وظهرت وتجلت في طبقات حقائق اهل البيت عليهم السلام الصاعدة إِلَّا الأُلوهيَّة ؛ لخروجها موضوعاً وتخصُّصاً ، ومن تلك الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة : (عدم التناهي ) ، واستحالة احاطة المتناهي بغير المتناهي ، وهذا ما اشار اليه بيان القاعدة المعرفية المتقدمة : (أَنَّ مَنْ وصف شيئاً بكُنْه كان أَعظم من الموصوف) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) الى المطلب التالي : /خلط الملائكة بين الذات المُقدَّسة وحقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة/ ومن كُلِّ ما تقدَّم تتَّضح : نكتة حصول الخلط والإِشتباه لدىٰ جملة الملائكة عليهم السلام ـ منهم المُقرَّبين ؛ كـ : إِسرافيل وجبرئيل عليهما السلام ، مع أَنَّ الجميع معصومون ـ وعدم تمكُّنهم من التمييز بين صفات وأَسمآء وكمالات وشؤون: (الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) ، و صفات وأَسمآء وكمالات وشؤون : (طبقات حقائق سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة) ؛ والنكتة : ما تقدَّم ؛ من أَنَّ جملة صفات وأَسمآء وكمالات وشؤون الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة ـ إِلَّا الأُلوهيَّة ـ قد انعكست وتجلَّت وظهرت في تلك الطبقات المهولة العظيمة الخطيرة الشَّريفة إِفاضة من الذَّات المُقدَّسة. فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله: «... أَوَّل ما خلق اللَّـه عزَّوجلَّ : خلق أَرواحنا ... ثُمَّ خلق الملائكة فلمَّا شاهدوا أَرواحنا نوراً واحداً استعظموا أَمرنا فسبَّحنا ؛ لتعلم الملائكة : أَنَّا خلق مخلوقون ، وأَنَّه مُنزَّه عن صفاتنا ، فسبَّحت الملائكة بتسبيحنا ونزَّهته عن صفاتنا ، فلَمَّا شاهدوا عظم شأننا هلَّلنا؛ لتعلم الملائكة : (أَنْ لا إِلٰه إِلَّا اللَّـه) وأَنَّا عبيد ، ولسنا بآلهة يجب أَن نُعبد معه ، أَو دونه، فقالوا : (لا إِلٰه إِلَّا اللَّـه) ، فلَمَّا شاهدوا كبر محلّنا كبَّرنا ؛ لتعلم الملائكة : أَنَّ اللَّـه أَكبر من أَنْ ينال عظم المحل إِلَّا به ، فلَمَّا شاهدوا ما جعله لنا من العزَّة والقوَّة قلنا : (لا حول ولا قوَّة إِلَّا باللَّـه) ؛ لتعلم الملائكة : أَن لاحول لنا ولا قوَّة إِلَّا باللَّـه ، فلَمَّا شاهدوا ما أَنعم اللَّـه به علينا وأَوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا : (الحمد للَّـه) ؛ لتعلم الملائكة : ما يحقُّ للَّـه تعالىٰ ذكره علينا من الحمد على نعمته فقالت الملائكة : (الحمد للَّـه) ، فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد اللَّـه وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده ...»(1). 2ـ بيان حديث المعراج ، عن الإِمام الصادق عليه السلام : «... إِنَّ اللَّـه (العزيز الجبَّار) عرج بنَبيِّه إِلى سبعاً ... ثُمَّ عرج به إِلى السمآء الدُّنيا فنفرت الملائكة إِلى أَطراف السمآء ثُمَّ خرَّت سُجَّداً فقالت : (سبوح قدوس ربّنا وربّ الملائكة والروح) ، ما أَشبه هذا النُّور بنور ربّنا. فقال جبرئيل عليه السلام : (اللَّـه أكبر ، اللَّـه أكبر). فسكتت الملائكة ، وفتحت أَبواب السَّماء ، واجتمعت الملائكة ثُمَّ جاءت فسلَّمت على النَّبيّ صلى الله عليه واله أَفواجاَ ... ثُمَّ عرج به إِلى السمآء الثانية ، فلَمَّا قرب من باب السمآء تنافرت الملائكة إِلى أَطراف السَّمآء وخرَّت سجَّداً وقالت: (سبُّوح قدوس ربّ الملائكة والرُّوح ، ما أَشبه هذا النور بنور ربّنا). فقال جبرئيل عليه السلام : (أَشهد أَنْ لا إِلٰه إِلَّا اللَّـه ...) فاجتمعت الملائكة وفتحت أَبواب السمآء ، وقالت : يا جبرئيل ، مَنْ هذا معك ؟ فقال : هذا محمَّد صلى الله عليه واله ... قال : رسول صلى الله عليه واله : ... ثُمَّ عُرج بي إِلى السَّماء الثالثة فنفرت الملائكة إِلى أَطراف السَّمآء ، وخرَّت سجَّداً ... ثُمَّ عُرج بي إِلى السَّمآء الرابعة...»(2). 3ـ بيان حديث المعراج ، عن الإِمام الصادق عليه السلام أَيضاً : «... إِنَّ رسول اللَّـه صلى الله عليه واله كان نائماً في ظلِّ الكعبة ، فأَتاه جبرئيل عليه السلام ... فأيقظه ... ثُمَّ صعد به حتَّىٰ انتهىٰ إِلى أَبواب السَّمآء ، فلمَّا رأته الملائكة نفرت عن أَبواب السَّمآء وقالت : (إِلٰهين ؛ إِلٰه في الأَرض وإِلٰه في السَّمآء ، فأمر اللَّـه جبرئيل فقال : (اللَّـه أَكبر...) ، فتراجعت الملائكة نحو أَبواب السَّمآء وعلمت أَنَّه مخلوق ؛ ففتحت الباب ، فدخل رسول اللَّـه صلى الله عليه واله حتَّىٰ انتهىٰ إلى السَّمآء الثانية ، فنفرت الملائكة عن أَبواب السَّمآء فقالت : (إِلٰهين ؛ إِلٰه في الأَرض ، وإِلٰه في السَّمآء) فقال جبرئيل : (أَشهد أَنْ لا إِلٰه إِلَّا اللَّـه ...) فتراجعت الملائكة وعلمت أَنَّه مخلوق ثُمَّ فُتح الباب فدخل عليه السلام ...»(3). ودلالة الجميع قد اتَّضحت ، ولا غبار عليها ، فتأمَّل جيِّداً. /خلوّ المقام وهذه الأَبحاث من شائبة الغلو/ /لا شائبة ولا شبهة غلو في مقامات ُأَهل البيت عليهم السلام / ولخطورة هذه الأَبحاث المعرفيَّة والتَّوحيديَّة نُعيد ما ذكرناه سلفاً بشيءٍ من التَّفصيل ، فنقول : ثُمَّ إِعلم أَنَّه ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 18 : 345 ـ 347/ح56. علل الشرائع : 13 ـ 14. عيون أَخبار الرضا عليه السلام : 144ـ 146. (2) بحار الأَنوار ، 79 : 237 ـ 242/ح1. علل الشرائع ، 2 : 2ـ6. الكافي ، 3 : 482 ـ 486. (3) تفسير العيَّاشي ، 1 / رقم : (531) : 177 ـ 178
معارف ألهية(27)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (27) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم أَجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر أَنَّه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وعن المُقدِّمة الرابعة في الدرس (21 )، وكانت تحت عنوان : ( حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى ) ، ووصلنا في الدرس (22 )الى المُقدِّمة الخامسة ، وكانت تحت عنوان : (تجلِّي الصفات والأَسمآء الإِلهيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام ) ، والى ما تقدم من بحث في هذه المقدمة تشير كثير من بيانات الوحي ، سنذكر(إِنْ شآء الله تعالىٰ) ثلاثة منها ، لازال البحث في البيان الاول ، وهو بيان امير المؤمنين عليه السلام : « ...لا تجعلونا اربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فانكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته ... » ودلالته قد اتضحت ؛ فان جملة الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة قد انعكست وظهرت وتجلت في طبقات حقائق اهل البيت عليهم السلام الصاعدة إِلَّا الأُلوهيَّة ؛ لخروجها موضوعاً وتخصُّصاً ، ومن تلك الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة : (عدم التناهي ) ، واستحالة احاطة المتناهي بغير المتناهي ، وهذا ما اشار اليه بيان القاعدة المعرفية المتقدمة : (أَنَّ مَنْ وصف شيئاً بكُنْه كان أَعظم من الموصوف) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) الى المطلب التالي : /خلوّ المقام وهذه الأَبحاث من شائبة الغلو/ /لا شائبة ولا شبهة غلو في مقامات ُأَهل البيت عليهم السلام/ ولخطورة هذه الأَبحاث المعرفيَّة والتَّوحيديَّة نُعيد ما ذكرناه سلفاً بشيءٍ من التَّفصيل ، فنقول : ثُمَّ إِعلم أَنَّه لا تُوجد في جملة هذه الأَبحاث وما سيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) أَيّ شائبة غلوّ ـ وخروج عن الجادَّة والمنزلة الوسطىٰ الَّتي ليلها كنهارها جادَّة ومنزلة أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم، وهي الديانة الَّتي من تقدَّمها مرق ، ومن تخلَّف عنها محق ، ومن لزمها لحق ، والَّتي لا تخرج إِلى عوج، ولا تزيل عن منهج الحقّ ، ولا تجد لها بديلاً ، ولن تجد لها تحويلاً ، نعم، هي دقيقة الوزن ، حادَّة اللِّسان ، صعبة التَّرَقِّي حتَّىٰ على الحاذق اللَّبيب ـ لأَنَّنا نعضُّ بضرس قاطعٍ على ضابطةٍ وقاعدةٍ معرفيَّةٍ وعقليَّةٍ بديهيَّةٍ ، مستفادة من بيانات الوحي ، ضربها وقنَّنها علماء المعقول في القرنين الأَخيرين في باب الغلوّ والتقصير ، سيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) بيانها في بابها ، مضروبة للتمييز بين الغلوّ والتقصير في صفات الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة (جلَّ ذكره) وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه، وصفات المخلوق وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه ، وهي : «أَنَّ صفات الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (تقدَّس ذكره) وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه تحكمها وواقعة في إِطار ضابطة : (ما منه الوجود) ، بخلاف صفات المخلوق وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه فتحكمها وواقعة في إِطار ضابطة : (ما به الوجود)». فصفة : (عدم التناهي) والأَسمآء ـ كالأَسمآء الذاتيَّة الواردة في سورة الإِخلاص : (الأَحد ، والصمد ، ولم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أَحَد) ـ والأَفعال والكمالات والشؤون إِذا نُسبت وأُسندت إلى الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ وتقدَّس) كصفات وأَسماء وأَفعال وكمالات وشؤون إِلٰهيَّة فالمراد منها : (ما منه الوجود). أَمَّا إِذا نُسبت وأُسندت إِلى المخلوق كصفات وأَسمآء وأَفعال وكمالات وشؤون مخلوقة فالمراد منها : (ما به الوجود) ، وحينئذٍ لا إِشكال ولا شبهة ولا شائبة غلو في المقام ؛ بعدما أُفيضت وتجلَّت وظهرت وانعكست في المخلوق من الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، فأين شائبة الغلوّ بعدما كان الجميع من ساحة القدس الإِلٰهيَّة. بل هذه الضابطة أُستحدثت في الآونة الأَخيرة وتوسَّعت بقاعدة وضابطة بديهيَّة أَيضاً ، أَكثر دِقَّة وغوراً وعمقاً ، وهي : «أَنَّ ما منه الوجود على ضربين : أَحدهما : (ما منه الوجود أَصالة وبالذات). الآخر : (ما منه الوجود حكاية ومن الغير)». والأَوَّل مختصٌّ ومنحصرٌ بـ : (الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) أَزلاً وأَبداً. وإِلى هذا تشير بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان قوله جلَّ قوله : [فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ](1). 2ـ بيان قوله عزَّ قوله : [اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا](2). ودلالتهما قد اتَّضحت. والثَّاني وجود ظلِّي وحاكٍ ، يأتي في الممكنات ، مفاض عليها من ساحة القدس الإِلٰهيَّة. نظيره : المرآة المنطبعة فيها صورة الشَّاخص الخارجي. وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان قوله عزَّ من قائل الحاكي لخبر النَّبيّ عيسىٰ عليه السلام في إِحتجاجه على بني إِسرائيل : [أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ](3). 2ـ بيان قوله تقدَّس ذكره : [حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ](4). 3ـ بيان قوله تعالىٰ ذكره : [فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ](5). 4ـ بيان قوله جلَّ ذكره : [قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ](6). ودلالة الجميع واضحة. 5ـ بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «... يا أَيُّها النَّاس ، لعلَّكُم لا تسمعون قائلاً يقول مثل قولي بعدي إِلَّا مفتر ... أَنا موتم البنين والبنات ، أَنا قابض الأَرواح...»(7). 6ـ بيانه صلوات اللَّـه عليه أَيضاً : «... أَنَا أُحيي وأُميت بإِذن ربِّي ، أَنا أُنبئكم بما تأكلون ، وما تدَّخرون في بيوتكم بإِذن ربِّي وأَنا عَالِم بضمائر قلوبكم، والأَئمَّة من أَولادي عليهم السلام يعملون ويفعلون هذا إِذا أَحَبُّوا وأَرادوا ...»(8). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة ، ومضمونه نفس مضمون البيانات الوحيانيَّة المُتقدِّمة ، لا سيما البيان الأَوَّل ؛ فإِنَّ أَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم لَـمَّا كانوا أَشرف وأَكمل المخلوقات ، وأَعلاها وجوداً ومقاماً ورتبةً ، وكانوا وسائط الفيض الإِلٰهي لجملة العوالم وسائر المخلوقات فما أُعطي لسائر جملة المخلوقات من شرفٍ وعزَّةٍ وكمالٍ وفضلٍ ومقامٍ ورتبةٍ فبالأَولىٰ يُعطىٰ لهم صلوات اللَّـه عليهم وزيادة. وهذا برهانٌ عقليٌّ بديهيٌّ. ومن ثَمَّ ما تمتَّع به النَّبيّ عيسىٰ عليه السلام وسائرالمخلوقات المُكرَّمة ؛ منهم : إِسرافيل وعزرائيل عليهما السلام تمتَّع به أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم وزيادة ؛ فيحيون ويميتون بفعلٍ أَلطف ، وأَعظم هيمنة ، وأَشدُّ سلطنة وقدرة وقوَّة على وفق القاعدة ؛ ومن دون أَيّ شائبة غلوّ في المقام. بل البراهين والبيانات الوحيانيَّة قائمة على ذلك. فلاحظ ، منها : 1ـ بيان الإِمام زين العابدين عليه السلام ، عن الثمالي ، قال : «قلتُ له : جُعِلْتُ فداك ، الأَئمَّة يعلمون ما يُضمر ؟ فقال : علمتُ واللَّـه ما علمت الأَنبياء والرُّسل ، ثُمَّ قال لي : أزيدكَ ؟ قلتُ : نعم. قال : ونزاد ما لم تزد الأَنبياء»(9). 2ـ بيان الإِمام الصادق عليه السلام : «إِنَّ عيسىٰ بن مريم عليه السلام أُعطي حرفين كان يعمل بهما ، وأُعطي موسى عليه السلام أَربعة أَحرف ، وأُعطي إِبراهيم عليه السلام ثمانية أَحرف ، وأُعطي نوح خمسة عشر حرفاً ، وأُعطي آدم خمسة وعشرين حرفاً، وإِنَّ اللَّـه تبارك وتعالىٰ جمع ذلك كلّه لمحمَّد صلى الله عليه واله (10)، وإِنَّ اسم اللَّـه الأَعظم ثلاثة وسبعون حرفاً ، أَعطىٰ(11) محمَّداً صلى الله عليه واله اثنين وسبعين حرفاً ، وحجب عنه حرفاً واحداً»(12). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة. / الإِماتة وسائر الأَفعال الإِلهيَّة على طبقات/ وَمِنْ كُلِّ ما تقدَّم يتَّضح : أَنَّ الإِماتة على مراتب وطبقات... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صٓ : 72. (2) الزمر : 42. (3) آل عمران : 49. (4) الأَنعام : 61. (5) محمَّد : 27. (6) السجدة : 11. (7) بحار الأَنوار ، 53 : 45/ح1. (8) المصدر نفسه ، 26 : 1ـ7/ ح1. (9) بحار الأَنوار ، 26 : 55/ح114. بصائر الدرجات : 66. (10) في البصائر : (وإِنَّه جمع اللَّـه ذلك لمحمَّد صلى الله عليه واله وأَهل بيته). (11) في البصائر : (أَعطىٰ اللَّـه). (12) بحار الأَنوار ، 17 : 134/ح11. أُصول الكافي ، 1 : 230. بصائر الدرجات : 57
معارف ألهية(28)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (28) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم أَجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر أَنَّه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وعن المُقدِّمة الرابعة في الدرس (21 )، وكانت تحت عنوان : ( حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى ) ، ووصلنا في الدرس (22 )الى المُقدِّمة الخامسة ، وكانت تحت عنوان : (تجلِّي الصفات والأَسمآء الإِلهيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام ) ، والى ما تقدم من بحث في هذه المقدمة تشير كثير من بيانات الوحي ، سنذكر(إِنْ شآء الله تعالىٰ) ثلاثة منها ، لازال البحث في البيان الاول ، وهو بيان امير المؤمنين عليه السلام : « ...لا تجعلونا اربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فانكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته ... » ودلالته قد اتضحت ؛ فان جملة الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة قد انعكست وظهرت وتجلت في طبقات حقائق اهل البيت عليهم السلام الصاعدة إِلَّا الأُلوهيَّة ؛ لخروجها موضوعاً وتخصُّصاً ، ومن تلك الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة : (عدم التناهي ) ، واستحالة احاطة المتناهي بغير المتناهي ، وهذا ما اشار اليه بيان القاعدة المعرفية المتقدمة : (أَنَّ مَنْ وصف شيئاً بكُنْه كان أَعظم من الموصوف) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) الى المطلب التالي : / الإِماتة وسائر الأَفعال الإِلهيَّة على طبقات/ وَمِنْ كُلِّ ما تقدَّم يتَّضح : أَنَّ الإِماتة على مراتب وطبقات ودرجات من حيث الغلظة واللطافة. أَحدها : ما يقوم به جنود عزرائيل عليهم السلام . ثانيها : أَلطف وأشف ، وهو : ما يقوم به عزرائيل عليه السلام . ثالثها : أَلطف وأَشف مِمَّا يقوم به عزرائيل عليه السلام ، وهو: ما يقوم به الاسم الإِلٰهي (المميت) ، وهو : أَحد طبقات حقيقة أَمير المؤمنين وحقائق سائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة في مرتبة الأَسمآء والصفات الإِلٰهيَّة. وهذا ما تُشير إِليه بياناتهم صلوات اللَّـه عليهم ، منها : ما تقدَّم ، ويضاف إِليها : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام أَيضاً ، مُخاطباً الحارث الهمداني : «يا حار همدان ، من يمت يرني ، من مؤمن أَو منافق قبلاً»(1). وبيانه صلوات اللَّـه عليه أَيضاً ، عن عبد الرحيم القصير ، قال : «قلت لأَبي جعفر عليه السلام : حدَّثني صالح بن ميثم ، عن عباية الأَسدي أَنَّه سمع عليّاً عليه السلام يقول : واللَّـه، لا يبغضني عبد أَبداً يموت على بغضي إِلَّا رآني عند موته حيث يكره ، ولا يحبّني عبداً أَبداً فيموت على حبِّي إِلَّا رآني عند موته حيث يحب. فقال أَبو جعفر عليه السلام : نعم، ورسول اللَّـه صلى الله عليه واله باليمين»(2). رابعها : وهو الأَلطف والأَشدُّ على الإِطلاق والمهيمنة على جميع ذلك ما يقوم به : (الـمُميت) ـ المُسَمَّىٰ ـ صاحب الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة. وعلى هذا قس الإِحياء وسائر الأَفعال والصفات والأَسماء والشؤون(3). فأَين الغلوّ في المقام. /نكتة عدم استيعاب عقول المخلوقات لشؤون أَهل البيت عليهم السلام/ نعم ، لَـمَّا كانت هذه المعارف الإِلٰهيَّة بكراً لم تُفتق من قبل قطُّ بهذا الشَّكل والبيان ، ولم يُنبس بها ببنت شفة مع أَنَّ بيانات الوحي ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 6 : 181. (2) المصدر نفسه، 39 : 238/ح25. فروع الكافي ، 3 : 132ـ133. (3) هناك خلط حصل لدىٰ البعض بين الفاعل بالآلة ـ كحال عزرائيل وإسرافيل وجندهما عليهم السلام ـ ، والفاعل بالتَّجلِّي ـ كحال الباري المُسَمَّىٰ (تعالىٰ ذكره) ، والأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ؛ طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ـ وحكم بالوحدة. والحقُّ : أَنَّ بينهما فرق وبون شاسع ؛ فإِنَّ الفاعل بالآلة ناقص ؛ لإِحتياجه إِلى حركة ، وقرب وبُعد ، ومُوازاة ، ومباشرة ومعالجة. بخلاف الفاعل بالتَّجلِّي ؛ فإِنَّه أَكمل أَنواع الفاعل ، ولا نقص فيه ؛ ومن ثَمَّ لا يحتاج إِلى جملة ذلك. وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصادق عليه السلام في ردِّه على سؤال الزنديق : «... فما هو ؟ قال أَبو عبداللَّـه عليه السلام : هو الرَّبُّ ، وهو المَعْبُود ، وهو اللَّـهُ ... قال السَّائلُ : فيُعاني الأَشياء بنفسه ؟ قال أَبو عبداللَّـه عليه السلام : هو أَجَّلُّ من أَنْ يُعَانِيَ الأَشياء بمباشرةٍ ومعالجةٍ ؛ لأَنَّ ذلك صِفَةُ المخلوق الَّذي لا تجِيءُ الأَشياءُ له إِلَّا بالمباشرةِ والمعالجةِ ، وهو مُتعَالٍ نافِذُ الإِرادة والمشِيئَة ، فَعَّالٌ لِـمَا يَشاءُ». أُصول الكافي ، 1: 59ـ 61/ح6. ودلالته واضحة
معارف ألهية(29)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (29) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم أَجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر أَنَّه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وعن المُقدِّمة الرابعة في الدرس (21 )، وكانت تحت عنوان : ( حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى ) ، ووصلنا في الدرس (22 )الى المُقدِّمة الخامسة ، وكانت تحت عنوان : (تجلِّي الصفات والأَسمآء الإِلهيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام ) ، والى ما تقدم من بحث في هذه المقدمة تشير كثير من بيانات الوحي ، سنذكر(إِنْ شآء الله تعالىٰ) ثلاثة منها ، لازال البحث في البيان الاول ، وهو بيان امير المؤمنين عليه السلام : « ...لا تجعلونا اربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فانكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته ... » ودلالته قد اِتَّضحت ؛ فإِنَّ جملة الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة قد انعكست وظهرت وتجلت في طبقات حقائق اهل البيت عليهم السلام الصاعدة إِلَّا الأُلوهيَّة ؛ لخروجها موضوعاً وتخصُّصاً ، ومن تلك الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة : (عدم التناهي ) ، واستحالة احاطة المتناهي بغير المتناهي ، ومر الكلام في العنوان التالي : « خلوّ المقام وهذه الأَبحاث من شائبة الغلو » و«لا شائبة ولا شبهة غلو في مقامات ُأَهل البيت عليهم السلام » ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) الى المطلب التالي : / نكتة عدم استيعاب عقول المخلوقات لشؤون أَهل البيت عليهم السلام / نعم ، لَـمَّا كانت هذه المعارف الإِلٰهيَّة بكراً لم تُفتق من قبل قطُّ بهذا الشَّكل والبيان ، ولم يُنبس بها ببنت شفة مع أَنَّ بيانات الوحي زاخرة بها فمن الطبيعي يحصل فيها توقُّف وتردُّد لدىٰ مَنْ يُخبر من ضعيفيِّ الإِيمان بمقاماتهم صلوات اللَّـه عليهم وبصفاتهم وأَسمائهم وكمالاتهم وفضائلهم وشؤونهم وأَحوالهم ؛ وإِنْ قام عليها الدَّليل القطعي. مضافاً : أَنَّ ما جادت به يد ساحة القدس الإِلٰهيَّة على أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم عطايا لا تتحمَّل تصوُّرها طاقة وقابليَّة مخلوق قَطُّ ، ولا يمكن خطورها على بالٍ قَطُّ فمن الطبيعي أَيضاً حصول توقُّف وتردُّد لدىٰ من يطَّلع عليها من ضعيفيِّ الإِيمان أَو يُخبر بها وإِنْ قام عليها الدَّليل القطعي. بعد الإِلتفات : أَنَّ لازم ذلك التوقُّف والشَّكّ والتردُّد : إِلحاد وشرك وكفر باللَّـه (العزيز الجبَّار). وهذا ما نبَّهت عليه وحذَّرت منه بيانات الوحي ، منها: 1ـ إِطلاق بيان الحديث القدسي : «... يا مُـحَّمَّد ... وعزَّتي وجلالي، لو لقيني جميع خلقي يشكُّونَ فيكَ طرفة عين ، أَو يبغضون صفوتي مِنْ ذُرِّيَّتكَ لأَدخلتهم ناري ولا أُبالي...»(1). 2ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «إِنَّ حديث آل مُـحمَّد صعب مستصعب ، لا يؤمن به إِلَّا مَلَك مُقَرَّبٌ ، أَو نَبِيٌّ مرسل ، أَو عبد امتحن اللَّـه قلبه للإِيمان... وإِنَّما الهالك : أَنْ يُحدَّث بشيءٍ منه لا يحتمله فيقول : واللَّـه ، ما كان هذا شيئاً ، والإِنكار هو الكفر»(2). 3ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام ، عن جابر بن يزيد ، قال : «... يا جابر ، حديثنا صعب مستصعب ، أَمرد ، ذكوان ، وعر أَجرد ، لا يحتمله واللَّـه إِلَّا نَبِيٌّ مُرْسَل ، أَو مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، أَو مؤمن مُمتحن ، فإذا ورد عليك يا جابر شيءٌ من أَمرنا فلان له قلبكَ فاحمد اللَّـه ، وإِنْ أَنكرته فردَّه إِلينا أَهل البيت ، ولا تقل: كيف جاء هذا ؟ وكيف كان ؟ وكيف هو ؟ فإنَّ هذا واللَّـه الشرك باللَّـه العظيم»(3). ودلالتها واضحة. وبالجملة : لعظم هول ما أُعطي لأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم وعظم خطره يحصل لدىٰ من يطَّلع عليها أَو يُخبر بها وإِنْ كان بدليل قطعيٍّ يقينيٍّ توقُّفاً أَو شَكّاً أَو تردُّداً أَو إِلحاداً أَو شركاً أَو كفراً بعضه جليّ ، والآخر خفيّ على دركات غيرمتناهية ، مشمولة ببيان قوله تعالىٰ : [وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ](4)، يرجع إِلى مدىٰ تحمُّل قابِليَّات واستعدادات المخلوق. / حيلولة أَهل البيت عليهم السلام مِنْ نشر علومهم عند مَنْ لا يتحمَّلها/ ولأَجل الحيلولة من وقوع المخلوقات وفي جملة العوالم ؛ في هذه المحاذير المعرفيَّة العقائديَّة الجسيمة الخطيرة الفادحة ، القاصمة للظهر ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 18 : 397/ح100. اليقين في أُمرة أَمير المؤمنين : 89 ـ 91. (2) بحار الأَنوار ، 2 : 189/ح21. (3) بحار الأَنوار ، 2 : 208/ح102. (4) يوسف : 106
معارف ألهية(30)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (30) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم أَجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر أَنَّه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وعن المُقدِّمة الرابعة في الدرس (21 )، وكانت تحت عنوان : ( حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى ) ، ووصلنا في الدرس (22 )الى المُقدِّمة الخامسة ، وكانت تحت عنوان : (تجلِّي الصفات والأَسمآء الإِلهيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام ) ، والى ما تقدم من بحث في هذه المقدمة تشير كثير من بيانات الوحي ، سنذكر(إِنْ شآء الله تعالىٰ) ثلاثة منها ، لازال البحث في البيان الاول ، وهو بيان امير المؤمنين عليه السلام : « ...لا تجعلونا اربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فانكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته ... » ودلالته قد اِتَّضحت ؛ فإِنَّ جملة الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة قد انعكست وظهرت وتجلت في طبقات حقائق اهل البيت عليهم السلام الصاعدة إِلَّا الأُلوهيَّة ؛ لخروجها موضوعاً وتخصُّصاً ، ومن تلك الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة : (عدم التناهي ) ، واستحالة احاطة المتناهي بغير المتناهي ، ومر الكلام في العنوان التالي : « خلوّ المقام وهذه الأَبحاث من شائبة الغلو » و«لا شائبة ولا شبهة غلو في مقامات ُأَهل البيت عليهم السلام » ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) الى المطلب التالي : /حيلولة أَهل البيت عليهم السلام مِنْ نشر علومهم عند مَنْ لا يتحمَّلها/ ولأَجل الحيلولة من وقوع المخلوقات وفي جملة العوالم ؛ في هذه المحاذير المعرفيَّة العقائديَّة الجسيمة الخطيرة الفادحة ، القاصمة للظهر ، بل لا تبقي ولا تذر منع أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم نشر علومهم عند مَنْ لا يتحمَّلها ، بل سيرتهم قائمة على ذلك. فانظر : بيناتهم صلوات اللَّـه عليهم ، منها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين عليه السلام في وصيَّته لكميل بن زياد : «... يا كميل ، كُلّ مصدور ينفث ، فمن نفث إِليكَ مِنَّا بأمرٍ أَمركَ بستره فإِيَّاك أَنْ تبديه ، فليس لَكَ من إِبدائه توبة ، فإِذا لم تكن توبة فالمصير إِلى لظىٰ. يا كميل ، إذاعة سرّ آل مُـحمَّد عليهم السلام لا يقبل اللَّـه تعالىٰ منها ولا يحتمل أحداً عليها. يا كميل ، وما قالوه لكَ مطلقاً فلا تُعَلِّمه إِلَّا مؤمناً موفَّقاً ...»(1). 2ـ بيان الإِمام زين العابدين عليه السلام : «... فأنتم الآن العارفون الفائزون المستبصرون ، وأَنتم الكاملون البالغون ، اللَّـه اللَّـه لا تطّلعوا أَحداً من المقصِّرين المستضعفين على ما رأيتم مِنِّي ومن مُـحمَّد فيشنِّعوا عليكم ويُكذِّبوكم ...»(2). 3ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام : «... ما سترنا عنكم أَكثر مِمَّا أَظهرنا لكم ...»(3). 4ـ إِطلاق بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «إِنِّي لأُحدِّث الرَّجُل الحديث فينطلق فيُحدِّث به عنِّي كما سمعه ، فأستحلُّ به لعنه والبراءة منه»(4). 5ـ إِطلاق بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن داود بن كثير ، قال : «قال لي أَبو عبداللَّـه عليه السلام : يا داود ، إِذا حدَّثتَ عنَّا بالحديث فاشتهرت به فأنكره» (5). 6ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن أَبي سعيد المدائني ، قال : «قال أَبو عبداللَّـه عليه السلام : اقرأ موالينا السَّلام ، وأَعلمهم : أَنْ يجعلوا حديثنا في حصون حصينة ، وصدور فقيهة ، وأَحلام رزينة ، والَّذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة ما الشَّاتم لنا عرضاً والنَّاصب لنا حرباً أَشدُّ مؤونة من المذيع علينا حديثنا عند مَنْ لا يحتمله»(6). ودلالة الجميع واضحة. إِنْ قلتَ : إِنَّ ما تقومون به مشمول ببيانات الوحي هذه وغيرها ؛ فإِنَّه إِذاعة لسرِّ آل محمَّد صلوات اللّٰـه عليهم ، ونشر لبيانات وحيانيَّة نُهي الإِصحار بها وتداولها عند المُقَصِّرة ومَنْ لا يحتملها فضلاً عن المغرضين والنَّواصب وأَعداء أَهل البيت عليهم السلام ، ومن ثَمَّ وجب عدم التَّعَرُّض لها والتَّحَدُّث عنها. قلتُ : إِنَّ هذه البيانات الوحيانيَّة الشَّريفة ناظرة لحالة قبل النشر واشتهار وتفشي ما تعرَّضنا له من بياناتٍ وحيانيَّةٍ ، أَمَّا بعد أَنْ انتشرت واشتهرت وتفشَّت في الكُتُب وفي المصادر الحديثيَّة ـ كما عليه الحال في يومنا هذا ـ ووقعت في يدِ مَنْ هبَّ ودبَّ ، لاسيما المُغرضين والمُقصِّرة والمُستضعفين ، والنَّواصب وأَعداء أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم وجب على مَنْ له المِكْنَة الدفاع عنها ، وبيان فلسفتها ونكاتها ونتفها المعرفيَّة والعلميَّة والعقليَّة ، لتُدفع أَو تُرفع الشبهات والإِشكالات والتساؤلات الَّتي يمكن أَنْ تُثار ، بل وتُثار عليها ، وما يمكن أَنْ يُحوم حومها. /طبقات تحمُّل علوم أَهل البيت عليهم السلام / وبعبارة أُخرىٰ : أَنَّ بعض ما أُعطي لأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم لا يحتمله ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 74 : 270/ح1. (2) المصدر نفسه ، 26 : 16/ح2. (3) بصائر الدرجات ، 2 : 224 ـ 226/ح1338 ـ 5. دلائل الإمامة ، الطبري : 224 ـ 226/ ح151. الاختصاص : 271 ـ 272. (4) بحار الأَنوار ، 2 : 79/ح75. (5) المصدر نفسه : 75/ح51. (6) بحار الأَنوار، 2 : 79/ح73
معارف ألهية(31 )تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (31) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم أَجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر أَنَّه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وعن المُقدِّمة الرابعة في الدرس (21 )، وكانت تحت عنوان : ( حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى ) ، ووصلنا في الدرس (22 )الى المُقدِّمة الخامسة ، وكانت تحت عنوان : (تجلِّي الصفات والأَسمآء الإِلهيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام ) ، والى ما تقدم من بحث في هذه المقدمة تشير كثير من بيانات الوحي ، سنذكر(إِنْ شآء الله تعالىٰ) ثلاثة منها ، لازال البحث في البيان الاول ، وهو بيان امير المؤمنين عليه السلام : « ...لا تجعلونا اربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فانكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته ... » ودلالته قد اِتَّضحت ؛ فإِنَّ جملة الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة قد انعكست وظهرت وتجلت في طبقات حقائق اهل البيت عليهم السلام الصاعدة إِلَّا الأُلوهيَّة ؛ لخروجها موضوعاً وتخصُّصاً ، ومن تلك الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة : (عدم التناهي ) ، واستحالة احاطة المتناهي بغير المتناهي ، ومر الكلام في العنوان التالي : « خلوّ المقام وهذه الأَبحاث من شائبة الغلو » و«لا شائبة ولا شبهة غلو في مقامات ُأَهل البيت عليهم السلام » ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) الى المطلب التالي : / طبقات تحمُّل علوم ومعارف أَهل البيت عليهم السلام/ وبالجملة : أَنَّ بعض ما أُعطي من علوم ومعارف الهية لأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم على مراتب وطبقات غير متناهية ؛فبعضها لا يحتمله إِلَّا من كتب اللَّـه في قلبه الإِيمان. فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «إِنَّ أَمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إِلَّا من كتب اللَّـه في قلبه الإِيمان»(1). وبعضها الآخر لا يحتمله إِلَّا نبيٌّ مرسلٌ ، أَو ملكٌ مُقَرَّب ، أَو مؤمنٌ مُـمتحنٌ. فلاحظ : بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : ما تقدَّم. وبعضها الثالث لا يحتمله لا نبيّ مرسل ـ كـ : النَّبيِّ إِبراهيم ـ ولا مَلَك مُقَرَّب ـ كـ : جبرئيل عليه السلام ـ ولا مؤمن ممتحن ـ كـ : سلمان رضوان اللَّـه عليه ـ إِلَّا مَنْ شاؤوا صلوات اللَّـه عليهم. فانظر : بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن أَبي الصَّامت ، قال : «إِنَّ حديثنا صعب مستصعب ، شريف كريم ، ذكوان ذكيٌّ وعر ، لا يحتمله مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، ولا نبيٌّ مرسَلٌ ، ولا مؤمن مُـمْتَحن. قلتُ: فَمَنْ يحتملهُ جعلتُ فداك ؟ قال: مَنْ شئنا يا أَبا الصامت. قال أبو الصَّامت : فظننتُ أَن للَّـه عباداً هُم أفضل من هؤلاء الثلاثة»(2). وبعضها الرَّابع لا يحتمله إِلَّا هم صلوات اللَّـه عليهم. فلاحظ : بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن أَبي الصَّامت ، قال : «سمعتُ أَبا عبداللَّـه عليه السلام يقول : إِنَّ من حديثنا مالا يحتمله مَلَك مُقَرَّب ، ولا نبيٌّ مُرسَل، ولا عبد مؤمن. قلتُ : فَمَنْ يحتمله ؟ قال : نحن نحتمله»(3). وإِلى كُلِّ هذا أَشارت بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... إنَّ عندنا سرّاً مِنْ سرِّ اللَّـه ، وعلماً من علم اللَّـه لا يحتمله مَلَك مُقَرَّب ، ولا نبيّ مُرسَل ، ولا مؤمن أَمتحن اللَّـه قلبه للإِيمان ، واللَّـه ما كلَّف اللَّـه أَحَداً ذلك الحمل غيرنا ، ولا استعبد بذلك أَحداً غيرنا ، وإِنَّ عندنا سرّاً من سرِّ اللَّـه ، وعلماً من علم اللَّـه أَمرنا اللَّـه بتبليغه ، فبلَّغنا عن اللَّـه (عزَّوجلَّ) ما أَمرنا بتبليغه ، ما نجد له موضعاً ، ولا أَهلاً ولا حمَّالة يحملونه حتَّىٰ خلق اللَّـه لذلك أَقواماً ؛ خُلقوا من طينةٍ خُلق منها مُـحمَّد صلى الله عليه واله وذرِّيَّته ، ومن نور خلق اللَّـه منه مُـحمَّداً وَذُرِّيَّته ، وصنعهم بفضل صنع رحمته الَّتي صنع منها مُـحَمَّداً صلى الله عليه واله ؛ فبَّلغناهم عن اللَّـه (عزَّوجلَّ) ما أَمرنا بتبليغه ، فقبلوه واحتملوا ذلك ، وبلغهم ذاك عنَّا فقبلوه واحتملوه ، وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إِلى معرفتنا وحديثنا ، فلولا أَنَّهم خُلقوا من هذا لَـمَا كانوا كذلك ، ولا واللَّـه ما احتملوه. ثُمَّ قال: إِنَّ اللَّـه خلق قوماً لجهنَّم والنَّار ؛ فأَمرنا أَنْ نُبَلِّغهم كما بلَّغناهم فاشمأزوا من ذلك ، ونفرت قلوبهم وردوه علينا ، ولم يحتملوه ، وكذبوا به ... فطبع اللَّـه على قلوبهم وأَنساهم ذلك ، ثُمَّ أَطلق اللَّـه لسانهم ببعض الحقِّ ، فهم ينطقون به وقلوبهم منكرة ؛ ليكون ذلك دفعاً عن أَوليائه وأَهل طاعته ، ولولا ذلك ما عُبد اللَّـه في أَرضه ، فأمرنا بالكفِّ عنهم ، والكتمان منهم ، فاكتموا مِـمَّن أَمر اللَّـه بالكفِّ عنهم ، واستروا عمَّن أَمر اللَّـه بالستر والكتمان منهم ، قال : ثُمَّ رفع يده وبكىٰ وقال : اللَّهُمَّ ، إِنَّ هؤلاء لشرذمةٍ قليلون فاجعل محياهم محيانا، ومماتهم مماتنا ، ولا تُسَلِّط عليهم عدواً لك فتفجعنا بهم ؛ فإِنَّكَ إِن فجعتنا بهم لم تُعبد أَبداً في أَرضك»(4). / نكتة إِبتلاءات بعض الأَنبياء عليهم السلام / وهذا ما يُوضِّح : نكتة وفلسفة تعرُّض بعض الأَنبياء عليهم السلام السَّابقين إِلى الإِبتلاءات ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 2 : 195/ح41. (2) بحار الأَنوار ، 2 : 192/ح34. (3) المصدر نفسه : 193/ح36. (4) بحار الأَنوار ، 25 : 385 ـ 386/ح44. المحتضر : 154 ـ 155
معارف ألهية(32)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (32) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم أَجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر أَنَّه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وعن المُقدِّمة الرابعة في الدرس (21 )، وكانت تحت عنوان : ( حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى ) ، ووصلنا في الدرس (22 )الى المُقدِّمة الخامسة ، وكانت تحت عنوان : (تجلِّي الصفات والأَسمآء الإِلهيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام ) ، والى ما تقدم من بحث في هذه المقدمة تشير كثير من بيانات الوحي ، سنذكر(إِنْ شآء الله تعالىٰ) ثلاثة منها ، لازال البحث في البيان الاول ، وهو بيان امير المؤمنين عليه السلام : « ...لا تجعلونا اربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فانكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته ... » ودلالته قد اِتَّضحت ؛ فإِنَّ جملة الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة قد انعكست وظهرت وتجلت في طبقات حقائق اهل البيت عليهم السلام الصاعدة إِلَّا الأُلوهيَّة ؛ لخروجها موضوعاً وتخصُّصاً ، ومن تلك الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة : (عدم التناهي ) ، واستحالة احاطة المتناهي بغير المتناهي ، ومر الكلام في العنوان التالي : « طبقات تحمُّل علوم ومعارف أَهل البيت عليهم السلام » ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) الى المطلب التالي : / نكتة إِبتلاءات بعض الأَنبياء عليهم السلام/ وهذا ما يُوضِّح : نكتة وفلسفة تعرُّض بعض الأَنبياء عليهم السلام السَّابقين إِلى الإِبتلاءات ، منهم : النَّبيّ آدم عليه السلام ؛ فإِنَّه لَـمَّا عُرضت عليه بعض مقامات وشؤون أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم توقَّف فعوقب بإِبتلائه المعروف وأُخرج من الجنَّة ، وعفي عنه بعداً أَن رجع واستغفر وتاب ، لكنَّه لم يُجعل من أَنبياء أُولي العزم عليهم السلام بسبب توقفه. وهكذا النَّبيّ أَيوب عليه السلام ؛ فابتُلي بالمرض وسائر إِبتلاءاته إِلى أَنْ تاب فأدركته السعادة بأَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم. وعلى هذا قس حال النَّبيّ يونس عليه السلام ، فأبتُلي بالحوت ، وحُبس في بطنه إِلى أَنْ تاب وقَبَل ولاية أَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، منضمّاً إِليه بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه ، قال : «إِنَّ اللَّـه تعالىٰ عرض ولاية عَلِيّ بن أبي طالب عليه السلام على أَهل السَّماوات وأَهل الأَرض فقبلوها ما خلا يونس بن متى ، فعاقبه اللَّـه وحبسه في بطن الحوت ؛ لإنكاره ولاية أَمير المؤمنين عَلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام حتَّىٰ قبلها». قال أبو يعقوب(1): «فنادىٰ في الظلمات أَنْ لا إِلٰه إِلَّا أَنْتَ سبحانك إِنِّي كنت من الظالمين لإنكاري ولاية عَلِيّ بن أبي طالب عليه السلام ». قال أبو عبد اللَّـه: فأنكرتُ الحديث فعرضته على عبداللَّـه بن سليمان المدنيّ فقال لي : «لا تجزع منه ؛ فإنَّ أَمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب عليه السلام خطب بنا بالكوفة ، فحمد اللَّـه تعالىٰ وأَثنىٰ عليه ، فقال في خطبته : «فلولا إِنَّه كان من المُقِرِّين للبث في بطنه إلى يوم يُبعثون». فقام إِليه فلان بن فلان وقال: يا أَمير المؤمنين ؛ إِنَّا سمعنا اللَّـه(2): [فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ]. فقال : أُقعد يا بكّار ؛ «فلولا إِنَّه كان من المُقِرِّين للبث ... إلى آخِر الآية»(3)»(4). 2ـ بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه ، مُخاطِباً سلمان (رضوان اللَّـه عليه) : «... يا سلمان ، أَنا الَّذي دُعيت الأُمم كُلِّها إِلى طاعتي فكفرت فعُذِّبت بالنَّار...». قال سلمان: ... وأَنتَ قصَّة أَيُّوب وسبب تغيُّر نعمة اللَّـه عليه. فقال أَمير المؤمنين عليه السلام : «أتدري ما قصَّة أَيُّوب ، وسبب تغيُّر نعمة اللَّـه عليه ؟ قال: اللَّـه أعلم وأَنْتَ يا أمير المؤمنين. قال: لَـمَّا كان عند الانبعاث للنطق شَكَّ أَيُّوب في ملكي ، فقال: هذا خطب جليل وأَمر جسيم. قال اللَّـه (عزَّوجلّ) : يا أَيُّوب أَتَشكُّ في صورة أقمته أَنا؟ إِنِّي ابتليتُ آدم بالبلاء فوهبته له وصفحت عنه بالتسليم عليه بأَمرة المؤمنين ، وأنت تقول : خطب جليل ، وأَمر جسيم ؟! فوعزَّتي لأُذيقنَّك من عذابي أَو تتوب إِلَيّ بالطَّاعة لأَمير المؤمنين. ثُمَّ أَدركته السَّعادة بي ؛ يعني : أَنَّه تاب وأذعن بالطَّاعة لأَمير المؤمنين عليه السلام وعلى ذرِّيَّته الطَّيبين عليهم السلام »(5). 3ـ بيان تفسير الإِمام الباقر صلوات اللَّـه عليه ، وبيان نكتة عدم جعل النَّبيّ آدم عليه السلام من أَنبياء أُولي العزم عليهم السلام : «في قول اللَّـه عزَّوجلَّ : [وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا](6) قال: عهد إِليه في مُـحمَّد والأَئمَّة من بعده فترك ، ولم يكن له عزم فيهم أَنَّهم هكذا...»(7). 4ـ بيان الإِمام الرضا صلوات اللَّـه عليه : «... وإِنَّ آدم عليه السلام لَـمَّا أَكرمه اللَّـه (تعالىٰ ذكره) بإسجاد ملائكته له ، وبإدخاله الجنَّة قال في نفسه : هل خلق اللَّـه بشراً أَفضل منِّي ؟ فعلم الله (عزَّوجلَّ) ما وقع في نفسه، فناداه : ارفع رأسَكَ يا آدم ، فانظر إِلى ساق عرشي ، فرفع آدم رأسه فنظر إِلى ساق العرش فوجد عليه مكتوباً : لا إِلٰه إِلَّا اللَّـه، مُـحَمَّد رسول اللَّـه، عَلِيّ بن أبي طالب أمير المؤمنين، وزوجته فاطمة سيِّدة نساء العالمين ، والحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنَّة. فقال آدم عليه السلام : يا ربّ ، مَنْ هؤلاء ؟ فقال (عزَّوجلَّ): من ذُرِّيَّتك ، وهم خير منكَ ومن جميع خلقي ، ولولاهم ما خلقتكَ ولا خلقتُ الجنَّة والنَّار ، ولا السَّماء والأَرض ، فإِيَّاك أَنْ تنظر إِليهم بعين الحسد فأُخرجكَ عن جواري. فنظر إِليهم بعين الحسد ، وتمنَّىٰ منزلتهم ، فتسلَّط الشَّيطان عليه حتَّىٰ أكل من الشَّجرة الَّتي نُهي عنها ، وتسلَّط على حوَّاء ؛ لنظرها إِلى فاطمة عليها السلام بعين الحسد حتَّىٰ أَكلت من الشَّجرة كما أَكل آدم ، فأخرجهما اللَّـه (عزَّوجلَّ) عن جنَّته ، وأَهبطهما عن جواره إِلى الأرض»(8). ودلالة الجميع واضحة. / نكتة توقُّف المخلوق في قبول مقامات وكمالات أَهل البيت عليهم السلام / ثُمَّ إِنَّه مَنْ يتوقَّف في قبول مقامات وكمالات وشؤون أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ـ بعد قيام الدَّليل القطعي عليها ـ أَو يتردَّد فيها ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أَبو يعقوب ـ هذا ـ وأَبو عبداللَّـه الآتي ذكره من أَصحاب رواة وإسناد هذا الحديث الشريف. (2) في المصدر : (إِنَّا سمعنا اللَّـه يقول). (3) الصافات : 143. (4) بحار الأَنوار ، 26 : 333 ـ 334/ح16. تفسير فرات الكوفي : 94. (5) بحار الأَنوار ، 26 : 292 ـ 293/ح52. كنز جامع الفوائد : 264 ـ 265. وفيه : (أَنَّه تاب إِلى اللَّـه). (6) طٰه : 115. (7) بحار الأَنوار ، 11 : 35/ح31. علل الشرائع : 52. (8) بحار الأَنوار ، 26 : 273/ح15. عيون الأَخبار : 170
معارف ألهية(33)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (33) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم أَجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر أَنَّه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وعن المُقدِّمة الرابعة في الدرس (21 )، وكانت تحت عنوان : ( حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى ) ، ووصلنا في الدرس (22 )الى المُقدِّمة الخامسة ، وكانت تحت عنوان : (تجلِّي الصفات والأَسمآء الإِلهيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام ) ، والى ما تقدم من بحث في هذه المقدمة تشير كثير من بيانات الوحي ، سنذكر(إِنْ شآء الله تعالىٰ) ثلاثة منها ، لازال البحث في البيان الاول ، وهو بيان امير المؤمنين عليه السلام : « ...لا تجعلونا اربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فانكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته ... » ودلالته قد اِتَّضحت ؛ فإِنَّ جملة الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة قد انعكست وظهرت وتجلت في طبقات حقائق اهل البيت عليهم السلام الصاعدة إِلَّا الأُلوهيَّة ؛ لخروجها موضوعاً وتخصُّصاً ، ومن تلك الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة : (عدم التناهي ) ، واستحالة احاطة المتناهي بغير المتناهي ، ومر الكلام في العنوان التالي : « طبقات تحمُّل علوم ومعارف أَهل البيت عليهم السلام » ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) الى المطلب التالي : /نكتة توقُّف المخلوق في قبول مقامات وكمالات أَهل البيت عليهم السلام / ثُمَّ إِنَّه مَنْ يتوقَّف في قبول مقامات وكمالات وشؤون أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ـ بعد قيام الدَّليل القطعي عليها ـ أَو يتردَّد فيها فضلاً عن مَنْ يُنْكِرُها فَلْيَعْلَم ـ بل ليراجع نفسه فسيجد ـ أَنَّ منشأ ذلك أَحد أُمور ثلاثة لا رابع لها ، وإِلَّا فتسويلات شيطانيَّة فإِنَّه : إِمَّا أَنْ يكون منشأ توقُّفه وتردُّده وإِنكاره (والعياذ باللَّـه تعالىٰ) في فاعليَّة الباري (تبارك وتعالىٰ) ، كمُعتقد اليهود. وإِمَّا أَنْ يكون ـ منشأ توقُّفه وتردُّده وإِنكاره ـ (والعياذ باللَّـه تعالىٰ) في قابليَّة واستعداد واستحقاق طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم، كمعتقد المُقصِّرة وبعض النَّواصب. وإِمَّا أَنْ يكون ـ منشأ توقُّفه وتردُّده وإِنكاره ـ (والعياذ باللَّـه تعالىٰ) جهلاً بهم صلوات اللَّـه عليهم ، أَو حسداً لهم ، أَو حقداً أَو تكبُّراً عليهم ، كحال إبليس والبعض الآخر من النَّواصب. وهذا كالأَوَّل والثَّاني إِلحاد وكفر جلي ، لا يُبْقي ولا يَذَر ؛ فإِنَّ يداه (عزَّ ذكره) مبسوطتان ينفق كيف يشآء ، وقابليَّة طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم واستعدادها واستحقاقها للفضل والكمال لا حدَّ ولا منتهىٰ ولا غاية لها ، والجهل وجنده كالحسد والحقد والتكَبُّر لاسيما إِذا كان في حقِّ أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم عَالَمٌ من البحر الأُجاج ظُلْمَانِيّاً ، فوق عَالَم جهنَّم ونار الآخرة الأَبديَّة (أعاذنا اللَّـه تعالىٰ منها) ، ومهيمن عليها ، بل هي قطرة في بحره وبحور جنده الظلمانيَّة الأُجاج المتلاطمة ، كما أَشار إِلى ذلك بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام في حديث جنود العقل والجهل(1). وإِلى الأَوَّل أَشارت بيانات الوحي ، منها : بيان قوله جلَّ ذكره : [وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ](2). وإِلى الأَوَّل والثَّاني أَشارت بياناته الأُخرىٰ ، منها : بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «... أَنَا صاحب النَّار ، أَقُولُ لَـهَا : خُذِي هٰذا ، وذري هذا ... أَنَا صاحب الهدَّة ، وَأَنَا صاحب اللَّوح المحفوظ ... أَنَا صاحب المعجزات والآيات ... أَنَا الَّذي حملتُ نوحاً في السَّفينة بأمر ربِّي ، وَأَنَا الَّذي أَخرجتُ يونس من بطن الحوت بإِذنِ رَبِّي ، وَأَنَا الَّذي جاوزتُ بموسىٰ بن عمران البحر بأمر رَبِّي ، وَأَنَا الَّذي أخرجتُ إبراهيم من النَّار بإِذن رَبِّي ، وَأَنَا الَّذي أَجريتُ أَنهارها ، وَفَجَّرتُ عيونها ، وغرستُ أَشجارها بإِذن رَبِّي ، وَأَنَا عذاب يوم الظِّلَّة ، وَأَنَا المنادي من مكان قريب قد سمعه الثقلان : الجنّ والإِنس وفهمه قوم ... لا تُسَمُّونا أَرْباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم ، فإِنَّكم لن تبلغوا من فضلنا كُنْه ما جعله اللَّـه لَنَا ، ولا معشار العشر ... ولو قال قائل : لِمَ ، وكيف ، وَفِيم ؟ لكفر وأَشرك ؛ لأَنَّه لا يُسأل عمَّا يفعل وهم يُسألون ... مَنْ آمن بما قلتُ ... فهو مؤمن ممتحن ... وَمَنْ شَكّ وعَنَدَ وجَحَدَ ووقف وتحيَّر وارتاب فهو مقصِّر وناصب ... الويل كُلّ الويل لِـمَنْ أَنكر فضلنا وخصوصيَّتنا ، وما أَعطانا اللَّـه ربُّنا ؛ لأَنَّ مَنْ أَنْكرَ شيئاً مِـمَّا أَعطانا اللَّـه فقد أَنْكرَ قدرة اللَّـه عزَّوجلَّ ومشيَّته فينا ... وَحَقَّتْ كلمة العذاب على الكافرين ، أَعني الجاحدين بِكُلِّ ما أَعطانا اللَّـه مِنَ الفضل والإِحْسان» (3). ودلالته واضحة ولا غبار عليها. وإِلى الثَّالث أَشارت بياناته الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه مخاطباً حذيفة بن اليمان : «يا حذيفة ، لا تُحَدِّث النَّاس بما لا يعلمون فيطغوا ويكفروا ، إِنَّ من العلم صعباً شديداً محمله ، لو حملته الجبال عجزت عن حمله ، إِنَّ علمنا أهل البيت يُستنكر ويبطل ويُقتل رواته ، ويُساء إِلى مَنْ يتلوه بغياً وحسداً لما فَضَّلَ اللَّـه به عترة الوصي ، وصي النَّبيّ ’ ...»(4). 2ـ بيان تفسير أَبي جعفر عليه السلام ، عن بريدة ، قال : «كنتُ عند أَبي جعفر عليه السلام فسألته عن قوله اللَّـه تعالىٰ : [أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ](5)؛ قال: فنحن النَّاس ، ونحن المحسودون على ما آتانا اللَّـه من الإِمامة دون خلق اللَّـه جميعاً [فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا](6)جعلنا منهم الرسل والأَنبياء والأَئِمَّة عليهم السلام ، فكيف يقرُّون بها في آل إِبراهيم ، ويُكَذِّبون بها في آل محمَّد عليهم السلام ؟ [فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا](7)»(8). 3ـ بيان تفسير الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن إِبراهيم ، قال : « قلت لأَبي عبداللَّـه عليه السلام : جُعِلْتُ فداك ، ما تقول في هذه الآية: [أَم يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا](9)، قال : نحن النَّاس الَّذين قال اللَّـه ، ونحن المحسودون ، ونحن أَهل المُلك ، ونحن ورثنا النَّبيِّين ، وعندنا عصا موسىٰ ، وإِنَّا لخزَّان اللَّـه في الأَرض ، لسنا بِخُزَّانٍ على ذهب ولا فضَّة ...»(10). 4ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن الكناني ، قال : «قال أَبو عبداللَّـه عليه السلام : يا أَبا الصباح ، نحن قوم فرض اللَّـه طاعتنا ، لنا الأَنفال ، ولنا صفو الـمال ، ونحن الرَّاسخون في العلم ، ونحن المحسودون الَّذين قال اللَّـه : [أَم يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ]»(11). ودلالة الجميع واضحة. ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أُصول الكافي، 1: 17/ح14. (2) المائدة : 64 . (3) بحار الأَنوار ، 26 : 1 ـ 7/ح1. (4) بحار الأَنوار ، 28 : 70 ـ 71/ح31. غيبة النعماني : 70 ـ 72. (5) النساء : 54 . (6) النساء : 54 . (7) النساء : 55 . (8) بحار الأَنوار ، 23 : 298/ح44. تفسير فرات : 28. (9) النساء : 54 . (10) بحار الأَنوار ، 23 : 299/ح50. (11) المصدر نفسه : 194/ح20. بصائر الدرجات : 55
معارف ألهية(34)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (34) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم أَجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر أَنَّه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وعن المُقدِّمة الرابعة في الدرس (21 )، وكانت تحت عنوان : ( حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى ) ، ووصلنا في الدرس (22 )الى المُقدِّمة الخامسة ، وكانت تحت عنوان : (تجلِّي الصفات والأَسمآء الإِلهيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام ) ، والى ما تقدم من بحث في هذه المقدمة تشير كثير من بيانات الوحي ، سنذكر(إِنْ شآء الله تعالىٰ) ثلاثة منها ، لازال البحث في البيان الاول ، وهو بيان امير المؤمنين عليه السلام : « ...لا تجعلونا اربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فانكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته ... » ودلالته قد اِتَّضحت ؛ فإِنَّ جملة الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة قد انعكست وظهرت وتجلت في طبقات حقائق اهل البيت عليهم السلام الصاعدة إِلَّا الأُلوهيَّة ؛ لخروجها موضوعاً وتخصُّصاً ، ومن تلك الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة : (عدم التناهي ) ، واستحالة احاطة المتناهي بغير المتناهي ، ومرالبحث في العنوان التالي : « طبقات تحمُّل علوم ومعارف أَهل البيت عليهم السلام » ، ووصلنا ( بحمد الله تعالى ) الى المطلب التالي : / مقامات كُمَّل المخلوقات لا تُعطى إِلاَّ بقدر معرفتهم بأَهل البيت عليهم السلام / ثُمَّ إِنَّ كمَّل المخلوقات ـ منهم : الملائكة المُقرَّبين ، والأَنبياء والمرسلين، والأَوصياء والأَصفياء عليهم السلام ـ لم يُعطوا تلك المقامات والكمالات ولم يُفضَّل بعضهم على الآخر إِلَّا بقدر معرفتهم بأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ، وبقدر تحمُّل قابليَّاتهم لأَسرارهم. وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان الحديث القدسي ، عن ربِّ العزَّة (تقدَّس ذكره) ، مخاطباً سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... وَإِنِّي جعلتكم محنة لخلقي ، أَمتحن بكم جميع عبادي وخلقي في سمائي وأَرضي وما فيهنَّ ؛ لأَكمل الثواب لمن أَطاعني فيكم ، وأَحلّ عذابي ولعنتي على مَنْ خالفني فيكم وعصاني ، وبكم أُميِّز الخبيث من الطَّيِّب...»(1). ودلالته قد اتَّضحت ؛ فإِنَّ جملة المخلوقات ، منهم : كافَّة الملائكة لا سيما المُقرَّبين ، وجميع الأَنبياء والمرسلين ، وسائر الأَوصياء والأَصفياء عليهم السلام لم يُعطَ أَحدٌ منهم مقاماً ـ كـ : مقام : المقرَّبيَّة ، والنُّبُوَّة والرسالة ، والوصاية والإِصطفاء ـ ولا كمالاً ولا فضيلة ، ولا شأناً إِلٰهيّاً البتة في هذا العَالَم ، وفي العوالم السَّابقة واللاحقة ، ولم يُمَيَّز خبيثٌ عن طيِّبٍ إِلَّا بعد الابتلاءات والإِمتحانات في قدر معرفته بـ : أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم وطاعته لهم ، ومدىٰ تحمُّل أَسرارهم ومعارفهم. 2ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... والَّذي نفسي بيده ، ما استوجب آدم أَنْ يخلقه اللَّـه وينفخ فيه من روحه وأَنْ يتوب عليه ، ويردَّه إِلى جنَّته إِلَّا بنبوَّتي والولاية لِعَلِيّ بعدي ، والَّذي نفسي بيده ما أَرىٰ إِبراهيم ملكوت السَّماوات والأَرض ، ولا اتَّخذه خليلاً إِلَّا بنبوَّتي والإِقرار لِعَلِيّ بعدي ، والَّذي نفسي بيده، ما كلَّمَ اللَّـه موسىٰ تكليماً ، ولا أَقام عيسىٰ آية للعالمين إِلَّا بنبوَّتي ومعرفة عَلِيّ بعدي ، والَّذي نفسي بيده ، ما تنبَّأ نبيٌّ إِلَّا بمعرفتي ، والإِقرار لنا بالولاية ، ولا استأهل خلق من اللَّـه النظر إِليه إِلَّا بالعبوديَّة له ، والإِقرار لِعَلِيّ بعدي...»(2). 3ـ بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً : «ما تكاملت النُّبوَّة لِنَبِيٍّ في الأَظلَّة حتَّىٰ عرضت عليه ولايتي وولاية أَهل بيتي ، ومُثِّلوا له فأَقَرُّوا بطاعتهم وولايتهم»(3). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة. 4ـ إِطلاق بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «... أَنَا مُنزل الملائكة منازلها ... أَنَا صاحب الهبات بعد الهبات ولو أَخبرتكم لكفرتم ... أنَا المعطي، أَنا المبذل ، أَنا القابض يدي على القبض...»(4). وهذا أَحد تفاسير هذا البيان الشَّريف. 5ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «ما نُبِّئ نبيّ قَطُّ إِلَّا بمعرفة حقِّنا ، وبفضلنا على من سوانا»(5). ودلالته قد اِتَّضحت ؛ فإِنَّ مقام النُّبُوَّة لم يُعطَ لنبيٍّ قَطُّ إِلَّا بعد معرفته في العوالم السَّالفة بحقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ، ومعرفة : حقّهم وحقوقهم وبفضلهم على جملة المخلوقات وفي جميع العوالم. 6ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «... فَمَنْ أَراد اللَّـه أَنْ يُطَهِّر قلبه من الجنِّ والإِنس عرَّفه ولايتنا ، ومن أَراد أَنْ يطمس على قلبه أَمسكَ عنه معرفتنا... واللَّـه ، ما استوجب آدم أَنْ يخلقه اللَّـه بيده ، وينفخ فيه من روحه إِلَّا بولاية عَلِيّ عليه السلام ، وما كلَّم الله موسىٰ تكليماً إِلَّا بولاية عِليّ عليه السلام ، ولا أَقَام اللَّـه عيسىٰ بن مريم آية للعالمين ، إِلَّا بالخضوع لِعَلِيّ عليه السلام ، ثُمَّ قال : اجمل الأَمر : ما استأهل خلق من اللَّـه النظر إليه إِلَّا بالعبوديَّة لنا»(6). ودلالته واضحة. 7ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، الوارد في حقِّ فاطمة الزهراء عليها السلام : «... وهي الصِّدِّيقة الكبرىٰ ، وعلى معرفتها دارت القرون الأُولىٰ»(7). ودلالته قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ مقامات كُمَّل المخلوقات ـ كـ : الملائكة المُقرَّبين ، والأَنبياء والمرسلين ، والأَوصياء والأَصفياء عليهم السلام ـ وغيرهم وكمالاتهم وشؤونهم لم تعطها يد ساحة القدس الإِلٰهيَّة لهم في العوالم السَّابقة ـ وهي الأَساس ـ إِلَّا على قدر معرفتهم بـ : مراتب طبقات حقيقة فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها ، وبـ : مقاماتها ، وكمالاتها ، وفضائلها ، وشؤونها. ولوجود تفاوت في معرفتهم بها فُضِّل بعضهم على الآخر. 8 ـ بيان الإِمام الحسن العسكري عليه السلام : «... فالكليم أُلبس حلَّة الإِصطفاء لَـمّا عهدنا منه الوفاء ...»(8). ودلالته قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ النَّبيَّ موسىٰ عليه السلام نال الإِصطفاء والنُّبُوَّة والرِّسالة ؛ وسائر المراتب والمقامات الإِلٰهيَّة ؛ لَـمَّا عهد أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم منه الوفاء والإِخلاص لهم. 9ـ بيان زيارتهم صلوات اللَّـه عليهم : «... حتَّىٰ لا يبقىٰ مَلَك مُقرَّب، ولا نَبِيّ مُرْسَل ، ولا صِدِّيق ولا شهيد ، ولا عَالِم ، ولا جاهل ، ولا دني ولا فاضل ، ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ، ولا جبَّار عنيد، ولا شيطان مريد، ولا خلق فيما بين ذلك شهيد إِلَّا عرَّفه جلالة أَمركم ، وعظم خطركم ، وكبير شأنكم ، وجلالة قدركم ، وتمام نوركم ، و صدق مقاعدكم ، وثبات مقامكم ، وشرف محلَّكم ، ومنزلتكم عنده، وكرامتكم عليه ، وخاصَّتكم لديه ، وقرب مجلسكم منه...»(9). ودلالته قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ أَحد فلسفات هذا العرض وعلله في بداية الخلقة ، والتعريف بمقامات أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم وكمالاتهم وشؤونهم وذلك لإِختبار وامتحان جملة المخلوقات ؛ ليُعطىٰ كُلّ ذي قابليَّة حقَّه وشأنه في المسؤوليَّات المستقبليَّة. ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 18 : 399 ـ 400/ح101. (2) بحار الأَنوار ، 40 : 95 ـ 97/ح116. كتاب سليم : 168 ـ 170. (3) بصائر الدرجات ، 1 : 161/ح300 ـ 7. (4) مشارق أَنوار اليقين، الخطبة الافتخارية: 165 ـ 166. (5) بحار الأَنوار ، 26 : 281/ح28. بصائر الدرجات ، 1 : 51. (6) بحار الأَنوار: 294/ ح56. الاختصاص : 250. (7) بحار الأَنوار ، 43 : 105/ح19. (8) ب المصدر نفسه، 26 : 364 ـ 365/ح50. (9) بحار الأَنوار ، 99 : 152
معارف ألهية(35)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (35) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم أَجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر أَنَّه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وعن المُقدِّمة الرابعة في الدرس (21 )، وكانت تحت عنوان : ( حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى ) ، ووصلنا في الدرس (22 )الى المُقدِّمة الخامسة ، وكانت تحت عنوان : (تجلِّي الصفات والأَسمآء الإِلهيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام ) ، والى ما تقدم من بحث في هذه المقدمة تشير كثير من بيانات الوحي ، سنذكر(إِنْ شآء الله تعالىٰ) ثلاثة منها، وصل البحث ( بحمد الله تعالى ) الى البيان الثَّاني : البيان الثَّاني : بيان دعاء أَيّام شهر رجب ، الوارد عن النَّاحية المُقدَّسة في حقِّ طبقات حقائق أَهل البيت عليه السلام الصَّاعدة : «... اللَّهُمَّ إِنِّي أَسألُكَ ... بما نطق فيهم من مشيَّتك ، فجعلتهم معادن لكلماتكَ ، وأَركاناً لتوحيدك ، وآياتكَ ومقاماتكَ الَّتي لا تعطيل لها في كُلِّ مكانٍ ، يعرفكَ بها من عرفكَ ، لا فرق بينكَ وبينها إِلَّا أَنَّهم عبادك وخلقكَ ...»(1). ودلالته قد اتَّضحت ؛ فإِنَّه لَـمَّا كانت طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة تمرَّدت ذواتها وماهيَّاتها ، وفنيت فيها جنبة المخلوقيَّة ، وخلصت في حكاية ذيها ، فلم ترِ نفسها ، بل محكيِّها : (الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) ، وأَصبحت نظير : المرآة شديدة الصقل والصفاء والإِخلاص في الحكاية انعكست وظهرت وتجلَّت فيها كافَّة صفات الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة ، وأَسمائه وكمالاته وشؤونه (تقدَّس ذكره) ؛ إِلَّا الإِلوهيَّة ، فصار : لا فرق بينه (تعالىٰ ذكره) وبينهم صلوات اللَّـه عليهم بلحاظ تلك الطبقات إِلَّا أَنَّهم عباده وخلقه ، يعرفه (جلَّ قدسه) بهذه الطبقات المُقدَّسة مَنْ عرفه. فالتفت ، وتدبَّر جيِّداً ، واغتنم تربت يداك. البيان الثَّالث : ما ورد عنهم صلوات اللَّـه عليهم : «لنا مع اللَّـه حالات : هو هو ونحن نحن ، وهو نحن ونحن هو»(2) ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 95 : 393. (2) مصباح الهداية : 114
معارف ألهية(36)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (36 )/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم أَجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر أَنَّه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وعن المُقدِّمة الرابعة في الدرس (21 )، وكانت تحت عنوان : ( حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى ) ، ووصلنا في الدرس (22 )الى المُقدِّمة الخامسة ، وكانت تحت عنوان : (تجلِّي الصفات والأَسمآء الإِلهيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام ) ، والى ما تقدم من بحث في هذه المقدمة تشير كثير من بيانات الوحي ، نذكر(إِنْ شآء الله تعالىٰ) ثلاثة منها، وصل البحث ( بحمد الله تعالى ) الى البيان الثَّالث : البيان الثَّالث : ما ورد عنهم صلوات اللَّـه عليهم : «لنا مع اللَّـه حالات : هو هو ونحن نحن ، وهو نحن ونحن هو»(1). ودلالته قد اتَّضحت أَيضاً ، ولا غبار عليها ؛ فإِنَّه بعد ما كانت طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة خالصة وفانية في حكاية ذيها ، ولا تُري نفسها ، بل محكيَّها : (الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) انعكست وظهرت وتجلَّت فيها جملة صفات وأَسماء وكمالات وشؤون الباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (تعالىٰ ذكره) ، صاحب الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة ، فصار بلحاظ تلك الطبقات : «هو (جلَّ شأنه) هم (صلوات اللَّـه عليهم) ، وهم (صلوات اللَّـه عليهم) هو (جلَّ جلاله)». نظيره : الصورة المرآتية بالقياس إِلى محكيِّها ؛ (الشَّاخص الخارجي). لكن : حيث إِنَّ هناك شيئاً لا يمكن أَن يتَّصفون عليهم السلام به وهو: الأُلوهيَّة، مضافاً : أَنَّه (عزَّ وجلَّ) هو : الخالق والمعبود ، وهم صلوات اللَّـه عليهم : مخلوقين وعبيد ، ويضاف إِليه : أَنَّ صفاته وأَسمائه وكمالاته وشؤونه بالنِّسْبَةِ إِليه (جلَّ وعلا) أَصالة وبالذَّات ، بخلاف صفاتهم صلوات اللَّـه عليهم وأَسمائهم وكمالاتهم وشؤونهم ؛ فإِنَّها حكايةٌ، ووجود ظلِّي ، ومن الغير كان : «هو هو (جلَّ اسمه)» ، و «هم هم صلوات اللَّـه عليهم». فتدبَّر جيِّداً ، واغتنم تربت يداك ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مصباح الهداية : 114
معارف ألهية(37)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (37 ) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم أَجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر أَنَّه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وعن المُقدِّمة الرابعة في الدرس (21 )، وكانت تحت عنوان : ( حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى ) ، ووصلنا في الدرس (22 )الى المُقدِّمة الخامسة ، وكانت تحت عنوان : (تجلِّي الصفات والأَسمآء الإِلهيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام ) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى ) في هذا الدرس الى خاتمة هذه المُقدِّمة ؛ فنقول : وفي ختام هذه المُقدِّمة يجدر الإِلتفات إِلى الأُمور التَّالية : الأَوَّل : أَنَّ أَعظم أَنواع تواضع المخلوق لباريه (تقدَّس ذكره) : تعظيمه لمن عظمه (جلَّ قدسه) بقدره. الثَّاني : أَنَّ أَعظم الصدق : الصدق في الحقائق الأَزليَّة ، وأَعظم الكذب والجحود والغشّ : الكذب والجحود والغشّ في الحقائق الأَزليَّة أَيضاً. وهذه أَخطر من دون قياس من الصدق والكذب والجحود والغشّ في عَالَم السياسة والأُمور العامَّة ؛ لإِرتباطها بالحياة والنشأة الأُخرويَّة الأَبديَّة ، وبالمصير الأَبدي للمخلوقات. الثَّالث : أَنَّ في ذات كُلِّ إِنسانٍ طبقات من الشرك يجب عليه تطهيرها. الرَّابع : أَنَّ بعض طبقات الشرك الخفي يُطهَّر صاحبها منها في عَالَم القيامة. الخامس : أَنَّ في ذات كُلّ مخلوقٍ طبقات من الحسد والبغض والعداء لأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم يجب عليه تطهيرها. ويدلُّ عليه : ما تقدَّم وما سيأتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ؛ من ارتطام سائر الأَنبياء والرُّسل وجملة الملائكة منهم المُقرَّبين عليهم السلام ، وتوقُّفهم في مقامات وصفات وشؤون وأَحوال أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم. السَّادس : أَنَّه دائماً التبرُّم والإِعتراض على ساحة القدس الإِلٰهيَّة ورجالاتها يحمل في طيَّاته إِعتقاد (والعياذ باللَّـه تعالىٰ) بجهل ساحة القدس الإِلٰهيَّة وبجهل رجالاتها ، وهذا إِلحاد وشرك وكفر خفيٌّ شعر بذلك المخلوق أَم لا، وهو وإِنْ لم يخرج صاحبه عن دائرة الإِيمان والإِسلام ، لكنَّه يحطّ من مراتب ودرجات إِيمانه وإِسلامه ، ويحطّ من حظِّه في عَالَم الآخرة الأَبديَّة. السَّابع : الكفر والإِلحاد برتب ومراتب الحُجَج الإِلٰهيَّة كفر عظيم ومحذور خطير ، وهو الَّذي أَوقع إِبليس (عليه اللعنة) في ورطته ؛ فإِنَّه لَـمَّا لم يحفظ المراتب تطاول على حُجة اللَّـه ووليِّه ، وأَورثه الندامة الأَبديَّة. الثَّامن : أَنَّ الإِمتحانات والإِختبارات المُهمَّة في البصيرة يَمتحن اللَّـه بها الأُمَّة على مدىٰ الأَزمان والدهور. / المُقدِّمة السَّادسة: / /هيمنة المخلوق المُتقدِّم وعلوّ كمالاته/ ثُمَّ إِنَّ المخلوق المُتقدِّم والسَّابق رتبةً : مَـمَرٌّ للفيض الإِلٰهي ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار
معارف ألهية(38)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (38 ) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم أَجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر أَنَّه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وعن المُقدِّمة الرابعة في الدرس (21 )، وكانت تحت عنوان : ( حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى ) ، وعن المُقدِّمة الخامسة في الدرس (22 ـ 37 )، وكانت تحت عنوان : (تجلِّي الصفات والأَسمآء الإِلهيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام ) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى ) في هذا الدرس الى المُقدِّمة السَّادسة ؛ فنقول : / المُقدِّمة السَّادسة: / / هيمنة المخلوق المُتقدِّم وعلوّ كمالاته/ ثُمَّ إِنَّ المخلوق المُتقدِّم والسَّابق رتبةً : مَـمَرٌّ للفيض الإِلٰهي للمخلوق المُتأَخِّر ، واللاحق رتبة ، ومحيط به ، ومهيمن عليه. وهذا التقدُّم والتأخُّر ، والسبق واللحوق ليس بزماني ، بل رتبي وعوالمي. وهذا ما يُشير إِليه بيان القاعدة المعرفيَّة القائلة : «أَنَّ كُلَّ مقامٍ مُتقدِّمٍ مهيمن على المقام المُتأَخِّر ، ومقتضىٰ الهيمنة علو كمالات المُهَيْمِن». وعليه : فيكون رأس هرم طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة أَرفع كمالاً ، وأَعلىٰ مقاماً ، ومَمَرَّ فيضٍ للصفات والأَسماء الإِلٰهيَّة الحسنىٰ فضلاً عمَّا دونها ، ويتصرَّف فيها ، ومُهَيْمِن ومسيطر عليها ومحيط بها ، ونافذ فيها وفي جميع شراشر وجوداتها نفوذ اللطيف في الأَغلظ ؛ لا بالممازجة والمزاولة ، وخارج عنها خروج اللطيف عن الأَغلظ ؛ لا بالمباينة والمزايلة. وهناك قاعدة معرفيَّة عقليَّة أُخرىٰ ، من خفايا المباحث المعرفيَّة العقليَّة، تذكر في أَبواب المعارف ، وهي : أَنَّه : «كلَّما ازدادت اللطافة : انعدمت النِّسَب والحُجُب والفواصل والأَبعاد ، واشتدَّ العلم والوجود والحضور ، واشتدَّت الإِحاطة والقدرة ، وكانت نِسبة جميع ما دون شديد اللطافة من العوالم والمخلوقات إِليه نِسْبَة واحدة ، لا سيما إِذا كان شديد اللطافة هو الجوهر المُجرَّد ؛ لأَنَّ نسبته إِليها نِسْبَة تقوُّم». وهذه معادلة فوق العلوم الرياضيَّة. ومنه يتَّضح : حال طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة ، لا سيما رأس هرمها بلحاظ ما دونها من مخلوقات عَالَم السرمد والأَزل ؛ عَالَم الصفات والأَسماء الإِلٰهيَّة الحسنىٰ فضلاً عمَّا دونها. / المُقدِّمة السَّابعة: / / أَنواع الإِحاطة/ ثُمَّ إِنَّه ينبغي الإِلتفات : أَنَّ الإِحاطة على أَنحاء ثلاثة : ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار
معارف ألهية(39)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (39 ) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم أَجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر أَنَّه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وعن المُقدِّمة الرابعة في الدرس (21 )، وكانت تحت عنوان : ( حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى ) ، وعن المُقدِّمة الخامسة في الدرس (22 ـ 37 )، وكانت تحت عنوان : (تجلِّي الصفات والأَسمآء الإِلهيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام ) ، وعن المُقدِّمة السَّادسة في الدرس (38 )، وكانت تحت عنوان : (هيمنة المخلوق المُتقدِّم وعلوّ كمالاته) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى ) في هذا الدرس الى المُقدِّمة السَّابعة ؛ فنقول : / المُقدِّمة السَّابعة: / / أَنواع الإِحاطة/ ثُمَّ إِنَّه ينبغي الإِلتفات : أَنَّ الإِحاطة على أَنحاء ثلاثة : أَحدها : الإِحاطة الماديَّة الجغرافيَّة. وهذه تُحيط بالسطح والظاهر فقَطُّ. ومجالها : إِذا كان المُحيط من عَالَم الأَجسام الغليظة. مثالها : إِحاطة الكرة الكبيرة بالكرة الصغيرة. وهذا النحو وإِن عُدَّ نحو من أَنحاء الإِحاطة في علم الرياضيِّات وعلم الهندسة ، لكنَّه بالدِّقَّة العقليَّة فيه مسامحة ظاهرة. ومنه يتَّضح : أَنَّ الدِّقَّة العقليَّة تفوق الدِّقَّة في علم الرياضيَّات وعلم الهندسة ؛ لإِعتمادهما على قوَّة الخيال ، بخلاف الدِّقَّة العقليَّة ؛ فإِنَّها أَشرس من دون قياس من الدِّقَّة في علم الرياضيَّات وعلم الهندسة ؛ لإِعتمادها على قوَّة العقل. والفارق بين القوَّتين عظيم وشاسع جِدّاً ، بل من دون قياس أَيضاً ؛ فإِنَّ العقل عين مُسَلَّحَة أَشرس من عين قوَّة الخيال بمراتب غير متناهية. وهذه نكتة نفيسة تأتي في أَبواب المعارف. ثانيها : الإِحاطة الماديَّة غير الجغرافيَّة. وهذه تُحيط بالظَّاهر والباطن ، لكنَّها تبقىٰ ماديَّة وجسمانيَّة ولها مقدار. ومجالها : إِذا كان المُحيط من عَالَم المادَّة وعَالَم الأَجسام اللطيفة. مثالها : إِحاطة الأَشعَّة البنفسجيَّة أَو الحمراء أَو فوقها أَو تحتها بالأَجسام الأَغلظ. ثالثها : الإِحاطة التجرُّديَّة ، وهذه إِحاطة وجوديَّة ، تكون فيها للمُحيط هيمنة وإِحاطة وقدرة أَعظم وجوداً وكمالاً من هيمنة وإِحاطة وقدرة ووجود وكمال المُحاط. ومجالها : إِذا لم يكن المُحيط من عَالَم المادَّة والأَجسام ، وإِنَّما كان من عَالَم المُجرَّدات تجرُّداً تامّاً ـ كـ : الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وعَالَم الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ؛ طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ـ ، فتكون نِسْبَة المُحيط إِلى جملة المُحاط ظاهره وباطنه نِسْبَة واحدة. نظيره: نقطة مركز الدائرة بلحاظ جميع نقاط محورها(1)، فإِنَّ نسبتها إِلى الجميع واحدة ؛ من دون أَيّ تبعُّض وتفاوت. مثالها : ما أَشارت إِليه بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان قوله جلَّ ثناؤه : [الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى](2). أَي : أَنَّ قربه وقدرته وسيطرته وهيمنته على جملة المخلوقات واحدة، لا تتبعَّض ولا تتفاوت ، فهو سبحانه وتعالىٰ : [لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ](3). إِذنْ : نِسْبَة المخلوقات بالنِّسْبَة إِليه (جلَّ ذكره) تتوحَّد ، فلا يغيب شيء عنه ؛ فجملة العوالم وكافَّة المخلوقات غير المتناهية في حضور واحدٍ لديه. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ؛ فإِنَّه سُئل : «عن قوله اللَّـه عزَّ وجلَّ : [الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى]، فقال : استوىٰ من كُلِّ شيء ، فليس شيء أَقرب منه من شيء»(4). 2ـ بيان الإِمام الكاظم عليه السلام ، عن يعقوب بن جعفر الجعفري ، قال : «ذُكر عنده قوم زعموا أَنَّ اللَّـه تبارك وتعالىٰ ينزل إِلى السَّماء الدُّنيا ، فقال: إِنَّ اللَّـه لا ينزل ولا يحتاج إِلى أَنْ ينزل ، إِنَّما منظره في القرب والبُعد سوآء ، لم يبعد منه قريب ، ولم يقرب منه بعيد ، ولم يحتج إلى شيءٍ ، بل يُحتاج إِليه...»(5). 3ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن القاسم بن يحيىٰ ، عن جدِّه الحسن ، قال : «وسُئِلَ عن معنىٰ قول اللَّـه : [عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى] ، قال : استولىٰ على ما دقَّ وجلَّ»(6). ثانياً : بيان قوله جلَّ قوله : [أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ](7). ومعناه : أَنَّه (تقدَّس ذكره) لا يحدّه ولا يحبسه مكان ولا زمان. ثالثاً : بيان قوله عزَّ من قائل : [وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا](8). ودلالته قد اِتَّضحت. وبالجملة : النِّسْبَة بين الشيء الواحد والأَشياء الكثيرة إِنْ كانت واحدة ولم تختلف فالإِحاطة منه لها تجرُّديَّة ، وإِلَّا فماديَّة. إِذنْ : في عَالَم المُجرَّدات تجرُّداً تامّاً ـ كـ : طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ـ لا توجد أَبداً نِسب مُتكثِّرة ، وإِنَّما نِسبة فاردة. / أَحد تفاسير بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي تحت الباء»/ ومن كُلِّ ما تقدَّم يتَّضح : أَحد تفاسير بيان أَمير المؤمنين صلوات ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مرجع الضمير : (الدائرة). (2) طٰه : 5. (3) الإخلاص : 3. (4) بحار الأَنوار ، 55 : 7/ح5. (5) المصدر نفسه ، 3 : 311/ح5. (6) بحار الأَنوار، 3 : 336/ح45. أُصول الكافي ، 1/باب : معاني الأَسماء واشتقاقها : 80/ح3. (7) فصلت : 54. (8) النساء : 126
معارف ألهية(40)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (40) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم أَجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر أَنَّه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وعن المُقدِّمة الرابعة في الدرس (21 )، وكانت تحت عنوان : ( حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى ) ، وعن المُقدِّمة الخامسة في الدرس (22 ـ 37 )، وكانت تحت عنوان : (تجلِّي الصفات والأَسمآء الإِلهيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام ) ، وعن المُقدِّمة السَّادسة في الدرس (38 )، وكانت تحت عنوان : (هيمنة المخلوق المُتقدِّم وعلوّ كمالاته) ، وعن المُقدِّمة السَّابعة في الدرس (39 )، وكانت تحت عنوان : (أَنواع الإِحاطة) ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى ) في هذا الدرس الى أَحد تفاسير بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ؛ فنقول : / أَحد تفاسير بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء»/ ومن كُلِّ ما تقدَّم يتَّضح : أَحد تفاسير بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه المُتقدِّم : «أنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام أَيضاً : «أَنَا النقطة أَنا الخطّ ، أَنا الخطّ أَنا النقطة ، أَنا النقطة والخطّ» ؛ فإِنَّ رأس هرم طبقات حقيقته صلوات اللَّـه عليه الصَّاعدة لَـمَّا كانت مُجرَّدة تجرُّداً تامّاً كانت جميع العوالم وكافَّة المخلوقات ما عدا رأس هرم طبقات حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله الصَّاعدة بالنِّسْبَة إِلى تلك الطبقة نِسْبَة واحدة. نظيره : ـ ما مرَّ من مثال ـ نقطة مركز الدائرة الهندسيَّة بالنِّسْبَة إِلى نقاط محيطها ، فإِنَّها واحدة لا تتفاوت ولا تتبعَّض. فمخلوقات : (عَالَم السَّرمد والأَزل) و (الذَّرَّة) بالنِّسبة إِليه صلوات اللَّـه عليه بلحاظ تلك الطبقة شيء واحد ، وهيمنته عليه السلام عليها واحدة من دون تبعُّض وتفاوت. ويضاف إِليه : ما تقدَّم من أَنَّ جملة العوالم وكافَّة المخلوقات على حدٍّ سوآء بالنِّسْبَة إِلى الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، لا تتبعَّض ولا تتفاوت ، وهي كنقطة واحدة إِلى الذات المُقدَّسة. هذا هو شأن الذات المُقدَّسة. وحيث إِنَّه تقدَّم أَيضاً : أَنَّ كُلَّ ما تَّتصف به الذات المُقدَّسة من صفات وأَسماء وكمالات وشؤون إِلَّا الأُلوهيَّة تنعكس من الذات الإِلٰهيَّة وتظهر وتتجلَّىٰ في طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ، وتتَّصف بها حكايةً ووجوداً ظلِّيّاً ومن الغير. ومن تلك الصفات والأَسماء والكمالات والشؤون الإِلٰهيَّة : استواء جملة العوالم وكافة المخلوقات من الذَّرَّة إِلى أَعلىٰ وأَرفع مخلوق إِلى الذات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة ، وتكون جميعها إِليه (جلَّ شأنه) كـ : نقطة واحدة ؛ لا تتبعَّض ولا تتفاوت. هكذا حال طبقات حقيقة أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه الصَّاعدة بلحاظ كافَّة العوالم وسائر المخلوقات غير المتناهية ـ عدا رأس هرم طبقات حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله الصَّاعدة ـ مستوية ومهيمنة عليها ، وداخلة فيها دخول اللطيف في الأَغلظ لا بالممازجة والمزاولة ، وخارجة عنها خروج اللطيف من الأَغلظ لا بالمباينة والمزايلة ، وتكون جميعها إِليه عليه السلام بلحاظ تلك الطبقة كـ : نقطة واحدة ؛ لا تتبعَّض ولا تتفاوت من مثقال الذَّرَّة إِلى أَرفع مخلوق يتلو تلك الطبقة. / المُقدِّمة الثامنة: / / غائيَّة الخالق (عزَّ وجلَّ) تختلف عن غائيَّة المخلوق/ إِنَّ غائيَّة الخالق تختلف عن غائيَّة المخلوق ، فغائيَّته تعالىٰ : ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار
معارف ألهية(41)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (41) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم أَجمعين .لازال البحث في تفسير بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر أَنَّه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وعن المُقدِّمة الرابعة في الدرس (21 )، وكانت تحت عنوان : ( حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى ) ، وعن المُقدِّمة الخامسة في الدرس (22 ـ 37 )، وكانت تحت عنوان : (تجلِّي الصفات والأَسمآء الإِلهيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام ) ، وعن المُقدِّمة السَّادسة في الدرس (38 )، وكانت تحت عنوان : (هيمنة المخلوق المُتقدِّم وعلوّ كمالاته) ، وعن المُقدِّمة السَّابعة في الدرس (39 )، وكانت تحت عنوان : (أَنواع الإِحاطة) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى ) في هذا الدرس الى المُقدِّمة الثامنة ؛ فنقول : / المُقدِّمة الثامنة: / / غائيَّة الخالق (عزَّ وجلَّ) تختلف عن غائيَّة المخلوق/ إِنَّ غائيَّة الخالق تختلف عن غائيَّة المخلوق ، فغائيَّته تعالىٰ : أَنَّ الكُلَّ يستعينُ به (جلَّ وتقدَّس) ، ويتوجَّه إِليه وإِنْ كان ملحداً أَو كافراً أَو عابدِ وثنٍ ؛ شعر بذلك أَم لا ، فإِنَّ من فرَّ منه (تقدَّست أَسماؤه) كرَّ إِليه ، فلا ملجأ منه إِلَّا إِليه ، فمَنْ أَلحد أَو أَشرك أَو كفر به أَو عصاه فقد هرب منه ومن أَسمآء الجمال والرَّحمة الإِلٰهيَّة والتجئ إِليه وإِلى أَسماء الجلال والقهر والعذاب الإِلٰهيَّة ، فالمطيع يتوجَّه إِليه (عظمت آلاؤه) ويستعين به من خلال الاسم الإِلٰهي : (الرحمٰن ، والرحيم ، والغفَّار ، والوهاب ، والرزَّاق ، والباسط ، والرافع ، والمُعزّ ، والشكور ، والحفيظ ...) ، بخلاف المُلحد والمُشرك والكافر والعاصي ، فإِنَّهم يتوجَّهون إِليه (جلَّ اسمه) ويستعينون به من خلال الاسم الإِلهي : (القهَّار ، والقابض ، والمُذِل ، والمقيت ، والمنتقم ، والمانع ، والضَّار ...) ، فكلٌّ يعبُد اللَّـه ـ المُسَمَّىٰ ـ صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ـ وليس الاسم ـ ويستعين ويلوذ به ، ويتضعضع ويخشع وينقاد ويفتقر إِليه ، ويستمدُّ منه ، لكن ليس الجميع : عبادة واستعانة ولوذ وتضعضع وخشوع وانقياد وافتقار واستمداد طائع وطاعة ، وإِنَّما بعضها : استعانة ولوذ وتضعضع وخشوع وانقياد وافتقار واستمداد معصية وعاصي. وإِلى كُلِّ هذا تشير بيانات الوحي الإِلٰهي ، منها : 1ـ بيان قوله عزَّ ذكره : [إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا](1). 2ـ بيان قوله جلَّ ذكره : [وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا](2). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ قد اتَّضحت. 3ـ بيانه جلَّ ثناؤه : [فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيم](3). ودلالته قد اتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ (وجه اللَّـه) تارة وجه رحمة ونعمة ، وأُخرىٰ عذاب ونقمة. 4ـ بيان الإِمام الصادق عليه السلام ، عن حماد بن عمرو النصيبي ، قال : «سألتُ جعفر بن مُحمَّد عليهما السلام عن التوحيد ، فقال : واحد ، صمد ... معروف عند كُلّ جاهل...»(4). ودلالته قد اتَّضحت أَيضاً. إِذنْ : جملة المخلوقات وفي كافَّة العوالم تتَّجه بفطرتها إِلى ساحة القدس الإِلٰهي شعر بذلك المخلوق أَم لا ، لكن : العاصي يتَّجه بفطرته إِليه (جلَّ قدسه) من جهة صراط الجحيم وبئس الورد المورود. وبالجملة : أَنَّه ليس لمخلوق البتة ـ وإِنْ كان غيّاً غاوياً ـ انقطاع تام عن اللَّـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (عزَّ اسمه) ، بل لا بُدَّ له من الاتِّجاه والتوجُّه إِليه (عزَّ وجهه) والإِستعانة به ، لكنَّ اتِّجاه وتوجُّه العاصي ليس إِتِّجاه وتوجُّه واستعانة لدار الجنان وبأسماء الجمال ـ خلافاً لِـمَا توهَّمه ابن عربي وجملة من العرفاء والصوفيَّة ـ وإِنَّما اتجاه واستعانة إِلى قذف نفسه بين أَغلال ودركات وأَطباق عذاب نار الجحيم ، وبأَسماء الجلال ـ كـ : اسم المنتقم والجبَّار ـ . / تفسيرٌ آخر لبيان أَمير المؤمنين عليه السلام المُتقدِّم/ ومنه يتَّضح : وجهٌ وتفسيرٌ آخرٌ لبيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه المُتقدِّم : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مريم : 93. (2) النساء : 78. (3) البقرة : 115. (4) بحار الأَنوار ، 4 : 286/ح18
معارف ألهية(42)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
الدرس : (42) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم أَجمعين .لازال البحث في تفسير بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر أَنَّه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9 ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : (الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة) ، وعن المُقدِّمة الثالثة في الدرس (11 ـ 20 )، وكانت تحت عنوان ( طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة ) ، وعن المُقدِّمة الرابعة في الدرس (21 )، وكانت تحت عنوان : ( حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فوق الصفات والأَسماء الحسنى ) ، وعن المُقدِّمة الخامسة في الدرس (22 ـ 37 )، وكانت تحت عنوان : (تجلِّي الصفات والأَسمآء الإِلهيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام ) ، وعن المُقدِّمة السَّادسة في الدرس (38 )، وكانت تحت عنوان : (هيمنة المخلوق المُتقدِّم وعلوّ كمالاته) ، وعن المُقدِّمة السَّابعة في الدرس (39 )، وكانت تحت عنوان : (أَنواع الإِحاطة) ، وعن المُقدِّمة الثامنة في الدرس (40 )، وكانت تحت عنوان : (غائيَّة الخالق (عزَّ وجلَّ) تختلف عن غائيَّة المخلوق) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى ) في هذا الدرس الى تفسيرٌ آخر لبيان أَمير المؤمنين عليه السلام المُتقدِّم ؛ فنقول : / تفسيرٌ آخر لبيان أَمير المؤمنين عليه السلام المُتقدِّم / ومنه يتَّضح : وجهٌ وتفسيرٌ آخرٌ لبيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه المُتقدِّم : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام أَيضاً : «أَنَا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة ، أَنا النقطة والخطُّ» ، فإِنَّ مراده صلوات اللَّـه عليه من : (الخطِّ) : الصراط والخطّ المُستقيم الفارد والحصري الموصل إِلى ساحة القدس الإِلٰهيَّة. وإِلى هذا أَشارت بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله مخاطباً أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «يا عَلِيّ ، أَنتَ ... ركن الدِّين ، وأَنْتَ مصباح الدجىٰ ، وأَنْتَ منار الهدىٰ ...مَنْ تبعك نجا ، وَمَنْ تخلَّفَ عنك هَلَك ، وأَنت الطريق الواضح ، وأَنْتَ الصراط المُستقيم ...»(1). ثانياً : بيانه صلى الله عليه واله ، مخاطباً أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه أَيضاً : «يا عَلِيّ، أنت حُجَّة اللَّـه ، وأَنْتَ باب اللَّـه ، وأَنْتَ الطَّريق إلى اللَّـه ، وأَنْتَ النبأ العظيم ، وأَنْتَ الصراط المستقيم ...»(2). ثالثاً : بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «... وأَنَا الصراط المُستقيم ، وأَنَا النبأ العظيم الَّذي هم فيه مختلفون ، وَلَا أَحَد اختلف إِلَّا في ولايتي...»(3). ودلالة الجميع واضحة. ومراده صلوات اللَّـه عليه من : (النقطة) : نقطة (باء الاستعانة) ، وهي(4) روحها ومركزها ، ولولاها لَـمَا تشخَّصت ، وهي(5) أَوَّل حرف ورد في القرآن الكريم ، ومعناها : أَنَّ جملة العوالم وسائر المخلوقات ـ مؤمنة كانت أَم لا ـ لا يمكنها إِلَّا أَنْ تستعين بالذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وتمدّ حولها وقوتها وفقرها الذاتي ليس إِلَّا منه (جلَّ شأنه). وهذه الصفة والاسم والكمال والشأن الإِلٰهي قد انعكس وظهر وتجلَّىٰ في طبقات حقيقة أَمير المؤمنين عليه السلام وحقائق سائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة ، فكانت طرّ العوالم وجميع المخلوقات ـ شعرت بذلك أَم لا ـ لا يمكنُها إِلَّا أَنْ تستعين بتلك الطبقات ، وتمدُّ منها حولها وقوَّتها ، وفقرها الذاتي الخارم لجملة شراشرها ، ولكافَّة جزئيَّات وذرَّات حقائقها. مضافاً : أَنَّ طبقات حقيقة أَمير المؤمنين عليه السلام وطبقات حقائق سائر أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة هي الوسيلة والواسطة الحصريَّة ، والسبب والرباط الإِلٰهي الأَدنىٰ في قوس الصعود لولوج المخلوق وأَعماله ساحة القدس الإِلٰهيَّة ، والوسيلة أَيضاً والواسطة الحصريَّة والسبب الوحيد لتمتُّعه في قوس النزول بالفيض الإِلٰهي ، فمن دون الإِستعانة بطبقات حقائقهم صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة لن يتمكَّن مخلوقٌ البتَّة ، أَبد الآباد ودهر الدُّهور ، ولا أَعماله في جملة العوالم من الوصول إِلى ساحة القدس الإِلٰهيَّة ، وكذا لن يتمكَّن البتَّة من استمداد حوله وقوَّته وعطائه إِلَّا بعد نشب أَظفاره بطبقات حقائقهم صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة والإٍستعانة بها ، شعر بذلك المخلوق أَم لا. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان سيِّد الأَنبيّاء صلى الله عليه واله : «...فقال له أصحاب رسول اللَّـه صلى الله عليه واله : ما أَسوأ حال هذا واللَّـه. قال رسول اللَّـه صلى الله عليه واله : أَوَ لَا أُنَبِّئكم بأَسوأ حالاً من هذا ؟ قالوا : بلىٰ يا رسول اللَّـه. قال : رَجُل حضر الجهاد في سبيل اللَّـه ، فقُتِلَ مُقبلاً غير مدبر ، والحور العين يطَّلَّعن إِليه ، وخزَّان الجنان يتطلَّعون ورود روحه عليهم ، وأَملاك الأَرض(6) يتطلَّعون نزول حور العين إِليه ، والملائكة وخزَّان الجنان فلا يأتونه. فتقول ملائكة الأَرض حوالي(7) ذلك المقتول : ما بال الحور العين لا ينزلن إِليه ؟ وما بال خزَّان الجنان لا يردون عليه ، فينادون من فوق السمآء السَّابعة : يا أَيَّتها الملائكة ، انظروا إِلى آفاق السمآء ودوينها ، فينظرون فإذا توحيد هذا العبد وإِيمانه برسول اللَّـه صلى الله عليه واله وصلاته وزكاته وصدقته وأَعمال بِرّه كُلّها محبوسات دوين السمآء ، قد طبَّقت آفاق السمآء كلِّيّاً كالقافلة العظيمة ، قد ملأت ما بين أَقصىٰ المشارق والمغارب ، ومهابّ الشمال والجنوب ، تُنادي أَملاك تلك الأَثقال(8) الحاملون لها ، الواردون بها : ما بالنا لا تفتح لنا أَبواب السَّماء لندخل إِليها بأعمال(9) هذا الشَّهيد. فيأمر اللَّـه بفتح أَبواب السَّمآء فتفتح ، ثُمَّ ينادي : يا هؤلاء الملائكة(10) أدخلوها إِنْ قدرتم ، فلا تقلَّهُم(11) أَجنحتهم ولا يقدرون على الارتفاع بتلك الأَعمال ، فيقولون : يا ربّنا ، لا نقدر على الارتفاع بهذه الأَعمال ، فيناديهم منادي ربّنا عزَّوجلَّ : يا أَيُّها الملائكة ، لستم حُمَّال هذه الأَثقال(12) الصَّاعدين(13) بها ، إِنَّ حملتها الصاعدين بها مطاياها الَّتي ترفعها إِلى دوين العرش ، ثُمَّ تقرّها في درجات الجنان. فيقول الملائكة : يا ربّنا ، ما مطاياها ؟ فيقول اللَّـه تعالىٰ : وما الَّذي حملتم من عنده ؟ فيقولون: توحيده لك ، وإِيمانه بنبيِّكَ. فيقول اللَّـه تعالىٰ : فمطاياها موالاة عَلِيّ أَخي نبيّي ، وموالاة الأَئمَّة الطَّاهرين ، فإِنْ أَتَت فهي الحاملة الرَّافعة الواضعة لها في الجنان. فينظرون فإذا الرَّجُل مع ماله من هذه الأَشياء ليس له موالاة عَلِيّ والطَّيِّبين من آله ومعاداة أعدائهم. فيقول اللَّـه (تبارك وتعالىٰ) للأَملاك الَّذين كانوا حامليها : اعتزلوها والحقوا بمراكزكم من ملكوتي، ليأتيها مَنْ هو أَحَقّ بحملها ووضعها في موضع استحقاقها. فتلحق تلك الأَملاك بمراكزها المجعولة لها. ثُمَّ ينادي منادي رَبّنا (عزَّوجلَّ) : يا أَيَّتها الزبانية ، تناوليها وحطِّيها إِلى سواء الجحيم ؛ لأَنَّ صاحبها لم يجعل لها مطايا من موالاة عَلِيّ عليه السلام والطَّيِّبين من آله، قال : فتُنادي(14) تلك الأَملاك ، ويقلب اللَّـه تلك الأَثقال أَوزاراً وبلايا على باعثها(15)؛ لِـمَا فارقها عن مطاياها من موالاة أَمير المؤمنين عليه السلام . ونادت تلك الملائكة إِلى مخالفتهِ لِعَلِيٍّ عليه السلام وموالاته لأَعدائه ، فيسلِّطها اللَّـه (عزَّوجلَّ) وهي في صورة الأُسود على تلك الأَعمال ، وهي كالغربان والقرقس(16)، فيخرج من أَفواه تلك الأُسود نيران تحرقها ، وَلَا يبقىٰ(17) له عمل إِلَّا أُحبط (18)، ويبقىٰ عليه موالاته لأعداء عَلِيّ عليه السلام ، وجحده ولايته فيقرّ (19) ذلك في سوآء الجحيم ، فإِذا هو قد حبطت أَعماله ، وعظمت أَوزاره وأثقاله ...»(20). ودلالته واضحة. /خاتمة/ قضيَّتان لا بأس بالإِلتفات إِ ليهما ، وهي : / القضيَّة الأُولى: / / طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام علل غائيَّة/ هناك قاعدة تُذْكَر في المباحث المعرفيَّة ، وهي : «أَنَّ الموجود ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 44 : 100/ح20. أمالي الصدوق : 184. (2) بحار الأَنوار ، 24 : 111/ح46. عيون الأخبار : 181. (3) بحار الأَنوار ، 26 : 1 ـ 7/ح1. (4) مرجع ضمير (وهي) : (نقطة باء الإستعانة). مرجع ضمير (روحها) و (مركزها) : (باء الاستعانة). (5) مرجع الضمير : (باء الإِستعانة). (6) في المصدر : (وأَملاك السمآء وأَملاك الأَرض). (7) في نسخة : (حول). (8) في نسخة : (الأَعمال). وفي نسخة من المصدر : (الأَفعال). (9) في نسخة : (أَعمال). (10) في المصدر : (يا هؤلاء الأَملاك). (11) في المصدر : (فلا تقلها). ( 12) في نسخة: (الأَعمال). (13) في نسخة (الصاعدون). (14) في نسخة : (فتأتي). (15) في نسخة من المصدر : (على فاعلها). (16) في نسخة : (والقرقش). (17) في نسخة : (فلا يبقىٰ). (18) وفي نسخة : (إِلَّا حبط). (19) في المصدر : (فيقرَّه). (20) بحار الأَنوار ، 27 : 187 ـ 190/ح46. التفسير المنسوب إِلى الإِمام العسكري عليه السلام: 27 ـ 29
معارف ألهية(43)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ/الخاتمة/
الدرس : (43) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم أَجمعين .وصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى ) في تفسير بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ » الى الخاتمة ، فنقول : /خاتمة/ قضيَّتان لا بأس بالإِلتفات إِ ليهما ، وهما : / القضيَّة الأُولى: / /طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام علل غائيَّة/ هناك قاعدة تُذْكَر في المباحث المعرفيَّة ، وهي : «أَنَّ الموجود والمخلوق السَّافل لا يُخلق لأَجل الموجود والمخلوق السَّافل ، بل لأَجل الموجود والمخلوق العالي». وعليه : تكون جملة العوالم الإِلٰهيَّة غيرالمتناهيَّة ، وكافَّة المخلوقات الإِلٰهيَّةغير المتناهية ايضا مخلوقة لأَجل طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة. وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان حديث الكساء : «... وعِزَّتي وجلالي ، إِنِّي ما خَلَقتُ سمآءً مبنيَّةً ولا أَرضاً مدحِيَّةً ، ولَا قَمَراً مُنيراً ، ولا شمساً مُضيئةً ، ولا فَلَكاً يَدُور ، ولا بحراً يَجرِي ، ولا فُلْكاً تَسرِي إِلَّا لأَجْلِكُمْ ... [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا](1) ...»(2). 2ـ بيان الحديث القدسي مُنضمّاً إِليه بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... وأَنَّ أَبي آدم لَـمَّا رأَىٰ اسمي واسم عَلِيّ وابنتي فاطمة والحسن والحسين وأَسمآء أَولادهم مكتوبة على ساق العرش بالنُّور قال : إِلٰهي وسيِّدي ، هل خلقتُ خلقاً هو أَكرم عليكَ مِنِّي ؟ فقال : يا آدم ، لولا هذه الأَسمآء لَـمَا خلقتُ سمآءً مبنيَّة ، ولا أَرضاً مدحيَّة ، ولاملكاً مُقَرَّباً ، ولا نبيّاً مرسلاً ، ولا خلقتك يا آدم ، فلَمَّا عصىٰ آدم ربَّه وسأله بحقِّنا أَنْ يتقبَّل توبته ، ويغفر خطيئته فأجابه ، وكُنَّا الكلمات تلقَّاها آدم من ربِّه (عزَّوجلَّ) ، فتاب عليه، وغفر له ... فحمد آدم ربَّه (عزَّوجلَّ) وافتخر على الملائكة بنا...» (3). 3ـ بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «... وإِنَّ جميع الرسل والملائكة والأَرواح خلقوا لخلقنا ...»(4). 4ـ بيان الإِمام الباقرعليه السلام : «...إِنَّ لَنَا عند اللَّـه منزلة ومكاناً رفيعاً ، ولولا نحن لم يخلق اللَّـه أَرضاً ولا سمآءً ، ولا جنَّةً ولا ناراً ، ولا شمساً ولا قمراً ، ولا بَرّاً ولا بحراً ، ولا سهلاً ولا جبلاً ، ولا رطباً ولا يابساً ولا حلواً ولا مرّاً ، ولا ماءً ، ولا نباتاً ولا شجراً ، اخترعنا اللَّـه من نور ذاته، لا يُقاس بنا بشر...»(5). 5ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... لَـمَّا رأَوا أَسماءنا مكتوبة على سرادق العرش ... قال اللَّـه : ... لولا هؤلاء ... ما خلقتُ سمآءً مبنيَّة ، ولا أَرضاً مدحيَّة ، ولا مَلَكاً مُقرَّب ، ولا نبيّاً مرسل ، ولا خلقتكَ يا آدم ...»(6). 6ـ بيان الإِمام الرضا صلوات اللَّـه عليه : «... وإِنَّ آدم لَـمَّا أَكرمه اللَّـه (تعالىٰ ذكره) بإسجاد ملائكته له ، وبإِدخاله الجنَّة قال في نفسه : هل خلق اللَّـه بشراً أَفضل مِنِّي ؟ فعلم اللَّـه (عزَّوجلَّ) ما وقع في نفسه فناداه : ارفع رأسكَ يا آدم ، فانظر إِلى ساق عرشي ، فرفع آدم رأسه فنظر إلى ساق العرش، فوجد عليه مكتوباً : لَا إِلٰه إِلَّا اللَّـه ، مُـحمَّد رسول اللَّـه ، عَلِيّ بن أبي طالب أَمير المؤمنين ، وزوجته فاطمة سيِّدة نساء العالمين ، والحسن والحسين سيِّدا شباب أَهل الجنَّة. فقال آدم عليه السلام : يا ربّ ، مَنْ هؤلاء ؟! فقال (عزَّوجلَّ) : من ذرِّيَّتكَ ، وهم خير منكَ ، ومن جميع خلقي ، ولولا هُم ما خلقتكَ ، ولا خلقتُ الجنَّة والنَّار ، ولا السَّمآء والأَرض ، فإِيَّاكَ أَنْ تنظر إِليهم بعين الحسد؛ فأخرجكَ عن جواري...»(7). ودلالة الجميع قد اِتَّضحت. وهذا أَحد معاني خلوص وإِخلاص السَّافل للعالي ؛ لأَنَّ كمال السَّافل يكمن في توجُّهه إِلى العالي ، لا في تمحوره حول ذاته. ومنه تتَّضح : كثير من بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان الحديث القدسي مخاطباً (تقدَّس ذكره) سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «يا أَحمد، لولاك لَـمَا خلقتُ الأَفلاك ، ولولا عَلِيّ لَـمَا خلقتُكَ ، ولولا فاطمة لَـمَا خلقتكما»(8). فإِنَّه دالٌّ على أَنَّ جملة الأَفلاك لم تُخلق لولا حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ؛ فإِنَّها علَّة غائيَّة لها. وكذا طبقات حقيقته صلى الله عليه واله النَّازلة ؛ فإِنَّها لم تُخلق لولا طبقات حقيقة أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه الصَّاعدة ؛ فإِنَّ طبقات حقيقته عليه السلام الصَّاعدة علَّة غائية لطبقات حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله النازلة. وعلى هذا قس طبقات حقيقتيهما صلوات اللَّـه عليهما وعلى آلهما النازلة ؛ فإِنَّها لم تُخلق لولا طبقات حقيقة فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها الصَّاعدة؛ فإِنَّها علَّة غائيَّة لطبقات حقيقتيهما صلوات اللَّـه عليهما وعلى آلهما النازلة. / القضيَّة الثانية: / /خارطة جملة عوالم الخلقة برسم وتخطيط أَهل البيت عليهم السلام / إِنَّ المستفاد من بيانات الوحي : أَنَّ خارطة مسار جملة عالم الدُّنيا ... و تتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الأحزاب : 33. (2) عوالم العلوم ، 11 / قسم : 2 : 933 . (3) بحار الأَنوار ، 35 : 23/ح15، الروضة : 17 ـ 18. روضة الواعظين : 72 ـ 74. (4) بحار الأَنوار ، 39 : 350/ح24. تفسير فرات : 61 ـ 62. (5) بحار الأَنوار ، 26 : 8 ـ 17/ح2. (6) الهداية الكبرىٰ : 432. (7) بحار الأَنوار ، 26 : 273/ح15. عيون الأَخبار : 170. (8) عوالم العلوم : 26. ملتقىٰ البحرين: 14. مستدرك سفينة البحار، 3: 334. الجنَّة العاصمة : 148. مجمع النورين : 14
معارف ألهية(44)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ/الخاتمة »
الدرس : (44) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم أَجمعين .وصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى ) في تفسير بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه ـ الكاشف عن بعض طبقات حقيقته الصاعدة ـ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ » الى الخاتمة ، نذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ)قضيَّتين ، تقدم الكلام عن القضيَّة الأُولى في الدرس المتقدم ،ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى ) في هذا الدرس الى القضيَّة الثانية ، فنقول : / القضيَّة الثانية: / /خارطة جملة عوالم الخلقة برسم وتخطيط أَهل البيت عليهم السلام / إِنَّ المستفاد من بيانات الوحي : أَنَّ خارطة مسار جملة عالم الدُّنيا برسم وتخطيط أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ، بل وخرائط مسارات كافَّة العوالم وجميع مخلوقاتها ، كـ : عالم البرزخ ، وعالم الرجعة ، وعالم القيامة ، وعالم الآخرة الأَبديَّة ، وعوالم ما بعدها ، بل وعوالم ما قبل هذه النشأة الأَرضيَّة لم تكن إِلَّا بتخطيطهم صلوات اللَّـه عليهم. فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين عليه السلام ـ المُتقدِّم ـ : «... أَنا دحوتُ أَرضها، وأَنشأتُ جبالها ، وفجَّرتُ عيونها ، وشققتُ أَنهارها ، وغرستُ أَشجارها ، وأَطعمتُ ثمارها ، وأَنشأتُ سحابها ، وَأَسمعتُ رعدها ، ونوَّرتُ برقها ، وأَضحيتُ شمسها ، وأَطلعتُ قمرها ، وأَنزلتُ قطرها ، ونصبتُ نجومها ... وسكنتُ أَطوادها ، وأَنشأتُ جواري الفلك فيها ، وأَشرقتُ شمسها ... ادخلوا الباب سجّداً أغفر لكم خطاياكم وأزيد المحسنين ، بي وعلى يديّ تقوم السَّاعة...»(1). 2ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : ««... أَنَا مُنزل الملائكة منازلها ... أَنا المُنادي لهم : أَلستُ بربِّكم ؛ بأَمر قيُّوم لم يزل ... أَنا صاحب الهبات بعد الهبات ولو أَخبرتكم لكفرتم ... أَنا منشئ الأَنام ... أَنا صاحب النجوم ، أَنا مُدبِّرها بأَمر ربّي ... أَنا المُعطِي ، أَنا المُبذِل ، أَنا القابض يدي على القبض ... أَنا صاحب القطر والمطر ، أَنا صاحب الزلازل والخسوف ... أَنا صاحب الغيث بعد القنوط...»(2). 3ـ بيان خطبته عليه السلام أَيضاً : «أَنَا عندي مفاتيح الغيب ... أَنَا أَقمتُ السَّماوات بأَمر ربِّي ... أَنَا أَمر الحي الَّذي لا يموت ، أَنَا ولي الحقّ على سائر الخلق ... أَنَأ المفوَّض إِلَيَّ أَمر الخلائق ، أَنَا خليفة الإِلٰه الخالق ... أَنَا أَرسيتُ الجبال الشَّامخات ، وفَجَّرتُ العيون الجاريات ... أَنَا مُقدِّر الأَقوات ، أَنَا ناشر الأَموات ، أَنَا مُنزل القطر ، أَنَا مُنَوِّر الشَّمس والقمر والنجوم ، أَنَا قيِّم القيامة ... أَنَا مُحصي الخلائق وإِنْ كثروا ...»(3). 4ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، الوارد في حقِّ أَهل البيت عليهم السلام : «... هذا كُلّه لآل مُحَمَّد لا يُشاركهم فيه مُشارك ... خلقهم الله من نور عظمته ، وولَّاهم أَمر مملكته ...» (4). 5ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن سلمان (رضوان اللَّـه عليه) ، قال: «... وإنَّ اللَّـه عزَّوجلَّ جعل أَمر الدُّنيا إِلَيّ ...قال سلمان: ...ثُمَّ إِنَّ أَمير المؤمنين عليه السلام أَمر الريح فسارت بنا إلى جبل قاف فانتهيت(5) إليه ، وإذا هو من زمرِّدة خضراء وعليها(6) ملك على صورة النسر ، فلَمَّا نظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال الملك : السَّلَامُ عَلَيْكَ يا وصيّ رسول اللَّـه وخليفته ، أَتأذن لي في الكلام؟ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلام وقال له: إِنْ شئت تكلَّم ، وإِنْ شئت أَخبرتُكَ عمَّا تسألني عنه. فقال الملك: بل تقول أنت يا أمير المؤمنين. قال: تريد أَنْ آذن لك أن تزور الخضرعليه السلام ، قال: نعم، فقال عليه السلام : قد أذنت لك ... فقال سلمان: يا أَمير المؤمنين ، رأيتُ الملك ما زار الخضر إِلَّا حين أَخذ إذنك. فقال عليه السلام : والَّذي رفع السماء بغير عمد ، لو أَنَّ أَحدهم رام أَنْ يزول من مكانه بقدر نفسٍ واحدٍ لَـمَا زال حتَّىٰ آذن له ، وكذلك يصير حال ولدي الحسن ، وبعده الحسين وتسعة من ولد الحسين... والَّذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة إِنِّي لأَملك من ملكوت السَّماوات والأَرض ما لو علمتم ببعضه لما احتمله جنانكم...»(7). 6ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام : «إِنَّ اللَّـه لم يزل فرداً مُتَفَرِّداً في الوحدانيَّة ، ثُمَّ خلق محمَّداً وعليّاً وفاطمة عليهم السلام ... وفوَّض أَمر الأَشياء إِليهم في الحُكم والتصرُّف والإِرشاد ، والأَمر والنهي في الخلق ؛ لأَنَّهم الولاة فلهم الأَمر والولاية والهداية ، فهم أَبوابه ونوَّابه وحجَّابه ، يُحلِّلون ما شاء ، ويُحرِّمون ما شاء ، ولا يفعلون إِلَّا ما شآء ، عباد مُكرمون ، لا يسبقونه بالقول ، وهم بأمره يعملون...» (8). 7ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ـ المتقدِّم ـ ، عن المفضَّل بن عمر ، قال: «... فقلتُ له: يابن رسول اللَّـه ، فعَلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام يُدخل مُحبّه الجنَّة ومبغضه النَّار أَو رضوان ومالك ؟ فقال: يا مفضَّل ... فَعَلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام إِذاً قسيم الجنَّة والنَّار عن رسول اللَّـه صلى الله عليه واله ، ورضوان ومالك صادران عن أَمره بأمر اللَّـه (تبارك وتعالىٰ)، يا مفضَّل ، خُذ هذا ؛ فإِنَّه من مخزون العلم ومكنونه ، لا تخرجه إِلَّا إِلى أَهله»(9). 8ـ إِطلاق بيانه عليه السلام ، عن إِسماعيل بن عبد العزيز ، قال: قال لي جعفر ابن مُحمَّد عليهما السلام : «إِنَّ رسول الله صلى الله عليه واله كان يُفَوَّض إِليه ... وإنَّ الله فوَّض إِلى مُحَمَّد صلى الله عليه واله نَبيَّه ، فقال : [مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا](10)». فقال رَجلٌ: إِنَّما كان رسول الله صلى الله عليه واله مفوَّضاً إِليه في الزَّرع والضَّرع ، فلوَّىٰ جعفر عليه السلام عن عنقه مُغضباً ، فقال: «في كلِّ شيء ، والله في كُلِّ شيء»(11). 9ـ بيان زيارتهم صلوات اللَّـه عليهم الجامعة: «...السَّلام عليكم يا أَهل بيت النُّبوَّة ، وموضع الرسالة ... وقادة الأُمم ... وساسة العباد ... إِصطفاكم بعلمه ... وفوَّض إِليكم الأُمور ، وجعل لكم التَّدبير ، وعرَّفكم الأَسباب ... وأَعطاكم المقاليد ، وسخَّر لكم ما خلق ... إِياب الخلق إِليكم ، وحسابهم عليكم ، وفصل الخطاب عندكم ... وأَمره إِليكم ... لم تزالوا بعين اللَّـه وعنده ، وفي ملكوته تأمرون ، وله تخلفون ، وإِيَّاه تُسبِّحون ، وبعرشه محدقون ، وبه حافُّون حتَّىٰ مرَّ بكُم علينا ، فجعلكم في بيوتٍ أَذن اللَّـه أَنْ تُرفع ويُذكر فيها اسمه ...»(12). 10ـ بيان زيارة أَمير المؤمنين عليه السلام : «... السَّلامُ عليكَ يا أَمير المؤمنين عَلِيّ بن أَبي طالب ... السَّلام عليكَ يا ... صاحب الدُّنيا ... السَّلام عَلَيكَ يا حافظ سرّ الله ، وممضي حكم الله ، ومجلي إرادة الله ، وموضع مَشيَّة الله ... وولي الملك الدَّيَّان ... السَّلام عليكَ يا عماد الجبَّار ... السَّلام عليكَ يا مشهوراً في السَّماوات العليا ، ومعروفاً في الأَرضين السَّابعة السُّفلىٰ ... السَّلَامُ عليكَ أَيُّها النَّازل من علِّيِّين ، والعَالِم بما في أَسفل السَّافلين ... اجتباكَ الله لقدرته ، فجعلكَ عصا عزِّه ، وتابوت حكمته ...»(13). ودلالة الجميع واضحة ، ولا غبار عليها. ومن ثَمَّ لا تكون بياناتهم المعرفيَّة وسِيَرهُم وأَفعالهم عليهم السلام استراتيجيَّة حضارة فحسب ، بل واستراتيجيَّة عوالم ومخلوقات لا يعيها(14) سائر البشر ، بل ولا سائر الأَنبياء والملائكة المُقرَّبين عليهم السلام . ومن ثَمَّ فلسفة بياناتهم صلوات اللَّـه عليهم وسِيَرهم وأَفعالهم ليست محدودة بأَمد زمانيّ دنيويّ ، بل ولا بعالم الدُّنيا برمَّته ؛ فإِنَّ ساحة القدس الإِلٰهيَّة وَظَّفَتهم لرسم خارطة مسار جملة العوالم وكافة المخلوقات. ومنه يتَّضح : مدىٰ وضوح جملة الخريطة التَّكوينيَّة واستراتيجيَّة العوالم ومخلوقاتها لدىٰ أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم . وبهذا الدرس نختم ( بحمد الله تعالى ) هذه المباحث ، وسنتعرض ( بحول الله وقوته ) في الدرس اللاحق الى مطلب جديد ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار، 39: 348. (2) مشارق أَنوار اليقين في أَسرار أَمير المؤمنين عليه السلام، الخطبة الإِفتخاريَّة: 165 ـ 166. (3) مشارق أَنوار اليقين في أَسرار أَمير المؤمنين عليه السلام : 269 ـ 270. (4) بحار الأَنوار ، 25 : 169 ـ 174/ح38. (5) في المصدر : (فانتهينا). (6) في نسخة : (من زمرِّدة خضرة وعليه). (7) بحار الأَنوار، 27: 33 ـ 40/ح5. المحتضر: 71 ـ 76. (8) بحار الأَنوار ، 25: 339/ح21. (9) المصدر نفسه ، 39 : 194ـ 196/ح5. علل الشرائع : 65. (10) الحشر : 7 . (11) بحار الأَنوار ، 17 : 9/ح16. بصائر الدرجات : 111 ـ 112. (12) بحار الأَنوار، 99/ الزيارة الثالثة: 146 ـ 159. (13) بحار الأَنوار ، 97 : 347 ـ 352. المزار الكبير : 97 ـ 101. (14) مرجع الضمير : (بيانات أَهل البيت ^ المعرفيَّة وسِيَرهُم وأَفعالهم)
معارف الهية ( 45 ) تعريف حقيقة الامام عليه السلام والامامة الالهية
الدرس ( 45 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، بحث في حقيقة الامام عليه السلام والامامة الالهية ، فنقول : تعريف ماهيَّة وحقيقة الإِمام والإِمامة الإِلهيَّة إِنَّ تعريف ومعرفة حقيقة إِمامة أَهل البيت (صلوات اللَّـه عليهم) ؛ ومعرفة ماهيَّتها النَّوعيَّة ـ وهي ماهيَّة عظيمة ومهولة وخطيرة جِدّاً ـ تختلف رتبةً ونوعاً عن ماهيَّة وحقيقة الإِمامة الإِلٰهيَّة الثَّابتة لسائر الأَنبياء والرُّسل والأَوصياء ^ كالنَّبيّ إِبراهيم ×. وعليه: فينبغي لِـمَنْ يروم تعريف ماهيَّة وحقيقة إِمامة أَهل البيت (صلوات اللَّـه عليهم) أَنْ لا يُعرِّفها بالتَّعريف العام للإِمامة الإِلٰهيَّة الـمُتمتِّع بها سائر أَنبياء أُولي العزم ^ ؛ فإِنَّها بالقياس لإِمامة أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم جنس عالي، وإِمامة أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم إِمامة إِلٰهيَّة أُخرىٰ تختلف عن إِمامة سائر الأَنبياء والرُّسل والأَوصياء ، إِختلافاً نوعيّاً وماهويّاً وجوهريّاً من دون قياس ؛ لسعة إِمكانيَّات أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ، وسعة دولتهم الإِلٰهيَّة غير المتناهيَّة ، الشَّاملة لجملة عوالم الخلقة والوجود ؛ وكافَّة مخلوقاتها غير المتناهيَّة ، من بداية الخلقة والوجود إلى ما لا نهاية له. تعاريف المدارس البشريَّة للإِمامة الإِلهيَّة لكن: مَنْ يُراجع كُتُب أَصحاب علم الكلام وعلم الفلسفة والعرفان... وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار.
معارف الهية ( 46 ) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس ( 46 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ووصل الكلام ( بحمد الله تعالى ) الى المطلب التالي : تعاريف المدارس البشريَّة للإِمامة الإِلهيَّة لكن: مَنْ يُراجع كُتُب أَصحاب علم الكلام وعلم الفلسفة والعرفان ، وكُتُب وسائر أَصحاب المدارس المعرفيَّة البشريَّة ، قديماً وحديثاً ، عند الخاصَّة والعامَّة فسيجد أَنَّهم عرَّفوها بتعاريف ، منها : 1ـ الإِمامة : رئاسة عامَّة دينيَّة ، مشتملة على ترغيب عموم النَّاس في حفظ مصالحهم الدِّينيَّة والدنيويَّة ، وزجرهم عمَّا يضرَّهم بحسبها(1). 2ـ الإِمامة : خلافة الرسول في إقامة الدِّين ؛ بحيث يجب اتباعه على كافَّة الأُمَّة(2). 3ـ الإِمامة : رئاسة عامَّة في أُمور الدِّين والدُّنيا(3). 4ـ الإِمامة : خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدِّين وسياسة الدُّنيا(4). جملة مُؤاخذات على تعاريف المدارس البشريَّة للإِمامة الإِلهيَّة وغير خفيٍّ على الناقد البصير عندما يعمل نظره في ملحمة التَّحليل ، وسندان التَّعَمُّق ، ويغوص في بحر التَّفكير يجد أَنَّها تعاريف ناقصة ، وقاصرة وهابطة ، ومُنْحَطَّة جِدّاً ، مُميتة للحقائق ، ومُحجِّرة للعقول ، وقاتلة لروح التَّفكير الحر ، والبحث العلمي(5)، والتَّصَدِّي للمسؤوليَّة(6) الدِّينيَّة والشَّرعيَّة ، ومولِّدة لهبوطٍ عقائديٍّ ومعرفيٍّ لدىٰ جملة البشريَّة ، بل مُطلق المخلوقات خطير وشنيع وفظيع جِدّاً ، وذلك من وجوه ، منها (7) (8): المُؤاخذة الأُولى : حصر دور الإِمامة الإِلهيَّة على البعد السياسي إِنَّها قصرت دور إِمامة أَهل البيت ^ الإِلٰهيَّة وولايتها ومهامِّها ... وتتمة البحث تاتي ( ان شاء اله تعالى ) ،وصلى الله على محمد واله الاطهار ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) قواعد العقائد ، الخواجة نصير الطوسي: 108. (2) المواقف : 211. (3) المصدر نفسه. (4) المُقدِّمة، ابن خلدون: 191. (5) هذا عطف على كلمة : (التَّفكير) ، فتكون العبارة هكذا : (وقاتلة لروح البحث العلمي). (6) هذا عطف على كلمة : (الحقائق) ، فتكون العبارة كالتَّالي : (ومميتة للتصدِّي للمسؤوليَّة الدِّينيَّة والشَّرعيَّة). (7) هذا القصور في تعاريف القوم والهبوط المعرفي والمؤاخذات والإشكالات والتساؤلات الواردة على إِثره على حقيقة الإِمام والإِمامة الإِلٰهيَّة إِلى يومنا هذا تأتي كذلك في تعاريفهم لنبوَّة سيِّد الأَنبياء ’ ورسالته ، بل وللنُّبُوَّة بشكل عام ، وللرسالات السَّماويَّة. (8) هذه التَّعاريف الهابطة ، بل الخاطئة في بيان حقيقة إِمامة أَهل البيت (صلوات اللَّـه عليهم) الإِلٰهيَّة نشأت نتيجة الجدل الكلامي الدَّائر بين المدارس الكلاميَّة ؛ فانشغل علماء الخاصَّة عن استخراج درر معارف بيانات الوحي ؛ فهبط مستوىٰ بحث علم الكلام والمعارف هبوطاً خطيراً. وبعبارة أُخرىٰ : أَنَّ للجدل والخصومة في الدِّين آفات ؛ لأَنَّها تنزل بصاحبها عن سعة الحقيقة غير المتناهيَّة ؛ وعن أُفق الحقيقة الواسع وغيرالمتناهي للدِّين إِلى أُفق ضيِّق ؛ وهو ما يمليه عليه الطرف الآخر ، ومِنْ ثَمَّ أَحد آفات المداراة بقول مطلق وفي كُلِّ شيءٍ ـ فإِنَّها وإِنْ كانت زينة ، لكنَّها ـ : تُلوِّن المُداري وتُلوِّثه باعتقادات ومباني وما يُدين به الطرف من حيث لا يشعر. وعلى هذا قس : حال التَّقيَّة حرفاً بحرف ؛ فإِنَّها كثيراً ما تُعمي وتطمس الحقيقة.
معارف الهية ( 47 ) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس ( 47 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر التعرض لجملة من تعاريف المدارس البشرية للامامة الالهية، وتقدم : انه يرد عليها عدة مؤاخذات ، منها : المُؤاخذة الأُولى : حصر دور الإِمامة الإِلهيَّة على البعد السياسي إِنَّها قصرت دور إِمامة أَهل البيت ^ الإِلٰهيَّة وولايتها ومهامِّها ومسؤوليَّاتها وشؤونها وإدارتها وتدبيرها ويد تصرُّفها ، ودور الإِمام من أَهل البيت ^ وولايته ومهامِّه ومسؤوليَّاته وإِدارته وتدبيره ويد تصرُّفه على البُعد السياسي(1) فقط ، والحال أَنَّ بيانات الوحي المتواترة ـ منها : ما سيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) ـ تثبتها لِـمُطلق شؤون المخلوقات وأَحوالها. المُؤاخذة الثَّانية : إِنقطاع إِمامة الإِمام × بعد انتقاله إِلى عَالَم البرزخ إِنَّها قصرت دور إِمامة أَهل البيت ^ الإِلٰهيَّة وولايتها ومهامِّها ومسؤوليَّاتها وشؤونها وإِدارتها وتدبيرها ويد تصرُّفها ؛ ودور الإِمام من أَهل البيت ^ وولايته ومهامِّه ومسؤوليَّاته وشؤونه وإِدارته وتدبيره ويد تصرُّفه على هذه النشأة الأَرضيَّة ، فبمجرَّد إِنتقاله صلوات اللَّـه عليه إلى الرفيق الأَعلىٰ وعَالَم البرزخ الصَّاعد تنقطع إِمامته الإِلٰهيَّة وولايته ، وتُسلب مهامِّه وأَدواره ومسؤوليَّاته وشؤونه وإِدارته وتدبيره لهذه النشأة الأَرضيَّة وعَالَم الدُّنيا الأُولىٰ ، وتُغلَّ يد تصرُّفه (والعياذ باللَّـه تعالىٰ). لكن : الثَّابت في بيانات الوحي المتواترة ـ منها : ما سيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) ـ إِمتداد إِمامة أَهل البيت ^ الإِلٰهيَّة وهم صلوات اللَّـه عليهم في عَالَم البرزخ الصَّاعد إِلى نشأتنا الأَرضيَّة هذه ، فيتصرَّفون ^ في هذا العَالَم ـ عَالَم الدُّنيا الأُولىٰ ـ وهم في عَالَم البرزخ ، ومن ثَمَّ يتوَهَّم مَنْ يظنُّ أَنَّ سلسلة مراتب الولاية تتبدَّل من أَصلٍ إِلى أَصلٍ. المُؤاخذة الثَّالثة : عدم شمول إِمامة أَهل البيت ^ الإِلهيَّة لسائر العوالم إِنَّها حصرت دور إِمامة أَهل البيت ^ الإِلٰهيَّة وولايتها ومهامِّها ...وتتمةالبحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أَحد تعاريف السياسة : فن إِكتشاف الواقع الموصل للغاية.
معارف الهية ( 48 ) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس ( 48 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر التعرض لجملة من تعاريف المدارس البشرية للامامة الالهية، وتقدم : انها تعاريف منحطة وقاصرة وهابطة جدا ، و يرد عليها عدة اشكالات ومؤاخذات ، تم التعرض في الدرس السابق الى الاشكال والمؤاخذة الاولى والثانية ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) الى : المُؤاخذة الثَّالثة : عدم شمول إِمامة أَهل البيت ^ الإِلهيَّة لسائر العوالم إِنَّها حصرت دور إِمامة أَهل البيت ^ الإِلٰهيَّة وولايتها ومهامِّها ومسؤوليَّاتها وشؤونها وإِدارتها وتدبيرها ويد تصرُّفها ، ودور الإِمام من أَهل البيت ^ وولايته ومهامِّه ومسؤوليَّاته وشؤونه وإِدارته وتدبيره ويد تصرُّفه بنشأتنا الأَرضيَّة هذه ـ أَي : عَالَم الدُّنيا الأُولىٰ ـ . لكن : الثَّابت في بيانات الوحي المتواترة ـ منها : ما سيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) ـ إِمتداد إِمامة أَهل البيت ^ الإِلٰهيَّة وهم في هذه النشأة الأَرضيَّة ، بل وفي جملة العوالم ـ سوآء أَكان في هذا العَالَم أَو في العوالم السَّابقة أَو اللاحقة ـ ويتصرَّفون وهم ^ في عالمهم في سائر عوالم الخلقة والوجود والإِمكان غير المتناهية ، ويتصرَّفون صلوات اللَّـه عليهم في كافَّة المخلوقات غير المتناهية أَيضاً ، ويديرون ويُدبِّرون أُمورها وشؤونها وأَحوالها ، وما يَرد إِليها وما يَصدر منها ، ولا تخرج عن شؤونهم ^ ومسؤوليَّاتهم وتصرُّفاتهم مثقال حبَّةٍ من خردلٍ من عوالم الخلقة والوجود والإِمكان ومخلوقاتها غيرالمتناهية ، ولا أَصغر من ذلك ولا أَكبر ، ولا تحجبهم صلوات اللَّـه عليهم القيود والظروف والأَحوال ، ففي نشأتنا الأَرضيَّة هذه وهم صلوات اللَّـه عليهم يعيشون بيننا ، ويأكلون ويشربون ويمشون في الأَسواق ، ويُمارسون حياتهم الطبيعيَّة : مسؤولون ^ عن مُطلق العوالم غير المتناهية ؛ وعن كافَّة المخلوقات غير المتناهية أَيضاً ، ويديرونها إِدارة اللطيف للأَغلظ ، ويتصرَّفون فيها تصرُّف اللطيف في الأَغلظ كيف يشاء ، ولهم ^ اليد العليا في الرَّفع والوضع والتَّغيير ، والتصرُّف بما يشآؤون ، ولا يعزب عن إِرادتهم ^ ومسؤولياتهم وتصرُّفاتهم في طُرِّ العوالم وجملة المخلوقات مثقال ذرَّة في السماوات والأَرضين ولا أَصغر من ذلك ولا أَكبر ، بل هم صلوات اللَّـه عليهم داخلين في جميع شراشر وجزئيَّات تلك العوالم وسائر المخلوقات دخول اللطيف في الاغلظ لا بالممازجة والمزاولة ، وخارجين عنها لا بالمفارقة والمزايلة ، وأَقرب إِليها من حبل وريدها ؛ كُلُّ ذلك بإِذنٍ وقوَّةٍ ومددٍ وعطاءٍ وفضلٍ ومِنَّةٍ من اللَّـه ـ المسمَّىٰ ـ جلَّ شأنه. إِذَنْ: الإِمام من أَهل البيت ^ وإِنْ كان يعيش بيننا ، لكنَّه مسؤول مسؤوليَّة إِلٰهيَّة عن جملة عوالم الخلقة والوجود والإِمكان ومخلوقاتهاغير المتناهية ـ كحاله × في سائر العوالم السَّابقة واللاحقة ـ ويدير ويُدبِّر أُمورها وشؤونها ، يتصرَّف فيها خلافةً للَّـه ـ المُسَمَّىٰ ـ تقدَّس ذكره صاحب الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، بمددٍ وتأييدٍ ، وقوَّةٍ وعطاءٍ منه تعالىٰ ذكره. المُؤاخذة الرَّابعة : الإِمام × مُجَرَّد ناقل وحي إِنَّهم جعلوا الإِمام من أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم مُجرَّد ناقل ... وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار .
معارف الهية ( 49 ) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام
الدرس ( 49 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر التعرض لجملة من تعاريف المدارس البشرية للامامة الالهية، وتقدم : انها تعاريف منحطة وقاصرة وهابطة جدا ، و يرد عليها عدة اشكالات ومؤاخذات ، تم التعرض الى الاشكال والمؤاخذة الاولى والثانية والثالثة ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) الى : المُؤاخذة الرَّابعة : الإِمام × مُجَرَّد ناقل وحي إِنَّهم جعلوا الإِمام من أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم مُجرَّد ناقل وحي وشريط تسجيل ليس إِلَّا. لكن : الثَّابت في بيانات الوحي المتواترة ـ منها : ما سيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) ـ : أَنَّ ذواتهم ^ المُقدَّسة بحور وحي زخَّارة لا نهاية له أَبداً ، وترجمان مُعَبِّر لمعاني بحور الوحي وحقائقه الزخَّارة غير المتناهية. أَحد الفوارق بين أَهل البيت ^ وسائر كُمَّل المخلوقات ذوات أَهل البيت ^ ترسانة وحي إِلهيّ لا ينقطع أَبداً ولك أَنْ تقول : إِنَّ ترجمة الوحي والعبور من حقيقة من حقائقه إِلى حقيقة أُخرىٰ تتطلَّب من ممارسها أَنْ تكون ذاته ترسانة وحي وعلم لدنِّيّ ؛ ومعرفة إِلٰهيَّة لا نهاية لها ، تساوي ، بل تساوق الـمُترجَم ، وهذا لا يتمكَّن منه مخلوق قَطُّ ـ لا نبيّ مرسل ولا ملك مقرَّب ـ إِلَّا أَهل البيت ^. وهذا أَحد الفوارق بين أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم وسائر كُمَّل المخلوقات ، منهم : سائر أَنبياء أُولي العزم والملائكة المُقرَّبين ^ ؛ فإِنَّه مهما علا شأو وشأن سائر كُمَّل المخلوقات وارتفعت وارتقت مراتبهم ومقاماتهم وفضائلهم وكمالاتهم إِذا قيست إِلى مراتب أَهل البيت ^ ومقاماتهم وفضائلهم وكمالاتهم لابُدَّ أَنْ تكون محدودة ، بخلاف مراتب اهل البيت صلوات الله عليهم ومقاماتهم وفضائلهم وكمالاتهم ؛ فإِنَّها ليست محدودة ، ولا توجد نسبة رياضيَّة بين المحدود وغير المحدود ، فمهما بلغ المحدود فإِنَّه إِذا قيس إِلى غير المحدود يبقىٰ لا شيء وصفراً على جهة الشمال. وسيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) مزيد بيان ، وإِقامة الأَدلَّة على جميع ما تقدَّم بيانه ، فانتظر هنيئة. وبالجملة : هناك خطأٌ فاحشٌ أَرتكبته أَقلام كُتُب مُتكلِّمي ...وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى) ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين .
معارف الهية ( 50 ) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس ( 50 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر التعرض لجملة من تعاريف المدارس البشرية للامامة الالهية، وتقدم : انها تعاريف منحطة وقاصرة وهابطة جدا ، و يرد عليها عدة اشكالات ومؤاخذات ، تم التعرض الى الاشكال والمؤاخذة الاولى والثانية والثالثة والرابعة ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) الى : وبالجملة : هناك خطأٌ فاحشٌ أَرتكبته أَقلام كُتُب مُتكلِّمي المدارس الإِسلاميَّة الأُخرىٰ ، انسحب على بحوث كثير من مُتكلِّمي الإِماميَّة ؛ فإِنَّهم زعموا : إِختصاص بحث الإِمامة الإِلٰهيَّة بالقيادة الإِعتباريَّة ؛ ومن باب علم: السياسة والقانون وما شاكلهما( )، وهي كما ترىٰ لهجة خدعة ، ظاهرة التَّكليف ، بيِّنة التوليد ، تخطب على نفسها أَنَّها فخفخة قول مِـمَّنْ داخله الشَّكّ ، واستولىٰ عليه الرَّيب ، وأَباطيل خُيِّلت لهم ، وخُلطت عليهم ، ومفتريات اختلقوها من تلقاء أَنفسهم ، وظنون فاسدة ، وتوهُّمات كاذبة أَملتها عليهم أَنفسهم الأَمَّارة بالسوء ، فعميت بصائرهم ، وتاهت أَفكارهم، وسفهت أَحلامهم ، بل كالشَّمس بلا حجاب وستار أَنَّها على غير أَصلٍ فنيٍّ وقاعدةٍ صناعيَّةٍ ، فيكون منهج خُدعة ، مخالفٌ لِـمَا قامت عليه بيانات الوحي الظافرة الباهرة. ومعناه : إِنكار سعة أَدوار إِمامة أَهل البيت ^ الإِلٰهيَّة ، وتأثيراتها الخطيرة والمهولة جِدّاً ، وسعة أَدوار أَئمَّة أَهل البيت (صلوات اللَّـه عليهم) وتاثيراتهم؛ الَّتي لا تصل إِليها عقول الخلائق ، كغرائب شؤونهم وأَفعالهم وأَحوالهم الَّتي لو جُمعت في كفَّة ، وجُمعت شؤون وأَفعال وأَحوال جملة الخلائق في كفَّةٍ أُخرىٰ لرجحت عليها كما يرجح العرش على الذَّرة ، بل لو قيس كُلّ ما جاءت به جملة سائر المخلوقات ؛ وجملة شؤونها وأَفعالها وأَحوالها من بداية الوجود والخلقة إِلى ما لا نهاية له إِلى شؤون اهل البيت صلوات الله عليهم وأَفعالهم وأَحوالهم لكان لا شيء وصفراً على جهة الشمال ؛ لأَنَّ ما يصدر من جملة سائر المخلوقات لابُدَّ أَنْ يكون متناهياً ، وما يصدر من أَهل البيت (صلوات اللَّـه عليهم) غير متناهي أَبد الآباد ودهر الدهور ـ كما ثبت في محلِّه ـ ولا توجد نِسبَة رياضيَّة بين المتناهي وغير المتناهي ، فدائماً يكون فعل المتناهي صفراً بالقياس إِلى غير المتناهي ، وإِلَّا ـ أَي : لو أُعطي المتناهي قيمة ولو كانت ضئيلة جِدّاً كالواحد بالمليار ـ لانقلبت ماهيَّة غيرالمتناهي وصارت متناهية ، وبطلان إِنقلاب الماهيَّة من أَوضح الواضحات ، بل هو خُلف الفرض. ومن ثَمَّ نشأ من تلك التعاريف خرق اتَّسع على الراقع ؛ فبان الصبح لذي عينين ، ونشأت منها تشكيكات وشُبهات ، وإِشكالات وتساؤلات لا زالت قائمة إِلى يومنا هذا. حقيقة إِمامة أَهل البيت ^ على طبقات غير متناهية القرآن الكريم بجملته يحوم حول إِمامة أَهل البيت ^ والحال أَنَّ مَنْ يُراجع بحور معارف الوحي الموَّاجة ، وراجع أَوَّلها ... وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ( ) ينبغي الالتفات : أَنَّه يجب أَنْ لا تُقرأ الظواهر السياسيَّة في حياة المعصوم × وسيرته التأريخيَّة بقراءة تاريخيَّة وسيرويَّة وسياسيَّة وقانونيَّة بحتة ، بل لابُدَّ من قراءتها بقراءة عقائديَّة ومعرفيَّة ، ومن البُعد العقائدي والمعرفي الإِلٰهي أَيضاً ؛ وذلك لوجود جانب غيبيّ ؛ وجهة تكوينيَّة إِلٰهيَّة غير متناهية فيه ×.
معارف الهية ( 51 )تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس ( 51 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر التعرض لجملة من تعاريف المدارس البشرية للامامة الالهية، وتقدم : انها تعاريف منحطة وقاصرة وهابطة جدا ، و يرد عليها عدة اشكالات ومؤاخذات ، تم التعرض الى الاشكال والمؤاخذة الاولى والثانية والثالثة والرابعة ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) الى : حقيقة إِمامة أَهل البيت ^ على طبقات غير متناهية القرآن الكريم بجملته يحوم حول إِمامة أَهل البيت ^ والحال أَنَّ مَنْ يُراجع بحور معارف الوحي الموَّاجة ، وراجع أَوَّلها وآخرها ، وتدبَّر في أَلفاظها ومعانيها وحقائقها ، والَّتي لا يُدرَك طرفها ، ولا يبلغ قعر بحورها الخضم الزاخرة ، والَّتي من تقدَّمها غرق في بحر الإِفراط ، ومن تأَخَّر عنها زهق في برِّ التفريط ، الَّتي لا تُخرِج إِلى عوجٍ ، ولا تُزيل عن منهج حقٍّ ، طريق الحقّ الأَبلج ، وصراط اللَّـه المُستقيم ، وأَراد التقاط درر الحقيقة ، ومشىٰ كما تشاء الصناعة العلميَّة والقواعد الأُصوليَّة ، وانبثق له نور الحقيقة ، وتجلَّىٰ عنه ظلام الجهل ، وانكشفت لديه الحكمة فسيصل إِلى منزلةِ جَبَلاً فنْداً ، وَحَجَراً صلداً ،لا يرتقيها الحافر ، ولا يوفي عليها الطائر ، وسيجد أَنَّ لحقيقة الإِمامة الإِلٰهيَّة الـمُتَمتِّع بها أَهل البيت (صلوات اللَّـه عليهم) مراتب ودرجات وطبقات غير متناهية أَبد الآباد ودهر الدُّهور ، غاية في الخطورة ، عجيبة وغريبة ، ومهولة جِدّاً ، بل القرآن الكريم بجملته يحوم حومها ، ويطوف طورها ، ويدور بأَكمله حول حقيقتها وماهيَّتها وشؤونها ؛ وحقيقة وماهيَّة وشؤون نبوَّة سيِّد الأَنبياء ’ ؛ وحقائق وماهيَّات أَهل البيت (صلوات اللَّـه عليهم) وشؤونها ، فهو كتابٌ سماويٌّ إِلٰهيٌّ لبيان : الهويَّة النَّبويَّة لسيِّد الأَنبياء ’ ، والهويَّة الولويَّة لأَهل البيت ^. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق × : «إِنَّ اللَّـهَ جعل ولايتنا أَهل البيت قطب القرآن ، وقطب جميع الكُتُب ، عليها يستدير مُحكم القرآن ، وبها نَوَّهت الكُتُب ، ويستبين الإِيمان ، وقد أَمر رسول اللَّـه ’ أَنْ يُقتدىٰ بالقرآن وآل مُـحَمَّد ، وذلك حيث قال في آخر خطبة خطبها : إِنِّي تارك فيكم الثقلين : الثقل الأَكبر ، والثقل الأَصغر ، فأَمَّا الأَكبر فكتاب ربِّي ، وأَمَّا الأَصغر فعترتي أَهل بيتي فاحفظوني فيهما ، فلن تضلُّوا ما تمسَّكتم بهما»(1). ودلالته واضحة. ومن ثَمَّ مَا ورد في بيان قوله تقدَّس اسمه : [لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ](2)برهانٌ وحيانيٌّ دالٌّ على قاعدة معرفيَّة ... وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 89 : 27/ح29. تفسير العيَّاشي ، 1: 5. (2) يوسف : 111.
معارف الهية ( 52 )تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس ( 52 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ولازال الكلام في البحث السابق الواقع تحت عنوان ( القران الكريم بجملته يحوم حول امامة اهل البيت عليه السلام ) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) الى المطلب التالي : ومن ثَمَّ مَا ورد في بيان قوله تقدَّس اسمه : [لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ](1)برهانٌ وحيانيٌّ دالٌّ على قاعدة معرفيَّة قرآنيَّة أَصيلة ، حاصلها : (أَنَّ الغاية والغرض الأَصلي في كلِّ ما ورد من قصص كُمَّل المخلوقات في القرآن الكريم : إِشارة إِلى سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم). وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي الاخرى ، منها : بيان الإِمام الباقر × : «... بل فينا ضَرَبَ اللّٰـهُ الأَمثال في القرآن ، فنحن القرىٰ الَّتي باركَ اللّٰـه فيها ...» (2). فمقصود القرآن الأَصلي والجدِّي والغائي من ذكر أَحوال وشؤون وقصص النَّبيّ : (آدم ، ونوح ، وإِبراهيم ، وموسىٰ ، وعيسىٰ) وسائر الأَنبياء والرُّسُل ، والأَوصياء والأَصفياء ^ ، وكُمَّل النساء كـ : (حوآء ، ومريم ، وآسِيَة) ليس نفس هذه الذوات المُقدَّسة ، بل مخلوقات أُخرىٰ أَقدس ؛ أَوَّلها إِنشاءً وخلقةً ، وأَعظمها شأناً ورفعةً ، وأَرفعها مقاماً ، وأَخطرها هولاً ومسؤوليَّةً وإِدارةً ودوراً في عوالم الوجود والإِمكان والخلقة غير المتناهية ، وأَعلاها شأواً وقدسيَّةً إِلٰهيَّة ؛ وهم : سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت الأَطهار صلوات اللَّـه عليهم. فما ورد في بيان وصيَّة سيِّد الأَنبياء ’ : مقام (مريم الكبرىٰ) ، كنعتٍ ومقامٍ من نعوت ومقامات فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها حينما أَخذ بيدها حال إِحتضاره ووضعها بيد أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليهم ، وقال : «يا عَلِيّ ، هٰذه واللَّـه سيِّدة نساء أَهل الجنَّة من الأَوَّلين والآخرين ، هٰذه واللَّـه مريم الكبرىٰ...»(3) برهانٌ وحيانيٌّ دالٌّ على أَنَّ (مريم) الَّتي ذُكرت في بيانات القرآن الكريم ليست هي المراد والمقصود الأَصلي والجدِّي والغائي ، وإِنَّما هي قنطرة وتذكرة ؛ ومَثَل مُقدَّس ومطهَّر للمقصود النهائي : (فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها). وكذا حال آسِيَة بنت مُزاحِم ؛ فإِنَّها وإِنْ كان مِـمَّن كملن واصطفين ، لكنَّها ذُكرت في بيانات القرآن الكريم كمَثَل ضَرَبَه اللَّـه (عزَّ وجلَّ) لِـمَنْ قتلها فرعون عصرها (عثمان) : السيِّدة رقيَّة بنت سيِّد الأَنبياء صلَّىٰ اللَّـه عليهما وعلى آلهما ؛ فإِنَّها الأَعظم شأناً ، والأَرفع مقاماً. وعلى هذا قس : أَحوال وشؤون ومقامات سائركُمَّل المخلوقات الواردة في بيانات القرآن الكريم ؛ فإِنَّ الغاية النهائيَّة منها الإِشارة إِلى أَحوال أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم وشؤونهم ومقاماتهم. بعد الإِلتفات : إِلى أَنَّ المراد الجدِّي في الكلام : أَعظم دلالة دائماً من المراد الإِستعمالي. وهذا يدلُّ على مدىٰ عظمة وخطر وهول حقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ، وعلوّ شؤونهم ومقاماتهم. ومن ثَمَّ ورد في بيان ... وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) يوسف : 111. (2) بحار الأَنوار ، 24 : 232 ـ 233/ح1. احتجاج الطبرسي : 178. (3) بحار الأَنوار ، 22: 484/ح31. الطرف : 29 ـ 34.
معارف الهية ( 53 )تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس ( 53 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ولازال الكلام في البحث السابق الواقع تحت عنوان ( القران الكريم بجملته يحوم حول امامة اهل البيت عليهم السلام ) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) الى المطلب التالي : وهذا يدلُّ على مدىٰ عظمة وخطر وهول حقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ، وعلوّ شؤونهم ومقاماتهم. ومن ثَمَّ ورد في بيان الإِمام الرضا صلوات اللَّـه عليه بحضور الخؤون ـ المأمون ـ العبَّاسي : إِنَّ اللَّـه عزَّوجلَّ لم يُسلِّم في القرآن الكريم على آل نبيٍّ قَطُّ إِلَّا على آل محمَّد ’. فانظر : بيانه صلوات اللَّـه عليه : «... فإنَّ اللَّـه عزَّوجلَّ أَعطىٰ مُحمَّداً وآل مُحمَّد من ذلك فضلاً لا يبلغ أَحد كُنْه وصفه إِلَّا من عقله ، وذلك أَنَّ اللَّـه عزَّوجلَّ لم يُسَلِّم على أَحدٍ إِلَّا على الأَنبياء ^ ، فقال تبارك وتعالىٰ: [سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ](1) ، وقال : [سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ](2)، وقال : [سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ](3)، ولم يقل : سلام على آل نوح ، ولم يقل : سلام على آل إبراهيم ، ولا قال : سلام على آل موسىٰ وهارون ، وقال عزَّ وجلَّ : «سلام على آل يس» : يعني : آل مُحمَّد. فقال المأمون : قد علمت أَنَّ في معدن النُّبوَّة شرح هذا وبيانه ...»(4). وهذه الآية القرآنية الكريمة قد وردت بقرائتين : إحداهما : «إِل ياسين» ، والأُخرىٰ : «آل ياسين» ، وفي كلتيهما دلالة على المطلوب ، فإِنَّ (ياسين) أَحد أَسمآء سيِّد الأَنبياء ’ ، و (إِل) : الرحم ، كما ورد في بيان قوله جلَّ شأنه : [لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً](5) ، وتعني في اللغة : (آل) ، فكان معناهما واحداً ، فالتفت. ويُضاف لِـمَا تقدَّم : بيان قوله جلَّت آلاؤه : [أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا](6)؛ فإذا كان آل إبراهيم ^ أُعطوا ملكاً إِلٰهيّاً عظيماً ؛ فكيف بالأَخطر والأَعظم دوراً ومسؤوليَّة وهيمنة وإِدارة إِلٰهيَّة لطُرِّ العوالم وكافَّة المخلوقات : أَهل البيت : سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم. ومِنْ كُلِّ هذا يتَّضح : إِتفاق المسلمين على أَنَّ القرآن الكريم نصَّ : على أَنَّ لأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم مقامات وشؤون فوق مقامات وشؤون سائر أَنبياء أُولي العزم ^. وعليه : فإِذا لم يؤتَ بتعريفٍ كاشفٍ عن حقيقة الإِمامة الإِلٰهيَّة ... وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الصافات : 79. (2) الصافات : 109. (3) الصافات : 120. (4) بحار الأَنوار ، 25: 220 ـ 233/ح20. أَمالي الصدوق : 312 ـ 319. عيون الأَخبار: 126ـ133. تحف العقول : 415ـ 436. (5) التوبة : 10. (6) النساء : 54.
معارف الهية ( 54 )تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس ( 54 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر التعرض لجملة من تعاريف المدارس البشرية للامامة الالهية، وتقدم : انها تعاريف منحطة وقاصرة وهابطة جدا ، و يرد عليها عدة اشكالات ومؤاخذات ، تم التعرض الى الاشكال والمؤاخذة الاولى والثانية والثالثة والرابعة ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) الى المطلب التالي : وعليه : فإِذا لم يؤتَ بتعريفٍ كاشفٍ عن حقيقة الإِمامة الإِلٰهيَّة ؛ باعتبار: أَنَّها تنصيبٌ وفعلٌ من أَفعال السَّاحة الإِلٰهيَّة ؛ فلا يُلبّى العطش البشري لمعرفتها، ومعرفة خصائصها وشؤونها (1)، ولا تُحلُّ الإِشكالات والإثارات والتساؤلات المثارة عليها. وهذا أَمرٌ بالغُ الأَهميَّة والخطورة ، يدعو الباحثين إِلى إِعادة النظر والفحص والتنقيب ؛ فيما أَصحرت به بيانات الوحي الباهرة الوافرة ؛ عن حقيقة إِمامة أَهل البيت (صلوات اللَّـه عليهم). وإِذا رجعنا إلى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كُلُّ واحدةٍ منها بعض خصائصها وفصولها وأجناسها ، وبضمِّ بعضها إلى الآخر يتجلَّىٰ التعريف المناسب. ومن هذا الطوائف الَّتي تُمثِّل كُلّ واحدةٍ منها ركناً من أَركان ماهيَّة وحقيقة إِمامة أَهل البيت ^(2): الإِمامة : بعثة إِلهيَّة الطائفة الأُولىٰ : ما دلَّ على أَنَّ الإِمامة الإِلٰهيَّة بعثة إِلٰهيَّة. ويُمثِّلها : بيان قوله تعالىٰ : [وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ](3).(4) ودلالته واضحة ، بعد الإِلتفات إلى أَنَّ عنوان : (المُلك) هو أَحد عناوين الإِمامة الإِلٰهيَّة. ثُمَّ إِنَّه ينبغي الإِلتفات : أَنَّ المستفاد من هذا البيان الشريف : أَنَّ الرسالات الإِلٰهيَّة لا تنحصر بالنُّبُوَّة ـ خلافاً لِـمَا تخيَّلته العامَّة وما ثبت في كُتُب مُتكلِّمي الفريقين ـ بل مُتنوِّعه ، أَحدها : (الإِمامة الإِلٰهيَّة) ، فإِنَّه وصفها بـ : (البعثة) ، ومعناها : مأموريَّة ورسالات وسفارة إِلٰهيَّة. الإِمامة الإِلهيَّة: (هداية إِيصاليَّة) الطَّائفة الثانية : ما دلَّ على أَنَّ أَهل البيت الأَطهار ^ هم : (الهداة). ..وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ،وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ زيادة معرفة المخلوق بأَئمَّة أَهل البيت الأَطهار صلوات اللَّـه عليهم يوجب علو مراتبه ودرجاته ؛ وعلو تكامل جوهره. (2) يجدر الإِلتفات : قبل الخوض في هذه الطوائف إِلى ضابطة وحيانيَّة وعقليَّة ومعرفيَّة ؛ لمعرفة أَحكم محكمات القرآن الكريم والسُّنَّة الشَّريفة ، وهي : (أَنَّ بيانات الوحي المُتعرِّضة لأَركان وبنود وأَعمِدَة الدِّين تكون أَحكم ومن دون قياس من بياناته المُتعرِّضة لأَركان وبنود وأَعمِدَة الشريعة ؛ لأَنَّ الدين وحقيقته وحقائقه أَعظم وأَخطر من دون قياس من الشَّريعة وحقيقتها وحقائقها). (3) البقرة : 247. (4) لا بأس بالإِلتفات : أَنَّ إِمامة (طالوت) الإِلٰهيَّة انتقلت حال حياته إِلى النَّبيّ داود ×. وإِلى هذا يشير بيان قوله تبارك وتعالىٰ ـ المُفسَّر ببيانات أَهل البيت ^ـ : [وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ] [البقرة: 251].
معارف الهية ( 55 ) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس ( 55 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) الى : الإِمامة الإِلهيَّة: (هداية إِيصاليَّة) الطَّائفة الثانية : ما دلَّ على أَنَّ أَهل البيت الأَطهار ^ هم : (الهداة). ويُمثِّلها : بيان الإِمام الباقر × : «في قوله اللَّـه عزَّوجلَّ : [ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ](1)فقال: رسول اللَّـه ’ المُنذر ، ولكُلِّ زمانٍ مِنَّا هادٍ يهديهم إِلى ما جاء به نبيّ اللَّـه ’ ، ثُمَّ الهداة من بعده عَلِيّ ، ثُمَّ الأَوصياء واحد بعد واحد»(2). وهذا برهانٌ وحيانيٌّ دالٌّ على أَنَّ أَحد الأَجناس المأخوذة في الإِمامة الإِلٰهيَّة هو : (الهداية) ، وهي هداية إِيصاليَّة لا إِرائيَّة. والفارق بينهما : أَمَّا الهداية الإِرائيَّة فهي تعني : إِرائة الطريق والسبيل للمخلوق من بعيد ، وتعريفه به وبالهدف والمطلب والغاية ، وتشخيصها له ، وبيان التنجيز وإِقامة الحُجَّة ، وهذا هو شأن النُّبوَّة ؛ فإِنَّها هداية إِرائيَّة. وأَمَّا الهداية الإِيصاليَّة فهي تعني : الأَخذ بيد المخلوق وإِيصاله إِلى الهدف والمطلب والغاية ، وهذا هو شأن الإِمامة الإِلٰهيَّة ؛ فإِنَّها هداية إِيصاليَّة، وهي الأخطر. الإِمام مفروض الطَّاعة الطَّائفة الثَّالثة : ما دلَّ على أَنَّ مَنْ متعته يد السَّاحة الإِلٰهيَّة بهذه الإِمامة الإِلٰهيَّة لابُدَّ أَنْ يكون مفروض الطَّاعة. ويُمثِّلها : بيان الإِمام الرضا × : «... الإِمام ... مفروض الطَّاعة ...»(3). ودلالته واضحة. الإِمامة الإِلهيَّة حقيقة تكوينيَّة الطَّائفة الرَّابعة : ما دلَّ على أَنَّ الإِمامة الإِلٰهيَّة حقيقة تكوينيَّة. ... وتتمةالبحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الرعد : 7. (2) بحار الأَنوار ، 16: 358/ح50. (3) بحار الأَنوار ، 25: 123/ح4. إِكمال الدين : 380 ـ 383. معاني الأَخبار : 33 ـ 34. عيون الأَخبار: 120 ـ 123. الأمالي : 399 ـ 402.
معارف الهية ( 56 )تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس ( 56 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) الى الطائفة الرابعة : الإِمامة الإِلهيَّة حقيقة تكوينيَّة الطَّائفة الرَّابعة : ما دلَّ على أَنَّ الإِمامة الإِلٰهيَّة حقيقة تكوينيَّة. ويُمثلِّها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين × : «... أنا صاحب أمر النبي ’ ، قال اللَّـه عزَّوجلَّ : [يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ](1)، وهو : روح اللَّـه ، لا يعطيه ولا يلقي هذا الرُّوح إِلَّا على ملكٍ مُقَرَّبٍ أَو نَبِيٍّ مرسلٍ ، أَو وصيٍّ منتجبٍ ، فَمَنْ أعطاه اللَّـه هذا الرُّوح فقد أبانه من النَّاس، وفوَّض إِليه القدرة ، وأَحيىٰ الموتىٰ ، وعلم بما كان وما يكون ، وسار من المشرق إلى المغرب ، ومن المغرب إلى المشرق في لحظة عين ، وعلم ما في الضمائر والقلوب ، وعلم ما في السَّماوات والأرض... أَنا أَمير كُلّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ مِـمَّن مضىٰ ، ومِـمَّن بقي ، وأُيدتُ بروح العظمة ... لا تُسمُّونا أَرباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم فإِنَّكم لن تبلغوا من فضلنا كُنْه ما جعله اللَّـه لنا ، ولا معشار العشر ؛ لأَنَّا : آياتُ اللَّـه ودلائله ، وحُجج اللَّـه وخلفاؤه وأُمناؤه وأئمَّته ، ووجه اللَّـه ، وعين اللَّـه ، ولسان اللَّـه ، بنا يُعذِّب اللَّـه عباده ، وبنا يُثيب ، ومن بين خلقه طَهَّرنا واختارنا واصطفانا ، ولو قال قائل : لِـمَ ، وكيف ، وفيم ؟ لكفر وأَشرك ؛ لأَنَّه : [لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ](2) ... أَنا أُحيي وأُميت بإِذن ربِّي ، أَنا أُنبئكم بما تأكلون وما تدَّخرون في بيوتكم بإِذن ربِّي ، وأَنَا عَالِمٌ بضمائر قلوبكم ، والأَئمَّة من أَولادي ^ يعلمون ويفعلون هذا إذا أَحَبُّوا وأَرادوا ؛ لأَنَّا كُلُّنا واحد ... ونحن إِذا شئنا شاء اللَّـه، وإِذا كرِهْنا كرِهَ اللَّـهُ ، الويل كلّ الويل لمَن أَنكر فضلنا وخصوصيَّتنا ، وما أَعطانا اللَّـهُ ربُّنا ؛ لأَنَّ مَنْ أنكر شيئاً مِـمَّا أَعطانا اللَّـه فقد أَنكر قدرة اللَّـه عزَّوجلَّ ومشيَّته فينا... لقد أَعطانا اللَّـه ربُّنا ما هو أَجلُّ وأَعظم وأَعلىٰ وأكبر من هذا كُلِّه ... قد أَعطانا ربُّنا عزَّوجلَّ علمنا للاسم الأَعظم ؛ الَّذي لو شئنا خرقت السَّماوات والأَرض ، والجنَّة والنَّار ، ونعرج به إلى السَّماء ، ونهبط به الأَرض ، ونُغَرِّب ونُشَرِّق ، وننتهي به إلى العرش فنجلس عليه بين يدي اللَّـه عزَّوجلَّ ، ويطيعنا كلَّ شيءٍ حتَّىٰ السَّماوات والأَرض ، والشَّمس والقمر والنجوم ، والجبال والشَّجر والدواب والبحار ، والجنَّة والنَّار ، أعطانا اللَّـه ذلك كلّه بالاسم الأَعظم الَّذي عَلَّمَنا وخصَّنا به ، ومع هذا كلّه نأكل ونشرب ونمشي في الأَسواق ، ونعمل هذه الأَشياء بأَمر ربّنا ، ونحن عباد اللَّـه المكرمون الَّذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، وجعلنا معصومين مُطَهرين ... وحقَّت كلمة العذاب على الكافرين ، أَعني: الجاحدين بكلِّ ما أَعطانا اللَّـه من الفضل والإِحسان ...» ( 3 ) . وتقريب الدلالة واضح ؛ فإِنَّ جميع هذه الآثار أُمور تكوينيَّة ، ولقاعدة السنخيَّة لابُدَّ أَنْ يكون المؤثِّر ـ وهو الإِمامة الإِلٰهيَّة ـ أَمرا تكوينيا أَيضاً. مضافاً : أَنَّ الأَثر يدلُّ على المؤثِّر ، وجميع آثار إِمامة أَهل البيت ^ الإِلٰهيَّة هذه أُمورٌ تكوينيَّةٌ ، فتكون إِمامتهم صلوات اللّٰـه عليهم الإِلٰهيَّة أَمراً تكوينيّاً أَيضاً. 2ـ بيان الإِمام الرِّضا × : «... إِنَّ الإِمامة : أَجلّ قدراً ، وأَعظم شأناً، وأَعلىٰ مكاناً ، وأَمنع جانباً ، وأَبعد غوراً من أَن يبلغها النَّاس ... وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) غافر : 15. (2) الأنبياء : 23. (3) بحار الأَنوار ، 26: 1 ـ 7/ح1.
معارف الهية ( 57 )، تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام
الدرس ( 57 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، ولازال البحث ( بحمد الله تعالى ) في الطائفة الرابعة ، ووصل الكلام الى البيان الثاني من هذه الطائفة : 2ـ بيان الإِمام الرِّضا × : «... إِنَّ الإِمامة : أَجلّ قدراً ، وأَعظم شأناً، وأَعلىٰ مكاناً ، وأَمنع جانباً ، وأَبعد غوراً من أَن يبلغها النَّاس بعقولهم ، أَو ينالوها بآرائهم ، أَو يقيموا إِماماً باختيارهم. إِنَّ الإِمامة : خَصَّ اللَّـه بها إِبراهيم الخليل × ، بعد النُّبوَّة والخلَّة ، مرتبة ثالثة ، وفضيلة شرَّفه بها ، وأَشاد بها ذكره ، فقال : [إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا](1) ، فقال الخليل × ـ سروراً بها ـ : [وَمِنْ ذُرِّيَّتِي](2)، قال اللَّـه عزَّوجلّ: [لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ](3)، فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالمٍ إلى يوم القيامة ، وصارت في الصَّفوة ، ثُمَّ أَكرمه اللَّـه عزَّوجلَّ بأن جعلها في ذرِّيَّته : أَهل الصَّفوة والطَّهارة ، فقال عزَّوجلَّ : [وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ](4)، فلم تزل في ذرِّيَّته يرثها بعض عن بعض ، قرناً فقرناً حتَّىٰ ورثها النَّبيّ ’ ، فقال اللَّـه عزَّوجلَّ: [إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ](5) ، فكانت له خاصَّة فقلَّدها ’ عليّاً ؛ بأمر اللَّـه عزَّوجلَّ على رسم ما فرضها اللَّـه عزَّوجلَّ ، فصارت في ذرِّيَّته الأَصفياء ، الَّذين آتاهم اللَّـه العلم والإيمان بقوله عزَّوجلَّ : [وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ](6)، فهي في ولد عَلِيّ × خاصَّة إلى يوم القيامة ؛ إِذ لا نبيّ بعد مُحمَّد ’ ، فمن أَين يختار هؤلاء الجهال ؟! إنَّ الإِمامة هي : منزلة الأَنبياء ، وإرث الأَوصياء. إِنَّ الإِمامة : خلافة اللَّـه عزَّوجلَّ وخلافة الرسول ، ومقام أَمير المؤمنين ، وميراث الحسن والحسين ^ ، إِنَّ الإِمامة : زمام الدِّين ، ونظام المسلمين ، وصلاح الدُّنيا ، وعزّ المؤمنين. إنَّ الإِمامة : أُس الإِسلام النامي ، وفرعه السَّامي ، بالإِمام تمام الصَّلاة ...»(7). ودلالته واضحة ؛ فإنَّ الدِّين وأركانه وأُسسه وأَعمدته أُمورٌ مجعولةٌ بالجعل الإِلٰهي التَّكويني ، وحيث إِنَّ الإِمامة الإِلٰهيَّة من الدِّين ، بل من أَركانه وأُسسه وأَعمدته كانت مجعولة بالجعل الإِلٰهي التَّكويني أَيضاً. وهذا ما أَشار إِليه بيان قوله صلوات اللَّـه عليه : «إِنَّ الإِمامة : خصَّ اللَّـه بها إِبراهيم الخليل × بعد النُّبوَّة والخلَّة ، مرتبة ثالثة ... فقال: [إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا](8)». بل الإِمامة هبة إِلٰهيَّة تكوينيَّة ، ووراثة اِصطِفائيَّة ، وهي أُمور إِلٰهيَّة اِصطِفائيَّة تكوينيَّة ، وروح تنتقل من صفيٍّ إِلى صفيٍّ آخر. وهذا ما أَشار إِليه بيان قوله صلوات اللَّـه عليه : «فلم تزل في ذرِّيَّته يرثها بعض عن بعض ، قرناً فقرناً حتَّىٰ ورثها النَّبيّ ’ ... فكانت له خاصَّة فقلَّدها صلَّىٰ اللَّـه عليه وآله عليّاً ×؛ بأمر الله (عزَّوجلَّ) على رسم ما فرضها اللَّـه (عزَّوجلَّ) فصارت في ذرِّيَّته الأَصفياء ، الَّذين آتاهم اللَّـه العلم والإِيمان ... فهي في ولد عَلِيّ × خاصَّة إِلى يوم القيامة ... الإِمامة : ... إرث الأَصفياء ... وميراث الحسن والحسين ‘». بل الإِمامة : تقليدٌ إِلٰهيٌّ اصطفائيٌّ تكوينيٌّ. وهذا ما أَشار إِليه صلوات اللَّـه عليه بقول : «فكانت ـ الإِمامة ـ له خاصَّة فقلَّدها ’ عَليّاً ...». إِذَنْ : الإِمامة الإِلٰهيَّة أَمر تكوينيّ. وعليه : قس سائر أَبواب العقائد: (التَّوحيد ، والنُّبُوَّة ، والرِّسالة ، والمعاد) حرفاً بحرف ؛ فإِنَّ الجميع يرتضع من ثدي واحد. وهذه قضيَّة مُهمَّة جِدّاً ، ينبغي مراعاتها في موارد البحث والإِستنباط. إِمامة أَهل البيت ^ شراكة مقامات الطَّائفة الخامسة : ما دلَّ على أَنَّ إِمامة أَهل البيت (صلوات اللَّـه عليهم) شراكة مقامات تابعة لسيِّد الأَنبياء ’ (9)، وأَحد تلك الشراكات : ... وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) البقرة : 124. (2) البقرة : 124. (3) البقرة : 124. (4) الأنبياء : 72 ـ 73. (5) آل عمران : 68. (6) الروم : 56. (7) بحار الأَنوار ، 25 : 120 ـ 128/ح4. عيون أَخبار الرِّضا × ، 1 : 163/ح1. كمال الدِّين: 380 ـ 383. معاني الأَخبار : 33 ـ 34. (8) البقرة : 124.
معارف الهية ( 58 ) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس ( 58 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، ووصل الكلام ( بحمد الله تعالى ) الى الطائفة الخامسة : إِمامة أَهل البيت ^ شراكة مقامات الطَّائفة الخامسة : ما دلَّ على أَنَّ إِمامة أَهل البيت (صلوات اللَّـه عليهم) شراكة مقامات تابعة لسيِّد الأَنبياء ’ (1)، وأَحد تلك الشراكات : أَنَّ أَهل البيت ^ ورثة كُمَّل المخلوقات. ويُمثِّلها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «... الإِمامة ميراث الأَنبياء ، ومنزلة الأَصفياء ، وخلافة اللَّـه ، وخلافة رسل اللَّـه ، فهي عصمة وولاية وسلطنة وهداية ...»(2). 2ـ بيان الإِمام عليّ بن الحسين ‘ : «... فنحن ورثة الأَنبياء ، ونحن ورثة أُولي العزم ...»(3). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة ، فإِنَّ سيِّد الأَنبياء ’ ورث جملة علوم ومقامات مَنْ تقدَّمه مِنْ كُمَّل المخلوقات ـ الأَنبياء والرُّسُل والأَوصياء والأَصفياء ^ ـ وزيد عليها ، وحيث إِنَّ أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ورثوا بالوراثة الاِصطِفائيَّة تلك العلوم والمقامات من سيِّد الأَنبياء ’ كانت لهم شراكة علوم ومقامات تابعة لسيِّد الأَنبياء ’. 3ـ بيان الإِمام موسىٰ الكاظم × : «... شيعتنا مِنَّا ، ونحن من رسول اللَّـه ’ ، ورسول اللَّـه من اللَّـه بسبب ...»(4). وهذا أَحد تفاسير هذا البيان الشَّريف. لإِمامة أَهل البيت ^ أَيادٍ خطيرة ومهولة الطائفة السَّادسة : ما دلَّ على أَنَّ أَهل البيت ^ مُتُّعوا بأَيادٍ وآليّاتٍ عديدةٍ ، خطيرةٍ مهولةٍ جدّاً منحتهم إِيّاها يد الساحة الإِلٰهيَّة....وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) وبعبارة أُخرىٰ : أَنَّ هويَّة سائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ليست منحازة عن هويَّة سيِّد الأَنبياء’، بل مدمجة ومندمجة في هويَّة نبوَّته ’ ، وهويَّة نبوَّته ’ مدمجة ومندمجة ومعجونة في هويَّة العترة الطَّاهرة^، والإِلتفات إِلى هذه القضيَّة أَمر بالغ الأَهميَّة والثمرة والخطورة. (2) بحار الأَنوار ، 25 : 170/ ح38. (3) المصدر نفسه ، 23 : 366/ ح30. كنز جامع الفوائد : 284. (4) بحار الأَنوار ، 48 : 95. الكافي ، 1: 481.
معارف الهية ( 59 )تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس ( 59 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) الى الطائفة السادسة : لإِمامة أَهل البيت ^ أَيادٍ خطيرة ومهولة الطائفة السَّادسة : ما دلَّ على أَنَّ أَهل البيت ^ مُتُّعوا بأَيادٍ وآليّاتٍ عديدةٍ ، خطيرةٍ مهولةٍ جدّاً منحتهم إِيّاها يد الساحة الإِلٰهيَّة. الاسم الأَعظم منها : الاسم الأَعظم. فلاحظ : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين × ، عن سلمان الفارسي ، قال : «... والَّذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة إِنِّي لأَملكُ من ملكوت السَّماوات والأَرض ما لو علمتم ببعضه لَـمَا احتمله جنانكم، إِنَّ اسم اللَّـه الأَعظم على اثنين وسبعين حرفاً ، وكان عند آصف بن برخيا حرف واحد فتكلَّم به فخسف اللَّـه عزَّوجلَّ الأَرض ما بينه وبين عرش بلقيس حتَّىٰ تناول السرير ، ثُمَّ عادت الأَرض كما كانت أَسرع من طرف النظر ، وعندنا نحن واللَّـه اثنان وسبعون حرفاً ، وحرف واحد عند الله (عزَّوجلَّ) استأثر به في علم الغيب ، ولا حول ولا قُوَّة إِلَّا باللَّـه العليّ العظيم ، عرفنا من عرفنا وأَنكرنا من أَنكرنا ... لو أَنَّني أردتُ أَن أَجوب الدُّنيا بأسرها والسَّماوات السَّبع وأَرجع في أَقلِّ من الطرف لفعلتُ؛ بما عندي من اسم اللَّـه الأَعظم. فقلنا: يا أمير المؤمنين ، أنت واللَّـه الآية العظمىٰ ، والمعجزة الباهرة بعد أَخيك وابن عمِّكَ رسول اللَّـه’»(1). 2ـ بيانه × أَيضاً : «... قد أَعطانا ربُّنا (عزَّوجلَّ) علمنا للاسم الأَعظم ، الَّذي لو شئنا خرقت السَّماوات والأَرض ؛ والجنَّة والنَّار ، ونعرج به إلى السَّمآء ، ونهبط به الأَرض ، ونُغَرِّب ونُشَرِّق ، وننتهي به إِلى العرش ، فنجلس عليه بين يدي اللَّـه (عزَّوجلَّ) ، ويطيعنا كُلُّ شيءٍ حتَّىٰ السَّماوات والأَرض ، والشَّمس والقمر والنجوم ، والجبال والشَّجر والدَّواب والبحار ، والجنَّة والنَّار ، أعطانا اللَّـه ذلك كلّه بالاسم الأَعظم ؛ الَّذي علَّمنا وخصَّنا به، ومع هذا كلّه نأكل ونشرب ، ونمشي في الأَسواق ...» (2). ودلالتهما واضحة. رُوحُ القُدُس ومنها : (روح القدس)( ) أَو (الرُّوح الأَمري) ، وهو حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ، وهو أَحد أَرواح أَهل البيت (صلوات اللَّـه عليهم)....وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 27 : 33 ـ 40/ ح5. المحتضر : 71 ـ 76. (2) بحار الأَنوار ، 26 : 7/ ح1.
معارف الهية ( 60 ) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس ( 60 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) ولا زال في الطائفة السادسة، وكانت تحت عنوان : ( لامامة اهل البيت عليهم السلام اياد خطيرة ومهولة ) ، ووصل الكلام الى المطلب التالي : رُوحُ القُدُس ومنها : (روح القدس)(1) أَو (الرُّوح الأَمري) ، وهو حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ، وهو أَحد أَرواح أَهل البيت (صلوات اللَّـه عليهم). فانظر : بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين × : «... وصار محمَّد نبيّاً مرسلاً وصرتُ أَنا صاحب أَمر النَّبيّ ’ ، قال اللَّـه عزَّوجلَّ : [يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ](2)، وهو : روح اللَّـه لا يعطيه ولا يلقي هذا الرُّوح إِلَّا على ملك مُقرَّب أَو نبيٍّ مرسل أو وصيٍّ مُنتجب ، فمَنْ أَعطاه اللَّـه هذا الرُّوح فقد أَبانه من النَّاس ، وفوَّض إِليه القدرة ، وأَحيىٰ الموتىٰ وعلم بما كان وما يكون ، وسار من المشرق إِلى المغرب ، ومن المغرب إِلى المشرق في لحظة عين ، وعلم ما في الضمائر والقلوب ، وعلم ما في السَّماوات والأَرض ...»(3). ثانياً : بيان الإِمام عليُّ بن الحسين ‘ ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، قال : «... يا جابر ، أَو تدري ما المعرفة ؟ المعرفة إِثبات التوحيد أَوَّلاً ثُمَّ معرفة المعاني ثانياً ... وهو قوله تعالىٰ : [قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا](4)، وتلا أَيضاً : [وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ](5)... وأَمَّا المعاني فنحن معانيه ومظاهره فيكم ، اخترعنا من نور ذاته ... ونحن إذا شئنا شاء اللَّـه ، وإِذا أَردنا أَراد اللَّـه ... فمن أَنكر شيئاً ورده فقد ردَّ على اللَّـه جلَّ اسمه ، وكفر بآياته وأَنبيائه ورسله ... قلتُ : يابن رسول اللَّـه ، ومن المُقصِّر ؟ قال : الَّذين قصَّروا في معرفة الأَئمَّة ، وعن معرفة ما فرض اللَّـه عليهم من أَمره وروحه. قلتُ : يا سيِّدي ، وما معرفة روحه ؟ قال × : أَن يعرف كلّ مَنْ خصَّه اللَّـه تعالىٰ بالرُّوح فقد فوَّض إِليه أَمره يخلق بإذنه ، ويحيي بإذنه ، ويعلم الغير ما في الضمائر ، ويعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ؛ وذلك أَنَّ هذا الرُّوح من أَمر اللَّـه تعالىٰ ، فَمَنْ خصَّه اللَّـه تعالىٰ بهذا الرُّوح فهذا كامل غير ناقص ، يفعل ما يشاء بإِذن اللَّـه ، يسير من المشرق إِلى المغرب في لحظة واحدة ، يعرج به إِلى السَّمآء وينزل به إِلى الأَرض ويفعل ما شاء وأَراد. قلتُ : يا سَيِّدي ، أَوجدني بيان هذا الرُّوح من كتاب اللَّـه تعالىٰ ، وإِنَّه من أَمر خصَّه اللَّـه تعالىٰ بمُحمَّدٍ ’ ، قال : نعم ، اقرأ هذه الآية : [وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا](6)، وقوله تعالىٰ : [أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ](7)...»(8). ثالثاً : بيان الإِمام الصَّادق × : «... فينا روح رسول اللَّـه ’»(9). ودلالة الجميع واضحة ولا غبار عليها ؛ وأَنَّ أَحد الحقائق والفصول والأَركان والأُسس المأخوذة في ماهيَّة وحقيقة الإِمامة الإِلٰهيَّة : (روح القدس) ، أَي : الرُّوح الأَمري ، وهو : حقيقة القرآن ومرتبته الصَّاعدة. وهذا ما يشير إِليه بيان الإِمام موسى بن جعفر ‘ بقوله : «... وإِنَّ اللَّـه يقول في كتابه : [وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى](10)، وقد ورثنا نحن هذا القرآن الَّذي فيه ما تُسيَّر به الجبال ، وتُقَطَّع به البلدان ، وتُحيىٰ به الموتىٰ ...»(11). ومعناه : أَنَّ ارتباط الإِمام × الرُّوحي والغيبي بالسَّاحة الإِلٰهيَّة حبل غيبيٌّ إِبداعيٌّ تكوينيٌّ ؛ ممدود بين أَعماق الغيب إلى بدنه الشريف. وإِلى هذا أَشار بيان حديث الثقلين( )، الوارد عن سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ... وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ينبغي الإِلتفات : أَنَّه يطلق البعض خطأً واشتباهاً عنوان : (روح القدس) على جبرئيل × ، لكنَّ الثابت في بيانات الوحي المعرفيَّة : أَنَّه عنوان يُطلق على حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ، والَّتي يُطلق عليها أَيضاً عنوان : (الروح الأَمري). نعم ، جبرئيل × يُطلق عليه في بيانات الوحي عنوان : (الروح الأَمين). ثُمَّ إِنَّ الثابت في بيانات الوحي المعرفيَّة ، منها : بيان قوله جلَّ قوله : [وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى : 52] ، أَنَّ روح القدس شريحة وشعاع يسير من أَرواح سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم. وجبرئيل × وإِنْ كان ملكاً عظيماً وقد وصفه الباري تقدَّس اسمه في كتابه الكريم بأَوصاف عظيمة، كما ورد في بيان قوله تعالىٰ : [إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير : 19 ـ 21] ، لكنَّه إِذ قيس إِلى (روح القدس) ـ حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ـ فهو ـ جبرئيل × ـ قطرة في بحره ـ روح القدس ـ . وهو ـ روح القدس ـ ليس إِلَّا قطرة في بحور حقيقة سيِّد الأَنبياء وسائرأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الزخَّارة الطمطامة المُتلاطمة. وقد مرَّ وسيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) مزيد بيان وأَدلَّة على جميع ذلك. وهذه النتف والحقائق المعرفيَّة لو لم يُبيِّنها أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم فَمَنْ الَّذي يشمُّها وترد على خاطره. (2) غافر : 15. (3) بحار الأَنوار ، 26 : 1 ـ 7/ح1. (4) الكهف : 109. (5) لقمان : 27. (6) الشورى : 52. (7) المجادلة : 22. (8) بحار الأَنوار ، 26 : 8 ـ 17/ح2. (9) المصدر نفسه ، 25 : 62 ـ 63/ح41. بصائر الدرجات : 136. (10) الرعد : 31. (11) بحار الأَنوار ، 14 : 112 ـ 113/ح4. أُصول الكافي ، 1: 226.
معارف الهية ( 61 ) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس ( 61 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) ولا زال في الطائفة السادسة، وكانت تحت عنوان : ( لامامة اهل البيت عليهم السلام اياد خطيرة ومهولة ) ، منها الاسم الاعظم ، وروح القدس ، ولازال الكلام في هذا المبحث الاخير ، ووصل البحث الى المطلب التالي : ثالثاً : بيان الإِمام الصَّادق × : «... فينا روح رسول اللَّـه ’»(1). ودلالة الجميع واضحة ولا غبار عليها ؛ وأَنَّ أَحد الحقائق والفصول والأَركان والأُسس المأخوذة في ماهيَّة وحقيقة الإِمامة الإِلٰهيَّة : (روح القدس) ، أَي : الرُّوح الأَمري ، وهو : حقيقة القرآن ومرتبته الصَّاعدة. وهذا ما يشير إِليه بيان الإِمام موسى بن جعفر ‘ بقوله : «... وإِنَّ اللَّـه يقول في كتابه : [وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى](2)، وقد ورثنا نحن هذا القرآن الَّذي فيه ما تُسيَّر به الجبال ، وتُقَطَّع به البلدان ، وتُحيىٰ به الموتىٰ ...»(3). ومعناه : أَنَّ ارتباط الإِمام × الرُّوحي والغيبي بالسَّاحة الإِلٰهيَّة حبل غيبيٌّ إِبداعيٌّ تكوينيٌّ ؛ ممدود بين أَعماق الغيب إلى بدنه الشريف. وإِلى هذا أَشار بيان حديث الثقلين(4)، الوارد عن سيِّد الأَنبياء ’: «إِنِّي قد تركت فيكم الثقلين ما إِنْ تَمَسَّكْتُم بهما لن تضلُّوا بعدي ، وأَحدهما أَكبر من الآخر : كتاب اللَّـه حبل ممدود من السَّماء إِلى الأَرض ، وعترتي أَهل بيتي ، أَلَا وإِنَّهما لن يفترقا حتَّىٰ يردا عَلَيَّ الحوض»(5). بعد الإِلتفات : أَنَّ حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ـ كما تقدَّم ـ هو: (روح القدس) ، وقد تقدَّم في بيانات الوحي : أَنَّه أَحد أَرواح أَهل البيت^ ، فيكون الحبل الَّذي أَشار إِليه بيانه ’ هذا ممدود من السَّماء وأَعماق عَالَم الغيب إِلى بدن الإِمام ×. وعليه : فالاثنينيَّة والتعدُّد الحاصل بين أَهل البيت ^ والقرآن الكريم هذا في حالة النزول ، لكنَّهما يصيرا شيئاً فارداً وحقيقة واحدة ـ وهو: (روح القدس أَي : الرُّوح الأَمري) ـ في المراتب الصَّاعدة ؛ ومن ثَمَّ صار الإِمام من أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم قرآناً ناطقاً. بعد الإِلتفات : أَنَّ المراد من معنىٰ كلمة : (حتَّىٰ) الواردة في بيان قوله’: «حتَّىٰ يردا عَلَيَّ الحوض» كسائرالمعارف الإِلٰهيَّة ليست الغاية والنهاية ، بل الوصول والإِستمرار. وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان قوله تعالىٰ : [لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ](6). أَي : يروا العذاب الأَليم ويستمرفي حقِّهم. 2ـ بيان قوله جلَّ قوله : [وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ](7)، فإِنَّه وإِن فُسِّر (اليقين) في هذا البيان الشَّريف بـ : (الموت) ، فإِنَّ العبادة تبقىٰ واجبة ولازمة على المخلوق اتِّجاه خالقه مُستمرَّة بعد الموت ولا نهاية لها ؛ لأَنَّ الدِّين والمداينة والعبادة عبارة عن العلاقة بين الخالق ـ المُسمَّىٰ ـ تقدَّس ذكره والمخلوق ، وهذه العلاقة تبقىٰ مستمرَّة ولا نهاية لها مع جملة المخلوقات وعبر كافَّة عوالم الخلقة والوجود والإِمكان. هكذا حال بيان قوله ’ : «وإِنَّهما ـ أَي : القرآن الكريم بطبقته وحقيقته الصَّاعدة ، والعترة الطَّاهرة : سائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ـ لن يفترقا حتَّىٰ يردا عَلَيَّ الحوض» ؛ فإِنَّ هذا التقارن والتَّلازم ، بل الإِستلزام يبقىٰ حين الحوض وبعده ، ويستمر إِلى ما لا نهاية له. والنكتة : ما تقدَّم ؛ من أَنَّ (روح القدس ـ أَي : الرُّوح الأَمري ـ) هو أَحد أَرواح أَهل البيت ^ الصَّاعدة ولا تفارقهم أَبداً. فالتفت إِلى هذه النتف المعرفيَّة والعلميَّة واغتنم تربت يداك. الفارق بين أَهل البيت ^ وسائر الصحابة ومنه يتَّضح : أَحد الفوارق بين حقيقة : أَمير المؤمنين والزهراء والحسن والحسين (صلوات اللَّـه عليهم) من جهة ، و سائرالصحابة ... وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المصدر نفسه ، 25 : 62 ـ 63/ح41. بصائر الدرجات : 136. (2) الرعد : 31. (3) بحار الأَنوار ، 14 : 112 ـ 113/ح4. أُصول الكافي ، 1: 226. (4) ينبغي الالتفات : أَنَّ مفاد بيان حديث الثقلين في الأَصل قرآنيّ وفي عِدَّة سور ، كما ذكرت ذلك بيانات أَهل البيت ^. (5) بحار الأَنوار ، 23 : 106/ح7. (6) الشعراء : 201. (7) الحجر : 99.
معارف الهية ( 62 ) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس ( 62 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) ولا زال في الطائفة السادسة، وكانت تحت عنوان : ( لامامة اهل البيت عليهم السلام اياد خطيرة ومهولة ) ، منها الاسم الاعظم ، وروح القدس ، ولازال الكلام في هذا المبحث الاخير ، ووصل البحث الى المطلب التالي : الفارق بين أَهل البيت ^ وسائر الصحابة ومنه يتَّضح : أَحد الفوارق بين حقيقة : أَمير المؤمنين والزهراء والحسن والحسين (صلوات اللَّـه عليهم) من جهة ، وسائر الصحابة من جهة أُخرىٰ؛ فإِنَّ الجميع قد سمع من سيِّد الأَنبياء ’ ؛ لكنَّه لا يتوفَّر في ذوات سائر الصحابة ، بل وذوات جملة المخلوقات مهما علت مراتبها ومقاماتها وفضائلها وكمالاتها ما يتوفَّر في ذوات أَهل البيت (صلوات اللَّـه عليهم) ؛ من ترسانة وحي وعلم ومعارف فوق ما لا يتناهىٰ بِمَا لا يتناهىٰ مُدَّة وعِدَّة وعُدَّة. فانظر : بيانات الوحي ، منها ـ إِضافة لِـمَا تقدَّم وما سيأتي إِن شاء اللَّـه تعالىٰ ـ : 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء ’ الوارد في بيان ولادة أَمير المؤمنين × : «... ولقد هبط حبيبي جبرئيل في وقت ولادة عَلِيّ فقال : يا حبيب اللَّـه ، العليّ الأَعلىٰ يقرء عليك السَّلام ، ويهنِّئكَ بولادة أَخيكَ عَلِيّ ، ويقول : هذا أَوان ظهور نبوَّتكَ ، وإِعلان وحيكَ وكشف رسالتكَ ؛ إِذ أَيَّدتكَ بأَخيكَ ... فقم إِليه واستقبله بيدك اليمنىٰ ... فقمتُ مبادراً فوجدتُ فاطمة بنت أَسد أُمّ عَلِيّ وقد جاء لها المخاض ... ثُمَّ قال لي : امدد يدكَ يا مُحمَّد ، فمددتُ يدي اليمنىٰ نحو أُمّه فإذا أَنا بِعَلِيٍّ على يدي ، واضعاً يده اليمنىٰ في أُذنه اليمنىٰ ، وهو يُؤذِّن ويُقيم بالحنيفيَّة ، ويشهد بوحدانيَّة اللَّـه عزَّوجلَّ وبرسالاتي ، ثُمَّ انثنىٰ إِليَّ وقال : السلام عليكَ يا رسول اللَّـه ، ثُمَّ قال لي : يا رسول اللَّـه ، أقرء؟ قلتُ: اِقرء ، فوالَّذي نفس مُحمَّد بيده ، لقد ابتدأ بالصحف الَّتي أَنزلها اللَّـه عزَّوجلَّ على آدم فقام بها ابنه شيث ، فتلاها من أَوَّل حرف فيها إِلى آخر حرف فيها ، حتَّىٰ لو حضر شيث لأَقَرَّ له أَنَّه أَحفظ له منه ، ثُمَّ تلا صحف نوح ثُمَّ صحف إِبراهيم ، ثُمَّ قرأ توراة موسىٰ ... ثُمَّ قرأ زبور داود ... ثُمَّ قرأ إِنجيل عيسىٰ ... ثُمَّ قرأ القرآن الَّذي أَنزل اللَّـه عَلَيّ من أَوَّله إِلى آخره فوجدتَّه يحفظ كحفظي له السَّاعة من غير أَنْ أسمع منه آية ، ثُمَّ خاطبني وخاطبته بما يخاطب الأَنبياء الأَوصياء ، ثُمَّ عاد إلى حال طفوليَّته ، وهكذا أَحد عشر إِماماً من نسله ...» (1). 2ـ بيان أَمير المؤمنين × ، عن الأصبغ بن نباتة قال : «لَـمَّا قدم عَلِيٌّ× الكوفة صلَّىٰ بهم أَربعين صباحاً فقرأ بهم : [سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى](2)فقال المنافقون : واللَّـه ما يحسن أَنْ يقرأ ابن أَبي طالب القرآن! ولو أَحسن أَنْ يقرأ لقرأ بنا غير هذه السورة ، قال : فبلغه ذلك ، فقال : ويلهم إِنِّي لأَعرف ناسخه ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابهه ، وفصاله من وصاله ، وحروفه من معانيه ، واللَّـه ما حرف نزل على مُحمَّد ’ إِلَّا وأَنا أعرف فيمَنْ نزل ، وفي أَيِّ يومٍ نزل ، وفي أَيِّ موضعٍ نزل ، ويلهم أما يقرؤون: [إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى](3)... ويلهم واللَّـه ، إِنّي أَنا الَّذي أَنزل اللَّـه فِيَّ : [وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ](4)؛ فإنَّا كُنَّا عند رسول اللَّـه ’ فيخبرنا بالوحي ، فأعيه ويفوتهم ، فإذا خرجنا قالوا : ماذا قال آنفاً»(5). 3ـ بيان الإِمام الصَّادق × : «في قوله تعالىٰ : [وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ] قال : وعت إِذن أَمير المؤمنين × ما كان وما يكون»(6). 4ـ بيانه × ، عن عليِّ بن عبد العزيز ، عن أَبيه ، قال : «قلت لأَبي عبد اللَّـه ×: جعلتُ فداك ، إِنَّ النَّاس يزعمون أَنَّ رسول اللَّـه ’ وجَّه عليّاً× إِلى اليمن ليقضي بينهم فقال عليٌّ ×: فمَا وردت عَلَيَّ قضية إِلَّا حكمت فيها بحكم اللَّـه وحكم رسول اللَّـه ’ ، فقال : صدقوا. قلتُ : وكيف ذاك ، ولم يكن أُنزل القرآن كُلّه؟ وقد كان رسول اللَّـه ’ غائباً عنه ؟ فقال: تتلقَّاه به روح القدس»(7). ودلالة الجميع على المُدَّعىٰ واضحة ولا غبار عليها. ومنه يتَّضح : مدىٰ فظاعة وانحطاط مقولة قائلهم ؛ صاحب البذرة الشيطانيَّة الإِبليسيَّة الفظيعة الخطيرة ، الَّتي حرَّفَت الإِسلام من أَصله وجذره وأَساسه ـ عمر بن الخطَّاب ـ في رزية الخميس : «حسبنا كتاب اللَّـه» ...وتتمةالبحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 35 : 19 ـ 23/ح15. الروضة : 17 ـ 18. روضة الواعظين : 72 ـ 74. الهداية الكبرى: 126. (2) الأعلىٰ : 1. (3) الأعلى : 18ـ19. (4) الحاقة : 12. (5) بحار الأَنوار ، 40 : 138/ح31. بصائر الدرجات : 135. (6) بحار الأَنوار ، 40 : 143/ح46. بصائر الدرجات : 151. (7) بحار الأَنوار ، 25: 57/ح23. بصائر الدرجات ، 2 : 362/ ح2. 16ـ 10. مختصر البصائر: 46/ح2ـ2.
معارف الهية ( 63 ) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس ( 63 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) ولا زال في الطائفة السادسة، وكانت تحت عنوان : ( لامامة اهل البيت عليهم السلام اياد خطيرة ومهولة ) ، منها الاسم الاعظم ، وروح القدس ، ولازال الكلام في هذا المبحث الاخير ، ووصل البحث الى المطلب التالي : ومنه يتَّضح : مدىٰ فظاعة وانحطاط مقولة قائلهم ؛ صاحب البذرة الشيطانيَّة الإِبليسيَّة الفظيعة الخطيرة ، الَّتي حرَّفَت الإِسلام من أَصله وجذره وأَساسه ـ عمر بن الخطَّاب ـ في رزية الخميس : «حسبنا كتاب اللَّـه»(1) ؛ فإِنَّه أَيُّ شيءٍ وعىٰ هذا القائل ووعت هذه الأُمَّة ، بل المخلوقات من كتاب اللَّـه العزيز؟!! فهل تناوله أَو تناولته كيما يُستغنىٰ عن تراث سيِّد الأَنبياء والعترة الطَّاهرة صلوات اللَّـه عليهم ، إِنَّ هذه المقولة وأَشباهها ونظائرها جرأة على الشريعة القويمة ، وهتك لأَستار السُّنَّة الكريمة ، وأَقاويل تضع الحبلىٰ منها لشناعتها ، وتضحك الثكلىٰ منها لغرابتها ، ونقول لقائلها : (أَين ضلَّت مطيَّتك يا حسَّان) ، فأَين الذهب من الرغام ، وأَين الثرىٰ من عرش علوم الرحمٰن. وبالجملة : أَنَّ الوحي الإِلٰهيّ يحتاج إِلى عبور وتعبير ومحطَّات ، وترجمة معاني وحقائق لا نهاية لها ، وبعض هذه المحطَّات لا يمكن لمخلوقٍ قطُّ دركها والوصول إِلى معانيها ومعارفها وحقائقها ، بل ولا العروج اليها؛ بل لا يحتملها إِلَّا ملك مُقرَّب أَو نبيّ مرسل ، أَو عبد أَمتحن اللَّـه قلبه للإيمان. فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الباقر × : «إِنَّ حديث آل مُحمَّد صعب مستصعب، ثقيل مُقَنَّع ، أَجرد ذكوان ، لا يحتمله إِلَّا ملك مقرَّب ، أَو نبيّ مرسل ، أو عبد أَمتحن اللَّـه قلبه للإيمان ، أَو مدينة حصينة ، فإذا قام قائمنا نطق وصدَّقه القرآن»(2). وبعض هذه المحطَّات لا يمكن لمخلوقٍ قَطُّ تحمُّلها ؛ وإِنْ كان ملكاً مُقرَّباً ـ كجبرئيل عليه السلام ـ ، أَو نبيّاً مرسلاً ـ كالنبي ابراهيم عليه السلام ـ، أَو مؤمناً ممتحناً ـ كسلمان رضوان الله عليه ـ . فلاحظ : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الباقر × ، عن أَبي إِسحاق اللَّيثي ، قال : «... إِنَّ من حديثنا وسرّنا وباطن علمنا ما لا يحتمله ملك مُقرَّب ، ولا نبيّ مرسل ، ولا مؤمن ممتحن. قلتُ : يا سيِّدي ومولاي فَمَنْ يحتمله إِذاً ؟ قال : ما شاء اللَّـه وشئنا ...»(3). وبعض هذه المحطَّات والمراتب لا يمكن لطُرِّ العوالم وجملة المخلوقات العروج إِليها ودركها ودرك معارفها ، بل ولا تحمُّلها ولا يحتملها إِلَّا هم (صلوات اللَّـه عليهم). فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق × ، عن أَبي الصَّامت ، قال : «إِنَّ من حديثنا ما لا يحتمله ملك مُقَرَّب ، ولا نبيّ مرسل ، ولا عبد مؤمن. قلتُ : فمَنْ يحتمله؟ قال : نحن نحتمله»(4). بعض خصائص هذا المبحث ومن خصائص هذا المبحث أَنَّه يوقف الباحث على مباحث أُخرىٰ مُهمَّة وخطيرة جِدّاً ، منها : مبحث النزاع الدستوري ، وهو من أَعقد النزاعات الحاصلة بين... وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 25 : 88. (2) بحار الأَنوار ، 2 : 191/ح27. (3) المصدر نفسه ، 64 : 102 ـ 103/ح21. (4) المصدر نفسه ، 2 : 193/ح36.
معارف الهية ( 64 )تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس ( 64 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) ولا زال في الطائفة السادسة، وكانت تحت عنوان : ( لامامة اهل البيت عليهم السلام اياد خطيرة ومهولة ) ، منها الاسم الاعظم ، وروح القدس ، ولازال الكلام في هذا المبحث الاخير ، ووصل البحث الى المطلب التالي : بعض خصائص هذا المبحث ومن خصائص هذا المبحث أَنَّه يوقف الباحث على مباحث أُخرىٰ مُهمَّة وخطيرة جِدّاً ، منها : مبحث النزاع الدستوري ، وهو من أَعقد النزاعات الحاصلة بين سلطات الدولة الثلاث ـ التشريعيَّة ، والتنفيذيَّة ، والقضائيَّة ـ فإِنَّه لابُدَّ من الإِلتجاء في حلِّه : الإِحتكام لجهةٍ عُليا ، لها سيادة الحسم لِـمِثْلِ هذه القضايا والمواقف والنِّزَاعات والصِّرَاعات ، وهي : (المحكمة الدستوريَّة) ؛ فإِنَّ أَصحابها يتمتَّعون بمكنة وقدرة الوقوف على بواطن قوالب أَلفاظ ومعاني وحقائق دستوريَّة لم تكن عند غيرهم ـ كـ : رئيس الدولة ، ورئيس البرلمان ، ورئيس السلطة القضائيَّة ، وأَصحاب الخبرة من الكُتل البرلمانيّة ـ مع أَنَّهم من أَبناء اللغة الَّتي كُتِبَ بها الدُّستور ، ومن ثَمَّ يُضطرُّ ـ بعدما كانت حقيقة الدستور ليست قائمة في الأَلفاظ ، بل في معانيه وحقائقه الَّتي لا يُخبرها إِلَّا الخبير الدستوري ـ في الأُمور الشائكة المُتعلِّقة به إلى مُفسِّرٍ ومُترجمٍ لغوامضه ومبهماته ، وصاحب علم ومعرفة أَرفع في قراءته وتفسيره. ويُصطلح على مَنْ يتمتَّع بهذه المكنة والقدرة بـ : (الترجمان) ، والمراد منه : مَنْ يتمتَّع بعلمٍ ومعرفةٍ وإِحاطةٍ بمنظومة العلم ، يتمكَّن من خلالها : معرفة أُصول تشريع ذلك العلم وفروعه. وعليه : فهل يحقُّ في مِثْلِ تلك الخلافات والنِّزَاعات والصِّرَاعات أَنْ يقول قائلهم : «حسبنا دستور الدولة» !! فإِنَّ نقوش وأَلفاظ فقراته بعدما كانت صامتة وصمَّاء ولا تنطق بنبرة شفة ، وكان المتجاذبون كُلّ يجرّ النَّار إِلى قرصه فلا تشفع ـ تلك النقوش والأَلفاظ ـ في حلِّ مسائله وقضاياه المُعقَّدة ، لاسيما الشائكة ، وحينئذٍ لا تكون يد الحلّ إِلَّا عند من يُحيط بعمق وجذور وبواطن : قوالب أَلفاظه ، ومعانيه ، وحقائقه ليس إِلَّا. هكذا حال الإِختلافات الشرعيَّة والدينيَّة لاسيما المعرفيَّة منها ، بل والعقائديَّة ، والنِّزَاعات والصِّرَاعات بين أَصحاب المذاهب والأَديان والملل، فلا تُحلُّ إِلَّا بيد مَنْ كان مُحيطاً بعمق وجذور وبواطن قوالب التَّشريعات والمعارف والعقائد الإِلٰهيَّة ، وبواطن معانيها وحقائقها ، ولا يوجد ذلك إِلَّا في أَهل البيت الأَطهار (صلوات اللَّـه عليهم). وهذا ما أَشارت إليه بيانات الوحي ، منها : بيان خطبة فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها(1): «... وطاعتنا نظاماً للملَّة ، وإِمامتنا أَماناً من الفرقة ...»(2). قضايا ثلاث وللتوضيح أَكثر ينبغي الإِلتفات إِلى القضايا الثلاث التَّالية : القضيَّة الأُولى : ... وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) لا بأس في المقام بالإِلتفات إِلى القضايا الأَربع التَّالية : الأُولىٰ : المعروف : أَنَّ لفاطمة صلوات اللَّـه عليها خطبتين ، لكنَّه ثبت بالتتبُّع الناقص أَنَّ لها أَربع خطب في أَربعة مواطن ، وليست لها أَربع نسخ لخطبةٍ واحدة ، وأَحد هذه المواطن : في المسجد النبوي. وهي الخطبة المعروفة. الأُخرىٰ : عندما أَتتها صلوات اللَّـه عليها نساء المهاجرين والأَنصار. وهذه أَيضاً خطبة معروفة. ثالثها : حينما أَتتها عائشة بنت طلحة ، فخطبت صلوات اللَّـه عليها ، ونشرتها ابنة طلحة. رابعها : عند قبر حمزة × أَو في مكان آخر. الثَّانية : أَنَّ خُطْب فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها كانت تشريح وتحليل للأَوضاع دقيق ورقيق. الثَّالثة : أَنَّ أَمير المؤمنين والبتول فاطمة صلوات اللَّـه عليهما جناحان وفرسان نوران نبويَّان إِلٰهيَّان في مواجهة تربية هذه الأُمَّة وتمرُّدها ، لكن الأُمَّة لم تتحمَّل ولم تخضع ولم تنصاع تربويّاً لهما صلوات اللّٰـه عليهما ، ولا زالت إِلى الآن. الرابعة : المعروف ـ بحسب تدبُّر كثير من أَكابر الفريقين ـ : أَنَّ فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها حينما احتجَّت في قضيَّة فدك احتجَّت بحجج لا تدافع بينها ؛ بل بينها تمام الموافقة والموائمة والمؤازرة ؛ فإِنَّه يمكن للإِنسان تَملُّك الشيء الواحد بأسباب مُتعدِّدة لا تضارب بينها. الحُجَّة الأُولىٰ : أَنَّها وارثة أَبيها صلَّىٰ اللَّـه عليهما وعلى آلهما وراثة اصطفائيَّة. وقد اعترف علماء العامَّة والجمهور بـ : أَنَّ وراثة النَّبيّ سليمان من أَبيه النَّبيّ داود ‘ الواردة في بيان قوله تعالىٰ : [وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ] [النمل: 16] وراثة اِصطِفائيَّة. وحيث إِنَّ لسيِّد الأَنبياء ’ ولاية على الفيء شاملة لكلّ الأَرض ؛ انتقل هذا الإِرث بالوراثة الاِصطِفائيَّة من ضمنه أَرض فدك ـ بنصِّ بيان قوله تعالىٰ المُتقدِّم وغيره ـ بعد استشهاده ’ إِلى قرباه : فاطمة الزهراء وأَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت^. لكن : هذه القضيَّة غفل عنها الكثير من الخاصَّة ، وحصروا وراثتها ÷ من أَبيها ’ بالوراثة الماليَّة الماديَّة. والحقُّ : أَنَّ إِرث فيء الأَرض وإِن كان ماليّاً ماديّاً ، لكنَّ ماليَّته ليست ماليَّة ماديَّة فرديَّة فقط ؛ لأَنَّه لَـمَّا كانت ـ هذه الماليَّة ـ لها سعة شاملة لجملة الأَرض كانت ولاية اِصطِفائيَّة. الحجَّة الثَّانية : أَنَّ أَبيها ’ وهب أَرض فدك لها. الحُجَّة الثَّالثة : أَنَّ أَرض فدك كانت تحت يدها حين استشهاد أَبيها ’ ؛ فتكون داخلة في ملكها ؛ لقاعدة اليد من دون حاجة إِلى بيِّنة. الحُجَّة الرابعة : أَنَّ أَرض فدك سداد دين مهر أُمّها خديجة ، وهذا إِرث اِصطِفائي ورثته من أُمِّها صلوات اللّٰـه عليهما. (2) بحار الأَنوار ، 29 : 223.
معارف الهية ( 65 ) ، تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس ( 65 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) ولا زال في الطائفة السادسة، وكانت تحت عنوان : ( لامامة اهل البيت عليهم السلام اياد خطيرة ومهولة ) ، منها الاسم الاعظم ، وروح القدس ، ولازال الكلام في هذا المبحث الاخير ، ووصل البحث الى المطلب التالي : / قضايا ثلاث/ وللتوضيح أَكثر ينبغي الإِلتفات إِلى القضايا الثلاث التَّالية : / القضيَّة الأُولى :/ روح القدس هو حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة/ حقيقة القرآن الصَّاعدة أَحد أَرواح أَهل البيت ^/ إِنَّ المراد من (روح القدس) أَي : الروح الأَمري الوارد في بيان قوله تعالىٰ: [وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا](1) ـ كما تقدَّم ـ هو حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ، والمراد منه ليس تنزيل القرآن الكريم الموجود بين دفتي المصحف الشريف ، وإِنَّما هو مقام وجودي علوي لا يتجافىٰ عن مقامه ، وقوله تقدَّس ذكره بعد ذلك : [مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا](2) دالٌّ على أَنَّ القرآن الكريم بهذه الحقيقة الصَّاعدة هو من عَالَم النور(3)، وقوله جلَّ قدسه في تتمَّة هذا البيان الشَّريف : [نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا](4) دالٌّ على أَنَّ هناك ثلَّة من المخلوقات المُقدَّسة وهم سائرأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ورثوا بالوراثة الإِصطفائيَّة هذا النور والرُّوح الأَمري من نور حقيقة سيِّد الأَنبياء ’ ومراتبها الصَّاعدة. وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي الأُخرىٰ ـ إِضافة لما تقدَّم ـ منها : 1ـ بيان قوله تعالىٰ ذكره : [يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ](5). 2ـ بيان قوله جلَّ ذكره : [إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ](6). 3ـ بيان قوله تقدَّس ذكره : [ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا](7). 4ـ بيان تفسير الإِمام الصَّادق × : «... وأَمَّا قوله : [لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ](8)... [تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا](9)... والرُّوح : روح القدس ، وهو في فاطمة ÷ ...»(10). وهذه وغيرها براهين وحيانيَّة دالَّة على أَنَّ فاطمة الزهراء وسائر أَهل البيت الأَطهار ^ مُحدَّثون من الرُّوح الأَمري. /القضيَّة الثَّانية:/ حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة من عَالَم الأَمر/ حقيقة القرآن الصَّاعدة خارجة عن عَالَم الزَّمان والمكان / إِنَّ نزول جملة القرآن الكريم ليلة القدر على قلب سيِّد الأَنبياء ’ في طبقة السَّمآء الرابعة والمعبَّر عنها بـ : (البيت المعمور) ...وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الشورىٰ : 52. (2) الشورىٰ : 52. (3) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ المقصود من (عوالم النُّور) الواردة في بيانات الوحي : عوالم فوق عَالَم الآخرة الأَبديَّة ـ عَالَم الجنَّة والنَّار الأَبديَّتين ـ تتصاعد إِلى العرش ، بل وفوقه. إِذَنْ : عوالم النُّور على طبقات ، بعضها دون العرش ، والآخر في مرتبة العرش ، والثَّالث فوق العرش. (4) الشورى : 52. (5) النحل : 2. (6) الواقعة : 77ـ79. (7) فاطر : 32. (8) القدر : 3. (9) القدر : 4. (10) بحار الأَنوار ، 25 : 97/ح70.
معارف الهية ( 66 ) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس ( 66 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) ولا زال في الطائفة السادسة، وكانت تحت عنوان : ( لامامة اهل البيت عليهم السلام اياد خطيرة ومهولة ) ، منها الاسم الاعظم ، وروح القدس ، ولازال الكلام في هذا المبحث الاخير ، ووصل البحث الى المطلب التالي ؛ وهو توضيح اكثر لما تقدم في هذه الطائفة السادسة ؛ نذكر ـ لاجل ذلك ـ قضايا ثلاث ، مر الكلام عن القضية الاولى ، ووصل بنا البحث الى القضية الثانية : /القضيَّة الثَّانية:/ حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة من عَالَم الأَمر/ حقيقة القرآن الصَّاعدة خارجة عن عَالَم الزَّمان والمكان/ إِنَّ نزول جملة القرآن الكريم ليلة القدر على قلب سيِّد الأَنبياء ’ في طبقة السَّمآء الرابعة والمعبَّر عنها بـ : (البيت المعمور) ، والمشار إِليها في بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق × : «نزل القرآن في ليلة القدر إِلى البيت المعمور جملة ، ثُمَّ نزل من البيت المعمور على رسول اللَّـه ’ في طول عشرين سنة...»(1) ليس نزول أَصوات ولا معاني ـ باعتراف المُحقِّقين من الفريقين ـ وإِنَّما هو نزول من سنخ عَالَم الأَمر، وهو عَالَم نوري ـ كما تقدَّم ـ. ومنه يتَّضح : أَنَّ حقيقة الوحي خارجة عن عَالَم الزمان والمكان والأَجسام والمقادير ، بل هو أَعظم شيء في خلقة اللَّـه ، فإِنَّ العلم بعدما كان أَعظم الكمالات ، والوحي أَعظم علم ، كان الوحي أَعظم الكمالات ؛ فهو أَعظم من السَّماوات ومن الجنَّة الأَبديَّة ومن الكرسي ومن العرش ومن عَالَم الملكوت. وعليه : فَمَنْ يبغي فهم حقيقة سيِّد الأَنبياء وحقائق سائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم وشخصيَّاتهم فعليه أَنْ يفهم أَوَّلاً : الكون ، والكائنات ؛ وعوالم الخلقة والوجود والإِمكان ، والخلقة كيف هي ومن أَين بدأت وإِلى أَين تذهب(2). فائدة : تتَّضح من خلال بيان المُقدِّمات الثلاث التَّالية : /المُقدِّمة الأُولى :/ ليلة القدر مخلوق إِلهيّ خطير/ إِنَّ ليلة القدر مخلوق إِلٰهيّ مهول وعظيم وخطير جِدّاً ، خُلِق في بداية عَالَم الدُّنيا ؛ الـمُمتد ـ عَالَم الدُّنيا بحسب إِطلاقات بيانات الوحي ـ ...وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 82 : 52. (2) يوجد في تعابير بيانات الروايات دلائل وإِشارات دالَّة على أَنَّ عوالم السَّماوات تعني : حياة مستقبليَّة لبني البشر. مثاله : (يوم القيامة) ؛ فإِنَّه عَالَمٌّ من عوالم السَّماوات ـ سوآء أَكان في السَّمآء السَّابعة أَو السَّادسة أَو غيرهما ـ وحياة مستقبليَّة سيمرّ بها بني البشر شاؤوا أَم أَبوا ، مقدارها : خمسون أَلف سنة ، كما صرَّحت بذلك بيانات الوحي. ويظهر من كثير من بيانات الروايات : أَنَّ للعوالم المُستقبليَّة الَّتي سيمرّ بها الإِنسان كـ : (عَالَم البرزخ) و(عَالَم الرَّجعة) إِرتباطات على مرِّ عصور وأَزمان نشأتنا الأَرضيَّة هذه ، وارتباطات أُخرىٰ بعوالم السَّماوات ؛ فإِنَّ السَّماوات تعني : عوالم أَلطف من هذه النشأة الأَرضيَّة (عَالَم الدُّنيا الأُولىٰ) ، ومن نشأة عَالَم البرزخ ، ومن نشأة عَالَم الرَّجعة (آخرة الدُّنيا) ، ومن المعلوم : أَنَّ الأَلطف داخل في جميع شراشر وجزئيَّات العوالم الأَغلظ لكن بالممازجة والمزاولة ، ويحيط بها ويهيمن عليها. وهذا ما صرَّحت به بيانات الوحي المستفيضة ، بل المتواترة ، بل فهمه علماء الفيزياء الجدد ، المُتضلِّعين بـ : (علوم الروح) ، وقالوا : أَنَّنا نفهم من سمآء أَولىٰ ، وثانية ، وثالثة وهلمَّ جرّاً : عوالم أُخر ؛ أَلطف فألطف ، وطاقات أَبهر فأَبهر ، وأَشدُّ فأَشدّ.
معارف الهية ( 67 ـ 68 ) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس ( 67 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) ولا زال في الطائفة السادسة، وكانت تحت عنوان : ( لامامة اهل البيت عليهم السلام اياد خطيرة ومهولة ) ، منها الاسم الاعظم ، وروح القدس ، ولازال الكلام في هذا المبحث الاخير ، ووصل البحث الى المطلب التالي ؛ وهو توضيح اكثر لما تقدم في هذه الطائفة السادسة ؛ نذكر ـ لاجل ذلك ـ قضايا ثلاث ، مر الكلام عن القضية الاولى والثانية ، ووصل بنا البحث الى المطلب التالي : / فائدة : تتَّضح من خلال بيان المُقدِّمات الثلاث التَّالية :/ المُقدِّمة الأُولى : / ليلة القدر مخلوق إِلهيّ خطير/ إِنَّ ليلة القدر مخلوق إِلٰهيّ مهول وعظيم وخطير جِدّاً ، خُلِق في بداية عَالَم الدُّنيا ؛ الـمُمتد ـ عَالَم الدُّنيا بحسب إِطلاقات بيانات الوحي ـ إِلى السمآء الأُولىٰ ، بل إِلى الرابعة ، بل قد تشمل بعض إِطلاقاتها السَّمآء السَّابعة. فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان أَبي جعفر عليه السلام ، قال : « لقد خلق اللَّـه تعالىٰ ليلة القدر أَوَّل ما خلق الدُّنيا ، ولقد خلق فيها أَوَّل نبيّ يكون ، وأَوَّل وصيّ يكون ، ولقد قضىٰ أَنْ يكون في كلِّ سنةٍ ليلةٍ يهبط فيها بتفسير الأُمور إِلى مِثْلها من السَّنَة المُقبلة ، فمَنْ جحد ذلك فقد رَدَّ على اللَّـه تعالىٰ علمه ؛ لأَنَّه لا يقوم الأَنبياء والرُّسل والمُحَدَّثون إِلَّا أَنْ يكون عليهم حُجَّة بما يأتيهم في تلك الليلة مع الحُجَّة الَّتي يأتيهم مع جبرئيل عليه السلام ...»(1). ودلالته واضحة. / المُقدِّمة الثَّانية: / حقيقة ليلة القدر أَحد طبقات حقيقة فاطمة عليها السلام المتوسُّطة / إِنَّ ذلك المخلوق المهول والخطير هو أَحد طبقات حقيقة فاطمة الزهراء ÷ المتوسطة. فلاحظ : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام : «إِنَّ فاطمة هي ليلة القدر ، مَنْ عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أَدرك ليلة القدر ، وإِنَّما سميت فاطمة لأَنَّ الخلق فطموا عن معرفتها ، ما تكاملت النُّبوَّة للنَّبي حتَّىٰ أَقَرَّ بفضلها ومحبَّتها ، وهي الصدِّيقة الكبرىٰ ، وعلى معرفتها دارت القرون الأُولىٰ»(2). 2ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام في تفسير قوله تعالىٰ : «[إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ](3) : الليلة : فاطمة. والقدر : اللَّـه ، فَمَنْ عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أَدرك ليلة القدر ، وإِنَّما سميت فاطمة لأَنَّ الخلق فطموا عن معرفتها»(4). 3ـ بيان تفسيره عليه السلام أَيضاً : «... وأَمَّا قوله : [لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ](5)يعني : فاطمة عليها السلام ...»(6). ودلالته ـ كدلالة سابقيه ـ واضحة. / المُقَدِّمة الثَّالثة: / أَحَد طبقات حقيقة الزَّهراء عليها السلام : النَّفس الكُلِّيَّة / أَحَد المهام الإِلهيَّة المُوكلة للزهراء عليها السلام : تقدير أُمور الخلائق ليلة القدر / إِنَّ تقدير أُمور جملة العوالم وكافَّة المخلوقات ـ كما سيأتي إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ في الأَبحاث التالية ـ بيد طبقات حقيقة الزهراء صلوات اللَّـه عليها الصَّاعدة ، وهي طبقة النَّفس الكليَّة. والنتيجة : أَنَّ ما يُقدَّر في ليلة القدر لطُرِّ العوالم وجميع المخلوقات غير المتناهية احد المهام الإِلٰهيَّة العظيمة المُوكلة إِليها صلوات اللَّـه عليها. فالتفت ، واغتنم تربت يداك. / القضيَّة الثَّالثة: / وحي وجود سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله النَّازل من طبقات نوره المباركة / إِنَّ بدن ونفس سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله الجزئيَّان يلتقطان وحي السَّمآء ؛ من نور وقلب سيِّد الأَنبياء ’ ، وهو : (البيت المعمور) في طبقة السَّمآء... وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 25 : 73/ح63. كنز الفوائد : 395 ـ 398. (2) بحار الأَنوار ، 43 : 105. تفسير فرات الكوفي ، في تفسير سورة القدر. (3) القدر : 1. (4) بحار الأَنوار ، 43 : 65/ح58. (5) القدر : 3. (6) بحار الأَنوار ، 25 : 97/ح70 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدرس ( 68 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) ولا زال في الطائفة السادسة، وكانت تحت عنوان : ( لامامة اهل البيت عليهم السلام اياد خطيرة ومهولة ) ، منها الاسم الاعظم ، وروح القدس ، ولازال الكلام في هذا المبحث الاخير ، ووصل البحث الى المطلب التالي ؛ وهو توضيح اكثر لما تقدم في هذه الطائفة السادسة ؛ نذكر ـ لاجل ذلك ـ قضايا ثلاث ، مر الكلام عن القضية الاولى والثانية ، ووصل بنا البحث الى القضية الثالثة : / القضيَّة الثَّالثة: / / وحي وجود سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله النَّازل من طبقات نوره المباركة / إِنَّ بدن ونفس سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله الجزئيَّان يلتقطان وحي السَّمآء ؛ من نور وقلب سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، وهو : (البيت المعمور) في طبقة السَّمآء الرابعة، والَّذي نزلت عليه حقيقة القرآن الكريم ونوره دفعة واحدة ليلة القدر في العوالم السَّالفة. وعلى هذا قس : الأَبدان والنفوس الجزئيَّة لذوات سائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ؛ فإِنَّها تلتقط ذبذبات الوحي من نور ذلك القلب والنور المبارك لسيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله. وإِلى هذا تشير بيانات الوحي ، منها : 1ـ ما ورد عن سيِّد الأَنبياء في بيان ولادة أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليهما وعلى آلهما : «... ولقد هبط حبيبي جبرئيل في وقت ولادة عَليّ فقال : يا حبيب اللَّـه ، العليّ الأَعلىٰ يقرء عليكَ السَّلَام ويهنئك بولادة أَخيكَ عَلِيّ ، ويقول : هذا أَوآن ظهور نُبوَّتك ، وإعلان وحيكَ ، وكشف رسالتكَ ؛ إِذ أَيَّدتُكَ بأَخيكَ ووزيركَ وصنوكَ وخليفتكَ ، وَمَنْ شددتُ به أَزركَ ، وأَعلنتُ به ذِكركَ ، فقم إِليه واستقبله بيدك اليمنىٰ ... فقمتُ مبادراً فوجدتُ فاطمة بنتُ أَسد أُمّ عَلِيّ وقد جاء لها المخاض ... فقال حبيبي جبرئيل : ... أُمدد يَدَكَ يا مُحمَّد ، فمددتُ يدي اليمنىٰ نحو أُمَّه فإذا أَنَا بِعَلِيٍّ على يدي ، واضعاً يده اليمنىٰ في أُذنه اليمنىٰ ، وهو يؤذِّن ويُقيم بالحنيفيَّة ، ويشهد بوحدانيَّة اللَّـه (عزَّوجلَّ) ، وبرسالاتي(1)، ثُمَّ انثنىٰ إِلَيّ وقال : السَّلَامُ عليكَ يا رسول اللَّـه ، ثُمَّ قال لي : يا رسول اللَّـه ، أَقرء ؟ قلتُ : اِقرء، فوالَّذي نفس مُحمَّد بيده ، لقد ابتدأ بالصحف الَّتي أَنزلها اللَّـه (عزَّوجلَّ) على آدم ، فقام بها ابنه شيث فتلاها من أَوَّل حرف فيها إلى آخر حرف فيها ، حتَّىٰ لو حضر شيث لأَقَرَّ له أَنَّه أَحفظ له منه ... ثُمَّ قرأ القرآن الَّذي أَنزله اللَّـه عَلَيّ من أَوَّلَه إِلى آخره ، فوجدته يحفظ كحفظي له السَّاعة من غير أَنْ أسمع منه آية ، ثُمَّ خاطبني وخاطبته بما يُخاطب الأَنبياء الأَوصياء ، ثُمَّ عاد إِلى حال طفوليَّته ، وهكذا أَحد عشر إِماماً من نسله...»(2). ودلالته على ما تقدَّم واضحة ؛ وإِلَّا كيف قرأ صلوات اللَّـه عليه القرآن كُلّه وسيِّد الأَنبياء ’ لم يُبعثُ بَعدُ ، ولم يُنزِل منه جبرئيل عليه السلام حرفاً واحداً!!. 2ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن عَلِيِّ بن عبد العزيز ، عن أَبيه ، قال: «قلتُ لأَبي عبداللَّـه عليه السلام: جُعْلْتُ فداك ، إِنَّ النَّاس يزعمون أَنَّ رسول اللَّـه صلى الله عليه واله وجَّه عليّاً عليه السلام إِلى اليمن ليقضي بينهم ، فقال عليٌّ عليه السلام : فما وردت عَلَيَّ قضيَّةٌ إِلَّا حكمتُ فيها بحُكم اللَّـه وحُكم رسول اللَّـه صلى الله عليه واله. فقال: صدقوا. قلتُ : وكيف ذاك ولم يكن أُنزل القرآن كلَّه ؟ وقد كان رسول اللَّـه صلى الله عليه واله غائباً عنه ؟ فقال : تتلقَّاه به روح القدس»(3). ودلالته قد اِتَّضحت. 3ـ بيانات الوحي الواردة في بيان مصحف فاطمة صلوات اللَّـه عليها(4)، جمعاً بين بيانات الوحي الدَّالَّة على أَنَّه (أَملاه سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله عليها وخطَّه أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليهما بيده) وبياناته الأُخرىٰ الدَّالَّة على أَنَّه (حصل ذلك بعد استشهاده صلى الله عليه واله) ، ومعناه : ما تقدَّم ، وأَنَّها كانت تتلقَّاه من قلب ونور أَبيها صلوات اللَّـه عليهما وعلى آلهما في طبقة البيت المعمور من السَّمآء الرابعة ، وتذكره لأَمير المؤمنين فيخُطَّه بيمينه(5). فانظر: أَوَّلاً : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... وعندنا واللَّـه مصحف فاطمة ، ما فيه آية من كتاب اللَّـه ، وإِنَّه لإِملاء رسول اللَّـه صلى الله عليه واله ، وخَطَّه عَليٌّ عليه السلام بيده ...»(6). ثانياً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «مصحف فاطمة عليها السلام ما فيه شيء من كتاب اللَّـه ، وإِنَّما هو شيءٌ أُلقي عليها بعد موت أَبيها صلَّىٰ اللَّـه عليهما وعلى أَولادهما»(7). ودلالتهما قد اِتَّضحت أَيضاً. / حقيقة أَمير المؤمنين عليه السلام الصَّاعدة الباب الحصري لحقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله الصَّاعدة / ومن كلِّ هذا تتَّضح : كثير من بيانات الوحي الواردة في المقام ، منها: ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في روضة الواعظين : (برسالتي). وفي الروضة : (ويشهد للَّـه بالوحدانيَّة وبرسالتي). (2) بحار الأَنوار ، 35 : 21 ـ 22/ح5. الروضة : 17 ـ 18. روضة الواعظين : 72 ـ 74. (3) بحار الأَنوار ، 25 : 57/ح23. بصائر الدرجات : 134. مختصر البصائر : 1. (4) مصحف فاطمة صلوات اللَّـه عليها أَعظم من الإِنجيل والتوراة والزبور وصحف الأَنبياء صلى الله عليه واله ، بل هو في كفَّة وكُتُب سائر جملة الأَنبياء عليهم السلام المُتقدِّمين في كفَّة أُخرىٰ ؛ فإِنَّه من الأُمور المُسلَّمة : أَنَّه ليس في الكتب السَّماويَّة المُتقدِّمة وصحف الأَنبياء عليهم السلام علم : (ما كان وما يكون) ، بينما من أَوصاف مصحف فاطمة عليها السلام ـ كأَوصاف القرآن الكريم ـ أَنَّ فيه ما كان وما يكون إِلى يوم القيامة ؛ فكلُّ مَنْ يملك إِلى يوم القيامة وكلّ الأَحداث البشريَّة إِلى يوم القيامة أَيضاً في مصحف فاطمة صلوات اللَّـه عليها. (5) يجدر الإِلتفات إِلى القضيَّة التَّالية ، وهي : أَنَّه ليس في اقتران وزواج أَمير المؤمنين من فاطمة صلوات اللَّـه عليهما بُعد بدنيّ وفرديّ حسب ، ولا إِقتران وزواج وسكن روحي فحسب ، ولا بُعد الزوجيَّة العادي ، ولا بُعد زواج أُسري فقط ، وإِنَّما هو زواج واقتران ولاية إِلٰهيَّة عظيمة بولاية إِلٰهيَّة عظيمة أُخرىٰ ، وزواج واقتران نور عظيم بنورٍ عظيم آخر ، ومشاركة نور في الولاية، واقتران كفؤيَّة في الولاية في عَالَم النور وعَالَم الملكوت ، وتشارك في الولاية وفي شعشعة أَنوار السَّاحة الربوبيَّة. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي المعرفيَّة ، لكن بقراءةٍ معرفيَّة عقائديَّة سياسية أَشارت إِليها بيانات أَهل البيت عليهم السلام ، منها : بيان قوله عزَّ مَنْ قائل : [مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ] [الرحمن: 19 - 22]. فقوله تعالىٰ : [مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ] إِشارة معرفيَّة إِلى أَنَّ إِقتران أَمير المؤمنين بفاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليهما إِقتران بحران ، أَحدهما : ما تُمثِّله حقيقة أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه ، وهو: (بحر العلم) ، والآخر : ما تُمثِّله حقيقة فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها ، وهو : (بحر النُّبوَّة). وهذان البحران من عوالم : الغيب والملكوت والنور والولاية الإِلٰهيَّة. وقوله تعالىٰ ذكره : [بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ] إِشارة معرفيَّة إِلى حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، فإِنَّها البرزخ بين هاتين الولايتين الإِلٰهيَّتين. وقوله تبارك وتعالىٰ : [لَا يَبْغِيَانِ] إِشارة معرفيَّة إِلى أَنَّ لكلِّ منهما صلوات اللَّـه عليهما مسؤوليَّاته الإِلٰهيَّة الخاصَّة في الولاية ، وفي العقيدة وفي الدِّين ، وفي ولاية الأَمر في بُعده الدِّيني ، وفي ولاية الأَمر في بُعده السياسي. وقوله تبارك اسمه : [يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ] مشير إِلى حقائق سائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم. وإلى كلِّ هذا أَشارت بيانات تفسير أَهل البيت عليهم السلام ، منها : 1ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : « في قوله عزَّوجلَّ : [مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ]، قال : عَلِيٌّ وفاطمة. [بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ] قال : لا يبغي عَلِيّ على فاطمة ، ولا تبغي فاطمة على عَلِيٍّ : [يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ] الحسن والحسين عليهما السلام ». بحار الأَنوار، 24 : 97/ح1. 2ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : « في قوله : [مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ] قال : عليٌّ وفاطمة بحران عميقان لا يبغي أَحدهما على صاحبه». وفي رواية : «[ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ] : رسول اللَّـه. [يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ] : الحسن والحسين». بحار الأَنوار، 43: 32/ح39. 3ـ عن ابن عبَّاس قال : «إن فاطمة عليها السلام بكت للجوع والعرىٰ ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه واله: اقنعي يا فاطمة بزوجكِ ، فواللَّـه ، إِنَّه سيِّد في الدُّنيا ، وسيِّد في الآخرة ، وأَصلح بينهما ، فأنزل اللَّـه: [مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ]، يقول: أَنا اللَّـه ، أَرسلتُ البحرين : عَلِيّ بن أبي طالب عليه السلام بحر العلم ، وفاطمة بحر النُّبوَّة ، يلتقيان يتَّصلان ، أَنا اللَّـه أَوقعتُ الوصلة بينهما ، ثُمَّ قال : [بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ] مانع رسول اللَّـه صلى الله عليه واله ... [فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا] يا معشر الجنّ والإِنس [تُكَذِّبَانِ] بولاية أَمير المؤمنين عليه السلام ، أَو حبّ فاطمة الزَّهراء عليها السلام ؟ فاللؤلؤ: الحسن ، والمرجان الحسين...». بحار الأَنوار ، 24 : 99/ح6. مناقب آل أبي طالب ، 3 : 101. 4ـ عن فرات الكوفي ، عن ابن عبَّاس أَيضاً ، قال : «في قوله تعالىٰ : [مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ] ، قال: عليٌّ وفاطمة. [بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ]، قال : رسول اللَّـه صلى الله عليه واله. [يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ]، قال: الحسن والحسين عليهما السلام ». وحدَّثنا عَلِيُّ بن عتَّاب والحسين بن سعيد وجعفر بن مُحمَّد الفزاريّ ، عن الصَّادق عليه السلام يقول: «هكذا معنىٰ الآية. وقال : عَلِيُّ بن موسىٰ الرِّضا عليه السلام هكذا». بحار الأَنوار ، 37 : 64/ح34. تفسير فرات الكوفي: 177. ودلالة الجميع واضحة. ومن ثَمَّ ما قامت به فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها من تسجيل بناء وبنيان عقائدي ومعرفي لم تكن فيه مُخالفة للمسار العقائدي والمعرفي ؛ أَو المسار الولائي ؛ أَو لمسار الولاية السياسيَّة ؛ أَو الولاية الإِعتقاديَّة لأَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليهما ، ولم تَخُن في الدِّين بمواثيق اللَّـه ، ولا بمواثيق سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، ولا بمواثيق الدين ، شبيه ما حصل بين النَّبيّ موسىٰ والخضر عليهما السلام في القضيَّة الواردة في سورة الكهف ، فإنَّ كلَّ واحدٍ منهما لم يتعدَّ على صلاحيَّات الآخر ، ومن ثَمَّ وصف النَّبيّ موسىٰ عليه السلام نفسه بأَنَّه تابع للخضر عليه السلام. فانظر : بيان قوله جلَّ وتقدَّس الحاكي لخبرهما : [فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا] [الكهف: 65ـ 66]. وهكذا حال الخضر عليه السلام ؛ فإِنَّه لم يفرض على النَّبيِّ موسىٰ عليه السلام إِتِّباعه أَو عدم إِتباعه ، وإِنَّما ترك الخيار مفتوحاً للنَّبيّ موسىٰ عليه السلام. فلاحظ : بيان قوله تقدَّس ذكره : [قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا] [الكهف: 70]. وبالجملة : ما تقدَّم بيان واضح وصريح دالٌّ على علوِّ مقامات فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها الإِلٰهيَّة ، وتقدُّمها على مقامات الأَئمَّة الأَحد عشر من سائر أَهل البيت عليهم السلام ، فإِنَّ مقاماتها الإِلٰهيَّة كفؤ لمقامات أَمير المؤمنين عليهما السلام الإِلٰهيَّة ، وأَصل لكلِّ مقامات الأَصفياء. (6) بصائر الدرجات ، 1 : 310/ح587 ـ 5. (7) المصدر نفسه : 321/ ح609ـ 27
معارف الهية ( 69) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس ( 69 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) ولا زال في الطائفة السادسة، وكانت تحت عنوان : ( لامامة اهل البيت عليهم السلام اياد خطيرة ومهولة ) ، منها الاسم الاعظم ، وروح القدس ، ولازال الكلام في هذا المبحث الاخير ، ووصل البحث الى المطلب التالي ؛ وهو توضيح اكثر لما تقدم في هذه الطائفة السادسة ؛ نذكر ـ لاجل ذلك ـ قضايا ثلاث ، وقد مر التعرض لهذه القضايا ، ووصل بنا البحث الى المطلب التالي : /حقيقة أَمير المؤمنين × الصَّاعدة الباب الحصري لحقيقة سيِّد الأَنبياء ’ الصَّاعدة/ ومن كلِّ هذا تتَّضح : كثير من بيانات الوحي الواردة في المقام ، منها: أَوَّلاً : بيان سيِّد الأَنبياء ’ : «أَنا مدينة العلم ، وعَلِيٌّ بابها»(1). بتقريب : أَنَّ هذا البيان الشَّريف جاء لبيان معارف وحقائق وعقائد دينيَّة ، وحيث إِنَّ الدِّين ومعارفه وعقائده شاملة لجملة المخلوقات ولكافَّة العوالم كان هذا البيان الشريف كذلك شامل لجملة المخلوقات والعوالم. وعليه : فيكون بيان قوله ’ : «أنَا مدينة العلم» إِشارة إِلى تلك المرتبة والطبقة الصَّاعدة من قلبه ونوره المبارك. وقوله ’ : «وعَلِيٌّ بابها» إِشارة أَيضاً إِلى قلب ونور أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه المبارك في تلك المرتبة والطبقة ؛ فإِنَّه الباب الأَوحد والحصري لتلك المدينة العظيمة المهولة المباركة. وعلى هذا قس : أَشباه ونظائر هذا البيان الشَّريف ، منها: 1ـ بيان قوله ’ أَيضاً : «أَنَا مدينة الحكمة ، وعَلِيٌّ بابها»(2). 2ـ بيان قوله ’ أَيضاً : «أَنَا مدينة الفقه ، وعَلِيٌّ بابها»(3). ثانياً : بيان الإِمام الباقر × : «... إِنَّه ليس أَحَدٌ عنده علم إِلَّا خرج من عند أَمير المؤمنين × ، فليذهب النَّاس حيث شاؤوا ، فواللَّـه ليأتينهم الأَمر من هاهنا ـ وأَشار بيده إِلى المدينة ـ»(4). ودلالته ـ كدلالة سابقيه ـ قد اِتَّضحت ؛ فإِنَّه شامل بإِطلاقه لجميع العلوم الحقَّة في ذلك الزمان ، بل وفي كلِّ زمان ؛ فإِنَّه بعدما كان بياناً لمعارف وحقائق وعقائد دينيَّة؛ وحيث إِنَّها شاملة لجملة العوالم ولكافَّة المخلوقات كان ـ هذا البيان الشَّريف ـ شاملاً أَيضاً ـ كدين سيِّد الأَنبياء ’ ـ لسائر العوالم وجميع المخلوقات من بداية الخلقة إِلى ما بعد عَالَم الآخرة الأَبديَّة ؛ فليس أَحد من جملة المخلوقات قَطُّ ؛ وفي كافَّة العوالم عنده علم إِلَّا وقد خرج من عند أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه. الفيوضات الإِلهيَّة لا تكون إِلاَّ عن طريق حقيقة سيِّد الأَنبياء ’ وحقيقة أَمير المؤمنين × ومنه يتَّضح أَيضاً : أَنَّ الَّذي يُنبئ عن اللَّـه عزَّوجلَّ بالمباشرة ليس هو إِلَّا سيِّد الأَنبياء ’ حسب ، أَمَّا سائر المخلوقات المُكرَّمة ... وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 10 : 120/ح1. التوحيد : 319 ـ 323. الأمالي : 205 ـ 208، المجلس: 55. (2) بحار الأَنوار ، 36 : 111/ح59. تفسير الإِمام : 264 ـ 265. (3) مستدرك سفينة البحار ، 8 : 288. إِحقاق الحقّ : 505/ح5. الغدير ، 6 : 81. (4) بصائر الدرجات ، 1 : 46/ح55 ـ
معارف الهية (70) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس (70 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) ولا زال في الطائفة السادسة، وكانت تحت عنوان : ( لامامة اهل البيت عليهم السلام اياد خطيرة ومهولة ) ، منها الاسم الاعظم ، وروح القدس ، ولازال الكلام في هذا المبحث الاخير ، ووصل بنا البحث الى المطلب التالي : /الفيوضات الإِلهيَّة لا تكون إِلاَّ عن طريق حقيقة سيِّد الأَنبياء ’ وحقيقة أَمير المؤمنين ×/ ومنه يتَّضح أَيضاً : أَنَّ الَّذي يُنبئ عن اللَّـه عزَّوجلَّ بالمباشرة ليس هو إِلَّا سيِّد الأَنبياء ’ حسب ، أَمَّا سائر المخلوقات المُكرَّمة فلا تنبئ عن اللَّـه تقدَّس ذكره إِلَّا بتوسط طبقات حقيقة سيِّد الأَنبياء ’ الصَّاعدة ؛ فسائر أَنبياء أُولي العزم ـ كالنَّبيّ إِبراهيم ـ ، بل وطبقات حقيقة سيِّد الأَنبياء ’ المتوسطة والنَّازلة ؛ والملائكة المُقرَّبين ـ كجبرئيل وإِسرافيل ـ وحقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة لا ينبؤون عن اللَّـه تعالىٰ ذكره بالمباشرة ، وإِنَّما بتوسُّط نور وطبقات حقيقة ذات سيِّد الأَنبياء ’ الصَّاعدة ، بل ولا ينبؤون عن نور سيِّد الأَنبياء ’ وطبقات حقيقته الصَّاعدة من دون واسطة ، وإِنَّما بواسطة بابه الأَوحد : نور وطبقات حقيقة ذات أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه الصَّاعدة ، فالَّذي ينبئ عن نور وحقيقة ذات سيِّد الأَنبياء’ الصَّاعدة من دون واسطة قَطُّ ليس هو إِلَّا نور وطبقات حقيقة ذات أَمير المؤمنين × الصَّاعدة. وعليه : فيكون وحي جبرئيل × ليس هو من اللَّـه عزَّوجلَّ بالمباشرة ، بل من نور وقلب سيِّد الأَنبياء ’ في تلك الطبقة ، وبواسطة نور وقلب أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه في تلك الطبقة أَيضاً ، ثُمَّ يوصله ويُبلِّغه بدن ونفس سيِّد الأَنبياء ’ الجزئيَّين ، فحقيقة وحي جبرئيل × هو من سيِّد الأَنبياء إِلى سيِّد الأَنبياء ’ ، بوساطة نور أَمير المؤمنين ×. وهذا ما يوضِّح : نكتة وسبب وفلسفة : غاية التواضع الَّذي يبديه جبرئيل × لسيِّد الأَنبياء ’. فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق × : «كان جبرئيل إِذا أَتىٰ النَّبيّ ’ قعد بين يديه قعدة العبد ، وكان لا يدخل حتَّىٰ يستأذنه»(1). وعلى هذا قس : نبوَّة سائر الأَنبياء والرُّسل ^ ، منهم : سائر أَنبياء أُولي العزم ، كالنَّبيّ إِبراهيم × ؛ فإِنَّها ليست من اللَّـه (جلَّ ذكره) بالمباشرة ، وإِنَّما بواسطة نور وقلب وطبقة حقيقة سيِّد الأَنبياء ’ الصَّاعدة ؛ وبتوسط نور وقلب وطبقة حقيقة أَمير المؤمنين × الموازية لتلك الطبقة والمرتبة. وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء ’ مخاطباً أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «ياعَلِيُّ ، كنتَ مع الأَنبياء سرّاً ومعي جهراً»(2). 2ـ بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «كنتُ مع الأَنبياء باطناً ومع رسول اللَّـه ظاهراً»(3). 3ـ بيانه صلوات اللَّـه عليه أَيضاً : «كان اللَّـه ولا شيء معه ، فأَوَّل ما خلق نور حبيبه مُحمَّد ’ ... فقطرت منه قطرات كان عددها مائة أَلف وأَربعة وعشرين أَلف قطرة ، فخلق اللَّـه تعالىٰ من كلِّ قطرةٍ من نوره نبيّاً من الأَنبياء ، فلَمَّا تكاملت الأَنوار صارت تطوف حول نور مُحمَّد ’ ، كما تطوف الحجاج حول بيت اللَّـه الحرام ، وهم يُسبحون اللَّـه ويحمدونه...»(4). 4ـ بيان الإِمام الصَّادق × ، عن المُفضَّل ، قال : «قال لي أَبو عبداللَّـه×: يا مُفضَّل ، أَمَا علمت أَنَّ اللَّـه تبارك وتعالىٰ بعث رسول اللَّـه’ وهو روح إِلى الأَنبياء ^ ؛ وهم أَرواح قبل خلق الخلق بألفي عام؟ قلتُ: بلىٰ. قال: أَما علمتَ أَنَّه دعاهم إلى توحيد اللَّـه وطاعته واتباع أَمره، ووعدهم الجنَّة على ذلك ، وأَوعد من خالف ما أَجابوا إِليه وأَنكر النَّار؟ فقلتُ: بلىٰ»(5). ودلالة الجميع واضحة على أَنَّ نبوَّة سائر الأَنبياء والرُّسل ^ لا تكون إِلَّا عن طريق نور ومراتب حقيقة سيِّد الأَنبياء ’ الصَّاعدة ، وحيث ثبت في بيانات الوحي في المسائل والأَبحاث المُتقدِّمة ، بل وما سيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) : أَن نور وطبقات حقيقة أَمير المؤمنين × الصَّاعدة هي السبيل والطريق الحصري الوحيد للوصول إِلى فيض نور سيِّد الأَنبياء ’ كانت نبوَّة سائر الأَنبياء والرسل ^ ووحيها وكُلّ ما يتعلَّق بارتباطها بالسَّاحة الإِلٰهيَّة عن طريق نور وحقيقة طبقات أَمير المؤمنين × الصَّاعدة. وهذا بعض ما قصداه البيانان الأَوَّلان. والخلاصة : أَوَّلاً : أَنَّه من نور سيِّد الأَنبياء ’وطبقات حقيقته الصَّاعدة أُوحي إِلى جملة سائر الأَنبياء والرسل والأَوصياء ، منهم : سائر أَنبياء أُولي العزم ... وتتمة البحث تاتي (ان شاء الله تعالى )، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 26 : 338/ح2. علل الشرائع : 14. (2) معارج العُلىٰ (مخطوط). (3) مصباح الهداية : 142. (4) بحار الأَنوار ، 54 : 198 ـ 202/ح145. (5) المصدر نفسه ، 39 : 194 ـ 196/ح5. علل الشرائع : 65.
معارف الهية(71) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس (71 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) ولا زال في الطائفة السادسة، وكانت تحت عنوان : ( لامامة اهل البيت عليهم السلام اياد خطيرة ومهولة ) ، منها الاسم الاعظم ، وروح القدس ، ولازال الكلام في هذا المبحث الاخير ، ووصل بنا البحث الى المطلب التالي : والخلاصة : أَوَّلاً : أَنَّه من نور سيِّد الأَنبياء ’وطبقات حقيقته الصَّاعدة أُوحي إِلى جملة سائر الأَنبياء والرسل والأَوصياء ، منهم : سائر أَنبياء أُولي العزم^، بل وأُوحي من ذلك النور وتلك الطبقة الصَّاعدة إِلى حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة الـمُتمثِّلة بـ : (الروح الأَمري ؛ روح القدس) ، بل وأُوحي من ذلك النور وتلك الطبقة الصَّاعدة إِلى بدن ونفس سيِّد الأَنبياء’ في هذه النشأة الأَرضيَّة ، لكن : بتوسُّط نور أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه وطبقات حقيقته الصَّاعدة الموازية لنور وطبقات حقيقة ذات سيِّد الأَنبياء ’ الصَّاعدة. وحينئذٍ يصحُّ أَنْ يُقال : أَنَّ جملة الأَنبياء والرسل ^ ينبؤون عن سيِّد الأَنبياء ’ ، وهو ’ يأخذ الوحي من اللَّـه (عزَّوجلَّ) بالمباشرة ومن دون واسطة. ثانياً : أَنَّ نبوَّة سيِّد الأَنبياء ’ وبوساطة أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه ثابتة في كلِّ العوالم السَّابقة واللاحقة ولطرِّ المخلوقات... وتتمة البحث تاتي (ان شاء الله تعالى) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار .
معارف الهية(72) تعريف حقيقةالامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس (72 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) ولا زال في الطائفة السادسة، وكانت تحت عنوان : ( لامامة اهل البيت عليهم السلام اياد خطيرة ومهولة ) ، منها الاسم الاعظم ، وروح القدس ، ولازال الكلام في هذا المبحث الاخير ، ووصل بنا البحث الى خلاصة ما تقدم ، نذكرها في نقاط ثلاث ، مر الكلام في الدرس السابق عن النقطة الاولى ، ووصل بنا البحث الان الى النقطة الثانية والثالثة : ثانياً : أَنَّ نبوَّة سيِّد الأَنبياء ’ وبوساطة أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه ثابتة في كلِّ العوالم السَّابقة واللاحقة ولطرِّ المخلوقات. وشأن هذه النُّبوَّة أَخطر وأَعظم هولاً من نبوَّته ’ في هذه النشأة الأَرضيَّة ؛ لخطر وعظم هول تلك العوالم. ومنه تتَّضح : بيانات الوحي الواردة لبيان مقامات سيِّد الأَنبياء ’ ، منها : مقام : (عبداللَّـه ورسوله) ، فإِنَّه مقام عظيم ، لا يختصُّ بهذا العَالَم والنَّشْأَة الأَرضيَّة ، بل يأتي أَيضاً في سائرالعوالم والنَّشَآت السَّابقة واللاحقة ، فهو ’ : (عبد اللَّـه ورسوله) في عَالَم الأَظلَّة والذَّرّ والميثاق ، وفي عَالَم الأَصلاب والأَرحام ، وفي عَالَم : البرزخ النَّازل والصَّاعد ، والرجعة والقيامة والآخرة الأَبديَّة وغيرها ، وهو ’ الواسطة الحصريَّة بين اللّـه (تقدَّس ذكره) وجملة مخلوقاته في كلِّ العوالم والنَّشَآت. ثالثاً : أَنَّ المراد من بيانات الوحي القائلة : «مَنْ زار الإِمام عارفاً بحقِّه ...»(1) أَي : عارفاً بجهة الإِضافة بين اللَّـه (عزَّوجلَّ) والامام صلوات الله عليه ؛ كيما يصح التوجُّه به إِلى السَّاحة الإِلٰهيَّة. وإِلى كلِّ ما تقدَّم تشير بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء ’ مخاطباً أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «... يا عَلِيّ ... وأَنتَ السبب بين اللَّـه وبين خلقه بعدي ، فمن جحد ولايتكَ قطع السبب الَّذي فيما بينه وبين اللَّـه ، وكان ماضياً في الدَّرجات(2)، يا عَلِيّ ، ما عُرف اللَّـه إِلَّا بي ثُمَّ بكَ ، ...»(3). 2ـ بيانه ’ أَيضاً : «لو لا أَنا وَعَلِيّ ما عُرِفَ اللَّـه ، ولولا أَنا وَعَلِيّ ما عُبِدَ اللَّـه ، ولولا أَنا وعَلِيّ ما كان ثواب ولا عقاب ، ولا يستر عَلِيّاً عن اللَّـه ستر ، ولا يحجبه عن اللَّـه حجاب ، وهو الستر والحجاب فيما بين اللَّـه وخلقه»(4). 3ـ بيانه ’ أَيضاً : «... ثُمَّ جعلنا عن يمين العرش ثُمَّ خلق الملائكة فسبَّحنا وسبَّحت الملائكة ، فهللنا فهللت الملائكة ، وكبَّرنا فكبَّرت الملائكة ، وكان ذلك من تعليمي وتعليم عَلِيّ ، وكان ذلك في علم اللَّـه السَّابق : أَنَّ الملائكة تتعلَّم مِنّا التَّسبيح والتَّهليل ، وكلّ شيءٍ يُسَبِّح للَّـه ويكبِّره ويهلِّله بتعليمي وتعليم عَلِيّ...» (5). 4ـ بيان أَمير المؤمنين × : «... أَنا الخضر عَالِم موسىٰ ، وأَنَا مُعَلِّم سليمان بن داود ...»(6). 5ـ بيانه × أَيضاً : «... أَنا كلمة اللَّـه النَّاطقة في خلقه ... أَنا صاحب الهبات بعد الهبات ولو أَخبرتكم لكفرتم ... أَنا صاحب القرون الأُولين ... أَنَا المعطي ، أَنا المبذل ... أَنَا البيت المعمور ، أَنَا السقف المرفوع ، أَنَا البحر المسجور ... أَنَا المذكور في السَّماوات والأَرض ، أَنَا الماضي مع رسول اللَّـه في السَّماوات ...»(7). 6ـ بيان الإِمام الباقر × : «ليس شيء أَقرب إِلى اللَّـه تعالىٰ من رسوله ، ولا أَقرب إِلى رسوله من وصيِّه ، فهو في القرب كالجنب ...» (8). ودلالة الجميع واضحة. / العلم اللدنِّي وعلم التَّأويل / الطائفة السَّابعة : ما دلَّ على أَنَّ يد السَّاحة الإِلٰهيَّة أَمدَّت أَئمَّة أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم بـ : (العلم اللدنِّي) و (علم التأويل)...وتتمة البحث تاتي (ان شاء الله تعالى) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 2 : 147/ح7. و: ج36 : 286/ح107. و: ج99 : 41/ح43. (2) في المصدر : (وكان ماضياً في الدركات). (3) بحار الأَنوار ، 22 : 147/ح141. كتاب سليم بن قيس : 215 ـ 216. (4) المصدر نفسه ، 40 : 96/ح116. كتاب سليم بن قيس : 168 ـ 170. (5) بحار الأَنوار ، 26 : 345 ـ 346/ح18. إرشاد القلوب : 215 ـ 216. (6) بحار الأَنوار، 26 : 6/ح1. (7) مشارق أَنوار اليقين / الخطبة الإِفتخاريَّة. (8) بحار الأَنوار ، 24 : 202/ح36.
معارف الهية(73) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس (73 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، وعن الطائفة السادسة في الدرس (59 الى 72 ) ووصل البحث ( بحمد الله تعالى) الى الطائفة السابعة : / العلم اللدنِّي وعلم التَّأويل / الطائفة السَّابعة : ما دلَّ على أَنَّ يد السَّاحة الإِلٰهيَّة أَمدَّت أَئمَّة أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم بـ : (العلم اللدنِّي) و (علم التأويل). ويُمثِّلها : بيان قوله جلَّ قدسه الوارد لبيان قضيَّة الخضر مع النَّبيّ موسىٰ ‘: [فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا](1)، وقوله جلَّ جلاله بعد ذلك : [سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا](2)، وقوله جلَّ ثناؤه في خاتمة هذه القضيَّة : [ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا](3). تقريب الدلالة يتوقَّف على مُقَدِّمتين : الأُولىٰ : أَنَّ الثابت في بيانات الوحي ، بل وفي هذا البيان الشَّريف : أَنَّ الخضر × من كُمِّل المخلوقات وحُجَّة مُصطفاة ، وقد أَمدَّه اللَّـه عزَّوجلَّ بـ : (العلم اللدنِّي) و(علم التأويل). الثَّانية : أَنَّ الثابت في بيانات الوحي الأُخرىٰ المتواترة ـ منها : ما تقدَّم في الطائفة الرابعة ـ : أَنَّ يد السَّاحة الإِلٰهيَّة أَمدَّت أَئمَّة أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم بكافَّة ما كان ثابتاً لكُمَّل المخلوقات وزيادة. والنتيجة : أَنَّ يد السَّاحة الإِلٰهيَّة أَمدَّت أَئمَّة أَهل البيت ^ بـ : (العلم اللدنِّي) و (علم التأويل)(4). / إِمامة أَهل البيت ^ لها سر ولها علانية / الطائفة الثامنة : ما دلَّ على أَنَّ لأَئمَّة أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم سر وعلانية ، ولسرِّهم أَسراراً(5). ويُمثِّلها : 1ـ بيان الإِمام الصَّادق × : «إِنَّ أَمرنا سرّ مستتر ، وسرّ لا يفيده إِلَّا السرّ ، وسرّ على سرّ ، وسرّ مقنَّع بسرٍّ »(6). 2ـ بيانه × أَيضاً : «إِنَّ أَمرنا هو الحقّ ، وحقّ الحقّ ، وهو الظَّاهر ، وباطن الظَّاهر ، وباطن الباطن ، وهو السرّ ، وسرّ السرّ ، وسرّ المستسر(7)، وسرّ مقنَّع بالسرِّ»(8). 3ـ بيان زيارة سيِّد الشهداء صلوات اللَّـه عليه : «... آمنت بسركم وعلانيتكم ، وبظاهركم وباطنكم ...» (9).(10) ودلالة الجميع واضحة. / وحي الإِمامة وحي إِلهيّ من دون واسطة / الطائفة التاسعة : ما دلَّ على أَنَّ وحي إِمامة أَهل البيت ^ وحي إِلٰهيّ من دون واسطة ، بخلاف النُّبوَّة... وتتمة البحث تاتي (ان شاء الله تعالى) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الكهف : 65. (2) الكهف : 78. (3) الكهف : 82. (4) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ عقليَّة المعصوم × وحي ، لكنَّه ليس نبويّاً ، وإِنَّما لدنِّي. والعلم الوحيانيُّ أَرقىٰ وأَكمل أَصناف العلم ورأس هرمها. ومن ثَمَّ من الخطأ الفاحش التَّعبير عن حسن تصرُّف المعصوم بـ : (الدهاء) وما شاكله ؛ لكونه ـ والعياذ باللَّـه ـ ليس أَهل تحايل ، بل أَهل حكمة وبصيرة إِلٰهيَّة ثاقبة. (5) مَنْ أَراد تدوين دورة عقائديَّة فعليه ذكر نكتة مُهمَّة في باب : (النُّبوَّة) ، وباب : (الإِمامة) لم تذكر من قبل ، مع أَنَّها طافحة في أَبجديَّات بيانات الوحي الإِلٰهي الوافرة الباهرة ، حاصلها : أَنَّ لأَهل البيت (صلوات اللَّـه عليهم) ظاهراً وباطناً ، ولبواطنهم بواطناً وأَسراراً ، ولِأَسرارهم أَسراراً ومُستسرّاً. وهذه نكتة عقائديَّة مُهمَّة جِدّاً ، وفائدة معرفيَّة جليلة وخطيرة ومهولة جِدّاً ، أُرتشفت من بيانات الوحي ، لاسيما بيانات أَدعيتهم وزياراتهم (صلوات اللَّـه عليهم) المتواترة. (6) بحار الأَنوار ، 2 : 71/ح31. (7) وفي نسخة : (وسرّ المستتر). (8) بحار الأَنوار ، 2 : 71/ح33. (9) المصدر نفسه ، 98 : 260. المزار الكبير : 143 ـ 144. (10) إِنَّه من أَراد التَّعرُّف على البطاقة الشخصية للإِمام × فعليه : مراجعة إِضافة إِلى بيانات القرآن الكريم والروايات مراجعة بيانات الأَدعية والزيارات وهما الأَهم.
معارف الهية(74) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس (74 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، وعن الطائفة السادسة في الدرس (59 الى 72 ) ، وعن الطائفة السابعة والثامنة في الدرس(73) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى الطائفة التاسعة : / وحي الإِمامة وحي إِلهيّ من دون واسطة / الطائفة التاسعة : ما دلَّ على أَنَّ وحي إِمامة أَهل البيت عليهم السلام وحي إِلٰهيّ من دون واسطة ، بخلاف النُّبوَّة. ويُمثِّلها : 1ـ بيان أَبي جعفر عليه السلام ، عن إِسحاق القُمِّيّ ، قال : «قلتُ لأَبي جعفر عليه السلام : جُعِلْتُ فداك ، ما قدر الإِمام ؟ قال : يسمع في بطن أُمَّه ، فإذا وصل إِلى الأَرض ... يتشعَّب له عموداً من نورٍ من تحت بطنان العرش إِلى الأَرض يرىٰ فيه أَعمال الخلائق كُلِّها ، ثُمَّ يتشعَّب له عمود آخر من عند اللَّـه إِلى أُذن الإِمام ، كُلَّما احتاج إِلى مزيد أُفرغ فيه إِفراغاً»(1). 2ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «إِنَّ للَّـه عموداً من نورٍ ، حجبه اللَّـه عن جميع الخلائق ؛ طرفه عند اللَّـه ، وطرفه الآخر في أُذن الإِمام ، فإِذا أَردا اللَّـه شيئاً أَوحاه في أُذن الإِمام ×»(2). 3ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن صالح بن سهل ، قال : «كنتُ جالساً عنده فقال لي ابتداءً منه : يا صالح بن سهل ، إِنَّ اللَّـه جعل بينه وبين الرسول رسولاً ، ولم يجعل بينه وبين الإِمام رسولاً. قال : قلتُ : وكيف ذاك ؟ قال: جعل بينه وبين الإِمام عموداً من نورٍ ، ينظر اللَّـه به إِلى الإِمام ، وينظر الإِمام به إِليه ، فإذا أراد علم شيءٍ نظر في ذلك النُّور فعرفه»(3). ودلالة ـ كدلالة سابقيه ـ واضحة. 4ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «إِنَّ لنا مع اللَّـه حالات لا يسعنا فيها نبيّ مرسل ، ولا ملك مُقرَّب»(4). ودلالته قد اِتَّضحت ؛ فإِنَّه برهانٌ وحيانيٌّ دالٌّ على أَنَّ أَهل البيت عليهم السلام يتمتَّعون بوحيٍ ليست فيه واسطة ملك مُقرَّب ـ كجبرئيل وميكائيل وإسرافيل ـ ، بل ولا روح القدس. وهذا النحو من الوحي تنتفي فيه ماهيَّة (مُحمَّد ، وعَلِيّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين) وماهيَّات سائرأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ؛ ليصحبوا أَسماء إِلٰهيَّة لا تُرىٰ فيها مرتبة من مراتب ذواتهم الشَّريفة. وهذا أَعظم أَنواع الوحي ومراتبه ، ومنه يتغذىٰ روح القدس (حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة) ، فضلاً عن جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل عليهم السلام . / حاكميَّة إِمامة أَهل البيت عليهم السلام شاملة لجملة البشر / الطائفة العاشرة : ما دلَّ على أَنَّ إِمامة أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم حاكمة ومُهيمنة على جملة البشر ؛ من بدء الخِلقة والوجود إِلى أَبد الآباد ودهر الدُّهور ... وتتمة البحث تاتي (ان شاء الله تعالى) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بصائر الدرجات ، 2 : 345/ ح1575 ـ 6. (2) بحار الأَنوار ، 26 : 134/ح9. بصائر الدرجات ، 2 : 340/ ح1570 ـ 1. (3) المصدر نفسه /ح10. بصائر الدرجات ، 2 : 340 ـ 341/ ح1571 ـ 2. المحتضر : 128. (4) أربعون العلامة المجلسي : 177. الكلمات المكنونة : 101. بتغيير يسير في العبارة. بصائر الدرجات: 23/ب11.
معارف الهية (75) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس (75 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، وعن الطائفة السادسة في الدرس (59 الى 72 ) ، وعن الطائفة السابعة والثامنة في الدرس(73) ، وعن الطائفة التاسعة في الدرس(74) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى الطائفة العاشرة : / حاكميَّة إِمامة أَهل البيت عليهم السلام شاملة لجملة البشر / الطائفة العاشرة : ما دلَّ على أَنَّ إِمامة أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم حاكمة ومُهيمنة على جملة البشر ؛ من بدء الخِلقة والوجود إِلى أَبد الآباد ودهر الدُّهور ، منهم سائر كُمَّل البشر ؛ فإِنَّ سائر جملة الأَنبياء والمرسلين والأَوصياء والأَصفياء عليهم السلام وإِن كانوا من كُمَّل المخلوقات لكنَّهم مع ذلك يحتاجون إِلى مخلوقات أَعلىٰ منهم رتبة ومقاماً وعلماً وشرفاً وفضلاً وكمالاً ، يُؤمُّونهم وينظِّمون ويُديرون أُمورهم ، وأَئمَّة أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم هم الَّذين متَّعتهم يد ساحة القدس الإِلٰهيَّة بخاصيَّة إِدارة أُمور وشؤون الكُمَّل من موقع تكويني إِلٰهيّ أَرفع وأَعلىٰ. / فلاحظ : بيانات الوحي ، منها : / أَوَّلاً : بيان الحديث القدسي ، عن عدَّة من أَصحاب رسول الله صلى الله عليه واله ، منهم جابر بن عبدالله الأَنصاري، قال: «... ثُمَّ نظر آدم عليه السلام إِلى نور قد لمع فسدَّ الجو المُنخرق ، فأَخذ بالمطالع من المشارق ، ثُمَّ سرىٰ كذلك حتَّىٰ طبق المغارب ؛ ثُمَّ سما حتَّىٰ بلغ ملكوت السَّماء ، فنظر فإذا هو نور مُحمَّد صلى الله عليه واله ، وإذا الاكناف به قد تضوَّعت طيباً ، وإِذا أَنوار أَربعة قد اكتنفته عن يمينه وشماله ومن خلفه وأمامه ، أشبه شيء به أَرجاً ونوراً ، ويتلوها أَنوار من بعدها تستمد منها ... فبهر آدم صلَّىٰ اللّٰـه عليه ما رأىٰ من ذلك ، وقال : يا عَالِم الغيوب ... مَنْ هذا الخلق السعيد الَّذي كرَّمت ورفعت على العالمين ؟! ومَنْ هذه الأَنوار المكتنفة له ؟! فأَوحىٰ اللَّـه عزَّ وجل إِليه : يا آدم ، هذا وهؤلاء وسيلتكَ ووسيلة من أسعدتُ من خلقي ، هؤلاء السَّابقون المُقرَّبون والشَّافعون المُشَفَّعون ، وهذا أَحمد سيِّدهم وسيِّد بريَّتي ...» (1). ودلالته واضحة. / الأَدب الإِلهي كاشف عن صلاحيات ومواقع إِلهيَّة / بعد الإِلتفات إِلى أَمر استقرَّت عليه كلمة مُحقِّقي المُتكلِّمين والمُفسِّرين وغيرهم من بُحَّاث المعارف يجدر الإِلتفات إِليه ، حاصله : أَنَّ الأَدب الإِلٰهي من اللَّـه (عزَّوجلَّ) مع أَصفيائه ، أَو من الأَصفياء معه تعالىٰ ، أَو بين الأَصفياء يرجع في حقيقته إِلى أَنَّ مَنْ حُبي بهذا الأَدب يتمتَّع بمقامات دينيَّة ، وصلاحيَّات شرعيَّة ، ومواقع عقائديَّة. مثاله : ما حصل من النَّبيّ موسىٰ إِتجاه الخضر عليهما السلام ، في الحوارية الَّتي جرت بينهما ، وحكتها بيانات سورة الكهف(2): فإِنَّه حينما يصف نفسه بـ : (التابع في بيان قوله جلَّ جلاله ـ المُقتصّ لخبرهما ـ : [قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا](3)، ليست قضيَّة مجاملات أَو تعارفات أَو مدائح ، وإِنَّما حقيقة كاشفة عن مقامات وشؤون وهِبَات إِلٰهيَّة يتمتَّع بها الخضر دون النَّبيّ موسى عليهما السلام ، ومعناه: أَنَّ للخضر موقعيَّة إِلٰهيَّة غيبيَّة ، لا يتمتَّع بها النَّبيّ موسىٰ عليه السلام ؛ وإِنْ كان له عليه السلام (4) من جهةٍ أُخرىٰ فضلاً وكمالاً وموقعيَّة إِلٰهيَّة غيبيَّة ؛ لا يتمتَّع بها الخضر عليه السلام ، امتاز وتقدَّم بها عليه. وعلى هذا قس : ما فعله الخضر عليه السلام ؛ فإِنَّه لم يقل للنَّبيّ موسىٰ عليه السلام : (اتبعني) ، وإِنَّما قال : [ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي](5) فإِنَّه لو كانت له ولاية تفوق ولاية النَّبيّ موسىٰ عليه السلام من جميع الجهات لكان المناسب له أَن يَبُتَّ بالقضيَّة ، ولا يجعل الخيار بيد النَّبيّ موسىٰ عليه السلام . ومعناه : أَنَّ بينهما عليهما السلام مشاركة ولائيَّة إِلٰهيَّة وتوزيع أَدوار إِلٰهيَّة. إِذَنْ : في عَالَم الأَصفياء نظم ولائي غيبيّ إِلٰهي ، دقيق ورشيق جِدّاً ، وصفاء عجيب في دقَّة الحقائق والمواقع والمأموريَّات والمناصب والمواقع والمقامات الإِلٰهيَّة بشكل بديع ؛ لا يزيد فيها مخلوق على حَدِّه وقدره المتمتَّع به من يد السَّاحة الإِلٰهيَّة. وبالجملة : الأَدب الإِلٰهيّ ـ من اللَّـه عزَّوجلَّ إِتِّجَاه الأَصفياء ، أَو من الأَصفياء إِتِّـجَاهه (تقدَّس اسمه) ، أَو بين الأَصفياء المُصطفين بالإِصطفاء الإِلٰهي ـ يُحدِّد مواقع الأَصفياء الرسميَّة الإِلٰهيَّة ودرجات الولاية الإِلٰهيَّة. ثُمَّ إِنَّ ما ورد في كثير من بيانات الوحي ، منها : بيان قوله تقدَّست أَسماؤه : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ](6). براهين وحيانيَّة دالَّة على أَنَّ التَّأَدُّب مع سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ليس من فروع الدِّين ، بل من أُصوله ، وإِلَّا كيف تحبط الفروع مطلق أَعمال المُكلَّف منها: الأُصول والإِيمان ، فكيف يحبط سوء أَدب فرعي مع سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله الإِيمان باللَّـه تعالىٰ. ثانياً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... الإِمام ... يختاره اللَّـه ويجعل فيه ما يشاء ويوجب له بذلك الطاعة والولاية على جميع خلقه ... وتتمة البحث تاتي (ان شاء الله تعالى) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 26 : 310 ـ 315/ح77. تفضيل الأَئمَّة : (مخطوط). (2) سورة الكهف : 65 ـ 82. (3) الكهف : 66. (4) مرجع الضمير : (النَّبيّ موسىٰ عليه السلام ). (5) الكهف : 70. (6) الحجرات : 2.
معارف الهية (76) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس (76 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، وعن الطائفة السادسة في الدرس (59 الى 72 ) ، وعن الطائفة السابعة والثامنة في الدرس(73) ، وعن الطائفة التاسعة في الدرس(74) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى الطائفة العاشرة ، وكانت تحت عنوان : ( حاكميَّة إِمامة أَهل البيت عليهم السلام شاملة لجملة البشر ) ،ووصل الكلام الى الدليل الثاني : ثانياً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... الإِمام ... يختاره اللَّـه ويجعل فيه ما يشاء ويوجب له بذلك الطاعة والولاية على جميع خلقه ... وأَخذ له بذلك العهد على جميع عباده ، فمَنْ تقدَّم عليه كفر باللَّـه من فوق عرشه ... فالعزة للنَّبيّ وللعترة ... فهم رأس دائرة الإِيمان وقطب الوجود ، وسماء الجود ، وشرف الموجود ... فالإِمام ... مهيمن اللَّـه على الخلائق ، وأَمينه على الحقائق، وحُجَّة اللَّـه على عباده ... هذا كلّه لآل مُحمَّد ، لا يُشاركهم فيه مُشارك... خلقهم اللَّـه من نور عظمته ، وولَّاهم أمر مملكته ... علم الأَنبياء في علمهم ، وسِرّ الأَوصياء في سرِّهم ، وعزّ الأَولياء في عزِّهم كالقطرة في البحر ، والذَّرَّة في القفر... ومن أَنكر ذلك فهو شقيٌّ ملعون يلعنه اللَّـه ويلعنه اللاعنون... فهم مبدء الوجود وغايته ، وقدرة الرَّبّ ومشيئته ... وحُجَج اللَّـه على الأَوَّلين والآخرين ... وان اللَّـه لم يخلق أحداً إِلَّا وأَخذ عليه الإِقرار بالوحدانيَّة والولاية للذريَّة الزَّكيَّة ، والبراءة من أعدائهم...»(1). ثالثاً : بيان الإِمام الباقر عليه السلام : «... لا يقوم الأَنبياء والرُّسل والمُحدَّثون إِلَّا أَنْ يكون عليهم حُجَّة ...»(2). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة. رابعاً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «إِنَّ اللَّـه تبارك وتعالىٰ حيث خلق الخلق ... قال: أَلَستُ بربِّكم؟ قالوا : بلىٰ شهدنا أَنْ تقولوا يوم القيامة إِنّا كُنَّا عن هذا غافلين ، ثُمَّ أخذ الميثاق على النَّبيِّين ، فقال : أَلَسْتُ بربِّكم ، وأَنَّ هذا مُحمَّد رسولي ، وأَنَّ هذا عَلِيٌّ أَمير المؤمنين؟ قالوا : بلىٰ ، فثبتت لهم النُّبوَّة ، وأَخذ الميثاق على أُولي العزم ، أَنَّني ربّكم ، ومحمَّد رسولي ، وعَلِيّ أَمير المؤمنين ، وأوصياؤه من بعده ولاة أَمري ، وخزَّان علمي ، وأَنَّ المهدي أنتصر به لديني، واظهر به دولتي ، وأنتقم به من أعدائي ، وأُعبد به طوعاً وكرها ، قالوا : أقررنا يا ربّ ، وشهدنا...» (3). ودلالته واضحة ؛ فإِنَّ نفس طلب الإِقرار بهذه الثلاثة دليل على أَنَّهم محكومين بها شاءوا أَم أَبوا. ويضاف إِليه : أَنَّ أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه لَـمَّا مُتِّع بهذا المقام والمنحة والهبة الإِلٰهيَّة في بدء الخلقة ؛ كانت مُفَعَّلة في حقِّه في تلك العوالم ، وحيث إِنَّ الأَنبياء والرُّسل والأَوصياء والأَصفياء عليهم السلام قمَّة هرم المخلوقات المؤمنة ، وأَجلىٰ مصاديقها كان أَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم أُمرائهم وأَئمَّتهم. / شمول الإِمامة الإِلهيَّة لجملة أَحوال وشؤون العوالم والمخلوقات / الطائفة الحادية عشرة : ما دلَّ على أَنَّ حقيقة وبنود ومحاور وأَعمدة الإِمامة الإلٰهيَّة لا تقتصر على عَالَم الدُّنيا الأُولىٰ ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 25 : 169 ـ 174/ح38. (2) المصدر نفسه : 73/ح63. كنز الفوائد : 395 ـ 398. (3) بحار الأَنوار ، 64 : 114/ح23. الكافي ، 2 : 8.
معارف الهية(77) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس (77 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، وعن الطائفة السادسة في الدرس (59 الى 72 ) ، وعن الطائفة السابعة والثامنة في الدرس(73) ، وعن الطائفة التاسعة في الدرس(74) ، وعن الطائفة العاشرة في الدرس(75 ـ 76) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى الطائفة الحادية عشرة : / شمول الإِمامة الإِلهيَّة لجملة أَحوال وشؤون العوالم والمخلوقات / الطائفة الحادية عشرة : ما دلَّ على أَنَّ حقيقة وبنود ومحاور وأَعمدة الإِمامة الإلٰهيَّة لا تقتصر على عَالَم الدُّنيا الأُولىٰ ـ كما حصرتها الكُتُب الكلاميَّة وغيرها ـ بل تشمل طرّ العوالم والمخلوقات غيرالمتناهية ؛ من بداية الخلقة والوجود إِلى ما لا نهاية له ، منها : عَالَم البرزخ ـ وهو حاشية لعَالَم الدُّنيا ـ وعَالَم آخرة الدُّنيا (الرجعة)(1)، وعَالَم القيامة ، وعَالَم الآخرة الأَبديَّة ـ الجنَّة والنَّار الأَبديِّتان ـ وغيرها. وتشمل أَيضاً جميع أَحوالها وشؤونها. ومفروضة على جميع مخلوقات هذه العوالم ، فلا تشمل الإِنس والجن فحسب ، بل والملائكة وسائر المخلوقات من بداية الخلقة إِلى ما لا نهاية ، فأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم هم الَّذين يُؤمُّون ويقودون كُلَّ المخلوقات غيرالمتناهية ، وفي جملة العوالم ؛ في سلسلة عوالم قوس النزول ، وسلسلة عوالم قوس الصعود (2). ولك أَنْ تَقول : إِنَّ الملائكة بعدما كانوا على طبقات من حيث العصمة؛ احتاجوا إِلى سيِّد وناظم أَرفع درجة ، وأَعلىٰ مقاماً ، وأَعظم شأناً يُدير وينظِّم شؤون وأَحوال وما يحصل من إِصطكاك واختلاف بين تلك الطبقات ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ كافَّة الأَئمَّة الأثني عشر صلوات اللَّـه عليهم ـ منهم : الإِمام الحُجَّة بن الحسن عجل اللَّـه تعالى فرجه ـ يرجعون في عَالَم الرجعة كرَّات ومرَّات ، لكنَّ أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه أَكثرهم رجوعاً ، ويرجع جميعهم صلوات اللَّـه عليهم إِلى الأَرض في عَالَم الرَّجعة في الدولة النهائيَّة والأَخيرة ، وهي دولة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، وقبلها تكون دولة أَمير المؤمنين عليه السلام ، وهي آخر دولة له عليه السلام ، ربَّى وطوَّع البشريَّة لها كرَّات ومرَّات ؛ كيما تستأهل البشريَّة لأَعظم دولة يُقيمها صلوات اللَّـه عليه. والثابت في بيانات الوحي المستفيضة : أَنَّ البشريَّة لا تتأهل في دولة الإِمام المهدي عجل اللَّـه تعالى فرجه لوجود سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، ومن ثَمَّ يأتي بعد الإِمام الحُجَّة سيِّد الشهداء عليهما السلام ليقيم دولته ، فدولة الإِمام المهدي عجل اللَّـه تعالى فرجه مُمهِّدَة لدولة سيِّد الشهداء عليه السلام ولكمال عظيم ، ثُمَّ يأتي دور أَمير المؤمنين عليه السلام ليُقيم دولته الأُولىٰ في الرجعة ، فدولة سيِّد الشهداء مُمَهِّدَة لدولة أَمير المؤمنين عليهما السلام الأُولىٰ ، ومع كُلّ هذا لم تستأَهل البشريَّة بعدُ ؛ فاحتاج أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه إِلى الرجوع كرَّات ومرَّات أَكثر من سائر أَهل البيت عليهم السلام على الإِطلاق ، وهذه عقيدة من ضروريَّات عقيدة الرجعة. إِذَنْ : البشريَّة لا تستأهل ـ أَي : ليست مؤهلة لـ ـ وجود سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، بل ولا لوجود سيِّدة النساء صلوات اللَّـه عليها في عَالَم الرجعة إِلَّا في نهاياتها ، فلها صلوات اللَّـه عليها رجعة مع أَبيها صلى الله عليه واله في دولته الخاتمة والعظمىٰ. وهذا ما يوضح سر وفلسفة سرعة لحاقها بأبيها صلوات اللَّـه عليهما وعلى آلهما بعد استشهاده ورحيله إِلى الرفيق الأَعلىٰ ، فلم تبقَ تحت ظل إِمامة أَمير المؤمنين عليه السلام طويلاً ، فضلاً عن بقائها تحت ظل إِمامة الحسنين صلوات اللَّـه عليهم ، وصارت تحت ظل وهيمنة اللَّـه تقدَّس ذكره وأَبيها صلى الله عليه واله ، فأَيُّ فيضٍ نبويّ هذا. وهذا ما يشير إِليه بيان رثاء أَمير المؤمنين عليه السلام بعدما دفنها ونفض تراب قبرها من يده ، وهاج به الحزن والأَلم ، فدار طرف وجهه إِلى قبر سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله وقال: «السَّلام عليكَ يا رسول اللَّـه عنِّي ، والسَّلام عليكَ عن ابنتك ، وزائرتكَ ، والبائتة في الثرىٰ ببقعتك ، والمختار اللَّـه لها سرعة اللحاق بكَ ، ... لقد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة ... سرعان ما فُرِّق بيننا وإِلى اللَّـه أَشكو ... فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إِلى بثِّه سبيلاً...». بحار الأَنوار ، 43 : 193/ح21. وفي هذا البيان الوحيانيُّ محطَّات عظيمة وعجيبة ، وأَسرار لطيفة وبديعة دالَّة على مدىٰ عظمة شخصيَّة ومقامات فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها ، منها : 1ـ إِنَّ البشريَّة لا زالت بعدُ لم تستأهل طول بقائها ، كحال أَبيها صلوات اللَّـه عليهما وعلى آلهما ، بل البشريَّة إِلى الآن لم تستأهل الإِمام الحُجَّة بن الحسن عجل اللَّـه تعالى فرجه ، بل ولم تستأهل بقائهما صلوات اللَّـه عليهما وعلى آلهما في دولة ظهوره عجل اللَّـه تعالى فرجه ، ومن ثَمَّ يأتي دور سيِّد الشهداء عليه السلام ودولته في عَالَم الرجعة، فيكون دور الإِمام الحُجَّة بن الحسن عجل اللَّـه تعالى فرجه ودولته مُمهِّد لكمال أَعظم ، وهو : دور سيِّد الشهداء عليه السلام ودولته ، ودور سيِّد الشهداء ودولته مُمَهِّد لكمال أَعظم ، وهو : دور أَمير المؤمنين عليهما السلام ودولته ، ثُمَّ إِنَّ أَمير المؤمنين عليه السلام لا تستأهل البشريَّة برجعةٍ وكرَّةٍ ، بل برجعات وكرَّات ، وهو أَكثر إِمام على الإِطلاق يعود إِلى النشأة الأَرضيَّة في عَالَم الرَّجعة (آخرة الدُّنيا) ويقيم عليه السلام فيها دولاً عديدة ؛ غايتها تطويع البشريَّة وتأهيلها وتربيتها مرَّات وكرَّات ؛ كيما تستأهل أَعظم دولة ـ بالقياس إلى سائر دول الأَئمَّة الإِثني عشر عليهم السلام في عَالَم الرجعة ـ يقيمها أَمير المؤمنين عليه السلام ، وهي آخر دولة له صلوات اللَّـه عليه ، المُمتدّ عمرها (44 أًلف سنة) ، قبل دولة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله الأَعظم على الإِطلاق. بعد الإِلتفات : أَنَّ الثابت في الدراسات البشريَّة المختلفة ـ الغربيَّة والشَّرقيّة والأَديانيَّة ـ : أَنَّ عمر البشريَّة من بداية نزول النَّبيّ آدم عليه السلام إلى عصرنا هذا لم يمضِ عليها أَكثر من عشرة آلاف سنة. ثُمَّ إِنَّه تظهر في عَالَم الرجعة مقامات عظيمة لأَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت عليهم السلام ، نعم في عَالَم القيامة تظهر مقامات أَعظم لسيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، وهذا يعني : أَنَّ كمالات ومقامات أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه مُمَهِّدَة لظهور كمالات ومقامات سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله . 2ـ إِنَّ فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها يجب أَنْ تبقىٰ تحت هيمنة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، لا تحت هيمنة أَحدٍ من سائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم كأَمير المؤمنين عليه السلام ؛ لأَنَّها كفؤ له فكيف تكون تحت هيمنته ، ومن ثَمَّ لهول عظمتها وخطرها ضجَّت المدينة المنوَّرة يوم استشهادها ؛ كيوم استشهاد سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ؛ لأَنَّ هذا النور النَّبويّ العظيم خفت في الكون في ذلك اليوم من ظاهر عَالَم النشأة الأَرضيَّة. وهذا ما يشير إِليه بيان أَمير المؤمنين عليه السلام بقوله : «فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إِلى بثِّه سبيلاً» ؛ فإِنَّه برهانٌ وحيانيٌّ دالٌّ على أَنَّه لم يكن هناك كهف للزهراء عليها السلام غير أَبيها صلوات اللَّـه عليهما وعلى آلهما. وهذه ليس قضيَّة عاطفة ، وإِنَّما بيان لمقام إِلٰهيّ. (2) ينبغي الإِلتفات : أَنَّه ورد في بيان الزيارة الجامعة لأَئمَّة المؤمنين عليهم السلام : أَنَّ سبب رقي أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم فوق جملة المخلوقات ، منهم : سائر المخلوقات المكرَّمة ، وفوق كُلّ مُقرَّبٍ ومصطفي : أَنَّ اللَّـه عزَّوجلَّ روّض قلوبهم بدرجة عظيمة من الخوف والرجاء لا توجد في قلب مخلوقٍ قَطُّ.
معارف الهية(78) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس (78) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، وعن الطائفة السادسة في الدرس (59 الى 72 ) ، وعن الطائفة السابعة والثامنة في الدرس(73) ، وعن الطائفة التاسعة في الدرس(74) ، وعن الطائفة العاشرة في الدرس(75 ـ 76) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى الطائفة الحادية عشرة ، وكانت تحت عنوان : ( شمول الإِمامة الإِلهيَّة لجملة أَحوال وشؤون العوالم والمخلوقات ) ، ووصل الكلام فيها الى المطلب التالي : ولك أَنْ تَقول : إِنَّ الملائكة بعدما كانوا على طبقات من حيث العصمة؛ احتاجوا إِلى سيِّد وناظم أَرفع درجة ، وأَعلىٰ مقاماً ، وأَعظم شأناً يُدير وينظِّم شؤون وأَحوال وما يحصل من إِصطكاك واختلاف بين تلك الطبقات ، المُشار إِليها في بيانات الوحي ، منها : بيان قوله عزَّ مَنْ قائل : [مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ](1). بل الثابت في البحوث العلميَّة : أَنَّ كُلَّ كثرةٍ في مُطلق الحقائق والعلوم ـ وإِنْ كانت من عَالَم النُّور ـ تحتاج إِلى وحدة وناظم. ومن ثَمَّ ورد في بيانات الوحي المستفيضة ، بل المتواترة : أَنَّ الإِمام من أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم بعدما كان هو خليفة اللَّـه الأَعظم جعلته يد الساحة الإِلٰهيَّة : ناظماً لجملة المخلوقات وعوالمها وأَحوالها وشؤونها ، وميزاناً لها ، وحاكماً عليها وإِلَّا لدبَّ الإِختلاف والفساد في نظام عَالَم الخلقة والوجود. هذه هي حقيقة الإِمامة الإِلٰهيَّة الكبرىٰ الَّتي تمتَّع بها أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم فقط من بين جملة المخلوقات. ومن دون معرفة المخلوق لهذه الحقيقة لم يعرف إِمامتهم صلوات اللَّـه عليهم. وبالجملة : دور إِمامة أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم من بداية الخلقة والوجود إِلى ما لا نهاية ؛ لأَنَّها هي الَّتي توصل المخلوق إِلى الغاية والكمال المُطلق ، وهو غير متناهي ، فيكون دورها غير متناهٍ أَيضاً. ويدلُّ عليه : أَوَّلاً : بيانات الوحي الدَّالَّة على أَنَّ الإِمامة الإِلٰهيَّة من الدِّين ، بل من أَعمدته وأُسسه وأَركانه ، وحيث إِنَّ الدِّين شامل لطُرِّ العوالم والمخلوقات ولكافَّة أَحوالها وشؤونها ـ كما صرَّحت بذلك أَيضاً جملة من بيانات الوحي الوافرة الباهرة ـ فتكون الإِمامة الإِلٰهيَّة شاملة أَيضاً لجملة العوالم والمخلوقات ، ولكافَّة أَحوالها وشؤونها. ثانياً : الأَدلَّة الوحيانيَّة الخاصَّة ، منها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... فبنا احتجَّ على خلقه ، فما زلنا في ظلَّةٍ خضراء حيث لا شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار ، ولا عين تطرف ، نعبده ونُقدِّسه ونُسَبِّحه ، وذلك قبل أَنْ يخلق الخلق ، وأَخذ ميثاق الأَنبياء بالإِيمان والنصرة لنا... وسوف ينصرونني ، ويكون لي ما بين مشرقها إِلى مغربها ، وليبعثنَّ اللَّـه أَحياء من آدم إلى محمَّد صلى الله عليه واله كلَّ نبيٍّ مرسلٍ ، يضربون بين يديَّ بالسيف هام الأَموات والأَحياء والثقلين جميعاً... وإنَّ لي الكرَّة بعد الكرَّة ، والرَّجعة بعد الرَّجعة ، وأنا صاحب الرجعات والكرَّات ، وصاحب الصولات والنقمات ، والدولات العجيبات ... وأَنا صاحب الجنَّة والنَّار ، أسكن أهل الجنَّة الجنَّة ، وأسكن أَهل النَّار النَّار ، وإِليَّ تزويج أَهل الجنَّة ، وإِليَّ عذاب أَهل النَّار ، وإِليَّ إِياب الخلق جميعاً ، وأَنا الإِياب الَّذي يؤوب إِليه كلّ شيءٍ بعد القضاء ، وإِليَّ حساب الخلق جميعاً ، وأَنا صاحب الهبات ، وأنا المؤذن على الأعراف ... وأنا أمير المؤمنين ، ويعسوب المتقين ، وآية السَّابقين ، ولسان النَّاطقين ... وخليفة ربّ العالمين ، وصراط ربِّي المستقيم ، وفسطاطه، والحُجَّة على أَهل السَّماوات والأَرضين ، وما فيهما وما بينهما ، وأَنا الَّذي احتج اللَّـه به عليكم في ابتداء خلقكم ، وأَنا الشَّاهد يوم الدِّين ... وأنا الذي أحصيتُ كُلَّ شيءٍ عدداً بعلم اللّٰـه الَّذي أودعنيه...»(2). 2ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «... ويطيعنا كلّ شيءٍ حتَّىٰ السَّماوات والأَرض ، والشَّمس والقمر والنجوم ، والجبال والشجر والدواب والبحار ، والجنَّة والنَّار ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صٓ : 69. (2) بحار الأَنوار ، 53 : 46 ـ 49/ح20.
معارف الهية (79) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس (79) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، وعن الطائفة السادسة في الدرس (59 الى 72 ) ، وعن الطائفة السابعة والثامنة في الدرس(73) ، وعن الطائفة التاسعة في الدرس(74) ، وعن الطائفة العاشرة في الدرس(75 ـ 76) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى الطائفة الحادية عشرة ، وكانت تحت عنوان : ( شمول الإِمامة الإِلهيَّة لجملة أَحوال وشؤون العوالم والمخلوقات ) ، ولازال الكلام في ادلة وبيانات هذه الطائفة ، ووصلنا الى الدليل والبيان الثاني : 2ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «... ويطيعنا كلّ شيءٍ حتَّىٰ السَّماوات والأَرض ، والشَّمس والقمر والنجوم ، والجبال والشجر والدواب والبحار ، والجنَّة والنَّار ... ومع هذا كلّه نأكُل ونشرب ونمشي في الأَسواق ...»(1). 3ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «... الإِمام ... يختاره اللّٰـه ويجعل فيه ما يشاء ، ويوجب له بذلك الطَّاعة والولاية على جميع خلقه ، فهو وليه في سماواته وأَرضه ، أَخذ له بذلك العهد على جميع عباده ، فمن تقدَّم عليه كفر باللّٰـه من فوق عرشه ، فهو يفعل ما يشاء ، وإِذا شاء اللّٰـه شاء ... فلا يخفىٰ عليه شيء من عَالَم المُلك والملكوت ... الإِمام ... قطب الوجود ، وسماء الجود ، وشرف الموجود ... مهيمن اللّٰـه على الخلائق ، وأَمينه على الحقائق ... مفترض الطاعة إِلى يوم السَّاعة ... هذا كلّه لآل مُحمَّد لا يُشاركهم فيه مشارِك ... خلقهم اللّٰـه من نور عظمته ، وولَّاهم أَمر مملكته ، فهم سرّ اللَّـه المخزون وأَوليآؤه المُقرَّبون ... والسَّماوات والأَرض عند الإِمام كيده من راحته يعرف ظاهرها من باطنها ، ويعلم برّها وفاجرها ، ورطبها ويابسها ... فهم ... مبدء الوجود وغايته ، وقدرة الرَّب ومشيَّته ... وحجج اللّٰـه على الأَوَّلين والآخرين ... وأَنَّ اللّٰـه لم يخلق أَحداً إِلَّا وأَخذ عليه الإِقرار بالوحدانيَّة ، والولاية للذرِّيَّة الزَّكيَّة ، والبراءة من أَعدائهم...»(2). 4ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن سلمان الفارسي ، قال : «كُنتُ أَنا والحسن والحسين عليهما السلام ومُحمَّد بن الحنفيَّة ومُحمَّد بن أبي بكر وعمَّار بن ياسر والمقداد بن الأَسود الكنديّ رضي اللَّـه عنهم ، فقال له ابنه الحسن عليهما السلام : يا أمير المؤمنين ، إِنَّ سليمان بن داود عليه السلام سأل ربَّه مُلكاً لا ينبغي لأَحدٍ من بعده فأعطاه ذلك ، فهل ملكتَ مِمَّا ملك سليمان بن داود شيئاً ؟ فقال عليه السلام : والَّذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة إِنَّ ... أَباك ملك ما لم يملكه بعد جدّكَ رسول اللّٰـه صلى اله عليه واله أَحد قبله ولا يملكه أَحد بعده. فقال الحسن : نريد ترينا مِـمَّا فَضَّلَك اللّٰـه عزَّوجلَّ به من الكرامة ، فقال عليه السلام : أفعل إِنْ شاء اللّٰـه ، فقام أَمير المؤمنين عليه السلام ... ثُمَّ أومأ بيده إِلى جهة المغرب فما كان بأسرع من أَنْ جاءت سحابة فوقفت على الدار وإِلى جانبها سحابة أُخرىٰ. فقال أَمير المؤمنين عليه السلام: أَيَّتها السحابة اهبطي بإِذن اللّٰـه عزَّوجلَّ فهبطت و هي تقول : أَشهد أَنْ لا إِلٰه إِلَّا اللّٰـه ، وأَنَّ مُحمَّد رسول اللّٰـه وَأَنَّكَ خليفته(3) ووصيّه ، مَنْ شَكَّ فيك فقد هلكَ ، ومن تمسَّكَ بكَ سلك سبيل النجاة... وأمر الريح فسارت بنا ، وإِذا نحن بملكٍ يده في المغرب والأُخرىٰ بالمشرق ، فَلَمَّا نظر الملك إِلى أمير المؤمنين عليه السلام قال: أَشهد أَنْ لا إِلٰه إِلَّا اللّٰـه وحده لا شريك له ، وأشهد أَنَّ مُحمّداً عبده ورسوله ... وأشهد أَنَّكَ وصيَّه وخليفته حقّاً وصدقاً ... ثُمَّ إِنَّ أَمير المؤمنين عليه السلام أَمَرَ الريح فسارت بنا إلى جبل قاف ، فانتهيت(4) إِليه ، وإذا هو من زمرّدة خضراء وعليها ملك على صورة النسر ، فلمَّا نظر إِلى أَمير المؤمنين عليه السلام قال الملك: السَّلام عليكَ يا وصيّ رسول اللَّـه وخليفته ، أتأذن لي في الكلام ؟ فَرَدَّ عليه السَّلَام وقال له : إِنْ شئتَ تكلَّم ، وإنْ شئتَ أخبرتكَ عمَّا تسألني عنه. فقال الملك : بل تقول أَنْتَ يا أمير المؤمنين ، قال : تريد أَنْ آذن لَكَ أَنْ تزور الخضر عليه السلام ، قال : نعم ، فقال عليه السلام : قد أَذِنْتُ لكَ ، فأسرع الملك ... ثُمَّ تمشينا ... فإذا بالملك قد عاد إلى مكانه ... فقال سلمان : يا أمير المؤمنين ، رأيتُ الملكَ ما زار الخضر إِلَّا حين أخذ إِذنك. فقال عليه السلام : والَّذي رفع السَّماء بغير عمدٍ ، لو أَنَّ أَحدهم رام أَنْ يزول من مكانه بقدر نفس واحد لَـمَا زال حتَّىٰ آذن له ، وكذلك يصير حال ولدي الحسن وبعده الحسين وتسعة من ولد الحسين ... والَّذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة ، إِنِّي لأَملك من ملكوت السَّماوات والأَرض ما لو علمتم ببعضه لَـمَا احتمله جنانكم ... إِنِّي لأَعرفُ بطرق السَّماوات من طرق الأَرض ... لو أَنَّني أَردتُ أَنْ أَجوب الدُّنيا بأسرها والسَّماوات السبع وأرجع في أَقلَّ من الطرف لفعلتُ بما عندي من اسم اللّٰـه الأَعظم ...»(5). 5ـ إطلاق بيان خطبة فاطمة الزهراء عليها السلام : «... وطاعتنا : نظاماً للملَّة، وإِمامتنا : أَماناً للفرقة ...»(6). 6ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «مَا مِنْ شيء ولا من آدمي ولا إِنسي ولا جنِّي ولا ملك في السماوات إِلَّا و نحن الحجج عليهم ، وما خلق اللَّـه خلقاً ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المصدر نفسه ، 26 : 1 ـ 7/ح1. (2) بحار الأَنوار ، 25 : 169 ـ 174/ح38. (3) في المصدر : (وأَنَّك خليفة اللّٰـه). (4) في المصدر : (فانتهينا). (5) بحار الأَنوار ، 27 : 33 ـ 40/ح5. (6) المصدر نفسه ، 29 : 223/ح8. الإِحتجاج ، 1 : 134.
معارف الهية(80) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس (80) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، وعن الطائفة السادسة في الدرس (59 الى 72 ) ، وعن الطائفة السابعة والثامنة في الدرس(73) ، وعن الطائفة التاسعة في الدرس(74) ، وعن الطائفة العاشرة في الدرس(75 ـ 76) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى الطائفة الحادية عشرة ، وكانت تحت عنوان : ( شمول الإِمامة الإِلهيَّة لجملة أَحوال وشؤون العوالم والمخلوقات ) ، ولازال الكلام في ادلة وبيانات هذه الطائفة ، ووصلنا الى الدليل والبيان السادس : 6ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «مَا مِنْ شيء ولا من آدمي ولا إِنسي ولا جنِّي ولا ملك في السماوات إِلَّا و نحن الحجج عليهم ، وما خلق اللَّـه خلقاً إِلَّا وقد عرض ولايتنا عليه ، واحتجَّ بنا عليه ؛ فمؤمن بنا وكافر وجاحد، حتَّىٰ السَّماوات والأَرض والجبال ، الآية»(1). 7ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «إِنَّ للّٰـه عزَّوجلَّ اثنىٰ عشر أَلف عَالَمٍ ، كُلُّ عَالَمٍ منهم أكبر من سبع سماوات وسبع أَرضين ، ما يرى عَالَم منهم أَنَّ للَّـه عَزَّوجلَّ عالَماً غيرهم ، وإِنِّي الحُجَّة عليهم»(2). ودلالته ـ كدلالة سوابقه ـ واضحة. والظَّاهر : أَنَّ ما أَخذ فيه الإِمام عليه السلام من عدد ليس من باب الحصر والتحديد ، وإِنَّما للدلالة على كثرة العوالم كحال بيان قوله تقدَّس ذكره : [اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ](3). فإنَّ المقصود : إِنَّ اللّٰـه (عزَّوجلَّ) لن يغفر لهم مهما استغفر لهم رسول اللَّـه صلى الله عليه واله ، وأَنَّ طبيعة المغفرة لا تنالهم البتَّة ، سواء استغفر صلى الله عليه واله لهم قليلاً أَو كثيراً ، فَذِكْر (السبعين) جيء به كناية عن الكثرة ؛ من غير أَن تكون هناك خصوصيَّة للعدد ، فكذا المقام. والوجه : إِنَّ ذات الباري سبحانه وتعالىٰ بعدما كانت غير متناهية فكذا أَفعاله ؛ وإِلَّا ـ أَي : لو كانت أَفعاله عزَّوجلَّ محدودة ومتناهية ـ لزم (والعياذ باللّٰـه تعالىٰ) محدوديَّة ذاته وتناهيه ، وهو كما ترىٰ. وإِلى هذا أَشارت بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان قوله تقدَّست أسماؤه : [مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ](4). ثانياً : بيان قوله تقدَّس ذكره : [وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ](5). ثالثاً : بيان قوله جلَّ قدسه : [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا](6). ودلالة الجميع واضحة على أَنَّ خلقة اللّٰـه ومخلوقاته غيرمتناهية. وأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم بعدما كانوا رأس هرم المخلوقات غيرالمتناهية أُوكلت إِليهم جملة أُمورها وشؤونها في طرِّ العوالم غيرالمتناهية أَيضاً. 8ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «الحُجَّة قبل الخلق ، ومع الخلق وبعده» (7). 9ـ بيان أَبي الحسن عليه السلام ، عن سماعة ، قال : «قال لي أبو الحَسَن عليه السلام : إِذا كان لكَ يا سماعة عند اللَّـه حاجة فقل : «اللَّهُمَّ إِنِّي أسألك بحقِّ مُحمَّدٍ وعَلِيٍّ ...» فإِنَّه إِذا كان يوم القيامة لم يبق ملك مقرَّب ولا نبيٍّ مرسل ولا مؤمن امتحن اللّٰـه قلبه للإيمان إِلَّا وهو محتاج إليهما في ذلك اليوم»(8). ودلالة الجميع واضحة على أَنَّ إِمامة أَهل البيت الأَطهار عليهم السلام مُمتدَّة لغير عَالَم الدُّنيا الأُولىٰ ولغير الثقلين ـ الجنّ والإِنس ـ وبضمّ دلالة بعضها للآخر يثبت أَنَّها شاملة لكافَّة العوالم والمخلوقات ، وعامَّة لجميع أَحوالها وشؤونها(9). وهذا ما عنته بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 27 : 46/ح7. السرائر : 473. (2) بحار الأَنوار : 41/ح1. الخصال ، 2 : 171 ـ 172. (3) التوبة : 80. (4) النحل : 96. (5) لقمان : 27. (6) إبراهيم : 34. (7) بحار الأَنوار ، 23 : 38/ح66. إِكمال الدين : 128 و135. بصائر الدرجات : 143. (8) بحار الأَنوار ، 27 : 317/ح15. المحتضر : 156 ـ 157. (9) مرجع الضمير في : (أَحوالها وشؤونها) : كافَّة العوالم والمخلوقات.
معارف الهية (81) ، تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس (81) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، وعن الطائفة السادسة في الدرس (59 الى 72 ) ، وعن الطائفة السابعة والثامنة في الدرس(73) ، وعن الطائفة التاسعة في الدرس(74) ، وعن الطائفة العاشرة في الدرس(75 ـ 76) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى الطائفة الحادية عشرة ، وكانت تحت عنوان : ( شمول الإِمامة الإِلهيَّة لجملة أَحوال وشؤون العوالم والمخلوقات ) ، ولازال الكلام في هذه الطائفة ، ووصلنا الى : 9ـ بيان أَبي الحسن عليه السلام ، عن سماعة ، قال : «قال لي أبو الحَسَن عليه السلام: إِذا كان لكَ يا سماعة عند اللَّـه حاجة فقل : «اللَّهُمَّ إِنِّي أسألك بحقِّ مُحمَّدٍ وعَلِيٍّ ...» فإِنَّه إِذا كان يوم القيامة لم يبق ملك مقرَّب ولا نبيٍّ مرسل ولا مؤمن امتحن اللّٰـه قلبه للإيمان إِلَّا وهو محتاج إليهما في ذلك اليوم»(1). ودلالة الجميع واضحة على أَنَّ إِمامة أَهل البيت الأَطهار عليهم السلام مُمتدَّة لغير عَالَم الدُّنيا الأُولىٰ ولغير الثقلين ـ الجنّ والإِنس ـ وبضمّ دلالة بعضها للآخر يثبت أَنَّها شاملة لكافَّة العوالم والمخلوقات ، وعامَّة لجميع أَحوالها وشؤونها(2). وهذا ما عنته بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : الأَوَّل : بيان قوله عزَّ من قائل : [وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ](3). الثَّاني : بيان سيِّد الأَنبياء مخاطباً أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آلهما : «يا عَلِيّ ، ما بعث اللّٰـه نبيّاً إِلَّا وقد دعاه إِلى ولايتكَ طائعاً أَو كارهاً»(4). الثَّالث : بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «إِنَّ اللّٰـه عرض ولايتي على أَهل السَّماوات وعلى أَهل الأَرض أَقَرَّ بها من أَقَرَّ ، وأَنكرها مَنْ أَنكر ، أَنكرها يونس فحبسه اللّٰـه في بطن الحوت حتَّىٰ أَقَرَّ بها»(5). الرَّابع : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «لا يصلح النَّاس إِلَّا بإِمامٍ ، ولا تصلح الأَرض إِلَّا بذلك»(6). الخامس : بيان إِمضاؤه عليه السلام ، عن وهب بن منبّه ، قال: «إِنَّ موسىٰ بن عمران عليه السلام نظر ليلة الخطاب إِلى كُلِّ شجرٍ في الطور ، وكُلِّ حجرٍ ونباتٍ ينطق بذكر مُحمَّد واثنىٰ عشر وصيّاً له من بعده ، فقال موسى : إِلٰهي ، لا أَرىٰ شيئاً خلقته إِلَّا وهو ناطق بذكر مُحمَّد وأَوصيائه الإِثنىٰ عشر ، فَمَا منزلة هؤلاء عندكَ؟ قال : يابن عمران ، إِنِّي خلقتهم قبل أَنْ أخلق الأَنوار ، خلقتهم في خزانة قدسي ، ترتع في رياض مشيِّتي ، وتتنسَّم من روح جبروتي ، وتشاهد أقطار ملكوتي ، حتَّىٰ إِذا شئتُ مشيِّتي أَنفذتُ قضائي وقدري. يابن عمران ، إِنِّي ذلك ...»(7). السَّادس : بيان الإِمام الرضا عليه السلام : «نحن حجج اللّٰـه في أرضه، وخلفاؤه في عباده ، وأُمناؤه على سرِّه ، ونحن كلمة التقوىٰ ، والعروة الوثقىٰ، ونحن شهداء اللّٰـه وأَعلامه في بريَّته ، بنا يمسك اللّٰـه السَّماوات والأَرض أَنْ تزولا ، وبنا يُنزِّل الغيث ، وينشر الرَّحمة ، لا تخلو الأَرض من قائم منَّا ظاهر أو خاف ، ولو خلت يوماً بغير حُجَّة لماجت بأَهلها كما يموج البحر بأهله»(8). ودلالة الجميع واضحة. ومن ثَمَّ ورد في بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «نحن ولد عبد المطَّلب سادة أَهل الجنَّة : أَنَا ، وحمزة ، وعَلِيّ ، وجعفر ، والحسن ، والحسين ، والمهدي»(9). فإِنَّ للجنَّة ناظوم كسائر عوالم الخلقة. وهذا أَمر من بدائع معارف عَالَم الأَصفياء. / إِمامة أَهل البيت عليهم السلام مهيمنة على المخلوقات هيمنة اللَّطيف على الأَغلظ / الطائفة الثانية عشرة : ما دلَّ على أَنَّ حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم وإِمامتهم : (داخلة في جملة العوالم وكافَّة المخلوقات غيرالمتناهية دخول اللَّطيف في الأَغلظ ؛ لا بالممازجة والمزاولة ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 27 : 317/ح15. المحتضر : 156 ـ 157. (2) مرجع الضمير في : (أَحوالها وشؤونها) : كافَّة العوالم والمخلوقات. (3) البقرة : 30. (4) بحار الأَنوار ، 26 : 280/ح25. بصائر الدرجات : 21. (5) المصدر نفسه : 282 /ح34. بصائر الدرجات : 22. (6) بحار الأَنوار ، 23 : 22 /ح23. علل الشرائع : 76. (7) بحار الأَنوار ، 26 : 308/ح73. مختصر البصائر : 151. (8) بحار الأَنوار ، 23 : 35 /ح59. كمال الدين : 177. (9) بحار الأَنوار ، 22 : 149. المناقب لابن المغازلي : 9. سنن ابن ماجة ، 2 : 1368/ح4087.
معارف الهية (82) ، تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس (82) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، وعن الطائفة السادسة في الدرس (59 الى 72 ) ، وعن الطائفة السابعة والثامنة في الدرس(73) ، وعن الطائفة التاسعة في الدرس(74) ، وعن الطائفة العاشرة في الدرس(75 ـ 76) ، وعن الطائفة الحادية عشرة في الدرس(77 الى 81) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى الطائفة الثانية عشرة : / إِمامة أَهل البيت عليهم السلام مهيمنة على المخلوقات هيمنة اللَّطيف على الأَغلظ / الطائفة الثانية عشرة : ما دلَّ على أَنَّ حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم وإِمامتهم : (داخلة في جملة العوالم وكافَّة المخلوقات غيرالمتناهية دخول اللَّطيف في الأَغلظ ؛ لا بالممازجة والمزاولة ، وخارجة منها خروج اللَّطيف عن الأًغلظ ؛ لا بالمباينة والمزايلة). / ويُمثِّلها : / دليلٌ عقليٌّ مُركَّب من مُقدّمتين (1): / الأُولىٰ : أَنَّه ورد في بيانات الوحي المستفيضة ، بل المتواترة قاعدة معرفيَّة وعقليَّة خطيرة ، وهي : (أَنَّ فعل اللّٰـه الأَلطف داخل في الأَشياء والمخلوقات لكن لا بالممازجة والمزاولة ، وخارج عنها لكن لا بالمفارقة والمزايلة). فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «... هو في الأَشياء على غير ممازجة ، خارج منها على غير مباينة ... داخل في الأَشياء لا كشيءٍ في شيءٍ داخل ، وخارج منها لا كشيءٍ من شيءٍ خارج ...»(2). وهذه القاعدة وإِن أَصَرَّ أَهل المعرفة على حصر جريانها في الأَفعال الإِلٰهيَّة ، لكنَّها تجري أَيضاً في جملة الأَسماء والصِّفات الإِلٰهيَّة ؛ فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة. المُقَدِّمة الثَّانية : أَنَّ طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسطة والنَّازلة هي رأس هرم فعل اللّٰـه الأَقدس والمُقدَّس والأَلطف. والنتيجة : أَنَّ طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسطة والنَّازلة داخلة بالأَوْلىٰ ونافذة في طُرِّ الأَشياء وجملة المخلوقات وعوالمها وشؤونها دخول ونفاذ اللطيف في الأًغلظ ، ومسيطرة ومهيمنة عليها سيطرة وهيمنة اللَّطيف على الأَغلظ ، وداخلة في جميع شراشر المخلوقات وجزئيَّاتها وذرَّاتها وكافَّة عوالمها ومحيطة بها وبدقائق أَحوالها وأُمورها وشؤونها. بل قُرِّرَ في اكتشافات العلوم الحديثة : (أَنَّ الجسم الأَلطف ينفذ ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) لا بأس بالإِلتفات إِلى أَنَّ أَحكام العقل على نمطين : أَحدهما : أَحكام عقليَّة مُستقِلَّة ، ويُعبَّر عنها بـ : (المُستقِلَّات العقليَّة). الأُخرىٰ : أَحكام عقليَّة غير مُستقِلَّة ، ويُعبَّر عنها بـ : (غير المُستقِلَّات العقليَّة). والفارق بينها : أَنَّه في النَّمط الأَوَّل ـ أَي : المُستقِلَّات العقليَّة ـ العقل يحكم من دون أَنْ يأخذ مُقدّمة من الشرع ويعتمد عليها ، بل كافَّة المُقدّمات الّتي أُخذت في الدَّليل عقليَّة. وهذا بخلافه في النمط الثَّاني ـ أَي : غير المُستقِلَّات العقليَّة ـ فإِنَّ بعضها غير عقليّة. كما هو الحال في المقام ؛ فإِنَّ هاتين المُقدّمتين أعتمد بعضها على بيانات الوحي المعرفيَّة. (2) بحار الأَنوار ، 3 : 271. توحيد الصدوق : 299/ح1.
معارف الهية(83) ، تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس (83) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، وعن الطائفة السادسة في الدرس (59 الى 72 ) ، وعن الطائفة السابعة والثامنة في الدرس(73) ، وعن الطائفة التاسعة في الدرس(74) ، وعن الطائفة العاشرة في الدرس(75 ـ 76) ، وعن الطائفة الحادية عشرة في الدرس(77 الى 81) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى الطائفة الثانية عشرة ، ومر الكلام عن دليلها ـ ووهو عقلي ـ وكانت نتيجته : والنتيجة : أَنَّ طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسطة والنَّازلة داخلة بالأَوْلىٰ ونافذة في طُرِّ الأَشياء وجملة المخلوقات وعوالمها وشؤونها دخول ونفاذ اللطيف في الأًغلظ ، ومسيطرة ومهيمنة عليها سيطرة وهيمنة اللَّطيف على الأَغلظ ، وداخلة في جميع شراشر المخلوقات وجزئيَّاتها وذرَّاتها وكافَّة عوالمها ومحيطة بها وبدقائق أَحوالها وأُمورها وشؤونها. بل قُرِّرَ في اكتشافات العلوم الحديثة : (أَنَّ الجسم الأَلطف ينفذ ويسيطر ويتصرِّف في الجسم الأَغلظ). وهذا على خلاف ما يتوهَّمه عامَّة البشر ؛ فيظنُّون العكس. بل قُرِّرَ في البحوث المعرفيَّة والعقليَّة : (أَنَّ نِسْبَة الأَجسام المتباعدة بالإِضافة إِلى الجسم الأَلطف منها : نِسْبَة واحدة ، كنقطة واحدة ، فضلاً عن نسبتها إِلى الجوهر المُجرَّد ؛ لأَنَّ نسبتها إِليه نِسْبَة تقوُّم). وهذه معادلة فوق العلوم الرِّياضيَّة ؛ الباحثة عن نِسْبَة الأَجسام ذات الوجود في رتبةِ عرضٍ واحدٍ. إِذّنْ : جملة العوالم وكافَّة المخلوقات بالنِّسبة إِلى طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم سواء وكنقطةٍ واحِدةٍ. نظيره : نقاط محيط الدائرة ؛ فإِنَّها إِذا قيست إِلى مركزها كانت جميع هذه النقاط كنقطةٍ واحدةٍ في القرب والبُعد ، وعلى حدٍّ سوآء إِلى مركز الدائرة. هكذا حال طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسطة والنازلة ، فإِنَّ جملة المخلوقات وكافَّة العوالم ـ من الذَّرَّة إِلى ما فوق العرش ـ إِذا قيست إِلى هذه الطبقات كانت كشيءٍ واحدٍ ، ومهيمنة على العرش وما فوقه ، وداخلة فيه وفي جميع شراشره وجزئيَّاته ودقائقه وتفاصيله؛ كهيمنتها على الذَّرَّة وإِحاطتها بها وبجملة شراشرها وجزئيَّاتها ودقائقها من دون أَي تفاوت واختلاف وعلى حدٍّ سوآء. بعد الإِلتفات إِلى قاعدة عقليَّة ومعرفيَّة شريفة تذكر في أَبواب المعارف ، وهي : أَنَّه (كُلَّما ازدادت اللَّطافة انعدمت النِّسْب والحجب والفواصل والأَبعاد ؛ مكانيَّة كانت أَم زمانيَّة أَم جرميَّة ، واشتدَّت القدرة والعلم والوجود والحضور). وهذه قاعدة من خفايا المباحث العقليَّة والمعرفيَّة. والنتيجة : أَنَّ طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم وإِمامتهم ـ بعدما كانت أَلطف مخلوقات الباري (تقدَّس ذكره) على الإِطلاق كانت ـ داخلة في ظواهر وبواطن وأَسرار وشراشر جميع الأَشياء ، وسائر المخلوقات ، وكافَّة عوالمها وشؤونها وأَحوالها وجزئيَّاتها وذرَّاتها دخول اللطيف في الأَغلظ ؛ من دون مزاولة وممازجة ، ومحيطة بها ومهيمنة عليها إِحاطة وهيمنة اللطيف على الأَغلظ ، وخارجة منها خروج اللطيف من الأَغلظ من دون مزايلة ومباينة. ومنه يتَّضح : الجمّ الغفير من بيانات الوحي المعرفيَّة الباهرة ، منها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين عليه السلام ، الوارد في حقِّ أَهل البيت عليهم السلام : «... الإِمام ... يرىٰ ما بين المشرق والمغرب ، فلا يخفىٰ عليه شيء من عَالَم الملك والملكوت ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار .
معارف الهية (84) ، تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
الدرس (84) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، وعن الطائفة السادسة في الدرس (59 الى 72 ) ، وعن الطائفة السابعة والثامنة في الدرس(73) ، وعن الطائفة التاسعة في الدرس(74) ، وعن الطائفة العاشرة في الدرس(75 ـ 76) ، وعن الطائفة الحادية عشرة في الدرس(77 الى 81) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى الطائفة الثانية عشرة ، ووصل الكلام الى نتيجة ما تقدم : والنتيجة : أَنَّ طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم وإِمامتهم ـ بعدما كانت أَلطف مخلوقات الباري (تقدَّس ذكره) على الإِطلاق كانت ـ داخلة في ظواهر وبواطن وأَسرار وشراشر جميع الأَشياء ، وسائر المخلوقات ، وكافَّة عوالمها وشؤونها وأَحوالها وجزئيَّاتها وذرَّاتها دخول اللطيف في الأَغلظ ؛ من دون مزاولة وممازجة ، ومحيطة بها ومهيمنة عليها إِحاطة وهيمنة اللطيف على الأَغلظ ، وخارجة منها خروج اللطيف من الأَغلظ من دون مزايلة ومباينة. ومنه يتَّضح : الجمّ الغفير من بيانات الوحي المعرفيَّة الباهرة ، منها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين عليه السلام ، الوارد في حقِّ أَهل البيت عليهم السلام: «... الإِمام ... يرىٰ ما بين المشرق والمغرب ، فلا يخفىٰ عليه شيء من عَالَم الملك والملكوت ... والسَّماوات والأَرض عند الإِمام كيده من راحته ، يعرف ظاهرها من باطنها ، ويعلم بِرّها من فاجرها ، ورطبها ويابسها ... ومن أَنكر ذلك فهو شقيٌّ ملعون يلعنه اللّٰـه ويلعنه اللاعنون...»(1). 2ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «... ومِنَّا الرقيب على خلق اللّٰـه ... وحُجَّته بين العباد ، إِذ يقول اللّٰـه : [اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا](2) ...»(3). 3ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «أَنا أُورِثُ من النَّبيِّين إِلى الوصيّين ، ومن الوصيّين إِلى النَّبيّين ، وما بعث اللّٰـه نبيّاً إِلَّا وأَنا أَقضي دينه وانجز عداته ...»(4). 4ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن الإِمام الصَّادق عليه السلام : «أَنَّ جويرية بن عمر العبدي خاصمه رَجُلٌ في فرس أُنثىٰ فادَّعيا جميعاً الفرس ، فقال أَمير المؤمنين عليه السلام: لواحد منكما البيِّنة ؟ فقالا : لا. فقال لجويرية : أعطه الفرس. فقال له : يا أمير المؤمنين ، بلا بيِّنَة ؟ فقال له : واللّٰـه لأَنا أَعلم بِكَ منكَ بنفسكَ ، أتنسىٰ صنيعك بالجاهليَّة الجهلاء ؟ فأخبره بذلك»(5). 5ـ بيان الإِمام الرضا عليه السلام : «... ونحن شهداء اللّٰـه وأَعلامه في بريَّته ، بنا يمسك اللّٰـه السَّماوات والأَرض أَنْ تزولا ...لا تخلو الأَرض من قائم مِنّا ظاهر أَو خاف ، ولو خلت يوماً بغير حُجَّة لماجت بأَهلها كما يموج البحر بأهله»(6). 6ـ بيان زيارتهم صلوات اللّٰـه عليهم : «... بأبي أَنتم وأُمِّي ونفسي وأَهلي ومالي ذكركم في الذاكرين ، وأَسماؤكم في الأَسماء ، وأَجسادكم في الأَجساد ، وأَرواحكم في الأَرواح ، وأَنفسكم في النفوس ، فما أَحلىٰ أَسماءكم، وأَكرم نفوسكم ، وأَعظم شأنكم ، وأَجلَّ خطركم ، وأَعلىٰ أَقداركم ...»(7). 7ـ ما ورد عن صفوان بن يحيىٰ ، عن جعفر بن مُحمَّد بن الأَشعث ، قال : «أَتدري ما كان سبب دخولنا في هذا الأَمر ومعرفتنا به ، وما كان عندنا فيه ذكر ولا معرفة بشيءٍ مِمَّا عند النَّاس ؟ قال : قلتُ له : ما ذاك ؟ قال : إِنَّ أَبا جعفر – يعني : أبا الدوانيق - قال لأَبي مُحمَّد بن الأَشعث : يا مُحمَّد ، ابغ لي رجلاً له عقل يُؤدِّي عنِّي. فقال له : إِنِّي قد أَصبته لكَ ، هذا فلان ابن مهاجر خالي. قال : فائتني به. قال : فأتاه بخاله. فقال له أبو جعفر : يابن مهاجر ، خُذ هذا المال - فأعطاه أُلوف دنانير أَو ما شاء اللّٰـه من ذلك - وائتِ المدينة والقِ عبداللّٰـه بن الحسن وعدَّة من أَهل بيته فيهم جعفر بن مُحمَّد ، فقل لهم: إِنِّي رجل غريب من أَهل خراسان ، وبها شيعة من شيعتكم ؛ وجَّهوا إِليكم بهذا المال ، فادفع إِلى كلِّ واحدٍ منهم على هذا الشرط كذا وكذا ، فإذا قبضوا المال فقل : إِنِّي رسول وأُحبّ أَنْ يكون معي خطوطكم بقبضكم ما قبضتم مِنِّي. قال : فأخذ المال وأتىٰ المدينة ثُمَّ رجع إِلى أَبي جعفر ـ وكان مُحمَّد بن الأَشعث عنده ـ فقال أَبو جعفر : ما وراكَ ؟ قال : أَتيتُ القوم وفعلتُ ما أَمرتني به ، وهذه خطوطهم بقبضهم المال ، خلا جعفر بن محمَّد ... فأَخبرني بجميع ما جرىٰ بيني وبينكَ حتَّىٰ كأَنَّه كان ثالثنا...»(8). / الإِمامة الإِلهيَّة : تجلِّيات للذات الإِلهيَّة المُقدَّسة / الطائفة الثالث عشرة : ما دلَّ على أَنَّ المعرفة الأَتمَّ بأَهل البيت عليهم السلام : معرفتهم بالأَسمآء الإِلٰهيَّة وبأَعالي النوريَّة. وعبَّر الفلاسفة عن هذه المرتبة بـ : ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 25 : 169 ـ 174/ح38. (2) النساء : 1. (3) بحار الأَنوار ، 39 : 350 ـ 351/ح24. تفسير فرات : 61 ـ 62. (4) المصدر نفسه /ح23. تفسير فرات : 13. (5) بحار الأَنوار ، 41 : 288/ح11. بصائر الدرجات ، 1 : 483/ح895 ـ 11. (6) بحار الأَنوار ، 23 : 35 /ح59. كمال الدين : 177. (7) بحار الأَنوار ، 99 : 154. كتاب من لا يحضره الفقيه ، 2 : 374. (8) بحار الأَنوار ، 47 : 75 ـ 76/ح39. بصائر الدرجات ، 1 : 479 ـ 481/ح891 ـ 7. الكافي، 1: 475/ح6. دلائل الإِمامة للطبري : 266 ـ 267/ح196.
معارف إِلٰهيَّة : (85) ، تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة :
الدرس (85) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، وعن الطائفة السادسة في الدرس (59 الى 72 ) ، وعن الطائفة السابعة والثامنة في الدرس(73) ، وعن الطائفة التاسعة في الدرس(74) ، وعن الطائفة العاشرة في الدرس(75 ـ 76) ، وعن الطائفة الحادية عشرة في الدرس(77 الى 81) ، وعن الطائفة الثانية عشرة في الدرس(82 ـ 84) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى الطائفة الثالث عشرة : / الإِمامة الإِلهيَّة : تجلِّيات للذات الإِلهيَّة المُقدَّسة / الطائفة الثالث عشرة : ما دلَّ على أَنَّ المعرفة الأَتمَّ بأَهل البيت عليهم السلام: معرفتهم بالأَسمآء الإِلٰهيَّة وبأَعالي النوريَّة. وعبَّر الفلاسفة عن هذه المرتبة بـ : (الإِنيَّات المحضة) ؛ لإِنمحاء الجنبة المخلوقيَّة في حقائقهم عليهم السلام المُقدَّسة في هذه المرتبة ، فلا يُلحظ فيها : مُحمَّد ، وعَلِيّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وإِنَّما حميد ، والأَعلىٰ ، وفاطر ، ومحسن ، وقديم الإِحسان ، فتضمحلُ فيها(1) الماهيَّات ؛ لشدَّة تأَجُّج نور الوجود فيها ، فأَصبحت حقائقهم عليهم السلام تجلِّيات للذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وأَسماء وصفات إِلٰهيَّة. ويُمثِّل هذه الطائفة : أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... نحن الاسم المكنون ، نحن الأَسماء الحسنىٰ الَّتي إِذا سُئِلَ اللّٰـه عزَّوجلَّ بها أَجاب ، نحن الأَسماء المكتوبة على العرش ، ولأَجلنا خلق اللَّـه عزَّوجلَّ السَّماء والأَرض والعرش والكرسي والجنَّة والنَّار ...»(2). ثانياً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «إِنَّ اللّٰـه تبارك وتعالىٰ أَحد واحد ، تفرَّد في وحدانيَّته ، ثُمَّ تكلَّم بكلمة فصارت نوراً ، ثُمَّ خلق من ذلك النور محمَّداً صلى الله عليه واله وخلقني وذريَّتي ، ثُمَّ تكلَّم بكلمة فصارت روحاً ، فأسكنه اللّٰـه في ذلك النُّور ، وأَسكنه في أَبداننا ، فنحن روح اللّٰـه وكلماته ... وأَنا كلمة اللّٰـه الَّتي يجمع بها المفترق ويُفرَّق بها المجتمع ، وأنا أَسماء اللّٰـه الحسنىٰ ، وأَمثاله العليا، وآياته الكبرىٰ ... وأَنا الَّذي أَنحلني ربِّي اسمه وحكمته وعلمه وفهمه ...»(3). ثالثاً : بيان الإِمام الباقر عليه السلام : «إِنَّ اللّٰـه تعالىٰ خلق أَربعة عشر نوراً من نور عظمته قبل خلق آدم بأَربعة عشر أَلف عام فهي أَرواحنا ... عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا ، نحن الأَسماء الحسنىٰ الَّتي لا يقبل اللّٰـه من العباد عملاً إِلَّا بمعرفتنا ... وجعلنا عينه على عباده ، ولسانه النَّاطق في خلقه ، ويده المبسوطة عليهم بالرأفة والرَّحمة ، ووجهه الَّذي يؤتىٰ منه ، وبابه الَّذي يدلُّ عليه ... وبنا أَثمرت الأَشجار ، وأَينعت الثمار ، وجرت الأَنهار ، ونزل الغيث من السَّمآء ، ونبت عشب الأَرض ... وأَيم اللّٰـه ، لولا وصيَّة سبقت وعهد أُخذ علينا لقلتُ : قولاً يعجب منه أَو يذهل منه الأَولون والآخرون»(4). رابعاً : بيان النَّاحية المُقدَّسة : «... ونحن صنائع ربنا ، والخلق بعد صنائعنا ...»(5). خامساً : بيان دعاء النَّاحية المقدَّسة الوارد في أَيام شهر رجب : «... أَسألك بما نطق فيهم من مشيَّتك ، فجعلتهم معادن لكلماتك ، وأَركاناً لتوحيدك ، وآياتك ، ومقاماتك الَّتي لا تعطيل لها في كلِّ مكان ، يعرفكَ بها من عرفكَ ، لا فرق بينكَ وبينها إِلَّا أَنَّهم عبادكَ وخلقكَ ، فتقها ورتقها بيدك، بدؤها منك وعودها إِليكَ ...»(6). ودلالة الجميع واضحة. عصارة ما تقدَّم : وإِلى كلِّ ما تقدَّم من طوائف وأَركان حقيقة الإِمامة الإِلٰهيَّة لأَهل البيت عليهم السلام ، وحقيقة الإِمام منهم صلوات اللّٰـه عليهم أَشار إِطلاق بيان... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مرجع الضمير في كلمة : (فيها) : (في هذه المرتبة من ذوات أَهل البيت ^ المقدَّسة). وعلى هذا قس مرجعه في كلمة : (فيها) التالية. (2) بحار الأَنوار ، 27 : 33ـ 38/ح5. (3) المصدر نفسه ، 53 : 46 ـ 48 /ح20. (4) بحار الأَنوار، 25 : 4/ح7. المحتضر : 129. (5) بحار الأَنوار ، 53 : 178 /ح9. غيبة الشيخ : 184 ـ 185. الاحتجاج : 253. (6) بحار الأَنوار ، 95 : 392 ـ 393.
معارف إِلٰهيَّة : (86) ، تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة
الدرس (86) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، وعن الطائفة السادسة في الدرس (59 الى 72 ) ، وعن الطائفة السابعة والثامنة في الدرس(73) ، وعن الطائفة التاسعة في الدرس(74) ، وعن الطائفة العاشرة في الدرس(75 ـ 76) ، وعن الطائفة الحادية عشرة في الدرس(77 الى 81) ، وعن الطائفة الثانية عشرة في الدرس(82 ـ 84) ، وعن الطائفة الثالث عشرة في الدرس (85) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى : / عصارة ما تقدَّم : / وإِلى كلِّ ما تقدَّم من طوائف وأَركان حقيقة الإِمامة الإِلٰهيَّة لأَهل البيت عليهم السلام ، وحقيقة الإِمام منهم صلوات اللّٰـه عليهم أَشار إِطلاق بيان الإِمام الرِّضا عليه السلام : «... إِنَّ الإِمامة: أجلُّ قدراً ، وأَعظم شأناً ، وأَعلىٰ مكاناً ، وأَمنع جانباً ، وأَبعد غوراً من أَنْ يبلغها النَّاس بعقولهم ، أَو ينالوها بآرائهم ، أَو يقيموا إِماماً باختيارهم... إِنَّ الإِمامة : زمام الدِّين ، ونظام المسلمين ، وصلاح الدُّنيا وعزّ المؤمنين ... الإِمام : كالشَّمس الطالعة للعَالَم وهي بالأُفق بحيث لا تنالها الأَيدي والأَبصار ، الإِمام : البدر المنير ، والسراج الزاهر ، والنور السَّاطع ، والنجم الهادي في غياهب الدجىٰ ، والبيد القفار ولجج البحار ... الدَّالّ على الهدىٰ ، والمنجي من الردىٰ ... والدليل في المهالك ، مَنْ فارقه فهالك ، الإِمام: السحاب الماطر ، والغيث الهاطل ، والشَّمس المضيئة ، والأَرض البسيطة ، والعين الغزيرة ، والغدير ، والروضة ... ومفزع العباد في الداهية ... أَمين اللّٰـه في أَرضه وحُجَّته على عباده ... الدَّاعي إِلى اللّٰـه ، والذَّاب عن حرم اللّٰـه ... واحد دهره ، لا يدانيه أَحد ، ولا يعادله عَالِم ، ولا يوجد منه بدل ، ولا له مَثْل ولا نظير ، مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منه له ولا اكتساب ... فَمَنْ ذا الَّذي يبلغ معرفة الإِمام ، ويمكنه اختياره؟! هيهات هيهات! ضلَّت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الأَلباب، وحسرت العيون ، وتصاغرت العظماء ، وتحيَّرت الحُكماء ، وتقاصرت الحُلماء، وحصرت الخطباء ، وجهلت الأَلباب ، وكلَّت الشعراء ، وعجزت الأُدباء ، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه ، أَو فضيلة من فضائله ، فأقرَّت بالعجز والتقصير ، وكيف يُوصف له ، أو يُنعت بكُنْهه ، أَو يُفهم شيء من أَمره ، أَو يوجد من يُقام مقامه ويُغني غناه!! لا كيف وأَنَّىٰ وهو بحيت النجم من أَيدي المتناولين، ووصف الواصفين ، فأَين الاختيار من هذا؟ وأَين العقول عن هذا؟ وأَين يوجد مِثل هذا ؟ أَظنوا أَنْ يوجد ذلك في غير آل الرسول صلى الله عليه واله ؟! كذبتهم واللّٰـه أنفسهم ، ومنَّتهم الباطل ، فارتقوا مرتقىٰ صعباً دحضاً ، تزلّ عنه إلى الحضيض أَقدامهم ، راموا إِقامة الإِمام بقول جائر(1) بائرة ناقصة ، وآراء مضلَّة ، فلم يزدادوا منه إِلَّا بعداً [قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ](2) ... والإِمام : عَالِم لا يجهل ، راع لا ينكل ، معدن القدس والطهارة ، والنسك والزهادة ، والعلم والعبادة ... مضطلع بالإِمامة عَالِم بالسياسة ، مفروض الطَّاعة ، قائم بأمر اللّٰـه عزَّوجلَّ ، ناصح لعباد اللّٰـه، حافظ لدين اللّٰـه(3). إِنَّ الأَنبياء والأئمَّة (صلوات اللّٰـه عليهم): يوفقهم اللّٰـه ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم ... وإِنَّ العبد إِذا أَختاره اللّٰـه عزَّوجلَّ لأُمور عباده شرح اللّٰـه صدره لذلك وأَودع قلبه ينابيع الحكمة وأَلهمه العلم إِلهاماً ، فلم يعي بعده بجواب ، ولا يحيد فيه عن الصواب ، وهو : معصوم مؤيد موفَّق مُسدَّد ، قد أَمن الخطايا والزلل والعثار ، يخصَّه اللّٰـه بذلك ؛ ليكون حُجَّته على عباده ، وشاهده على خلقه ...»(4). / التعريف المناسب لحقيقة إِمامة أَهل البيت عليهم السلام / ومن كلِّ ما تقدَّم يتَّضح : أَنَّ المناسب لتعريف ماهيَّة وحقيقة إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة أَنْ يُقال : إِنَّها «جعلٌ إِلٰهيٌّ تكوينيٌّ ، وبعثة إِلٰهيَّة ، وشراكة مقامات إِلٰهيَّة تابعة لمقامات سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، وهداية إِيصاليَّة توصل مَنْ تمسَّكَ بها من جملة العوالم وكافَّة المخلوقات غيرالمتناهية إِلى الكمال المُطلق ، وكماله الأَخير ، مفروضة الطَّاعة على جملة العوالم والمخلوقات ، لها أَيادٍ إِلٰهيَّة خطيرة ومهولة ؛ ذو قدرات غيرمتناهية ، مودعة في الهياكل البشريَّة ، وصاحبة علم لدنِّي وتأويل ، ووحي وحبل غيبيّ إِبداعي تكوينيّ ممدود من أَعماق الغيب إِلى بدن الإِمام عليه السلام من دون واسطة ، وتجلِّيات إِلٰهيَّة كاشفة عن كمال وشؤون السَّاحة الإِلٰهيَّة ؛ وموارد سخطها ورضاها ، ولها سرّ وعلانية ، حاكمة على كافَّة العوالم والمخلوقات ، ومهيمنة عليها هيمنة اللَّطيف على الأَغلظ». / التَّعريف المناسب لماهية وحقيقة الإِمام عليه السلام / و يتَّضح ايضا : التعريف المناسب لماهيَّة وحقيقة الإِمام من أَهل البيت عليهم السلام ـ كما صرَّحت به بيانات الوحي أَيضاً ـ وهو أَنْ يُقال : «الإِمام بشر ملكي ، وجسده سماويٌّ ، وأَمره إِلٰهيّ ، وروح قدسيٌّ ، ومقامٌ عَلِيٌّ ، ونورٌ جليٌّ، وسرٌّ خفيٌّ ، فهو ملك الذات ، إِلٰهيّ الصفات ، ظاهره أَمر لا يُملك ، وباطنه غيب لا يُدرك». / خاتمة / وفي الختام نذكر قضايا ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم : / القضيَّة الأُوْلى : / أَبدان أهل البيت عليهم السلام أَبدان سماويَّة نوريَّة / طهارة دم أَهل البيت عليهم السلام وكُلّ ما يعرض على أَبدانهم الشريفة / إِنَّه يتَّضح من تعريف ماهيَّة وحقيقة الإِمام من أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ، المستفاد من بيانات الوحي المُستفيضة ، بل المتواترة بالتواتر العقلي ، منها : ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) خ . ل : (بعقول حائرة). (2) التوبة : 30. (3) في كتاب الغيبة : (حافظ لسرِّ اللّٰـه). (4) بحار الأَنوار ، 25 : 120 ـ 128/ح4. إِكمال الدين : 380 ـ 383. معاني الأَخبار : 33 ـ 34. عيون أَخبار الرِّضا عليه السلام ، 1: 163ـ 166/ح1.
معارف إِلٰهيَّة : (87) ، تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة
الدرس (87) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى : /خاتمة / وفي الختام نذكر قضايا ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم : / القضيَّة الأُوْلى : / أَبدان أهل البيت عليهم السلام أَبدان سماويَّة نوريَّة / طهارة دم أَهل البيت عليهم السلام وكُلّ ما يعرض على أَبدانهم الشريفة / إِنَّه يتَّضح من تعريف ماهيَّة وحقيقة الإِمام من أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ، المستفاد من بيانات الوحي المُستفيضة ، بل المتواترة بالتواتر العقلي ، منها : ما تقدَّم ، وما سيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) : أَنَّ أَبدان أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم أَبدان سماويَّة نوريَّة ، وصفاتها وصفاتهم صفات إِلٰهيَّة ، محكوم على كُلِّ ما يتعلَّق بها بالنُّور والطهارة ، وليست أَبدان أَرضيَّة كسائرالبشر ؛ كيما يُحكم على بعض شؤونها كـ : (الدم ، والبول وما شاكلهما) بالنجاسة ، والنهي الوارد عن تناولها ـ مع أَنَّها طاهرةٌ وأَشعَّة نور ـ جريان للسُّنَّة ، وإِنْ شئت قلتَ : حكم تكليفي ، ومن الواضح : أَنَّه لا ملازمة بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي ؛ فقد يُحكم بطهارة الشيء ، كالبصاق بعد إِلقائه خارج الفم ، لكن لا يجوز تكليفاً تناوله وبلعه بعد ذلك. وهذا ما صرَّحت به بيانات الوحي ، منها : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... والإِمام ... بشر ملكيّ ، وجسد سماويّ، وأَمر إِلٰهيّ ، وروح قدسيّ ، ومقام عَلِيّ ، ونور جليّ ، وسرّ خفيّ ، فهو ملك الذات ، إِلٰهي الصفات ... هذا كُلّه لآل مُحمَّد لا يُشاركهم فيه مُشارك... فهم الكواكب العِلْوَيَّة والأَنوار العَلَوَيَّة المُشرقة من شمس العصمة الفاطميَّة ، في سماء العظمة المُحمَّديَّة ، والأَغصان النَّبَويَّة النَّابتة في دوحة الأَحمديَّة ، والأَسرار الإِلٰهيَّة المودعة في الهياكل البشريَّة ...»(1). ودلالته واضحة. بل وتشير إِليه أَيضاً بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان قوله جلَّ شأنه : [وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ](2). بل لو كانت أَبدان أَهل البيت وأَبدان الأَنبياء عليهم السلام أَرضيَّة كيف تحملَّت وقويت وأَمكن العروج بها إِلى السَّماوات ؟! بل كيف عُرج ببدن سيِّد الأَنبياء وأَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليهما وعلى آلهما بدمهما ولحمهما ـ كما هو ظاهر، بل صريح بيانات الوحي ـ فوق السَّماوات السبع؟! إِنَّ هذه الأَبدان الأَرضيَّة الغليظة ليست من سنخ العوالم السَّماويَّة اللَّطيفة الصَّاعدة كيما يمكنها التَّواجد في تلك العوالم ، ومن ثَمَّ لا تكون تلك الأَبدان الَّتي تواجدت في السَّماوات السَّبع ، بل وفوقها ليست إِلَّا من سنخ تلك العوالم ، بل ومن عوالم نُوريَّة صاعدة فوق عوالم أَبدان جملة الملائكة وغيرها ؛ بحيث لا يتحمَّلها بدن جبرئيل عليه السلام ، ولو دنا منها أنملة لاحترق ؛ ومن ثَمَّ كيف يُمكن تصوُّر نجاسة بعض شؤونها وأَحوالها ولوازمها!! فانظر : بيانات حديث المعراج ، منها : أَوَّلاً : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، عن أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه ، قال : «... فلَمَّا انتهيتُ إِلى حُجب النُّور قال لي جبرئيل : تَقَدَّم يا مُحَمَّد، وتخلَّفَ عنِّي ، فقلتُ : يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني!! فقال : يا مُحمَّد ، إِنَّ انتهاء حدِّي الَّذي وضعني اللّٰـه عزَّوجلَّ فيه إِلى هذا المكان ، فإِنْ تجاوزته احترقت أَجنحتي بتعدِّي حدود ربِّي جلَّ جلاله ، فزُخَّ بي في النُّور زَخَّةً حتَّىٰ انتهيتُ إِلى حيث ما شاء اللّٰـه من علوِّ ملكه ...»(3). ثانياً : عن ابن عبَّاس ، قال : «... فلَمَّا بلغ سدرة المُنتهىٰ فانتهىٰ إِلى الحُجُب فقال جبرئيل : تقدَّم يا رسول الله ، ليس لي أَنْ أَجوز هذا المكان ، ولو دنوتُ أَنملةً لاحترقتُ»(4). ودلالتهما واضحة. ومن كُلِّ هذا تتَّضح : نُكات وفلسفات كثير من بيانات الوحي ، منها: ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 25 : 169 ـ 174/ح38. (2) الأنعام : 8 ـ 9. (3) بحار الأَنوار ، 18 : 345 ـ 347/ح56. علل الشرائع : 13 ـ 14. عيون أَخبار الرِّضا عليه السلام : 144 ـ 146. (4) بحار الأَنوار ، 18 : 382.
معارف إِلٰهيَّة : (88) ، تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة
الدرس (88) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الأُوْلى من الخاتمة ، وكانت تحت عنوان : (أَبدان أهل البيت عليهم السلام أَبدان سماويَّة نوريَّة) و(طهارة دم أَهل البيت عليهم السلام وكُلّ ما يعرض على أَبدانهم الشريفة) ، ووصل بنا الكلام الى : ومن كُلِّ هذا تتَّضح : نُكات وفلسفات كثير من بيانات الوحي ، منها: 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، عن أَبي ظبية (خ .ل: أَبي طيبة) ، قال: «حجمت رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله وأعطاني ديناراً وشربت دمه ، فقال رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله : أَشَربتَ(1)؟ قلتُ : نعم، قال: وما حملك على ذلك؟ قلتُ: أَتَبَرَّك به. قال: أَخذت أَماناً من الأَوجاع والأَسقام ، والفقر والفاقة ، واللَّـه ، ما تمسَّكَ النَّار أَبداً»(2) . 2ـ بيانه صلى الله عليه واله ، عن تفسير الإِمام الحسن العسكري عليه السلام ، قال : «وأَمَّا الدَّم، فإنَّ رسول اللّٰـه احتجم مرَّة ؛ فدفع الدم الخارج منه إِلى أَبي سعيد الخدري وقال له : غيِّبه. فذهب فشربه ... فقال رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله : إِيّاك وأَنْ تعود لمثل هذا ، ثُمَّ اعلم ، إِنَّ اللّٰـه قد حرم على النَّار لحمك ودمكَ لـمَّا اختلط بدمي ولحمي...»(3). 3ـ تقريره صلى الله عليه واله لِـمَا كان يفعله الصحابة ، عن ما رآه عروة بن مسعود حين وجَّهته قريش عام القضيَّة إِلى رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله ، فإِنَّه : «رأىٰ من تعظيم أَصحابه له ، وإِنَّه لا يتوضَّأ إِلَّا ابتدروا وضوءه ، وكادوا يُقتلون عليه ، ولا يبصق بصاقاً ولا يتنخَّم نخامة إِلَّا تلقَّوها بأَكفِّهم فدلكوا بها وجوهم وأَجسادهم ، ولا تسقط منه شعرة إِلَّا ابتدروها ...»(4). 4ـ عن القاسم الصيقل ، قال : «كتبتُ إِليه: جُعِلْتُ فداك هل اغتسل أمير المؤمنين عليه السلام حين غَسَّلَ رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله عند موته ؟ فأجابه: النَّبيّ صلى الله عليه واله طاهر مُطَهَّر ، ولكن أَمير المؤمنين عليه السلام فعل، وجرت به السُّنَّة»(5). 5ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام: «إِنَّ نطفة الإِمام من الجنَّة ، وإِذا وقع من بطن أُمِّه إِلى الأَرض وقع وهو واضع يده إلى الأَرض ، رافع رأسه إلى السَّمآء ...»(6). 6ـ بيان زيارة أَهل البيت عليهم السلام : «... بأَنَّ اللّٰـه جلَّ جلاله قد طهَّركم من الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ومن كلِّ ريبة ورجاسة ودناءة ونجاسة ...»(7). ودلالة الجميع واضحة على أَنَّ كُلَّ ما كان محكوماً عليه شرعاً في حقِّ ما يصدر من قضايا وأَحوال وشؤون أَبدان سائر البشر بالخباثة والنَّجاسة محكوماً عليه في حقِّ أَحوال وشؤون ما يصدر من أَبدان أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم بالنُّور والطُّهر والطَّهارة. والنكتة : ما تقدَّم ؛ فإِنَّ أَبدانهم صلوات اللَّـه عليهم الشَّريفة المُقدَّسة ليست أَرضيَّة ؛ كأَبدان سائر البشر ، بل سماويَّة نوريَّة ، وكُلُّ ما يصدر منها أَشعَّة نور وطهر وطهارة. فالتفت واغتنم تربت يداك. 7ـ إِطلاق بيان زيارة أَمير المؤمنين عليه السلام : «... يَا مَنْ حظي بكرامة ربّه ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في المصدر : (أشربته ؟). (2) بحار الأَنوار ، 17 : 33/ح16. طب الأَئمَّة : 69 ـ 70. (3) بحار الأَنوار ، 17 : 270 /ح6. التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام : 165 ـ 170. (4) بحار الأَنوار ، 17 : 32/ح14. شرح الشفاء ، 1 : 67 ـ 72. (5) بحار الأَنوار ، 22 : 540 ـ 541 /ح50. تهذيب بيت الأَحكام ، 1 : 30. (6) بحار الأَنوار ، 25 : 37 /ح4. بصائر الدرجات ، 1 : 436/ح824 ـ 14. (7) بحار الأَنوار ، 97 : 208.
معارف إِلٰهيَّة : (89) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضية الاولى :
الدرس (89) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضية ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ولازال في القضية الاولى ، وكانت تحت عنوان : (أَبدان أهل البيت عليهم السلام أَبدان سماويَّة نوريَّة) و(طهارة دم أَهل البيت عليهم السلام وكُلّ ما يعرض على أَبدانهم الشريفة) ، ومر الكلام أَنّهَ تتَّضح مما تقدم نُكات وفلسفات كثير من بيانات الوحي ووصلنا الى البيان : 6ـ بيان زيارة أَهل البيت عليهم السلام : «... بأَنَّ اللّٰـه جلَّ جلاله قد طهَّركم من الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ومن كلِّ ريبة ورجاسة ودناءة ونجاسة ...»(1). ودلالة الجميع واضحة على أَنَّ كُلَّ ما كان محكوماً عليه شرعاً في حقِّ ما يصدر من قضايا وأَحوال وشؤون أَبدان سائر البشر بالخباثة والنَّجاسة محكوماً عليه في حقِّ أَحوال وشؤون ما يصدر من أَبدان أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم بالنُّور والطُّهر والطَّهارة. والنكتة : ما تقدَّم ؛ فإِنَّ أَبدانهم صلوات اللَّـه عليهم الشَّريفة المُقدَّسة ليست أَرضيَّة ؛ كأَبدان سائر البشر ، بل سماويَّة نوريَّة ، وكُلُّ ما يصدر منها أَشعَّة نور وطهر وطهارة. فالتفت واغتنم تربت يداك. 7ـ إِطلاق بيان زيارة أَمير المؤمنين عليه السلام : «... يَا مَنْ حظي بكرامة ربّه فجلَّ عن الصفات ، واشتُقَّ من نوره ...»(2). ودلالته قد اتَّضحت ؛ من أَنَّ صفات أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم لا تُقاس بصفات سائر البشر ، سوآء أَكانت تلك الصِّفات مُتعلِّقة بأَبدانهم وظواهر أَحوالهم وشؤونهم ، أَم كانت مُتعلِّقة ببواطنهم وأَرواحهم وسائر طبقات حقائقهم ؛ فإِنَّ أَبدانهم صلوات اللَّـه عليهم الشريفة المُقدَّسة بعدما كانت سماويَّة نوريَّة ، وصفاتهم صلوات اللَّـه عليهم بعدما كانت إِلٰهيَّة ؛ وعكوسات لصفات وشؤون الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ـ كما صرَّحت بذلك بيانات الوحي المتواترة بالتواتر العقلي ، بل الوحياني ، بل اللَّفظي ، منها: ما تقدَّم ـ جلَّت صفاتهم وأَحوالهم وشؤونهم صلوات اللَّـه عليهم وصفات وأَحوال وشؤون أَبدانهم الشَّريفة المُقدَّسة عن صفات وأَحوال وشؤون سائر المخلوقات، وعن صفات وأَحوال وشؤون أَبدان المخلوقات الأَرضيَّة. 8ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «ما مِنْ نبيٍّ ولا وصيٍّ يبقىٰ في الأَرض أَكثر من ثلاثة أَيَّام حتَّىٰ يُرفع بروحه وعظمه ولحمه إِلى السَّمآء ، وإِنَّما يُؤتىٰ مواضع آثارهم ، و يبلِّغونهم من بعيد السَّلام ، ويسمعونهم على آثارهم من قريب»(3). ودلالته قد اتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ أَبدان أَهل البيت والأَنبياء والأَوصياء عليهم السلام ؛ بعدما كان سنخها أَبدان سماويَّة ، وأَشعَّة نور فلا يُناسبها بعد الموت أَو الشهادة إِلَّا أَنْ تُرفع وتوضع في عوالمها وأَماكنها المناسبة من السَّماوات والعوالم الصَّاعدة ، وهي على مراتب وطبقات. 9ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ؛ منضمّاً إِليه بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «...أَيُّهَا اَلنَّاسُ ، خُذُوهَا عَنْ خَاتَمِ اَلنَّبِيِّينَ صلى الله عليه واله : «إِنَّهُ يَمُوتُ مَنْ مَاتَ مِنَّا وَلَيْسَ بِمَيِّتٍ ، وَيَبْلَى مَنْ بَلِيَ مِنَّا وَلَيْسَ بِبَالٍ»... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 97 : 208. (2) المصدر نفسه : 347 ـ 352. المزار الكبير : 97 ـ 101. (3) بحار الأَنوار ، 22 : 550/ح3. بصائر الدرجات ، 2 : 349/ح1586 ـ 8.
معارف إِلٰهيَّة : (90) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضية الاولى :
الدرس ( 90) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضية ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ولازال في القضية الاولى ، وكانت تحت عنوان : (أَبدان أهل البيت عليهم السلام أَبدان سماويَّة نوريَّة) و(طهارة دم أَهل البيت عليهم السلام وكُلّ ما يعرض على أَبدانهم الشريفة) ، ومر الكلام أَنّهَ تتَّضح مما تقدم نُكات وفلسفات كثير من طوائف بيانات الوحي ، منها متقدم ، ويضاف اليها البيان : 8ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «ما مِنْ نبيٍّ ولا وصيٍّ يبقىٰ في الأَرض أَكثر من ثلاثة أَيَّام حتَّىٰ يُرفع بروحه وعظمه ولحمه إِلى السَّمآء ، وإِنَّما يُؤتىٰ مواضع آثارهم ، و يبلِّغونهم من بعيد السَّلام ، ويسمعونهم على آثارهم من قريب»(1). ودلالته قد اتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ أَبدان أَهل البيت والأَنبياء والأَوصياء عليهم السلام ؛ بعدما كان سنخها أَبدان سماويَّة ، وأَشعَّة نور فلا يُناسبها بعد الموت أَو الشهادة إِلَّا أَنْ تُرفع وتوضع في عوالمها وأَماكنها المناسبة من السَّماوات والعوالم الصَّاعدة ، وهي على مراتب وطبقات. 9ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ؛ منضمّاً إِليه بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «...أَيُّهَا اَلنَّاسُ ، خُذُوهَا عَنْ خَاتَمِ اَلنَّبِيِّينَ صلى الله عليه واله : «إِنَّهُ يَمُوتُ مَنْ مَاتَ مِنَّا وَلَيْسَ بِمَيِّتٍ ، وَيَبْلَى مَنْ بَلِيَ مِنَّا وَلَيْسَ بِبَالٍ» ، فَلاَ تَقُولُوا بِمَا لاَ تَعْرِفُونَ ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ اَلْحَقِّ فِيمَا تُنْكِرُونَ...»(2). 10ـ بيانه صلى الله عليه واله في وصيَّته لأَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه ، عن الإِمام الصادق عليه السلام ، قال : «لَـمَّا حضر رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله الممات دخل عليه عَلِيٌّ عليه السلام ، فأدخل رأسه معه ، ثُمَّ قال : يا عَلِيّ ، إِذا أَنا متُّ فَغَسِّلْنِي وكفِّنِّي ، ثُمَّ أَقعدني وسائلني واكتب». وفي تهذيب الأَحكام : «فَخُذ بمجامع كفني وأَجلسني ، ثُمَّ اسألني عمَّا شئتَ ، فواللّٰـه لا تسألني عن شيءٍ إِلَّا أَجبتكَ فيه». وفي رواية أَبي عوانة بإِسناده : قال عَلِيٌّ : «ففعلتُ ، فأنبأني بما هو كائن إِلى يوم القيامة». وعن جميع بن عمير التميميّ ، عن عائشة في خبر أَنَّها قالت : «وسَالَت نفس رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله في كفِّه ثُمَّ ردَّها في فيه»(3). 11ـ بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «...إِنَّ مَيِّتنا لم يمت ، وغائبنا لم يغب ، وإِنَّ قتلانا لن يُقتلوا...»(4). 12ـ ما حصل أَثناء خطبته عليه السلام ، عن ميثم التمَّار ، قال : «... فصاح زيد بن كثير المرادي ، وقال: يا أَمير المؤمنين ، تقول بالأَمس وأَنتَ تُجهِّز إِلى معاوية وتحرِّضنا على قتاله ... فتقول لنا : ... لو شئتُ أَنْ أَضرب برجلي هذه القصيرة صدر معاوية فأَقلبه على أُمِّ رأسه لفعلتُ ، فما بالكَ لا تفعل ؟ ما تُريد إِلَّا أَنْ تضعف نفوسنا فَنَشُكَّ فيكَ فندخل النَّار. فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «لأَفعلنَّ ذلك ، ولاعجلنه على ابن هند. فمدَّ رجله على منبره فخرجت عن أَبواب المسجد ، وردَّها إِلى فخذه ، وقال : معاشر النَّاس ، أَقيموا تاريخ الوقت؛ وأعلموه فقد ضربتُ برجلي هذه السَّاعة صدر معاوية ؛ فقلبته عن سريره على أُمِّ رأسه ، فظنَّ أَنَّه قد أُحيط به ، فصاح يا أَمير المؤمنين ، فأين النظرة ، فرددتُ رجلي عنه». وتوقَّع النَّاس ورود الخبر من الشَّام ، وعلموا : أَنَّ أَمير المؤمنين لا يقول إِلَّا حقّاً. فوردت الأَخبار والكُتُب بتاريخ تلك السَّاعة بعينها من ذلك اليوم بعينه : أَنَّ رِجلاً جاءت من ناحية الكوفة ممدودة مُتَّصلة فدخلت من أيوان معاوية والنَّاس ينظرون حتَّىٰ ضربت صدره فقلبته عن سريره على أُمِّ رأسه، فصاح : يا أمير المؤمنين ، وأَين النظرة ؟ وردت تلك الرِّجل عنه ، وعلم النَّاس ما قال أَمير المؤمنين عليه السلام حقّاً»(5). 13ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن أَبي جعفر ميثم التمار ، قال : «... واللّٰـه ، لو شئتُ لمددتُ يدي هذه القصيرة في أَرضكم هذه الطويلة ، وضربتُ بها صدر معاوية بالشَّام ، وأَجذب بها من شاربه ـ أَو قال : من لحيته ـ ، فمدَّ يده وردَّها وفيها شعرات كثيرة، فتعجَّبوا من ذلك. ثُمَّ وصل الخبر بعد مُدَّة : أَنَّ معاوية سقط من سريره في اليوم الَّذي كان عليه السلام مَدَّ يده ، وغشي عليه ، ثُمَّ أَفاق ، وافتقد من شاربه ولحيته شعرات»(6). 14ـ بيان خطبته عليه السلام ، وما حدث في أَثنائها لأَحد سادات الخوارج : «... وسكت حينئذٍ ، فقام إِليه سويد بن نوفل ، وهو كالمستهزء ، وكان من سادات الخوارج(7)، وقال : يا أَمير المؤمنين ، أَنتَ الحاضر ما ذكرتَ ، والعَالِم بما أَخبرتَ ، قال فالتفت إِليه الإِمام عليه السلام ورمقه رمقة الغضب ، فصاح سويد بن نوفل صيحة عظيمة من عظم ما نزل به ، فمات من وقته وساعته وتقطَّع إِرَباً إِرَباً (8)، وعجَّل اللَّـه بروحه إِلى النَّار ، فقال أَمير المؤمنين عليه السلام : أبمثلي يستهزء المستهزءون ... وأيم اللّٰـه ، لو شئتُ ما تركتُ على ظهرها من كافر باللّٰـه ، ومن منافق برسوله ، ولا مُكذِّباً بوصيِّه ...»(9). 15ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام : «لا تكلّموا في الإِمام ؛ [فإِنَّ الإِمام] يسمع... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 22 : 550/ح3. بصائر الدرجات ، 2 : 349/ح1586 ـ 8. (2) نهج البلاغة / خ86 : 143. (3) بحار الأَنوار ، 40 : 152. (4) المصدر نفسه ، 26 : 6/ح1. (5) بحار الأَنوار ، 33 : 281 ـ 282. (6) المصدر نفسه ، 54 : 346/ح36. (7) يجدر الإِلتفات : أَنَّ الكوفة كانت في زمن أَمير المؤمنين والحسن والحسين صلوات اللّٰـه عليهم ، بل وفي زمن المختار ـ وانتصاره كان أَشبه بالمُعجزة ـ تضمُّ تيَّارات مُختلفة ؛ فلم تكن جميعها شيعيَّة ، وإِنَّما ثلَّة قليلة منها تقرب إِلى الثلث كانت موالية لأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، والأَكثر كانوا مُناوئين لهم صلوات اللّٰـه عليهم ، وكان يسكنها بعض أَهل الشام وبقيَّة فلول من مناطق أُخرىٰ. (8) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ الشرائط الفسيولوجيَّة والجينيَّة لبدن أَمير المؤمنين عليه السلام أَعظم من الشرائط الفسيولوجيَّة والجينيَّة لبدن الإِمام الحسن والحسين فضلاً عن أَبدان سائر أَئمَّة أَهل البيت عليهم السلام ؛ فإِنَّهم وإِنْ كانوا في الفضائل سوآء ، لكن بدن أَمير المؤمنين عليه السلام بدناً اصطفائيّاً خاصّاً ، له خصوصيَّاته ومُميزاته الخاصَّة ، ومن ثَمَّ ورد في بيانات الوحي الإِلٰهي : أَنَّه لا تحصل في جيشٍ هو فيه الهزيمة البتَّة ، وما يتوجَّه في جيشٍ إِلَّا وكان نصيبه النصر ، فلذا ورد في بيانات الوحي الأُخرىٰ : أَنَّه الأَكثر رجوعاً في عَالَم الرَّجعة ـ عَالَم آخرة الدُّنيا ـ . فلاحظ : بيانات الوحي ، منها : بيانه صلوات اللّٰـه عليه : «... وإِنَّ لِيَ الكَرَّةَ بعد الكَرَّةِ ، والرَّجْعَةَ بعد الرَّجْعَةِ ، وأَنَا صَاحِبُ الرَّجَعَاتِ والكَرَّاتِ ، وصَاحِبُ الصَّولاتِ والنَّقِمَاتِ والدَّولاتِ العَجِيبَات ، وأَنَا قَرْنٌ من حَدِيدٍ ...». بحار الأَنوار ، 53 : 47/ح20. معاني الأَخبار : 59. لكن : مع كلّ هذه الخصائص والعظمى يُشفىٰ جسده بريق سيِّد الأَنبياء صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آلهما ، بل ويُزقُّ من ذلك الرِّيق : العلم والحلم والفقه والحكمة لصدر أَمير المؤمنين عليه السلام ، كما ورد ذلك في بيان حديث الدار ، الحاوي على معارف عظيمة ؛ فأَيُّ عظمة مهولة لبدن سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله . (9) إِلزام الناصب في إثبات الحُجَّة الغائب ، 2 : 156 ـ 211.
معارف إِلٰهيَّة : (91) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضية الاولى
الدرس ( 91) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضية ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ولازال في القضية الاولى ، وكانت تحت عنوان : (أَبدان أهل البيت عليهم السلام أَبدان سماويَّة نوريَّة) و(طهارة دم أَهل البيت عليهم السلام وكُلّ ما يعرض على أَبدانهم الشريفة) ، ومر الكلام أَنّهَ تتَّضح مما تقدم نُكات وفلسفات كثير من طوائف بيانات الوحي ، منها متقدم ، ويضاف اليها البيان : 15ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام : «لا تكلّموا في الإِمام ؛ [فإِنَّ الإِمام] يسمع الكلام وهو جنين في بطن أُمِّه ...»(1). 16ـ بيان الإِمام أَبي جعفر عليه السلام : «الإِمام مِنّا ينظر من خلفه كما ينظر من قدَّامه»(2). 17ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «إِنَّ اللّٰـه إِذا أَحبَّ أَنْ يخلق الإِمام أَخَذ شربة من تحت العرش فأعطاها ملكاً فسقاها إِيَّاها(3)، فمِنْ ذلك يُخلق الإِمام...»(4). ودلالة الجميع قد اتَّضحت ؛ فإِنَّ أَبدان أَهل البيت عليهم السلام بعدما كانت سماويَّة ؛ كانت أَحوال وشؤون وصفات ما يصدر منها يختلف سنخاً ، ومن دون قياس عن أَحوال وشؤون وصفات ما يصدر عن أَبدان سائرالبشر. ونكتة عدم تفرقة بعض الفقهاء بين أَحوال وشؤون وخواصّ وصفات أَبدان أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ، وأَحوال وشؤون وخواصّ وصفات أَبدان سائر البشر ـ ومن ثَمَّ حكموا (والعياذ باللّٰـه تعالىٰ) بالنجاسة على ما يخرج من أَبدانهم صلوات اللَّـه عليهم الشَّريفة المُقدَّسة ؛ كالدم وما شاكله من الأُمور المحكوم عليها شرعاً بالنجاسة ؛ الخارجة من أَبدان سائرالبشر ؛ تمسُّكاً بإِطلاقات الأَدلَّة الشرعيَّة الدالَّة على النجاسة ، ولم يلتفتوا وغفلوا أَو تغافلوا عن الكم الغفير الهائل من بيانات الوحي المعرفيَّة ، منها ما تقدَّم ، البالغة حدّ الضرورة ، الحاكمة والمُصرِّحة بوجود فارق سنخيّ بين أَبدان أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم وأَبدان سائر البشر ـ وذلك تبعاً للمنهج المُتَّبع الَّذي يُفكِّك في مقامٍ استنباط الأَحكام الشرعيَّة بين الشريعة والدِّين ؛ فيصبُّون نظرهم في مقام الإِستنباط على الأَدلَّة الشرعيَّة ، ويعرضون عن الأَدلَّة الدينيَّة ـ المعرفيَّة والعقائديَّة ـ الواردة في بيانات الوحي ، وهذه عثرة شنيعة ؛ فإِنَّه كيف يمكن الوصول إِلى النتائج الحقَّة بعد التفكيك بين الأَصل وفرعه. فالفقيه من أَتباع مدرسة أَهل البيت عليهم السلام لا يمكنه الطيران والتحليق في سماء معرفة الأَحكام الشرعيَّة ، والغوص والغور في بحور معاني وحقائق بيانات وأَدلَّة الوحي المتلاطمة في مقام الإِستنباط ، والوصول إِلى النتائج الحقَّة المرضيَّة لدىٰ أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم بجناحٍ فاردٍ ، بل لا بُدَّ له من أَنْ يضمَّ إِليه الجناح الآخر ، ليطير ويُحَلِّق ويغور في عوالم علوم الوحي الطمطامة ، وحقائقه المهولة العظيمة غيرالمتناهية أَبد الآباد ودهر الدهور بجناحين ، أَحدهما ـ وهو الركن الرَّكين والعمود الفقري والأَساسي ـ : ملاحظة البيانات الوحيانيَّة الدينيَّة ـ العقائديَّة والمعرفيَّة ـ ؛ فإِنَّ لها عظيم الانعكاسات والآثار والثمار والفوائد الواضحة على الشريعة. ثانيهما : ملاحظة البيانات الوحيانيَّة الشرعيَّة. وهذه العثرة أَوقعت مُتَّبعي هذا الخط والمنهج بعثرات شنيعة ، وأَنكروا بسببه جملة أُمور وقضايا وأَحكام وقواعد ، بعضها نخاعيَّة في الدِّين والشريعة . / القضيَّة الثانية : / فائدة وثمرة التَّعَرُّف على ماهيَّة الإِمامة الإِلهيَّة والإِمام / رُبَما يتساءل المُثقَّفون ومَنْ يستأنس باللغة الأَكاديميَّة : عن النفع والفائدة والثمرة من وراء التعريفات والتصوّرات الماورائيَّة لمعرفة الدِّين والعقائد والمعارف الإِلٰهيَّة ، لاسيما معرفة ماهيَّة وحقيقة الإِمامة الإِلٰهيَّة ، وماهيَّات وحقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، ولماذا هذا التحليق والعروج والتَّطلُّع ؟ وأَيّ اتِّصال وارتباط بين معرفة هذه الحقائق والماهيات وبين حياتنا ، بل وحياة البشريَّة المعاصرة والمستقبليَّة ؟ ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بصائر الدرجات ، 2 : 336/ح 1560 ـ 6. (2) بحار الأَنوار ، 25 : 148/ح20. بصائر الدرجات : 125. (3) في نسخة : (أَباه). وفي المصدر : (إِيَّاه) ، ولعلَّه مصحَّف. (4) بحار الأَنوار ، 25 : 37/ح3. تفسير القمي : 202.
معارف إِلٰهيَّة : (92) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة الثانية :
الدرس ( 92) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الثانية : / القضيَّة الثانية : / فائدة وثمرة التَّعَرُّف على ماهيَّة الإِمامة الإِلهيَّة والإِمام / رُبَما يتساءل المُثقَّفون ومَنْ يستأنس باللغة الأَكاديميَّة : عن النفع والفائدة والثمرة من وراء التعريفات والتصوّرات الماورائيَّة لمعرفة الدِّين والعقائد والمعارف الإِلٰهيَّة ، لاسيما معرفة ماهيَّة وحقيقة الإِمامة الإِلٰهيَّة ، وماهيَّات وحقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، ولماذا هذا التحليق والعروج والتَّطلُّع ؟ وأَيّ اتِّصال وارتباط بين معرفة هذه الحقائق والماهيات وحياتنا ، بل وحياة البشريَّة المعاصرة والمستقبليَّة ؟ والجواب : أَنَّ حقيقة هذه التساؤلات ناشئة من حصر حياة البشر بهذه النشأة والكوكب الأَرضي ، والحال : أَنَّ الإِنسان مرَّ وسيمرّ في قوس النزول والصعود بِعِدَّة عوالم ، وهي أَخطر وأَعظم هولاً من هذا العَالَم وهذه النشأَة الأَرضيَّة ، كـ : عَالَم : (البرزخ الصَّاعد) ، و(الرجعة ـ آخرة الدُّنيا ـ) ، و(القيامة) ، و(الآخرة الأَبدية) ، وعوالم ما بعدها. والعقائد والمعارف الإِلٰهيَّة الحقَّة ؛ ومعرفة ماهيّاتها وحقائقها عبارة عن خارطة طريق لمستقبل المخلوقات عبر هذه العوالم. بعد الإِلتفات : أَنَّ كلمة البشر قائمة على عدم فناء الرُّوح. وعليه : فإِذا كان الإِنسان عاقلاً ومؤمناً ، وكيِّساً وذكيّاً وحكيماً فعليه فهم خارطة مُستقبله عبر العوالم التَّالية ، وإِلَّا كان حاله كحال الطفل ، بل البهيمة. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان الإِمام الصَّادق صلوات اللّٰـه عليه : «النَّاس إثنان : عَالِم ومُتعلِّم ، وسائر النَّاس همج ، والهمج في النَّار»(1). والهمج ـ بالتحريك ـ جمع : همجة ، وهي : ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم والحمير وأَعينها. كذا ذكره الجوهري(2). 2ـ بيان أَبي جعفر صلوات اللّٰـه عليه : «... ففضل إِيمان المؤمن بحمله: [إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ](3) وبتفسيرها على مَنْ ليس مِثْله في الإِيمان بها كفضل الإِنسان على البهائم ...»(4). ودلالتهما واضحة. / القضيَّة الثَّالثة : / وجوب أَخذ الطبقات الثلاث في الحدِّ التَّام لماهيَّة الإِمام عليه السلام / مَنْ يُريد تعريف ماهيَّة الإِمام عليه السلام وبيان حقيقته فعليه أَنْ يأخذ في حدِّه ما أَخذته بيانات الوحي الإِلٰهيّ من تلك الطبقات الثلاث ـ أَي : ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 1 : 187/ح3. (2) المصدر نفسه. (3) القدر : 1. (4) بحار الأَنوار ، 25 : 74/ح63. كنز الفوائد : 395 ـ 398.
معارف إِلٰهيَّة : (93) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة الثَّالثة :
الدرس ( 93) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الثَّالثة : / القضيَّة الثَّالثة : / وجوب أَخذ الطبقات الثلاث في الحدِّ التَّام لماهيَّة الإِمام عليه السلام / مَنْ يُريد تعريف ماهيَّة الإِمام عليه السلام وبيان حقيقته فعليه أَنْ يأخذ في حدِّه ما أَخذته بيانات الوحي الإِلٰهيّ من تلك الطبقات الثلاث ـ أَي : الطبقات الصَّاعدة والمتوسطة والنَّازلة ـ من حقائق أَهل البيت عليهم السلام ، لا سيما الطبقة الصَّاعدة ؛ فإِنَّها الكمال الأَعظم ؛ والعِلَّة الغائيَّة من خلقه ذواتهم وحقائقهم عليهم السلام المقدَّسة الشريفة : المتوسطة والنَّازلة ، ومن ثَمَّ أَقَرَّ أَصحاب العلوم العقليَّة ـ كـ : المناطقة والفلاسفة ـ : أَنَّ غاية الشيء أَعظم وأَكمل تعريفاً له من تعريفه بجنسه وفصله. ومعناه : أَنَّ كُنْه الشيء وكمال حقيقته يتمثَّل في : (عِلَّته الغائيَّة). إِذَنْ : معرفة الشيء بـ : (عِلَّته الغائيَّة) أَعظم وضوحاً وأَخطر بياناً ومعرفة وغوراً من معرفته بأَجزائه الدَّاخليَّة. ومنه يتَّضح : المراد من قولهم : «إِنَّ حقيقة الشيء بفصله الأَخير» أَي : بغايته وكماله الأَخير. / طبقات حقائق أَهل البيت عليه السلام علل غائيَّة / وللتوضيح أَكثر نقول : إِنَّ هناك قاعدة تُذْكَر في المباحث المعرفيَّة ، وهي: «إِنَّ الموجود والمخلوق السَّافل لا يُخلق لأَجل الموجود والمخلوق السَّافل ، بل لأَجل الموجود والمخلوق العالي». وعليه : تكون جملة العوالم الإِلٰهيَّة غيرالمتناهيَّة ، وكافَّة المخلوقات الإِلٰهيَّة غيرالمتناهية أَيضاً مخلوقة لأَجل طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة. وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان الحديث القدسي الوارد في بيان حديث الكساء : «... وعِزَّتي وجلالي ... إِنِّي ما خَلَقتُ سمآءُ مبنيَّة ولا أَرضاً مدحِيَّةً ، ولَا قَمَراً مُنيراً ، ولَا شمساً مُضيئةً ، ولا فَلَكاً يَدُور ، ولا بحراً يَجري ، ولا فُلْكاً تَسرِي إِلَّا لأَجْلِكُمْ ... [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا](1) ...»(2). 2ـ بيان الحديث القدسي أَيضاً مُنضمّاً إِليه بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... وأَنَّ أَبي آدم لَـمَّا رأَىٰ اسمي واسم عَلِيّ وابنتي فاطمة والحسن والحسين وأَسمآء أَولادهم مكتوبة على ساق العرش بالنُّور قال : إِلٰهي وسيِّدي ، هل خلقتَ خلقاً هو أَكرم عليكَ مِنِّي ؟ فقال : يا آدم ، لولا هذه الأَسمآء لَـمَا خلقتُ سمآءً مبنيَّة ، ولا أَرضاً مدحيَّة ، ولاملكاً مُقَرَّباً ، ولا نبيّاً مرسلاً ، ولا خلقتك يا آدم ، فلَمَّا عصىٰ آدم ربَّه وسأله بحقِّنا أَنْ يتقبَّل توبته ، ويغفر خطيئته فأجابه ، وكُنَّا الكلمات تلقَّاها آدم من ربِّه (عزَّوجلَّ) ، فتاب عليه، وغفر له ... فحمد آدم ربَّه (عزَّوجلَّ) وافتخر على الملائكة بنا...» (3). 3ـ بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «... وإِنَّ جميع الرسل والملائكة والأَرواح خلقوا لخلقنا ...»(4). 4 ـ بيان الإِمام زين العابدين عليه السلام : «...إِنَّ لَنَا عند اللَّـه منزلة ومكاناً رفيعاً ، ولولا نحن لم يخلق اللَّـه أَرضاً ولا سمآءً ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الأَحزاب : 33. (2) عوالم العلوم ، 11/قسم : 2 : 933. (3) بحار الأَنوار ، 35 : 23/ح15 . الروضة البهية : 17 ـ 18. روضة الواعظين : 72 ـ 74. (4) بحار الأَنوار ، 39 : 350/ح24. تفسير فرات : 61 ـ 62.
معارف إِلٰهيَّة : (94) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة الثالثة :
الدرس ( 94) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الثَّالثة ، ولازال الكلام في ادلة هذا العنوان : ( طبقات حقائق أَهل البيت عليه السلام علل غائيَّة ) ، وصل بنا البحث الى الدليل والبيان الرابع : 4ـ بيان الإِمام زين العابدين عليه السلام : «...إِنَّ لَنَا عند اللَّـه منزلة ومكاناً رفيعاً ، ولولا نحن لم يخلق اللَّـه أَرضاً ولا سمآءً ، ولا جنَّةً ولا ناراً ، ولا شمساً ولا قمراً ، ولا بَرّاً ولا بحراً ، ولا سهلاً ولا جبلاً ، ولا رطباً ولا يابساً ولا حلواً ولا مرّاً ، ولا ماءً ، ولا نباتاً ولا شجراً ، اخترعنا اللَّـه من نور ذاته، لا يُقاس بنا بشر...»(1). 5ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... لَـمَّا رأَوا أَسماءنا مكتوبة على سرادق العرش ... قال اللَّـه : ... لولا هؤلاء ... ما خلقتُ سمآءً مبنيَّة ، ولا أَرضاً مدحيَّة ، ولا مَلَكاً مُقرَّب ، ولا نبيّاً مرسل ، ولا خلقتكَ يا آدم ...»(2). 6ـ بيان الإِمام الرضا صلوات اللَّـه عليه : «... وإِنَّ آدم لَـمَّا أَكرمه اللَّـه (تعالىٰ ذكره) بإسجاد ملائكته له ، وبإِدخاله الجنَّة قال في نفسه : هل خلق اللَّـه بشراً أَفضل مِنِّي ؟ فعلم اللَّـه (عزَّوجلَّ) ما وقع في نفسه فناداه : ارفع رأسكَ يا آدم ، فانظر إِلى ساق عرشي ، فرفع آدم رأسه فنظر إلى ساق العرش، فوجد عليه مكتوباً : لَا إِلٰه إِلَّا اللَّـه ، مُـحمَّد رسول اللَّـه ، عَلِيّ بن أبي طالب أَمير المؤمنين ، وزوجته فاطمة سيِّدة نساء العالمين ، والحسن والحسين سيِّدا شباب أَهل الجنَّة. فقال آدم عليه السلام : يا ربّ ، مَنْ هؤلاء ؟ فقال (عزَّوجلَّ) : من ذرِّيَّتكَ ، وهم خير منكَ ، ومن جميع خلقي ، ولولا هُم ما خلقتك ، ولا خلقتُ الجنَّة والنَّار ، ولا السَّمآء والأَرض ، فإِيَّاكَ أَنْ تنظر إِليهم بعين الحسد؛ فأخرجكَ عن جواري...»(3). ودلالة الجميع واضحة. وهذا أَحد معاني خلوص وإِخلاص السافل للعالي ؛ لأَنَّ كمال السَّافل يكمن في توجُّهه إِلى العالي ، لا في تمحوره حول ذاته. ومنه تتَّضح : كثير من بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان الحديث القدسي مخاطباً (تقدَّس ذكره) سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «يا أَحمد، لولاك لَـمَا خلقتُ الأَفلاك ، ولولا عَلِيّ لَـمَا خلقتُكَ ، ولولا فاطمة لَـمَا خلقتكما»(4). فإِنَّه دالٌّ على أَنَّ جملة الأَفلاك لم تُخلق لولا حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ؛ فإِنَّها علَّة غائيَّة لها. وكذا طبقات حقيقته صلى الله عليه واله النَّازلة ؛ فإِنَّها لم تُخلق لولا طبقات حقيقة أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه الصَّاعدة ؛ فإِنَّ طبقات حقيقته عليه السلام الصَّاعدة علَّة غائية لطبقات حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله النازلة. وعلى هذا قس طبقات حقيقتيهما صلوات اللَّـه عليهما وعلى آلهما النازلة ؛ فإِنَّها لم تُخلق لولا طبقات حقيقة فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها الصَّاعدة؛ فإِنَّها علَّة غائيَّة لطبقات حقيقتيهما صلوات اللَّـه عليهما وعلى آلهما النازلة. / القضيَّة الرَّابعة : / / توظيف الأَضداد أَحد صفات أَهل البيت عليهم السلام الإِلهيَّة / هناك فوارق جمَّة بين حقيقة وشؤون الإِمام من أَهل البيت عليهم السلام ، و حقيقة وشؤون سائرالمخلوقات ، منها : ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 26 : 8 ـ 17/ح2. (2) الهداية الكبرىٰ : 432. (3) بحار الأَنوار ، 26 : 273/ح15. عيون الأَخبار : 170. (4) عوالم العلوم ، 11: 43. ملتقىٰ البحرين: 14. مستدرك سفينة البحار، 3: 334.
معارف إِلٰهيَّة : (95) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة الرَّابعة:
الدرس ( 95) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الرَّابعة : / القضيَّة الرَّابعة : / / توظيف الأَضداد أَحد صفات أَهل البيت عليهم السلام الإِلهيَّة / هناك فوارق جمَّة بين حقيقة وشؤون الإِمام من أَهل البيت عليهم السلام ، و حقيقة وشؤون سائر المخلوقات ، منها : أَنَّ طبقات حقيقة الإِمام من أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسطة والنَّازلة بعدما كانت هي الواسطة بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ جلاله) و جملة المخلوقات انعكست وتجلت فيها جميع أَسماء وصفات وشؤون الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة إِلَّا الأُلوهيَّة ؛ لخروجها تخصُّصاً وموضوعاً (1)، ومن تلك الأَسماء والصفات والشؤون المنعكسة : (صفة توظيف الأَضداد)، فالإمام عليه السلام كالباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (عزَّ ذكره) يوظِّف الإِضداد ، ويوفِّق ويلائم بينها ، ويجعل كلّاً في محلِّه ، فيوظِّف ويُوفِّق ويلائم مثلاً بين : (الغضب والرويَّة) ، وبين : (الإِقدام والإِحجام) ، وبين : (الشَّجاعة والرحمة والرأفة) وهلمَّ جرَّ. فلاحظ: 1ـ ما ذكره الشريف الرضي في حقِّ أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه: «مَنْ سمع كلامه لا يشكُّ أَنَّه كلام مَنْ قبع في كِسر بيت ، أَو انقطع في سفح جبل ، لا يسمع إِلَّا حسّه ، ولا يرىٰ إِلَّا نفسه ، ولا يكاد يوقن بأَنَّه كلام مَنْ ينغمس في الحرب ؛ مصلتاً سيفه فيقطُّ الرقاب ، ويجدل الأَبطال ، ويعود به ينطف دماً ويقطر مهجاً ، وهو مع ذلك زاهد الزهَّاد ، وبدل الأَبدال ، وهذه من فضائله العجيبة ، وخصائصه الَّتي جمع بها بين الأَضداد»(2). 2ـ ما ذكره ابن أبي الحديد في الشرح في حقِّ أَمير المؤمنين عليه السلام أَيضاً : «كان أَمير المؤمنين عليه السلام ذا أَخلاق متضادَّة ، فمنها : أَنَّ الغالب على أَهل الإِقدام والمغامرة والجرأة أَنْ يكونوا ذوي قلوب قاسية وفتك وتنمُّر وجبريَّة، والغالب على أهل الزهد ورفض الدُّنيا ، وهجران ملاذّها والإِشتغال بمواعظ النَّاس وتخويفهم المعاد وتذكيرهم الموت أَنْ يكونوا ذوي رقَّة ولين وضعف قلب وخور طبع ، وهاتان حالتان متضادَّتان ، وقد اجتمعتا له عليه السلام . ومنها : أَنَّ الغالب على ذوي الشَّجاعة وإراقة الدماء أَنْ يكونوا ذوي أَخلاق سبعيَّة ، وطباع حوشيَّة ، وغرائز وحشيَّة ، وكذلك الغالب على أَهل الزهادة وأَرباب الوعظ والتذكير ورفض الدنيا أَنْ يكونوا ذوي انقباض في الأَخلاق، وعبوس في الوجوه ، ونفار من النَّاس واستيحاش ، وأَمير المؤمنين عليه السلام كان أَشجع النَّاس وأَعظمهم إراقة للدم ، وأَزهد النَّاس وأَبعدهم عن ملاذ الدُّنيا ، وأكثرهم وعظاً وتذكيراً بأَيَّام اللّٰـه ومثلاته ، وأَشدَّهم اجتهاداً في العبادة وآداباً لنفسه في المعاملة ، وكان مع ذلك أَلطف العَالَم أَخلاقاً ، وأسفرهم وجهاً ، وأَكثرهم بشراً ، وأَوفاهم هشاشة وبشاشة، وأَبعدهم عن انقباض موحش ، أَو خلق نافر ، أَو تجهَّم مباعد ، أَو غلظة وفظاظة ينفر معهما نفس ، أَو يتكدَّر معهما قلب حتَّىٰ عيّب بالدُّعابة ، ولَـمَّا لم يجدوا فيه مغمزاً ولا مطعناً تعلَّقوا بها واعتمدوا في التنفير عنه عليها «وتلك شكاة ظاهر عنكَ عارها» وهذا من عجائبه وغرائبه اللطيفة»(3). وهذا بخلاف سائر المخلوقات فليست لها المكنة من ذلك. / القضيَّة الخامسة : / / استحالة الإِحاطة بالجهة المخلوقيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام / إِنَّ من علامات الإِيمان : إِعتقاد المخلوق ـ مهما بلغ نبوغه وارتقت مراتبه المعرفيَّة والعلميَّة وتعالت فضائله وكمالاته ـ بـ : عدم إِمكان إِحاطته بسرِّ خلقة ومخلوقيَّة المعصوم عليه السلام ، ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)مر وسياتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) مزيد بيان عن هذه القضية . (2) بحار الأَنوار ، 40 : 165. (3) بحار الأَنوار ، 40 : 89. شرح نهج البلاغة لابن أَبي الحديد ، 1 : 24 ـ 25.
معارف إِلٰهيَّة : (96) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة الخامسة
الدرس (96) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الخامسة : / القضيَّة الخامسة : / / استحالة الإِحاطة بالجهة المخلوقيَّة في حقائق أَهل البيت عليهم السلام / إِنَّ من علامات الإِيمان : إِعتقاد المخلوق ـ مهما بلغ نبوغه وارتقت مراتبه المعرفيَّة والعلميَّة وتعالت فضائله وكمالاته ـ بـ : عدم إِمكان إِحاطته بسرِّ خلقة ومخلوقيَّة المعصوم عليه السلام ، بل ولا بلوغها ، وإِلَّا أَرتطم بالتقصير في حقِّ المعصوم عليه ، وبالغلوِّ في حقِّ نفسه. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي الوافرة الباهرة ، منها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه المُتقدِّم : «... لا تجعلونا أرباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فإِنَّكم لا تبلغون كُنْه ما فينا ولا نهايته ... لا تُسَمُّونا أَرباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فإِنَّكم لن تبلغوا من فضلنا كُنْه ما جعله اللّٰـه لنا ، ولا معشار العشر ...» (1) . فإِنَّه برهان وحيانيٌّ دالٌّ على أَنَّ أَهل البيت عليهم السلام وإِنْ كانوا مخلوقين ، لكنَّ جهة المخلوقيَّة فيهم لا يُحاط بها ؛ لأَنَّها فعل اللّٰـه (جلَّ قدسه) ، وقدرته وآيته ، وتجلِّيه وظهوره في مخلوقاته المكرَّمة ؛ طبقات حقائق أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) ، وفعل اللّٰـه (تقدَّس ذكره) ـ كذاته وصفاته وأَسمائه ـ كما قُرِّر في محلِّه لا يُحاط به. ويُضاف إِليه : أَنَّ نفس الإِنسان بعدما لم يمكنه الإِحاطة بذاته ، ولا يفهم سرّ حقيقته وبواطن باطنه فكيف يفهم ويبلغ ويحيط ببواطن حقائق أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) !! 2ـ بيان القاعدة المعرفيَّة الواردة في بيانات أَهل البيت عليهم السلام : (من وصف شيئاً بكُنْهه كان أَعظم من الموصوف). وهي تنحلُّ إِلى قاعدتين : الأُولىٰ : (مَن وصف شيئاً بالكُنْه فقد أَحاط به). الثَّانية : (مَنْ أَحاط بشيءٍ كان أَعظم منه). ودلالة الجميع واضحة(2). 3ـ ما قرَّره أَصحاب المعقول ؛ من إِستحالة إِحاطة المعلول بعلَّته وإِنْ كانت واسطة فيضٍ إِلٰهيّ ، وطبقات حقائق أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسطة والنازلة وسائط الفيض الإِلٰهي ، وعلل الوجود الغائيَّة والفاعليَّة لمُطلق العوالم وجملة المخلوقات ـ كما تقدَّم ، بل وسياتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ـ فكيف يُحاط بحقائقهم (صلوات اللّٰـه عليهم)!!. ومن كلِّ هذا يتَّضح : أَنَّ من يدَّعي إِحاطته بكُنْه الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، أَو بكُنه التَّوحيد والأَسماء والصفات والأَفعال الإِلٰهيَّة ، أَو بكُنْه النُّبوَّة والنَّبيّ ، أَو بكُنْه الإِمامة الإِلٰهيَّة والإِمام فقد شطَّ وشطح وارتطم كما يرتطم الحمار بالطين بـ : الكُفر والشرك ، والغلو والتقصير ، والتشبيه والتعطيل الجليّ والخفي. / القضيَّة السَّادسة : / / إِنبثاق شؤون المخلوق من السَّاحة الإِلهيَّة / إِنَّه يتَّضح مِـمَّا تقدَّم : ما هو ثابت منطقيّاً وعقليّاً ، بل ومن ثوابت وقوانين وقواعد علوم المعارف : (أَنَّ جملة شؤون المخلوقات منبثقة من الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المقدَّسة) ؛ ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)بحار الانوار ، 26 : 1 ـ 7 /ح 1 . (2) بحث هذه القاعدة ودليلها سياتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) في مباحث التَّوحيد .
معارف إِلٰهيَّة : (97) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة السَّادسة
الدرس (97) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة السَّادسة : / القضيَّة السَّادسة : / / إِنبثاق شؤون المخلوق من السَّاحة الإِلهيَّة / إِنَّه يتَّضح مِـمَّا تقدَّم : ما هو ثابت منطقيّاً وعقليّاً ، بل ومن ثوابت وقوانين وقواعد علوم المعارف : (أَنَّ جملة شؤون المخلوق منبثقة من الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المقدَّسة) ؛ فإِنَّه بعدما مرَّ في الأَبحاث المُتقدِّمة ، بل وما سيأتي (إِنْ شاء اللّٰـه تعالىٰ) من أَنَّ طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة هي : (نظام عَالَم الخلقة والوجود والإِمكان ، ووسائط الفيض الإِلٰهيّ الحصريَّة ، والوسيلة والعلل الغائيَّة والفاعليَّة الإِلٰهيَّة الفاردة ، ووجه اللّٰـه ، والسبيل والسبب والباب والحجاب والرباط الإِلٰهي الحصري والأَدنىٰ) بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّت آلاؤه) ، و طُرّ العوالم وجملة المخلوقات تنعكس فيها كافَّة الأَسمآء والصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة إِلَّا الأُلوهيَّة ؛ لخروجها تخصُّصاً وموضوعاً ، وتتصرَّف(1) بالمخلوقات وعوالمها وشؤونها ، وبكُلِّ ما يرد إِليها ويصدر منها ، ولا يعزب عنها مثقال ذرَّة في السَّماوات والأَرضين من شؤون جميع المخلوقات وأَفعالها ، ولا أَصغر من ذلك ولا أَكبر ، كُلّ ذلك بإِذن اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (تبارك اسمه) ، وبقوَّته ومَنِّه وعطائه ، وكُلُّ ما يصدر من تلك الطبقات ـ طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ـ هو : (إِنعكاس ، وحكاية ، وظهور ، وتجلِّي) لأَسماء وصفات وشؤون الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، كانت(2) جملة شؤون المخلوقات منبثقة عن الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة. / القضيَّة السَّابعة : / / قصور مدارس البشر المعرفيَّة/ / ما ذكرته مدارس البشر المعرفيَّة لا يُمثِّل جملة المعارف/ هناك أَمر مهمٌّ جِدّاً في منهج العقائد ، وقضيَّة مُهمَّة جِدّاً لا بُدَّ من الإِلتفات إِليها ، ووعايتها بكُلِّ يقظة ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) هذا عطف على كلمة (تنعكس) ، فتكون العبارة هكذا : (بعدما مرَّ ... أَنَّ طبقات حقائق أَهل ... هي ... علل إِلٰهيَّة ... تتصرَّف بالمخلوقات ...). (2) هذه الجملة تعود لصدر المبحث ، أَي : جواب (الفاء) الداخلة على (إِنَّه) ، فتكون العبارة هكذا: (فإِنَّه بعدما مرَّ ... كانت جملة شؤون ...).
معارف إِلٰهيَّة : (98) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة السَّابعة
الدرس (98) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة السَّابعة : / القضيَّة السَّابعة : / / قصور مدارس البشر المعرفيَّة / / ما ذكرته مدارس البشر المعرفيَّة لا يُمثِّل جملة المعارف / هناك أَمر مهمٌّ جِدّاً في منهج العقائد ، وقضيَّة مُهمَّة جِدّاً لا بُدَّ من الإِلتفات إِليها ، ووعايتها بكُلِّ يقظة ، وإِلَّا فَسَتُطْمَس معالم مُبدَّهة في الدِّين ، وتندرس عن الثقافة الدِّينيَّة في وعي المؤمنين والمسلمين ، ونكون نحن المُقصِّرين والمسؤولين عنها يوم القيامة : أَمام اللّٰـه عزَّوجلَّ وأَمام سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، حاصلها : (أَنَّ ما ذُكر وكُتِبَ وقُرِّر وأُلِّف ، وما جُعِلَ منظومة مفهرسة من عقائد ومعارف في كُتُب علم الكلام لدىٰ كُلّ مدرسةٍ وطائفةٍ ومذهبٍ لا يُمثِّل جملة المنظومة العقائديَّة والمعرفيَّة الَّتي تعتنقها وتعتقد بها تلك المدرسة والطائفة والمذهب). وللتوضيح خذ الأَمثلة التَّالية : الأَوَّل : (إِمامة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ) ؛ فإِنَّه مَنْ يُراجع كُتُب علم الكلام لدىٰ الفريقين فسيجد أَنَّها لم تذكرها بشكل وقولبة صريحة ، ولم تُركِّز عليها ، نعم ذكرتها ضمناً ، لكنَّه بحث آخر. مع أَنَّ بحثها كأَحد مقاماته صلى الله عليه واله أَمرٌ مُهمٌّ جِدّاً ؛ فإِنَّ نظرة الوحي لسيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ليست كنظرة العلمانيَّة الغربيَّة والنصرانيَّة المُحرَّفة من أَنَّه داعي تنظيري ، أَو داعي رسولي للقضايا الرُّوحيَّة بين الفرد والملكوت فحسب ، وليست له صلة بالمجتمع ، لكن من يُراجع كُتُب مُحدِّثي ومُفسِّري الفريقين فسيجد أَنَّ إِمامته صلى الله عليه واله أَمر تسالمت عليه الكلمة ، وهي أَرفع مقاماً ، وأَعلىٰ شأناً ، وأَبلغ خطراً من مقام وشأن وخطر النُّبوَّة والرسالة الإِلٰهيَّتين. وعليه : فإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة لا تبتدأ بأَمير المؤمنين وبعد استشهاد سيِّد الأَنبياء صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آلهما ، وإِنَّما تبدأ من سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله حال حياته في هذه النشأة الأَرضيَّة ، بل قبلها. ومنه يتَّضح : أَنَّ سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله وإِنْ كان خاتِم النُّبوَّة ، لكنَّه ليس بخاتِم الإِمامة الإِلٰهيَّة. المثال الثَّاني : (حُجِّيَّة فاطمة الزهراء صلوات اللّٰـه عليها) ؛ فإِنَّه مَنْ يُراجِع كُتُب علماء كلام الإِماميَّة ـ كـ : كتاب : الباب الحادي عشر ، والتجريد ، وشرحه ، وعقائد الإِماميَّة للشَّيخ المظفر ـ فسيجد أَنَّ هذا الموقع والمقام الإِلٰهيّ للسيِّدة الزهراء صلوات اللّٰـه عليها لم يُسطر ويُبحث بعنوانٍ أَو فصلٍ أَو بابٍ مُستقلٍ ، ولم يراعِ أَصحاب تلك الكُتُب قولبة منظومة بيانات الوحي الإِلٰهي ، نعم ، ذكروها ضمناً ، لكنَّه بحث آخر. وهذه مؤاخذة أَديانيَّة حضاريَّة خطيرة ؛ تُسجَّل على مُتكلِّمي الإِماميَّة. المثال الثَّالث : (الرَّجعة) ؛ فمع أَنَّها من ضروريَّات مدرسة الإِماميَّة، ومتواترة في بيانات أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، بل ضرورة روائيَّة، لكن : مَنْ يُراجع كثير من كُتُب عقائد الإِماميَّة لم يجد لها عين ولا أَثر. المثال الرَّابع : مقام وموقع : (الـمُحدَّث) و(المُلهَم) ؛ فإِنَّ مَنْ يُراجع كُتُب علم كلام مذاهب المخالفين فسيجد أَنَّها لم تتعرَّض لهما ، لكن : مَنْ يُراجع كُتُب حديثهم وكُتُب مُحدِّثيهم وشُرَّاح : البخاري ومسلم وسائر صحاحهم فسيجد أَنَّهم يعتقدون ويؤمنون بهما ، وأَنَّهما من مقامات الشَّريعة ، بل من الأُمور المُبدَّهة عندهم. وهذا مؤشِّر على أَنَّ ما كُتِبَ ورقِّم في كُتُب كلام المخالفين لا يُمثِّل جملة منظومة عقائدهم ؛ الثابتة في أَحاديثهم وتفاسيرهم. فالتفت. ومن كلِّ هذا يتَّضح : أَنَّ الباحث إِذا بنىٰ خريطة بحوثه المعرفيَّة والعقائديَّة على ما رقَّمه المُتكلِّمون فسيرتطم لا محالة بمآزق معرفيَّة وعقائديَّة كثيرة جِدّاً ؛ ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار .
معارف إِلٰهيَّة : (99) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة السَّابعة
الدرس (99) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة السَّابعة وكانت تحت عنوان : (قصور مدارس البشر المعرفيَّة ) وعنوان : (ما ذكرته مدارس البشر المعرفيَّة لا يُمثِّل جملة المعارف ) ، ووصل بنا الكلام الى المبحث التالي : ومن كلِّ هذا يتَّضح : أَنَّ الباحث إِذا بنىٰ خريطة بحوثه المعرفيَّة والعقائديَّة على ما رقَّمه المُتكلِّمون فسيرتطم لا محالة بمآزق معرفيَّة وعقائديَّة كثيرة جِدّاً ؛ لأَنَّ الخريطة والفهرسة المعرفيَّة والعقائديَّة الَّتي رسمها جملة من علماء كلام الإِماميَّة ؛ وساروا عليها نشئت نتيجة انشغالهم بالجدل والحوار الكلامي مع المذاهب الإِسلاميَّة ، فألجأتهم هذه الحواريَّات الَّتي لا انقطاع لها إِلى نوع تبويب ؛ ورسم خارطة للمعارف والعقائد الإِلٰهيَّة ؛ يفهمها ويلتفت إِليها الطرف الآخر. ومعناه : أَنَّهم اضطروا إِلى تنزيل الخطاب الكلامي والخطاب العقائدي إِلى مستوىٰ معارف وعقائد الطرف ، مع أَنَّه ليس لديه من الإِسلام إِلَّا استقبال الكعبة قَطُّ. وهذا ما صرَّحت به بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق صلوات اللّٰـه عليه : «... لا واللّٰـه ، ما هم على شيءٍ مِـمَّا جاء به رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله إِلَّا استقبال الكعبة فقط»(1). وعليه : فكيف يمكن رسم خارطة وثقافة للمعارف والعقائد الحقَّة المُصْحَرَة في بيانات الوحي الإِلٰهي على وفق هذه الوضعيَّة التجاذبيَّة الكلاميَّة؛ وإِلَّا فستحصل لا محالة لأَصحاب هذه الخرائط والثقافات مشاكل وأَزمات معرفيَّة وعقائديَّة لا حصر ولا منتهىٰ لها. بل سبَّبت وتُسبِّب هذه المنهجيَّة وهذه الثقافات طامَّات معرفيَّة وعقائديَّة أَشدُّ خطراً وضرراً وفتكاً بأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم من خطر وضرر وفتك يزيد بن معاوية وجيشه (عليهم لعائن اللّٰـه) وما فعلوه بسيِّد الشهداء صلوات اللّٰـه عليه وبأَهل بيته وصحبه ؛ لأَنَّ تلك قتلت الأَبدان ، وحرمت أَصحابها الحياة الدُّنيويَّة الزائلة، بخلاف هذه ؛ فإِنَّها تقتل : أَرواح أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ؛ وعلومهم وعقائدهم ومعارفهم ، وتحرم أَتباعهم ، بل جملة البشريَّة ، بل طُرّ المخلوقات الحياة الأُخرويَّة الأَبديَّة ، ومن ثَمَّ لا قياس بين الخطرين والضَّررين والفتكين. وكانت هذه القضيَّة هي السبب في إِعراض أَو غفلة مُتكلِّمي الإِماميَّة ، وأَصحاب العقائد والمعارف عن كثير من أَبواب وأَبحاث العقائد والمعارف الثابتة في بيانات الوحي الوافرة الباهرة. وعلى هذا قس : علم الفلسفة ؛ فإِنَّ تبويبه وفهرسته ورسم خارطته جرت على وفق نتاج بشري ، بل اعترف أَصحابها(2) بذلك ؛ فقالوا : إِنَّ الفلسفة تعني : معرفة حقائق الأَشياء بقدر الطَّاقة البشريَّة. ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 65 : 91/ح26. المحاسن : 156. (2) مرجع الضمير : (الفلسفة).
معارف إِلٰهيَّة : (100) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة السَّابعة
الدرس (100) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة السَّابعة وكانت تحت عنوان : (قصور مدارس البشر المعرفيَّة ) ، وعنوان : (ما ذكرته مدارس البشر المعرفيَّة لا يُمثِّل جملة المعارف ) ، ووصل بنا الكلام الى المبحث التالي : وعلى هذا قس : علم الفلسفة ؛ فإِنَّ تبويبه وفهرسته ورسم خارطته جرت على وفق نتاج بشري ، بل اعترف أَصحابها(1) بذلك ؛ فقالوا : إِنَّ الفلسفة تعني : معرفة حقائق الأَشياء بقدر الطَّاقة البشريَّة. وبين المعرفة على قدر الطاقة البشريَّة ؛ والَّتي مهما علت لا بُدَّ أَنْ تكون محدودة ومتناهية ، و المعرفة على وفق طاقة الوحي غيرالمتناهية وغيرالمحدودة فارق من دون قياس ؛ فإِنَّ الثابت في محلِّه أَنَّه لا توجد نسبة رياضيَّة بين المحدود وغيرالمحدودة ، فإِنَّه مهما علت ووضعت للمحدود من قيمٍ وأَرقامٍ إِذا قيس لغيرالمحدود لا بُدَّ أَنْ تكون قيمة المحدود صفراً على جهة الشمال ؛ وإِلَّا ـ أَي : إِذا جُعِلَ للمحدود قيمة وإِنْ كانت ضئيلة جدّاً كالواحد مقابل الترليون ـ لانقلبت ماهيَّة غيرالمتناهي وغيرالمحدود وصارت متناهية ومحدودة ، وبطلان إِنقلاب الماهيَّة ، بل واستحالتها من الواضحات ، بل خلف الفرض أَيضاً. ومِنْ ثَمَّ التبويبات الجارية في علم الفلسفة ـ سوآء أَكانت فلسفة : مشآء أَو إِشراق أَو حكمة متعالية أَو فلسفات غربيَّة حديثة أَو فلسفات أَلسنيَّة أَو فلسفات الهرمونطيقيا (الهرمونتيكيا) التعددية أَو فلسفات الكلام الجديد ـ وحبس المباحث المعرفيَّة والعقائديَّة ؛ وحشر مواد الوحي في هذه التبويبات البشرية كارثة علميَّة. وليس في هذا التعبير رجزٌ حماسيٌّ ، بل بكُلِّ هدوء وبكُلِّ قناعة أَنَّه : كارثة علميَّة ومعرفيَّة وعقائديَّة. وهذه القضيَّة لا بُدَّ من التَّنبُّه إِليها دائماً ؛ فإِنَّ أَصل الفهرسة في علم : (الفقه) و(الأُصول) و(الكلام) و(الفلسفة) و(التفسير) و(العرفان) وغيرها، بل وفي أَيِّ أَيدلوجيَّة حديثة أَو قديمة نتاج بشريّ محدود ، وتبويباتها لا تشمل عَالَم الحقيقة غيرالمتناهية ، ولا تتَّسع لِـمَا هو موجود في تراث الوحي أَبداً ، بل قوالب وبنود أَبواب معارف وعقائد النتاج البشري في علم : (الكلام) و(الفلسفة) و(العرفان) و(التفسير) تختلف عن قوالب وبنود بيانات الوحي ، ومن ثَمَّ يُحاول الكثير من الباحثين في المعارف والعقائد لَيِّ أَعناق العبائر والقوالب الوحيانيَّة ذات السعة والقوَّة والمتانة والرَّصانة غيرالمتناهيَّة ؛ ليستبدلها أَو يحشرها في قوالب النتاج البشري ؛ الهزيلة والهشَّة والضَّيِّقة. وبالجملة : أَنَّ الأُطر والقوالب الَّتي ينبغي أَنْ يُسبح بها في عَالَم المعاني غيرالمتناهية ، واستكشاف الحقائق العيانيَّة غيرالمحدودة : أُطر وقوالب وحيانيَّة، وهي تختلف عن أُطر البشر ؛... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مرجع الضمير : (الفلسفة).
معارف إِلٰهيَّة : (101) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة
الدرس (101) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة السَّابعة ، وكانت تحت عنوان : (قصور مدارس البشر المعرفيَّة ) ، وعنوان : (ما ذكرته مدارس البشر المعرفيَّة لا يُمثِّل جملة المعارف ) ، ووصل بنا الكلام الى المبحث التالي : وهذه القضيَّة لا بُدَّ من التَّنبُّه إِليها دائماً ؛ فإِنَّ أَصل الفهرسة في علم : (الفقه) و(الأُصول) و(الكلام) و(الفلسفة) و(التفسير) و(العرفان) وغيرها، بل وفي أَيِّ أَيدلوجيَّة حديثة أَو قديمة نتاج بشريّ محدود ، وتبويباتها لا تشمل عَالَم الحقيقة غيرالمتناهية ، ولا تتَّسع لِـمَا هو موجود في تراث الوحي أَبداً ، بل قوالب وبنود أَبواب معارف وعقائد النتاج البشري في علم : (الكلام) و(الفلسفة) و(العرفان) و(التفسير) تختلف عن قوالب وبنود بيانات الوحي ، ومن ثَمَّ يُحاول الكثير من الباحثين في المعارف والعقائد لَيِّ أَعناق العبائر والقوالب الوحيانيَّة ذات السعة والقوَّة والمتانة والرَّصانة غيرالمتناهيَّة ؛ ليستبدلها أَو يحشرها في قوالب النتاج البشري ؛ الهزيلة والهشَّة والضَّيِّقة. وبالجملة : أَنَّ الأُطر والقوالب الَّتي ينبغي أَنْ يُسبح بها في عَالَم المعاني غيرالمتناهية ، واستكشاف الحقائق العيانيَّة غيرالمحدودة : أُطر وقوالب وحيانيَّة، وهي تختلف عن أُطر البشر ؛ فإِنَّ قوالب المعاني الوحيانيَّة أُطر تكوينيَّة غيرمتناهية ، تُباين قدرة أُطر وقوالب المعاني البشريَّة وسعتها ودقَّتها ، فإِنَّها إِعتباريَّة متناهية. وهذه قضيَّة بالغة الأَهميَّة والثمرة والخطورة. فالتفت تربت يداك. وإِلى هذا تشير بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان قوله جلَّ وتقدَّس : [وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ](1) . 2ـ بيان قوله تقدَّس ذكره : [مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ](2). ودلالتهما واضحة. والإِضطرار يجرُّنا للتوسُّع في هذه القضيَّة ؛ لنبيِّن كيفيَّة بُعد الثقافة الإِسلاميَّة المُنتشرة بين المؤمنين فضلاً عن المسلمين عن حقيقة معارف وعقائد وثقافة الوحي الأَصيلة والوسيعة والشفَّافة. بل أَحياناً يكون النتاج المعرفي والعقائدي البشري حجاباً ومانعاً عن الوصول إِلى سعة الحقيقة. نعم الشبهات والإِثارات على النتاج البشري تُنبِّه الإِنسان إلى أَنَّ النتاج الوحياني شيء آخر غير النتاج البشري. ومن كُلِّ هذا يتَّضح : أَنَّ الإِعتماد على تعاريف النُّبوَّة والإِمامة الإِلٰهيَّة المسطورة في كُتُب المُتكلِّمين أَو الفلاسفة أَو العرفاء وغيرهم من أَصحاب كُتُب معارف وعقائد المدارس البشريَّة ؛ والتعامل معها على أَنَّها الحقّ ونهج الصدق طامَّة كُبرىٰ ، وخَضَد لشْوكَة الإِسلام والمسلمين. /القضيَّة الثَّامنة : /كميَّة تراث الوحي الواصلة إِلينا نَزُرٌ يسير/ هناك مادَّة ومعلومة رجاليَّة ، ومادَّة ومعلومة درائيَّة ضروريّة ونفيسة جِدّاً ؛ يلزم أَنْ تعيش في الذهن ، يُستفاد منها في مباحث رجاليَّة وحديثيَّة ودرائيَّة كثيرة جِدّاً ، ينبغي صرف النظر إِليها ، وعدم الغفلة أَو التَّغافل عنها ، حاصلها : ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) لقمان : 27. (2) النحل : 96
معارف إِلٰهيَّة : (102) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة الثَّامنة
الدرس (102) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الثَّامنة : /القضيَّة الثَّامنة : / /كميَّة تراث الوحي الواصلة إِلينا نَزُرٌ يسير/ هناك مادَّة ومعلومة رجاليَّة ، ومادَّة ومعلومة درائيَّة ضروريّة ونفيسة جِدّاً ؛ يلزم أَنْ تعيش في الذهن ، يُستفاد منها في مباحث رجاليَّة وحديثيَّة ودرائيَّة كثيرة جِدّاً ، ينبغي صرف النظر إِليها ، وعدم الغفلة أَو التَّغافل عنها ، حاصلها : أَنَّ مصادر تراث حديث مدرسة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الواصلة إِلينا في العصر الرَّاهن لا تُمثِّل كم التراث الحديثي الواصل في القرن الرابع(1)، بل ولا القرن الخامس(2)، أَو السَّادس(3) أَو السَّابع(4) أَو الثَّامن(5) أَو التَّاسع(6) أَو العاشر(7) أَو الحادي عشر(8)؛ فإِنَّ كميَّته الواصلة في هذه القرون أَوسع وأَكثر مِـمَّا وصل إِلينا في هذه العصر ، بل كلَّما تقدَّمت القرون ـ والعياذ باللّٰـه تعالىٰ ـ تآكل تُراث الحديث. والإِلتفات إلى هذه الظاهرة ينفع في أُمورٍ كثيرةٍ. وللتوضيح : لاحظ الأَمثلة التالية(9): الأَوَّل : كُتُب المقاتل ؛ فإِنَّ من يستقصي مِئات المصادر الرجاليَّة والحديثيَّة القديمة كـ : كتاب : (رجال الكشي) و(رجال النجاشي) و(فهرست الشَّيخ الطوسي) و(فهرست منتخب الدِّين ؛ لابن بابويه) فسيجد أَنَّ الفارق بين ما وصل إِلينا من مَقاتل وما وصل إِليهم شاسع جِدّاً. الثَّاني : كُتُب المزار ؛ فإِنَّ مَنْ يتتبَّع عنوان : (المزار) المسطور في كُتُب الرِّجَال والحديث وغيرها فسيجد أَنَّ الفارق بين ما وصل إِلينا من تصانيف وكُتُب المزار ، وما وصل إِلى المُتقدِّمين شاسع جِدّاً. وعلى هذا قس : كُتُب : (الأَدعية) و(التَّفاسير) و(الحديث) وغيرها من كُتُب التراث الدِّيني. وعليه : كيف يحقُّ لمُحقِّقٍ أَو باحثٍ أَو ناقدٍ بناء استظهاراته وتساؤولاته وإِشكالاته على عدم معروفيَّة كتاب مُعيَّنٍ وصل إِلينا في العصر الراهن من كُتُب المَقاتل أَو كُتُب الزيارات أَو كُتُب الأَدعية ، وعدم معروفيَّة دعاء مُعيَّن وصل إِلينا ، أَو عدم معروفيَّة زيارة مُعيَّنة إِعتماداً على ما وصل إِلينا من مصادر كُتُب الأَدعية والمزارات. /القضيَّة التَّاسعة : / /أَدوار أَهل البيت عليهم السلام الخفيَّة/ هناك أُمور وتدابير وأَنشطة قام بها أَهل البيت عليهم السلام ، وأَدوار مُهمَّة وحسَّاسة وخطيرة قدَّرت يد السَّماء غمرها وإِخفاءها في حياتهم عليهم السلام ؛ وذلك لأَسباب ، منها: ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) القرن الرَّابع الهجري قرن : ابن قولويه الابن أُستاذ الشَّيخ المفيد ، وقرن الشَّيخ الصدوق والمفيد. (2) القرن الخامس قرن : السيِّد المرتضىٰ ، والشَّيخ الطوسي. (3) القرن السَّادس قرن : ابن إِدريس الحلِّي ، وقطب الدِّين الراوندي ، والمشهدي ـ صاحب كتاب: (مزار المشهدي). (4) القرن السَّابع قرن : المحقِّق الحلِّي ، وابن طاووس. (5) القرن الثَّامن قرن : العلَّامة الحلِّي. (6) القرن التَّاسع قرن : فخر المحقِّقين ابن العلَّامة الحلِّي ، والشهيد الأَوَّل. (7) القرن العاشر قرن : الشَّهيد الثاني ، ووالد الشَّيخ البهائي. (8) القرن الحادي عشر قرن : المجلسيين ، والحرّ العاملي ، والسيِّد هاشم البحراني ، والفيض الكاشاني. (9) هذه الأَمثلة مُهمَّة جِدّاً
معارف إِلٰهيَّة : (103) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة التَّاسعة
الدرس (103) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة التَّاسعة : / القضيَّة التَّاسعة : / / أَدوار أَهل البيت عليهم السلام الخفيَّة/ هناك أُمور وتدابير وأَنشطة قام بها أَهل البيت عليهم السلام ، وأَدوار مُهمَّة وحسَّاسة وخطيرة قدَّرت يد السَّماء غمرها وإِخفاءها في حياتهم عليهم السلام ؛ وذلك لأَسباب ، منها : أَنَّ طبيعة الدَّور تقتضي الخفاء ، وإِلَّا خار واخترم وانْدَرَسَ الهدف وأَصبح بواراً ؛ لشدَّة المواجهة ، ولسعات الأَقلام المأجورة ، وخذفات الأَلسن ؛ ومن ثَمَّ كان سنخها مغفولاً عنه ، وفي طيِّ النِّسيان. وعليه : فإِذا رام الباحث الإِطِّلاع على شخصيَّات أَهل البيت عليهم السلام وحقائقهم ومناهجهم وسيرهم وادوارهم وهديهم كحُجَّة شرعيَّة ودينيَّة ومعرفيَّة تامَّة الشرائط ؛ كيما تُؤم وتُتَّبع وتُقتدىٰ ، ويُتعرَّف على صورةٍ متوازنةٍ ومُتكاملةٍ عن منهاجهم فلا يتحقَّق ذلك من خلال دورهم عليهم السلام المُعلن فحسب ، بل لا بُدَّ من التَّحدُّر والتَّرسُّل ؛ والإِنهماك في مزيد تتبُّع ؛ لتُلمس رؤوس الخيوط والقصَّصات ؛ للملمة أَدوارهم ، وقراءة ملفَّاتها الخفيَّة ؛ كيما تتَّضح الصُّورة الكاملة والمتوازنة لمنهاجهم عليهم السلام الحقيقيَّة الكاملة ، وإِلَّا فخرط القتاد ، وغبن وظلامة لهم عليهم السلام ، وبتر عن الواقع والحقيقة ، وانعكاس خطير على منهج ومسيرة الأَجيال اللَّاحقة. وهذه قضيَّة علميَّة ومعرفيَّة واعتقاديَّة ودينيَّة خطيرة ومهمَّة جِدّاً قبل أَن تكون تأريخيَّة ، ولها تداعيات كثيرة على المنهاج العلمي ، والعقائدي ، والمعرفي ، والفقهي ، والسياسي ، والأَخلاقي ، والإِجتماعي ، وهلمَّ جرّاً. وللتَّوضيح : خُذ المثالين التَّاليين : الأَوَّل : دور أَمير المؤمنين عليه السلام في الفتوحات الإِسلاميَّة من جانبها المُشرق(1)(2)، فإِنَّه بعدما أُنيط برمَّته به عليه السلام مارسه بصورةٍ خفيَّةٍ ، وعلى اثرها وعوامل أُخرىٰ أُخفي ـ دوره عليه السلام ـ في كُتُب التأريخ ، نعم يوجد كقصَّصات وشواهد متناثرة ومبعثرة في كُتُب الفريقين. إِذَنْ : أَصل الفتوحات وتدبيراتها ونجاحاتها في عصر خلفاء السقيفة الثلاثة كانت بيده صلوات اللّٰـه عليه وإِدارته المباركة ؛ بعدما لم تكن لديهم أَيُّ أَهليَّة لإِدارة مجموعة صغيرة وحضيرة من البشر فضلاً عن إِدارة : دولة ، وعسكر ، وأَمن إِجتماعي ، واقتصادي ، وهلمَّ جرّاً. بل كانت صفتهم المُميَّزة : الهزيمة ، وعدم الثبات في المواقف ، ولم يُنقل عنهم إِلَّا الجعجعة ، من دون طحن ولا طعن ولا ضرب ولا طعان قَطُّ ، والشجاعة والثبات في المواقف من أَساسيَّات وصفات الركن في القائد والأَمير ، وعلى طرف النقيض من ذلك ثبات ومواقف أَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت الأَطهار عليهم السلام ، فأَين الذهب من الرَّغام ، وأَين العذْبُ من الأُجاج!! وذاك التأريخ فاطرقه تسمع الجواب والعجب العجاب ، بل هلمَّ معي لنكشف نقاب البعض ، فلاحظ : 1ـ بيان أَمير المؤمنين عليه السلام ، عن عامر بن وائلة ، قال : «سمعتُ عليّاً عليه السلام يقول يوم الشورىٰ : نشدتكم باللّٰـه هل فيكم أَحد قال له رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله حين رجع عمر يجبِّن أَصحابه و يجبِّنُونه قد رَدَّ راية رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله منهزماً ، فقال رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله : لأُعطين الراية غداً رَجُلاً ليس بفرَّار ، يحبّه اللّٰـه ورسوله ، ويحبُّ اللّٰـه ورسوله ، لا يرجع حتَّىٰ يفتح اللّٰـه عليه...»(3). 2ـ ما ورد في الإِرشاد : «ثُمَّ تلت الحديبيَّة خيبر ، وكان الفتح فيها لأَمير المؤمنين عليه السلام بلا ارتياب ، وظهر من فضله في هذه الغزاة ما أَجمع على نقله الرُّواة ، وتفرَّد فيها من المناقب ما لم يشركه فيها أَحَد من النَّاس، فروىٰ ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ الجوانب المُشرقة في الفتوحات تعود إِلى سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله وسائر أَهل البيت الأَطهار عليهم السلام. (2) هناك جوانب سُود ومظلمة وملفَّات مخزية حصلت بشكل مُمنهج في الفتوحات ، وكنظام بديل عن الإسلام كانت تُقَام فيها الليالي الحمراء ، فصارت سُبَّة وسبباً لتشويه تلك الفتوحات ، بل الإِسلام ، لكنَّه أَمر آخر. (3) بحار الأَنوار ، 21 : 20/ح15
معارف إِلٰهيَّة : (104) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة التَّاسعة
الدرس (104) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة التَّاسعة ، وكانت تحت عنوان : (أَدوار أَهل البيت عليهم السلام الخفيَّة) ، ولا زال الكلام تحت العنوان التالي: (و لتَّوضيح هذه القضية خُذ المثالين التَّاليين ) ، المثال الأَوَّل : (دور أَمير المؤمنين عليه السلام في الفتوحات الإِسلاميَّة من جانبها المُشرق ) ، لازال البحث في بيانات هذا المثال ، ووصلنا الى البيان الثاني : 2ـ ما ورد في الإِرشاد : «ثُمَّ تلت الحديبيَّة خيبر ، وكان الفتح فيها لأَمير المؤمنين عليه السلام بلا ارتياب ، وظهر من فضله في هذه الغزاة ما أَجمع على نقله الرُّواة ، وتفرَّد فيها من المناقب ما لم يشركه فيها أَحَد من النَّاس، فروىٰ ... قالوا: لـمَّا دنا رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله من خيبر قال للنَّاس: «قفوا» ... فدعا رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله أبا بكر فقال له: «خذ الراية» فأخذها في جمع من المهاجرين ، فاجتهد فلم يغن شيئاً ، فعاد يؤنِّب القوم الَّذين اتَّبعوه ويؤنِّبونه ، فلمَّا كان من الغد تعرَّض لها عمر فسار بها غير بعيد ، ثُمَّ رجع يجبِّن أَصحابه ويجبِّنونه ، فقال النَّبيّ صلى الله عليه واله: «ليست هذه الراية لِـمَنْ حملها ، جيؤني بعليِّ بن أَبي طالب ... يأخذها بحقها ليس بفرار» ...»(1). 3ـ ما ورد عن الواقدي : «... فأخذ أَبو بكر راية المهاجرين فقاتل بها ثُمَّ رجع منهزماً ، ثُمَّ أَخذها عمر من الغد فرجع منهزماً يجبِّن النَّاس ويجبِّنُونه حتَّىٰ ساء رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله ذلك ، فقال : «لأُعطينَّ الراية غداً رَجُلاً كرّاراً غير فرَّاراً» ...»(2). 4ـ قول أَبي بكر لعمر في حقِّ أَمير المؤمنين عليه السلام: «أَنسيتَ له يوم أُحد؟ وقد فررنا بأَجمعنا ، وصعدنا الجبل ...»(3). 5ـ قول عمر ، عن أَبي واثلة (وائل خ. ل) شقيق بن سلمة ، قال : «كنت أُماشي عمر بن الخطَّاب إِذْ سمعتُ منه همهمة ، فقلت له : مه يا عمر ، فقال : ويحكَ أَمَا ترىٰ الهزبر القثم ابن القثم ، والضَّارب بالبهم ، الشَّديد على مَنْ طغا وبغا بالسيفين والرَّاية ، فالتفتُ فإذا هو عليُّ بن أَبي طالب ، فقلتُ له: يا عمر ، هو عليُّ بن أبي طالب ، فقال : أُدن مِنِّي أُحدِّثكَ عن شجاعته وبطالته : بايعنا النَّبيّ صلى الله عليه واله يوم أُحد على أَنْ لا نفرَّ ، ومَنْ فرَّ مِنَّا فهو ضالُّ ، ومَنْ قُتِلَ مِنّا فهو شهيد ، والنَّبيّ صلى الله عليه واله زعيمه ، إِذ حمل علينا مائة صنديد تحت كلّ صنديدٍ مائة رَجُل أَو يزيدون ، فأزعجونا عن طاحونتنا ، فرأيتُ عليّاً كالليث يتَّقي الذر (الدرق خ. ل) ، إِذ قد حمل كفّاً من حصىٰ فرمىٰ به في وجوهنا ، ثُمَّ قال : «شاهت الوجوه ، وقُطَّت وبُطَّت ولُطَّت ، إِلى أَين تفرُّون؟ إِلى النَّار؟» فلم نرجع ، ثُمَّ كرَّ علينا الثانية وبيده صفيحة يقطر منها الموت ، فقال: «بايعتم ثُمَّ نكثتم ، فواللّٰـه لأَنتم أَولىٰ بالقتل ممَّنْ أَقتل»، فنظرتُ إِلى عينيه كأنَّهما سليطان يتوقَّدان ناراً ، أَو كالقدحين المملوّين دماً ، فما ظننتُ إِلَّا ويأتي علينا كلّنا ، فبادرت أَنا إِليه من بين أَصحابي فقلتُ : يا أَبا الحسن اللّٰـه اللّٰـه ، فإِنَّ العرب تفرُّ وتكرُّ ، وإِنَّ الكرَّة تنفي الفرَّة ، فكأنَّه استحيىٰ ، فولَّىٰ بوجهه عنِّي ، فما زلت أَسكن روعة فؤادي ، فواللّٰـه ما خرج ذلك الرُّعب من قلبي حتَّىٰ السَّاعة. ولم يبق مع رسول اللّٰـه إِلَّا أَبو دُجانة سماك بن خرشة وأمير المؤمنين عليه السلام ، وكلَّما حملت طائفة على رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله استقبلهم أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه فيدفعهم عن رسول اللّٰـه ، ويقتلهم حتَّىٰ انقطع سيفه ، وبقيت مع رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله نسيبة بنت كعب المازنيَّة ، وكانت تخرج مع رسول اللَّـه صلى الله عليه واله في غزواته تداوي الجرحىٰ ... فقال رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله : «لمقام نسيبة أفضل من مقام فلان وفلان وفلان» ...»(4). 6ـ ما رواه زيد بن وهب : «قلتُ لابن مسعود : انهزم النَّاس عن رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله حتَّىٰ لم يبقَ معه إِلَّا عَلِيّ بن أَبي طالب وأَبو دجانة وسهل بن حنيف ، فقال : انهزم النَّاس إِلَّا عَلِيّ بن أَبي طالب وحده ... وأين كان أَبو بكر وعمر ؟ قال : كانا ممَّن تنحّىٰ ، قلتُ : وأَين كان عثمان ؟ قال : جاء بعد ثالثة من الوقعة ، فقال له رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله: لقد ذهبت فيها عريضة ؟ ... قلتُ له: إِنَّ ثبوت عليّ عليه السلام في ذلك المقام لعجب ، فقال : إِن تعجَّبت من ذلك فقد تعجَّبت منه الملائكة ...». وفي حديث عمران بن حصين ، قال : «... فرفع رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله رأسه إِليه ، فقال له : ما بالكَ لم تفرَّ مع النَّاس ؟ فقال : يا رسول اللّٰـه ، أأرجع كافراً بعد إِسلامي...»(5). 7ـ عن ابن أَبي الحديد : «روىٰ كثير من أَصحاب الحديث : أَنَّ عثمان جاء بعد ثالثة إِلى رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله ، فسأله : إِلى أَين انتهيت ؟ فقال : إِلى الأَعوص فقال : لقد ذهبت فيها عريضة»(6). 8ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام الوارد في أَحداث معركة حنين ، قال : «... فلمَّا صلَّىٰ رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله الغداة انحدر في وادي حنين وهو واد له انحدار بعيد ، وكانت بنو سليم على مُقدّمته فخرج عليهم كتائب هوازن من كلِّ ناحية ، فانهزمت بنو سليم ، وانهزم من وراءهم ، ولم يبق أَحَد إِلَّا انهزم ، وبقي أَمير المؤمنين عليه السلام يُقاتلهم في نفر قليل ، ومرَّ المنهزمون برسول اللّٰـه صلى الله عليه واله... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المصدر نفسه : 14 ـ 15/ح11. (2) بحار الأَنوار ، 21 : 21/ح17. (3) الاحتجاج ، 1 : 130. (4) بحار الأَنوار ، 20 : 52 ـ 54. (5) بحار الأَنوار ، 20 : 84 ـ 85. (6) المصدر نفسه : 139. شرح نهج البلاغة لابن أَبي الحديد ، 3 : 388
معارف إِلٰهيَّة : (105) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة التَّاسعة
الدرس (105) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة التَّاسعة ، وكانت تحت عنوان : (أَدوار أَهل البيت عليهم السلام الخفيَّة) ، ولا زال الكلام تحت العنوان التالي: (و لتَّوضيح هذه القضية خُذ المثالين التَّاليين ) ، المثال الأَوَّل : (دور أَمير المؤمنين عليه السلام في الفتوحات الإِسلاميَّة من جانبها المُشرق ) ، لازال البحث في بيانات هذا المثال ، ووصلنا الى البيان الثامن : 8ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام الوارد في أَحداث معركة حنين ، قال : «... فلمَّا صلَّىٰ رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله الغداة انحدر في وادي حنين وهو واد له انحدار بعيد ، وكانت بنو سليم على مُقدّمته فخرج عليهم كتائب هوازن من كلِّ ناحية ، فانهزمت بنو سليم ، وانهزم من وراءهم ، ولم يبق أَحَد إِلَّا انهزم ، وبقي أَمير المؤمنين عليه السلام يُقاتلهم في نفر قليل ، ومرَّ المنهزمون برسول اللّٰـه صلى الله عليه واله لا يلوون على شيءٍ ... فأقبل رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله ينادي: «يا معشر الأَنصار أين؟ إِليَّ ، أَنا رسول اللّٰـه» فلم يلو أَحد عليه ، وكانت نسيبة بنت كعب المازنيَّة تحثو في وجوه المنهزمين التراب ، وتقول : أين تفرُّون ؟ عن اللّٰـه وعن رسوله؟ ومرَّ بها عمر فقالت له : ويلك ، ما هذا الَّذي صنعت ؟ فقال لها : هذا أمر اللّٰـه ...»(1). 9ـ ما ذكره ابن أَعثم الكوفي في كتاب الفتوح في فتح نهاوند وحروبها ، واجتماع الأَعاجم بها لاستئصال المسلمين ومحو بلادهم ، وما أَصاب عمر بن الخطَّاب من رعدةٍ ونفضةٍ سمع المسلمون على إِثرها أَطيط أضراسه رعباً وجبناً وهولاً وفزعاً حينما أُخبر بعدَّة وعدد الأَعاجم واستحضاراتهم وما ينونه من خطر بالمسلمين وبلادهم ، وما طرحه أَعلام ورؤوس الصحابة من معالجات ضحلة وهابطة ، وما طرحه أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه من خارطة معالجات ولَّدت نصر المسلمين بعد استنجاد عمر بن الخطَّاب به صلوات اللّٰـه عليه ، قال ابن أَعثم : «وتحرَّكت الأعاجم بأرض نهاوند ، واجتمعوا بها ، وكتب بعضهم إِلى بعضٍ : أَنْ يكون اجتماعهم بها ، قال: فاجتمع أَهل الري وسمنان والدامغان وما والاها بنهاوند في عشرين أَلفا ، وأَهل ساوه وهمذان في عشرة آلاف ، وأهل نهاوند خاصَّة في عشرة آلاف ، وأهل قم وقاشان في عشرين أَلفا ، وأَهل أصفهان في عشرين أَلفاً ، وأَهل فارس وكرمان في أَربعين ألفاً ... فأقبل إِليهم أَهل أذربيجان في ثلاثين أَلفاً ، فذلك خمسون أَلفاً ومائة أَلف ، ما بين فارس وراجل من المرازبة والأَساورة والأَبطال المعدودين ، المذكورين في كُلِّ بلد من أَرض الفرس ، ثُمَّ إِنَّهم جمعوا نيفاً وسبعين فيلاً يريدون التهويل على خيول المسلمين ، ثُمَّ أَقبل بعضهم على بعض فقالوا: ... قد اجتمعتم من كُلِّ بلدٍ ، وليس فيكم إِلَّا رماة الحدق وأَحلاس السيوف والدرق ، فتعالوا بنا حتَّىٰ ننفي مَنْ بقربنا من جيوش العرب ، ثُمَّ إِنَّا نسير إِليهم في ديارهم فنستأصلهم عن جديد الأَرض ... فتعاقدوا على أَمرهم وتعاهدوا وعزموا على جهاد المسلمين ، وبلغ ذلك أَهل الكوفة ، فاجتمعوا إِلى أَميرهم عمَّار بن ياسر ... فقالوا: الرأَي في ذلك أَنْ نكتب إلى أَمير المؤمنين ونعلمه بذلك ... قال عمَّار : أفعل ذلك إِنْ شآء اللّٰـه تعالى ... كتاب عمار بن ياسر إلى عمر بن الخطَّاب ... أَمَّا بعد ... أَنَّ أَهل الري وسمنان وساوه وهمذان ونهاوند وأصفهان وقم وقاشان وراوند واسفندهان وفارس وكرمان وضواحي أَذربيجان قد اجتمعوا بأرض نهاوند في خمسين ومائة أَلف من فارسٍ وراجلٍ من الكفَّار ، وقد كانوا أَمروا عليهم أَربعة من ملوك الأعاجم ، منهم : ذو الحاجب خرزاد بن هرمز وسنفاد بن حشروا ... وأَنَّهم قد تعاهدوا وتعاقدوا وتحالفوا وتكاتبوا وتواصوا وتواثقوا على أَنَّهم يخرجوننا مِنْ أَرضنا ويأتونكم من بعدنا ، وهم جمع عتيد ، وبأس شديد ، ودواب فره ، وسلاح شاك ... فإِنِّي أخبرك يا أَمير المؤمنين أَنَّهم قد قتلوا كُلَّ مَنْ كان مِنَّا في مدنهم ، وقد تقاربوا مِمَّا كُنَّا فتحناه من أَرضهم ، وقد عزموا أَنْ يقصدوا المدائن ويصيروا منها إلى الكوفة ، وقد واللّٰـه هالنا ذلك ، وما أَتانا من أَمرهم وخبرهم ، وكتبتُ هذا الكتاب إِلى أَمير المؤمنين ليكون هو الَّذي يرشدنا وعلى الأُمور يدلّنا ...قال: فلَمَّا ورد الكتاب على عمر بن الخطَّاب ... وقرأه ، وفهم ما فيه وقعت عليه الرعدة والنفضة حتَّىٰ سمع المسلمون أَطيط أَضراسه ، ثُمَّ قام عن موضعه حتَّىٰ دخل المسجد ، وجعل ينادي : أَين المهاجرون والأَنصار؟ أَلَا! فاجتمعوا رحمكم اللّٰـه وأعينوني ... فأَقبل إِليه النَّاس من كُلِّ جانب ... فقال : إِنَّ الفرس ... ليست لهم همَّة إِلَّا المدائن والكوفة ... وهذا يوم له ما بعده من الأَيّام ، فاللّٰـه اللّٰـه يا معشر المسلمين! أَشيروا عَلَيَّ رحمكم اللّٰـه ... وكان أَوَّل من وثب على عمر بن الخطَّاب وتكلَّم طلحة بن عبيد اللّٰـه ، فقال : ... ثُمَّ وثب الزبير بن العوام ، فقال : ... فقال عمر : أريد غير هذين الرأيين ، قال : فوثب عبد الرحمٰن بن عوف الزهري ، فقال : ... فاعمل برأيك ... وسر إِلى أَعداء اللّٰـه بنفسكَ ونحن معكَ ... فقال عمر : أُريد غير هذا الرأي ، فتكلَّم عثمان بن عفان ... فقال : ... وأنا أُشير عليكَ أَنْ تسير أَنتَ بنفسكَ إِلى هؤلاء الفجَّار بجميع من معك من المهاجرين والأَنصار ... ولكنِّي أَرىٰ أَنْ تكتب إلى أَهل الشَّام فيقبلوا عليكَ من شامهم ، وإِلى أَهل اليمن فيقبلوا إِليك من يمنهم ، ثُمَّ تسير بأهل الحرمين مكَّة والمدينة إلى أَهل المصرين البصرة والكوفة ، فتكون في جمع كثير وجيش كبير ، فتلقىٰ عدوِّكَ بالحد والحديد ، والخيل والجنود. فقال عمر: هذا أَيضاً رأي ليس يأخذ بالقلب ، أريد غير هذا الرأي ، قال : فسكت النَّاس ، والتفت عمر ... إلى عَلِيّ رضي اللّٰـه عنه فقال : يا أبا الحسن! لِمَ لا تُشير بشيءٍ كما أشار غيرك؟ قال: فقال عَلِيّ : ... فقد رأَيتُ قوماً أَشاروا عليك بمشورةٍ بعد مشورة فلم تقبل ذلك منهم ، ولم يأخذ بقلبكَ شيء مِمَّا أَشاروا به عليك ؛ لأَنَّ كُلَّ مشير إِنَّما يشير بما يدركه عقله ، وأُعلمكَ ... إِنْ كتبتَ إِلى الشام أَنْ يقبلوا إِليكَ من شامهم لم تأمن من أَنْ يأتي هرقل في جميع النصرانيَّة فيغير على بلادهم ويهدم مساجدهم ويقتل رجالهم ويأخذ أَموالهم ويسبي نساءهم وذُرِّيَّتهم ، وإنْ كتبتَ إلى أَهل اليمن أَنْ يقبلوا من يمنهم أغارت الحبشة أَيضا على ديارهم ونسائهم ... وإِنْ سرتَ بنفسكَ مع أَهل مكَّة والمدينة إلى أَهل البصرة والكوفة ثُمَّ قصدتَ بهم قصد عدوّكَ انتقضت عليك الأَرض من أَقطارها وأَطرافها ، حتَّىٰ إِنَّكَ تريد بأن يكون مَنْ خلَّفته وراءك أَهمُّ إِليكَ مِمَّا تريد أَنْ تقصده ، ولا يكون للمسلمين كانفة تكنفهم، ولا كهف يلجؤون إليه ، وليس بعدك مرجع ولا موئل إذ كُنتَ أَنتَ الغاية والمفزع والملجأ ، فأقم بالمدينة ولا تبرحها ؛ فإنَّه أَهيب لكَ في عدوِّكَ وأَرعب لقلوبهم ؛ فإنَّكَ متىٰ غزوت الأعاجم بنفسكَ يقول بعضهم لبعض : إِنَّ ملك العرب قد غزانا بنفسه ؛ لقلَّة أَتباعه وأَنصاره ، فيكون ذلك أَشدُّ لكلبهم عليكَ وعلى المسلمين ، فأقم بمكانكَ الَّذي أَنتَ فيه ، وابعث من يكفيك هذا الامر ... فقال عمر ... : يا أَبا الحسن ، فما الحيلة في ذلك وقد اجتمعت الأَعاجم عن بكرة أَبيها بنهاوند في خمسين ومائة ألف يريدون استئصال المسلمين؟ ... فقال له عَلِيٌّ بن أبي طالب عليه السلام: الحيلة أَنْ تبعث إِليهم رجلاً مُجرَّباً قد عرفته بالبأس والشدَّة ، فإِنَّكَ أَبصر بجندكَ وأعرف برجالكَ ... فقال له عمر : نِعْمَ ما قلت يا أبا الحسن! ولكنِّي أَحببتُ أَنْ يكون أَهل البصرة والكوفة هم الَّذين يتولون حرب هؤلاء الأَعاجم ... فقال له عَلِيّ رضي اللّٰـه عنه : إِنْ أَحببتَ ذلك فاكتُب إِلى أَهل البصرة أَنْ يفترقوا على ثلاث فرق : فرقة تقيم في ديارهم فيكونوا حرساً لهم يدفعون عن حريمهم ، والفرقة الثانية يقيمون في المساجد يعمّرونها بالأَذان والصَّلاة؛ لكيلا يُعَطَّل الصَّلاة ويأخذون الجزية من أَهل العهد ، لكيلا ينتفضوا عليك، والفرقة الثالثة يسيروا إِلى إِخوانهم من أَهل الكوفة ، ويصنع أَهل الكوفة أَيضاً كصنع أَهل البصرة ، ثُمَّ يجتمعون ويسيرون إِلى عدوَّهم ؛ فإِنَّ اللّٰـه عزَّوجلَّ ناصرهم عليهم ومظفرهم بهم ، فثق باللّٰـه ، ولا تيأس من روح اللّٰـه ؛ إِنَّه لا ييأس من روح اللّٰـه إِلَّا القوم الكافرون. قال : فلَمَّا سمع عمر مقالة عَلِيٌّ كرم اللّٰـه وجهه ومشورته أقبل على النَّاس ، وقال : ويحكم! عجزتم كُلَّكُم عن آخركم أَنْ تقولوا كما قال أبو الحسن ... ثُمَّ أقبل عليه عمر ... فقال : يا أبا الحسن! فأشر عَلَيَّ الآن برجل ترتضيه ويرتضيه المسلمون أَجعله أَميراً وأستكفيه من هؤلاء الفرس ، فقال عَلِيّ رضي اللّٰـه عنه: قد أصبته ، قال عمر : وَمَنْ هو؟ قال : النعمان بن مقرن المزني ، فقال عمر وجميع المسلمين : أصبت يا أبا الحسن! وما لها من سواه...»(2). وهذا(3) بحث متداخل الأَضلاع والزوايا كتداخل أَسنان دوارة الرحىٰ ، ونكتة عذراء ما فُضَّت قَطُّ ، مرَّت عليها الدُّهور والأَزمان وعلماء الإِماميَّة (أَعزَّهم اللّٰـه) حاموا حومها ؛ ولم يطوفوا طورها بنبرة شفة ، ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 21 : 149 ـ 150. (2) الفتوح ، أَحمد بن أَعثم الكوفي ، 2 : 389 ـ 295. (3) اسم الإشارة عائد إِلى النكتة المُتقدِّمة ؛ وهي : أَنَّ جميع الفتوحات الإِسلاميَّة في جانبها المُشرق في زمن خلفاء السقيفة الثلاث عائدة إِلى أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه
معارف إِلٰهيَّة : (106) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة التَّاسعة
الدرس (106)/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة التَّاسعة ، وكانت تحت عنوان : (أَدوار أَهل البيت عليهم السلام الخفيَّة) ، ولا زال الكلام تحت العنوان التالي: (و لتَّوضيح هذه القضية خُذ المثالين التَّاليين ) ، المثال الأَوَّل : (دور أَمير المؤمنين عليه السلام في الفتوحات الإِسلاميَّة من جانبها المُشرق ) ، لازال الكلام في هذا المبحث ، ووصلنا ( بحمد الله تعالى) الى المطلب التالي : وهذا(1) بحث متداخل الأَضلاع والزوايا كتداخل أَسنان دوارة الرحىٰ ، ونكتة عذراء ما فُضَّت قَطُّ ، مرَّت عليها الدُّهور والأَزمان وعلماء الإِماميَّة (أَعزَّهم اللّٰـه تعالى) حاموا حومها ؛ ولم يطوفوا طورها بنبرة شفة ، فلم تفرز ملفَّاته المُتشابكة ؛ لكنَّه لو فكَّكه الناقد البصير بمراجعة التأريخ ، والاستعانة بملحمة التَّحليل ، وسندان التَّعَمُّق ، وغوص بحر الفكر ؛ لظهرت للخلق أَنباؤها ، ولطفح الخبر اليقين ؛ يعقله الجاهل ويفهمه الغبي ، وانكشف بلا شكٍّ ولا خفاء نقاب الدَّسِّ والظَّنِّ والتَّخمين ، وصار رجوع خيوط الفتوحات طُرّاً في جانبها المشرق كواصف الشَّمس بالضوء إِلى سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله وأَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت الأَطهار عليهم السلام. بل لم يقم للإِسلام شعاع نور قَطُّ إِلَّا ببركته صلى الله عليه واله وسائر أَهل البيت الأَطهار عليهم السلام ، فلا يُقاس بهم من هذه الأُمَّة أَحد ولا يُسوَّىٰ بهم مَنْ جَرَت نعمتهم عليه أبداً : هم أَساس الدِّين ، وعماد اليقين ، إِليهم يفيء الغالي وبهم يلحق التَّالي ، ولهم خصائص حقّ الولاية ، وفيهم الوصيَّة والوراثة. وليس في ذلك نحو تعصُّب أَو عاطفة ـ وإِنْ كانتا بلحاظهم نوراً ـ بل للشَّواهد التأريخيَّة الصَّارخة بها قصَّاصات كُتُب العامَّة قبل كُتُب الخاصَّة. فانظر : ما تُشير إِليه بيانات الوحي والتقول التأريخيَّة ، منها : بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه في جوابه على سؤال مَنْ قال له : «يا أَمير المؤمنين ، أَرأَيتَ لو كان رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله ترك ولداً ذكراً قد بلغ الحلم ، وآنس منه الرشد ، أَكانت العرب تُسَلِّم إِليه أَمرها ؟ قال : لا ، بل كانت تقتله إِنْ لم يفعل ما فعلت ، إِنَّ العرب كرهت أَمر مُحَمَّد صلى الله عليه واله وحسدته على ما آتاه اللّٰـه من فضله ، واستطالت أَيَّامه حتَّىٰ قذفت زوجته ، ونَفَّرت به ناقته ، مع عظيم إِحسانه إِليها ، وجسيم مننه عندها ، وأَجمعت مذ كان حيّاً على صرف الأَمر عن أَهل بيته بعد موته ، ولو لا أَنَّ قريشاً جعلت اسمه ذريعة إِلى الرئاسة وسِلَّماً إلى العزِّ و الإِمرة ، لَـمَا عبدت اللّٰـه بعد موته يوماً واحداً ، ولأَرتدَّت في حافرتها ، وعاد قارحها جذعاً ، وبازلها بكراً ، ثُمَّ فتح اللّٰـه عليها الفتوح ، فأثرت بعد الفاقة ، وتموَّلت بعد الجهد والمخمصة ... ثُمَّ نُسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها ، وحسن تدبير الأُمراء القائمين بها ، فتأَكَّد عند النَّاس نباهة قوم وخمول آخرين ، فكُنَّا نحن مِـمَّن خمل ذكره ، وخبت ناره ، وانقطع صوته وصيته ، حتَّىٰ أَكل الدَّهر علينا وشرب ، ومضت السنون والأَحقاب بما فيها ، ومات كثير مِـمَّن يعرف ، ونشأ كثير مِـمَّن لا يعرف. وما عسىٰ أَنْ يكون الولد لو كان ! إِنَّ رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله لم يقرِّبني بما تعلمونه من القرب للنَّسب واللحمة ، بل للجهاد والنصيحة ، أَفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت ! وكذلك لم يكن يقرب ما قربت ، ثُمَّ لم يكن عند قريش والعرب سبباً للحظوة والمنزلة ، بل للحرمان والجفوة ، اللَّهمَّ إِنَّك تعلم أَنِّي لم أَرد الإِمْرَة ، ولا علو الملك والرياسة ، وإِنَّما أَردتُ القيام بحدودك، والأَداء لشرعكَ ، ووضع الأُمور في مواضعها ، وتوفير الحقوق على أَهلها ، والمضي على منهاج نبيّكَ ، وإِرشاد الضال إِلى أَنوار هدايتك»(2). ودلالته واضحة. وقوله صلوات اللّٰـه عليه : «ثُمَّ نُسبت تلك الفتوح إِلى آراء ولاتها ، وحسن تدبير الأُمراء القائمين بها ، فتأَكَّد عند النَّاس نباهة قوم وخمول آخرين» يُعرِّض بنفسه وبسائرأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ؛ فإِنَّ ما قدَّموه للإِسلام من جهود وآراء وحسن تدبير أَخذته الأُمراء والولاة، واحتالوا عليها ونسبوها لأَنفسهم ظلماً وجوراً ، وهذا ما يشير إِليه تتمَّة هذا البيان الشَّريف : «فكُنَّا نحن مِـمَّن خمل ذكره ، وخبت ناره ، وانقطع صوته وصيته ، حتَّىٰ أَكل الدَّهر علينا وشرب ، ومضت السنون والأَحقاب بما فيها، ومات كثير مِـمَّن يعرف ، ونشأ كثير مِـمَّن لا يعرف». /رجوع المسلمين إِلى جادَّة الحقِّ/ /قتل المستولي الثالث وتولية أَمير المؤمنين عليه السلام بالإِجماع/ /الإِجماع على تولية أَمير المؤمنين عليه السلام سابقة لم تحدث في التأريخ ولن تحدث/ ومنه تَتَّضح : نكتة محاصرة أَهل مصر والعراق والبحرين القديمة والصَّحابة للمستولي الثالث عثمان وإِزالته عن ملكه ؛ فبعدما اتَّسع الخرق على الرَّاقع ، وبان الصبح لذي عينين ؛ لبريق حال أَمير المؤمنين عليه السلام ، ولمعان صفاته وأَفعاله ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) اسم الإشارة عائد إِلى النكتة المُتقدِّمة ؛ وهي : أَنَّ جميع الفتوحات الإِسلاميَّة في جانبها المُشرق في زمن خلفاء السقيفة الثلاث عائدة إِلى أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه. (2) نهج البلاغة ، شرح ابن أَبي الحدد المعتزلي ، 20 : 298 ـ 299/ح414
معارف إِلٰهيَّة : (107) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة التَّاسعة
الدرس (107) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة التَّاسعة ، وكانت تحت عنوان : (أَدوار أَهل البيت عليهم السلام الخفيَّة) ، ولا زال الكلام تحت العنوان التالي: (و لتَّوضيح هذه القضية خُذ المثالين التَّاليين ) ، المثال الأَوَّل : (دور أَمير المؤمنين عليه السلام في الفتوحات الإِسلاميَّة من جانبها المُشرق ) ، لازال الكلام في هذا المبحث ، ووصلنا ( بحمد الله تعالى) الى المطلب التالي : /رجوع المسلمين إِلى جادَّة الحقِّ/ /قتل المستولي الثالث وتولية أَمير المؤمنين عليه السلام بالإِجماع/ /الإِجماع على تولية أَمير المؤمنين عليه السلام سابقة لم تحدث في التأريخ ولن تحدث/ ومنه تَتَّضح : نكتة محاصرة أَهل مصر والعراق والبحرين القديمة والصَّحابة للمستولي الثالث عثمان وإِزالته عن ملكه ؛ فبعدما اتَّسع الخرق على الرَّاقع ، وبان الصبح لذي عينين ؛ لبريق حال أَمير المؤمنين عليه السلام ، ولمعان صفاته وأَفعاله ، فانبثق نور الحقيقة وتجلَّىٰ ظلام الجهل ، فشُمَّ برق النجاة ؛ طَأْطَأَتْ على إِثره رؤوس المسلمين فأَرحلوا مطايا التَّشمر : فقتلوا عثمان ونصَّبوا سيِّدَ الأَوصياء عليّ بن أَبي طالب عليه السلام بانتخابٍ شعبيٍّ لم يتمَّ ذلك لأَحدٍ من المستولين الثلاثة الَّذين راموا كسر راية الهدىٰ ، ومحو الكلمة الَّتي الزمها اللّٰـه للمتقين ، فإِنَّ الأَوَّل قد أَتىٰ بالسيف والإِرغام ، والثَّاني بالتَّنصيب ، والثَّالث بالثَّلاثة ، بل لم تتمَّ لأَحدٍ من المسلمين قَطُّ ، بل ولا لجملة البشريَّة. فانظر : بيانات الوحي والنقول التأريخيَّة ، منها : بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «... فإِنَّ اللّٰـه عزَّوجلَّ بعث محمَّداً صلى الله عليه واله للنَّاس كافَّة ... وكان من بعده ما كان من التَّنازع في الأَمر ، وتولَّىٰ أَبو بكر ، وبعده عمر ، ثُمَّ عثمان ، فلَمَّا كان من أَمره ما كان أَتيتموني فقلتم : «بايعنا» فقلتُ : «لا أَفعل» فقلتم : «بلىٰ» فقلت : «لا» وقبضتُ يدي فبسطتُّموها ، ونازعتكم فجذبتموها ، وتداككتم عَلَيَّ تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها ، حتَّىٰ ظننتُ أَنَّكم قاتلي ، وأَنَّ بعضكم قاتل بعض ، فبسطتُ يدي فبايعتموني مختارين ...»(1). فأَين يوجد مِثْل هذا ؟! أَظنَّ ظانٌّ أَنَّه يوجد في غير آل الرسول صلى الله عليه واله ؟! كلا وربُّ الرَّاقصات. وهذا لم يكن محض صدفة ، بل لحضوره عليه السلام السَّاخن في السَّاحة والميدان ، وهذا ما قصده عثمان حين وجَّه خطابه له عليه السلام بقوله : «إِنْ تربصتَ بي فقد تربصتَ بِمَنْ هو خيرٌ منِّي ومِنكَ ...»(2). وهذه صفحة من صفحات سيرته عليه السلام المغمورة ، بعدما أَشتبهت الأَقلامُ وشطَّ الكلامُ وشطح المقالُ ، فنسبوه صلوات اللّٰـه عليه خَطَأً واشتباهاً بعد رحيل سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : جليس داره مدَّة خمسة وعشرين سنة، ونسوا أَنَّه : الشَّمسُّ الطَّالعة للعَالَم وهي بالأُفق بحيث لا تنالها الأَيدي والأَبصار ، والبدر المنير ، والسِّراج الزَّاهر ، والنُّور السَّاطع ، والنَّجم الهادي في غياهب الدُّجىٰ ، والبيد القفار ، ولُـجَج البحار. الثَّاني : دور الإِمام الصَّادق عليه السلام ، فهناك صفحات جمَّة مُغيَّبة في حياته الشَّريفة ، منها : إِتِّبَاع أَهالي دول المغرب العربي(3) ـ مصر وتونس والجزائر والمغرب ـ لمدرسة أَهل البيت عليهم السلام ؛ فإِنَّه تمَّ على يديه الكريمتين ، فقد ربَّىٰ جماعة من تلامذته ، بل وبعض أَبنائه وأَحفاده وأرسلهم إِلى تلك الدُّول. هذه هي البذرة الأُوْلىٰ لولادة الدَّولة الإِسماعليَّة والفاطميَّة. وعصارة القول : ينبغي لطالب الحقيقة السَّعي ومحاولة كشف ملفَّات وأَدوار أَهل البيت عليهم السلام الخفيَّة ؛ لتتمَّ النَّظرة الشَّاملة والكاملة والمتوازنة لحقائقهم عليهم السلام ؛ الجامعة لمجالات وعلوم لا حصر لها ، وأَنَّ كلَّ واحدٍ منهم صلوات اللّٰـه عليهم : رَجُل التَّدبير ، والفتح الثقافي والعقائدي والمعرفي في السِّرِّ والعلن. / القضيَّة العاشرة : / / تفسير أَسماء وصفات وأَفعال أَهل البيت عليهم السلام بلغة حضاريَّة/ إِنَّه بعدما كانت حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة موجودات في عوالم علويَّة صاعدة ، وكانت أَسماء وصفات إِلٰهيَّة حاكمة على جملة العوالم وكافَّة المخلوقات غيرالمتناهية ، وتُديرها وتُدبِّر أُمورها وشؤونها وأَحوالها كانت أَسمائهم صلوات اللّٰـه عليهم وأَوصافهم وأَفعالهم منظومة ودورة معارف ؛ يبلغ المُتدبِّر بها أَعالي الجنان ، ويسبح ويغور في بحور عوالم ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الإِحتجاج ، 1 : 236. (2) المصدر نفسه : 229. (3) هناك قبيلة من أَكبر قبائل البربر الأمازيغ ، تقطن دول : تونس والجزائر والمغرب تسمَّىٰ : (كتامة) لا زالت باقية على مدرسة أَهل البيت عليهم السلام
معارف إِلٰهيَّة : (108) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة العاشرة
الدرس (108) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة العاشرة ، فنقول : / القضيَّة العاشرة : / / تفسير أَسماء أَهل البيت عليهم السلام وصفاتهم وأَفعالهم بلغة حضاريَّة/ إِنَّه بعدما كانت حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة موجودات في عوالم علويَّة صاعدة ، وكانت أَسماء وصفات إِلٰهيَّة حاكمة على جملة العوالم وكافَّة المخلوقات غيرالمتناهية ، وتُديرها وتُدبِّر أُمورها وشؤونها وأَحوالها كانت أَسمائهم صلوات اللّٰـه عليهم وأَوصافهم وأَفعالهم منظومة ودورة معارف ؛ يبلغ المُتدبِّر بها أَعالي الجنان ، ويسبح ويغور في بحور عوالم معارف غير متناهية. وعليه : فينبغي أَنْ لا تُفسَّر ولا تُقرأ بسطحيَّة وبلغة جافَّة؛ وأَنْ لا تُحصر بالبُعد النَّفسي والفردي ، بل لا بُدَّ أَنْ تُفسَّر وتُقرأ بتفسير وقراءة عصريَّة حضاريَّة ، وبالبُعد المجتمعي والأُممي والحضاري الإِلٰهيّ ، وبالبُعد العوالمي الشَّامل لجملة عوالم الخلقة ومخلوقاتها غيرالمتناهية. وخذ على ذلك الأَمثلة التالية : / شجاعة أَهل البيت عليهم السلام شجاعة قيادة إِلهيَّة/ الأَوَّل : (شجاعة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليه) ؛ فإِنَّها وإِنْ كانت تحتاج إِلى عضلات بدنيَّة ، وجرأة نفسيَّة وروحية وعقليَّة وغيرها من الأَبعاد الفرديَّة ، لكنَّها لا تقتصر على ذلك ، بل هي شجاعة أُمميَّة ومجتمعيَّة وحضاريَّة وقيادة إِلٰهيَّة ؛ يتحمَّلون فيها مصير أَجيال جملة المخلوقات وفي طُرِّ العوالم ، فشجاعتهم صلوات اللّٰـه عليهم ليست كشجاعة عنترة بن شداد ـ مثلاً ـ تحتاج إِلى عضلات وجرأة نفسيَّة وروحيَّة فحسب ـ كما كُنَّا ولا زلنا نلهج بهذا التَّفسير المُنحط والخاطئ ، وأشعارنا وأَدبيَّاتنا وخطاباتنا وكتاباتنا ومنابرنا قائمة على ذلك ، والمُضرّ بهم صلوات اللّٰـه عليهم أَشدُّ من دون قياس من إِضرار يزيد بن معاوية وجيشه (عليهم لعائن اللّٰـه) بأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ؛ لأَنَّ تلك قتلت الأَبدان وحرمت أَهلها حياة فانية ، بينما هذه قتلت وتقتل أَرواح ومعارف وعلوم أَهل البيت عليهم السلام وتحرم المسلمين ، بل البشريَّة ، بل المخلوقات حياة أَبديَّة ، ومن ثَمَّ تحتاج نفوسنا وأَرواحنا وعقولنا وقلوبنا وطبقات حقائقنا ووجوداتنا إِلى التطهير من نجاسة ورجاسة هذه التفسيرات ـ وإِنَّما قُطْب أَقطاب شجاعتهم صلوات اللّٰـه عليهم : قيادة إِلٰهيَّة. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، والنقول التأريخيَّة(1)، منها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «... أَنَا أَخو رسول اللّٰـه وابن عمِّه ، وسيف نقمته ، وعماد نصرته ، وبأسه وشدَّته ، أَنَا رحىٰ جهنَّم الدائرة ، وأَضراسها الطَّاحنة ، أَنا مؤتم البنين والبنات ، وقابض الأَرواح، وبأس اللّٰـه الَّذي لا يردّه عن القوم المجرمين ، أَنا مجدل الأَبطال وقاتل الفرسان ، ومبير من كفر بالرحمٰن ...»(2).(3) 2ـ بيانه صلوات اللّٰـه عليه أَيضاً : «... واللّٰـه لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولَّيت ، ولو أَمكنتني الفرصة من رقابها لما بقَّيت ...»(4). 3ـ بيانه صلوات اللّٰـه عليه أَيضاً ، في إِجابته لليهوديّ الَّذي سأل عن علامات الأَوصياء ، قال : «... وأَمَّا السَّادسة يا أَخا اليهود فإِنّا وردنا مع رسول اللّٰـه ’ مدينة أَصحابك خيبر على رجالٍ من اليهود وفرسانها من قريش وغيرها ، فتلقَّونا بأَمثال الجبال من الخيل والرِّجَال والسلاح ، ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ التأريخ علم جَمّ ، ومواد خطيرة دائماً ، فإِنَّه ليس سلسلة أَحداث فحسب ، وإِنَّما عبارة عن حقول مُتعدِّدة ، وحضارة مُتجسِّدة ومُتجسِّمة في كلِّ أَبعادها ، ومن ثَمَّ لا بُدَّ أَنْ يقرأه ويدرسه المُتخصِّصون بعلوم عديدة ، منها : علم : (أَمنيّ) و(عسكريّ) و(نفسيّ) و(سياسيّ) و(اقتصاديّ) و(تجاري) و(صناعي) و(زراعي) و(حضاري) و(قانوني) و(حقوقي) و(أَخلاقي). (2) بحار الأَنوار ، 33 : 283/ح547. (3) يجدر الإِلتفات : أَوَّلاً : أَنَّ جميع أَسباب : القوَّة والقدرة والقيادة والإِدارة والحُكم وما شاكلها بيد أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، لكنَّهم يستعملونها بطريقة سلميَّة ، مدنيَّة ، حضاريَّة. فراجع بياناتهم صلوات اللّٰـه عليهم وسِيَرهم وأَحوالهم وشؤونهم تجد صدق ما نقول واضحاً وجليّاً. ثانياً : أَنَّ أَحد أَسباب قوَّة وقدرة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم : أَنَّهم ينصفون عدوّهم قبل أَنْ ينصفوا وليَّهم ، فذاك أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه يأمر ذويه بإِنصاف قاتله ابن ملجم (لعنة اللّٰـه عليه) حتَّىٰ في صغائر ومحقَّرات الأُمور ، مع أَنَّه اعتدىٰ عليه بالغدر والغيلة والفتك والدجل ، وبدناءة غيرأَخلاقيَّة في المواجهة والمجابهة ، بل ولا أَخلاقيَّة في العدوان ، ومع كُلّ هذا وغيره لم يكن لِعَلِيّ الطهر صلوات اللّٰـه عليه إِلَّا الإِنصاف معه ، فأَي نفس هذه. (4) بحار الأَنوار ، 21 : 26/ح25. أَمالي الصدوق : 307
معارف إِلٰهيَّة : (109) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة العاشرة
الدرس (109) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (108) الى القضيَّة العاشرة ، وكانت تحت عنوان : (تفسير أَسماء أَهل البيت عليهم السلام وصفاتهم وأَفعالهم بلغة حضاريَّة) ، ووصل بنا الكلام الى العنوان التالي (شجاعة أَهل البيت عليهم السلام شجاعة قيادة إِلهيَّة) ، وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، والنقول التأريخيَّة ، وصلنا الى البيان الثالث : 3ـ بيانه صلوات اللّٰـه عليه أَيضاً ، في إِجابته لليهوديّ الَّذي سأل عن علامات الأَوصياء ، قال : «... وأَمَّا السَّادسة يا أَخا اليهود فإِنّا وردنا مع رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله مدينة أَصحابك خيبر على رجالٍ من اليهود وفرسانها من قريش وغيرها ، فتلقَّونا بأَمثال الجبال من الخيل والرِّجَال والسلاح ، وهم في أَمنع دارٍ ، وأَكثر عدد ، كُلّ ينادي يدعو(1) ويبادر إلى القتال ، فلم يبرز إِليهم من أَصحابي أَحد إِلَّا قتلوه ، حتَّىٰ إِذا احمَّرت الحدق ، ودُعيتُ إِلى النِّزال، وأهمَّت كلّ امرئ نفسه ، والتفت بعض أَصحابي إِلى بعض وكلّ يقول : يا أَبا الحسن ، انهض ، فأنهضني رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله إِلى دارهم ، فلم يبرز إِلَيَّ منهم أَحدٌ إِلَّا قتلته ، ولا يثبت لي فارس إِلَّا طحنته ، ثُمَّ شددتُ عليهم شَدَّة اللَّيث على فريسته حتَّىٰ أَدخلتهم جوف مدينتهم مسدّداً عليهم ، فاقتلعتُ باب حصنهم بيدي حتَّىٰ دخلتُ عليهم مدينتهم وحدي ، أَقتل مَنْ يظهر فيها من رجالها ، وأَسبي مَنْ أَجد من نسائها حتَّىٰ افتتحتها وحدي ، ولم يكن لي فيها معاون إِلَّا اللّٰـه وحده»(2). 4ـ ما ورد عن أَحواله صلوات اللّٰـه عليه يوم خيبر أَيضاً ، عن أَبي رافع مولىٰ رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله ، قال : «فلَمَّا دنا من الحصن خرج إِليه أَهله فقاتلهم ، فضربه رجلٌ من اليهود فطرح ترسه من يده ، فتناول عَلِيٌّ عليه السلام باب الحصن فتترَّس به عن نفسه ، فَلَم يَزَلْ في يده وهو يُقاتل حتّىٰ فتح اللّٰـه عليه، ثُمَّ أَلقاه من يده ، فلقد رأيتني في سبعة نفر أَنا منهم نجهد على أَنْ نقلب ذلك الباب فما استطعنا أَنْ نقلبه»(3). 5ـ عن أَبي جعفر عليه السلام ، قال : «حدَّثني جابر بن عبد اللّٰـه : أَنَّ عليّاً عليه السلام حَمَلَ الباب يوم خيبر حتَّىٰ صعد المسلمون عليه ، فاقتحموها ففتحوها ، وإِنَّه حُرِّك بعد ذلك فَلَمْ يحمله أَربعون رجلاً»(4). وعن جابر أَيضاً : «ثُمَّ اجتمع عليه سبعون رَجُلاً فكان جهدهم أَنْ أَعادوا الباب»(5). 6ـ عن عبد اللّٰـه بن عمرو بن العاص ، قال : «إِنَّ رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله دفع الرَّاية يوم خيبر إِلى رَجُلٍ من أَصحابه فرجع منهزماً ، فدفعها إِلى آخر فرجع يُجبِّن أَصحابه ويُجبِّنونه ، قد ردَّ الرَّاية منهزماً ، فقال رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله: «لأُعطين الراية غداً رَجُلاً يحبُّ اللّٰـه ورسوله ، ويحبُّه اللّٰـه ورسوله ، لا يرجع حتَّىٰ يفتح اللّٰـه على يديه» فَلَمَّا أصبح قال : ادعوا لي عَلِيّاً ، فقيل له : يا رسول اللّٰـه ، هو رمد، فقال : ادعوه ، فلمَّا جاء تفل رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله في عينيه وقال: «اللَّهُمَّ ، ادفع عنه الحرّ والبرد» ثُمَّ دفع الراية إِليه ومضىٰ ، فَمَا رجع إِلى رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله إِلَّا بفتح خيبر. ثُمَّ قال : إِنَّه لَـمَّا دَنَا من القموص أَقبَلَ أَعداء اللّٰـه من اليهود يرمونه بالنَّبل والحجارة ، فحمل عليهم عَلِيّ عليه السلام حتَّىٰ دَنَا من الباب ، فثنَّىٰ رجله ثُمَّ نزل مغضباً إِلى أَصل عتبة الباب فاقتلعه ، ثُمَّ رمىٰ به خلف ظهره أَربعين ذراعاً. قال ابن عمرو : ما عجبنا من فتح اللّٰـه خيبر على يدي عَلِيّ عليه السلام ، لكنَّا عجبنا مِنْ قلعه الباب ورميه خلفه أَربعين ذراعاً ، ولقد تكلَّف حمله أَربعون رجلاً فما أَطاقوه...»(6). 7ـ عن الإِمام الصَّادق ، عن آبائه عليهم السلام : «إِنَّ أَمير المؤمنين عليه السلام قال في رسالته إلى سهل بن حنيف (رحمه الله) ، واللّٰـه ما قلعتُ باب خيبر ورميت به خلف ظهري أَربعين ذراعاً بقوَّة جسديَّة ، ولا حركة غذائيَّة ، لكنِّي أُيدتُ بقوَّةٍ ملكوتيَّةٍ ، ونفس بنور ربِّها مضيئة ...»(7). 8ـ سأل عمر أَمير المؤمنين عليه السلام عن ذلك اليوم : «يا أبا الحسن ، لقد اقتلعتَ منيعاً ، وأَنتَ ثلاثة أَيَّام خميصاً ، فهل قلعتها بقوَّةٍ بشريَّةٍ ؟! فقال : ما قلعتها بقوَّةٍ بشريَّةٍ ، ولكن قلعتُها بقوَّةٍ إِلٰهيَّة ، ونفس بلقاء ربِّها مطمئنَّة رضيَّة»(8). 9ـ عن سلمان الفارسي (رضوان اللَّـه عليه) ، قال : «... قلنا : يا أَمير المؤمنين ، من هؤلاء ؟ قال: بقيَّة قوم عاد ، كُفَّار لا يؤمنون باللّٰـه (عزَّوجلَّ) أَحببتُ أَن أُريكم إِيّاهم ، وهذه المدينة وأَهلها أُريد أَنْ أهلكهم وهم لا يشعرون. قلنا : ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) خ . ل : (ويدعو). (2) بحار الأَنوار ، 38 : 179/ح1. الخصال ، 2 : 14 ـ 25. الاختصاص : 163 و 181. (3) بحار الأَنوار ، 21 : 4. (4) المصدر نفسه. (5) المصدر نفسه. (6) بحار الأَنوار ، 21 : 26/ح24. (7) المصدر نفسه /ح25. (8) بحار الأَنوار ، 21 : 40/ح37
معارف إِلٰهيَّة : (110) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة العاشرة
الدرس ( 110) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (108) الى القضيَّة العاشرة ، وكانت تحت عنوان : (تفسير أَسماء أَهل البيت عليهم السلام وصفاتهم وأَفعالهم بلغة حضاريَّة) ، ووصل بنا الكلام الى العنوان التالي (شجاعة أَهل البيت عليهم السلام شجاعة قيادة إِلهيَّة) ، وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، والنقول التأريخيَّة ، وصلنا الى البيان التاسع : 9ـ عن سلمان الفارسي(رضوان اللَّـه عليه) ، قال : «... قلنا : يا أَمير المؤمنين ، من هؤلاء ؟ قال: بقيَّة قوم عاد ، كُفَّار لا يؤمنون باللّٰـه (عزَّوجلَّ) أَحببتُ أَن أُريكم إِيّاهم ، وهذه المدينة وأَهلها أُريد أَنْ أهلكهم وهم لا يشعرون. قلنا : يا أمير المؤمنين ، تهلكهم بغير حُجَّة ؟ قال: لا ، بل بحُجَّةٍ عليهم. فدنا منهم وترآءىٰ لهم ، فَهَمُّوا أَنْ يقتلوه ، ونحن نراهم وهم يرون(1)، ثُمَّ تباعد عنهم ودنا مِنَّا ، ومسح بيده على صدورنا وأَبداننا وتكلَّم بكلماتٍ لم نفهمها ، وعاد إِليهم ثانية حتَّىٰ صار بإِزائهم وصعق فيهم صعقة. قال سلمان : لقد ظننَّا أَنَّ الأَرض قد انقلبت ، والسَّمآء قد سقطت ، وأَنَّ الصَّواعق مِنْ فيه قد خرجت، فَلَمْ يَبْقَ منهم في تلكَ السَّاعة أَحد ، قلنا : يا أمير المؤمنين ، ما صنع اللّٰـه بهم ؟ قال : هلكوا وصاروا كُلَّهم إِلى النَّار. قلنا : هذا معجز ، ما رأينا ولا سمعنا بمثله. فقال عليه السلام: أَتريدون أَنْ أُريكم أَعجب من ذلك ؟ فقلنا: لا نطيق بأسرنا على احتمال شيء آخر ، فَعَلَىٰ مَنْ لا يتوالاك ؛ ويؤمن بفضلكَ وعظيم قدرك على اللّٰـه عزَّوجلَّ لعنة اللّٰـه ، ولعنة اللاعنين والملائكة والخلق أَجمعين إِلى يوم الدِّين ...»(2). 10ـ ما ورد عن أَبي بكر مُخاطباً عمر ، ومُحذِّراً إِيّاه من أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «... ناشدتك اللّٰـه يا عمر لَـمَا تركتني من أَغاليطكَ وتربيدكَ ، فواللّٰـه لو هَمَّ بقتلي وقتلكَ لقتلنا بشماله دون يمينه ، وما ينجينا منه إِلَّا ثلاث خصال ... أَنسيت له يوم أُحد وقد فررنا بأَجمعنا ، وصعدنا الجبل ، وقد أَحاطت به ملوك القوم وصناديدهم ، موقنين بقتله ، لا يجد عنه محيصاً للخروج من أَوساطهم ، فلَمَّا أَنْ سدَّد القوم رماحهم نكس نفسه عن دابَّته حتَّىٰ جاوزه طعان القوم ، ثُمَّ قام قائماً في ركابه وقد طرق عن سرجه ... ثُمَّ عهد إِلى رئيس القوم فضربه ضربة على رأسه فبقي على فكٍّ ولسان ، ثُمَّ عمد إِلى صاحب الراية العظمىٰ فضربه ضربة على جمجمته ففلقها ، فمرَّ السيف يهوي في جسده فبرأه ودابَّته نصفين ، فلَمَّا أَن نظر القوم إلى ذلك انحطوا من بين يديه ، فجعل يمسحهم بسيفه مسحاً حتَّىٰ تركهم جراثيم خموداً على تلعةٍ من الأَرض ، يتمرَّغون في حسرات المنايا ، يتجرَّعون كؤوس الموت ، قد اختطف أَرواحهم بسيفه ، ونحن نتوقَّع منه أَكثر من ذلك ، ولم نكن نضبط أَنفسنا من مخافته ، حتَّىٰ ابتدأتَ أَنتَ إِليه فكان منه إِليك ما تعلم، ولولا أَنَّه أَنزل اللّٰـه إِليه آية من كتاب اللّٰـه لَكُنَّا من الهالكين ، وهو قوله : [وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ](3)...»(4). ودلالته ـ كدلالة سوابقه ـ واضحة. ثُمَّ إِنَّه ينبغي الإِلتفات في المقام إِلى النقاط الثلاث التَّالية : الأُوْلَىٰ : أَنَّ هناك مُميِّزات وخصائص ونعوت اختصَّ بها أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه من بين جملة الخلائق ، منها : أَنَّ يد ساحة القدس الإِلٰهيَّة قدَّرت أَنْ لا يدخل صلوات اللّٰـه عليه في جيشٍ قَطُّ ويُهزَم. ومعناه : أَنَّ لسؤدده صلوات اللّٰـه عليه تموِّج بنحو يجعل الجيش الَّذي يُشارك فيه لا يُهزَمُ أَبداً. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في المصدر : (وهم لا يروننا). (2) بحار الأَنوار ، 27 : 33 ـ 40/ح5. (3) النحل : 96. (4) بحار الأَنوار ، 29 : 140 ـ 145/ح30. الإِحتجاج ، 1 : 127 ـ 130
معارف إِلٰهيَّة : (111) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة العاشرة
الدرس ( 111) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (108) الى القضيَّة العاشرة ، وكانت تحت عنوان : (تفسير أَسماء أَهل البيت عليهم السلام وصفاتهم وأَفعالهم بلغة حضاريَّة) ، ووصل بنا الكلام الى العنوان التالي (شجاعة أَهل البيت عليهم السلام شجاعة قيادة إِلهيَّة) ، وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، والنقول التأريخيَّة ، وصلنا الى البيان العاشر ، وتحت هذا المبحث: ثُمَّ إِنَّه ينبغي الإِلتفات في المقام إِلى النقاط الثلاث التَّالية : الأُوْلَىٰ : أَنَّ هناك مُميِّزات وخصائص ونعوت اختصَّ بها أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه من بين جملة الخلائق ، منها : أَنَّ يد ساحة القدس الإِلٰهيَّة قدَّرت أَنْ لا يدخل صلوات اللّٰـه عليه في جيشٍ قَطُّ ويُهزَم. ومعناه : أَنَّ لسؤدده صلوات اللّٰـه عليه تموِّج بنحو يجعل الجيش الَّذي يُشارك فيه لا يُهزَمُ أَبداً. الثَّانية : أُصيب أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه في معركة أُحد بجراحات عجيبة وبالغة الشدَّة والخطورة ، بقيت الزهراء صلوات اللّٰـه عليها تداويها وتعالجها لأَشهر عديدة ، ولعلَّه أُصيب فيها بجراحات أَكثر مِـمَّا أُصيب به بدن سيِّد الشهداء صلوات اللّٰـه عليه يوم العاشر من المُحرَّم ، والَّتي أَحصتها بيانات الروايات بـ : (1800) جرح ، وهذه ضريبة البطولة الَّتي قام بها صلوات اللّٰـه عليه في معركة أُحد. الثَّالثة : المعروف في كُتُب التأريخ : أَنَّ المسلمين انتصروا في بادي الأَمر في معركة أُحد لكنَّهم انهزموا بعد ذلك. والحقُّ : أَنَّ لهذه الواقعة تتمَّة حذفتها أَقلام أَصحاب السقيفة والدولة الأُمويَّة ؛ لكونها مرتبطة بأَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه ، وهي : أَنَّ المسلمين انتصروا بعد ذلك ، فكانت خاتمة معركة أُحد إِنتصاراً للمسلمين. وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي والقصَّاصات والنُّقول التأريخيَّة ، منها : ما ذكره أَبو بكر في هذا الدَّليل ، وما ذكره عمر في الدَّليل التَّالي ، ويضاف إِليهما : أَوَّلاً : بيان زيارة أَمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير ، عن الإِمام الهادي عليه السلام: «... ويوم أُحُدٍ إِذ يُصعِدُون ولا يلوُون على أَحدٍ ، والرَّسُولُ يدعوهم في أُخراهم ، وأَنتَ تذُودُ بُهَمَ المشركين عن النَّبيِّ ذات اليمين وذات الشَّمال ؛ حتَّىٰ رَدَّهُمُ اللّٰـهُ تعالىٰ عنكما خائفين ، ونَصَرَ بِكَ الخاذِلِين...»(1). ثانياً : لو كانت قريش قد انتصرت في نهاية المعركة فلماذا لم يغيروا على المدينة المنوَّرة ويسبوا نسائها وأَطفالها ، ويسلبوا أَموالها ، فقريش الَّتي أَكلت نساؤها كبد حمزة عليه السلام كيف يُعقل أَنْ لا تفعل ذلك ، وركبوا الجمال وانصرفوا إِلى مكَّة عائدين. ومنه يتَّضح : السِّرّ في ما بلغ إِليه أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه من مقاماتٍ إِلٰهيَّة :، بعدما لم يكن بين اللّٰـه (العزيز الجبَّار)وأَحدٍ من خلقه قرابة ، فاللّٰـه وإِنْ كان كريماً ، لكنَّه يعطي كُلَّ مخلوقٍ بحسبه. 11ـ ما تقدَّم عن أَبي واثلة(2) شقيق بن سلمة ، قال : «كنتُ أُماشي عمر بن الخطَّاب إِذْ سمعتُ منه همهمة ، فقلتُ له : مه يا عمر ، فقال : ويحكَ، أَمَا ترىٰ الهزبر القثم ابن القثم الضَّارب بالبهم ، الشَّديد على مَنْ طغا وبغا(3) بالسَّيفين والراية ، فالتفتُ فإذا هو عَلِيُّ بن أبي طالب ، فقلتُ له : يا عمر ، هو عَلِيُّ بن أبي طالب ، فقال : ادن منِّي أُحدِّثُّكَ عن شجاعته وبطالته ، ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 97 : 365. (2) هكذا في الكتاب ومصدره ، وفيه وهم ، والصحيح : أَبي وائل. راجع : التقريب ، وأسد الغابة ، وغيرهما. (البحار). (3) هكذا في نسخة المُصنِّف. وفيه تصحيف. والصحيح : إِمَّا : (طغىٰ وبغىٰ) ، كما في المصدر ، أَو (طغا وبغىٰ). والأَوَّل يأتي من اليائي والواوي كليهما. (حاشية البحار)
معارف إِلٰهيَّة : (112) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة العاشرة
الدرس ( 112) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (108) الى القضيَّة العاشرة ، وكانت تحت عنوان : (تفسير أَسماء أَهل البيت عليهم السلام وصفاتهم وأَفعالهم بلغة حضاريَّة) ، ووصل بنا الكلام الى العنوان التالي (شجاعة أَهل البيت عليهم السلام شجاعة قيادة إِلهيَّة) ، وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، والنقول التأريخيَّة ، وصلنا الى البيان الحادي عشر: 11ـ ما تقدَّم عن أَبي واثلة(1) شقيق بن سلمة ، قال : «كنتُ أُماشي عمر بن الخطَّاب إِذْ سمعتُ منه همهمة ، فقلتُ له : مه يا عمر ، فقال : ويحكَ، أَمَا ترىٰ الهزبر القثم ابن القثم الضَّارب بالبهم ، الشَّديد على مَنْ طغا وبغا(2) بالسَّيفين والراية ، فالتفتُ فإذا هو عَلِيُّ بن أبي طالب ، فقلتُ له : يا عمر ، هو عَلِيُّ بن أبي طالب ، فقال : ادن منِّي أُحدِّثُّكَ عن شجاعته وبطالته ، بايعنا النَّبيّ صلى الله عليه واله يوم أُحد على أَنْ لا نفرَّ ، وَمَنْ فَرَّ مِنَّا فهو ضال ، وَمَنْ قُتِلَ مِنَّا فهو شهيد ، والنَّبيّ صلى الله عليه واله زعيمه ، إِذْ حمل علينا مائة صنديد ، تحت كُلّ صنديدٍ مائة رَجُلٍ أَو يزيدون ، فأزعجونا عن طاحونتنا ، فرأيتُ عَلِيّاً كاللَّيث يَتَّقي الذر(3)، إِذْ قد حمل كفّاً مِنْ حصىٰ فرمىٰ به في وجوهنا ، ثُمَّ قال : «شاهت الوجوه ، وقُطَّت وبُطَّت ولُطَّت ، إِلى أَين تفرُّون ؟ إِلى النَّار ؟» فلم نرجع ، ثُمَّ كَرَّ علينا الثانية وبيده صفيحة يقطر منها الموت ، فقال : «بايعتم ثُمَّ نكثتم ، فواللّٰـه ، لأَنتم أَولىٰ بالقتل مِـمَّن أَقتُل» ، فنظرتُ إِلى عينيه كأَنَّهما سليطان يتوقَّدان ناراً ، أَو كالقدحين المملوّين دماً ، فما ظننتُ إِلَّا ويأتي علينا كلّنا، فبادرتُ أَنا إِليه من بين أَصحابي ، فقلت : يا أَبا الحسن ، اللّٰـه اللّٰـه ، فإنَّ العرب تفرّ وتكرّ ، وإِنَّ الكرَّة تنفي الفرَّة ، فكأنَّه استحيىٰ ، فولَّىٰ بوجهه عنِّي، فما زلتُ أُسَكِّن روعة فؤادي ، فواللّٰـه ما خرج ذلك الرُّعب من قلبي حتَّىٰ السَّاعة ...»(4). 12ـ احتجاجه صلوات اللّٰـه عليه في خبر الشورىٰ : «... نشدتكم باللّٰـه ، هل فيكم أَحَد قتل من بني عبد الدار تسعة مبارزة(5)، كلّهم بأخذ اللواء ، ثُمَّ جاء صُوأب الحبشي مولاهم وهو يقول : واللّٰـه لا أَقتُل بسادتي إِلَّا مُحمَّداً ، قد أَزبد شدقاه واحمرَّت عيناه ، فاتَّقيتموه وحُدتُم عنه ، فخرجتُ إِليه ، فلَمَّا أقبل كأنَّه قبَّة مبنيَّة ، فاختلفتُ أَنا و هو ضربتين ، فقطعته بنصفين ، وبقيت رجلاه وعجزه وفخذاه قائمة على الأَرض ، تنظر إِليه المسلمون ويضحكون منه؟ قالوا : اللَّهُمَّ ، لا»(6). 13ـ ما ورد في معركة صفين : «... وخرج العبَّاس بن ربيعة بن الحارث الهاشمي فأبلىٰ ... فقال معاوية : من خرج إِلى هذا فقتله فله كذا وكذا. فوثب رَجُلان من لخم من اليمن فقالا : نحن نخرج إِليه فقال : ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) هكذا في الكتاب ومصدره ، وفيه وهم ، والصحيح : أَبي وائل. راجع : التقريب ، وأسد الغابة ، وغيرهما. (البحار). (2) هكذا في نسخة المُصنِّف. وفيه تصحيف. والصحيح : إِمَّا : (طغىٰ وبغىٰ) ، كما في المصدر ، أَو (طغا وبغىٰ). والأَوَّل يأتي من اليائي والواوي كليهما. (حاشية البحار). (3) خ . ل : (الدرق). (4) بحار الأَنوار ، 20 : 52 ـ 53. (5) في المصدر : (مبارزة غيري). (6) بحار الأَنوار ، 20 : 69/ح4. الخصال ، 2 : 121 و 124
معارف إِلٰهيَّة : (113) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة العاشرة
الدرس (113) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (108) الى القضيَّة العاشرة ، وكانت تحت عنوان : (تفسير أَسماء أَهل البيت عليهم السلام وصفاتهم وأَفعالهم بلغة حضاريَّة) ، ووصل بنا الكلام الى العنوان التالي (شجاعة أَهل البيت عليهم السلام شجاعة قيادة إِلهيَّة) ، وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، والنقول التأريخيَّة ، وصلنا الى البيان الثالث عشر: 13ـ ما ورد في معركة صفين : «... وخرج العبَّاس بن ربيعة بن الحارث الهاشمي فأبلىٰ ... فقال معاوية : من خرج إِلى هذا فقتله فله كذا وكذا. فوثب رَجُلان من لخم من اليمن فقالا : نحن نخرج إِليه فقال : اخرجا ، فأيَّكما سبق إِلى قتله فله من المال ما ذكرتُ وللآخر مِثْل ذلك، فخرجا إِلى مقرِّ المبارزة وصاحا بالعبَّاس ، ودعواه إلى القتال ، فقال : استأذن صاحبي وأَعود إِليكما ، وجاء إِلى عَلِيٍّ عليه السلام ليستأذنه ، فقال له : أعطني ثيابكَ وسلاحكَ وفرسكَ ، ولبسها وركب الفرس وخرج إِليهما [فظنَّا] أَنَّه على العبَّاس ... فتقدَّم إِليه أَحد الرجلين فالتقيا ضربتين ، ضربه عَلِيّ عليه السلام على مراق بطنه قطعه بإثنتين ، فظنَّ أَنَّه أخطأه ، فلَمَّا تحرَّك الفرس سقط قطعتين، وغار فرسه وصار إِلى عسكر عَلِيّ عليه السلام ، وتقدَّم الآخر فضربه عَلِيٌّ عليه السلام فأَلحقه بصاحبه ... و... في وصف ليلة الهرير : ... إِنَّ قتلاه عرفوا في النهار ؛ فإنَّ ضرباته كانت على وتيرة واحدة ؛ إِن ضرب طولاً قَدَّ ، أَو عرضاً قَطَّ ، وكانت كأَنَّها مكواة بالنَّار»(1).(2) وعلى هذا قس : شجاعة سائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم من أَصحاب الدائرة الاِصطِفائيَّة الأُولىٰ ، بل وأَصحاب الدائرة الاِصطِفائيَّة الثانية كـ : أَبي الفضل العبَّاس عليه السلام . وبالجملة : هناك فارق سنخيٌّ مهول وعظيم جِدّاً ، بل من دون قياس بين شجاعة وبطولة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ؛ المُنطلِقة من الصفات والأَسماء الإِلٰهيَّة ـ كـ : اسم : (الجبَّار ، والمُتكبِّر ، والقهَّار ، والقابض ، والخافض ، والمُذِل ، والخبير ، والعظيم ، والمُقيت ، والحقّ ، والقوي ، والمتين، والمُميت ، والقادر ، والمُقتدِر ، والمتعال ، والمُنتَقِم ، ومالك المُلك ، والجامع ، والمانع ، والضَّار) ـ ، و شجاعة وبطولة ما عداهم ، المُنطلِقة من الصفات الرُّوحيَّة والنزعات النفسانيَّة. ومنه يتَّضح : أَنَّ ثبات أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه يوم أُحد وما شاكله : ثبات كفاءة قيادة إِلٰهيَّة ، وشجاعة إِدارة ربانيَّة ، وثبات مُعالجة إِلٰهيَّة لحلحلة الأَزمات. بخلاف فرار جملة الصحابة في ذلك اليوم وما شاكله ؛ فإِنَّه : فرار عن كفاءة قيادة ، وجبن عن إِدارة ومعالجة وحلحلة الأَزمات. ومن ثَمَّ لا يجوز ولا يحقُّ لأَحدٍ منهم البَتَّة التَّصدِّي لإِدارة أُمور المسلمين أَو بعضهم ؛ وذلك من باب السالبة بانتفاء موضوعها. / زهد أَهل البيت عليهم السلام زهد قيادة إِلهيَّة/ المثال الثَّاني : (زهد أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم) ؛ فإِنَّه ليس زهداً نفسيّاً فرديّاً ، بل زهد أُممي ومجتمعي وحضاري ؛ وزهد قيادة إِلٰهيَّة ، ونظام تدبير إِلٰهي لجملة العوالم وكافَّة المخلوقات ، مُنطلِق من الأَسمآء والصفات والفضائِل الإِلٰهيَّة. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 32 : 601/ح475. (2) ظنَّ كثير خطأً : أَنَّ غاية غايات أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه من حرب الجمل وصفِّين والنهروان هزيمة وإِبادة الطرف ونسفه عسكريّاً ، والحقُّ : أَنَّ الَّذي كان يتوخَّاه أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه وأنجزه : (فَقْئُ الفتنة). وإِلى هذا أَشارت بياناته صلوات اللّٰـه عليه ، منها : أَوَّلاً : بيانه عليه السلام : «... فأَنا فقأتُ عين الفتنة بباطنها وظاهرها ...». بحار الأَنوار ، 26 : 152ـ 153/ح40. المحتضر : 87. ثانياً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «... فأَنا فقأتُ عين الفتنة ، ولم يكن ليجترئ عليها أَحد غيري ، بعد أَنْ ماج غيهبها ، واشتدَّ كلبها ...». بحار الأَنوار ، 41 : 348 ـ 349/ح61. نهج البلاغة ، 1: 199 ـ 201. ثالثاً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «أنا فقأتُ عين الفتنة ، ولولا أَنا ما قوتل أَهل النهروان ولا أَصحاب الجمل ، ولولا أَنِّي أَخشىٰ أَنْ تتَّكلوا فتدعوا العمل لأخبرتكم بالَّذي قضىٰ اللّٰـه على لسان نبيّكم لـمَنْ قاتلهم ؛ مبصراً بضلالهم ، عارفاً للهدىٰ الَّذي نحن عليه». بحار الأَنوار ، 33 : 356/ ح588. رابعاً : بيان الإِمام الباقر في تفسيره لبيان أَمير المؤمنين عليهما السلام : «... فقأت عين الفتنة ، وأَقتل أُصول الضلالة ...». بحار الأَنوار ، 39: 348ـ 349/ح20. مناقب آل أَبي طالب ، 1 : 512 ـ 514. ودلالة الجميع واضحة ؛ فإِنَّه عليه السلام ـ مثلاً ـ بيَّن في حرب الجمل : أَنَّ أُمّ المؤمنين والصحابي يُقتلا إِذا زاغا عن جادَّة الدِّين وحارباه ؛ فإِنَّ مُوقعيَّة أُمّ المؤمنين والصحابي لا تعني المقايضة على أَصل الدِّين. وهذه البصيرة العظيمة وبيان المراتب أَعظم من دون قياس من الإِنتصار والحسم العسكري في معركة الجمل وهزيمة عائشة ومَنْ ضلَّ من الصحابة ، وأَعظم من دون قياس أَيضاً من الإِنتصار عسكريّاً على معاوية في حرب صفِّين ، فإِنَّ سن وترسيخ الثوابت الإِنسانيَّة ، بل الحضاريَّة العوالميَّة أَعظم من الحسم العسكري ، فمثلاً : كان المُعتقد السَّائد عند المسلمين دينيّاً وسياسيّاً : أَنَّ القرآن النَّاطق ـ وهو : الإِمام من أَهل البيت عليهم السلام ـ لا يعدل ولا يُعادل القرآن الصامت ـ المصحف الشريف ـ ، لكن : أَمير المؤمنين عليه السلام أَثبت في معركة صفِّين بطلان وضحالة هذا الإِعتقاد ؛ وأَنَّ القرآن الصامت لا يقي الفتنة ، ولا يعطي الهداية من دون القرآن النَّاطق. وهذه عبرة وبصيرة سنَّها وأَنجزها أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه في معركة صفِّين أَعظم من إِبادة معاوية وجيشه. وعلى هذا قس ما حصل في معركة النهروان ؛ فإِنَّ ما حقَّقه صلوات اللّٰـه عليه فيها من إِنجاز حضاري أَعظم من دون قياس من الحسم والإِنتصار العسكري وهزيمة أَصحاب النهروان ؛ فإِنَّهم كانوا أَصحاب فتنة فقأها صلوات اللّٰـه عليه وبنىٰ فيها بصيرة حضاريَّة ، عظيمة وخطيرة في المسلمين ، بل في البشريَّة ، بل وفي جملة المخلوقات ؛ فإِنَّ الخوارج كانوا يتمترسون بـ : (سبُّوح قدُّوس) ، وبـ : شعار (لا حكم إِلَّا لِلّٰـه) ؛ وهو شعار حقّ وعدل ، لكن الزيغ كان يكمن في منهاجهم ، ومعناه : أَنَّ الشعار العادل ينبغي أَن لا يغرَّ العاقل ، فلا بُدَّ من النظر إِلى ما ورائه ، ومن ثَمَّ أَجاب صلوات اللّٰـه عليه عن شعارهم هذا : أَنَّه : «كلمة حقّ أُريد بها باطل...». [ بحار الأَنوار، 33 : 338/ح583 ] ، ومعناه : أَنَّ كلمة الحقّ قد تكون فتنة ؛ ومن ثَمَّ المصحف الشريف قد يكون فتنة ، وأُمومة المؤمنين قد تكون فتنة ، وصحبة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله قد تكون فتنة. وهذه الفتن لا تُرفع ولا تُفقأ عينها إِلَّا بأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم. إِذَنْ : القرآن الصَّامت لا محالة يكون فتنة إِذا تُرك القرآن النَّاطق. ثُمَّ إِنَّه لا يمكن تأسيس هذه البصيرة وما شاكلها في المسلمين ، بل في جملة البشريَّة ، بل في كافَّة المخلوقات وفي طُرِّ العوالم إِلَّا بيد أَمير المؤمنين وسائرأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ؛ فإِنَّه مَنْ كان يجرأ على قتال أُمّ المؤمنين والصحابة كالزبير وطلحة إِذا عادوا أَصل الدِّين غير أَمير المؤمنين عليه السلام مؤسس دين الإِسلام بعد سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله . والخلاصة : أَنَّ العبرة الَّتي توخَّاها أَمير المؤمنين عليه السلام من حروبه أَعظم من دون قياس من المكاسب السياسيَّة والعسكريَّة. وهذه بصيرة بنيويَّة عقائديَّة ، معرفيَّة ، حضاريَّة ، ونظام الدِّين ، تبقىٰ شاخصة إِلى ما بعد عَالَم الآخرة الأَبديَّة ، يجب على المخلوق الإِلتفات إِليها والعضّ عليها بضرس قاطع
معارف إِلٰهيَّة : (114) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة العاشرة
الدرس (114) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (108) الى القضيَّة العاشرة ، وكانت تحت عنوان : (تفسير أَسماء أَهل البيت عليهم السلام وصفاتهم وأَفعالهم بلغة حضاريَّة) ، ووصل بنا الكلام الى المثال الثَّاني : /زهد أَهل البيت عليهم السلام زهد قيادة إِلهيَّة/ المثال الثَّاني : (زهد أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم) ؛ فإِنَّه ليس زهداً نفسيّاً فرديّاً ، بل زهد أُممي ومجتمعي وحضاري ؛ وزهد قيادة إِلٰهيَّة ، ونظام تدبير إِلٰهي لجملة العوالم وكافَّة المخلوقات ، مُنطلِق من الأَسمآء والصفات والفضائِل الإِلٰهيَّة. / أَمانة أَهل البيت عليهم السلام/ المثال الثَّالث : (أَمانتهم صلوات اللّٰـه عليهم) : فإِنَّها ليست فرديَّة وبُعداً نفسيّاً ، بل أَمانة أُمميَّة ومجتمعيَّة وحضاريَّة وأَمانة قيادة إِلٰهيَّة ، يُتحمَّل فيها مصير طُرّ العوالم وسائر المخلوقات ، مُنطلِقة من الأَسمآء والصفات والفضائل الإِلٰهيَّة. / عطف أَهل البيت عليهم السلام/ المثال الرابع : (عطفهم ورأفتهم صلوات اللّٰـه عليهم) ؛ فإِنَّها ليست فرديَّة وذا بُعد نفسي فحسب ، بل عطف ورأفة أُمميَّة ومجتمعيَّة وحضاريَّة ، وعطف ورأفة قيادة إِلٰهيَّة ، وكفاءة نظام اقتصادي شامل لجملة أَرجاء الدولة الإِسلاميَّة الإِلٰهيَّة ؛ الشَّاملة لطرِّ العوالم وجميع المخلوقات ، مُنطلِقة من الأَسماء والصفات والفضائل الإِلٰهيَّة ، تشمل كافَّة طبقات المخلوقات المحرومة. / عدل أَهل البيت عليهم السلام/ المثال الخامس : (عدلهم صلوات اللّٰـه عليهم) ؛ فإِنَّه ليس فرديّاً ونفسيّاً فحسب ، وإِنَّما عدل أُمَّة ومجتمع وحضارة ، وعدل إِدارة وقيادة ومنظومة إِلٰهيَّة ، وكفاءة نظام إِدارة وقيادة عادلة شامل لكافَّة أَرجاء الدولة الإِسلاميَّة الإِلٰهيَّة ؛ الشاملة لكلِّ العوالم وجملة المخلوقات ، مُنطلِقة من الأَسمآء والصفات والفضائل الإِلٰهيَّة. / بيعة الغدير لأَهل البيت عليهم السلام في الحاضرة الدوليَّة في العصر الراهن/ ومن كُلِّ ما تقدَّم تتَّضح : فلسفة سجود وخضوع أَرواح وعقول نُخب البشريَّة في العصر الراهن ، وإِقرارها : بيعة غدير أُخرىٰ لأَمير المؤمنين ولسائرأَهل البيت الأَطهار صلوات اللّٰـه عليهم في أَروقة الأُمم المُتَّحدة على عهده صلوات اللّٰـه عليه لمالك الأَشتر (رحمه الله) : «... ثُمَّ اعْلَم يا مالك ... النَّاس ... صنفان : إِمَّا أَخٌ لَكَ في الدِّين ، وإِمَّا نظيرٌ لَكَ في الخَلْقِ ...»(1).(2) وهذه أُمميَّة أَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم لا يصحُّ تفسيرها ببعد فرديٍّ أَو نفسيٍّ. / صفة : (كظم الغيظ) / وعلى هذا قس : سائر أَسماء وصفات وفضائل أَهل البيت عليهم السلام ؛ كـ : (صفة كظم الغيظ)(3)، ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) نهج البلاغة ، المختار من كتب أَمير المؤمنين عليه السلام ورسائله : 450 ـ 451/ 53 ، من عهد له عليه السلام ، كتبه للأشتر النخعي (رحمه الله). (2) إِنَّ أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه بيَّن في عهده هذا لمالك الأشتر (رحمه الله) : كيفيَّة اللولب النسقي بين وظائف وأجنحة وأَعضاء الدولة. وبعدما يقرب من أَلف وأَربعمائة عام أَبصرت نخب البشر لما يقرب من مئتي دولة في الأُمم المُتَّحدة : أَنَّ في هذا العهد خارطة مستقبليَّة وكفوءة لإِدارة تنمية حضارة البشر. وهذا يُدلِّل ـ بعدما وصلت عقليَّة البشر في العصر الراهن في كيفيَّة إِدارة الدولة إِلى الحكومة الالكترونيَّة، وهي أَحد آليَّات الإِنسيابيَّة ـ على أَنَّ ما ذكره صلوات اللّٰـه عليه في هذا العهد معادلات جبَّارة. (3) لابأس بالإِلتفات إِلى أَنَّ صفة : (كظم الغيظ) وردت في بيانات الوحي في حقِّ اثنين من أَهل البيت عليهم السلام بصفةٍ خاصَّة : أَمير المؤمنين والإِمام موسىٰ الكاظم عليهما السلام ، أَمَّا سائر أَهل البيت عليهم السلام فإِنَّها تُذكر لهم بصفةٍ جمعيَّة. فانظر : بيانات الوحي الواردة في حقِّ أَمير المؤمنين عليه السلام ، منها : بيان زيارته عليه السلام يوم الغدير : «... وَأَشْهَدُ اَنَّكَ لَمْ تَزَلْ لِلْهَوى مُخالِفاً ، وَللِتُّقىٰ مُحالِفاً ، وَعَلى كَظْمِ الْغَيْظِ قادِراً ، وَعَنِ النّاسِ عافِياً غافِراً... وَأَنْتَ الْكاظِمُ لِلْغَيْظِ ، وَالْعافي عَنِ النّاسِ ، وَاللّٰـهُ يُحِبُّ الْـمُـحْسِنينَ...». بحار الأَنوار ، 97 : 360 ـ 368. ولاحظ : بيانات الوحي الواردة في حقِّ الإِمام موسىٰ بن جعفر عليهما السلام ، منها : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... أَوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إِسرائيل ... فإذا انقضت مدَّة جعفر قام بالأَمر بعده موسىٰ ويُدعىٰ بالكاظم ...». بحار الأَنوار ، 36 : 304 ـ 306/ح144. كفاية الأَثر : 8 ـ 9
معارف إِلٰهيَّة : (115) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة العاشرة
الدرس (115) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (108) الى القضيَّة العاشرة ، وكانت تحت عنوان : (تفسير أَسماء أَهل البيت عليهم السلام وصفاتهم وأَفعالهم بلغة حضاريَّة) ، ووصل بنا الكلام الى العنوان التالي : / صفة : (كظم الغيظ) / وعلى هذا قس : سائر أَسماء وصفات وفضائل أَهل البيت عليهم السلام كـ : (صفة كظم الغيظ)(1)، فإِنَّ ما جرىٰ على الإِمام موسىٰ بن جعفر عليهما السلام في السجن ومكابدته ومعاناته ينبغي أَنْ لا يقتصر تفسيرها على البعد الفردي والنفسي ، وإِنَّما كظم غيظ أُمميّ ومجتمعيّ وحضاريّ ، وقيادة إِلٰهيَّة ، وكفاءة نظام إِدارة وقيادة إِلٰهيَّة شاملة لجملة أَرجاء الدولة الإِسلاميَّة الإِلٰهيَّة ؛ الشَّاملة لجميع العوالم وسائر المخلوقات ، مُنطلقة من الأَسماء والصفات والفضائل والأَفعال الإِلٰهيَّة ، ومن ثَمَّ استفزاز الدولة العبَّاسيَّة العظمىٰ(2) له صلوات اللّٰـه عليه ليس بما هو رَجُلٌ فردٌ ، بل بما لديه قاعدة شعبيَّة ، وإِمكانيَّات مجتمعيَّة وأُمميَّة وحضاريَّة وإِلٰهيَّة ، فأَرادت أَنْ تذهب به إِلى المنازلة المُعلنة ؛ كيما تُبيد إِنجازاته وإِنجازات آبائه وأَجداده المجتمعيَّة والأُمميَّة والحضاريَّة والإِلٰهيَّة العظيمة، وبنيانهم الحضاريّ والإِلٰهيّ الخطير، فكظم عليه السلام هذا الاستفزاز(3)، فأَراد هارون العبَّاسي السفيه(4) إِبادة حضارة دين الإِسلام وإِقامة مقامها : ما أَسَّسه من مجون وإِباحيَّة وانفلات ماديّ ، ولغة الدم والسجون ، فأَبىٰ صلوات اللّٰـه عليه إِلَّا أَنْ يجعل اللغة : لغة الإِنسانيَّة ، ولغة المنطق ، ولغة المبادئ ، ولغة العقل والتعقُّل ، وإِنْ استلزم ذلك إِبادة بدنه الشَّريف. وثوريَّته صلوات اللّٰـه عليه ليست كثوريَّة وتطرُّف الزيديَّة ؛ وثوريَّة الثوار وتطرُّفهم ، وتطرُّف الخط الثوري الأَحمق ، بل ثوريَّة حضارة وإِنسانيَّة. وبعبارة أُخرىٰ : اجتمعت في الإِمام الكاظم صلوات اللّٰـه عليه : سُنَّة الإِمام الحسن وسُنَّة الإِمام الحسين عليهما السلام ، فإِنَّ معاوية (عليه اللعنة) أَراد استفزاز الإِمام الحسن صلوات اللّٰـه عليه ليحاربه ؛ كيما يُبيد كُلَّ موروث أَصحاب الكساء عليهم السلام ، لكنَّه صلوات اللّٰـه عليه لم يعطه تلك الذريعة ، وحافظ على جيشٍ مُؤلَّفٍ من (70) أَلف مُقاتل مُحترف. إِذَنْ : ليس حال الإِمام الكاظم وسائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم كحال الجموديِّين ـ خلافاً لِـمَا تخيَّله البعض ـ ، بل حراك من دون هوادة ، لكن بخُلقٍ وتعقُّلٍ. وإِلى هذا الخط تشير بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام: «... أَنَّ إِمارة بني أُميَّة كانت بالسيف والعسف والجور ، وأَن إِمامتنا بالرفق والتألف والوقار والتَّقيَّة ، وحسن الخلطة والورع والإِجتهاد ، فرغِّبُوا النَّاس في دينكم ، وفيما أَنتم فيه»(5). / القضيَّة الحادية عشرة : / / الإِمامة الإِلهيَّة وأَبحاثها ظواهر تكوينيَّة وعقليَّة/ هناك خطأٌ فاحشٌ أَرتكبته أَقلام كُتُب مُتكلِّمي المدارس الإِسلاميَّة الأُخرىٰ ، بل اتَّسع الخرق على الرَّاقع فانسحب إِلى بحوث كثير من مُتكلِّمي الإِماميَّة ؛ فإِنَّهم زعموا : إِختصاص بحث الإِمامة الإِلٰهيَّة بالقيادة الإِعتباريَّة ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) لابأس بالإِلتفات إِلى أَنَّ صفة : (كظم الغيظ) وردت في بيانات الوحي في حقِّ اثنين من أَهل البيت عليهم السلام بصفةٍ خاصَّة : أَمير المؤمنين والإِمام موسىٰ الكاظم عليهما السلام ، أَمَّا سائر أَهل البيت عليهم السلام فإِنَّها تُذكر لهم بصفةٍ جمعيَّة. فانظر : بيانات الوحي الواردة في حقِّ أَمير المؤمنين عليه السلام ، منها : بيان زيارته عليه السلام يوم الغدير : «... وَأَشْهَدُ اَنَّكَ لَمْ تَزَلْ لِلْهَوى مُخالِفاً ، وَللِتُّقىٰ مُحالِفاً ، وَعَلى كَظْمِ الْغَيْظِ قادِراً ، وَعَنِ النّاسِ عافِياً غافِراً... وَأَنْتَ الْكاظِمُ لِلْغَيْظِ ، وَالْعافي عَنِ النّاسِ ، وَاللّٰـهُ يُحِبُّ الْـمُـحْسِنينَ...». بحار الأَنوار ، 97 : 360 ـ 368. ولاحظ : بيانات الوحي الواردة في حقِّ الإِمام موسىٰ بن جعفر عليهما السلام ، منها : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... أَوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إِسرائيل ... فإذا انقضت مدَّة جعفر قام بالأَمر بعده موسىٰ ويُدعىٰ بالكاظم ...». بحار الأَنوار ، 36 : 304 ـ 306/ح144. كفاية الأَثر : 8 ـ 9. (2) اعترف المُؤرِّخون والباحثون بأَنَّ السلطة العبَّاسيَّة أَوسع نطاقاً وأَقوىٰ اقتداراً وقوَّة من أَوج السلطة الأَمويَّة مساحة ورقعة وكيفيَّة وجبروتاً وآليَّاتاً. لكن : في موازاة ذلك قام المنافس الوحيد : نظام مدرسة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ؛ فإِنَّ السلطة العباسيَّة لم يكن لها أَيّ منافس ورقيب يتناطح ويتدافع معها بقدر مدرسة أَهل البيت عليهم السلام . وهذه قضيَّة أُخرىٰ وظاهرة ثابتة باعتراف المؤرخين والباحثين ، ولم تنشأ من باب الصدفة. ثُمَّ إِنَّه بقدر اِتِّسَاع رقعة الدولة الإِسلاميَّة بعد استشهاد سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، واِتِّسَاع رقعة النظام المُتسلِّط على المسلمين والبلدان الإِسلاميَّة اتَّسعت بموازاة ذلك قدرة نظام مدرسة أَهل البيت عليهم السلام. إِذَنْ : مدرسة أَهل البيت عليهم السلام هي الفصيل الوحيد المراقب ، والَّذي تتوجَّس منه السلطات خوفاً ورعباً ، والضَّاج لمضاجعها ، والمنافس الرقيب ، صاحب القدرة المتنامية في مدافعة سلطة السقيفة ، وسلطة بني أُميَّة ، وسلطة بني العبَّاس ، وصاحب القدرات والإِمكانيَّات والسيطرة على المسلمين وبلدانهم. وهذه الظاهرة لا زالت قائمة إِلى يومنا هذا منذُ بدايات أَيّام السقيفة. (3) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ في شخصيَّة الإِمام الكاظم صلوات اللّٰـه عليه جهات ملحميَّة عديدة ، وبيانات أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم المستفيضة والمواد التاريخيَّة المنقولة عند الفريقين تُعزِّز: أَن أَمواج أَحداث كانت معتركة في شخصيَّته. (4) إِطلاق صفة السَّفاهة على هارون العبَّاسيّ ليس من باب التحامل ، وإِنَّما لبيان واقع ؛ فإِنَّه لم يعش حقيقة العلم ، وإِنَّما عاش العنف وسفك الدماء ، وتجنيد العلم لبساط وبلاط جوره ، ولتثبيت وتوسيع قدرته ونفوذه التسلطي الدكتاتوري. بعد الإِلتفات : أَنَّ العلم إِنْ جُنِّدَ للتسلُّط والدكتاتوريَّة والقدرة الذاتيَّة والإِستبداد فتلك طامَّة كبرىٰ وخطر عظيم ، بخلاف تجنيد القدرة للعلم ففتح عظيم. وإِلى هذا تشير بيانات الوحي ، منها : الحديث المشهور عن سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «إِذا رأيتم العلماء على أَبواب الملوك فبئس العلماء وبئس الملوك ، وإِذا رأيتم الملوك على أَبواب العلماء فنعم العلماء ونعم الملوك». ومن ثَمَّ كيف يُقال عن الدولة العبَّاسيَّة : أَنَّها دولة من العصور الذهبيَّة في الإسلام ، وعصرها عصر ذهبيّ في الإسلام وهي تخاف الفكر وتقمعه ، وتُقبع الإِمام الكاظم عليه السلام طوال أَربعة عشر سنة في قعر السجون ، فكفىٰ ضحكاً على ذقون البشر ؛ فإِنَّ تلك آثار هارون وقصوره الَّتي بناها لأَلف ليلة وليلة حمراء والجواري الَّتي كان يتكنَّس بها على الحدود العراقيَّة السوريَّة في منطقة الرقَّة لا زالت آثارها وآثار اللعب والدف والهوس والهلوسة والنزوات الخسيسة إلى الآن موجودة. (5) بحار الأَنوار ، 66 : 170/ح11. الخصال ، 2 : 8
معارف إِلٰهيَّة : (116) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة الحادية عشرة
الدرس (116) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الحادية عشرة : /القضيَّة الحادية عشرة : / / الإِمامة الإِلهيَّة وأَبحاثها ظواهر تكوينيَّة وعقليَّة/ هناك خطأٌ فاحشٌ أَرتكبته أَقلام كُتُب مُتكلِّمي المدارس الإِسلاميَّة الأُخرىٰ ، بل اتَّسع الخرق على الرَّاقع فانسحب إِلى بحوث كثير من مُتكلِّمي الإِماميَّة ؛ فإِنَّهم زعموا : إِختصاص بحث الإِمامة الإِلٰهيَّة بالقيادة الإِعتباريَّة ـ كما تقدَّم ـ ؛ ومن باب علم السياسة والقانون وما شاكلهما ، غير أَنَّه عريٌّ عن أَيِّ شاهدٍ ، بل ظنون فاسدة ، وتوهمات كاذبة أملتها عليهم أَنفسهم الأَمَّارة بالسوء. بل ، المُتمعِّن في بيانات الوحي ـ منها ما تقدَّم ـ يراها على عكس المطلوب أَدلُّ ، بل صارخة بحقيقة معيَّنة ، أَلَا وهي : أَنَّ الإِمامة الإِلٰهيَّة وأَبحاثها من الأُمور والظواهر التَّكوينيَّة والعقليَّة ، ومن أَنكر ذلك فقد كابر وأَنكر شيئاً واضحاً. نعم ، بعض ذيول أَبحاثها أُمور إِعتباريَّة. وعليه : فَمِنْ الخطأ الفاحش مراعاة الباحث والمستنبط في أَبواب العقائد ، بل مُطلق المعارف الإِلٰهيَّة ؛ واستخدام الموازين والقواعد والقوانين الإِعتباريَّة فيها ؛ لإِختصاصها بـ : (فقه الفروع) ، وبينهما بون وفرق سنخيّ شاسعٌ. وهذه قضيَّة مُهمَّة يجدر الإِلتفات إِليها. / القضيَّة الثانية عشرة : / / مقام الحُجِّيَّة الإِلهيَّة أَعَمُّ من النُّبوَّة والرسالة/ / (المُلك) عنوان من عناوين الإِمامة الإِلهيَّة/ من مميِّزات ومختصَّات مدرسة أَهل البيت عليهم السلام : أَنَّها لا تُخصِّص مقام الحُجِّيَّة بالنُّبوَّة والرِّسالة ، بل تُعمّمه لمقام الإِمامة الإِلٰهيَّة ،... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار
معارف إِلٰهيَّة : (117) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة الثَّانية عشرة
الدرس (117) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الثَّانية عشرة : / القضيَّة الثَّانية عشرة : / / مقام الحُجِّيَّة الإِلهيَّة أَعَمُّ من النُّبوَّة والرسالة/ / (المُلك) عنوان من عناوين الإِمامة الإِلهيَّة/ من مميِّزات ومختصَّات مدرسة أَهل البيت عليهم السلام : أَنَّها لا تُخصِّص مقام الحُجِّيَّة بالنُّبوَّة والرِّسالة ، بل تُعمّمه لمقام الإِمامة الإِلٰهيَّة ، وقد وردت في بيانات وحيانيَّة كثيرة ، وبعناوين مختلفة ، منها : المُلك ، قال تعالىٰ : [أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ* وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا](1)، أَي : إِماماً يملك الأُمور ؛ فمع أَنَّ طالوت ليس برسول ولا نبيٍّ ، لكنَّه بُعث وقُلِّد بمقاليد سماويَّة مُعيَّنة، وهي بعثة : مُلك واصطفاء ، وحاكميَّة ، وإِدارة وتدابير إِلٰهيَّة. وقوله تقدَّس ذكره : [إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ](2)برهانٌ وحيانيٌّ دالٌّ على أَنَّ طالوت من المصطفين ، ومبعوث بعثة إِمامة من قِبَل اللّٰـه سبحانه وتعالىٰ ، وله ولاية تطبيق الشريعة. وقوله جلَّ قوله : [فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ](3). برهان وحيانيّ دالّ على أَنَّ قِوام الإِمامة الإِلٰهيَّة لا يحصل إِلَّا بالتولِّي والتَّبرِّي. / القضيَّة الثَّالثة عشرة : / / روح القدس أَحد أَرواح أَهل البيت عليهم السلام / / الوراثة الإِصطفائيَّة/ هناك مطلب لطالما بقيت البحوث العلميَّة المُعقَّدة مُترجِّلة فيه ، وقد سبَّب عدم فهمه : الإِنحراف والقول بالتناسخ لدىٰ جملة من الفرق الصوفيَّة، والعرفانيَّة والباطنيَّة ، بل والمسيحيَّة المنحرفة ينبغي الإِلتفات إِليه، حاصله : ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) البقرة : 246 ـ 247. (2) البقرة : 247. (3) البقرة : 249
معارف إِلٰهيَّة : (118) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة الثَّالثة عشرة
الدرس (118) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الثَّالثة عشرة : / القضيَّة الثَّالثة عشرة : / / روح القدس أَحد أَرواح أَهل البيت عليهم السلام / / الوراثة الاِصطفائيَّة/ هناك مطلب لطالما بقيت البحوث العلميَّة المُعقَّدة مُترجِّلة فيه ، وقد سبَّب عدم فهمه : الانحراف والقول بالتناسخ لدىٰ جملة من الفرق الصوفيَّة، والعرفانيَّة والباطنيَّة ، بل والمسيحيَّة المنحرفة ، ينبغي الإِلتفات إِليه، حاصله : أَنَّ الثابت في بيانات الوحي المتواترة : أَنَّ رُوح القدس ـ وهو حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ، والوارد في بيان قوله تعالىٰ : [وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا](1)ـ مودع في ذوات الأَنبياء عليهم السلام ، وأَحد أَرواحهم من النَّبيّ آدم عليه السلام إِلى سيَّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، ثُمَّ سائر أَهل البيت عليهم السلام . فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام ، عن جابر ، قال : «سألته عن علم العَالِم ، فقال : يا جابر ، إِنَّ في الأَنبياء والأَوصياء خمسة أَرواح : روح القدس ، وروح الإِيمان ، وروح الحياة ، وروح القوَّة ، وروح الشهوة ، فبروح القدس يا جابر عرفوا (خ.ل : علمنا) ما تحت العرش إلى ما تحت الثرىٰ ، ثُمَّ قال : يا جابر ، إِنَّ هذا الأَرواح يصيبها الحدثان إِلَّا أَنَّ روح القدس لا يلهو ولا يلعب»(2). 2ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن أَبي بصير ، قال : «سألته عن قول اللّٰـه عزَّوجلَّ : [يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ](3)فقال : جبرئيل الَّذي نزل على الأَنبياء ، والرُّوح تكون معهم ومع الأَوصياء ، لا تفارقهم ، تفقِّههم وتسدِّدهم من عند اللّٰـه ...»(4). 3ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن أَبي بصير ، قال : «قلتُ لأَبي عبداللّٰـه عليه السلام : جُعِلْتُ فداك ، أَخبرني عن قول اللّٰـه تبارك وتعالىٰ : [وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا](5) قال: يا أَبا مُحمَّد ، خَلْقٌ واللّٰـه أَعظم من جبرئيل وميكائيل ، وقد كان مع رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله يخبره ويسدِّده ، وهو مع الأَئمَّة عليهم السلام يخبرهم ويسدِّدهم»(6). 4ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «... فينا روح رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله »(7). 5ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن إِبراهيم بن عمر ، قال : «قلت لأَبي عبداللّٰـه عليه السلام : أخبرني عن العلم الَّذي تعلمونه ، أَهو شيء تعلَّمونه من أَفواه الرجال بعضكم من بعض ، أَو شيء مكتوب عندكم من رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله ؟ فقال: الأَمر أعظم من ذلك ، أَمَا سمعتَ قول اللّٰـه عزَّوجلَّ في كتابه : [وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ](8) قال : قلتُ : بلىٰ ، قال : فلَمَّا أَعطاه اللّٰـه تلك الرُّوح علم بها، وكذلك هي إِذا انتهت إِلى عبد علم بها العلم والفهم ـ يُعَرِّض بنفسه عليه السلام ـ»(9). 6ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن الحارث بن المغيرة ، قال : « إِنَّ الأَرض لا تُترك بغير عَالِـمٍ . قلت : الَّذي يعلم عَالِـمكم ما هو ؟ قال : وراثة من رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله ومن عَلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام ، عِلْمٌ يستغنىٰ به عن النَّاس ولا يستغني النَّاس عنه. قلتُ : وحكمة تقذف في صدره أَو تُنكتُ في أُذنه ؟ قال : ذاك وذاك»(10). وهذه وغيرها الكثير براهين وحيانيَّة دالَّة على وراثة ، لكنَّها ليست ماديَّة إِعتباريَّة ، بل اِصطفائيَّة تكوينيَّة ملكوتيَّة ، لكنَّه لا تعني القول بالتناسخ الباطل بالضَّرورة الدِّينيَّة ، وإِنَّما تعني : أَنَّ هناك جُنداً وجواهراً وخوادماً ملكوتيَّة ، تنتقل للخدمة من صفيٍّ مُتقدِّم إِلى آخر متأخر زماناً. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ( 1 ) الشورى : 52. (2) بحار الأَنوار ، 25 : 55/ح15. بصائر الدرجات : 132. (3) النحل : 2. (4) بحار الأَنوار ، 25 : 63/ح43. بصائر الدرجات : 137. (5) الشورى : 52. (6) بحار الأَنوار ، 25 : 59/ح27. بصائر الدرجات : 135. (7) المصدر نفسه : 62/ح41. بصائر الدرجات : 136. (8) الشورى : 52. (9) بحار الأَنوار ، 25 : 62/ح40. بصائر الدرجات : 136. (10) المصدر نفسه ، 26 : 62/ح141. بصائر الدرجات ، 2 : 120/ ح1169 ـ 1
معارف إِلٰهيَّة : (119) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة الثالثة عشرة
الدرس (119) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الثالثة عشرة ، وكانت تحت عنوان ( روح القدس احد ارواح اهل البيت عليهم السلام ) ، وعنوان ( الوراثة الاِصطفائيَّة ) ، ولا زال الكلام في بياناتها وادلتها ، ووصل بنا البحث الى البيان والدليل السادس : 6ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن الحارث بن المغيرة ، قال : « إِنَّ الأَرض لا تُترك بغير عَالِـمٍ . قلت : الَّذي يعلم عَالِـمكم ما هو ؟ قال : وراثة من رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله ومن عَلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام ، عِلْمٌ يستغنىٰ به عن النَّاس ولا يستغني النَّاس عنه. قلتُ : وحكمة تقذف في صدره أَو تُنكتُ في أُذنه ؟ قال : ذاك وذاك»(1). وهذه وغيرها الكثير براهين وحيانيَّة دالَّة على وراثة ، لكنَّها ليست ماديَّة إِعتباريَّة ، بل اِصطفائيَّة تكوينيَّة ملكوتيَّة ، لكنَّه لا تعني القول بالتناسخ الباطل بالضَّرورة الدِّينيَّة ، وإِنَّما تعني : أَنَّ هناك جُنداً وجواهراً وخوادماً ملكوتيَّة ، تنتقل للخدمة من صفيٍّ مُتقدِّم إِلى آخر متأخر زماناً. وإلى هذا أَشارت بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : ما ورد في بيانات الروايات ، أَنَّه : «أتت فاطمة بنت رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله بإبنيها الحسن والحسين عليهما السلام إِلى رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله في شكواه الَّذي توفِّي فيه فقالت : يا رسول اللّٰـه ، هٰذان ابناك فورِّثهما شيئاً. فقال : أَمَّا الحسن فإِنَّ له هيبتي وسؤددي ، وأَمَّا الحسين فإِنَّ له شجاعتي وجودي»(2). وهذه وراثة اِصطفائيَّة ، فالهيبة والسؤدد جُنْدٌ روحانيَّة ملكوتيَّة مغروزة في ذات سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، وجواهر مُجرَّدة ومُسخَّرة لحقيقته وذاته صلى الله عليه واله المُقدَّسة ، انتقلت إِلى ذات الإِمام المجتبىٰ عليه السلام ، لكن من دون زوالها عن ذاته صلى الله عليه واله الشَّريفة ، هذه حال الوراثة الاِصطفائيَّة وعلى هذا قس : ما ورِثه سيِّد الشهداء عليه السلام من جدِّه صلى الله عليه واله من شجاعة وجود . بل وكُلُّ وراثة تحصل من هذا القبيل لكلِّ معصومٍ ، لكنَّها لا تزول ولا تتزلزل عن ذات المورِّث ، بل تبقىٰ على حالتها السَّابقة ، بخلاف الوراثة الماديَّة. / الوراثة الاِ صطفائيَّة لا تحجب الوراثة الماديَّة/ وهذه الوراثة الاِصطفائيَّة لا تحجب ـ بالضرورة الدِّينيَّة ـ عن الوريث الوراثة الماديَّة ، خلافاً لِـمَا أَصرَّ عليه أَصحاب سُنَّة السقيفة ؛ من أَنَّ وراثة الكُمَّل ـ كوراثة فاطمة الزهراء عليها السلام من أَبيها صلى الله عليه واله وراثة اِصطفائيَّة ملكوتيَّة فقط ـ تحجب الوراثة الماديَّة. وغير خفيٍّ : أَنَّ هذه جرأَة على الشَّريعة القويمة ، وهتك لأَستار السُّنَّة الكريمة ، تضع منها الحبلىٰ لشناعتها ، وتضحك منها الثكلىٰ لغرابتها. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المصدر نفسه ، 26 : 62/ح141. بصائر الدرجات ، 2 : 120/ ح1169 ـ 1. (2) بحار الأَنوار ، 43 : 263/ح10. إرشاد المفيد : 169. إعلام الورىٰ : 210
معارف إِلٰهيَّة : (120) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة الثالثة عشرة
الدرس (120) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الثالثة عشرة ، وكانت تحت عنوان ( روح القدس احد ارواح اهل البيت عليهم السلام ) ، وعنوان ( الوراثة الاِصطفائيَّة ) ، ووصل بنا البحث الى العنوان التالي : / الوراثة الاِصطفائيَّة لا تحجب الوراثة الماديَّة / وهذه الوراثة الاِصطفائيَّة لا تحجب ـ بالضرورة الدِّينيَّة ـ عن الوريث الوراثة الماديَّة ، خلافاً لِـمَا أَصرَّ عليه أَصحاب سُنَّة السقيفة ، من أَنَّ وراثة الكُمَّل ـ كوراثة فاطمة الزهراء عليها السلام من أَبيها صلى الله عليه واله وراثة اِصطفائيَّة ملكوتيَّة فقط ـ تحجب الوراثة الماديَّة. وغير خفيٍّ : أَنَّ هذه جرأَة على الشَّريعة القويمة ، وهتك لأَستار السُّنَّة الكريمة ، تضع منها الحبلىٰ لشناعتها ، وتضحك منها الثكلىٰ لغرابتها. وهذا ما أَشارت إِليه بيانات الوحي الوافرة الباهرة ، منها : بيان خطبة فاطمة الزهراء عليها السلام : «... أَيُّها المسلمون ، أَأُغلب على إرثي؟ يا بن أَبي قحافة ، أَفي كتاب اللّٰـه ترث أَباك ولا أَرث أَبي؟ لقد جئت شيئاً فريَّا! أَفعلىٰ عمد تركتم كتاب اللّٰـه ونبذتموه وراء ظهوركم؟! إِذ يقول: [وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ](1)، وقال فيما اقتصَّ من خبر يحيىٰ بن زكريّا إِذْ قال : [فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ](2)، وقال: [وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ](3)، وقال: [يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ](4)، وقال : [إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ](5)، وزعمتم أَنْ لَا حظوة لي ولا أرث من أَبي ، ولا رحم بيننا، أَفخصَّكم اللّٰـه بآية أَخرج منها أَبي؟! أَم هل تقولون : أَهل ملتين لا يتوارثان؟ أَو لستُ أَنا وأَبي من أَهل ملَّة واحدة ؟ أَم أَنتم أَعلم بخصوص القرآن وعمومه من أَبي وابن عمي؟! فدونكم مخطومة مرحولة تلقاكَ يوم حشركَ ، فنعم الحَكَم اللّٰـه ، والزعيم محمَّد ، والموعد القيامة ، وعند السَّاعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم إِذ تندمونَ ، و[لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ](6)، و[مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ](7)...»(8). ودلالته واضحة. / القول بثبوت الوراثة الماديَّة لفاطمة عليها السلام دون الاِصطفائيَّة / هذا ، وقد زاد كثير من علماء الخاصَّة فضلاً عن غيرهم في الطين بِلَّة ؛ فناقشوا في وراثتها عليها السلام الإِصطفائيَّة ، ثُمَّ ادَّعوا ثبوت المادِيَّة في حقِّها عليها السلام حسب، لكنَّها : عثرة فاحشة ، وزلَّة عظيمة طائشة ، ودعوة ساقطة عن كلِّ قيمةٍ واعتبارٍ ، وعريَّة عن كلِّ شاهد ومِثْال ، ويرد عليها ما أَوردناه على سابقتها حرفاً بحرف ، بل المُتمعِّن في بيانات الوحي الباهرة الوافرة يراها صارخة ومثبتة لهذه الحقيقة كالأُولىٰ ، فإِنَّهما كفرسي رهان ورضعي لبان يجريان في حقِّها عليه السلام ، والعصمة لأَهلها. / وراثة الصلاح والفساد/ بل الوارد في بيانات الوحي : أَنَّ المؤمن الصالح ، بل والشَّخص الطالح لا يورِّث المال فحسب ، بل والصلاح إِنْ كان صالحاً ، والفسق والفجور إِنْ كان طالحاً. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) النمل : 16. (2) مريم : 5 ـ 6. (3) الأنفال : 75. (4) النساء : 11. (5) البقرة : 180. (6) الأنعام : 67. (7) الزمر : 40. (8) بحار الأَنوار ، 29 : 226 ـ 227. الاحتجاج ، 1 : 138 ـ 139
معارف إِلٰهيَّة : (121) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة الثالثة عشرة
الدرس (121) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الثالثة عشرة ، وكانت تحت عنوان ( روح القدس احد ارواح اهل البيت عليهم السلام ) ، وعنوان ( الوراثة الاِصطفائيَّة ) ، ووصل الكلام الى العنوان التالي : / وراثة الصلاح والفساد/ بل الوارد في بيانات الوحي : أَنَّ المؤمن الصالح ، بل والشَّخص الطالح لا يورِّث المال فحسب ، بل والصلاح إِنْ كان صالحاً ، والفسق والفجور إِنْ كان طالحاً. فانظر : بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان قوله تعالىٰ : [وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ](1). ثانياً : بيان الإِمام الباقر والصَّادق عليهما السلام : «يحفظ الأَطفال بصلاح آبائهم ؛ كما حفظ اللّٰـه الغلامين بصلاح أَبويهما»(2). ثالثاً : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «إِنَّ اللّٰـه يحفظ ولد المؤمن إِلى أَلف سنة ، وإِنَّ الغلامين كان بينهما وبين أَبيهما سبعمائة سنة»(3). رابعاً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «إِنَّ اللّٰـه ليفلح بفلاح الرَّجُل المؤمن ولده وولد ولده ، ويحفظه في دويرته ودويرات حوله ، فلا يزالون في حفظ اللّٰـه؛ لكرامته على اللّٰـه ، ثُمَّ ذكر الغلامين ، فقال : [وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا] أَلَم تر أَنَّ اللّٰـه شكر صلاح أَبويهما لهما»(4). خامساً : بيان الإِمام الرِّضا عليه السلام : «أَوحىٰ اللّٰـه عزَّوجلَّ إِلى نبيٍّ من الأَنبياء إِذا أُطعتُ رضيتُ ، وإِذا رضيتُ باركتُ ، وليس لبركتي نهاية ، وإِذا عُصيتُ غضبتُ ، وإِذا غضبتُ لعنتُ ، ولعنتي تبلغ السَّابع من الوراء»(5). ومنه يتَّضح : ما ورد في حقِّ الإِمام الحُجَّة ابن الحسن عجل الله تعالى فرجه : «أنَّ القائم عليه السلام يقتل أَولاد قتلة الحسين عليه السلام ؛ لرضاهم بفعل آبائهم»(6). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الكهف : 82. (2) بحار الأَنوار ، 71 : 236/ح1. (3) المصدر نفسه/ح2. (4) المصدر نفسه /ح3. (5) بحار الأَنوار ، 73 : 341/ح23. (6) المصدر نفسه
معارف إِلٰهيَّة : (122) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة الرابعة عشرة
الدرس (122) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الرابعة عشرة : / القضيَّة الرابعة عشرة : / / الإِصلاح الأَكبر يكمن في بث البصيرة / / إِعداد الكُلّ لمركزيَّة المعصوم من أَهل البيت عليهم السلام / إِنَّ الإِصلاح الأَكبر يقوم على بث البصيرة في الأُمَّة الإِسلاميَّة والإِيمانيَّة ، بل في كافَّة البشريَّة. وأَكبر طريق صلاح وإِصلاح : إِعداد الكُلّ لمركزيَّة المعصوم عليه السلام ، وبث منهاج أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، لكن : لا بآليَّة تُنفِّر الطرف. وهذا الطريق يحتاج إِلى توازن ، وهو صعب ومستصعب. والمُحكَّم في المقام قاعدة : (لا يسقط الميسور بالمعسور). وهذه بحوث معرفيَّة مُعقَّدة. / القضيَّة الخامسة عشرة : / / مقام الولاية الإِلهيَّة الكبرى لأَهل البيت عليهم السلام / إِنَّ مقام الولاية الإِلٰهيَّة الكبرىٰ ـ وما قد يُعبَّر عنه بـ : (الدولة الإِلٰهيَّة) ـ لسيِّد الأَنبياء ولسائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم على جملة العوالم وكافَّة المخلوقات أَرفع شأناً وأَخطر دوراً وأَعظم هولاً من دون قياس من إِمامتهم صلوات اللّٰـه عليهم السياسيَّة ، وحُجِّيَّتهم الإِلٰهيَّة في هذه النشأة الأَرضيَّة ؛ فإِنَّ الدولة الإِلٰهيَّة لا تقتصر على الحاكميَّة الإِلٰهيَّة في النشأة الأَرضيَّة ، وإِنَّما تعتمد على حاكميَّة اللّٰـه في طُرِّ العوالم وعلى سائر المخلوقات ـ كما تقدَّم ـ. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار
معارف إِلٰهيَّة : (123) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة الخامسة عشرة
الدرس (123) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الخامسةعشرة : / القضيَّة الخامسة عشرة : / / مقام الولاية الإِلهيَّة الكبرى لأَهل البيت عليهم السلام / إِنَّ مقام الولاية الإِلٰهيَّة الكبرىٰ ـ وما قد يُعبَّر عنه بـ : (الدولة الإِلٰهيَّة) ـ لسيِّد الأَنبياء ولسائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم على جملة العوالم وكافَّة المخلوقات أَرفع شأناً وأَخطر دوراً وأَعظم هولاً من دون قياس من إِمامتهم صلوات اللّٰـه عليهم السياسيَّة ، وحُجِّيَّتهم الإِلٰهيَّة في هذه النشأة الأَرضيَّة ؛ فإِنَّ الدولة الإِلٰهيَّة لا تقتصر على الحاكميَّة الإِلٰهيَّة في النشأة الأَرضيَّة ، وإِنَّما تعتمد على حاكميَّة اللّٰـه في طُرِّ العوالم وعلى سائر المخلوقات ـ كما تقدَّم ـ. إِذَنْ : ليس المراد من ولاية أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الولاية السياسيَّة في حقبة زمنيَّة ضيِّقة ، أَو حقبة زمنيَّة خاصَّة بِعَالَم النشأة الأَرضيَّة ، بل شاملة لِكُلِّ العوالم ؛ وجميع المخلوقات الإِلٰهيَّة غير المتناهية ، وشاملة لكافَّة أُمورها وأَحوالها(1) وشؤونها. وإِلى هذا تشير بيانات الوحي الوافرة الباهرة ، منها: ما تقدَّم ، ويضاف إِليها : بيان قوله جلَّ ثناؤه : [وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ](2). فإِنَّه برهان وحيانيٌّ دالٌّ على أَنَّ غاية النشأة الأَرضيَّة إِلى حين ، وخلافة خليفة اللّٰـه ليست مقرونة بها ، كحال ولاية اللّٰـه ودينه. بعد الإِلتفات : أَنَّ هناك فوارق بين الدِّين والشريعة(3)، منها : أَوَّلاً : أنَّ دين اللّٰـه واحد ؛ وهو دين الإِسلام. فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان قوله تعالىٰ ذكره : [إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ](4). بخلاف الشَّريعة ؛ فإِنَّها مُتعدِّدة. فلاحظ : بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان قوله تبارك وتعالىٰ : [لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا](5). ثانياً : أَنَّ دين الإِسلام شامل لجميع المخلوقات ، وفي كُلِّ العوالم ؛ من بداية الخلقة إِلى ما لا نهاية ، ومن ثَمَّ يكون عَالَم الآخرة الأَبديَّة محكوماً به ؛ فهو النظام الحاكم لأَهل الجنَّة في الجنان ، ولأَهل النَّار في النيران. بخلاف الشريعة ؛ فإِنَّها مختصَّة بالنشأة الأَرضيَّة ، وبالثقلين (الإِنس والجن) ، وهذا ما يُوضِّح نكتة اشتقاقها ؛ فإِنَّها مشتقَّة من الشروع والإِبتداء. وعليه : فالموقعيَّة العقائديَّة والمعرفيَّة المرتبطة تداعياتها بالدِّين تكون أَعظم هولاً ، وأَخطر أَثراً ، وأَعظم فائدةً من الموقعيَّة العقائديَّة المرتبطة تداعياتها بالشريعة. وحيث إِنَّ ولاية أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ومقاماتهم من الدِّين، بل من أُصوله وأُسسه فلا تختصُّ بالنشأة الأَرضيَّة ، بل شاملة لكُلِّ العوالم ؛ وكافَّة المخلوقات غيرالمتناهية ، وتداعياتها أَخطر وأَعظم هولاً. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين عليه السلام ـ المُتقدِّم ـ : «... وليبعثن اللّٰـه أَحياء من آدم إلى محمَّد ’ كُلّ نبيٍّ مرسل ، يضربون بين يدي بالسيف هام الأَموات والأَحياء والثقلين جميعاً. فيا عجباً وكيف لا أَعجب من أَمواتٍ يبعثهم اللّٰـه أَحياء يُلبُّون زمرة زمرة بالتَّلبية : لبيكَ لبيكَ يا داعي اللّٰـه ... وإنَّ لي الكرَّة بعد الكرَّة ، والرَّجعة بعد الرَّجعة ، وأَنا صاحب الرَّجعات والكرَّات، وصاحب الصولات والنقمات ، والدولات العجيبات ... وَأَنا الحاشر إلى اللّٰـه ... وَأَنا صاحب الجنَّة والنَّار ، وأسكن أَهل الجنَّة الجنَّة ، وأسكن أَهل [النَّار] النَّار ، وإِلَيّ تزويج أَهل الجنَّة ، وإِلَيّ عذاب أَهل النَّار ، وإِلَيّ إِياب الخلق جميعاً ، وأَنا الاياب الَّذي يؤوب إِليه كُلّ شيء بعد القضاء ، وإِلَيّ حساب الخلق جميعاً ... وأنا المؤذن على الأَعراف ... وَأَنا خازن الجنان وصاحب الأَعراف ، وَأَنا ... الحُجَّة على أَهل السماوات والأَرضين وما فيهما وما بينهما ، وَأَنا الَّذي احتجَّ اللّٰـه به عليكم في ابتداء خلقكم ...» (6). ودلالته واضحة على شمول إِمامة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم لجملة المخلوقات وسائر العوالم ، منها : عَالَم البرزخ ، وعَالَم الرَّجعة ـ آخرة الدُّنيا ـ ، وعَالَم القيامة ، وعَالَم الآخرة الأَبديَّة ـ الجنَّة والنَّار الأَبديَّتان ـ وعَالَم الذَّرِّ والميثاق ؛ وسائر العوالم. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مرجع الضمير في (أُمورها) ، و (أَحوالها) ، و(شؤونها) : «كُلّ العوالم وجميع المخلوقات». (2) البقرة : 35 ـ 36. (3) ينبغي أَنْ لا يُخلط ـ كما خلطت كثير من كُتُب علم الكلام ـ بين مباحث الدِّين ، ومباحث الشريعة. (4) آل عمران : 19. (5) المائدة : 48. (6) بحار الأَنوار ، 53 : 46 ـ 49/ح20
معارف إِلٰهيَّة : (124) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة الخامسة عشرة
الدرس (124) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الخامسةعشرة ، وكانت تحت عنوان (مقام الولاية الإِلهيَّة الكبرى لأَهل البيت عليهم السلام ) ، ووصل بنا الكلام الى المطلب التالي ، وهو : أَنَّ دين الإِسلام شامل لجملة العوالم وكافة المخلوقات غير المتناهية . وعليه : فالموقعيَّة العقائديَّة والمعرفيَّة المرتبطة تداعياتها بالدِّين تكون أَعظم هولاً ، وأَخطر أَثراً ، وأَعظم فائدةً من الموقعيَّة العقائديَّة المرتبطة تداعياتها بالشريعة. وحيث إِنَّ ولاية أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ومقاماتهم من الدِّين، بل من أُصوله وأُسسه فلا تختصُّ بالنشأة الأَرضيَّة ، بل شاملة لكُلِّ العوالم ؛ وكافَّة المخلوقات غيرالمتناهية ، وتداعياتها أَخطر وأَعظم هولاً. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين عليه السلام ـ المُتقدِّم ـ : «... وليبعثن اللّٰـه أَحياء من آدم إلى محمَّد صلى الله عليه واله كُلّ نبيٍّ مرسل ، يضربون بين يدي بالسيف هام الأَموات والأَحياء والثقلين جميعاً. فيا عجباً وكيف لا أَعجب من أَمواتٍ يبعثهم اللّٰـه أَحياء يُلبُّون زمرة زمرة بالتَّلبية : لبيكَ لبيكَ يا داعي اللّٰـه ... وإنَّ لي الكرَّة بعد الكرَّة ، والرَّجعة بعد الرَّجعة ، وأَنا صاحب الرَّجعات والكرَّات، وصاحب الصولات والنقمات ، والدولات العجيبات ... وَأَنا الحاشر إلى اللّٰـه ... وَأَنا صاحب الجنَّة والنَّار ، وأسكن أَهل الجنَّة الجنَّة ، وأسكن أَهل [النَّار] النَّار ، وإِلَيّ تزويج أَهل الجنَّة ، وإِلَيّ عذاب أَهل النَّار ، وإِلَيّ إِياب الخلق جميعاً ، وأَنا الاياب الَّذي يؤوب إِليه كُلّ شيء بعد القضاء ، وإِلَيّ حساب الخلق جميعاً ... وأنا المؤذن على الأَعراف ... وَأَنا خازن الجنان وصاحب الأَعراف ، وَأَنا ... الحُجَّة على أَهل السماوات والأَرضين وما فيهما وما بينهما ، وَأَنا الَّذي احتجَّ اللّٰـه به عليكم في ابتداء خلقكم ...» (1). ودلالته واضحة على شمول إِمامة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم لجملة المخلوقات وسائر العوالم ، منها : عَالَم البرزخ ، وعَالَم الرَّجعة ـ آخرة الدُّنيا ـ ، وعَالَم القيامة ، وعَالَم الآخرة الأَبديَّة ـ الجنَّة والنَّار الأَبديَّتان ـ وعَالَم الذَّرِّ والميثاق ؛ وهلم جرا . 2ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن المُفضَّل بن عمر ، قال : «... فقلت له: يابن رسول اللّٰـه فَعَلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام يدخل محبّه الجنَّة ومبغضه النَّار أَو رضوان ومالك ؟ فقال: ... فَعَلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام إذاً قسيم الجنَّة والنَّار عن رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله ، ورضوان ومالك صادران عن أَمره بأمر اللّٰـه تبارك وتعالىٰ ، يا مُفَضَّل ، خذ هذا فإنَّه من مخزون العلم ومكنونه ، لا تخرجه إِلَّا إِلى أَهله»(2). ودلالته قد اتَّضحت. / هول وعظمة وخطر ولاية الزهراء عليها السلام الإِلهيَّة/ ومنه يتَّضح : أَنَّ بيانات الوحي الظافرة الوافرة بعدما رسمت لفاطمة الزهراء صلوات اللّٰـه عليها موقعيَّة في الدِّين ؛ فلا تكون ولايتها ولاية إِمامة سياسيَّة مختصَّة بهذه النشأة الأَرضيَّة ، بل ولاية إِلٰهيَّة كبرىٰ شاملة لجملة العوالم وطُرّ المخلوقات. ومن ثَمَّ ليس من المناسب للباحث في علم الكلام وغيره التساؤل عن ثبوت إِمامتها السياسيَّة في هذه النشأة ، فإِنَّ ما تتمتَّع به صلوات اللّٰـه عليها من ولاية إِلٰهيَّة كبرىٰ هي أَعظم خطراً وأَرفع شأناً وأَعلىٰ مقاماً من دون قياس من الإِمامة السياسيَّة ؛ والرسالات الإِلٰهيَّة الأَرضيَّة ، مع أَنَّ الثابت في بيانات الوحي والمُسلَّمات العقائديَّة والفقهيَّة : أَنَّ لها صلوات اللّٰـه عليها أَدواراً في حكومة سيِّد الأَنبياء وحكومة أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آليهما السياسيَّتين في عَالَم آخرة الدُّنيا (الرَّجعة). / القضيَّة السَّادسة عشرة : / / خارطة جملة عوالم الخلقة برسم وتخطيط أَهل البيت عليه السلام / إِنَّ المستفاد من بيانات الوحي : أَنَّ خارطة مسار جملة عالم الدُّنيا برسم وتخطيط أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ، بل وخرائط مسارات كافَّة العوالم وجميع مخلوقاتها ، كـ : عَالَم البرزخ ، وعَالَم الرجعة ، وعَالَم القيامة ، وعَالَم الآخرة الأَبديَّة ، وعوالم ما بعدها ، بل وعوالم ما قبل هذه النشأة الأَرضيَّة لم تكن إِلَّا بتخطيطهم صلوات اللَّـه عليهم وهندستهم وتنفيذهم. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 53 : 46 ـ 49/ح20. (2) المصدر نفسه ، 39 : 194 ـ 196/ح5. علل الشرائع : 65
معارف إِلٰهيَّة : (125) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة السَّادسة عشرة
الدرس (125) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة السَّادسة عشرة : / القضيَّة السَّادسة عشرة : / / خارطة جملة عوالم الخلقة برسم وتخطيط أَهل البيت عليهم السلام / إِنَّ المستفاد من بيانات الوحي : أَنَّ خارطة مسار جملة عالم الدُّنيا برسم وتخطيط أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ، بل وخرائط مسارات كافَّة العوالم وجميع مخلوقاتها ، كـ : عَالَم البرزخ ، وعَالَم الرجعة ، وعَالَم القيامة ، وعَالَم الآخرة الأَبديَّة ، وعوالم ما بعدها ، بل وعوالم ما قبل هذه النشأة الأَرضيَّة لم تكن إِلَّا بتخطيطهم صلوات اللَّـه عليهم وهندستهم وتنفيذهم. فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين عليه السلام ـ المُتقدِّم ـ : «... أَنا دحوتُ أَرضها، وأَنشأتُ جبالها ، وفجَّرتُ عيونها ، وشققتُ أَنهارها ، وغرستُ أَشجارها ، وأَطعمتُ ثمارها ، وأَنشأتُ سحابها ، وَأَسمعتُ رعدها ، ونوَّرتُ برقها ، وأَضحيتُ شمسها ، وأَطلعتُ قمرها ، وأَنزلتُ قطرها ، ونصبتُ نجومها ... وسكنتُ أَطوادها ، وأَنشأتُ جواري الفلك فيها ، وأَشرقتُ شمسها ... ادخلوا الباب سجّداً أغفر لكم خطاياكم وأزيد المحسنين ، بي وعلى يديّ تقوم السَّاعة...»(1). 2ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : ««... أَنَا مُنزل الملائكة منازلها ... أَنا المُنادي لهم : أَلستُ بربِّكم ؛ بأَمر قيُّوم لم يزل ... أَنا صاحب الهبات بعد الهبات ولو أَخبرتكم لكفرتم ... أَنا منشئ الأَنام ... أَنا صاحب النجوم ، أَنا مُدبِّرها بأَمر ربّي ... أَنا المُعطِي ، أَنا المُبذِل ، أَنا القابض يدي على القبض ... أَنا صاحب القطر والمطر ، أَنا صاحب الزلازل والخسوف ... أَنا صاحب الغيث بعد القنوط...»(2). 3ـ بيان خطبته عليه السلام أَيضاً : «أَنَا عندي مفاتيح الغيب ... أَنا أَقمتُ السَّماوات بأَمر ربِّي ... أَنا أَمر الحي الَّذي لا يموت ، أَنا ولي الحقّ على سائر الخلق ... أَنا المفوَّض إِلَيَّ أَمر الخلائق ، أَنَا خليفة الإِلٰه الخالق ... أَنا أرسيتُ الجبال الشَّامخات ، وفجَّرتُ العيون الجاريات ... أَنَا مُقدِّر الأَقوات ، أَنا ناشر الأَموات ، أَنا منزل القطر ، أَنَا مُنَوِّر الشَّمس والقمر والنجوم ، أَنَا قيِّم القيامة ... أَنَا محصي الخلائق وإِنْ كثروا ...»(3). 4ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، الوارد في حقِّ أَهل البيت عليهم السلام : «... هذا كُلّه لآل محمَّد لا يُشاركهم فيه مُشارك ... خلقهم اللّٰـه من نور عظمته ، وولَّاهم أَمر مملكته ...»(4). 5ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن سلمان (رضوان اللَّـه عليه) ، قال: «... وإنَّ اللَّـه عزَّوجلَّ جعل أَمر الدُّنيا إِلَيّ ...قال سلمان: ...ثُمَّ إِنَّ أَمير المؤمنين عليه السلام أَمر الريح فسارت بنا إلى جبل قاف فانتهيت(5) إليه ، وإذا هو من زمرِّدة خضراء وعليها(6) ملك على صورة النسر ، فلَمَّا نظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال الملك : السَّلَامُ عَلَيْكَ يا وصيّ رسول اللَّـه وخليفته ، أَتأذن لي في الكلام؟ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلام وقال له: إِنْ شئتَ تكلَّم ، وإِنْ شئتَ أَخبرتُكَ عمَّا تسألني عنه. فقال الملك: بل تقول أنت يا أمير المؤمنين. قال: تُريد أَنْ آذن لَكَ أَنْ تزور الخضر عليه السلام ، قال: نعم، فقال عليه السلام : قد أذنتُ لَكَ ... فقال سلمان : يا أَمير المؤمنين ، رأيتُ الملك ما زار الخضر إِلَّا حين أَخذ إذنكَ. فقال عليه السلام: والَّذي رفع السماء بغير عمدٍ ، لو أَنَّ أَحدهم رام أَنْ يزول من مكانه بقدر نفسٍ واحدٍ لَـمَا زال حتَّىٰ آذن له ، وكذلك يصير حال ولدي الحسن ، وبعده الحسين وتسعة من ولد الحسين... والَّذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة إِنِّي لأَملك من ملكوت السَّماوات والأَرض ما لو علمتم ببعضه لما احتمله جنانكم...»(7). 6ـ بيان الإِمام الباقرعليه السلام : «إِنَّ اللَّـه لم يزل فرداً مُتَفَرِّداً في الوحدانيَّة ، ثُمَّ خلق محمَّداً وعليّاً وفاطمة عليهم السلام ... وفوَّض أَمر الأَشياء إِليهم في الحُكم والتصرُّف والإِرشاد ، والأَمر والنهي في الخلق ؛ ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار، 39: 348. (2) مشارق أَنوار اليقين في أَسرار أَمير المؤمنين عليه السلام ، الخطبة الإِفتخاريَّة: 165 ـ 166. (3) المصدر نفسه : 269 ـ 270. (4) بحار الأَنوار ، 25 : 169 ـ 174/ح38. (5) في المصدر : (فانتهينا). (6) في نسخة : (من زمرِّدة خضرة وعليه). (7) بحار الأَنوار، 27: 33 ـ 40/ح5. المحتضر: 71 ـ 76
معارف إِلٰهيَّة : (126) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة السَّادسة عشرة
الدرس (126) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة السَّادسة عشرة ، وكانت تحت عنوان (خارطة جملة عوالم الخلقة برسم وتخطيط أَهل البيت عليهم السلام) ، لازال الكلام في بياناتها وادلتها ، وصلنا الى البيان والدليل السادس : 6ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام: «إِنَّ اللَّـه لم يزل فرداً مُتَفَرِّداً في الوحدانيَّة ، ثُمَّ خلق محمَّداً وعليّاً وفاطمة عليهم السلام... وفوَّض أَمر الأَشياء إِليهم في الحُكم والتصرُّف والإِرشاد ، والأَمر والنهي في الخلق ؛ لأَنَّهم الولاة فلهم الأَمر والولاية والهداية ، فهم أَبوابه ونوَّابه وحجَّابه ، يُحلِّلون ما شآء ، ويُحرِّمون ما شآء ، ولا يفعلون إِلَّا ما شآء ، عباد مُكرمون ، لا يسبقونه بالقول ، وهم بأمره يعملون...»(1). 7ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ـ المتقدِّم ـ ، عن المفضَّل بن عمر ، قال: «... فقلتُ له: يابن رسول اللَّـه ، فعَلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام يُدخل مُحبّه الجنَّة ومبغضه النَّار أَو رضوان ومالك ؟ فقال: يا مفضَّل ... فَعَلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام إِذاً قسيم الجنَّة والنَّار عن رسول اللَّـه صلى الله عليه واله ، ورضوان ومالك صادران عن أَمره بأمر اللَّـه (تبارك وتعالىٰ)، يا مفضَّل ، خُذ هذا ؛ فإِنَّه من مخزون العلم ومكنونه ، لا تخرجه إِلَّا إِلى أَهله»(2). 8ـ إِطلاق بيانه عليه السلام ، عن إِسماعيل بن عبد العزيز ، قال : «قال لي جعفر بن مُحمَّد عليه السلام: إِنَّ رسول اللّٰـه ’ كان يُفوَّض إِليه ... وإنَّ اللّٰـه فوَّض إِلى مُحمَّد صلى الله عليه واله نبيّه فقال: [مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا](3)، فقال رَجُلٌ: إِنَّما كان رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله مفوَّضاً إِليه في الزَّرع والضَّرع ، فلوّىٰ جعفر عليه السلام عن عنقه مُغضباً ، فقال: في كُلِّ شيءٍ ، واللّٰـه في كُلِّ شيءٍ»(4). 9ـ بيان زيارتهم صلوات اللَّـه عليهم الجامعة: «...السَّلام عليكم يا أَهل بيت النُّبوَّة ، وموضع الرسالة ... وقادة الأُمم ... وساسة العباد ... إِصطفاكم بعلمه ... وفوَّض إِليكم الأُمور ، وجعل لكم التَّدبير ، وعرَّفكم الأَسباب ... وأَعطاكم المقاليد ، وسخَّر لكم ما خلق ... إِياب الخلق إِليكم ، وحسابهم عليكم ، وفصل الخطاب عندكم ... وأَمره إِليكم ... لم تزالوا بعين اللَّـه وعنده ، وفي ملكوته تأمرون ، وله تخلفون ، وإِيَّاه تُسبِّحون ، وبعرشه محدقون ، وبه حافُّون حتَّىٰ مرَّ بكُم علينا ، فجعلكم في بيوتٍ أَذن اللَّـه أَنْ تُرفع ويُذكر فيها اسمه ...»(5). 10ـ بيان زيارة أَمير المؤمنين عليه السلام : «...السَّلام عليك يا أَمير المؤمنين عَلِيّ بن أَبي طالب ... السَّلام عليكَ يا ... صاحب الدُّنيا ... السَّلام عليكَ يا حافظ سرّ اللّٰـه ، وممضي حكم اللّٰـه ، ومجلي إِرادة اللّٰـه ، وموضع مشيَّة اللّٰـه ... وولي الملك الديَّان ... السَّلام عليكَ يا عماد الجبَّار ... السَّلام عليكَ يا مشهوراً في السَّماوات العليا ومعروفاً ، في الأَرضين السَّابعة السفلىٰ ... السَّلام عليكَ أَيُّها النَّازل من عليِّين ، والعَالِم بما في أَسفل السَّافلين ... اجتباكَ اللّٰـه لقدرته ، فجعلكَ عصا عزِّه ، وتابوت حكمته ...»(6). ودلالة الجميع واضحة ، ولا غبار عليها. ومن ثَمَّ لا تكون بياناتهم المعرفيَّة وسِيَرهم وأَفعالهم عليهم السلام استراتيجيَّة حضارة فحسب ، بل واستراتيجيَّة عوالم ومخلوقات لا يعيها(7) سائرالبشر ، بل ولا سائرالأَنبياء والملائكة المُقرَّبين عليهم السلام . ومن ثَمَّ فلسفة بياناتهم صلوات اللَّـه عليهم وسِيَرِهم وأَفعالهم ليست محدودة بأَمد زمانيّ دنيويّ ، بل ولا بعَالَم الدُّنيا برمَّته ؛ فإِنَّ ساحة القدس الإِلٰهيَّة وظفتهم لرسم خارطة مسار جملة العوالم وطرّ المخلوقات. ومنه يتَّضح : مدىٰ وضوح جملة الخريطة التَّكوينيَّة واستراتيجيَّة العوالم ومخلوقاتها لدىٰ أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم. / القضيَّة السَّابعة عشرة :/ / ثبوت آليَّات إِمامة أَهل البيت عليهم السلام منذُ بدأ الخليقة/ إِنَّه حينما يرد في بيانات الوحي : أَنَّ الإِمام من أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم أُوتي منصب الإِمامة الإِلٰهيَّة في سنِّ (كذا) فمعناه : أَنَّ إِمامته وبعثة الإِمامة الإِلٰهيَّة فُعِّلت في حقِّه في هذه النشأة الأَرضيَّة في ذلك السنّ المُبارك ،... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 25: 339/ح21. (2) بحار الأَنوار ، 39 : 194ـ 196/ح5. علل الشرائع : 65. (3) الحشر : 7. (4) بحار الأَنوار ، 17 : 9/ ح16. بصائر الدرجات : 111 ـ 112. (5) بحار الأَنوار، 99/ الزيارة الثالثة: 146 ـ 159. (6) المصدر نفسه ، 97 : 347 ـ 352. المزار الكبير : 97 ـ 101. (7) مرجع الضمير : (بيانات أَهل البيت عليهم السلام المعرفيَّة وسِيَرهم وأَفعالهم)
معارف إِلٰهيَّة : (127) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة السَّابعة عشرة
الدرس (127) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة السَّابعة عشرة : / القضيَّة السَّابعة عشرة : / / ثبوت آليَّات إِمامة أَهل البيت عليهم السلام منذُ بدأ الخليقة / إِنَّه حينما يرد في بيانات الوحي : أَنَّ الإِمام من أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم أُوتي منصب الإِمامة الإِلٰهيَّة في سنِّ (كذا) فمعناه : أَنَّ إِمامته وبعثة الإِمامة الإِلٰهيَّة فُعِّلت في حقِّه في هذه النشأة الأَرضيَّة في ذلك السنّ المُبارك ، أَمَّا ما زوِّد به من آليَّات الإِمامة الإِلٰهيَّة كـ : (العلم اللدنِّي) لم تُعطَ له في ذلك السن فحسب ، بل وليس من حين ولادته ، ولا في أَرحام أُمَّهاته(1) أَو أَصلاب آبائه صلوات اللّٰـه عليهم ، وإِنَّما مُنذُ أَوَّل وجوده وكينونته في العوالم السَّالفة. وهذه نكتة مُهمَّة جِدّاً يجدر الإِلتفات إِليها. ومنه تتَّضح كثير من بيانات الوحي الواردة في المقام ، منها : 1ـ ما ورد عن أَمير المؤمنين عليه السلام في بيان ولادة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... ومحمَّد صلى الله عليه واله سقط من بطن أُمِّه ، واضعاً يده اليسرىٰ على الأَرض ، ورافعاً يده اليُمنىٰ إِلى السَّماء ويُحرِّك شفتيه بالتَّوحيد ، وبدا من فيه نوراً...»(2). 2ـ ما ورد عن سيِّد الأَنبياء في بيان ولادة أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليهم وعلى آلهما : «... ولقد هبط حبيبي جبرئيل في وقت ولادة عَلِيّ ، فقال: يا حبيب اللّٰـه ، العَلِيّ الأَعلىٰ يقرء عليكَ السَّلَام ويُهنئكَ بولادة أَخيكَ عَلِيّ، ويقول : هذا أَوَان ظهور نُبوَّتك ، وإِعلان وحيكَ ، وكشف رسالتكَ ، إِذ أَيدتكَ بأَخيكَ ووزيركَ وصنوكَ وخليفتكَ ، ومَنْ شددتُ به أَزركَ ، وأَعلنتُ به ذكركَ ، فقم إِليه واستقبله بيدكَ اليمنىٰ ... فقمتُ مبادراً فوجدتُ فاطمة بنتُ أَسد أُمّ عَلِيّ وقد جاء لها المخاض ... فقال حبيبي جبرئيل : ... أُمدد يدكَ يا مُحمَّد ، فمددتُ يدي اليمنىٰ نحو أُمَّه فإذا أَنا بعَلِيٍّ على يدي ، واضعاً يده اليمنىٰ في أُذنه اليمنىٰ ، وهو يؤذِّن ويُقيم بالحنيفيَّة ، ويشهد بوحدانيَّة اللّٰـه (عزَّوجلَّ) وبرسالاتي(3)، ثُمَّ انثنىٰ إِلَيَّ وقال : السَّلَام عليكَ يا رسول اللّٰـه، ثُمَّ قال لي : يا رسول اللّٰـه أَقرء ؟ قلتُ: اِقرء ، فوالَّذي نفس مُحمَّد بيده ، لقد ابتدأ بالصحف الَّتي أَنزلها اللّٰـه (عزَّوجلَّ) على آدم ، فقام بها ابنه شيث؛ فتلاها من أَوَّل حرف فيها إِلى آخر حرف فيها ، حتَّىٰ لو حضر شيث لأَقَرَّ لَه أَنَّه أَحفظ له منه ، ثُمَّ تلا صحف نوح ، ثُمَّ صحف إِبراهيم ، ثُمَّ قرأ توراة موسىٰ حتَّىٰ لو حضر موسىٰ لأَقرَّ له بأَنَّه أَحفظ لها منه ، ثُمَّ قرأ زبور داود حتَّىٰ لو حضر داود لأَقرَّ بأَنَّه أَحفظ لها منه ، ثُمَّ قرأ إِنجيل عيسىٰ حتَّىٰ لو حضر عيسىٰ لأَقَرَّ بأَنَّه أَحفظ لها منه ، ثُمَّ قرأ القرآن الَّذي أَنزله اللّٰـه عَلَيَّ من أَوَّله إلى آخره ، فوجدته يحفظ كحفظي له السَّاعة من غير أَنْ أَسمع منه آية ، ثُمَّ خاطبني وخاطبته بما يُخاطَب الأَنبياء الأَوصياء ، ثُمَّ عاد إِلى حال طفوليَّته ، وهٰكذا أَحَد عشر إِماماَ من نسله ...»(4). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ينبغي الإِلتفات : أَنَّه ليس المراد من معنىٰ : «الأَرحام المُطهَّرة» الوارد في بيانات الوحي الواصفة لأَحد العوالم السالفة الَّتي مرَّ بها أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم طهارة تلك الأَرحام من الفاحشة فحسب ، بل مطهَّر من مطلق الذنوب. وهذه ضرورة دينيَّة متواترة عند الإِماميَّة (أَعزَّهم اللّٰـه) ، فجملة الأَرحام الَّتي مرَّت بها حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم في عَالَم الأَرحام مطهَّرة ومعصومة إِلى حواء. وعلى هذا قس: بيان قوله تعالىٰ الوارد في حقِّ سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : [وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 219] ، فإِنَّه برهانٌ وحيانيٌّ دالٌّ على أَنَّ جميع آباء وأَجداد سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ـ ويتبعه سائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ـ إِلى آدم عليه السلام مُوحِّدين ، بل معصومين : إِمَّا أَنبياء أَو أَوصياء. وهذه ضرورة دينيَّة أُخرىٰ متواترة أَيضاً ومجمع عليها عند الإِماميَّة (أَعزَّهم اللّٰـه تعالىٰ). فانظر : ما ذكره صاحب البحار المجلسي + : «اتَّفقت الإِماميَّة (رضوان اللّٰـه عليهم) على أَنَّ والدي الرسول وكُلّ أَجداده إِلى آدم عليه السلام كانوا مسلمين ، بل كانوا من الصدِّيقين : إِمَّا أَنبياء مرسلين ، أَو أَوصياء معصومين ، ولعلَّ بعضهم لم يظهر الإِسلام تقيَّة أو لمصلحة دينيَّة. قال أَمين الدِّين الطبرسي & في مجمع البيان : «قال أَصحابنا : ... أَنَّ آباء النَّبيّ صلى الله عليه واله إِلى آدم كُلّهم كانوا مُوحِّدين ، وأَجمعت الطائفة على ذلك ، ورووا عن النَّبيّ صلى الله عليه واله أَنَّه قال : «لم يزل ينقلني اللّٰـه من أَصلاب الطَّاهرين إِلى أَرحام المطهَّرات حتَّىٰ أَخرجني في عَالَمكم هذا ، لم يدنسني بدنس الجاهليَّة». ولو كان في آبائه عليهم السلام كافر لم يصف جميعهم بالطهارة ، مع قوله سبحانه : [إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]. ولهم في ذلك أدلَّة ليس هنا موضع ذكرها. انتهىٰ». مجمع البيان، 4 : 322...». بحار الأَنوار ، 15 : 117. (2) بحار الأَنوار ، 15 : 260ـ 261/ح11. الاحتجاج : 118 ـ 119. (3) في روضة الواعظين : (برسالتي). وفي الروضة : (ويشهد لِلّٰـه بالوحدانية وبرسالتي). (4) بحار الأَنوار ، 35 : 21ـ 22/ح5. الروضة : 17 ـ 18. روضة الواعظين : 72 ـ 74
معارف إِلٰهيَّة : (128) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة السَّابعة عشرة
الدرس (128) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة السَّابعة عشرة ، وكانت تحت عنوان (ثبوت آليَّات إِمامة أَهل البيت عليهم السلام منذُ بدأ الخليقة) ، لازال الكلام في بياناتها وادلتها ، ووصلنا الى البيان والدليل الثالث : 3ـ بيان الإِمام الرضا صلوات اللّٰـه عليه : «للإِمام علامات : ... وإِذا وقع إِلى الأَرض من بطن أُمِّه وقع على راحتيه ، رافعاً صوته بالشَّهادتين...»(1). 4ـ ما ورد في بيان ولادة الحُجَّة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه ، عن نسيم ومارية : «أَنَّه لَـمَّا خرج صاحب الزمان من بطن أُمّه سقط جاثياً على ركبتيه ، رافعاً سبابتيه إلى السَّماء ، ثُمَّ عطس وقال : الحمد للّٰـه ربِّ العالمين ، وصلَّىٰ اللّٰـه على مُحمَّد وآله عبداً داخراً لِلّٰـه ، غير مستنكف ولا مستكبر، ثُمَّ قال : زعمت الظلمة : أَنَّ حُجَّة اللّٰـه داحضة ، ولو أُذن لنا في الكلام لزال الشَّكَّ»(2). ودلالة الجميع واضحة ، ولا غبار عليها. / باستشهاد سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله انقطعت درجة من درجات الوحي/ ثُمَّ إِنَّ عقيدتنا نحن الإِماميَّة بعدم انقطاع علم ووحي أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم اللدنِّي بعد استشهاد سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ورحيله إِلى الرفيق الأَعلىٰ. ومنه تتَّضح : بيانات الوحي الواردة في المقام ، منها : 1ـ بيان شعر فاطمة الزهراء صلوات اللّٰـه عليها الوارد في حقّ أَبيها صلى الله عليه واله بعد رحيله : «قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا فغبتَ عنَّا وكلّ الخير محتجب»(3) 2ـ بيان زيارته صلى الله عليه واله: «... أُصبنا بكَ يا حبيب قلوبنا ، فما أَعظم المصيبة بكَ حيث انقطع عنَّا الوحي ، وحيث فقدناكَ ، فإِنَّا للّٰـه وإِنّا إِليه راجعون ...»(4). فإِنَّ المراد منها ليس انقطاع تمام الوحي عن سائرأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، بل انقطاع درجة ونور عظيم ومرتبة صاعدة من مراتبه عنهم صلوات اللّٰـه عليهم. /القضيَّة الثامنة عشرة : / / كلام الإِمام وحيٌ إِلهيٌّ/ ينبغي الإِلتفات : أَنَّ الوحي الإلٰهي على مراتب ودرجات ، منها : كلام الإِمام المعصوم عليه السلام ؛ فإِنَّه وإِنْ لم يكن وحياً نبويّاً ، لكنَّه وحي إِمامة إِلٰهيَّة وعلم لدنِّيّ. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 25 : 116/ح1. الخصال ، 2 : 106. عيون الأَخبار : 119 ـ 120. (2) بحار الأَنوار ، 73 : 53/ح5. مختار الخرائج : 216. (3) بحار الأَنوار ، 29 /ب : 11 : 52/ح4. (4) بحار الأَنوار ، 99 : 212/ح1
معارف إِلٰهيَّة : (129) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة الثامنة عشرة
الدرس (129) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الثامنة عشرة : / القضيَّة الثامنة عشرة :/ / كلام الإِمام وحيٌ إِلهيٌّ/ ينبغي الإِلتفات : أَنَّ الوحي الإلٰهي على مراتب ودرجات ، منها : كلام الإِمام المعصوم عليه السلام ؛ فإِنَّه وإِنْ لم يكن وحياً نبويّاً ، لكنَّه وحي إِمامة إِلٰهيَّة وعلم لدنِّيّ. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «إِنَّ للّٰـه عموداً من نور ، حجبه اللّٰـه عن جميع الخلائق ، طرفه عند اللّٰـه ، وطرفه الآخر في أُذن الإِمام ، فإِذا أَراد اللّٰـه شيئاً أَوحاه في أُذن الإِمام عليه السلام »(1). 2ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن صالح بن سهل ، قال : «كنتُ جالساً عنده فقال لي إِبتداءً منه : يا صالح بن سهل ، إِنَّ اللّٰـه جعل بينه وبين الرسول رسولاً ؛ ولم يجعل بينه وبين الإِمام رسولاً ، قال : قلتُ : وكيف ذاك ؟ قال: جعل بينه وبين الإِمام عموداً من نور ينظر اللّٰـه به إِلى الإِمام ، وينظر الإِمام به إِليه ، فإِذا أَراد علم شيء نظر في ذلك النور فعرفه»(2). ودلالته ـ كدلالة سابقة ـ واضحة. ومنه يتَّضح : مدىٰ إِنحطاط وشذوذ منهج بعض من ينتمي من الباحثين إِلى مدرسة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، فإنَّه يتعامل مع البيانات النبويَّة وبيانات سائرأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم كتعامله مع كلام العلماء ؛ فله الأَخذ به وله الإِعراض عنه. وهذا المنهج وأَشباهه ونظائره يكشف بنحو : (الإِنْ)(3) عن وجود خلل عقائديّ ومعرفيّ خطير في دخيلة هذا الباحث وفي منظومته العقائديَّة والمعرفيَّة ، وأَنَّ لديه مناقشة ونقار ـ والعياذ باللّٰـه تعالىٰ ـ في أَصل إِمامة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ؛ وإِلَّا فبعد الإِعتقاد بإِمامتهم عليهم السلام والالتزام بها والبناء عليها ؛ وأَنَّهم أَوصياء ومعصومون ؛ وكلامهم نمط وحي إِلٰهيّ لدنِّيّ؛ كيف يكون المخلوق بالخيار في كلامهم صلوات اللّٰـه عليهم بين الأَخذ والردّ ، كحال كلام العلماء!! / القضيَّة التَّاسعة عشرة : / / مجالات العلم اللَّدنِّي/ إِنَّ بيان قوله تعالىٰ : [وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ](4)، وبيان قوله تقدَّس ذكره : [قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا](5)، برهانان وحيانيَّان دالَّان على أَنَّ العلم اللَّدنِّي والملكوتي واللَّاهوتي الَّذي يتمتَّع به سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله وسائر أَهل البيت الأَطهار عليهم السلام يُستثمر ويُستخدم في موارد خاصَّة ، ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 26 : 134/ح9. بصائر الدرجات ، 2 : 340/ح1570 ـ 1. (2) المصدر نفسه : 134 ـ 135/ح10. بصائر الدرجات ، 2 : 340/ح1571ـ2. المختصر : 128. (3) أَي : بالبرهان الإِنِّي ، أَي : من المعلول إِلى العلَّة. (4) الأعراف : 188. (5) الجن : 25
معارف إِلٰهيَّة : (130) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة التَّاسعة عشرة
الدرس (130) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة التَّاسعة عشرة : / القضيَّة التَّاسعة عشرة : / / مجالات العلم اللَّدنِّي/ إِنَّ بيان قوله تعالىٰ : [وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ](1)، وبيان قوله تقدَّس ذكره : [قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا](2)، برهانان وحيانيَّان دالَّان على أَنَّ العلم اللَّدنِّي والملكوتي واللَّاهوتي الَّذي يتمتَّع به سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله وسائر أَهل البيت الأَطهار عليهم السلام يُستثمر ويُستخدم في موارد خاصَّة ، ليس منها : استخدامه في الأُمور العاديَّة ، بل ولا في الجانب العسكري والأَمني وإِقامة الدِّين والدفاع عنه. وحينئذٍ لا بُدَّ للمعصوم عليه السلام من المكابدة والمُجاهدة في تحصيل معلوماتها وعلومها من خلال سلوك الأَسباب الطبيعيَّة. / القضيَّة العشرون : / / حقيقة الإِمامة الإِلهيَّة والإِمام عليه السلام في نوره/ ينبغي الإِلتفات : أَنَّ حقيقة الإِمام والإِمامة الإِلٰهيَّة ليست في بدن الإِمام صلوات اللّٰـه عليه ، وإِنَّما في نوره وفي طبقات حقيقته عليه السلام الصَّاعدة. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «... الإِمام ... ظاهره أَمر لا يُملك ، وباطنه غيب لا يُدرك ... وهل يُعرف أَو يوصف أَو يعلم أَو يفهم أَو يدرك أَو يملك مَنْ هو شعاع جلال الكبرياء ، وشرف الأَرض والسَّماء؟ جلَّ مقام آل مُحمَّد صلى الله عليه واله عن وصف الواصفين ، ونعت النَّاعتين ، وأَنْ يقاس بهم أَحد من العالمين ... الإِمام ... بشر ملكيّ ، وجسد سماويّ ، وأَمر إِلٰهيّ ، وروح قدسيّ ، ومقام عليّ ، ونور جليّ ، وسرّ خفيّ ، فهو ملك الذات ، إِلهٰيُّ الصفات ... وهذا كلّه لآلِ مُحمَّد لا يُشاركهم فيه مشارك ... خلقهم اللّٰـه من نور عظمته ، وولَّاهم أَمر مملكته ، فهم سرّ اللّٰـه المخزون ... و ... الكواكب العلوية ، والأَنوار العلويَّة المشرقة من شمس العصمة الفاطميَّة ، وفي سماء العظمة المُحمَّديَّة ، والأَغصان النبويَّة الثابتة في دوحة الأَحمديَّة والأَسرار الإِلهيَّة المودعة في الهياكل البشريَّة ...»(3). وهذه المرتبة والدرجة أَعظم من مرتبة ودرجة الآخرة الأَبديَّة ، ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الأعراف : 188. (2) الجن : 25. (3) بحار الأَنوار ، 25 : 169 ـ 174/ح38
معارف إِلٰهيَّة : (131) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة والعشرون
الدرس (131) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة والعشرون: / القضيَّة العشرون : / / حقيقة الإِمامة الإِلهيَّة والإِمام عليه السلام في نوره / ينبغي الإِلتفات : أَنَّ حقيقة الإِمام والإِمامة الإِلٰهيَّة ليست في بدن الإِمام صلوات اللّٰـه عليه ، وإِنَّما في نوره وفي طبقات حقيقته عليه السلام الصَّاعدة. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «... الإِمام ... ظاهره أَمر لا يُملك ، وباطنه غيب لا يُدرك ... وهل يُعرف أَو يوصف أَو يعلم أَو يفهم أَو يدرك أَو يملك مَنْ هو شعاع جلال الكبرياء ، وشرف الأَرض والسَّماء؟ جلَّ مقام آل مُحمَّد صلى الله عليه واله عن وصف الواصفين ، ونعت النَّاعتين ، وأَنْ يقاس بهم أَحد من العالمين ... الإِمام ... بشر ملكيّ ، وجسد سماويّ ، وأَمر إِلٰهيّ ، وروح قدسيّ ، ومقام عليّ ، ونور جليّ ، وسرّ خفيّ ، فهو ملك الذات ، إِلهٰيُّ الصفات ... وهذا كلّه لآلِ مُحمَّد لا يُشاركهم فيه مشارك ... خلقهم اللّٰـه من نور عظمته ، وولَّاهم أَمر مملكته ، فهم سرّ اللّٰـه المخزون ... و ... الكواكب العلوية ، والأَنوار العلويَّة المشرقة من شمس العصمة الفاطميَّة ، وفي سماء العظمة المُحمَّديَّة ، والأَغصان النبويَّة الثابتة في دوحة الأَحمديَّة والأَسرار الإِلهيَّة المودعة في الهياكل البشريَّة ...»(1). وهذه المرتبة والدرجة أَعظم من مرتبة ودرجة الآخرة الأَبديَّة ، ومن ثَمَّ من مُقوِّمات معرفة الإِمامة الإِلٰهيَّة ؛ ومعرفة الإِمام من أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم : معرفتهم ومعرفة مقاماتهم وشؤونهم في هذا العالم الأَرضي ، وفي العوالم التَّالية ، والعوالم السَّالفة كـ : (عَالَم النور). وعليه : فأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم وإِنْ كانوا من حيث أَبدانهم الشَّريفة المُقدَّسة هم أَبناء الجزيرة العربيَّة ، لكنَّهم من حيث أَنوارهم المُقدَّسة هم أَبناء الملكوت وأَبناء السَّاحة الرُّبوبيَّة. وعلى هذا قس : النُّبوَّة وحقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله. وإِلى هذا تشير بيانات الوحي ، منها : بيان قوله جلَّت آلاؤه : [قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ](2). ودلالته واضحة ؛ فإِنَّه أَخذ (الوحي) كأَحد الفصول والمراتب الصَّاعدة لحقيقة ذات سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، وحيث عَبَّر عنه بصيغة الفعل المضارع (يوحي) ، المفيد للتجدُّد والإِستمرار التأبيدي ؛ دلَّ ذلك على أَنَّ أَحد مراتب ذاته صلى الله عليه واله المُقدَّسة : بحر وحي زخَّار ، لا ينزف ولا نهاية له أَبد الآباد ودهر الدُّهور ، ما دام اللّٰـه (عزَّوجلَّ) حاجة في خلقه. وعليه : فلا بُدَّ أَنْ يكون هذا النحو من الوحي فوق عَالَم الآخرة الأَبديَّة ، بل وفوق العرش ، بل وفوق عَالَم الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة المعهودة. /القضيَّة الحادية والعشرون: / /مقام الإِمامة الإِلهيَّة أَعظم من مقام نبوَّة سائرالأَنبياء عليهم السلام / إِنَّ إِمامة أَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت الأَطهار صلوات اللّٰـه عليهم أَعظم مرتبة ، وأَخطر شأناً وهولاً ، وأَرفع مقاماً من نَبوَّات سائرأَنبياء أُولي العزم عليهم السلام ، بل إِنَّما كانت لهم قيمة ؛ لكونهم وقعوا في سلسلة التَّمهيد لنبوَّة سيِّد الأَنبياء ؛ وإِمامة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 25 : 169 ـ 174/ح38. (2) الكهف : 110
معارف إِلٰهيَّة : ( 132) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة الحادية والعشرون
الدرس (132) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الحادية والعشرون: / القضيَّة الحادية والعشرون: / / مقام الإِمامة الإِلهيَّة أَعظم من مقام نبوَّة سائرالأَنبياء عليهم السلام / إِنَّ إِمامة أَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت الأَطهار صلوات اللّٰـه عليهم أَعظم مرتبة ، وأَخطر شأناً وهولاً ، وأَرفع مقاماً من نَبوَّات سائرأَنبياء أُولي العزم عليهم السلام ، بل إِنَّما كانت لهم قيمة ؛ لكونهم وقعوا في سلسلة التَّمهيد لنبوَّة سيِّد الأَنبياء ؛ وإِمامة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم. بل ما كان يتمتَّع به سائر أَنبياء أُولي العزم عليهم السلام من إِمامة فمع أَنَّ مقامها ومرتبتها ودرجتها تأتي بعد إِمامة الدائرة الاِصطِفائيَّة الثانية لأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم. فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «إِنَّ موسىٰ سأَل ربَّه (عزَّوجلَّ) فقال : يا ربّ اجعلني من أُمَّة مُحمَّد ، فأوحىٰ اللّٰـه تعالىٰ إِليه : يا موسىٰ ، إِنَّكَ لا تصل إِلى ذلك»(1). 2ـ بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... إِنَّ نور أَبي يوم القيامة يُطفئ أَنوار الخلائق(2) إِلَّا خمسة أَنوار : نور مُحمَّد صلى الله عليه واله ، ونوري ، ونور الحسن والحسين، ونور تسعة من ولد الحسين ، فإِنَّ نوره من نورنا الَّذي خلقه اللّٰـه تعالىٰ قبل أَنْ يخلق آدم بألفي عام»(3). 3ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن يوسف بن أَبي سعيد ، قال : «... إِذا كان يوم القيامة ، وجمع اللّٰـه تبارك وتعالىٰ الخلائق كان نوح صلَّىٰ اللّٰـه عليه أَوَّل مَنْ يُدعا به ، فيقال له : هل بَلَّغتَ ؟ فيقول : نعم. فيقال له : مَنْ يشهد لكَ ؟ فيقول : مُحمَّد بن عبد اللّٰـه صلى الله عليه واله . قال : فيخرج نوح صلَّىٰ اللّٰـه عليه فيتخطَّىٰ النَّاس حتَّىٰ يجئ إِلى مُحمَّد صلى الله عليه واله وهو على كثيب المسك ومعه عَلِيّ عليه السلام ... فيقول نوح لمُحمَّد صلى الله عليه واله : يا مُحمَّد ، إِنَّ اللّٰـه تبارك وتعالىٰ سألني : هل بَلَّغتَ ؟ فقلتُ : نعم ، فقال : مَنْ يشهد لكَ ؟ فقلتُ : مُحمَّد ، فيقول : يا جعفر ويا حمزة ، اذهبا واشهدا له ؛ أَنَّه قد بَلَّغ. فقال أَبو عبد اللّٰـه عليه السلام : فجعفر وحمزة هما الشَّاهدان للأَنبياء عليهم السلام بما بلَّغوا. فقلتُ : جعلتُ فداك ، فَعَلِيّ عليه السلام أَين هو ؟ فقال : هو أعظم منزلة من ذلك»(4). لكنَّها(5) مُتقدِّمة على نَبوَّاتهم ؛ فإِمامة النَّبيّ إِبراهيم عليه السلام نالها بعد أَنْ تمتَّع بالنُّبوَّة ثُمَّ الرِّسالة ثُمَّ الخلَّة. لكن : هذا لا يُنافي أَنَّ النُّبوَّة فضيلة من الفضائل اللدنيَّة الاِصطفائيَّة الإِلٰهيَّة ، لم تكن مُتوفِّرة لدىٰ أَئمَّة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم. نعم ، سينالون صلوات اللّٰـه عليهم أَجرها ومقامها في الآخرة الأَبديَّة؛ ببركة طاعاتهم الأُخرىٰ. وبالجملة : أَنَّ إِمامة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم من أَصحاب الدائرة الاِصطِفائيَّة الأُولىٰ مُتقدِّمة بالضرورة على إِمامة أَهل البيت عليهم السلام من أَصحاب الدائرة الاِصطِفائيَّة الثانية، كـ: (أَبي الفضل العبَّاس ، وعبدالمطلب، وعبداللّٰـه ، وأَبي طالب ، وحمزة ، وجعفر الطيار). وإِمامة أَهل البيت من أَصحاب الدائرة الاِصطِفائيَّة الثانية مُتقدِّمة على إِمامة سائر أَنبياء أُولي العزم عليهم السلام فضلاً عن تقدُّمها على إِمامة سائر الرُّسُل والأَنبياء والأَوصياء والأَصفياء عليهم السلام. وإِمامة أَنبياء أُولي العزم عليه السلام مُتقدِّمة على نبوَّاتهم ورسالاتهم الإِلٰهيَّة ؛ لأَنَّهم نالوها بعد النُّبوَّة والرسالة فتكون أَعظم. وعليه : تكون إِمامة أَهل البيت من أَصحاب الدائرة الاِصطِفائيَّة الأُولىٰ صلوات اللّٰـه عليهم مُتقدِّمة بمراتب ودرجات على نبوَّة سائرأَنبياء أُولي العزم عليهم السلام فضلاً عن نبوَّة سائرالأَنبياء والرُّسُل عليهم السلام . فالتفت واغتنم تربت يداك. /القضيَّة الثانية والعشرون :/ /إِمامة أَهل البيت عليهم السلام تدفع وترفع اصطكاك وتخاصم المخلوقات المُكرَّمة/ إِنَّه لولا أَصحاب الكساء صلوات اللّٰـه عليهم ، وهذا البيت والأُسرة الكونيَّة العوالميَّة لحصل الإِصطكاك والتصادم والتخاصم والاختلاف بين جملة كُمَّل البشر ـ الأَنبياء والرُّسل والأَوصياء والأَصفياء عليهم السلام ـ في إِدارة الدولة الإِلٰهيَّة ، بل ولحصل ذلك أَيضاً بين من يديرها من سائرالمخلوقات كالملائكة ، وإِلى هذا الإِصطكاك تُشير بيانات الوحي ، منها : ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 26 : 268/ح3. عيون أَخبار الرضا عليه السلام : 200. (2) في المصدر : (ليطفئ أَنوار الخلائق كُلّهم). (3) بحار الأَنوار ، 35 : 69/ح3. الإِحتجاج : 122. أَمالي الشَّيخ : 192. (4) بحار الأَنوار ، 7 : 282 ـ 283/ح4. (5) مرجع الضمير : (إِمامة سائر أَنبياء أُولي العزم عليهم السلام) ، فتكون العبارة كالتَّالي : «إِنَّ إِمامة سائر أَنبياء أُولي العزم عليهم السلام ـ مع أَنَّ إِمامة أَهل البيت من أَصحاب الدائرة الاِصطفائيَّة الأُولىٰ عليهم السلام مُتقدِّمة عليها، بل وإِمامة أَهل البيت من أَصحاب الدائرة الاِصطفائيَّة الثانية عليهم السلام مُتقدِّمة عليها أَيضاً ، لكنَّها (أَي : إِمامة سائر أَنبياء أُولي العزم عليهم السلام ) ـ مُتقدِّمة على نبوَّاتهم ورسالاتهم الإِلٰهيَّة».
معارف إِلٰهيَّة : (133) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة الثانية والعشرون
الدرس (133) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الثانية والعشرون: / القضيَّة الثانية والعشرون :/ / إِمامة أَهل البيت عليهم السلام تدفع وترفع اصطكاك وتخاصم المخلوقات المُكرَّمة/ إِنَّه لولا أَصحاب الكساء صلوات اللّٰـه عليهم ، وهذا البيت والأُسرة الكونيَّة العوالميَّة لحصل الإِصطكاك والتصادم والتخاصم والاختلاف بين جملة كُمَّل البشر ـ الأَنبياء والرُّسل والأَوصياء والأَصفياء عليهم السلام ـ في إِدارة الدولة الإِلٰهيَّة ، بل ولحصل ذلك أَيضاً بين من يديرها من سائرالمخلوقات كالملائكة . وإِلى هذا الإِصطكاك تُشير بيانات الوحي ، منها : بيان قوله جلَّ قوله : [مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ](1). وحلُّ ذلك الاصطكاك والتصادم والتخاصم والإِختلاف لا يكون إِلَّا بالأيادي الإِلٰهيَّة : أَهل البيت الأَطهار : سيِّد الأَنبياء وسائرأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم. وإِلى هذا تشير بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «... ويطيعنا كُلَّ شيءٍ حتَّىٰ السَّماوات والأَرض ، والشَّمس والقمر والنجوم ، والجبال والشجر والدواب والبحار ، والجنَّة والنَّار ...»(2). 2ـ بيانه صلوات اللّٰـه عليه أَيضاً : «... الإِمام كلمة اللّٰـه ، وحُجَّة اللّٰـه، ووجه اللّٰـه ، ونور اللّٰـه ، وحجاب اللّٰـه ، وآية اللّٰـه يختاره اللّٰـه ويجعل فيه ما يشاء ، ويوجب له بذلك الطَّاعة والولاية على جميع خلقه ، فهو وليَّه في سماواته وأَرضه ، أَخذ له بذلك العهد على جميع عباده ، فَمَنْ تقدَّم عليه كفر باللّٰـه من فوق عرشه ، فهو يفعل ما يشاء ، وإِذا شَاءَ اللّٰـه شَاءَ ... ويرىٰ ما بين المشرق والمغرب ؛ فلا يخفىٰ عليه شيء من عَالَم المُلك والملكوت ... فالولاية هي حفظ الثغور ، وتدبير الأُمور ، وتعديد الأَيّام والشهور ... والنَّبيّ والعترة ... رأس دائرة الإِيمان ، وقطب الوجود ، وسمآء الجود ، وشرف الموجود، وضوء شمس الشرف ، ونور قمره ... فالإِمام هو السراج الوهاج ، والسبيل والمنهاج ... والغدير المغدق ، والمنهج الواضح المسالك ، والدليل إذا عمت المهالك ، والسحاب الهاطل ، والغيث الهامل ... والبحر الَّذي لا ينزف ... مهيمن اللّٰـه على الخلائق ، وأمينه على الحقائق ، حُجَّة اللّٰـه على عباده ... هذا كلّه لآل مُحمَّد لا يشاركهم فيه مشارك ... خلقهم اللّٰـه من نور عظمته، وولاهم أَمر مملكته ، فهم سرّ اللّٰـه المخزون ، وأَوليآؤه المُقَرَّبون ... السَّماوات والأَرض عند الإِمام كيده من راحته يعرف ظاهرها من باطنها، ويعلم برها من فاجرها ، ورطبها ويابسها ... فهم ... مبدء الوجود وغايته ، وقدرة الربّ ومَشِيَّته ... وحجج اللّٰـه على الأَوَّلين والآخرين ... وأَنَّ اللّٰـه لم يخلق أَحداً إِلَّا وأَخذ عليه الإِقرار بالوحدانيّة ، والولاية للذُّرِّيَّة الزَّكِيَّة ، والبراءة من أَعدائهم ...» (3). 3ـ بيانه صلوات اللّٰـه عليه أَيضاً : «... وأَنا أَمير المؤمنين ... وخليفة ربّ العالمين ... والحُجَّة على أَهل السَّماوات والأَرضين وما فيهما وما بينهما...»(4). 4ـ بيانه صلوات اللّٰـه عليه ، عن سلمان ، قال : «... ثُمَّ إِنَّ أَمير المؤمنين عليه السلام أَمر الريح فسارت بنا إِلى جبل قاف فانتهيت(5) إِليه ، وإِذا هو من زمرّدة خضراء ، وعليها مَلك على صورة النسر ، فلَمَّا نظر إِلى أَمير المؤمنين عليه السلام قال المَلك : السَّلام عليك يا وصيّ رسول اللّٰـه وخليفته ، أَتأذن لي في الكلام ؟ فردَّ عليه السَّلام وقال له : إِنْ شئتَ تكلَّم ، وإِنْ شئتَ أَخبرتُكَ عمَّا تسألني عنه. فقال المَلك : بل تقول أَنتَ يا أَمير المؤمنين ، قال : تريد أَنْ آذن لكَ أَنْ تزور الخضر عليه السلام . قال : نعم. فقال عليه السلام : قد أذنتُ لك ، فأسرع المَلك ... فقال سلمان : يا أمير المؤمنين ، رأيتُ المَلك ما زار الخضر إِلَّا حين أَخذ إذنكَ. فقال عليه السلام : والَّذي رفع السَّمآء بغير عمد ترونها ، لو أَنَّ أَحدهم رام أَنْ يزول من مكانه بقدر نفس واحد لَـمَا زال حتَّىٰ آذن له ، وكذلك يصير حال ولدي الحسن وبعده الحسين وتسعة من ولد الحسين ...»(6). 5ـ بيان الإِمام الصادق عليه السلام ، عن المفضَّل ، قال : «... قلتُ له : يا بن رسول اللّٰـه ، فعلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام يدخل محبيه الجنَّة ومبغضيه النَّار أَو رضوان ومالك ؟ فقال : ... فعليّ بن أَبي طالب إِذاً قسيم الجنَّة والنَّار عن رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله ، ورضوان ومالك صادران عن أمره ...»(7). 6ـ بيان الإِمام الجواد عليه السلام : «... إِنَّ اللّٰـه تبارك وتعالىٰ لم يزل متفرِّداً بوحدانيَّته ، ثُمَّ خلق مُحمَّداً وعليّاً وفاطمة فمكثوا أَلف دهر ، ثُمَّ خلق جميع الأَشياء فأشهدهم خلقهم ، وأجرىٰ طاعتهم عليها ، وفوَّض أُمورهم إليهم ...»(8). 7ـ بيان زيارتهم صلوات اللّٰـه عليهم : «... السَّلام على أُمراء الإِسلام، وملوك الأَديان ... السَّلام على كهوف الكائنات وظلّها ...»(9). ودلالة الجميع واضحة. ومنه يتَّضح : الجمّ الغفير من بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان سيِّد الأَنبياء مُخاطباً أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آلهما : «يا عَلِيُّ ، كُنتَ مع الأَنبياء سرّاً ، ومعي جهراً»(10). ثانياً : بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «كُنتُ مع الأَنبياء باطناً ومع رسول اللّٰـه ظاهراً»(11). / القضيَّة الثالثة والعشرون :/ / تَعَصِّي البعض عن قبول ما ورد في حقِّ أَهل البيت عليهم السلام / العجب مِـمَّن يدَّعي ويزعم انتسابه إِلى مدرسة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم وهو لا يقبل ببيانات الوحي الواردة في حقِّهم ، ويرفض طُرق العامَّة فضلاً عن طُرق الخاصَّة ، وكأَنَّه يقطع نفسه عن تراث السُّنَّة الشَّريفة. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صٓ : 69. (2) بحار الأَنوار ، 26 : 7/ح1. (3) بحار الأَنوار ، 25 : 169 ـ 174/ح38. (4) بحار الأَنوار ، 53 : 46 ـ 49/ح20. (5) في المصدر : (فانتهينا). (6) بحار الأَنوار ، 27 : 33 ـ 40/ح5. المختصر : 71 ـ 76. (7) بحار الأَنوار ، 39 : 195/ح5. علل الشرائع : 65. (8) بحار الأَنوار ، 15 : 19/ح29. (9) المصدر نفسه ، 99 : 53. (10) مشارق أَنوار اليقين : 248. الأَنوار النعمانيَّة ، 1 : 309. (11) مصباح الهداية : 142
معارف إِلٰهيَّة : (134) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة الثالثة والعشرون
الدرس (134) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الثالثة والعشرون: / القضيَّة الثالثة والعشرون : / / تَعَصِّي البعض عن قبول ما ورد في حقِّ أَهل البيت عليهم السلام / العجب مِـمَّن يدَّعي ويزعم انتسابه إِلى مدرسة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم وهو لا يقبل ببيانات الوحي الواردة في حقِّهم ، ويرفض طُرق العامَّة فضلاً عن طُرق الخاصَّة ، وكأَنَّه يقطع نفسه عن تراث السُّنَّة الشَّريفة. وقد حكمت كلمة المسلمين بالإِجماع على مَنْ يقطع نفسه عن هذا التراث العظيم والخطير بـ : الخروج عن مِلَّة المسلمين ؛ فإِنَّ أَقلّ وأَدنىٰ مراتب الإِسلام ؛ ولا يصير الشخص من عبدة الشَّيطان(1) قبوله بالروايات المتواترة بين الفريقين. والإِنسان وإِنْ كان حرّاً في ذلك ، لكن : عليه أَنْ يعلن عن نفسه ، ويكون صريحاً مع الآخرين ، ولا يخدعهم ، ولا يُشبِّه ولا يُزيِّف عليهم : أَنَّه من المُتشبِّثين ببيانات الثقلين ، والصدق هو الأَهم ، والخداع معيب ودجل ومكر وخديعة. وإِلى أَصحاب هذا الخطّ تشير بيانات الوحي ، منها : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... أَيُّها النَّاس ، مالكم إِذا ذُكِرَ إِبراهيم وآل إِبراهيم أَشرقت وجوهكم ، وإِذا ذُكِرَ مُحمَّد وآل مُحمَّد قست قلوبكم وعبست وجوهكم؟! والَّذي نفسي بيده لو عمل أَحدكم عمل سبعين نبيّاً لم يدخل الجنَّة حتَّىٰ يحبّ هذا أَخي عليّاً وولده ، ثُمَّ قال عليه السلام: إِنَّ للّٰـه حقّاً لا يعلمه إِلَّا أَنا وَعَلِيّ ، وإِنَّ لي حقّاً لا يعلمه إِلَّا اللّٰـه وعَلِيّ ، وله حقّ لا يعلمه إِلَّا اللّٰـه وأَنا»(2). ودلالته واضحة ؛ فإِنَّ أَصحاب هذا الخطّ والمنهج والمسلك ومن جرىٰ على شاكلتهم يُحاولون بكُلِّ ما أُوتوا من صنعةٍ ـ بدعوىٰ التَّحقيق ـ بهدم كُلّ ما ورد من شؤونٍ وأَحوالٍ ومقاماتٍ وفضائلٍ وكمالاتٍ في حقِّ أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم تحت ذريعة : الغلو ؛ وما شاكله من ادِّعاء: ضعف السند أَو الدلالة ؛ وإِنْ كان ذلك ثابتاً بعشرات ، بل بمِئات الطُرق والبيانات الوحيانيَّة والسِّيَر والنقول التأريخيَّة وما شاكلها ، وكانت دلالاته صريحة وواضحة كالشَّمس الضاحية ولا غبار عليها ، وفي مقابل ذلك لا يتورَّعون ولا تجد هذه الحساسيَّة موجودة عندهم في حقِّ سائر المخلوقات ، فيتشَبَّثون من دون أَيّ تقوىٰ بكُلِّ شاردةٍ وواردةٍ ، كتشبُّث الغريق بالطحلب؛ لإِثبات مقامات وكرامات وفضائل وكمالات لسائر المخلوقات ، ولا يعتنون بسندها ولا بدلالتها ، فما عدا مِمَّا بدا. / القضيَّة الرابعة والعشرون : / / الاستلزام بين معرفة التَّوحيد والنُّبوَّة والإِمامة / إِنَّ ما ورد في دعاء الإِمام الصادق صلوات اللّٰـه عليه : « اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسكَ ، فإِنَّكَ إِنْ لم تعرِّفني نفسكَ لم أَعرف نبيّكَ ، اللَّهُمَّ عرِّفني رسولكَ ؛ فإِنَّكَ إِنْ لم تعرِّفني رسولكَ لم أَعرف حُجَّتكَ ، اللَّهُمَّ عرِّفني حُجَّتَكَ ؛ فإِنَّكَ إِنْ لم تُعَرِّفني حُجَّتكَ ضللتُ عن ديني»(3) برهان وحيانيٌّ دالٌّ ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مشكلة (إِبليس) وأزمته السرمديَّة في الخلقة ـ الَّتي تذكرها بيانات الوحي لبدء طريق الشَّرِّ ـ تكمن في عدم الولاية لولي اللّٰـه (عزَّوجلَّ). (2) بحار الأَنوار ، 27 : 196/ح56. الروضة : 147. (3) بحار الأَنوار ، 52 : 146 ـ 147/ح70. كمال الدين ، 2 : 12. الكافي ، 1 : 337 ـ 342. غيبة النعماني : 86 و87. غيبة الشَّيخ : 217
معارف إِلٰهيَّة : (135) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة الرابعة والعشرون
الدرس (135) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الرابعة والعشرون: / القضيَّة الرابعة والعشرون :/ / الاستلزام بين معرفة التَّوحيد والنُّبوَّة والإِمامة / إِنَّ ما ورد في دعاء الإِمام الصادق صلوات اللّٰـه عليه : « اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسكَ ؛ فإِنَّكَ إِنْ لم تعرِّفني نفسكَ لم أَعرف نبيّكَ ، اللَّهُمَّ عرِّفني رسولكَ ؛ فإِنَّكَ إِنْ لم تعرِّفني رسولكَ لم أَعرف حُجَّتكَ ، اللَّهُمَّ عرِّفني حُجَّتَكَ ؛ فإِنَّكَ إِنْ لم تُعَرِّفني حُجَّتكَ ضللتُ عن ديني»(1) برهان وحيانيٌّ دالٌّ على أَنَّ أَيَّ خللٍ في معرفة التَّوحيد سيؤدِّي لا محالة إِلى خللٍ في معرفة النُّبوَّة ؛ وخللٍ في معرفة حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، وأَيّ خللٍ في معرفة النُّبوَّة ؛ وحقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله سيُؤدِّي لا محالة إِلى خللٍ في معرفة حقيقة الإِمام والإِمامة الإِلٰهيَّة ؛ وحقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، وأَيُّ خللٍ في معرفة الإِمام والإِمامة الإِلٰهيَّة ؛ وحقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم سيُؤدِّي لا محالة إِلى خللٍ في المنظومة المعرفيَّة والعقائديَّة والوقوع في الضَّلال والزيغ والإِنحراف. ولازمه : أَنَّه كُلَّما ازدادت معرفة المخلوق بالتوحيد ازدادت معرفته بالنُّبوَّة وبحقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، وكلَّما ازدادت معرفته بالنُّبوَّة وبحقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ازدادت معرفته بالإِمام ؛ وبالإِمامة الإِلٰهيَّة ؛ وبحقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، وكُلَّما ازدادت معرفته بالإِمام وبالإِمامة الإِلٰهيَّة وبحقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم كُلَّما حصَّنَ نفسه عن الوقوع في الضَّلال والزيغ والإِنحراف. / القضيَّة الخامسة والعشرون : / / المعرفة المستقبليَّة لسيِّد الأَنبياء وسيِّد الأَوصياء عليهما السلام/ إِنَّ ما ورد في بيان الدعاء الوارد في زيارة الإِمام الحسن العسكري صلوات اللّٰـه عليهم : «... يا دائم يا ديموم يا حي يا قيوم ... أَتوسَّلُ إِليك بحبيبك مُحمَّد ، ووصيِّه عَلِيّ ابن عَمِّه وصهره على ابنته ، اللَّذين خَتَمتَ بهما الشرائع ، وفتحت بِهِمَا التَّأويل والطلائع...»(2)برهان وحيانيٌّ دالٌّ على قاعدة ومعادلة معرفيَّة ، ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 52 : 146 ـ 147/ح70. كمال الدين ، 2 : 12. الكافي ، 1 : 337 ـ 342. غيبة النعماني : 86 و87. غيبة الشَّيخ : 217. (2) بحار الأَنوار ، 99 : 68. مصباح الزائر : 13 ـ 214
معارف إِلٰهيَّة : (136) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة الخامسة والعشرون
الدرس (136) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الخامسة والعشرون: / القضيَّة الخامسة والعشرون : / / المعرفة المستقبليَّة لسيِّد الأَنبياء وسيِّد الأَوصياء عليهما السلام / إِنَّ ما ورد في بيان الدعاء الوارد في زيارة الإِمام الحسن العسكري صلوات اللّٰـه عليه : «... يا دائم يا ديموم يا حي يا قيوم ... أَتوسَّلُ إِليك بحبيبك مُحمَّد ، ووصيِّه عَلِيّ ابن عَمِّه وصهره على ابنته ، اللَّذين خَتَمتَ بهما الشرائع ، وفتحت بِهِمَا التَّأويل والطلائع...»(1)برهان وحيانيٌّ دالٌّ على قاعدة ومعادلة معرفيَّة ، وعبارة مختصرة عن المعرفة المستقبليَّة لحقيقة سيِّد الأَنبياء ولحقيقة سيِّد الأَوصياء صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آلهما ، وخارطة طريق لمعرفة : مقاماتهما الَّتي ستُبتلىٰ بها المخلوقات غادياً في العوالم اللاحقة ؛ شاءت أَم أَبت. / القضيَّة السادسة والعشرون : / / (المعرفة) أَعظم ما يهبه المعصوم عليه السلام لزائره/ إِنَّ المعرفة أَعظم هديَّة وذخيرة ودرس يُعطيه المعصوم عليه السلام لزائره ، لكن بشرط أَن يكون الزائر عارفاً بحقِّه ، ويفهم ما يقرأه من حقائق ومعاني الزيارة. والمعرفة الحقَّة هي العملة الصَّعبة في عَالَم : القبر والبرزخ والرَّجعة والقيامة والآخرة الأَبديَّة وما بعدها. وهذا ما تُشير إِليه بيانات ا لوحي ، منها : بيان قوله تقدَّس ذكره : [ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ](2). / القضيَّة السَّابعة والعشرون : / / تطوُّر النظام السياسي بنموِّ العقل البشري/ مرَّ عقل الإِنسان وفكره وسلسلة مدارس البشر إِلى يومنا هذا ـ ولا زالت منذُ كانت البشريَّة تعيش في الكهوف ، ثُمَّ البداوة ، ثُمَّ العشيرة والقبيلة ، ثُمَّ الريف ، ثُمَّ المدينة ، ثُمَّ الأَمصار(3) ـ بتأريخ في تصوير النظام السياسي. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 99 : 68. مصباح الزائر : 13 ـ 214. (2) المجادلة : 11. (3) الأَمصار جمع : مصر ، ومعناه : البلد المشتمل على المدن والأَرياف
معارف إِلٰهيَّة : (137) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة السَّابعة والعشرون
الدرس (137) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، نذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الاخيرة ، وهي : / القضيَّة السَّابعة والعشرون : / / تطوُّر النظام السياسي بنموِّ العقل البشري / مرَّ عقل الإِنسان وفكره وسلسلة مدارس البشر إِلى يومنا هذا ـ ولا زالت منذُ كانت البشريَّة تعيش في الكهوف ، ثُمَّ البداوة ، ثُمَّ العشيرة والقبيلة ، ثُمَّ الريف ، ثُمَّ المدينة ، ثُمَّ الأَمصار(1) ـ بتأريخ في تصوير النظام السياسي. إِذَنْ : مرَّت البشريَّة بسلسلة مدارس تطوَّر فيها العقل البشري إِلى أَنْ وصل إلى صياغات وآليَّا عديدة ؛ نبذ فيها البشر الإِستبداد والتعجرف ـ والَّذي يُسَمَّىٰ بـ : (الديكتاتوريَّة) ونظام حاكميَّة الفرد ، وهو نوع من العدالة السياسيَّة والعدالة الحقوقيَّة ـ وحاول تخطِّي الإِستبداد الفردي إِلى الإِستبداد : الحزبي والقومي والعنصري والعرقي والشعوبي ، لكن جميع ذلك خطوط وأَلوان من الإِستبداد مرَّت عبر الأَجيال والحضارات ؛ ترقَّىٰ عنها العقل البشري وتجاوزها في العصر الرَّاهن. إِذَنْ : تخطَّىٰ العقل البشري عقبات من الإِستبداد ، ووصل إِلى مرحلة كُلَّما كانت مشاركة المجتمع والمجموع أَكثر كُلَّما كانت الرقابة ؛ وكان العدل والعدالة والحريَّة ؛ وعدم التفرُّد وعدم الإِستبداد مُتحقِّقاً أَكثر. إِنْ قُلْتَ : على هذا كيف تؤمن مدرسة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم بحكومة الفرد المعصوم ؛ فإِنَّه نحو ديكتاتوريَّة واستبداد فردي. قلتُ : هذا قياس مع الفارق ؛ فإِنَّ مدرسة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم تؤمن بالمشاركة للجميع والمجموع في كُلِّ طبقات المجتمع ، ودور المعصوم عليه السلام دورٌ ضروريٌّ ، وقطب مُنَسِّق ومُحرِّك في النُّظم والإِدارة والتَّدبير. بخلاف الديكتاتوريَّة فإِنَّها تعني : إِعاقة حصول الجميع على الفُرص المُستحقَّة ليصلوا إِلى التنامي العام. بعد الإِلتفات : أَنَّ الإِعاقة الفكريَّة والرُّوحيَّة أَخطر من دون قياس من الإِعاقة البدنيَّة ؛ لأَنَّ الإِعاقة البدنيَّة لا تُعيق المخلوق عن التكامل ، بخلاف الإِعاقة الفكريَّة والرُّوحيَّة ؛ فإِنَّها تُعيقه عن التكامل ، بل قد يحصل من صاحبها دماراً للبشريَّة ، ودور المعصوم عليه السلام يجعل الفرص مُتاحة في كُلِّ الجوانب والمجالات ، فلا تُعيق شريحة من المجتمع شريحة أُخرىٰ ، سوآء أَكان في الجانب الإِقتصادي أَو الإِجتماعي أَو الحقوقي أَو الرُّوحي أَو التعليمي أَو التنموي أَو غيرها. وبعبارة أُخرىٰ : أَنَّه لا بُدَّ لحركة البشر من لولبٍ في هندسة : النظام المروي ، ونظام الشبكة المائيَّة ، ونظام الشبكة الكهربائيَّة ، ونظام الشبكة الزراعيَّة ، ونظام الشبكة الإِقتصاديَّة ، ونظام الشبكة التجاريَّة ، وهلمَّ جرّاً؛ مُنسِّق وقُطب رحىٰ يُسبِّب إِنسيابيَّة جميع الأَطراف. هكذا حال دور الإِمام عليه السلام في إِنسيابيَّة الدولة الإِلٰهيَّة وإدارتها؛ ببركة ما مُتِّع به من العلم اللدنِّي؛ وسائر الآليَّات والمقامات والفضائل والكمالات الإِلٰهيَّة ، بخلاف سائرالبشر ؛ فإِنَّهم لَـمَّا لم يتمتَّعوا بذلك العلم اللدنِّي وبسائر الآليَّات والمقامات والفضائل والكمالات الإِلٰهيَّة عجزوا عن القيام بدور المعصوم تنظيراً فضلاً عن التطبيق ، ومن ثُمَّ كُلَّما أَتوا بنظامٍ لإِدارة الدولة أَو النظام(2) السياسي أَو النظام الإِقتصادي وما شاكلها تجده سرعان ما تتكشَّر ثغراته ونواقصه وتناقضاته وينهار. رجوع إِلى صلب الموضوع إِذَنْ : حصل لدىٰ العقل البشري نوع تنمويَّة في الإِدارة والتدبير ، بعد الإِلتفات : أَنَّه كُلَّما تكاملت البشريَّة كُلَّما تعقَّدت ثقافتها : الأَمنيَّة والعسكريَّة والسياسيَّة والإِقتصاديَّة والصحيَّة والمروريَّة وهلمَّ جرّاً ، وصعب : نظمها وتدبيرها وإِدارتها. وهذا برهانٌ عقليٌّ دالٌّ على علوِّ سُؤدد سيِّد الأَنبياء وسائرأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الأَمصار جمع : مصر ، ومعناه : البلد المشتمل على المدن والأَرياف. (2) هذا وما بعده عطف على كلمة : (الدولة) ، فتكون العبارة كالتالي : «ومن ثَمَّ كُلَّما أَتوا بنظام لإِدارة الدولة ، أَو أَتوا بنظام لإِدارة النظام السياسي ، أَو أَتوا بنظام لإِدارة النظام الإِقتصادي ...»
معارف إِلٰهيَّة : (138) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة السابعة والعشرون
الدرس (138) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، نذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الاخيرة ، وكانت تحت عنوان (تطوُّر النظام السياسي بنموِّ العقل البشري) ،ووصل بنا الكلام الى العنوان التالي: / رجوع إِلى صلب الموضوع / إِذَنْ : حصل لدىٰ العقل البشري نوع تنمويَّة في الإِدارة والتدبير ، بعد الإِلتفات : أَنَّه كُلَّما تكاملت البشريَّة كُلَّما تعقَّدت ثقافتها : الأَمنيَّة والعسكريَّة والسياسيَّة والإِقتصاديَّة والصحيَّة والمروريَّة وهلمَّ جرّاً ، وصعب : نظمها وتدبيرها وإِدارتها. وهذا برهانٌ عقليٌّ دالٌّ على علوِّ سُؤدد سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، وتقدُّمهم على جملة سائركُمَّل المخلوقات ؛ فإِنَّ العقل البشري بعدما كان في دوامة التنامي والتكامل غير المتناهي كان يتعطَّش دائماً ويطلب مُعَلِّماً أَكبر وأَعظم : شأناً ومقاماً ؛ ورفعةً وفضلًا وكمالًا. ومنه يتَّضح : عدم غرابة القول بتقدُّم شؤون وأَدوار ومسؤوليَّات ومقامات وفضائل وكمالات : آباء وأَجداد سيِّد الأَنبياء وأَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آلهما من أَصحاب الدائرة الإِصطفائيَّة الثانية ، كـ : (عبداللّٰـه ، وأَبي طالب ، وعبدالمطَّلب ، وهاشم ، وعبد مناف عليهم السلام) على جملة من تقدَّمهم من كُمَّل المخلوقات منهم : سائر أَنبياء أُولي العزم كالنَّبيِّ إِبراهيم عليهم السلام ؛ لأَنَّ مسؤوليَّة اللَّاحق تكون أَعظم وأَخطر وأَعقد ، فالمجتمع البشري صار في زمان آباء وأَجداد سيِّد الأَنبياء وأَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آلهما : أَعقد إِدارة وتدبيراً وصلاحاً من أَزمنة سائر جملة الأَنبياء والرُّسل السَّابقين ؛ كالنَّبيِّ : إِبراهيم وموسىٰ وعيسىٰ عليهم السلام ؛ فتكون مقامات وشؤون ومسؤوليَّات المدير والمُدبِّر لشؤون هذه الأَعصار المتأخِّرة أَرفع وأَعظم خطراً. إِنْ قلتَ : إِنَّه على هذا الأَساس يلزم أَنْ يكون الإِمام الثاني عشر عجل الله تعالى فرجه ومقاماته وادواره ومسؤوليَّاته وشؤونه وفضائله وكمالاته اَرفع وأَعظم خطراً من مقامات وأَدوار ومسؤوليَّات وشؤون وفضائل وكمالات سيِّد الأَنبياء وسائر أَصحاب الكساء صلوات اللّٰـه عليهم ؛ لأَنَّ المجتمع البشري في زمان إِمامته عجل الله تعالى فرجه تطوَّر عمَّا كان في تلك الأَزمنة ، وتعقَّدت إِدارته ومسؤوليَّاته ، وتعقَّد صلاحه ، لكنَّه مخالف للضَّرورة الدينيَّة ، فإِذا بطل هذا اللازم فالملزوم(1) مثله. قلت : صحيح : أَنَّ إِدارة المجتمع وإِصلاحه قد تعقَّد أَكثر مِـمَّا كان في زمان سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، لكنَّ الثابت في عقيدتنا نحن الإِماميَّة ؛ وما دلَّت عليه بيانات القرآن الكريم وروايات الفريقين المتواترة ، منها : بيان قوله تعالىٰ : [وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ](2): أَنَّ المخلوق الأَوَّل والرئيس الَّذي يتولَّىٰ إِدارة الأُمور في هذا الزمان ، بل وفي كُلِّ زمان : سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، ووزرائه : أَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت منهم : الإِمام الثَّاني عشر صلوات اللّٰـه عليهم ؛ ضمن نظام واحد للدولة الإِلٰهيَّة العظيمة ، لا يحجزهم فاصِل عَالَم البرزخ وغيره عن أَداء مسؤوليَّاتهم ؛ وإِدارة شؤون هذه النشأة الأَرضيَّة على مرِّ الدهور والأَزمان. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله منضمّاً إِليه بيان أَمير المؤمنين عليه السلام ـ المُتَقدِّم ـ : «... أَيُّهَا اَلنَّاسُ ، خُذُوهَا عَنْ خَاتَمِ اَلنَّبِيِّينَ صلى الله عليه واله: «إِنَّهُ يَمُوتُ مَنْ مَاتَ مِنَّا وَلَيْسَ بِمَيِّتٍ ، وَيَبْلَى مَنْ بَلِيَ مِنَّا وَلَيْسَ بِبَالٍ» ، فَلاَ تَقُولُوا بِمَا لاَ تَعْرِفُونَ ، فَإِنَّ أَكْثَرَ اَلْـحَقِّ فِيمَا تُنْكِرُونَ ...»(3). ودلالته قد اتضحت ، فان معنى هذا البيان الشريف واشباهه ونظائره ليس ما فهمه بعض العرفاء والصوفية من ان اهل البيت صلوات الله عليهم لم يموتوا ولم يدفنوا ، بل معناه : انهم صلوات الله عليهم ماتوا ودفنوا لكنهم بعد الموت وانتقالهم الى عالم البرزخ لم تمت ارتباطاتهم وتصرفاتهم في عالمنا الارضي هذا ، فيتصرفون صلوات الله عليهم في هذه النشاة الارضية ويديرون ويدبرون احوال وشؤون مخلوقاتها بابدانهم صلوات الله عليهم البرزخية كتصرفهم وادارتهم وتدبيرهم لاحوالها وشؤونها قبل موتهم صلوات الله عليهم وتبقى ارتباطاتهم بهذه النشاة الارضية على حالها من دون اي تغير واختلاف .وبهذا البدن البرزخي يتصل المعصوم منهم وهم في عالم البرزخ بالامام الحي ؛ كالامام الحجة ابن الحسن عجل الله تعالى فرجه . ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المراد من الملزوم : (أَنَّ آباء وأَجداد سيِّد الأَنبياء وأَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آلهما أَفضل شأناً وأَعلىٰ وأَعظم وأَخطر أَدواراً ومسؤوليَّات ومقامات وفضائل وكمالات إِلٰهيَّة مِنْ جميع مَنْ تقدَّمهم من جملة كُمَّل المخلوقات ، كسائرأَنبياء أُولي العزم عليهم السلام ؛ لأَنَّ مسؤوليَّاتهم صلوات اللّٰـه عليهم كانت أَعظم وأَخطر وأَعقد من مسؤوليَّات من تقدَّمهم). (2) التوبة : 105. (3) نهج البلاغة / خ86 : 143
معارف إِلٰهيَّة : (139) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة السابعة والعشرون
الدرس (139) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، نذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الاخيرة ، وكانت تحت عنوان (تطوُّر النظام السياسي بنموِّ العقل البشري) ،ووصل بنا الكلام الى البيان والدليل الثاني من بيانات وادلة المطلب المتقدم ، ولاجل حصول الربط بين المطالب نعيد ما ذكرناه في الدرس المتقدم ثم نكمل بيانات وادلة المسالة، فنقول مستعينين بالله تعالى : إِذَنْ : حصل لدىٰ العقل البشري نوع تنمويَّة في الإِدارة والتدبير ، بعد الإِلتفات : أَنَّه كُلَّما تكاملت البشريَّة كُلَّما تعقَّدت ثقافتها : الأَمنيَّة والعسكريَّة والسياسيَّة والإِقتصاديَّة والصحيَّة والمروريَّة وهلمَّ جرّاً ، وصعب : نظمها وتدبيرها وإِدارتها. وهذا برهانٌ عقليٌّ دالٌّ على علوِّ سُؤدد سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، وتقدُّمهم على جملة سائركُمَّل المخلوقات ؛ فإِنَّ العقل البشري بعدما كان في دوامة التنامي والتكامل غير المتناهي كان يتعطَّش دائماً ويطلب مُعَلِّماً أَكبر وأَعظم : شأناً ومقاماً ؛ ورفعةً وفضلًا وكمالًا. ومنه يتَّضح : عدم غرابة القول بتقدُّم شؤون وأَدوار ومسؤوليَّات ومقامات وفضائل وكمالات : آباء وأَجداد سيِّد الأَنبياء وأَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آلهما من أَصحاب الدائرة الإِصطفائيَّة الثانية ، كـ : (عبداللّٰـه ، وأَبي طالب ، وعبدالمطَّلب ، وهاشم ، وعبد مناف عليهم السلام) على جملة من تقدَّمهم من كُمَّل المخلوقات منهم : سائر أَنبياء أُولي العزم كالنَّبيِّ إِبراهيم عليهم السلام ؛ لأَنَّ مسؤوليَّة اللَّاحق تكون أَعظم وأَخطر وأَعقد ، فالمجتمع البشري صار في زمان آباء وأَجداد سيِّد الأَنبياء وأَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آلهما : أَعقد إِدارة وتدبيراً وصلاحاً من أَزمنة سائر جملة الأَنبياء والرُّسل السَّابقين ؛ كالنَّبيِّ : إِبراهيم وموسىٰ وعيسىٰ عليهم السلام ؛ فتكون مقامات وشؤون ومسؤوليَّات المدير والمُدبِّر لشؤون هذه الأَعصار المتأخِّرة أَرفع وأَعظم خطراً. إِنْ قلتَ : إِنَّه على هذا الأَساس يلزم أَنْ يكون الإِمام الثاني عشر عجل الله تعالى فرجه ومقاماته وادواره ومسؤوليَّاته وشؤونه وفضائله وكمالاته اَرفع وأَعظم خطراً من مقامات وأَدوار ومسؤوليَّات وشؤون وفضائل وكمالات سيِّد الأَنبياء وسائر أَصحاب الكساء صلوات اللّٰـه عليهم ؛ لأَنَّ المجتمع البشري في زمان إِمامته عجل الله تعالى فرجه تطوَّر عمَّا كان في تلك الأَزمنة ، وتعقَّدت إِدارته ومسؤوليَّاته ، وتعقَّد صلاحه ، لكنَّه مخالف للضَّرورة الدينيَّة ، فإِذا بطل هذا اللازم فالملزوم(1) مثله. قلت : صحيح : أَنَّ إِدارة المجتمع وإِصلاحه قد تعقَّد أَكثر مِـمَّا كان في زمان سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، لكنَّ الثابت في عقيدتنا نحن الإِماميَّة ؛ وما دلَّت عليه بيانات القرآن الكريم وروايات الفريقين المتواترة ، منها : بيان قوله تعالىٰ : [وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ](2): أَنَّ المخلوق الأَوَّل والرئيس الَّذي يتولَّىٰ إِدارة الأُمور في هذا الزمان ، بل وفي كُلِّ زمان : سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، ووزرائه : أَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت منهم : الإِمام الثَّاني عشر صلوات اللّٰـه عليهم ؛ ضمن نظام واحد للدولة الإِلٰهيَّة العظيمة ، لا يحجزهم فاصِل عَالَم البرزخ وغيره عن أَداء مسؤوليَّاتهم ؛ وإِدارة شؤون هذه النشأة الأَرضيَّة على مرِّ الدهور والأَزمان. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله منضمّاً إِليه بيان أَمير المؤمنين عليه السلام ـ المُتَقدِّم ـ : «... أَيُّهَا اَلنَّاسُ ، خُذُوهَا عَنْ خَاتَمِ اَلنَّبِيِّينَ صلى الله عليه واله: «إِنَّهُ يَمُوتُ مَنْ مَاتَ مِنَّا وَلَيْسَ بِمَيِّتٍ ، وَيَبْلَى مَنْ بَلِيَ مِنَّا وَلَيْسَ بِبَالٍ» ، فَلاَ تَقُولُوا بِمَا لاَ تَعْرِفُونَ ، فَإِنَّ أَكْثَرَ اَلْـحَقِّ فِيمَا تُنْكِرُونَ ...»(3). ودلالته قد اتضحت ، فان معنى هذا البيان الشريف واشباهه ونظائره ليس ما فهمه جملة من العرفاء والصوفية ؛ من ان اهل البيت صلوات الله عليهم لم يموتوا ولم يدفنوا ، بل معناه : انهم صلوات الله عليهم ماتوا ودفنوا لكنهم بعد الموت وانتقالهم الى عالم البرزخ لم تمت ارتباطاتهم وتصرفاتهم في عالمنا الارضي هذا ، فيتصرفون صلوات الله عليهم في هذه النشاة الارضية ويديرون ويدبرون احوال وشؤون مخلوقاتها بابدانهم صلوات الله عليهم البرزخية ؛ كتصرفهم وادارتهم وتدبيرهم لاحوالها وشؤونها قبل موتهم صلوات الله عليهم وتبقى ارتباطاتهم بهذه النشاة الارضية على حالها من دون اي تغير واختلاف .وبهذا البدن البرزخي يتصل المعصوم منهم وهم في عالم البرزخ بالامام الحي ؛ كالامام الحجة ابن الحسن عجل الله تعالى فرجه . 2ـ بيان أَمير المؤمنين عليه السلام ـ المتقدِّم أَيضاً ـ : «... إِنَّ مَيِّتنا لم يمت ، وغائبنا لم يغب ، وإِنَّ قتلانا لن يُقتلوا ...»(4). 3ـ ما حصل لسماعة مع الإِمام الصَّادق عليه السلام ، قال : «دخلتُ على أَبي عبداللّٰـه عليه السلام وأَنا أُحدِّث نفسي ، فرآني فقال : مالك تُحدِّث نفسكَ ؟ تشتهي أَنْ ترىٰ أَبا جعفر ؟ قلتُ : نعم ، قال : قم فادخل البيت. فدخلتُ فإِذا هو أَبو جعفر عليه السلام . قال : أَتىٰ قوم من الشيعة الحسن بن عَلِيّ عليهما السلام بعد قتل أَمير المؤمنين عليه السلام فسألوه فقال : تعرفون أَمير المؤمنين إِذا رأيتموه ؟ قالوا : نعم. قال : فارفعوا الستر ، فعرفوه فإذا هم بأَمير المؤمنين عليه السلام لا ينكرونه ، وقال أَمير المؤمنين : يموتُ مَنْ مات منَّا وليس بمَيِّت ، ويبقىٰ من بقي مِنَّا حُجَّة عليكم»(5). 4ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، قال : «إِنَّ أَمير المؤمنين عليه السلام أَتَىٰ أَبا بكر فقال له : أَما أَمركَ رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله أَنْ تطيعني؟ فقال : لا ، ولو أَمرني لفعلتُ. قال : فانْطَلِق بنا إِلى مسجد قبا ؛ فإذا رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله يُصَلِّي ، فلَمَّا انصرف قال عَلِيّ عليه السلام: يا رسول اللّٰـه ، إِنِّي قلت لأَبي بكر : أَمركَ اللّٰـه ورسوله أَنْ تطيعني ، فقال : لا. فقال رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله : قد أَمرتُكَ فأطعه. قال : فخرج فلقي عمر وهو ذعر فقال له : مالك ؟ فقال : قال لي رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله : كذا وكذا. فقال عمر : تبّاً لأُمَّةٍ ولَّوكَ أَمرَهم ، أَمَا تعرف سحر بني هاشم؟!»(6). 5ـ بيان الإِمام الكاظم عليه السلام ، قال : «خرجتُ مع أَبي إِلى بعض أَمواله ، فلَمَّا برزنا إِلى الصَّحراء استقبله شيخ أَبيض الرأس واللحية ، فسلَّم عليه فنزل إِليه أَبي جعلتُ أسمعه يقول له : جُعِلْتُ فداك ، ثُمَّ جلسا فتساءلا طويلاً ، ثُمَّ قام الشَّيخ وانصرف وودَّع أَبي ، وقام ينظر في قفاه حتَّىٰ توارىٰ عنه ، فقلتُ لأَبي : مَنْ هذا الشَّيخ الَّذي سمعتكَ تقول له ما لم تقله لأَحد ؟ قال : هذا أَبي»(7). 6ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن إِبراهيم بن أَبي البلاد ، قال : «قلتُ لأَبي الحسن الرضا عليه السلام : حدَّثني عبد الكريم بن حسَّان ، عن عبيدة بن عبد اللّٰـه بن بشر(8) الخثعميّ عن أَبيك أَنَّه قال : كُنتُ ردف أَبي وهو يريد العريض ، قال: فلقيه شيخ أَبيض الرَّأس واللّحية يمشي ، قال : فنزل إِليه فقبَّل بين عينيه. فقال إِبراهيم : ولا أَعلمه إِلَّا أَنَّه قَبَّلَ يده ، ثُمَّ جعل يقول له : جُعِلْتُ فداك ، والشَّيخ يوصيه ، قال : وقام أَبي حتَّىٰ توارىٰ الشَّيخ ثُمَّ ركب ، فقلتُ: يا أبه ، مَنْ هذا الَّذي صنعت به ما لم أَركَ صنعته بأحد ؟ قال : هذا أَبي يا بنيّ»(9). 7ـ ما حصل لسماعة مع الإِمام أَبي الحسن عليه السلام ، قال : «كُنْتُ عند أَبي الحسن عليه السلام فأطلت الجلوس عنده ، فقال : أَتحب أَنْ ترىٰ أَبا عبداللّٰـه عليه السلام ؟ فقال : وددتُ واللّٰـه. فقال: قم وادخل ذلك البيت. فدخلتُ البيت فإذا أَبو عبداللّٰـه عليه السلام قاعد»(10). 8ـ بيان الإِمام الرضا عليه السلام ، عن الحسن الوشاء ، قال : «قال لي إِبتداءً : إِنَّ أَبي كان عندي البارحة ، قلتُ : أبوك ؟ قال : أَبي ، قلتُ : أَبوك ؟ قال : أَبي ، قلتُ : أَبوك ؟ قال : في المنام ، إِنَّ جعفراً عليه السلام كان يجيئ إِلى أَبي فيقول : يا بنيَّ إِفعل كذا ، يا بنيَّ إِفعل كذا يا بنيّ إِفعل كذا. قال : فدخلتُ عليه بعد ذلك فقال لي : يا حسن ، إِنَّ منامنا ويقظتنا واحدة»(11). 9ـ بيان زيارة أَمير المؤمنين عليه السلام : «... بأَبي أَنتَ وأُمِّي يا أَمير المؤمنين ، أَشهدُ أَنَّك تراني وتبصرني وتعرف كلامي وتجيبني ، وتعرف ما يجنَّه قلبي وضميري ...»(12). ودلالة الجميع واضحة. مسالة جديدة (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المراد من الملزوم : (أَنَّ آباء وأَجداد سيِّد الأَنبياء وأَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آلهما أَفضل شأناً وأَعلىٰ وأَعظم وأَخطر أَدواراً ومسؤوليَّات ومقامات وفضائل وكمالات إِلٰهيَّة مِنْ جميع مَنْ تقدَّمهم من جملة كُمَّل المخلوقات ، كسائرأَنبياء أُولي العزم عليهم السلام ؛ لأَنَّ مسؤوليَّاتهم صلوات اللّٰـه عليهم كانت أَعظم وأَخطر وأَعقد من مسؤوليَّات من تقدَّمهم). (2) التوبة : 105. (3) نهج البلاغة / خ86 : 143. (4) بحار الأَنوار ، 26 : 6/ح1. (5) بحار الأَنوار ، 27 : 303 ـ 304/ح4. بصائر الدرجات : 78. (6) المصدر نفسه/ح6. بصائر الدرجات : 78. (7) بحار الأَنوار ، 27 : 305/ح8. بصائر الدرجات : 80 ـ 81. (8) في المصدر : (بشير). (9) بحار الأَنوار ، 27 : 303/ح3. بصائر الدرجات : 78. (10) بحار الأَنوار ، 27 : 304/ح5. بصائر الدرجات : 78. (11) بحار الأَنوار ، 27 : 302/ح1. قرب الإِسناد : 151 ـ 152. (12) بحار الأَنوار ، 97 : 351/ح34. المزار الكبير : 97 ـ 101
معارف إِلٰهيَّة : (140) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (140) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد ما تقدم في التنويه : اننا نبغي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) من هذا الطرح التعرض لمئات المسائل المعرفية ، لكن قبل الدخول في صميم هذه المسائل ومن باب التبرك ؛ ولاهمية المسائل المتعلقة بحقائق أَهل البيت صلوات الله عليهم ومقاماتهم وشؤونهم واحوالهم لاسيما الصاعدة ، ولعطش الساحة البشرية للتعرف عليها بدانا ( بحمد الله تعالى) بالتعرض لثلاث من تلك المسائل المتعلقة بهم صلوات الله عليهم ، وقد تقدم الكلام من (الدرس/1 ـ الدرس /44) التعرض للمسالة الاولى ، وهي من مسائل المقصد الاول ، وكانت تحت عنوان : تفسير لبيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء » ، وكذا تقدم الكلام من (الدرس/45 ـ الدرس /139) التعرض للمسالة الثانية ، وهي من مسائل المقصد الخامس ؛ مقصد الامامة الإِلهيَّة ، وكانت تحت عنوان : « تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة » ، والان و ( بحمد الله تعالى) وصلنا الى المسالة الثالثة ، وهي من المسائل المشتركة بين المقصد الثالث ـ اي : مقصد التوحيد ـ والمقصد الخامس ـ اي : مقصد الامامة الالهية ـ ، وهي تحت عنوان : « التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة » ، فنقول مستعينين بالله تعالى : / التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة / هناك ضرورة يجدر الإِلتفات إِليها ، حاصلها : أَنَّ التَّوَسُّل(1)(2) بالوسيلة الإِلٰهيَّة لا يقتصر على طلب قضاء الحوائج وغفران الذُّنوب وقبول التَّوبَة ، بل ولا يقتصر على قبول العبادات والأَعمال ، وإِنَّما عاصم أَيضاً عن الشِّرك ، والتَّعطيل والتَّشبيه ، والغلوّ والتَّقصير سواءٌ أَكان جليّاً أَم خفيّاً ، فالتَّوسُّل مقيم للتَّوحيد ، بل هو أُسُّ الإِيمان والتَّوحيد ؛ فلا يمكن لمخلوقٍ قَطُّ إِقامة وإِتمام أَصل الإِيمان والتَّوحيد إِلَّا به ، ومن ثَمَّ هو في الأَصل ليس بمستحبٍّ ، بل واجبٌ دينيٌّ ، بل ضرورة إِيمانيَّة ودينيَّة ، وهو عبادة معرفيَّة إِلٰهيَّة وعقليَّة ، وجهة وعنوان آخر لنفس مسلك الآية والأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ، وسائر مرادفاتها الإِلٰهيَّة العقليَّة ؛ فإِنَّها الطَّريق والصِّراط الفارد لتجنُّب : الشِّرك ، والتَّعطيل والتَّشبيه ، والتَّقصير والغلوّ الجليّ والخفي. ولَكَ أَنْ تقول : إِنَّه لفرط عظمة الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقَدَّسة ؛ وعلّوها وتعاليها وعدم تناهيها ؛ فلا تُقرُّ بالحدود ولا بالنِّهايات والغايات ، فلا يكتنفها شيء ، ولا يُحيط بها أَمر ، ولا يحدُّها مخلوق ، وعندها تتيه العقول وتستخفُّ الحلوم في بحرٍ مواجٍ لا يُدرَك طرفه ولا يبلغُ عمقه ، يغرق فيه السُّبحاء ، ويُحار فيه العلماء ، ويضيق بالسَّامع عرض الفضاء ، أَقتضت الضَّرورة الإِلٰهيَّة لمخلوقات شريفة ؛ بحور زاخرة لا تنزف ، وجبال شامخة لا تُقهر ، ولا يعتورها موت ولا فناء ، ولا زيف ولا تغيير ، ولا كلل ولا فتور ، ولا يعتريها شين ولا يشوبها مين ، خالصة في حكاية الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة من وجهٍ ، لا يشوبها شوب الإِنا ؛ فلا تُري نفسها ، بل محكيِّها ، وتلك المخلوقات الشَّريفة هي : (الوسيلة) و (الآية) و (الأَسمآء) و(الصِّفات) الإِلٰهيَّة وسائرمرادفاتها الالهية العقليَّة ، وهي طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ؛ النَّاموس الأَنور ، والسِّراج الأَزهر ، والزِّلفة والكوثر ، نور الأَنوار ، ومحلّ سرّ الأَسرار ، وعنصر الأَبرار ، ولسان وبيت الصِّدق ، ومحلّ الرفق ، السِّراج الوهَّاج ، والسَّبيل والمنهاج ، والماء الثجاج، والبحر العجاج، والسَّبيل الأَقوم ، والصِّراط الأَعلم ، والسِّراج لمَن استضاء به ، والمحجَّة العُظمىٰ ، والسَّبيل المفضية لِمَن لزمها النَّجاة ، ولِمَن تقدَّمها غرق في بحر الإِفراط ، ومَنْ تأَخَّر عنها زهق في برِّ التَّفريط ، صاحبة السَّنام الأَعظم ، وطريق الحقّ الأَبلج ، والسَّبيل الَّذي لا يختلج ، والمنهج الحكيم ، والصِّراط القويم ، والقسطاس المُستقيم ، والمنهاج القويم ، والذِّكر الحكيم ، والوجه الكريم ، والنُّور القديم الموصل إِلى النَّعيم المُقيم. وبالجملة : (الوسيلة الإِلٰهيَّة) ـ وهي : طبقات حقائق أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسطة والنَّازلة ـ لَـمَّا كانت فانية فناء حكاية في الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) عُرِّفَ التَّوسُّل والوسيلة (لغة) : ما يجعله العبد من واسطة بينه وبين ربِّه ؛ للتَّوصُّل بها إلى تحصيل المراد والمقصود وهو القرب إِليه (عزَّوجلَّ) ، أَو مُطلق ما يوسِّطه الشَّخص للتّقرُّب به إِلى الطَّرف ، كالأَقارب والمعارف والعمل. واصطلاحاً : عين ما عُرِّفَ به لغة ، نعم الإِختلاف في تحديد مصاديق الواسطة والوسيلة الَّتي نصَّبها الباري (تقدَّس ذكره) ؛ للتَّوسُّل والتَّقرُّب بها إِليه (تقدَّس ذكره). (2) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ لحقيقة التَّوسُّل نحوين : أَحدهما : التَّوسُّل إِلى الشيء. الآخر : التَّوسُّل بالشيء. والتَّوسُّل باللّٰـه الاسم (جلَّ جلاله) من النَّحو الثَّاني ، والتَّوسُّل باللّٰـه المُسَمَّىٰ (جلَّ قدسه) من النحو الأَوَّل ، وهو الأَعظم والأَرفع. ثُمَّ إِنَّ كثيراً من الأَسرار والعطايا العلميَّة والمعرفيَّة والرُّوحيَّة والنَّفسيَّة حصلت لأَصحابها نتيجة التَّأمُّل والتَّدبُّر والتَّوسُّل والعروج الرُّوحي أَثناء العبادة ـ كالصَّلاة والصيام ، والحج والزيارة ، وقراءة القرآن الكريم ، والصَّدقة وإِعانة الملهوف ـ وهذا نحو عبادة علميَّة ومعرفيَّة تكون النَّفس فيه طيِّعة وغير مُتمرِّدة
معارف إِلٰهيَّة : (141) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (141) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، لازال البحث ( بحمد الله تعالى) في المطلب السابق ، وكان تحت عنوان : ( التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة) ، ووصل بنا الكلام الى المطلب التالي: وبالجملة : (الوسيلة الإِلٰهيَّة) ـ وهي : طبقات حقائق أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسطة والنَّازلة ـ لَـمَّا كانت فانية فناء حكاية في الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وخالصة من شوب أَنانيَّة وشائبة الذَّات المخلوقة ، وصارت مظهرا وتجلِّيا للذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة كانت الباب والطَّريق الحصري الوحيد ، العظيم والخطير ، وصراط اللّٰـه المُستقيم للمعرفة الإِلٰهيَّة والتَّوحيد. إِذَنْ : (التَّوسُّل) عين التَّوحيد ، بل ضرورة التَّوحيد قائمة به. ومن ثَمَّ صدَّر الباري (جلَّ وتقدَّس) قرآنه الكريم وسوره الشِّريفة بأَعظم آيةٍ ، وهي : آية البسملة ، المصدَّرة بـ : (باء الاستعانة) ، وهذا برهان وحيانيٌّ دالٌّ على ضرورة وخطر التَّوسُّل بـ : الوسيلة والأَسمآء والأَبواب الإِلٰهيَّة في قوس النزول وقوس الصعود ، والوصول الى: ساحة قدسه وعزِّه وملكه وملكوته (تقدَّست أَسمآؤه وعظمت آلاؤه). / أَعداء أَهل البيت عليهم السلام/ / (الجِبْت) نقيض الوسيلة ومرادفاتها الإِلهيَّة العقليَّة / / (الجِبْت) قاطع لطريق الوصول لساحة القدس الإِلهيَّة / وعلى نقيض التَّوسُّل والوسيلة والآية والصِّفات والأَسمآء الإِلٰهيَة ؛ ومرادفاتها الإِلٰهيَّة العقليَّة قام (الجِبْتُ) ـ المُتَمَثِّل بأَعداء أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ـ ؛ فإِنَّه مظهر وتجلِّي الأَنا ، وقاطع لطريق المعرفة والإِيمان والتَّوحيد ، وقاتل لروح التَّفكير الحرّ والبحث العلمي ، والتَّصدِّي(1) للمسؤوليَّة الدِّينيَّة والشَّرعيَّة ، ومُحجِّر للعقول ، ومُميت للحقائق ، وصراط لا يحيد عن الضَّلال والزَّيغ والزَّلل والإِنحراف بجميع أَطواره وأَشكاله وأَنحائه ، المُلقِي بصاحبه في تيه وغياهِب شراك : الشرك ، والتَّعطيل والتَّشبيه ، والغلوّ والتَّقصير الجلي والخفي. وبالجملة : أَحد أَركان معاني كلمة : (الجِبْت) الدَّقيقة ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) هذا عطف على كلمة : (التَّفكير) ، فتكون العبارة كالتَّالي : (وقاتل لروح التَّصَدِّي للمسؤوليَّة الدِّينيَّة والشَّرعيَّة)
معارف إِلٰهيَّة : (142) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (142) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، لازال البحث ( بحمد الله تعالى) في المطلب السابق ، وكان تحت عنوان : ( التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة) ،ووصل بنا الكلام الى المطلب التالي: / أَعداء أَهل البيت عليهم السلام/ / (الجِبْت) نقيض الوسيلة ومرادفاتها الإِلهيَّة العقليَّة / / (الجِبْت) قاطع لطريق الوصول لساحة القدس الإِلهيَّة / وعلى نقيض التَّوسُّل والوسيلة والآية والصِّفات والأَسمآء الإِلٰهيَة ؛ ومرادفاتها الإِلٰهيَّة العقليَّة قام (الجِبْتُ) ـ المُتَمَثِّل بأَعداء أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ـ ؛ فإِنَّه مظهر وتجلِّي الأَنا ، وقاطع لطريق المعرفة والإِيمان والتَّوحيد ، وقاتل لروح التَّفكير الحرّ والبحث العلمي ، والتَّصدِّي(1) للمسؤوليَّة الدِّينيَّة والشَّرعيَّة ، ومُحجِّر للعقول ، ومُميت للحقائق ، وصراط لا يحيد عن الضَّلال والزَّيغ والزَّلل والإِنحراف بجميع أَطواره وأَشكاله وأَنحائه ، المُلقِي بصاحبه في تيه وغياهِب شراك : الشرك ، والتَّعطيل والتَّشبيه ، والغلوّ والتَّقصير الجلي والخفي. وبالجملة : أَحد أَركان المعاني الدَّقيقة والمُعقَّدة والصعبة والمُهمَّة لكلمة : (الجِبْت) : لغة القاطع والسَّاد لطَّريق الوصول إِلى اللّٰـه عزَّوجلَّ ، كمعنىٰ : (جَبّ) أَي : قطع. ثُمَّ إِنَّ الثابت في منطق بيانات الوحي : أَنَّ دور الجِبْت وآثاره المانعة من الوصول إِلى ساحة القدس الإِلٰهيَّة أَخطر من دور الطَّاغوت وآثاره. وللتَّوضيح أَكثر نقول : إِنَّ هناك عناوين ثلاثة ، وردت في بيانات الوحي ، يجدر صرف النظر إِليها : أَحدها : عنوان : (الجِبْت) ؛ فإِنَّه يُطلق في بيانات الوحي ويراد منه : صاحب ومؤسس الفتنة ، وقاطع لطريق الهُدَىٰ ؛ بفتنةٍ ونهجٍ مُؤسَّسٍ. مثاله : المستولي الأَوَّل. ثانيها : عنوان : (الطَّاغوت) ؛ فإِنَّه يُطلق أَيضاً في بيانات الوحي ويُراد منه : مَنْ كان له دور مؤثِّر في الفتنة ، لكنَّه لا يرتقي ولا يكون بقوَّة تأثير الجِبْت . نعم أَشَدُّ شراسة وطغياناً من الجِبْت في جانب الإِجراء والتنفيذ. مثاله : المستولي الثَّاني. ثالثها : عنوان (فرعون) ؛ فإِنَّه يُطلق أَيضاً في بيانات الوحي الإِلٰهيّ ويُراد منه : صاحب المجموعة والمنظومة والنظام الكامل في الظلم والإِضطهاد في جانب التَّطبيق والتَّنفيذ والإِجراء. بل بحسب منطق بيانات الوحي : أَنَّ كُلَّ نظامٍ سياسيٍّ غير قائمٍ على نظم ومنظومة العدل الإِلٰهيّ فهو نظام فرعونيّ. مثاله : المستولي الثَّالث. ومن ثَمَّ عبَّرت بيانات أَهل البيت عليهم السلام عن رؤساء قريش ـ الَّذين واجهوا سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، كـ : أَبي جهل ـ بـ : (الفراعنة) ؛ لأَنَّه كان لقريش نظام قَبَلي ، مارس الظلم(2) والاِضْطِهاد في حقِّ سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ومَنْ والآه(3). ومنه تتَّضح : كثير من بيانات الوحي ، منها : بيان قوله تعالىٰ :[ وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ] (4). فإِنَّه برهان وحيانيٌّ دالٌّ على أَنَّ ظاهرة الفرعونيَّة عبارة عن منظومة ونظام(5) يُمارِس الظلم والاِضْطِهاد في جانب التنفيذ والإِجراء ، وهذا بخلاف (الجِبْت) و (الطَّاغوت) ، فإِنَّهما ليسا أَصحاب منظومة ونظام ، وإِنَّما دورهما دور فرديّ ، لكن قد يقوما بأَفعال لا تقوم بها منظومة ونظام. / عصارة ما تقدَّم / وعصارة القول : أَنَّ التَّوسُّل بالوسيلة والآية الإِلٰهيَّة ومرادفاتها الإِلٰهيَّة العقليَّة : عين التَّوحيد ، وأَعظم الفرائض في أَبواب العقائد ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) هذا عطف على كلمة : (التَّفكير) ، فتكون العبارة كالتَّالي : (وقاتل لروح التَّصَدِّي للمسؤوليَّة الدِّينيَّة والشَّرعيَّة). (2) يجدر الإِلتفات : أَنَّ (المظلوميَّة) في منهاج الوحي الإِلٰهي ليس معناها : (استضعاف الإِنسان لنفسه ، وانكفاءه وانكساره وتخاذله) ـ كما عليه منهج النصرانيَّة المُنحرفة ، وما تُروِّج إِليه الثقافة الغربيَّة تحت عنوان : (التَّسامح والتَّساهل) ؛ لضعضعة الشُّعوب المحرومة ـ بل معناه : الإِيعاز للمظلوم أَنْ يكون عفوّاً وغفوراً ، وأَنْ لا يستوفي من الظالم ـ إِنْ تمكَّن منه ـ أَكثر من حقِّه. وهذا المعنىٰ ظهر جليّاً في تعامل أَهل البيت ـ سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت ـ صلوات اللّٰـه عليهم مع مَنْ ظلمهم بعد التمكُّن منه ، والنصوص الوحيانيَّة والتَّأريخيَّة مشحونة بتلك السِّيْرَة فاطرقها تسمع الجواب واضحاً وجليّاً. (3) إِنَّ أَعظم ظلم جرىٰ على البشريَّة لا يَكمُن في إِقصاء أَهل البيت عليهم السلام عن الحُكم ودورهم السياسي ؛ وإِقامتهم للعدل الإِلٰهيّ بين بني البشر ـ سوآء أَكان عدلًا اقتصاديّاً أَو تجاريّاً أَو أَمنيّاً أَو مجتمعيّاً أَو غيرها ـ بل في إِبعادهم عن أَنْ يكونوا مُعلِّمين وهداة ومربِّين ومزكِّين إِلٰهيِّين للبشريَّة جمعاء. بعد الإِلتفات : أَنَّ المخلوق يصبح حيوانا وبهيمة ، بل أَضلّ سبيلاً من دون نور العلم ، فأَعظم شيء في كمال المخلوق تنمية روحه وعقله وقلبه ونوره. فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «النَّاس إِثنان : عَالِم ، ومُتَعَلِّم ، وسائر النَّاس هَمَج ، والهَمَج في النَّار». بحار الأَنوار ، 1 : 187/ح3. والمراد : من (سائر النَّاس) : باقي النَّاس ، باتِّفاق أَهل اللُّغة ، كما في اللِّسان. والمراد : من (الهَمَج) ـ بالتَّحريك ـ جمع هَمجَة ، وهي : ذباب صغير كالبعُّوض يسقط على وجوه الغنم والحمير وأَعينها. ذكره الجوهري. وبالجملة : مقام سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم في كونهم مُعلِّمين وهداة ومربِّين ومُزكِّين إِلٰهيِّين أَعظم من مقام الولاية السياسيَّة ، ومقام القيادة والقدرات الماليَّة والعسكرية. (4) الأعراف : 141. (5) وهذا ما أَشار إِليه بيان الآية الكريمة بقوله : [ آل فرعون ]
معارف إِلٰهيَّة : (143) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (143) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، لازال البحث ( بحمد الله تعالى) في المطلب السابق ، وكان تحت عنوان : ( التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة) ، ووصل بنا الكلام الى المطلب التالي: / عصارة ما تقدَّم / وعصارة القول : أَنَّ التَّوسُّل بالوسيلة والآية الإِلٰهيَّة ومرادفاتها الإِلٰهيَّة العقليَّة : عين التَّوحيد ، وأَعظم الفرائض في أَبواب العقائد والمعارف الإِلٰهيَّة، بل ضرورة المعرفة الإِلٰهيَّة والتَّوحيد قائمة بها ، وجاحدها ، بل الشَّاك فيها مُشرك وكافر بنصِّ بيانات الوحي الوافرة الباهرة ، منها : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله مخاطباً ابن عبَّاس : «... يابن عبَّاس ، إِذا أَردت أَنْ تلقىٰ اللّٰـه وهو عنكَ راضٍ فاسلك طريقة عَلِيّ بن أَبي طالب ، ومل معه حيث مال ، وارضِ به إِماماً ، وعادِ مَنْ عاداه ، ووالِ مَنْ والاه ، يابن عبَّاس احذر أَنْ يدخلكَ شَكّ فيه ، فإنَّ الشَّكَّ في عَلِيٍّ كفر باللّٰـه تعالىٰ»(1). وقد مرَّ ، بل وسيأتي (إِنْ شاء اللّٰـه تعالىٰ) التَّعَرُّض لبعض بيانات الوحي الخارجة من الحصر والإِحصاء الدَّالَّة على أَنَّ أَهل البيت عليهم السلام بطبقات حقائقهم الصَّاعدة هم : الوسيلة والأَسمآء والآيات الإِلٰهيَّة وسائرمرادفاتها الإِلٰهيَّة العقليَّة. بل الجاحد أَو الشَّاكَ في التَّوسُّل والوسيلة الإِلٰهيَّة وسائر مرادفاتها الإِلٰهيَّة العقليَّة يتطاول ويتكبَّر ـ أَعوذ باللّٰـه تعالىٰ ـ على المقام الإِلٰهيّ ، ويُصغِّر عظمة شأن السَّاحة الإِلٰهيَّة ، ويقطع طريق المعرفة على نفسه ؛ بعد عدم إِتِّجاهه وتوجُّهه واقعاً إِلى ساحة القدس الإِلٰهيَّة. وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان قوله عزَّوجلَّ ـ الحاكي لسجود الملائكة لخليفة اللّٰـه(2) ، وتكبُّر وجحود إِبليس ـ : [ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ* قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ](3). بعد الإِلتفات : أَنَّ هذه الدَّعوة المُوجَّهة للملائكة وإِبليس ليس السُّجود لنفس آدم عليه السلام ، بل للأَنوار الحالَّة في صلبه ؛ أَنوار أَهل البيت الأَطهارعليهم السلام . فلاحظ : بيانات الوحي ، منها : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... إِنَّ اللّٰـه (تبارك وتعالىٰ) خلق آدم فأَودعنا صلبه ، وأَمر الملائكة بالسُّجود له ؛ تعظيماً لنا وإكراماً ، وكان سجودهم للّٰـه (عزَّوجلَّ) عبوديَّة ، ولآدم إكراماً وطاعةً ؛ لكوننا في صلبه ...»(4). ومِنْ ثَمَّ ما عمدته الوهابية والسَّلفيَّة من إِنكار : الوسيلة والآية الإِلٰهيَّة وسائر مرادفاتهما العقليَّة هدم لأُس التَّوحيد ، وتشييد للصنميَّة والشرك ، والتَّعطيل والتَّشبيه ، والغلوّ والتَّقصير الجلي والخفي. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 34 : 157 ـ 159/ ح133. أَمالي الشَّيخ : 64 ـ 65. الروضة : 39. الفضائل : 177 ـ 178. الخصال ، 1 : 141. (2) لعنوان : (خليفة اللّٰـه) مرادفات إِلٰهيَّة عقليَّة كثيرة ، منها : التجلِّي الأَعظم ، والاسم الأَعظم، والآية الكبرىٰ ، والمرآة الكبرىٰ. (3) صٓ : 71 ـ 78. (4) بحار الأَنوار ، 18 : 346/ ح56. علل الشرائع : 13 ـ 14. عيون : 144 ـ 146
معارف إِلٰهيَّة : (144) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (144) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، لازال البحث ( بحمد الله تعالى) في المطلب السابق ، وكان تحت عنوان : ( التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة) ، ووصل بنا الكلام الى بيانات و أَدلَّة المسالة : / أَدلَّة ضرورة التَّوسُّل والوسيلة والآية وسائر مرادفاتها العقليَّة / وإِلى ما تقدم يشير كم غفير من بيانات و أَدلَّة وبراهين الوحي الدَّالَّة على ضرورة التَّمَسُّك بالوسيلة ـ والآية الإِلٰهيَّة وسائر مرادفاتها الإِلٰهيَّة العقليَّة ـ للارتباط بساحة القدس الإِلٰهيَّة في قوس الصُّعود والنزول ، منها : أَوَّلاً : بيان قوله تعالىٰ ذكره : [ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ](1). بتقريب : أَنَّ الآيات الإِلٰهيَّة على نمطين : أَحدهما : ناطقة. الآخر : صامتة. والنَّمط الثَّاني حيث ليست لها دعوىٰ وادّعاء فلا يتَّصَف المؤمن بها بـ : (التَّصديق بها) ، ومنكرها بـ : (التَّكذيب بها) ، وإِنَّما يتَّصف بـ : (الإِيمان والإِعتبار بها) ، و (الكفر والجحود بها والإِعراض عنها). فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان قوله علا ذكره : [ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ](2). بخلاف النَّمَط الأَوَّل ، حيث إِنَّ لها دعوىٰ وادِّعاء صحَّ اتِّصاف مَنْ يُؤمن بها بـ : (التَّصديق بها) ، ومَنْ لا يُؤمن بها بـ : (التَّكذيب بها)(3). فلاحظ : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... والدَّليل على أَنَّ هذا في الرَّجعة قوله عزَّوجلَّ :[ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ](4) قال : الآيات أَمير المؤمنين والأَئمَّة عليهم السلام ...» (5). وحيث حَكَمَ بيان قوله (تعالىٰ ذكره) بـ : أَنَّ مَنْ يُكذِّب بآيات اللّٰـه ويستكبر عليها ويصدُّ عنها(6) يستحيل عليه وعلى معارفه وأَعماله الصَّالحة وعباداته : ولوج أَبواب السَّمآء والدُّخول في الجنَّة ثبت المطلوب. وهذا برهان وحيانيٌّ دالٌّ بإِطلاق منطوقه : أَنَّ تحصيل التَّوحيد والإِيمان الحقّ ، والمعارف الحقَّة ، وقبول التَّوبة ، ونيل الحُظوَة والحبوة الإِلٰهيَّة، والقرب إِليه (سبحانه وتعالىٰ) لا يكون إِلَّا بالتَّشَفُّع بالوسائل والآيات الإِلٰهيَّة النَّاطقة ؛ وسائر مرادفاتها العقليَّة المنصوبة من قِبَل الباري (تبارك اسمه) ؛ طبقات حقائق أَهل البيت الأَطهار عليهم السلام الصَّاعدة ، وحصر العروج والوصول إِلى السَّاحة الإِلٰهيَّة المُقدَّسة بها. ودالٌّ بمفهومه : أَنَّ التَّوسُّل والتَّشَفُّع بالوسائط غير المجعولة ؛ وغير المنصوبة مِنْ قِبَلِ اللّٰـه (تبارك وتعالىٰ) حوالة على مُفلِّس ؛ تورِث مَنْ تَمَسَّكَ بها : شرك ووثنيَّة ، وضلال وانحراف ، وعبادة لغير اللّٰـه تعالىٰ ، وظنون فاسدة ، وتوهمات كاذبة تمليها عليهم أَنفسهم وتوهمهم الحقيقة ، لكنَّ واقعها [ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ](7). ثانياً : بيان قوله جلَّ جلاله : [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ] (8). فإِنَّه يُثبت بإِطلاقه : ضرورة التَّشَفُّع بالواسطة والوسيلة الإِلٰهيَّة ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الأعراف : 40. (2) القمر : 1 ـ 2. (3) هذه نتفة معرفيَّة مهمَّة جِدّاً ينبغي الإِلتفات إِليها. ومنه يُعلم : أَنَّ كُلَّ لبنةٍ وخطوةٍ ولفظةٍ واردة في بيانات الوحي : معادلة مجهريَّة ضخمة ورهيبة جِدّاً. (4) النمل : 83 ـ 84. (5) مختصر البصائر : 152/ح118 ـ 18. (6) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ بيان قوله (تعالىٰ ذكره) : [ وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا ] دالٌّ مِنْ باب التَّضمين على فعل وفاعل محذوف ، يُناسب سياق الكلام ، ويناسب الجار والمجرور [ عَنْهَا ] ، وهو: [ ويصدُّون ]، وإِلَّا كان المناسب لجملة :[ وَاسْتَكْبَرُوا ] أَنْ يكون الجار والمجرور المرتبط بها : (عليها) كما هو واضح. (7) النور : 39. (8) المائدة : 35
معارف إِلٰهيَّة : (145) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (145) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، لازال البحث ( بحمد الله تعالى) في المطلب السابق ، وكان تحت عنوان : ( التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة) ، ووصل بنا الكلام الى بيانات و أَدلَّة المسالة ، البيان والدليل الثاني : ثانياً : بيان قوله جلَّ جلاله : [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ](1). فإِنَّه يُثبت بإِطلاقه : ضرورة التَّشَفُّع بالواسطة والوسيلة الإِلٰهيَّة في العروج والوصول لساحة القدس الإِلٰهيَّة ؛ لنيل : الحُظوَة والحبوة من اللّٰـه (جلَّ وعلا) ، والقرب إِليه (جلَّ شأنه) ، والتَّوحيد(2) والإِيمان الحقيقي والتَّام والكامل والمرضي لديه (جلَّت آلاؤه) ، والمعارف(3) الحقَّة ، وقبول(4) الأَعمال والعبادات والتَّوبة وقضاء الحوائج. بعد الإِلتفات إِلى قضيَّةٍ مُهمَّةٍ وخطيرةٍ جِدّاً ، حاصلها : أَنَّ الوسيلة ـ كـ: الاسم الإِلٰهي والصِّفة والآية الإِلٰهيَّة ؛ وسائرمرادفاتها الإِلٰهيَّة العقليَّة ـ مخلوقٌ، وأَمرٌ تكوينيٌّ عظيمٌ وخطيرٌ ومهولٌ جِدّاً ، وهو : أَحد طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ، إِذا قيست إِليه سائرالعوالم وجملة المخلوقات كانت كالنقطة في بحره الطمطام غيرالمتناهي. ثالثاً : بيان الحديث القدسي الوارد في حقِّ أَهل البيت عليهم السلام : «... وأَنْتُم خيار خلقي فيما بيني وبين خلقي ، خلقتكم مِنْ نور عَظَمَتي واحتجت(5) بكم عَمَّنْ سواكم من خلقي ، وجعلتكم أُستقبَل بكم وأُسأل بكم ، فكُلُّ شيءٍ هالك إِلَّا وجهي ، وَأَنتم وجهي ، لا تبيدون ولا تهلكون ، ولا يبيد ولا يهلك مَنْ تولَّاكم ، وَمَنْ استقبلني بغيركم فقد ضلَّ وهوىٰ ...» (6). رابعاً : بيان الحديث القدسي أَيضاً ؛ الوارد في عظمة أَهل البيت الأَطهار عليهم السلام : «... يا آدم ، هؤلاء وسيلتك ووسيلة مَنْ أَسعدتُ مِنْ خلقي ، هؤلاء السَّابقون المُقَرَّبُون ، والشَّافعون المُشَفَّعُون ؛ وهذا أَحمد سيِّدهم ... وهذا صنوه ووصيّه ووارثه ... وهذه سيِّدة إمآئي ... وهٰذان السِّبطان والخلفان لهم ، وهذه الأَعيان الضارع نورها أَنوارهم بقيَّة منهم ...»(7). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المائدة : 35. (2) هذا عطف على كلمة (الحُظوَة) ، فتكون العبارة هكذا : «ولنيل التَّوحيد والإِيمان الحقيقي ...». (3) هذا عطف آخر على كلمة (الحُظوَة) أَيضاً ، فتكون العبارة هكذا : «ولنيل المعارف الحقَّة ...». (4) هذا عطف ثالث على كلمة (الحُظوَة) ، فتكون العبارة هكذا : «ولنيل قبول الأَعمال ...». (5) في نسخة : «احتجبت». (6) بحار الأَنوار ، 25 : 16 ـ 17/ح31. (7) بحار الأَنوار ، 26 : 310 ـ 312/ح77. تفضيل الأَئمَّة (مخطوط)
معارف إِلٰهيَّة : (146) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (146) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، لازال البحث ( بحمد الله تعالى) في المطلب السابق ، وكان تحت عنوان : ( التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة) ، ووصل بنا الكلام الى بيانات و أَدلَّة المسالة ، البيان والدليل الثالث : ثالثاً : بيان الحديث القدسي الوارد في حقِّ أَهل البيت عليهم السلام : «... وأَنْتُم خيار خلقي فيما بيني وبين خلقي ، خلقتكم مِنْ نور عَظَمَتي واحتجت(1) بكم عَمَّنْ سواكم من خلقي ، وجعلتكم أُستقبَل بكم وأُسأل بكم ، فكُلُّ شيءٍ هالك إِلَّا وجهي ، وَأَنتم وجهي ، لا تبيدون ولا تهلكون ، ولا يبيد ولا يهلك مَنْ تولَّاكم ، وَمَنْ استقبلني بغيركم فقد ضلَّ وهوىٰ ...» (2). رابعاً : بيان الحديث القدسي أَيضاً ؛ الوارد في عظمة أَهل البيت الأَطهار عليهم السلام: «... يا آدم ، هؤلاء وسيلتك ووسيلة مَنْ أَسعدتُ مِنْ خلقي ، هؤلاء السَّابقون المُقَرَّبُون ، والشَّافعون المُشَفَّعُون ؛ وهذا أَحمد سيِّدهم ... وهذا صنوه ووصيّه ووارثه ... وهذه سيِّدة إمآئي ... وهٰذان السِّبطان والخلفان لهم ، وهذه الأَعيان الضارع نورها أَنوارهم بقيَّة منهم ...»(3). خامساً : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... يا عَلِيّ ، أَنْتَ بابي الَّذي أُوتىٰ منه، وَأَنا باب اللّٰـه ، فَمَنْ أَتاني مِنْ سواكَ لم يصل ، ومَنْ أَتي سواي(4) لم يصل ...»(5). ودلالته ـ كدلالة سابقيه ـ واضحة ؛ فإِنَّه دالٌّ وحاصر بإِطلاقه على أَنَّ سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله وأَمير المؤمنين عليه السلام وتبعاً لهما سائر أَهل البيت عليهم السلام : وسائل ووسائط فيض إِلٰهيَّة في قوس النزول والصعود لجملة العوالم والمخلوقات ؛ في هذه النَّشْأَة وفي سائرالنَّشَآت ، مِنْ بداية الخلقة والوجود إِلى أَبد الآباد ودهر الدُّهور. وفي الحِيْدَةِ عنهم عليهم السلام : اِسْتِحَالَة الوصول إِلى ساحة القُدس الإِلٰهيَّة ، واِسْتِحَالَة قبول : العبادات والأَعمال والتوبة وغفران الذنوب في (قوس الصعود) ، واِسْتِحَالَة تحصيل : التَّوحيد والإِيمان الحقّ والمعارف الحقَّة في (قوس النزول). بعد الإِلتفات : أَنَّ عنوان : (الباب) المأخوذ في هذا البيان الشَّريف مُشيرٌ لمخلوقين عظيمين ومهولين وخطيرين جِدّاً ، من مخلوقات عَالَم الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ، ومن المرادفات العقليَّة للآية الإِلٰهيَّة ، أَحدهما : طبقة ومرتبة من طبقات ومراتب حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله الصَّاعدة. والآخر: طبقة ومرتبة من طبقات ومراتب حقيقة أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه الصَّاعدة ، إِذا قيست إِليهما كافَّة العوالم وسائر المخلوقات كانت كالنقطة في بحريهما الطمطامين غيرالمتناهيين. فالتفت واغتنم هذه النكات وما شاكلها ؛ والنتف البكر المعرفيَّة ، وعض عليها بضرس قاطع تربت يداك. سادساً : بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً : «... فنحن الأَوَّلون ونحن الآخرون ... ونحن الشَّافعون ... ونحن خاصَّة اللّٰـه ... ونحن وجه اللّٰـه ... ونحن محال قُدس اللّٰـه ... ونحن مفاتيح الرحمة ، ونحن ينابيع النعمة ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في نسخة : «احتجبت». (2) بحار الأَنوار ، 25 : 16 ـ 17/ح31. (3) بحار الأَنوار ، 26 : 310 ـ 312/ح77. تفضيل الأَئمَّة (مخطوط). (4) في المصدر : «ومن أَتى اللّٰـه مِنْ سواي». (5) بحار الأَنوار ، 40 : 204
معارف إِلٰهيَّة : (147) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (147) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، لازال البحث ( بحمد الله تعالى) في المطلب السابق ، وكان تحت عنوان : ( التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة) ، ووصل بنا الكلام الى بيانات و أَدلَّة المسالة ، البيان والدليل السادس : سادساً : بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً : «... فنحن الأَوَّلون ونحن الآخرون ... ونحن الشَّافعون ... ونحن خاصَّة اللّٰـه ... ونحن وجه اللّٰـه ... ونحن محال قُدس اللّٰـه ... ونحن مفاتيح الرحمة ، ونحن ينابيع النعمة ... والحماة والسُّقاة والرعاة وطريق النجاة ، ونحن السَّبيل ... والطريق المُستقيم ، مَنْ آمن بنا آمن باللّٰـه ، ومَنْ رَدَّ علينا رَدَّ على اللّٰـه ، وَمَنْ شَكَّ فينا شَكَّ في اللّٰـه ، وَمَنْ عرفنا عرف اللّٰـه ، وَمَنْ تولَّىٰ عنَّا تولَّىٰ عن اللّٰـه ، وَمَنْ أَطاعنا أَطَاعَ اللّٰـه ، ونحن الوسيلة إلى اللّٰـه ، والوصلة إلى رضوان اللّٰـه ... ونحن معدن الحكمة وباب الرَّحمة ... والعروة الوثقىٰ الَّتي مَنْ تَمَسَّكَ بها نجا»(1). سابعاً : بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً ، مخاطباً أَمير المؤمنين عليه السلام : «... يا عَلِيّ ... وأَنْتَ السَّبَب فيما بين اللّٰـه وبين خلقه بعدي ، فَمَنْ جَحَدَ ولايتكَ قطع السَّبب الَّذي فيما بينه وبين اللّٰـه ، وكان ماضياً في الدَّرجات(2)، يا عَلِيّ ، ما عرف اللّٰـه إِلَّا بي ثُمَّ بِكَ ، مَنْ جَحَدَ ولايتكَ جَحَدَ اللّٰـه ربوبيَّته ... فَمَنْ رَكَنَ إِلَيْكَ نَجَا ، وَمَنْ خَالَفَكَ هوىٰ وَهَلَكَ ...»(3). ثامناً : بيانه صلى الله عليه واله الوارد في حقِّ أَهل البيت الأَطهار عليهم السلام : «... لَا يدخل الجنَّة إِلَّا مَنْ عَرَفَهُم وَعَرَفُوه ، ولا يدخل النَّار إِلَّا مَنْ أَنكرهم وَأَنْكرُوه ؛ لأَنَّهم عرفاء اللّٰـه ...»(4). تاسعاً : بيانه صلى الله عليه واله في حديث المعراج ؛ مُنضمَّاً إِليه بيان الملائكة في حقِّ أَهل البيت عليهم السلام : «... قلتُ : يا ملائكة ربِّي ، هل تعرفونا حَقّ معرفتنا؟ فقالوا : يا نبيّ اللّٰـه ، وكيف لا نعرفكم وَأَنْتُم أَوَّل مَا خلق اللّٰـه ... فَمَا نَزَل مِن اللّٰـه فإِليكم ، ومَا صعد إِلى اللّٰـه فَمِنْ عندكم ...»(5). ودلالته ـ كدلالة سوابقه ـ واضحة ؛ فإِنَّه دالٌّ بإِطلاقه : على أَنَّ ما ينزل من فيضٍ من ساحة القدس الإِلٰهيَّة لطُرِّ العوالم وجملة المخلوقات ، وما يصعد إِليها من كافَّة العوالم وسائر المخلوقات ؛ في هذه النَّشْأة وفي كافَّة النَّشَآت لا يكون إِلَّا بالتَّوسُّل بأَهل البيت الأَطهار عليهم السلام ، شَعَرَ المخلوق بذلك أَم لا. العاشر : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «إِنَّ اللّٰـهَ تبارك وتعالىٰ أَحَد واحد ، تفرَّدَ في وحدانيَّته ، ثُمَّ تكلَّم بكلمة فصارت نوراً ، ثُمَّ خلق من ذلك النُّور محمَّداً صلى الله عليه واله وخلقني وذرِّيَّتي ... وبنا احتجب عن خلقه ، فما زلنا في ظلَّة خضراء حيث لا شمس ولا قمر ، ولا ليل ولا نهار ، ولا عين تطرف، نعبده ونقدِّسه ، ونُسَبِّحه قبل أَنْ يخلق خلقه ...»(6). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 25 : 22 ـ 23/ح38. رياض الجنان (مخطوط). (2) في المصدر : «وكان ماضياً في الدركات». (3) بحار الأَنوار ، 22 : 147 ـ 148/ح141. (4) المصدر نفسه ، 6 : 233 ـ 234. (5) المصدر نفسه ، 15 : 8 ـ 9/ح8. تفسير فرات : 134 ـ 136. (6) بحار الأَنوار ، 26 : 291 ـ 292/ح51. كنز الفوائد : 55
معارف إِلٰهيَّة : (148) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (148) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، لازال البحث ( بحمد الله تعالى) في المطلب السابق ، وكان تحت عنوان : ( التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة) ، ووصل بنا الكلام الى بيانات و أَدلَّة المسالة ، البيان والدليل العاشر : العاشر : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «إِنَّ اللّٰـهَ تبارك وتعالىٰ أَحَد واحد ، تفرَّدَ في وحدانيَّته ، ثُمَّ تكلَّم بكلمة فصارت نوراً ، ثُمَّ خلق من ذلك النُّور محمَّداً صلى الله عليه واله وخلقني وذرِّيَّتي ... وبنا احتجب عن خلقه ، فما زلنا في ظلَّة خضراء حيث لا شمس ولا قمر ، ولا ليل ولا نهار ، ولا عين تطرف، نعبده ونقدِّسه ، ونُسَبِّحه قبل أَنْ يخلق خلقه ...»(1). الحادي عشر : بيان فاطمة الزهراء عليها السلام (2): «... الَّذي لعظمته ونوره يبتغي مَنْ في السَّماوات والأَرض إِليه الوسيلة ، ونحن وسيلته في خلقه ...»(3). الثَّاني عشر : بيان الإِمام زين العابدين عليه السلام : «فلولانا لم يخلق اللّٰـه تعالىٰ الدُّنيا والآخرة ... بنا عُرِفَ اللّٰـه ، وبنا عُبِدَ اللّٰـه ، ونحن السبيل إِلَى اللّٰـه ...»(4). الثَّالث عشر : بيان الإِمام الباقر عليه السلام : «بِنَا عُبِدَ اللّٰـه ، وبِنَا عُرِفَ اللّٰـه ، وبِنَا وُحِّدَ اللّٰـه ، ومحمَّد صلى الله عليه واله حجاب اللّٰـه»(5). الرابع عشر : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... نحن العالمون بِأَمرِهَ ، والدَّاعون إِلَى سبيله ، بِنَا عُرِفَ اللّٰـه ، وبِنَا عُبِدَ اللّٰـه ، نحن الأَدِّلَاء على اللّٰـه ، ولولانا ما عُبِدَ اللّٰـه»(6). الخامس عشر : بيانه عليه السلام أَيضاً : «ليس شيءٌ يخرج مِنْ اللّٰـه حتَّىٰ يبدأ برسول اللّٰـه صلى الله عليه واله ، ثُمَّ بأمير المؤمنين ، ثُمَّ واحداً بعد واحد ...»(7). السَّادس عشر : بيانه عليه السلام أَيضاً : «... وكان رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله وَأَمير المؤمنين عليه السلام دين اللّٰـه ووجهه وعينه في عباده ، ولسانه الَّذي ينطق به ، ويده على خلقه ، ونحن وجه اللّٰـه الَّذي يُؤْتَىٰ منه ، لن نَزَال في عباده ما دامت للّٰـه فيهم روية. قلتُ : وما الروية؟(8) قال : الحاجة ، فإذا لم يكن للّٰـه فيهم حاجة رفعنا إِليه فصنع ما أَحَبّ»(9). السَّابع عشر : بيانه عليه السلام أَيضاً : «... ونحن السَّبيل فيما بين اللّٰـه وخلقه، ونحن الرباط الأَدنىٰ ...»(10). الثَّامن عشر : بيانه عليه السلام أَيضاً : «نحن السَّبَب بينكم وبين اللّٰـه عزَّوجلَّ»(11). التَّاسع عشر : بيانه عليه السلام أَيضاً : «... ونحن أُمناؤه على خلقه ، والدُّعاة إِلى دينه ، والحجاب فيما بينه وبين خلقه ...»(12). العشرون : بيان زيارة أَهل البيت الأَطهار عليهم السلام (13) : «... مَنْ أَرَاد اللّٰـه بدأَ بكم ، ومَنْ وحَّدَه قَبِلَ عنكم ، ومَنْ قصده توجَّه بكم ...»(14). ودلالة الجميع قد اتَّضحت مِمَّا تقدَّم ، بل واضحة في نفسها ؛ فإِنَّه بعدما كانت طبقات حقائق أَهل البيت الأَطهار عليهم السلام الصَّاعدة هي : السَّبيل والوسيلة ، ووجه اللّٰـه ، والسبب ، والباب ، والحجاب ، والرباط الإِلٰهي الأَدنىٰ بين الخالق (عزَّ وجهه) وكافَّة العوالم وجملة المخلوقات بقَضِّها وقضيضها ، وبعدما كانت طبقات حقائقهم عليهم السلام هي : نظام عَالَم الوجود والخلقة على الإِطلاق قاطبة فلابُدَّ كيما يصل المخلوق وتصل أَعماله وعباداته ـ ولو كانت بمقدار حبّةٍ مِنْ خردَلٍ ـ إِلى ساحة القدس الإِلٰهيَّة ، في نعيم لا يبيد ، وسرور لا يشوبه غمّ ، وحُبُور لا يختلط به همّ ، وحياة لا تتعقَّبها وفاة، ونعمة لا يعتورها نقمة ، وحَبْوَات وحُظُوَات وكرامات ، ورعاية وقرب وجوديّ في كلِّ آنٍ من المبدأ العالي (جلَّ ذكره) في (قوس الصعود) ، وليتنعَّم بفيوضات إِلٰهيَّة لا غاية لعددها ، ولا نهاية لمددها ، ولا نفاد لأَمدها (في قوس النزول) أَنْ ينشب أَظفاره ويتمسَّكَ بِكُلِّ ما أُوتي مِنْ قُوَّةٍ ، ويتوسَّل بتلك الطبقات والقنوات الحصريَّة ، الَّتي لا يعرج من المخلوق إِلى السَّاحة الرُّبوبيَّة ولا ينزل إِليه مِنها شيء ولو كان بمقدار مثقال ذرة إِلَّا عن طريقها. بعد الإِلتفات أَيضاً : أَنَّ ما أَخذته هذه البيانات الوحيانيَّة الشَّريفة من عناوين ، كـ : عنوان : (وجه اللّٰـه) ، و(السَّبيل) ، و(السَّبب) ، و(الحجاب)، و(الرباط الأَدنىٰ) مشيرةٌ إِلى مخلوقاتٍ عظيمةٍ وخطيرةٍ ومهولةٍ جِدّاً ؛ من مخلوقات عَالَم : (الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة) ، ومن المرادفات العقليَّة للآية الإِلٰهيَّة ، وهي بعض طبقات ومراتب ودرجات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ، مهيمنة على ما تحتها من جملة العوالم وطُرِّ المخلوقات من بداية الخلقة إِلى ما لا نهاية ، وتتصرَّف فيها تصرُّف اللَّطيف في الأَغلظ ، فهي : (داخلة فيها ، لكن لا بالمزاولة والممازجة ، وخارجة عنها ، لكن لا بالمزايلة والمفارقة) ، إِذا قيست ـ جملة العوالم وطُرّ المخلوقات ـ إِليها كانت كالنقطة في بحورها الطمطامة غير المتناهية. فاغتنم. / رأي بعض المدارس البشريَّة في التَّوسُّل / هذا وقد نقل صاحب تفسير الميزان قاعدة معرفيَّة ، ذكرها أَهل المعنىٰ والمعرفة ، وهي : «أَنَّه لا بُدَّ للنَّفس النَّازلة لتحصيل معرفة الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة من التَّوسُّل بالوسائط والآيات الإِلٰهيَّة ، وهي على نمطين : فتارة تُلحظ الوسائط ـ كنزول جبرئيل عليه السلام ـ ، وأُخرىٰ لا تُلحظ». ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 26 : 291 ـ 292/ح51. كنز الفوائد : 55. (2) يجدر صرف النظر في المقام إِلى القضايا الثلاث التَّالية في حقِّ فاطمة الزهراء صلوات اللّٰـه عليها: الأُوْلَىٰ : أَنَّه من العقائد الأَساسيَّة ، ومن الأُمور المُبَدَّهة الثابتة في مدرسة أَهل البيت عليهم السلام : أَنَّ فاطمة الزَّهراء صلوات اللّٰـه عليها من ولاة الأَمر ، وهذا مقام من مقاماتها. الثَّانية : أَنَّها صلوات اللّٰـه عليها ـ بشهادة القرآن الكريم ـ من أَكبر المُحَدَّثين. بل إِذا كان جبرئيل عليه السلام نزل على مريم عليها السلام وحدَّثها فكيف بسيِّدتها : فاطمة صلوات اللّٰـه عليها. الثَّالثة : أَنَّ لها صلوات اللّٰـه عليها موقف عظيم في قضيَّة السَّقيفة ، ولولاه لعميت الحقيقة عن أَجيال المسلمين ، ولَـمَا وصلت إِلينا ـ الحقيقة ـ كاملة. وهذا يُدَلِّل على أَنَّ بينها وبين أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آلهما كفؤيَّة. (3) السقيفة وفدك : 101. شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ، 16 : 211. (4) بحار الأَنوار ، 46 : 201 ـ 203/ح77. كفاية الأَثر ، للخزَّاز : 326. (5) بحار الأَنوار ، 23 : 102/ح8 . بشارة المصطفىٰ : 119. (6) بحار الأَنوار ، 26 : 260/ح38 . توحيد الصدوق : 141. (7) بحار الأَنوار ، 26 : 92/ح20. بصائر الدرجات : 116. الإِختصاص : 313. (8) في المصدر : (الرؤية). واستظهر صاحب البحار : (رؤبة) بالهمزة والباء ، قال : «الروية : إِمَّا بالتشديد بمعنىٰ : (التَّفَكُّر) ؛ فإِنَّ من له حاجة إِلى أَحَدٍ ينظر ويتفكَّر في إِصلاح أُموره. أَو بالتَّخفيف مهموزاً ، أَي : (نظر رحمة). والأَظهر أَنَّه كان بالباء المُوحَّد ، قال الفيروزآبادي : الرؤية ويضم : الحاجة ، وعلى التقادير هي كناية عن إِرادة بقائهم وخيرهم وصلاحهم». البحار، 24 : 194. (9) بحار الأَنوار ، 24 : 197/ح23. توحيد الصدوق : 140. (10) بحار الأَنوار ، 24 : 216 ـ 217/ح8. تفسير العياشي ، 1 : 212. (11) بحار الأَنوار ، 23 : 101/ح5. أَمالي ابن الشَّيخ : 97. (12) بحار الأَنوار ، 25 : 363/ح23. المحتضر : 159 ـ 160. (13) يجدر الإِلتفات : أَنَّ في كلِّ زيارةٍ من زيارات أَهل البيت عليهم السلام معلومات ومعطيات وبيانات وحقائق تختلف عن الزيارات الأُخرىٰ. (14) بحار الأَنوار ، 99 : 131. الزيارة الجامعة الثَّانية. البلد الأَمين : 302
معارف إِلٰهيَّة : (149) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (149) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، لازال البحث ( بحمد الله تعالى) في المطلب السابق ، وكان تحت عنوان : ( التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة) ، ووصل بنا الكلام الى العنوان التالي : / رأي بعض المدارس البشريَّة في التَّوسُّل / هذا وقد نقل صاحب تفسير الميزان قاعدة معرفيَّة ، ذكرها أَهل المعنىٰ والمعرفة ، وهي : «أَنَّه لا بُدَّ للنَّفس النَّازلة لتحصيل معرفة الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة من التَّوسُّل بالوسائط والآيات الإِلٰهيَّة ، وهي على نمطين : فتارة تُلحظ الوسائط ـ كنزول جبرئيل عليه السلام ـ ، وأُخرىٰ لا تُلحظ». ويحصل في النَّمط الثَّاني : تجلِّي الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة للمخلوق مِنْ خلال الآيات الإِلٰهيَّة بدرجةٍ أَظهر وأَجلىٰ. لكنَّ : حصلت له غفلة ، بل غفلات عن هذه القاعدة في موارد مُتعدِّدة مِنْ تفسيره ، تبعاً لجملة مِنَ الفلاسفة والعرفاء والصُّوفيَّة وأَهل المعرفة مِنَ الإِماميَّة ؛ حيث قالوا : إِنَّ لكلِّ مخلوقٍ بلحاظ إِرتباطه بالسَّاحة الإِلٰهيَّة المُقَدَّسة وجهتين : إِحداهما : وجهة تسلسل الوسائط والأَسباب. وأَطلقوا عليها : «الجهة الَّتي تلي الخلق». الأُخرىٰ : وجهة مِنْ دون وسائط وأَسباب. وأَطلقوا عليها : «الجهة الَّتي تلي الرَّبّ». وفُسِّرَ بيان قوله تقدَّس ذكره : [ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ](1)بالوجهة الأُولىٰ. وبيان قوله جلَّ قدسه : [ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ] (2)بالوجهة الثانية. وغير خفيٍّ لِـمَن أَلهمه اللّٰـه الرشد ، ولاحظ ما تقدَّم من بيانات الوحي الباهرة الزاهرة ، درر الرَّحمة ، وقطرة من بحر الحكمة ، البراهين السَّاطعة الواضحة ، والحُجَج البالغة ، وصغىٰ لها سمعه ، وذلَّل لها فهمه ، وأَشغل لها قلبه : أَنَّ ما ذُكر في النمط الثَّاني ـ المُدعَّىٰ لنفي الوسائط ـ طنطنة قصَّاصين ، وفخفخة قولٍ مِمَّن داخله الشَّكّ ، واستولىٰ عليه الرَّيب ، بل سقيفة معرفيَّة ؛ أَضرُّ على : الإيمان وأَهله ، والتَّوحيد ، والمعارف الحقَّة ، وأَهل البيت عليهم السلام مِن يزيد بن معاوية وجيشه (عليهم اللعنة) ؛ لاستلزامه محاذير عقائديَّة ومعرفيَّة خطيرة جِدّاً ، منها : 1ـ معرفة ـ والعياذ باللّٰـه تعالىٰ ـ الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة بالكُنْه. 2ـ إِحاطة المخلوق بالذَّات الإِلٰهيَّة. 3ـ صيرورة المخلوق المُحيط أَعظم من خالقه (تبارك وتعالىٰ). 4ـ تصغير الشَّأن الإِلٰهي. 5ـ تشبيه الباري (جلَّ وتقدَّس) بمخلوقاته. 6ـ الغلوّ في حقِّ المخلوق المُحيط. 7ـ التَّقصير في المعرفة الإِلٰهيَّة. 8ـ الشرك الخفي(3). وغيرها من بقيَّة المحاذير ، والمعارف والعقائد الفاسدة الباطلة بضرورة الوحي والعقل ، المشمول من يرتطم بها بإِطلاق بيان قوله تعالىٰ :[ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ](4). والتَّحقيق(5): أَنَّ هذا التَّقسيم الثنائي(6) بنفسه حقٌّ ونظامٌ وحيانيٌّ ، لكنَّه لا بذلك التَّفسير ؛ فإِنَّ الوسائط والوسائل والأَسباب الإِلٰهيَّة يحتاج إِليها المخلوق بالضَّرورة في الوجهة الثانية أَيضاً ، لكنَّها لا تُلحظ ؛ لكونها محواً وفانيةً في حكاية الشأن الإِلٰهيّ ، وهو(7) على درجات. وإِلى هذا أَشارت بيانات الوحي ، منها : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام في حديث الحقيقة ، في جواب سؤال كميل بن زياد : «يا أَمير المؤمنين ، ما الحقيقة؟ فقال : ... الحقيقة كشف سبحات الجلال مِنْ غير إِشارةٍ ، قال : زدني بياناً ، قال : محو الموهوم ، وصحو المعلوم ، فقال : زدني بياناً ، قال : هتك الستر لغلبة السرّ ، فقال: زدني بياناً ، قال : نور يشرق مِنْ صبح الأَزل ؛ فيلوح على هياكل التَّوحيد آثاره ، فقال : زدني بياناً ، فقال : إِطفئ السِّراج فقد طلع الصبح»(8). فقوله صلوات اللّٰـه عليه : «الحقيقة : كشف سبحات الجلال من غير إِشارةٍ» ، وقوله عليه السلام : «محو الموهوم» ، وقوله عليه السلام : «نور يشرق مِن صبح الأَزل ؛ فيلوح على هياكل التَّوحيد آثاره» إِشارة إِلى ما قدَّمناه من تفسير للنَّحو الثاني ، وهو : (محو الوسائط والأَسباب) ؛ وإِنَّه محوٌ وفناءٌ في الحكاية ؛ لا حقيقة. وبالجملة : تحصيل المعرفة وسائر الفيوضات الإِلٰهيَّة في (قوس النَّزول)، بل وقبول الأَعمال وغيرها في (قوس الصُّعود) لا تكون إِلَّا بتوسُّط : الآيات والوسائط والوسائل والأَسباب الإِلٰهيَّة ، لكنَّها : تارة تُلحظ ، وأُخرىٰ لا تُلحظ ، ويُعبَّر عن الثانية بـ : «محو الوسائط والأَسباب»(9). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) البقرة : 115. (2) البقرة : 148. (3) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ هذه المحاذير لا تُخرج المرتطم بها عن دائرة الإِيمان والملَّة والدِّين ما دامت خفيَّة ، نعم تُخرجه عن المراتب العالية ، كمرتبة : (المخلصين). وهذا ما أَشار إِليه بيان قوله تعالىٰ التَّالي الذكر. (4) يوسف : 106. (5) هذا مبحث حسَّاس جِدّاً ، يدخل في عموم أَبواب المعرفة ، ومِنْ ثَمَّ التَّأنِّي والتَّدبُّر فيه مُفيد ونافع ومثمر جِدّاً ؛ يدفع كثير من الإِشكالات والشُّبهات ؛ منها : (شُبهة الوحدة الشَّخصيَّة) ، المرتطم بها كثير من العرفاء والصُّوفيَّة. (6) هذا التَّقسيم وإِنْ كان ظاهره ثنائي ، لكنَّ واقعه : انطواء كُلّ قسمٍ على أَنواع ومراتب ، منها : (الوجهة في الأَسباب) ، و(الوجهة في طيِّ الأَسباب). وقد خلط العرفاء والصُّوفيَّة وجعلوا : (وجهة طيّ الأَسباب) من الوجهة الَّتي تلي الرَّبّ ، والمناسب: أَنَّها من وجهة تسلسل الوسائط والأَسباب. (7) مرجع الضمير : (المحو والفناء في الحكاية). (8) بحار الأَنوار ، 40 : 87 . عيون أَخبار الرضا عليه السلام ، 1 : 233/ح1. تحف العقول : 430. عوالي اللآلي : 205/ح4. (9) هذا التَّقسيم عبارة أُخرىٰ عن الموضوعيَّة والطريقيَّة ـ أَي : الآليَّة ـ ، وهما على أَنماطٍ وضروبٍ مُتعدِّدة
معارف إِلٰهيَّة : (150) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (150) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، لازال البحث ( بحمد الله تعالى) في المطلب السابق ، وكان تحت عنوان : ( التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة) ، ووصل بنا الكلام الى خلاصة ما تقدم : وبالجملة : تحصيل المعرفة وسائر الفيوضات الإِلٰهيَّة في (قوس النَّزول)، بل وقبول الأَعمال والدعاء وسائر العبادات ؛ وقبول التوبة وغفران الذنوب وما شاكلها في (قوس الصُّعود) لا تكون إِلَّا بتوسُّط : الآيات والوسائط والوسائل والأَسباب الإِلٰهيَّة ، لكنَّها : تارة تُلحظ ، وأُخرىٰ لا تُلحظ ، ويُعبَّر عن الثانية بـ : «محو الوسائط والأَسباب»(1). نظيره : النَّظر إِلى المرآة ؛ فإِنَّه : تارة تُلحظ ويُلحظ المنعكس فيها ، وأُخرىٰ ـ أَي : حينما يشتدُّ صفاء المرآة وانعكاسها وتشتدُّ حكايتها ـ لا يُلحظ إِلَّا المنعكس فيها ، ولا ينشدُّ إِلَّا إِليه. والنَّحو الأَوَّل مشوب بحجاب الواسطة ؛ فبعد ما لم يحصل لها محو لم يَصحُ الرَّائي إِلى المرئي بيقظةٍ كاملةٍ . بخلاف النَّحو الثَّاني . وإِلى هذا النحو(2) أَشار بيان قوله (تعالىٰ ذكره) ، الحاكي لخبر بلقيس مع النَّبيّ سليمان عليه السلام : [قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ] (3). فإِنَّه مع وجود الواسطة واقعاً ـ وهي : (الصَّرح) ـ لكنَّه لتمرُّد ذاته ، وشفافيَّته وخلوصه في حكاية ذيه لم يُرِ نفسه ؛ ولم يكن حجاباً مانعاً ، ومن ثَمَّ لم تلحظه بلقيس ؛ ولم تلتفت أَو تنتبه إِليه أَو تشعر به ، وحسبته المحكي ؛ وهو : اللُّجَّة ؛ أَي : الماء الغزير ، ومِنْ ثَمَّ كشفت عن ساقيها لتتخطَّاه ، ولَـمَّا أُخبرت بالواقع ـ وأَنَّه صَرْحٌ مُـمَرَّدٌ ؛ اي : تـمَرَّدت ذاته في حكاية ذيه ـ آمنت مِنْ دون نظر وتروِّي ومهلة وتدبُّر ؛ لكونها التقطت إِشارة معرفيَّة توحيديَّة إِلى معنىٰ : (تجلِّي وظهور الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) في المخلوقات المُكرَّمة ؛ طبقات(4) حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة. وهذه القضيَّة الَّتي أنجبتها أَلفاظ بيانات الوحي ، وولَّدتها طاهر كلماته، وأَظهرتها كالشَّمس الضَّاحية بياناته الواضحة الَّتي لا نهاية لعددها ولا نفاد لمددها ؛ فبزغت ماثلة لكلِّ عينٍ ، مالئة لكلِّ سمعٍ كبراها(5) عقليَّة وبديهيَّة قبل أَنْ تكون وحيانيَّة. نعم صغراها (6) وتشخيص مصاديقها (الطبقات الصَّاعدة لحقائق أَهل البيت : سيِّد الأَنبياء مُحمَّد صلى الله عليه واله والعترة الأَطهار عليهم السلام) قضيَّة وحيانيَّة ، لا دخل للعقل بها ؛ لكونها مِن عوالم خارجة عن مِكنته وحريمه وَحَدِّه ، ومِنْ ثَمَّ مهما بَعُدَ في الغوص والغور لا ينال حقيقتها. فتأَمَّل جيِّداً. / مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى / ومِنْ كلِّ هذا : تتجلَّىٰ الغشاوة عن أَبصار مُتأمِّلي كثير من بيانات الوحي(7) ودلائله النيِّرة وبراهينه الباهرة ، وينقشع العمىٰ عن عيون متدبِّريها ، ليمتد بصرهم إِلى أَعنان عوالم لم يصل إِليها فكر وخيال ملك مُقرَّب ولا نبيٍّ مرسل ولا مؤمن ممتحن ، ليزدادوا في هذا الأَمر : بصيرة وسروراً ، وإِيماناً مع إِيمانهم ، ويقيناً ورغبةً وتصديقاً بشرع السَّماء ، وكرامة وزلفىٰ وأثَرَة عند اللّٰـه. وهذه مِنَّة من اللّٰـه (جلَّ شأنه) يجب شكرها. وهلمَّ معي لنكشف نقاب بعض طوائفها ؛ المُترادفة عقلاً مع ما تقدَّمها وما يتلوها ؛ ليعضد بعضها الآخر لترتقي من درجات اليقين الحاصلة من نفس طائفتها إِلى درجات أَرقىٰ من اليقين والقطع العقلي والوحياني غيرالمتناهي(8) ، ونخرج بعض لبابها وشذرات من دررها. / طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة انعكاسات لصفات الذَّات المُقدَّسة / / صفات أهل البيت عليهم السلام وشؤونهم تجلِّيات لصفات وشؤون الذَّات الإِلهيَّة / / الطَّائفة الأُولىٰ ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين (صلوات اللّٰـه عليه) في خطبةٍ في جامع البصرة : «معاشر المؤمنين والمسلمين : إِنَّ اللّٰـه (عزَّوجلَّ) أَثنىٰ على نفسه فقال: «هو الأَوَّل ... والآخِر ... والظَّاهر ... والباطن ... سلوني قبل أَنْ تفقدوني ، فأَنا الأَوَّل ، وَأَنا الآخر» ، إِلى آخِر كلامه ، فبكىٰ أَهل البصرة كلّهم، وصلّوا عليه»(9). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) هذا التَّقسيم عبارة أُخرىٰ عن الموضوعيَّة والطريقيَّة ـ أَي : الآليَّة ـ ، وهما على أَنماطٍ وضروبٍ مُتعدِّدة. (2) أَي : النحو الثَّاني. (3) النمل : 44. (4) هذه العبارة تعود : (للتَّجَلِّي والظُّهور) ؛ فإِنَّ الخالق (تقدَّس ذكره) يتجلَّىٰ ويظهر للمخلوقات في طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة. (5) أَي : اِسْتِحَالَة وصول المخلوق للذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة من دون واسطة ووسيلة إِلٰهيَّة. (6) أَي : إِنَّ طبقات حقائق أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المُتوسطة والنَّازلة هي الواسطة والوسيلة الإِلٰهيَّة الفاردة لطُرِّ العوالم وجملة المخلوقات. (7) ينبغي الإِلتفات : أَنَّه من خلال ما تقدَّم ستنحل شفرات كم هائل من بيانات الوحي عين اليقين وحقيقته ، وصراط الحقّ وعصمته ، المستعصي حلّها وفهمها وهضمها عبر القرون على مَنْ تعامل معها ، فاضطرَّه إِمَّا إِلى دفع حُجِّيَّتها أَو رفعها وإسقاطها سنداً أَو متناً ؛ بالتَّأويل وما شاكله ، أَو إِحالتها على أَهلها (صلوات اللّٰـه عليهم) على أَفضل الأَحوال ، لكنَّه سيتِّضح (إِنْ شاء اللّٰـه تعالىٰ) : أَنَّ تلك التَّأويلات وذلك الدَّفع أَو الرفع فخفخة قول مِمَّن داخله الشَّكّ واستولىٰ عليه الرَّيب ، بل تخطب على نفسها : أَنَّ هذا الصنيع ظاهر التكلُّف ، بَيِّن التوليد ، وجرأة على الشريعة القويمة ، وهتك لأَستار السُّنَّة الكريمة ، ولو مشينا مع ذلك الكم الهائل من بيانات الوحي كما تشاء الصناعة العلميَّة والقواعد الأُصوليَّة لوجدنا منها الكم الغفير مقطوع الصدور والدلالة بالقطع العقلي ، بل الوحياني من خلال التَّرادف العقلي وغيره ، ومن ثَمَّ لا يبقىٰ مجال لموقف الشَّكّ ، أَو ميداناً لمُشكِّكٍّ. (8) إِنَّ اليقين والقطع بعدما كانا على درجات ومراتب غير متناهية فتلك البيانات الوحيانيَّة المُتقدِّمة وما سيأتي (إِنْ شاء اللّٰـه تعالىٰ) وإِنْ كانت كُلُّ طائفةٍ تورث بنفسها اليقين والقطع العقلي ، بل والوحياني ، لكن : بضم بعضها إِلى الآخر ستحصل درجات ومراتب أَرقىٰ من اليقين والقطع العقلي والوحياني غيرالمتناهي. فالتفت ، واغتنم. (9) بحار الأَنوار ، 39 : 348/ح20. مناقب آل أَبي طالب ، 1 : 512 ـ 514
معارف إِلٰهيَّة : (151) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (151) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، لازال البحث ( بحمد الله تعالى) في المطلب السابق ، وكان تحت عنوان : ( التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة) ، ووصل بنا الكلام الى الطلب التالي : / مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى / ومِنْ كلِّ هذا : تتجلَّىٰ الغشاوة عن أَبصار مُتأمِّلي كثير من بيانات الوحي(1) ودلائله النيِّرة وبراهينه الباهرة ، وينقشع العمىٰ عن عيون متدبِّريها ، ليمتد بصرهم إِلى أَعنان عوالم لم يصل إِليها فكر وخيال ملك مُقرَّب ولا نبيٍّ مرسل ولا مؤمن ممتحن ، ليزدادوا في هذا الأَمر : بصيرة وسروراً ، وإِيماناً مع إِيمانهم ، ويقيناً ورغبةً وتصديقاً بشرع السَّماء ، وكرامة وزلفىٰ وأثَرَة عند اللّٰـه. وهذه مِنَّة من اللّٰـه (جلَّ شأنه) يجب شكرها. وهلمَّ معي لنكشف نقاب بعض طوائفها ؛ المُترادفة عقلاً مع ما تقدَّمها وما يتلوها ؛ ليعضد بعضها الآخر لترتقي من درجات اليقين الحاصلة من نفس طائفتها إِلى درجات أَرقىٰ من اليقين والقطع العقلي والوحياني غيرالمتناهي(2) ، ونخرج بعض لبابها وشذرات من دررها. / طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة انعكاسات لصفات الذَّات المُقدَّسة / / صفات أهل البيت عليهم السلام وشؤونهم تجلِّيات لصفات وشؤون الذَّات الإِلهيَّة / الطَّائفة الأُولىٰ ، ويُمثِّلها : أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين (صلوات اللّٰـه عليه) في خطبةٍ في جامع البصرة : «معاشر المؤمنين والمسلمين : إِنَّ اللّٰـه (عزَّوجلَّ) أَثنىٰ على نفسه فقال: «هو الأَوَّل ... والآخِر ... والظَّاهر ... والباطن ... سلوني قبل أَنْ تفقدوني ، فأَنا الأَوَّل ، وَأَنا الآخر» ، إِلى آخِر كلامه ، فبكىٰ أَهل البصرة كلّهم، وصلّوا عليه»(3). ثانياً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «... وأَنا ... قلب اللّٰـه وبابه الَّذي يؤتىٰ منه ، ادخلوا الباب سُجَّداً أَغْفِر لكم خطاياكم وأَزيد المحسنين ...»(4). ثالثاً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «... ولولا مَا نَهَىٰ اللّٰـهُ عَنْهُ مِنْ تَزْكيةِ المَرءِ نَفسَهُ؛ لَذَكَرَ ذَاكِرٌ فَضَائلَ جَمَّةً ، تَعرِفُهَا قُلُوب المُؤمِنينَ ، ولا تَمُجُّهَا آذَانُ السَّامِعينَ ، فَدَعْ عَنْكَ مَنْ مَالَتْ بِهِ الرَّمِيَّةُ ، فَإنَّا صَنَائعُ رَبِّنَا ، والنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا ...»(5).(6) رابعاً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «... لا تجعلونا أَرباباً وقولوا في فَضْلِنَا ما شِئْتُم؛ فإِنَّكم لا تبلغون كُنْه ما فينا ولا نهايته ... لا تُسَمُّونا أَرباباً وقولوا في فضلنا مَا شِئْتُم ؛ فإِنَّكم لَنْ تبلغوا مِنْ فضلنا كُنْه ما جعله اللّٰـه لنا ، ولا معشار العشر...»(7). (8) خامساً : بيانهم عليهم السلام : «لنا مع اللّٰـه حالات : هو هو ، ونحن نحن ، وهو نحن ، ونحن هو»(9). سادساً : بيان أَبي جعفر عليه السلام ، عن أَبي حمزة ، قال : «سئلتُ أَبا جعفر عليه السلام عن قول اللّٰـه : [وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا] (10)، قال: تفسيرها في بطن القرآن : عَلِيّ هو ربُّه في الولاية والطَّاعة ، والرَّبُّ هو : الخالق الَّذي لا يوصف»(11). سابعاً : بيان تفسيرهم صلوات اللّٰـه عليهم لبيان قوله تعالىٰ :« [أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا] (12)... : يرد إِلى أَمير المؤمنين عليه السلام فيُعذِّبه عذاباً نكراً حتَّىٰ يقول : [يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا] (13)... أَي: من شيعة أَبي تراب»(14). ثامناً : بيان النَّاحية المُقدَّسة : «... ونحن صنائع ربُّنا ، والخلق بَعْدُ صنائعنا»(15). تاسعاً : بيان دعاء أَيّام شهر رجب ، عن النَّاحية المُقدَّسة أَيضاً ، الوارد في حَقِّ أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ ... بما نطق فيهم من مشيئتِكَ ، فجعلتهم معادنَ لكلماتِكَ ، وأَركاناً لتوحيدكَ ، وآياتكَ ومقاماتكَ الَّتي لا تعطيل لها في كُلِّ مكانٍ ، يَعْرِفُكَ بها مَنْ عَرَفَكَ ، لَا فرق بينكَ وبينها إِلَّا أَنَّهم عبادُكَ وَخَلقُك ، فتقُها وَرَتقُها بيدِكَ ، بدؤها مِنكَ وعودُها إِلَيْكَ ... فبهم ملأَتَ سماءكَ وَأَرضكَ حتَّىٰ ظهر : أَن لا إِلٰهَ إِلَّا أَنْتَ ...»(16). ودلالتها قد اِتَّضحَت ؛ فإِنَّه بعدما كانت طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسطة والنَّازلة نظام عَالَم الخلقة والوجود والإِمكان على الإِطلاق قاطبة ، ووسائط الفيض الإِلٰهيّ الفاردة ، والوسيلة الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة الحصريَّة ، ووجه اللّٰـه ، والسَّبيل والسَّبب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ التَّكويني الحصري والأَدنىٰ بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ(17) ـ (جلَّ وتقدَّس) وجملة العوالم وطُرّ المخلوقات كانت تلك الطَّبقات خالصة من شائبة الأَنا والمخلوقيَّة ، وانمحت لشدَّة خلوصها ماهيَّاتها وذواتها الممكنة ؛ فلم يُرَ فيها ماهيَّة : (مُحَمَّد ، وعَلِيّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ...) ، وفنيت في الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة فناء حكاية انعكست فيها جميع صفات وأَسمآء وشؤون الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة إِلَّا الأُولوهيَّة ، لخروجها تخصُّصاً وموضوعاً ، فكما أَنَّ اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ صاحب الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المقدَّسة هو : (اللّٰـه ، رحمٰن ، رحيم ، ملك ، قدوس ، سلام ، مؤمن ، مهيمن ، عزيز ، جبَّار ، مُتكبِّر ، خالق ، بارئ ، مصوُّر ، غفَّار ، قهَّار، وهَّاب ، رزَّاق ، فتَّاح ، عليم ، قابض ، باسط ، خافض ، رافع ، معز ، مذل ، سميع ، بصير ، لطيف ، خبير ، عظيم ، عَلِيّ ، مقيت ، رقيب ، مُجيب ، شهيد، حقٌّ ، قويٌّ ، متين ، محصي ، محي ، مميت ، حيّ ، قيُّوم ، واحد ، صمد ، قادر ، مقتدر ، أَوَّل ، آخر ، ظاهر ، باطن ، توَّاب ، منتقم ، عفو ، رؤوف ، غني ، مغني ، مانع ، ضار ، نافع ، هادي ، باقي ، بديع ، وارث) وهلمَّ جرّاً من سائر الأَسمآء الإِلٰهيَّة الحُسنىٰ ، وموصوف بما يلائمها من الصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة المقدَّسة كذلك طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة تتَّصف بهذه الأَسمآء والصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة المقدَّسة ، وتفعل أَفاعيلها ، لكن لا بالأَصالة ، بل بالتَّبع وبالتَّجَلِّي والظُّهور والإِفاضة ، كرماً وعطيَّة من الذَّات الإِلٰهيَّة المقدَّسة ، وتفعل أَفاعيله بإِذنه (عزَّ ذكره). وهذا ما أَشارت إِليه بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ينبغي الإِلتفات : أَنَّه من خلال ما تقدَّم ستنحل شفرات كم هائل من بيانات الوحي عين اليقين وحقيقته ، وصراط الحقّ وعصمته ، المستعصي حلّها وفهمها وهضمها عبر القرون على مَنْ تعامل معها ، فاضطرَّه إِمَّا إِلى دفع حُجِّيَّتها أَو رفعها وإسقاطها سنداً أَو متناً ؛ بالتَّأويل وما شاكله ، أَو إِحالتها على أَهلها (صلوات اللّٰـه عليهم) على أَفضل الأَحوال ، لكنَّه سيتِّضح (إِنْ شاء اللّٰـه تعالىٰ) : أَنَّ تلك التَّأويلات وذلك الدَّفع أَو الرفع فخفخة قول مِمَّن داخله الشَّكّ واستولىٰ عليه الرَّيب ، بل تخطب على نفسها : أَنَّ هذا الصنيع ظاهر التكلُّف ، بَيِّن التوليد ، وجرأة على الشريعة القويمة ، وهتك لأَستار السُّنَّة الكريمة ، ولو مشينا مع ذلك الكم الهائل من بيانات الوحي كما تشاء الصناعة العلميَّة والقواعد الأُصوليَّة لوجدنا منها الكم الغفير مقطوع الصدور والدلالة بالقطع العقلي ، بل الوحياني من خلال التَّرادف العقلي وغيره ، ومن ثَمَّ لا يبقىٰ مجال لموقف الشَّكّ ، أَو ميداناً لمُشكِّكٍّ. (2) إِنَّ اليقين والقطع بعدما كانا على درجات ومراتب غير متناهية فتلك البيانات الوحيانيَّة المُتقدِّمة وما سيأتي (إِنْ شاء اللّٰـه تعالىٰ) وإِنْ كانت كُلُّ طائفةٍ تورث بنفسها اليقين والقطع العقلي ، بل والوحياني ، لكن : بضم بعضها إِلى الآخر ستحصل درجات ومراتب أَرقىٰ من اليقين والقطع العقلي والوحياني غيرالمتناهي. فالتفت ، واغتنم. (3) بحار الأَنوار ، 39 : 348/ح20. مناقب آل أَبي طالب ، 1 : 512 ـ 514. (4) بحار الأَنوار ، 39 : 348/ح20. (5) المصدر نفسه ، 33 : 58/ح398. نهج البلاغة/باب : المختار من الكتب : 413/كتاب : (28). (6) قال صاحب البحار مُعَلِّقاً على عجز هذا المقطع : «هذا كلام مشتمل على أَسرار عجيبة من غرائب شأنهم الَّتي تعجز عنها العقول ...». وقال ابن أَبي الحديد في شرح عجز هذا المقطع ، 15: 194 : «هذا كلام عظيم ، عالٍ على الكلام ، ومعناه عالٍ على المعاني ...». (7) بحار الأَنوار ، 26 : 1 ـ 7/ح1. (8) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ هذا البيان ثبت بالاستقراء اليسير ، وفي بعض المصادر الحديثيَّة : أَنَّ له اثنى عشر طريقاً. (9) مصباح الهداية : 114. (10) الفرقان : 55. (11) بحار الأَنوار ، 35 : 369 ـ 370/ح14. بصائر الدرجات : 21 ـ 22. (12) الكهف : 87. (13) النبأ : 40. (14) بحار الأَنوار ، 24 : 262 ـ 263/ح20. كنز الفوائد : 369. (15) بحار الأَنوار ، 53 : 178/ح9. غيبة الشَّيخ : 184 ـ 185. الإِحتجاج : 253. (16) بحار الأَنوار ، 95 : 393. (17) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ استعمال الإِسم الإِلٰهيّ كـ : اسم (اللّٰـه) على نحوين ، فتارة يُطلق ويُراد به المُسَمَّىٰ ، وما وراء الإِسم الإِلٰهيّ ، أَي : الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وأُخرىٰ يُطلق ويُراد به نفس الإِسم الإِلٰهيّ ، وهو : مخلوق عظيم وخطير ومهول جِدّاً ، من مخلوقات عَالَم الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ، وهو احد طبقات حقائق اهل البيت صلوات الله عليهم الصاعدة ، يحكي الَّذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة من وجهٍ ، مهيمن على ما تحته من عوالم ومخلوقات ، ويتصرَّف فيها تصرُّف اللَّطيف في الأَغلظ ، فهو : «داخل فيها لكن لا بالمزاولة والممازجة ، وخارج عنها لكن لا بالمزايلة والمفارقة». والاستعمال الأَوَّل هو الأَكثر إِنسباقاً إِلى الذهن ، وهو استعمال آلي وطريقي للوصول إِلى ما وراء حقيقته وواقعيَّته الشَّريفة ، والاستعمال الثَّاني موضوعي. ثُمَّ إِنَّه ينبغي الإِلتفات أَيضاً : أَنَّ الآليَّة والموضوعيَّة ليست في لفظ الإِسم الإِلٰهيّ المقدَّس ، ولا في معناه ، بل في ما وراء المعنىٰ من واقعيَّة وحقيقة مُقدَّسة ، فينظر إِلى تلك الواقعيَّة والحقيقة المُقدَّسة تارة بما هو آية وعلامة مشير وحاكي للذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وأُخرىٰ بما هو هو كواقعيَّة وحقيقة ووجود مُقدَّس ، مخلوق خطير ومهول وعظيم جِدّاً من عَالَم الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ؛ عَالَم السَّرمد والأَزَل ، والمُعبَّر عنه في بيانات الوحي بـ : عنوان : (عنده). فالتفت
معارف إِلٰهيَّة : (152) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (152) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، لازال البحث في الطائفة الاولى ، وكانت تحت عنوان : « طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة انعكاسات لصفات الذَّات المُقدَّسة » ، وعنوان : « صفات أهل البيت عليهم السلام وشؤونهم تجلِّيات لصفات وشؤون الذَّات الإِلهيَّة » ، « ووصل بنا الكلام الى البيان والدليل الثامن من مصاديق هذه الطائفة : ثامناً : بيان النَّاحية المُقدَّسة : «... ونحن صنائع ربُّنا ، والخلق بَعْدُ صنائعنا»(1). تاسعاً : بيان دعاء أَيّام شهر رجب ، عن النَّاحية المُقدَّسة أَيضاً ، الوارد في حَقِّ طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الصاعدة : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ ... بما نطق فيهم من مشيئتِكَ ، فجعلتهم معادنَ لكلماتِكَ ، وأَركاناً لتوحيدكَ ، وآياتكَ ومقاماتكَ الَّتي لا تعطيل لها في كُلِّ مكانٍ ، يَعْرِفُكَ بها مَنْ عَرَفَكَ ، لَا فرق بينكَ وبينها إِلَّا أَنَّهم عبادُكَ وَخَلقُك ، فتقُها وَرَتقُها بيدِكَ ، بدؤها مِنكَ وعودُها إِلَيْكَ ... فبهم ملأَتَ سماءكَ وَأَرضكَ حتَّىٰ ظهر : أَن لا إِلٰهَ إِلَّا أَنْتَ ...»(2). ودلالتها قد اِتَّضحَت ؛ فإِنَّه بعدما كانت طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسطة والنَّازلة نظام عَالَم الخلقة والوجود والإِمكان على الإِطلاق قاطبة ، ووسائط الفيض الإِلٰهيّ الفاردة ، والوسيلة الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة الحصريَّة ، ووجه اللّٰـه ، والسَّبيل والسَّبب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ التَّكويني الحصري والأَدنىٰ بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ( 3) ـ (جلَّ وتقدَّس) وجملة العوالم وطُرّ المخلوقات كانت تلك الطَّبقات خالصة من شائبة الأَنا والمخلوقيَّة ، وانمحت لشدَّة خلوصها ماهيَّاتها وذواتها الممكنة ؛ فلم يُرَ فيها ماهيَّة : (مُحَمَّد ، وعَلِيّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ...) ، وفنيت في الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة فناء حكاية انعكست فيها جميع صفات وأَسمآء وشؤون الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة إِلَّا الأُولوهيَّة ، لخروجها تخصُّصاً وموضوعاً ، فكما أَنَّ اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ صاحب الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المقدَّسة هو : (اللّٰـه ، رحمٰن ، رحيم ، ملك ، قدوس ، سلام ، مؤمن ، مهيمن ، عزيز ، جبَّار ، مُتكبِّر ، خالق ، بارئ ، مصوُّر ، غفَّار ، قهَّار، وهَّاب ، رزَّاق ، فتَّاح ، عليم ، قابض ، باسط ، خافض ، رافع ، معز ، مذل ، سميع ، بصير ، لطيف ، خبير ، عظيم ، عَلِيّ ، مقيت ، رقيب ، مُجيب ، شهيد، حقٌّ ، قويٌّ ، متين ، محصي ، محي ، مميت ، حيّ ، قيُّوم ، واحد ، صمد ، قادر ، مقتدر ، أَوَّل ، آخر ، ظاهر ، باطن ، توَّاب ، منتقم ، عفو ، رؤوف ، غني ، مغني ، مانع ، ضار ، نافع ، هادي ، باقي ، بديع ، وارث) وهلمَّ جرّاً من سائر الأَسمآء الإِلٰهيَّة الحُسنىٰ ، وموصوف بما يلائمها من الصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة المقدَّسة كذلك طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة تتَّصف بهذه الأَسمآء والصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة المقدَّسة ، وتفعل أَفاعيلها ، لكن لا بالأَصالة ، بل بالتَّبع وبالتَّجَلِّي والظُّهور والإِفاضة ، كرماً وعطيَّة من الذَّات الإِلٰهيَّة المقدَّسة ، وتفعل أَفاعيله بإِذنه (عزَّ ذكره). وهذا ما أَشارت إِليه بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان أَمير المؤمنين (صلوات اللّٰـه عليه) ، فإِنَّه سُئِلَ عن العَالَم العلوي فقال : «صور عارية من المواد ، عالية عن القُوَّة والإِستعداد ، تجلَّىٰ لها فأَشرقت ، وطالعها فتلألأت ، وأَلقىٰ في هويَّتها مِثاله فأَظهر عنها أَفعاله ...»(4). نظيره : أَوَّلاً : المرآة شديدة : الصقل ، والصَّفاء ، والفناء ، والحكاية ، والإِنعكاس ؛ فإِنَّها بعدما كانت فانية فناء حكاية في محكيِّها ، فلا تُري نفسها ، بل محكيِّها انطبعت فيها كافَّة صفات وشؤون محكيِّها ـ الشَّاخص الخارجي ـ ، وأَخذت صورتها بالتَّبع جملة صفاته وأَسمائه وشؤونه إِلَّا ما خرج موضوعاً وتخصُّصاً. وإِلى هذا أَشاربيان القاعدة المعرفية : « خلق الله المرآة وجعل فيها اسراراً » ، المستفادة من بيانات الوحي ، منها : بيان خطبة أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «الحمدُ للّٰـه الَّذي ... تتلقَّاه الأَذهان لا بمشاعرة ، وتشهد له المرائي لا بمحاضرة ، لم تحط به الأَوهام ، بل تجلَّىٰ لها بها ، وبها امتنع منها ، وإِليها حاكمها ...»(5). ثانياً : (الصَّرح) الوارد في قضيَّة بلقيس مع النَّبيّ سليمان عليه السلام ، الواردة في بيان قوله جلَّ قوله : قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(6)، فإِنَّه لشدَّة خلوصه وصفائه وانعكاسه وتمرُّد وفناء ذاته في الحكاية ، فلم يُرِ نفسه ، بل محكيِّه ـ اللُّجَّة ، أَي: الماء الغزير ـ انعكست فيه(7) جميع صفاته(8) وأَسمائه وشؤونه ، فحسبته ماءً غزيراً فكشفت عن ساقيها لتتخطَّاه ، ولَـمَّا أُخبرت بالواقع ؛ وأَنَّه : (صرح مُمَّرد) تمرَّدت ذاته وفنيت في حكاية ذيه آمنت بالله تعالىٰ من دون نظر وتدبُّر ومهلة وتردُّد ؛ لإِلتقاطها إِشارة معرفيَّة توحيديَّة إِلى معنىٰ تجلِّي وظهور الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة في المخلوقات المُكرَّمة ، راس هرمها : طبقات حقائق اهل البيت عليهم السلام الصاعدة . ومنه يتَّضح : ما تقدَّم من بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان قولهم عليهم السلام : «... هو هو ، ونحن نحن ، وهو نحن ، ونحن هو» ؛ فإِنَّه لَـمَّا لم يكن هناك فارق بين الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة وطبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة من جهة الحكاية ـ لا من جهة التَّحَقُّق والواقع ـ كان اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ ثناؤه) : (هو نحن ، ونحن هو)، لكنَّه لَـمَّا كان من جهة التَّحَقُّق والحقيقة والواقع ؛ وأَنَّ الحاكي غير المحكي صار : (هو هو ، ونحن نحن) ، فاللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ اسمه) إِلٰه وخالق ومعبود ، وأَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) بجميع طبقات حقائقهم منها الصَّاعدة مألوهين وعباد مخلوقين ، وصفاته (تعالىٰ ذكره) بالذَّات والأَصالة ، وصفاتهم عليهم السلام بالغير وبالتَّبع وحكاية ووجود ظلِّي لصفاته تعالىٰ ، وهو (جلَّ ذكره) غنيّ بالذَّات ، وهم صلوات اللّٰـه عليهم وإِنْ كانوا أَغنياء عن سائر المخلوقات لكنَّهم فقراء ومحتاجين إِليه (علا ذكره). وعلى هذا قس بيان النَّاحية المُقدَّسة : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ ... بما نطق فيهم من مشيئتِكَ ، فجعلتهم ... آياتِكَ ومقاماتِكَ ... يعرفكَ بِها من عرفَكَ، لا فرق بينَكَ وبينها إِلَّا أَنَّهم عبادكَ وخلقكَ ...». ثانياً : بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «هو : الأَوَّل ، والآخر ، والظَّاهر ، والباطن ، سلوني قبل أَنْ تفقدوني ؛ فأَنا : الأَوَّل وأَنَا الآخر ...» ؛ فإِنَّه لَـمَّا كان هناك إِتِّحاد في الحكاية بين الذَّات ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 53 : 178/ح9. غيبة الشَّيخ : 184 ـ 185. الإِحتجاج : 253. (2) بحار الأَنوار ، 95 : 393. ( 3 ) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ استعمال الإِسم الإِلٰهيّ كـ : اسم (اللّٰـه) على نحوين ، فتارة يُطلق ويُراد به المُسَمَّىٰ ، وما وراء الإِسم الإِلٰهيّ ، أَي : الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وأُخرىٰ يُطلق ويُراد به نفس الإِسم الإِلٰهيّ ، وهو : مخلوق عظيم وخطير ومهول جِدّاً ، من مخلوقات عَالَم الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ، وهو احد طبقات حقائق اهل البيت صلوات الله عليهم الصاعدة ، يحكي الَّذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة من وجهٍ ، مهيمن على ما تحته من عوالم ومخلوقات ، ويتصرَّف فيها تصرُّف اللَّطيف في الأَغلظ ، فهو : «داخل فيها لكن لا بالمزاولة والممازجة ، وخارج عنها لكن لا بالمزايلة والمفارقة». والاستعمال الأَوَّل هو الأَكثر إِنسباقاً إِلى الذهن ، وهو استعمال آلي وطريقي للوصول إِلى ما وراء حقيقته وواقعيَّته الشَّريفة ، والاستعمال الثَّاني موضوعي. ثُمَّ إِنَّه ينبغي الإِلتفات أَيضاً : أَنَّ الآليَّة والموضوعيَّة ليست في لفظ الإِسم الإِلٰهيّ المقدَّس ، ولا في معناه ، بل في ما وراء المعنىٰ من واقعيَّة وحقيقة مُقدَّسة ، فينظر إِلى تلك الواقعيَّة والحقيقة المُقدَّسة تارة بما هو آية وعلامة مشير وحاكي للذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وأُخرىٰ بما هو هو كواقعيَّة وحقيقة ووجود مُقدَّس ، مخلوق خطير ومهول وعظيم جِدّاً من عَالَم الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ؛ عَالَم السَّرمد والأَزَل ، والمُعبَّر عنه في بيانات الوحي بـ : عنوان : (عنده). فالتفت. (4) بحار الأَنوار ، 40 : 165. (5) بحار الأَنوار ، 4 : 261/ح9. (6) النمل : 44 . (7) مرجع ضمير : (فيه) : (الصرح) ، كمرجع الضمائر المُتقدِّمة ؛ المُتصلة بكلمة : (فإِنَّه) و(صفائه) و(انعكاسه) و(ذاته). و(نفسه) و(محكيِّه). (8) مرجع الضمير المُتَّصل بكلمة : (صفاته) و(أسمائه) و(شؤونه) و(لتتخطَّاه) : المحكي ، وهو : اللُّجَّة ، أَي : الماء الغزير والوفير
معارف إِلٰهيَّة : (153) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (153) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، لازال البحث في الطائفة الاولى ، وكانت تحت عنوان : « طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة انعكاسات لصفات الذَّات المُقدَّسة » ، وعنوان : « صفات أهل البيت عليهم السلام وشؤونهم تجلِّيات لصفات وشؤون الذَّات الإِلهيَّة » ، « ووصل بنا الكلام الى العنوان التالي : / ومنه يتَّضح : ما تقدَّم من بيانات الوحي ، منها : / أَوَّلاً : بيان قولهم عليهم السلام : «... هو هو ، ونحن نحن ، وهو نحن ، ونحن هو» ؛ فإِنَّه لَـمَّا لم يكن هناك فارق بين الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة وطبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة من جهة الحكاية ـ لا من جهة التَّحَقُّق والواقع ـ كان اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ ثناؤه) : (هو نحن ، ونحن هو)، لكنَّه لَـمَّا كان من جهة التَّحَقُّق والحقيقة والواقع ؛ وأَنَّ الحاكي غير المحكي صار : (هو هو ، ونحن نحن) ، فاللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ اسمه) إِلٰه وخالق ومعبود ، وأَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) بجميع طبقات حقائقهم منها الصَّاعدة مألوهين وعباد مخلوقين ، وصفاته (تعالىٰ ذكره) بالذَّات والأَصالة ، وصفاتهم عليهم السلام بالغير وبالتَّبع وحكاية ووجود ظلِّي لصفاته تعالىٰ ، وهو (جلَّ ذكره) غنيّ بالذَّات ، وهم صلوات اللّٰـه عليهم وإِنْ كانوا أَغنياء عن سائر المخلوقات لكنَّهم فقراء ومحتاجين إِليه (علا ذكره). وعلى هذا قس بيان النَّاحية المُقدَّسة : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ ... بما نطق فيهم من مشيئتِكَ ، فجعلتهم ... آياتِكَ ومقاماتِكَ ... يعرفكَ بِها من عرفَكَ، لا فرق بينَكَ وبينها إِلَّا أَنَّهم عبادكَ وخلقكَ ...». ثانياً : بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «هو : الأَوَّل ، والآخر ، والظَّاهر ، والباطن ، سلوني قبل أَنْ تفقدوني ؛ فأَنا : الأَوَّل وأَنَا الآخر ...» ؛ فإِنَّه لَـمَّا كان هناك اتِّحاد في الحكاية بين الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة وطبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة انعكست ـ في هذه الطَّبقات ـ جميع أَسماء وصفات وشؤون الذَات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة إِلَّا الأُلوهيَّة ؛ واتَّصفت بأَسمآء وصفات وشؤون الباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (عزَّ وجهه) ؛ فكما هو : (الأَوَّل ، والآخر ، والظَّاهر ، والباطن) كذلك أَهل البيت الأَطهار (صلوات اللّٰـه عليهم) ، لاسيما أَمير المؤمنين رأس الهرم بعد سيِّد الأَنبياء (صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آلهما) ؛ فإِنَّه عليه السلام بلحاظ تلك الطَّبقات الشَّريفة هو : (الأَوَّل ، والآخر ، والظَّاهر ، والباطن). وعلى هذا قس بيانه (صلوات اللّٰـه عليه) الآخر : «... وأَنَا ... قلب اللّٰـه وبابه الَّذي يؤتىٰ منه ، ادخلوا الباب سُجَّداً أَغفر لكم خطاياكم وأزيد المحسنين ...» ؛ فإِنَّه بعدما انعكست كافَّة الأَسمآء والصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة إِلَّا الأُلوهيَّة في طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ؛ لاسيما طبقات حقيقة أَمير المؤمنين (صلوات اللّٰـه عليه) الصَّاعدة كان الاسم الإِلٰهي : (الغفَّار) و(المحسن) بعض تلك الأَسمآء الإِلٰهيَّة المُنعكسة في تلك الطَّبقات ، ومن ثَمَّ مَنْ يُطيعه عليه السلام يغفر له خطاياه ما تقدَّم منها وما تأَخر ويزيد المحسنين ، كُلُّ ذلك بإذن اللّٰـه (جلَّ قدسه) وبقوَّته وفضله ومدده وعطائه. فافهم ، وتأَمَّل جيِّداً. وبيان الإِمام الباقر عليه السلام المُفسِّر لبيان قوله عزَّ قوله : [ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا] قال: «تفسيرها في بطن القرآن : عَلِيّ هو ربُّه في الولاية والطَّاعة ، والرَّبُّ هو : الخالق الَّذي لا يوصف». وبيان تفسيرهم (صلوات اللّٰـه عليهم) لبيان قوله تعالىٰ : [ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا ] «... : يرد إِلى أَمير المؤمنين عليه السلام فيُعذِّبه عذاباً نكراً حتَّىٰ يقول : [يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ] أي : من شيعة أَبي تراب». فإِنَّ من ضمن الأَسمآء والصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة المُنعكسة في طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة لاسيما طبقات حقيقة أَمير المؤمنين (صلوات اللّٰـه عليه) الصَّاعدة الاسم الإِلٰهي : (الرَّبّ) ؛ القاضي بإدارة شؤون عوالم الخلقة والمخلوقات ، والاسم الإِلٰهي : (الخالق) و (شديد العقاب) ، ويفعلون (صلوات اللّٰـه عليهم) ما تقتضيه هذه الأَسمآء والصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة بحقِّ مَنْ يستحق كُلّ ذلك بـ : إِذن اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ وقوَّته وفضله ومدده وعطائه (تبارك اسمه). ثالثاً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... لا تجعلونا أَرباباً وقولوا في فَضْلِنَا ما شِئْتُم؛ فإِنَّكم لا تبلغون كُنْه ما فينا ولا نهايته ... لا تُسَمُّونا أَرباباً وقولوا في فضلنا مَا شِئْتُم ؛ فإِنَّكم لَنْ تبلغوا مِنْ فضلنا كُنْه ما جعله اللّٰـه لنا ، ولا معشار العشر...» فإِنَّ من ضمن الأَسمآء والصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة المُنعكسة في طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة : (عدم التناهي) ؛ فكما أَنَّ الباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّت آلاؤه) ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار
معارف إِلٰهيَّة : (154) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (154) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، لازال البحث في الطائفة الاولى ، وكانت تحت عنوان : « طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة انعكاسات لصفات الذَّات المُقدَّسة » ، وعنوان : « صفات أهل البيت عليهم السلام وشؤونهم تجلِّيات لصفات وشؤون الذَّات الإِلهيَّة » ، ووصل بنا الكلام الى العنوان التالي : « ومنه يتَّضح : ما تقدَّم من بيانات الوحي » ، وصل البحث الى البيان الثالث : ثالثاً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... لا تجعلونا أَرباباً وقولوا في فَضْلِنَا ما شِئْتُم؛ فإِنَّكم لا تبلغون كُنْه ما فينا ولا نهايته ... لا تُسَمُّونا أَرباباً وقولوا في فضلنا مَا شِئْتُم ؛ فإِنَّكم لَنْ تبلغوا مِنْ فضلنا كُنْه ما جعله اللّٰـه لنا ، ولا معشار العشر...» ؛ فإِنَّ من ضمن الأَسمآء والصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة المُنعكسة في طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة : (عدم التناهي) ؛ فكما أَنَّ الباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّت آلاؤه) غير متناهي من حيث : الذَّات والأَسمآء والصِّفات والأَفعال والشؤون ، ولا يُحاط به (جلَّ شأنه) ولا يُبلغ كُنْه ما فيه ولا نهايته كذلك تلك الطَّبقات الشَّريفة المُقدَّسة ؛ فمهما وُصِف أَهل البيت الأَطهار (صلوات اللّٰـه عليهم) بلحاظ تلك الطَّبقات لا يبلغ الواصف كُنْه ما فيهم ولا معشار العشر ولا نهايته. ومنه يتَّضح : وجه الجمع بين هذا البيان الوحياني الشَّريف وما تقدَّمه من البيانين الوحيانيين المُفسِّرين لبيانات القرآن الكريم المُتقدِّمة ؛ فإِنَّ ذينك البيانين ناظرين إِلى الاسم الإِلٰهيّ : (الرَّبّ) بما هو اسم إِلٰهي تتَّصف به طبقات حقائق أَهل البيت لاسيما طبقات حقيقة أَمير المؤمنين عليه السلام الصَّاعدة، بخلاف بيان أَمير المؤمنين عليه السلام هذا ، في قوله : «... لا تجعلونا أَرباباً ...» فإِنَّه ناظر إِلى (الرَّبِّ) ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ وعلا) ، أَي : الإِلٰه ؛ صاحب : (الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) ، فارتفع التنافي ؛ لعدم إِتحاد الموضوع. رابعاً : بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «فإِنَّا صنائعُ رَبِّنَا والنَّاس بعد صنائع لنا ...» ، وبيان النَّاحية المُقدَّسة : «... ونحن صنائع ربِّنا ، والخلق بَعْدُ صنائعنا». فإِنَّه بعدما لم تكن هناك واسطة بين الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ؛ وطبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة كان اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ جلاله) هو الَّذي يتولَّىٰ شؤون تلك الطَّبقات وإِدارة أُمورها من خلق وإِماتة وإِحياء وإِيحاء وأَرزاق وما شاكل ذلك ، فكان هو (تبارك وتعالىٰ) : (الصَّانع لهم ، والمتولِّي لشؤونهم وأَحوالهم صلوات اللّٰـه عليهم). بخلاف جملة العوالم وكافَّة المخلوقات ؛ فإِنَّه لَـمَّا كانت طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المُتوسطة والنَّازلة : (نظام عَالَم الخلقة والإِمكان والوجود ، ووسائط الفيض الإِلٰهي الأَقدس التَّكوينيَّة الحصريَّة ، والعلل الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة الفاعلة ـ كما سيأتي (إِنْ شاء اللّٰـه تعالىٰ) ـ ، والوسيلة الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة الفاردة ، ووجه اللّٰـه ، والباب والسَّبيل والسَّبب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ التَّكويني الحصري الأَدنىٰ) بين الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة و مُطلق العوالم وكافَّة المخلوقات بقَضِّها وقضيضها كان كُلُّ ما يصدر ـ ولو كان مثقال ذرَّة ولا أَصغر من ذلك ولا أَكبر ـ من الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة باتجاه جملة عوالم الخلقة وجميع المخلوقات من خلق وإِماتة وإِحياء وإِيحاء ، وتزريق المعارف والمعلومات والعلوم ، وأَرزاق ، ورحمة وعذاب وهلمَّ جرّاً من الفيوضات الإِلٰهيَّة وإدارة شؤونها لا يكون إِلَّا عن طريق هذه الطَّبقات والحقائق الحيَّة الشَّاعرة ، القابضة والباسطة والفاعلة بإذن اللّٰـه وقوَّته ومدده؛ فكان من الطَّبيعي أَن يكون مُطلق عَالَم الإِمكان والوجود ؛ والخلائق وعوالمها صنائع لأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ؛ من دون غلوّ ولا ارتياب ولا تردُّد ولا إِشكال ؛ فإِنَّ ما تفعله هذه الطَّبقات الصَّاعدة من حقائق أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) ليس من باب : (ما منه الوجود أَصالة وبالذَّات) ؛ فإِنَّ هذا من مختصَّات الذَات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وإِنَّما من باب : (ما منه الوجود حكاية وبالغير) ، وهذا تتمتَّع به المخلوقات المكرَّمة ، رأس هرمها : (طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسِّطة والنَّازلة) ؛ فإِنَّها تفعل وتتصرَّف وتفيض جملة الخير والوجود ، وكُلّ ما يتعلَّق بشؤون المخلوقات وعوالمها ، لكن بمشيئةٍ وإرادةِ وبعطاءٍ ومددٍ من الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المقدَّسة ، فهم (صلوات اللّٰـه عليهم) لا يشاؤون إِلَّا ما شاء اللّٰـه ، ولا يريدون ولا يفعلون إِلَّا ما أَراد اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ شأنه). فتدبَّر جيِّداً. ويضاف إِليه : أَنَّ الخلق والإِماتة والإِحياء والإِيحاء وما شاكلها من الأَفعال الإِلٰهيَّة المُتعلِّقة بالمخلوقات تحتاج إِلى : محاذات وقرب ، وملامسة وملابسة ، ومباشر وتباشر ، والباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (علا ذكره) منزَّه عن جميع ذلك بالضرورة الوحيانيَّة والعقليَّة ؛ لاحتياجها إِلى حركة وقرب وبُعد. فانظر : بيانات الوحي الباهرة ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، في جوابه على سؤال الزنديق حين سأله : «... فيُعَانِي الأَشْيَاءَ بنفسه؟ قال أَبوعبداللّٰـه عليه السلام : هُوَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُعاني الأَشياء بمباشرة ومُعَالَجةٍ ؛ لأَنَّ ذلك صِفَةُ المَخْلُوقِ الَّذي لا تجيءُ الأَشياءُ له إِلَّا بالمباشرةِ والمُعَالجَةِ ، وهُوَ مُتَعَالٍ نافِذُ الإِرَادَةِ والمَشيئَةِ ، فَعَّالٌ لِـمَا يَشاءُ»(1). ومن ثَمَّ أَوكَلَ (تعالىٰ ذكره) مَهامِّها وأُمورها ـ كـ : خلقها وإِحيائها وإِماتتها ، وما يتعلَّق بجميع أَحوالها وشؤونها وشراشرها ـ إِلى مخلوقاته المُكرَّمة ، رأس هرمها : طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ، وتتبعها طبقاتها المتوسطة والنَّازلة ؛ فكانت يد اللّٰـه المبسوطة على العباد ، وقواه الفاعلة في مُطلق شؤون العوالم وسائر المخلوقات بإِذنٍ ومددٍ وعطاءٍ منه (جلَّ وتقدَّس) ، فلذا كانت طُرُّ المخلوقات : (صنائع لأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم) ، من دون غلوّ ولا ارتياب ولا تردد ولا إِشكال. والفارق بين عطاء اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (تبارك وتعالىٰ) وأَفعاله ؛ وعطاء طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة وأَفعالها هو : ما تقدَّم وما سيأتي (إِنْ شاء اللّٰـه تعالىٰ) من الفارق بين : (ما منه الوجود أَصالة وبالذَّات)، و(ما منه الوجود حكاية وبالغير) ، والأَوَّل من مختصَّات الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ليس إِلَّا ، والثَّاني وجود ظلِّي تتمتَّع به المخلوقات المكرَّمة ، وحينئذٍ لا غلوّ في البين بعدما كان الجميع منه (عظمت آلاؤه) ، كحال ما يقوم به (إسرافيل عليه السلام) في درجات ومراتب الإِحياء النَّازلة ، وما يقوم به (عزرائيل وجنده عليهم السلام) في درجات الإِماتة بطبقاتها النَّازلة ، وما يقوم به (روح القدس ـ حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ـ) في درجات الإِيحاء المتوسِّطة ، وما يقوم به (جبرئيل عليه السلام) في مراتب الإِيحاء النَّازلة ، وما يقوم به (ميكائيل عليه السلام) في إِنزال الأَرزاق بطبقاتها النَّازلة على المخلوقات ، وما يقوم به (مالك وأَعوانه عليهم السلام) من العذاب في جهنَّم بمراتبه النَّازلة ، وما يقوم به (رضوان عليه السلام) من نعيم الجنان بدرجاته النَّازلة ، وهلَّم جرّاً ، فإِنَّ هذه الشؤون والأَفعال لا تكون إِلَّا بإِذن الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وبقوَّةٍ وعطاءٍ وفضلٍ وكرمٍ ومددٍ من اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ اسمه) ليس إِلَّا ، عبر طبقات حقائق أَهل البيت ^ الصَّاعدة ، وتتبعها حقائقها المتوسِّطة والنَّازلة. وينبغي الإِلتفات : أَنَّ أَفعال طبقات حقائق أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) أَرفع وأَشف وأَلطف ، وأَشَدُّ قوَّة وهيمنة من دون قياس مِمَّا تأتي به بقيَّة المخلوقات المُكرَّمة ؛ فإِحياء أَمير المؤمنين (صلوات اللّٰـه عليه) وإِماتته ، الواردان في بيان قوله عليه السلام : «... وأَنَا أُحيي وأُميت ...»(2) أَعلىٰ وأَرفع ، وأَشَّف وأَلطف ، وأَشَدُّ قوَّة وهيمنة من دون قياس من إِحياء (إسرافيل عليه السلام) وإِماتة (عزرائيل عليه السلام). ومنه يتَّضح : كثير من بيانات الوحي الأُخرىٰ، منها : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام ، عن الحارث الأَعور ، قال : «أتيت أَمير المؤمنين عليه السلام فقال : ما جاء بك؟ فقلت : حُبُّكَ ، فقال : اللّٰـه اللّٰـه ما جاء بك إِلَّا حُبِّي؟ فقلت : نعم ، فقال : أَمَا إِنِّي سأُحدّثُكَ بشكرها ، إِنَّه لا يموت عبد يُحبّني حتَّىٰ يراني حيث يحبّ ، ولا يموت عبد يبغضني حتَّىٰ يراني حيث يكرهه»(3). ودلالته قد اتَّضحت ؛ فإِنَّه (صلوات اللّٰـه عليه) لَـمَّا كان هو القابض للأَرواح والمميت بدرجات الإِماتة الصَّاعدة ، وبطبقات حقيقته × الصَّاعدة والَّتي يُمثِّل بعضها الاسم الإِلٰهي المميت ؛ فإِنْ كان الميِّت مؤمناً ومحبّاً له ولأَهل بيته (صلوات اللّٰـه عليهم) تجلَّىٰ عليه السلام له بلحاظ تلك الطَّبقات، وحضر عنده بأَسمآء الجمال الإِلٰهيَّة كإِسم : (الرحمٰن ، والرَّحيم ، والرَّافع ، والمعز ، والغفور ، والبَرّ ، والشكور ، والودود ، والولي ، والحميد ، والعفو ، والرؤف ، والمغني ، والنَّافع ، والنُّور ، والهادي ، والباقي ، والوارث ، والرشيد). وإِنْ كان كافراً ومبغضاً له ولأَهل بيته (صلوات اللّٰـه عليهم) تجلَّىٰ عليه السلام له بلحاظ تلك الطبقات ، وحضر عنده بأَسمآء النقمة والعذاب ، كإِسم : (المُتَكَبِّر ، والقَهَّار ، والخافض ، والمُذل ، والمُقيت ، والحسيب ، والقوي ، والمتعال ، والمنتقم ، والمانع ، والضَّار). وهذه وغيرها نكات ونتف معرفيَّة توحيديَّة لا زالت بكراً لم تفضَّ من قَبْل قَطُّ ، خذها واغتنم ، وعضّ عليها بضرس قاطع تربت يداك. / خلط الملائكة بين الذات المُقدَّسة وحقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة / ومن كُلِّ ما تقدَّم تتَّضح : نكتة حصول الخلط والإِشتباه لدىٰ جملة الملائكة عليهم السلام ـ منهم المُقرَّبين ؛ كـ : إِسرافيل وجبرئيل عليهما السلام ، مع أَنَّ الجميع معصومون ـ وعدم تمكُّنهم من التمييز بين صفات وأَسمآء وكمالات وشؤون: (الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) و صفات وأَسمآء وكمالات وشؤون : (طبقات حقائق سيِّد الأَنبياء وسائرأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة) ؛ والنكتة هي ما تقدَّم : ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 10 : 194 ـ 199/ح3. أُصول الكافي ، 1 : 59 ـ 61/ح6. التوحيد : 248 ـ 253. (2) بحار الأَنوار ، 103 : 34. (3) بحار الأَنوار ، 27 : 122/ح106
معارف إِلٰهيَّة : (155) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (155) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، لازال البحث في الطائفة الاولى ، وكانت تحت عنوان : « طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة انعكاسات لصفات الذَّات المُقدَّسة » ، وعنوان : « صفات أهل البيت عليهم السلام وشؤونهم تجلِّيات لصفات وشؤون الذَّات الإِلهيَّة » ، وصل بنا الكلام الى العنوان التالي : / خلط الملائكة بين الذات المُقدَّسة وحقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة / ومن كُلِّ ما تقدَّم تتَّضح : نكتة حصول الخلط والإِشتباه لدىٰ جملة الملائكة عليهم السلام ـ منهم المُقرَّبين ؛ كـ : إِسرافيل وجبرئيل عليهما السلام ، مع أَنَّ الجميع معصومون ـ وعدم تمكُّنهم من التمييز بين صفات وأَسمآء وكمالات وشؤون: (الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) و صفات وأَسمآء وكمالات وشؤون : (طبقات حقائق سيِّد الأَنبياء وسائرأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة) ؛ والنكتة هي ما تقدَّم : من أَنَّ جملة صفات وأَسمآء وكمالات وشؤون الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة ـ إِلَّا الأُلوهيَّة ـ قد انعكست وتجلَّت وظهرت في تلك الطبقات المهولة العظيمة الخطيرة الشَّريفة إِفاضة من الذَّات المُقدَّسة. فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... أَوَّل ما خلق اللَّـه عزَّوجلَّ : خلق أَرواحنا ... ثُمَّ خلق الملائكة فلمَّا شاهدوا أَرواحنا نوراً واحداً استعظموا أَمرنا فسبَّحنا ؛ لتعلم الملائكة : أَنَّا خلق مخلوقون ، وأَنَّه مُنزَّه عن صفاتنا ، فسبَّحت الملائكة بتسبيحنا ونزَّهته عن صفاتنا ، فلَمَّا شاهدوا عظم شأننا هلَّلنا؛ لتعلم الملائكة : (أَنْ لا إِلٰه إِلَّا اللَّـه) وأَنَّا عبيد ، ولسنا بآلهة يجب أَن نُعبد معه ، أَو دونه، فقالوا : (لا إِلٰه إِلَّا اللَّـه) ، فلَمَّا شاهدوا كبر محلّنا كبَّرنا ؛ لتعلم الملائكة : أَنَّ اللَّـه أَكبر من أَنْ ينال عظم المحل إِلَّا به ، فلَمَّا شاهدوا ما جعله لنا من العزَّة والقوَّة قلنا : (لا حول ولا قوَّة إِلَّا باللَّـه) ؛ لتعلم الملائكة : أَن لاحول لنا ولا قوَّة إِلَّا باللَّـه ، فلَمَّا شاهدوا ما أَنعم اللَّـه به علينا وأَوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا : (الحمد للَّـه) ؛ لتعلم الملائكة : ما يحقُّ للَّـه تعالىٰ ذكره علينا من الحمد على نعمته فقالت الملائكة : (الحمد للَّـه) ، فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد اللَّـه وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده ...»(1). 2ـ بيان حديث المعراج ، عن الإِمام الصادق عليه السلام : «... إِنَّ اللَّـه (العزيز الجبَّار) عرج بنَبيِّه إِلى سبعاً ... ثُمَّ عرج به إِلى السمآء الدُّنيا فنفرت الملائكة إِلى أَطراف السمآء ثُمَّ خرَّت سُجَّداً فقالت : (سبُّوح قدوس ربّنا وربّ الملائكة والروح) ، ما أَشبه هذا النُّور بنور ربّنا. فقال جبرئيل عليه السلام: (اللَّـه أكبر ، اللَّـه أكبر). فسكتت الملائكة ، وفتحت أَبواب السَّمآء ، واجتمعت الملائكة ثُمَّ جاءت فسلَّمت على النَّبيّ صلى الله عليه واله أَفواجاَ ... ثُمَّ عرج به إِلى السمآء الثانية ، فلَمَّا قرب من باب السمآء تنافرت الملائكة إِلى أَطراف السَّمآء وخرَّت سجَّداً وقالت: (سبُّوح قدوس ربّ الملائكة والرُّوح ، ما أَشبه هذا النور بنور ربّنا). فقال جبرئيل عليه السلام : (أَشهد أَنْ لا إِلٰه إِلَّا اللَّـه ...) فاجتمعت الملائكة وفتحت أَبواب السمآء ، وقالت : يا جبرئيل ، مَنْ هذا معكَ ؟ فقال : هذا محمَّدٌ صلى الله عليه واله ... قال : رسول صلى الله عليه واله : ... ثُمَّ عُرج بي إِلى السَّمآء الثالثة فنفرت الملائكة إِلى أَطراف السَّمآء ، وخرَّت سجَّداً ... ثُمَّ عُرج بي إِلى السَّمآء الرابعة...»(2). 3ـ بيان حديث المعراج ، عن الإِمام الصادق عليه السلام أَيضاً : «... إِنَّ رسول اللَّـه صلى الله عليه واله كان نائماً في ظلِّ الكعبة ، فأَتاه جبرئيل عليه السلام ... فأَيقظه ... ثُمَّ صعد به حتَّىٰ انتهىٰ إِلى أَبواب السَّمآء ، فلمَّا رأته الملائكة نفرت عن أَبواب السَّمآء وقالت : (إِلٰهين ؛ إِلٰه في الأَرض وإِلٰه في السَّمآء ، فأمر اللَّـه جبرئيل فقال : (اللَّـه أَكبر...) ، فتراجعت الملائكة نحو أَبواب السَّمآء وعلمت أَنَّه مخلوق ؛ ففتحت الباب ، فدخل رسول اللَّـه صلى الله عليه واله حتَّىٰ انتهىٰ إلى السَّمآء الثانية ، فنفرت الملائكة عن أَبواب السَّمآء فقالت : (إِلٰهين ؛ إِلٰه في الأَرض ، وإِلٰه في السَّمآء) فقال جبرئيل : (أَشهد أَنْ لا إِلٰه إِلَّا اللَّـه ...) فتراجعت الملائكة وعلمت أَنَّه مخلوق ثُمَّ فُتح الباب فدخل عليه السلام ...»(3). ودلالة الجميع قد اتَّضحت ، ولا غبار عليها ، فتأمَّل جيِّداً. / خلوّ المقام وهذه الأَبحاث من شائبة الغلو/ / لا شائبة ولا شبهة غلو في مقامات أَهل البيت عليهم السلام/ ولخطورة هذه الأَبحاث المعرفيَّة والتَّوحيديَّة نُعيد ما ذكرناه سلفاً بشيءٍ من التَّفصيل ، فنقول : ثُمَّ إِعلم أَنَّه لا تُوجد في جملة هذه الأَبحاث وما سيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) أَيّ شائبة غلوّ ـ وخروج عن الجادَّة والمنزلة الوسطىٰ الَّتي ليلها كنهارها جادَّة ومنزلة أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم، ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 18 : 345 ـ 347/ح56. علل الشرائع : 13 ـ 14. عيون أَخبار الرضا عليه السلام : 144ـ 146. (2) بحار الأَنوار ، 79 : 237 ـ 242/ح1. علل الشرائع ، 2 : 2ـ6. الكافي ، 3 : 482 ـ 486. (3) تفسير العيَّاشي ، 1 / رقم : (531) : 177 ـ 178
معارف إِلٰهيَّة : (156) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (156) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، لازال البحث في الطائفة الاولى ، وكانت تحت عنوان : « طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة انعكاسات لصفات الذَّات المُقدَّسة » ، وعنوان : « صفات أهل البيت عليهم السلام وشؤونهم تجلِّيات لصفات وشؤون الذَّات الإِلهيَّة » ، وصل بنا الكلام الى العنوان التالي : / خلوّ المقام وهذه الأَبحاث من شائبة الغلو/ / لا شائبة ولا شبهة غلو في مقامات أَهل البيت عليهم السلام/ ولخطورة هذه الأَبحاث المعرفيَّة والتَّوحيديَّة نُعيد ما ذكرناه سلفاً بشيءٍ من التَّفصيل ، فنقول : ثُمَّ إِعلم أَنَّه لا تُوجد في جملة هذه الأَبحاث وما سيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) أَيّ شائبة غلوّ ـ وخروج عن الجادَّة والمنزلة الوسطىٰ الَّتي ليلها كنهارها جادَّة ومنزلة أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم، وهي الديانة الَّتي من تقدَّمها مرق ، ومن تخلَّف عنها محق ، ومن لزمها لحق ، والَّتي لا تخرج إِلى عوج، ولا تزيل عن منهج الحقّ ، ولا تجد لها بديلاً ، ولن تجد لها تحويلاً ، نعم، هي دقيقة الوزن ، حادَّة اللِّسان ، صعبة التَّرَقِّي حتَّىٰ على الحاذق اللَّبيب ـ لأَنَّا نعضُّ بضرس قاطعٍ على ضابطةٍ وقاعدةٍ معرفيَّةٍ وعقليَّةٍ بديهيَّةٍ ، مستفادة من بيانات الوحي ، ضربها وقنَّنها علماء المعقول في القرنين الأَخيرين في باب الغلوّ والتقصير ، سياتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) بيانها في بابها ، مضروبة للتمييز بين الغلوّ والتقصير في صفات الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة (جلَّ ذكره) وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه، وصفات المخلوق وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه ، وهي : «أَنَّ صفات الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (تقدَّس ذكره) وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه تحكمها وواقعة في إِطار ضابطة : (ما منه الوجود) ، بخلاف صفات المخلوق وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه فتحكمها وواقعة في إِطار ضابطة : (ما به الوجود)». فصفة : (عدم التناهي) ، وسائر الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة ـ كالأَسمآء الذاتيَّة الواردة في سورة الإِخلاص : (الأَحد ، والصمد ، ولم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أَحَد) ـ والأَفعال والكمالات والشؤون الإِلٰهيَّة إِذا نُسبت وأُسندت إلى الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ وتقدَّس) كصفات وأَسماء وأَفعال وكمالات وشؤون إِلٰهيَّة فالمراد منها : (ما منه الوجود). أَمَّا إِذا نُسبت وأُسندت إِلى المخلوق كصفات وأَسمآء وأَفعال وكمالات وشؤون مخلوقة فالمراد منها : (ما به الوجود) ، وحينئذٍ لا إِشكال ولا شبهة ولا شائبة غلو في المقام ؛ بعدما أُفيضت في المخلوق وتجلَّت وظهرت وانعكست فيه من الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، فأين شائبة الغلوّ بعدما كان الجميع من ساحة القدس الإِلٰهيَّة. بل هذه الضابطة أُستحدثت في الآونة الأَخيرة وتوسَّعت بقاعدة وضابطة بديهيَّة أَيضاً ، أَكثر دِقَّة وغوراً وعمقاً ، وهي : «أَنَّ ما منه الوجود على ضربين : أَحدهما : (ما منه الوجود أَصالة وبالذات). الآخر : (ما منه الوجود حكاية ومن الغير)». والأَوَّل مختصٌّ ومنحصرٌ بـ : (الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) أَزلاً وأَبداً. وإِلى هذا تشير بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان قوله جلَّ قوله : [ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ] (1). 2ـ بيان قوله عزَّ قوله : [اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا] (2). ودلالتهما قد اتَّضحت. والثَّاني وجود ظلِّي وحاكٍ ، يأتي في الممكنات ، مفاض عليها من ساحة القدس الإِلٰهيَّة. نظيره : المرآة المنطبعة فيها صورة الشَّاخص الخارجي. وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان قوله عزَّ من قائل الحاكي لخبر النَّبيّ عيسىٰ عليه السلام في إِحتجاجه على بني إِسرائيل : [ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ] (3). 2ـ بيان قوله تقدَّس ذكره : [ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ] (4). 3ـ بيان قوله تعالىٰ ذكره : [كَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ] (5). 4ـ بيان قوله جلَّ ذكره : [ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ] (6). ودلالة الجميع واضحة. 5ـ بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «... يا أَيُّها النَّاس ، لعلَّكُم لا تسمعون قائلاً يقول مثل قولي بعدي إِلَّا مفتر ... أَنا موتم البنين والبنات ، أَنا قابض الأَرواح...»(7). 6ـ بيانه صلوات اللَّـه عليه أَيضاً : «... أَنَا أُحيي وأُميت بإِذن ربِّي ، أَنا أُنبئكم بما تأكلون ، وما تدَّخرون في بيوتكم بإِذن ربِّي وأَنا عَالِم بضمائر قلوبكم، والأَئمَّة من أَولادي عليهم السلام يعملون ويفعلون هذا إِذا أَحَبُّوا وأَرادوا ...»(8). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة ، ومضمونه نفس مضمون البيانات الوحيانيَّة المُتقدِّمة ، لا سيما البيان الأَوَّل ؛ فإِنَّ أَمير المؤمنين وسائرأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم لَـمَّا كانوا أَشرف وأَكمل المخلوقات ، وأَعلاها وجوداً ومقاماً ورتبةً ، وكانوا وسائط الفيض الإِلٰهي لجملة العوالم وسائر المخلوقات فما أُعطي لسائر جملة المخلوقات من شرفٍ وعزَّةٍ وكمالٍ وفضلٍ ومقامٍ ورتبةٍ فبالأَولىٰ يُعطىٰ لهم صلوات اللَّـه عليهم وزيادة. وهذا برهانٌ عقليٌّ بديهيٌّ. ومن ثَمَّ ما تمتَّع به النَّبيّ عيسىٰ عليه السلام وسائر المخلوقات المُكرَّمة ؛ منهم : إِسرافيل وعزرائيل عليهما السلام تمتَّع به أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم وزيادة ؛ فيحيون ويميتون بفعلٍ أَلطف ، وأَعظم هيمنة ، وأَشدُّ سلطنة وقدرة وقوَّة على وفق القاعدة ؛ ومن دون أَيّ شائبة غلوّ في المقام. بل البراهين والبيانات الوحيانيَّة قائمة على ذلك. فلاحظ ، منها : 1ـ بيان الإِمام زين العابدين عليه السلام ، عن الثمالي ، قال : «قلتُ له : جُعِلْتُ فداك ، الأَئمَّة يعلمون ما يُضمر ؟ فقال : علمتُ واللَّـه ما علمت الأَنبياء والرُّسل ، ثُمَّ قال لي : أزيدكَ ؟ قلتُ : نعم. قال : ونزاد ما لم تزد الأَنبياء»(9). 2ـ بيان الإِمام الصادق عليه السلام : «إِنَّ عيسىٰ بن مريم عليه السلام أُعطي حرفين كان يعمل بهما ، وأُعطي موسىٰ عليه السلام أَربعة أَحرف ، وأُعطي إِبراهيم عليه السلام ثمانية أَحرف ، وأُعطي نوح خمسة عشر حرفاً ، وأُعطي آدم خمسة وعشرين حرفاً، وإِنَّ اللَّـه تبارك وتعالىٰ جمع ذلك كلّه لمحمَّد صلى الله عليه واله (10)، وإِنَّ اسم اللَّـه الأَعظم ثلاثة وسبعون حرفاً ، أَعطىٰ(11) محمَّداً صلى الله عليه واله اثنين وسبعين حرفاً ، وحجب عنه حرفاً واحداً»(12). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة. / الإِماتة وسائر الأَفعال الإِلهيَّة على طبقات/ وَمِنْ كُلِّ ما تقدَّم يتَّضح : أَنَّ الإِماتة على مراتب وطبقات ودرجات من حيث الغلظة واللطافة. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صٓ : 72. (2) الزمر : 42. (3) آل عمران : 49. (4) الأَنعام : 61. ( 5) محمَّد : 27. (6) السجدة : 11. (7) بحار الأَنوار ، 53 : 45/ح1. (8) المصدر نفسه ، 26 : 1ـ7/ ح1. (9) بحار الأَنوار ، 26 : 55/ح114. بصائر الدرجات : 66. (10) في البصائر : (وإِنَّه جمع اللَّـه ذلك لمحمَّد صلى الله عليه واله وأَهل بيته). (11) في البصائر : (أَعطىٰ اللَّـه). (12) بحار الأَنوار ، 17 : 134/ح11. أُصول الكافي ، 1 : 230. بصائر الدرجات : 57
معارف إِلٰهيَّة : (157) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (157) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، لازال البحث في الطائفة الاولى ، وكانت تحت عنوان : « طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة انعكاسات لصفات الذَّات المُقدَّسة » ، وعنوان : « صفات أهل البيت عليهم السلام وشؤونهم تجلِّيات لصفات وشؤون الذَّات الإِلهيَّة » ، وصل بنا الكلام الى العنوان التالي : / الإِماتة وسائر الأَفعال الإِلهيَّة على طبقات / وَمِنْ كُلِّ ما تقدَّم يتَّضح : أَنَّ الإِماتة على مراتب وطبقات من حيث الغلظة واللطافة. أَحدها : ما يقوم به جنود عزرائيل عليه السلام . ثانيها : أَلطف وأشف ، وهي : ما يقوم به عزرائيل عليه السلام . ثالثها : أَلطف وأَشف مِمَّا يقوم به عزرائيل عليه السلام ، وهي : ما يقوم به الاسم الإِلٰهي (المميت) ، وهو : أَحد طبقات حقيقة أَمير المؤمنين وحقائق سائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة في مرتبة الأَسمآء والصفات الإِلٰهيَّة. وهذا ما تُشير إِليه بياناتهم صلوات اللَّـه عليهم ، منها : ما تقدَّم ، ويضاف إِليها : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام أَيضاً ، مُخاطباً الحارث الهمداني : «يا حار همدان ، من يمت يرني ، من مؤمن أَو منافق قبلاً»(1). وبيانه صلوات اللَّـه عليه أَيضاً ، عن عبد الرحيم القصير ، قال : «قلت لأَبي جعفر عليه السلام : حدَّثني صالح بن ميثم ، عن عباية الأَسدي أَنَّه سمع عليّاً عليه السلام يقول : واللَّـه، لا يبغضني عبد أَبداً يموت على بغضي إِلَّا رآني عند موته حيث يكره ، ولا يحبّني عبداً أَبداً فيموت على حبِّي إِلَّا رآني عند موته حيث يحب . فقال أَبو جعفر عليه السلام : نعم، ورسول اللَّـه صلى الله عليه واله باليمين»(2). رابعها : وهي الأَلطف والاشف والأَشدُّ على الإِطلاق والمهيمنة على جميع ذلك ما يقوم به : (الـمُميت) ـ المُسَمَّىٰ ـ صاحب الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة. وعلى هذا قس الإِحياء وسائر الأَفعال والصفات والأَسماء والشؤون الإِلٰهيَّة (3). فأَين الغلوّ في المقام. / نكتة عدم استيعاب عقول المخلوقات لشؤون أَهل البيت عليهم السلام / إِنَّه لَـمَّا كانت هذه المعارف الإِلٰهيَّة بكراً لم تُفتق من قبل قطُّ بهذا الشَّكل والبيان الموجود في سلسلة المعارف الإِلٰهيَّة هذه ، ولم يُنبس بها ببنت شفة مع أَنَّ بيانات الوحي زاخرة بها فمن الطبيعي يحصل فيها توقُّف وتردُّد لدىٰ مَنْ يُخبر من ضعيفيِّ الإِيمان بمقاماتهم صلوات اللَّـه عليهم وبصفاتهم وأَسمائهم وكمالاتهم وفضائلهم وشؤونهم وأَحوالهم ؛ وإِنْ قام عليها الدَّليل القطعي. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 6 : 181. (2) المصدر نفسه ، 39 : 238/ح25. فروع الكافي ، 3 : 132ـ133. (3) هناك خلط حصل لدىٰ البعض بين الفاعل بالآلة ـ كحال عزرائيل وإسرافيل وجندهما عليهم السلام ـ ، والفاعل بالتَّجلِّي ـ كحال الباري المُسَمَّىٰ (تعالىٰ ذكره) ، والأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ؛ طبقات حقائق أَهل البيت عليه السلام الصَّاعدة ـ وحكم بالوحدة. والحقُّ : أَنَّ بينهما فرق وبون شاسع ؛ فإِنَّ الفاعل بالآلة ناقص ؛ لإِحتياجه إِلى حركة ، وقرب وبُعد ، ومُوازاة ، ومباشرة ومعالجة. بخلاف الفاعل بالتَّجلِّي ؛ فإِنَّه أَكمل أَنواع الفاعل ، ولا نقص فيه ؛ ومن ثَمَّ لا يحتاج إِلى جملة ذلك. وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصادق عليه السلام في ردِّه على سؤال الزنديق : «... فما هو ؟ قال أَبو عبداللَّـه عليه السلام : هو الرَّبُّ ، وهو المَعْبُود ، وهو اللَّـهُ ... قال السَّائلُ : فيُعاني الأَشياء بنفسه ؟ قال أَبو عبداللَّـه عليه السلام : هو أَجَّلُّ من أَنْ يُعَانِيَ الأَشياء بمباشرةٍ ومعالجةٍ ؛ لأَنَّ ذلك صِفَةُ المخلوق الَّذي لا تجِيءُ الأَشياءُ له إِلَّا بالمباشرةِ والمعالجةِ ، وهو مُتعَالٍ نافِذُ الإِرادة والمشِيئَة ، فَعَّالٌ لِـمَا يَشاءُ». أُصول الكافي ، 1: 59ـ 61/ح6. ودلالته واضحة
معارف إِلٰهيَّة : (158) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (158) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، لازال البحث في الطائفة الاولى ، وكانت تحت عنوان : « طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة انعكاسات لصفات الذَّات المُقدَّسة » ، وعنوان : « صفات أهل البيت عليهم السلام وشؤونهم تجلِّيات لصفات وشؤون الذَّات الإِلهيَّة » ، وصل بنا الكلام الى العنوان التالي : / نكتة عدم استيعاب عقول المخلوقات لشؤون أَهل البيت عليهم السلام / إِنَّه لَـمَّا كانت هذه المعارف الإِلٰهيَّة بكراً لم تُفتق من قبل قطُّ بهذا الشَّكل والبيان الموجود في سلسلة المعارف الإِلٰهيَّة هذه ، ولم يُنبس بها ببنت شفة مع أَنَّ بيانات الوحي زاخرة بها فمن الطبيعي يحصل فيها توقُّف وتردُّد لدىٰ مَنْ يُخبر من ضعيفيِّ الإِيمان بمقاماتهم صلوات اللَّـه عليهم وبصفاتهم وأَسمائهم وكمالاتهم وفضائلهم وشؤونهم وأَحوالهم ؛ وإِنْ قام عليها الدَّليل القطعي. مضافاً : أَنَّ ما جادت به يد ساحة القدس الإِلٰهيَّة على أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم عطايا لا تتحمَّل تصوُّرها طاقة وقابليَّة مخلوق قَطُّ ، ولا يمكن خطورها على بالٍ قَطُّ فمن الطبيعي أَيضاً حصول توقُّف وتردُّد لدىٰ من يطَّلع عليها من ضعيفيِّ الإِيمان أَو يُخبر بها وإِنْ قام عليها الدَّليل القطعي. بعد الإِلتفات : أَنَّ لازم ذلك التوقُّف والشَّكّ والتردُّد : إِلحاد وشرك وكفر باللَّـه (العزيز الجبَّار). وهذا ما نبَّهت عليه وحذَّرت منه بيانات الوحي ، منها: 1ـ إِطلاق بيان الحديث القدسي : «... يا مُـحَّمَّد ... وعزَّتي وجلالي، لو لقيني جميع خلقي يشكُّونَ فيكَ طرفة عين ، أَو يبغضون صفوتي مِنْ ذُرِّيَّتكَ لأَدخلتهم ناري ولا أُبالي...»(1). 2ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «إِنَّ حديث آل مُـحمَّد صعب مستصعب ، لا يؤمن به إِلَّا مَلَك مُقَرَّبٌ ، أَو نَبِيٌّ مرسل ، أَو عبد امتحن اللَّـه قلبه للإِيمان... وإِنَّما الهالك : أَنْ يُحدَّث بشيءٍ منه لا يحتمله فيقول : واللَّـه ، ما كان هذا شيئاً ، والإِنكار هو الكفر»(2). 3ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام ، عن جابر بن يزيد ، قال : «... يا جابر ، حديثنا صعب مستصعب ، أَمرد ، ذكوان ، وعر أَجرد ، لا يحتمله واللَّـه إِلَّا نَبِيٌّ مُرْسَل ، أَو مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، أَو مؤمن مُمتحن ، فإذا ورد عليك يا جابر شيءٌ من أَمرنا فلان له قلبكَ فاحمد اللَّـه ، وإِنْ أَنكرته فردَّه إِلينا أَهل البيت ، ولا تقل: كيف جاء هذا ؟ وكيف كان ؟ وكيف هو ؟ فإنَّ هذا واللَّـه الشرك باللَّـه العظيم»(3). ودلالتها واضحة. وبالجملة : لعظم هول ما أُعطي لأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم وعظم خطره يحصل لدىٰ من يطَّلع عليه أَو يُخبر به وإِنْ كان بدليل قطعيٍّ يقينيٍّ توقُّفاً أَو شَكّاً أَو تردُّداً أَو إِلحاداً أَو شركاً أَو كفراً بعضه جليّ ، والآخر خفيّ على دركات غير متناهية ، مشمولة ببيان قوله تعالىٰ : [ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ] (4)، يرجع إِلى مدىٰ تحمُّل قابِليَّات واستعدادات المخلوق. / حيلولة أَهل البيت عليهم السلام مِنْ نشر علومهم عند مَنْ لا يتحمَّلها / ولأَجل الحيلولة من وقوع المخلوقات وفي طُرِّ العوالم ؛ في هذه المحاذير المعرفيَّة العقائديَّة الجسيمة الخطيرة الفادحة ، القاصمة للظهر ، بل لا تبقي ولا تذر منع أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم نشر علومهم عند مَنْ لا يتحمَّلها ، بل سيرتهم قائمة على ذلك. فانظر : بيناتهم صلوات اللَّـه عليهم ، منها : ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 18 : 397/ح100. اليقين في أُمرة أَمير المؤمنين : 89 ـ 91. (2) بحار الأَنوار ، 2 : 189/ح21. (3) المصدر نفسه : 208/ح102. (4) يوسف : 106
معارف إِلٰهيَّة : (159) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (159) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، لازال البحث في الطائفة الاولى ، وكانت تحت عنوان : « طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة انعكاسات لصفات الذَّات المُقدَّسة » ، وعنوان : « صفات أهل البيت عليهم السلام وشؤونهم تجلِّيات لصفات وشؤون الذَّات الإِلهيَّة » ، وصل بنا الكلام الى العنوان التالي : / حيلولة أَهل البيت عليهم السلام مِنْ نشر علومهم عند مَنْ لا يتحمَّلها / ولأَجل الحيلولة من وقوع المخلوقات وفي طُرِّ العوالم ؛ في هذه المحاذير المعرفيَّة العقائديَّة الجسيمة الخطيرة الفادحة ، القاصمة للظهر ، بل لا تبقي ولا تذر منع أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم نشر علومهم عند مَنْ لا يتحمَّلها ، بل سيرتهم قائمة على ذلك. فانظر : بيناتهم صلوات اللَّـه عليهم ، منها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين عليه السلام في وصيَّته لكميل بن زياد : «... يا كميل ، كُلّ مصدور ينفث ، فمن نفث إِليكَ مِنَّا بأمرٍ أَمركَ بستره فإِيَّاك أَنْ تبديه ، فليس لَكَ من إِبدائه توبة ، فإِذا لم تكن توبة فالمصير إِلى لظىٰ. يا كميل ، إذاعة سرّ آل مُـحمَّد عليهم السلام لا يقبل اللَّـه تعالىٰ منها ولا يحتمل أحداً عليها. يا كميل ، وما قالوه لكَ مطلقاً فلا تُعَلِّمه إِلَّا مؤمناً موفَّقاً ...»(1). 2ـ بيان الإِمام زين العابدين عليه السلام : «... فأنتم الآن العارفون الفائزون المستبصرون ، وأَنتم الكاملون البالغون ، اللَّـه اللَّـه لا تطّلعوا أَحداً من المقصِّرين المستضعفين على ما رأيتم مِنِّي ومن مُـحمَّد فيشنِّعوا عليكم ويُكذِّبوكم ...»(2). 3ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام : «... ما سترنا عنكم أَكثر مِمَّا أَظهرنا لكم ...»(3). 4ـ إِطلاق بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «إِنِّي لأُحدِّث الرَّجُل الحديث فينطلق فيُحدِّث به عنِّي كما سمعه ، فأستحلُّ به لعنه والبراءة منه»(4). 5ـ إِطلاق بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن داود بن كثير ، قال : «قال لي أَبو عبداللَّـه عليه السلام : يا داود ، إِذا حدَّثتَ عنَّا بالحديث فاشتهرت به فأنكره» (5). 6ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن أَبي سعيد المدائني ، قال : «قال أَبو عبداللَّـه عليه السلام : اقرأ موالينا السَّلام ، وأَعلمهم : أَنْ يجعلوا حديثنا في حصون حصينة ، وصدور فقيهة ، وأَحلام رزينة ، والَّذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة ما الشَّاتم لنا عرضاً والنَّاصب لنا حرباً أَشدُّ مؤونة من المذيع علينا حديثنا عند مَنْ لا يحتمله»(6). ودلالة الجميع واضحة. إِنْ قلتَ : إِنَّ ما تقومون به مشمول ببيانات الوحي هذه وغيرها ؛ فإِنَّه إِذاعة لسرِّ آل محمَّد صلوات اللّٰـه عليهم ، ونشر لبياناتٍ وحيانيَّةٍ نُهي الإِصحار بها وتداولها عند المُقَصِّرة ومَنْ لا يحتملها فضلاً عن المغرضين والنَّواصب وأَعداء أَهل البيت عليهم السلام ، ومن ثَمَّ وجب عدم التَّعَرُّض لها والتَّحَدُّث عنها. قلتُ : إِنَّ هذه البيانات الوحيانيَّة الشَّريفة ناظرة لحالة قبل النشر واشتهار وتفشي ما تعرَّضنا له من بياناتٍ وحيانيَّةٍ ، أَمَّا بعد أَنْ انتشرت واشتهرت وتفشَّت في الكُتُب وفي المصادر الحديثيَّة ـ كما عليه الحال في يومنا هذا ـ ووقعت في يدِ مَنْ هبَّ ودبَّ ، لاسيما المُغرضين والمُقصِّرة والمُستضعفين ، والنَّواصب وأَعداء أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم وجب على مَنْ له المِكْنَة الدفاع عنها ، وبيان فلسفتها ونكاتها ونتفها المعرفيَّة والعلميَّة والعقليَّة ، لتُدفع أَو تُرفع الشبهات والإِشكالات والتساؤلات الَّتي يمكن أَنْ تُثار ، بل وتُثار عليها ، وما يمكن أَنْ يُحوم حومها. / طبقات تحمُّل علوم أَهل البيت عليهم السلام / وبعبارة أُخرىٰ : أَنَّ بعض ما أُعطي لأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم لا يحتمله إِلَّا من كتب اللَّـه في قلبه الإِيمان. فانظر : بيانات الوحي ، منها : ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 74 : 270/ح1. (2) بحار الأَنوار ، 26 : 16/ح2. (3) بصائر الدرجات ، 2 : 224 ـ 226/ح1338 ـ 5. دلائل الإمامة ، الطبري : 224 ـ 226/ ح151. الاختصاص : 271 ـ 272. (4) بحار الأَنوار ، 2 : 79/ح75. (5) المصدر نفسه : 75/ح51. (6) المصدر نفسه، 79/ح73
معارف إِلٰهيَّة : (160) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (160) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، لازال البحث في الطائفة الاولى ، وكانت تحت عنوان : « طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة انعكاسات لصفات الذَّات المُقدَّسة » ، وعنوان : « صفات أهل البيت عليهم السلام وشؤونهم تجلِّيات لصفات وشؤون الذَّات الإِلهيَّة » ، وصل بنا الكلام الى العنوان التالي : / طبقات تحمُّل علوم أَهل البيت عليهم السلام / وبعبارة أُخرىٰ : أَنَّ بعض ما أُعطي لأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم لا يحتمله إِلَّا من كتب اللَّـه في قلبه الإِيمان. فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «إِنَّ أَمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إِلَّا من كتب اللَّـه في قلبه الإِيمان»(1). وبعضها الآخر لا يحتمله إِلَّا نبيٌّ مرسلٌ ، أَو ملكٌ مُقَرَّب ، أَو مؤمنٌ مُـمتحنٌ. فلاحظ : بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : ما تقدَّم. وبعضها الثالث لا يحتمله لا نبيّ مرسل ـ كـ : النَّبيِّ إِبراهيم عليه السلام ـ ولا مَلَك مُقَرَّب ـ كـ : جبرئيل عليه السلام ـ ولا مؤمن ممتحن ـ كـ : سلمان رضوان اللَّـه عليه ـ إِلَّا مَنْ شاؤوا صلوات اللَّـه عليهم. فانظر : بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن أَبي الصَّامت ، قال : «إِنَّ حديثنا صعب مستصعب ، شريف كريم ، ذكوان ذكيٌّ وعر ، لا يحتمله مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، ولا نبيٌّ مرسَلٌ ، ولا مؤمن مُـمْتَحن. قلتُ: فَمَنْ يحتملهُ جعلتُ فداك ؟ قال: مَنْ شئنا يا أَبا الصامت. قال أبو الصَّامت : فظننتُ أَن للَّـه عباداً هُم أفضل من هؤلاء الثلاثة»(2). وبعضها الرَّابع لا يحتمله إِلَّا هم صلوات اللَّـه عليهم. فلاحظ : بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن أَبي الصَّامت ، قال : «سمعتُ أَبا عبداللَّـه عليه السلام يقول : إِنَّ من حديثنا مالا يحتمله مَلَك مُقَرَّب ، ولا نبيٌّ مُرسَل، ولا عبد مؤمن. قلتُ : فَمَنْ يحتمله ؟ قال : نحن نحتمله»(3). وإِلى كُلِّ هذا أَشارت بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... إنَّ عندنا سرّاً مِنْ سرِّ اللَّـه ، وعلماً من علم اللَّـه لا يحتمله مَلَك مُقَرَّب ، ولا نبيّ مُرسَل ، ولا مؤمن أَمتحن اللَّـه قلبه للإِيمان ، واللَّـه ما كلَّف اللَّـه أَحَداً ذلك الحمل غيرنا ، ولا استعبد بذلك أَحداً غيرنا ، وإِنَّ عندنا سرّاً من سرِّ اللَّـه ، وعلماً من علم اللَّـه أَمرنا اللَّـه بتبليغه ، فبلَّغنا عن اللَّـه (عزَّوجلَّ) ما أَمرنا بتبليغه ، ما نجد له موضعاً ، ولا أَهلاً ولا حمَّالة يحملونه حتَّىٰ خلق اللَّـه لذلك أَقواماً ؛ خُلقوا من طينةٍ خُلق منها مُـحمَّد صلى الله عليه واله وذرِّيَّته ، ومن نور خلق اللَّـه منه مُـحمَّداً وَذُرِّيَّته ، وصنعهم بفضل صنع رحمته الَّتي صنع منها مُـحَمَّداً صلى الله عليه واله ؛ فبَّلغناهم عن اللَّـه (عزَّوجلَّ) ما أَمرنا بتبليغه ، فقبلوه واحتملوا ذلك ، وبلغهم ذاك عنَّا فقبلوه واحتملوه ، وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إِلى معرفتنا وحديثنا ، فلولا أَنَّهم خُلقوا من هذا لَـمَا كانوا كذلك ، ولا واللَّـه ما احتملوه. ثُمَّ قال: إِنَّ اللَّـه خلق قوماً لجهنَّم والنَّار ؛ فأَمرنا أَنْ نُبَلِّغهم كما بلَّغناهم فاشمأزوا من ذلك ، ونفرت قلوبهم وردوه علينا ، ولم يحتملوه ، وكذبوا به ... فطبع اللَّـه على قلوبهم وأَنساهم ذلك ، ثُمَّ أَطلق اللَّـه لسانهم ببعض الحقِّ ، فهم ينطقون به وقلوبهم منكرة ؛ ليكون ذلك دفعاً عن أَوليائه وأَهل طاعته ، ولولا ذلك ما عُبد اللَّـه في أَرضه ، فأمرنا بالكفِّ عنهم ، والكتمان منهم ، فاكتموا مِـمَّن أَمر اللَّـه بالكفِّ عنهم ، واستروا عمَّن أَمر اللَّـه بالستر والكتمان منهم ، قال : ثُمَّ رفع يده وبكىٰ وقال : اللَّهُمَّ ، إِنَّ هؤلاء لشرذمةٍ قليلون فاجعل محياهم محيانا، ومماتهم مماتنا ، ولا تُسَلِّط عليهم عدواً لك فتفجعنا بهم ؛ فإِنَّكَ إِن فجعتنا بهم لم تُعبد أَبداً في أَرضك»(4). / نكتة إِبتلاءات بعض الأَنبياء عليهم السلام / وهذا ما يُوضِّح : نكتة وفلسفة تعرُّض بعض الأَنبياء عليهم السلام السَّابقين إِلى الإِبتلاءات ، منهم : النَّبيّ آدم عليه السلام ؛ فإِنَّه لَـمَّا عُرضت عليه بعض مقامات وشؤون أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم توقَّف فعوقب بإِبتلائه المعروف وأُخرج من الجنَّة ، وعفي عنه بعد أَن رجع واستغفر وتاب ، ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 2 : 195/ح41. (2) بحار الأَنوار ، 2 : 192/ح34. (3) بحار الأَنوار ، 2 : 193/ح36. (4) بحار الأَنوار ، 25 : 385 ـ 386/ح44. المحتضر : 154 ـ 155
معارف إِلٰهيَّة : (161) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (161) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، لازال البحث في الطائفة الاولى ، وكانت تحت عنوان : « طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة انعكاسات لصفات الذَّات المُقدَّسة » ، وعنوان : « صفات أهل البيت عليهم السلام وشؤونهم تجلِّيات لصفات وشؤون الذَّات الإِلهيَّة » ، وصل بنا الكلام الى العنوان التالي : / نكتة إِبتلاءات بعض الأَنبياء عليهم السلام / وهذا ما يُوضِّح : نكتة وفلسفة تعرُّض بعض الأَنبياء عليهم السلام السَّابقين إِلى الإِبتلاءات ، منهم : النَّبيّ آدم عليه السلام ؛ فإِنَّه لَـمَّا عُرضت عليه بعض مقامات وشؤون أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم توقَّف فعوقب بإِبتلائه المعروف وأُخرج من الجنَّة ، وعفي عنه بعد أَن رجع واستغفر وتاب ، لكنَّه لم يُجعل من أَنبياء أُولي العزم عليهم السلام بسبب توقفه. وهكذا النَّبيّ أَيوب عليه السلام ؛ فابتُلي بالمرض وسائر إِبتلاءاته إِلى أَنْ تاب فأدركته السعادة بأَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم. وعلى هذا قس حال النَّبيّ يونس عليه السلام ، فأبتُلي بالحوت ، وحُبس في بطنه إِلى أَنْ تاب وقَبَل ولاية أَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، منضمّاً إِليه بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه ، قال : «إِنَّ اللَّـه تعالىٰ عرض ولاية عَلِيّ بن أبي طالب عليه السلام على أَهل السَّماوات وأَهل الأَرض فقبلوها ما خلا يونس بن متى ، فعاقبه اللَّـه وحبسه في بطن الحوت ؛ لإنكاره ولاية أَمير المؤمنين عَلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام حتَّىٰ قبلها». قال أبو يعقوب(1): «فنادىٰ في الظلمات أَنْ لا إِلٰه إِلَّا أَنْتَ سبحانك إِنِّي كنت من الظالمين لإنكاري ولاية عَلِيّ بن أبي طالب عليه السلام ». قال أبو عبد اللَّـه: فأنكرتُ الحديث فعرضته على عبداللَّـه بن سليمان المدنيّ فقال لي : «لا تجزع منه ؛ فإنَّ أَمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب عليه السلام خطب بنا بالكوفة ، فحمد اللَّـه تعالىٰ وأَثنىٰ عليه ، فقال في خطبته : «فلولا إِنَّه كان من المُقِرِّين للبث في بطنه إلى يوم يُبعثون». فقام إِليه فلان بن فلان وقال: يا أَمير المؤمنين ؛ إِنَّا سمعنا اللَّـه(2):[ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ]. فقال : أُقعد يا بكّار ، : «فلولا إِنَّه كان من المُقِرِّين للبث ... إلى آخِر الآية»(3)»(4). 2ـ بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه ، مُخاطِباً سلمان (رضوان اللَّـه عليه) : «... يا سلمان ، أَنا الَّذي دُعيت الأُمم كُلِّها إِلى طاعتي فكفرت فعُذِّبت بالنَّار...». قال سلمان: ... وأَنتَ قصَّة أَيُّوب وسبب تغيُّر نعمة اللَّـه عليه. فقال أَمير المؤمنين عليه السلام: «أتدري ما قصَّة أَيُّوب ، وسبب تغيُّر نعمة اللَّـه عليه ؟ قال: اللَّـه أعلم وأَنْتَ يا أمير المؤمنين. قال: لَـمَّا كان عند الانبعاث للنطق شَكَّ أَيُّوب في ملكي ، فقال: هذا خطب جليل وأَمر جسيم. قال اللَّـه (عزَّوجلّ) : يا أَيُّوب أَتَشكُّ في صورة أقمته أَنا؟ إِنِّي ابتليتُ آدم بالبلاء فوهبته له وصفحت عنه بالتسليم عليه بأَمرة المؤمنين ، وأنت تقول : خطب جليل ، وأَمر جسيم ؟! فوعزَّتي لأُذيقنَّك من عذابي أَو تتوب إِلَيّ بالطَّاعة لأَمير المؤمنين. ثُمَّ أَدركته السَّعادة بي ؛ يعني : أَنَّه تاب وأذعن بالطَّاعة لأَمير المؤمنين عليه السلام وعلى ذرِّيَّته الطَّيبين عليهم السلام »(5). 3ـ بيان تفسير الإِمام الباقر صلوات اللَّـه عليه ، وبيان نكتة عدم جعل النَّبيّ آدم عليه السلام من أَنبياء أُولي العزم عليهم السلام : «في قول اللَّـه عزَّوجلَّ : [ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا] (6) قال: عهد إِليه في مُـحمَّد والأَئمَّة من بعده فترك ، ولم يكن له عزم فيهم أَنَّهم هكذا...»(7). 4ـ بيان الإِمام الرضا صلوات اللَّـه عليه : «... وإِنَّ آدم عليه السلام لَـمَّا أَكرمه اللَّـه (تعالىٰ ذكره) بإسجاد ملائكته له ، وبإدخاله الجنَّة قال في نفسه : هل خلق اللَّـه بشراً أَفضل منِّي ؟ فعلم الله (عزَّوجلَّ) ما وقع في نفسه، فناداه : ارفع رأسَكَ يا آدم ، فانظر إِلى ساق عرشي ، فرفع آدم رأسه فنظر إِلى ساق العرش فوجد عليه مكتوباً : لا إِلٰه إِلَّا اللَّـه، مُـحَمَّد رسول اللَّـه، عَلِيّ بن أبي طالب أمير المؤمنين، وزوجته فاطمة سيِّدة نساء العالمين ، والحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنَّة. فقال آدم عليه السلام: يا ربّ ، مَنْ هؤلاء ؟ فقال (عزَّوجلَّ): من ذُرِّيَّتك ، وهم خير منكَ ومن جميع خلقي ، ولولاهم ما خلقتكَ ولا خلقتُ الجنَّة والنَّار ، ولا السَّماء والأَرض ، فإِيَّاك أَنْ تنظر إِليهم بعين الحسد فأُخرجكَ عن جواري. فنظر إِليهم بعين الحسد ، وتمنَّىٰ منزلتهم ، فتسلَّط الشَّيطان عليه حتَّىٰ أكل من الشَّجرة الَّتي نُهي عنها ، وتسلَّط على حوَّاء ؛ لنظرها إِلى فاطمة عليها السلام بعين الحسد حتَّىٰ أَكلت من الشَّجرة كما أَكل آدم ، فأخرجهما اللَّـه (عزَّوجلَّ) عن جنَّته ، وأَهبطهما عن جواره إِلى الأرض»(8). ودلالة الجميع واضحة. / مقامات كُمَّل المخلوقات لا تُعطى إِلاَّ بقدر معرفتهم بأَهل البيت عليه السلام / ثُمَّ إِنَّ كمَّل المخلوقات ـ منهم : الملائكة المُقرَّبين ، والأَنبياء والمرسلين، والأَوصياء والأَصفياء عليهم السلام ـ لم يُعطوا تلك المقامات والكمالات ولم يُفضَّل بعضهم على الآخر إِلَّا بقدر معرفتهم بأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ، وبقدر تحمُّل قابليَّاتهم لأَسرارهم. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أَبو يعقوب ـ هذا ـ وأَبو عبداللَّـه الآتي ذكره من أَصحاب رواة وإسناد هذا الحديث الشريف. (2) في المصدر : (إِنَّا سمعنا اللَّـه يقول). (3) الصافات : 143. (4) بحار الأَنوار ، 26 : 333 ـ 334/ح16. تفسير فرات الكوفي : 94. (5) بحار الأَنوار ، 26 : 292 ـ 293/ح52. كنز جامع الفوائد : 264 ـ 265. وفيه : (أَنَّه تاب إِلى اللَّـه). (6) طٰه : 115. (7) بحار الأَنوار ، 11 : 35/ح31. علل الشرائع : 52. (8) بحار الأَنوار ، 26 : 273/ح15. عيون الأَخبار : 170
معارف إِلٰهيَّة : (162) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (162) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، لازال البحث في الطائفة الاولى ، وكانت تحت عنوان : « طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة انعكاسات لصفات الذَّات المُقدَّسة » ، وعنوان : « صفات أهل البيت عليهم السلام وشؤونهم تجلِّيات لصفات وشؤون الذَّات الإِلهيَّة » ، وصل بنا الكلام الى العنوان التالي : / مقامات كُمَّل المخلوقات لا تُعطى إِلاَّ بقدر معرفتهم بأَهل البيت عليهم السلام / ثُمَّ إِنَّ كمَّل المخلوقات ـ منهم : الملائكة المُقرَّبين ، والأَنبياء والمرسلين، والأَوصياء والأَصفياء عليهم السلام ـ لم يُعطوا تلك المقامات والكمالات ولم يُفضَّل بعضهم على الآخر إِلَّا بقدر معرفتهم بأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ، وبقدر تحمُّل قابليَّاتهم لأَسرارهم . وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان الحديث القدسي ، عن ربِّ العزَّة (تقدَّس ذكره) ، مخاطباً سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... وَإِنِّي جعلتكم محنة لخلقي ، أَمتحن بكم جميع عبادي وخلقي في سمائي وأَرضي وما فيهنَّ ؛ لأَكمل الثواب لمن أَطاعني فيكم ، وأَحلّ عذابي ولعنتي على مَنْ خالفني فيكم وعصاني ، وبكم أُميِّز الخبيث من الطَّيِّب...»(1). ودلالته قد اتَّضحت ؛ فإِنَّ جملة المخلوقات ، منهم : كافَّة الملائكة لا سيما المُقرَّبين ، وجميع الأَنبياء والمرسلين ، وسائر الأَوصياء والأَصفياء عليهم السلام لم يُعطَ أَحدٌ منهم مقاماً ـ كـ : مقام : المقرَّبيَّة ، والنُّبُوَّة والرسالة ، والوصاية والإِصطفاء ـ ولا كمالاً ولا فضيلة ، ولا شأناً إِلٰهيّاً البتة في هذا العَالَم ، وفي العوالم السَّابقة واللاحقة ، ولم يُمَيَّز خبيثٌ عن طيِّبٍ إِلَّا بعد الابتلاءات والإِمتحانات في قدر معرفتهم بـ : أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم وطاعتهم لهم ، ومدىٰ تحمُّل أَسرارهم ومعارفهم. 2ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... والَّذي نفسي بيده ، ما استوجب آدم أَنْ يخلقه اللَّـه وينفخ فيه من روحه وأَنْ يتوب عليه ، ويردَّه إِلى جنَّته إِلَّا بنبوَّتي والولاية لِعَلِيّ بعدي ، والَّذي نفسي بيده ، ما أَرىٰ إِبراهيم ملكوت السَّماوات والأَرض ، ولا اتَّخذه خليلاً إِلَّا بنبوَّتي والإِقرار لِعَلِيّ بعدي ، والَّذي نفسي بيده، ما كلَّمَ اللَّـه موسىٰ تكليماً ، ولا أَقام عيسىٰ آية للعالمين إِلَّا بنبوَّتي ومعرفة عَلِيّ بعدي ، والَّذي نفسي بيده ، ما تنبَّأ نبيٌّ إِلَّا بمعرفتي والإِقرار لنا بالولاية ، ولا استأهل خلق من اللَّـه النظر إِليه إِلَّا بالعبوديَّة له والإِقرار لِعَلِيّ بعدي...»(2). 3ـ بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً : «ما تكاملت النُّبوَّة لِنَبِيٍّ في الأَظلَّة حتَّىٰ عرضت عليه ولايتي وولاية أَهل بيتي ، ومُثِّلوا له فأَقَرُّوا بطاعتهم وولايتهم»(3). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة. 4ـ إِطلاق بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «... أَنَا مُنزل الملائكة منازلها ... أَنَا صاحب الهبات بعد الهبات ولو أَخبرتكم لكفرتم ... أنَا المعطي، أَنا المبذل ، أَنا القابض يدي على القبض...»(4). وهذا أَحد تفاسير هذا البيان الشَّريف. 5ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «ما نُبِّئ نبيّ قَطُّ إِلَّا بمعرفة حقِّنا ، وبفضلنا على من سوانا»(5). ودلالته قد اِتَّضحت ؛ فإِنَّ مقام النُّبُوَّة لم يُعطَ لنبيٍّ قَطُّ إِلَّا بعد معرفته في العوالم السَّالفة بحقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ، ومعرفة : حقّهم وحقوقهم وبفضلهم على طُرِّ المخلوقات وفي جميع العوالم. 6ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «... فَمَنْ أَراد اللَّـه أَنْ يُطَهِّر قلبه من الجنِّ والإِنس عرَّفه ولايتنا ، ومن أَراد أَنْ يطمس على قلبه أَمسكَ عنه معرفتنا... واللَّـه ، ما استوجب آدم أَنْ يخلقه اللَّـه بيده ، وينفخ فيه من روحه إِلَّا بولاية عَلِيّ عليه السلام ، وما كلَّم الله موسىٰ تكليماً إِلَّا بولاية عِليّ عليه السلام ، ولا أَقَام اللَّـه عيسىٰ بن مريم آية للعالمين إِلَّا بالخضوع لِعَلِيّ عليه السلام ، ثُمَّ قال : اجمل الأَمر : ما استأهل خلق من اللَّـه النظر إِليه إِلَّا بالعبوديَّة لنا»(6). ودلالته واضحة. 7ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، الوارد في حقِّ فاطمة الزهراء عليها السلام : «... وهي الصِّدِّيقة الكبرىٰ ، وعلى معرفتها دارت القرون الأُولىٰ»(7). ودلالته قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ مقامات كُمَّل المخلوقات ـ كـ : الملائكة المُقرَّبين ، والأَنبياء والمرسلين ، والأَوصياء والأَصفياء عليهم السلام ـ وغيرهم وكمالاتهم وشؤونهم لم تعطها يد ساحة القدس الإِلٰهيَّة لهم في العوالم السَّابقة ـ وهي الأَساس ـ إِلَّا على قدر معرفتهم بـ : مراتب طبقات حقيقة فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها ، وبـ : مقاماتها ، وكمالاتها ، وفضائلها ، وشؤونها. ولوجود تفاوت في معرفتهم بها فُضِّل بعضهم على الآخر. 8 ـ بيان الإِمام الحسن العسكري عليه السلام : «... فالكليم أُلبس حلَّة الإِصطفاء لَـمّا عهدنا منه الوفاء ...»(8). ودلالته قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ النَّبيَّ موسىٰ عليه السلام نال الإِصطفاء والنُّبُوَّة والرِّسالة ؛ وسائر المراتب والمقامات الإِلٰهيَّة ؛ لَـمَّا عهد أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم منه الوفاء والإِخلاص لهم. 9ـ بيان زيارتهم صلوات اللَّـه عليهم : «... حتَّىٰ لا يبقىٰ مَلَك مُقرَّب، ولا نَبِيّ مُرْسَل ، ولا صِدِّيق ولا شهيد ، ولا عَالِم ولا جاهل ، ولا دني ولا فاضل ، ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ، ولا جبَّار عنيد، ولا شيطان مريد، ولا خلق فيما بين ذلك شهيد إِلَّا عرَّفه جلالة أَمركم ، وعظم خطركم ، وكبير شأنكم ، وجلالة قدركم ، وتمام نوركم ، و صدق مقاعدكم ، وثبات مقامكم ، وشرف محلَّكم ، ومنزلتكم عنده، وكرامتكم عليه ، وخاصَّتكم لديه ، وقرب مجلسكم منه...»(9). ودلالته قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ أَحد فلسفات هذا العرض وعلله في بداية الخلقة ، والتعريف بمقامات أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم وكمالاتهم وشؤونهم وذلك لإِختبار وامتحان جملة المخلوقات ؛ ليُعطىٰ كُلّ ذي قابليَّة حقَّه وشأنه في المسؤوليَّات المستقبليَّة. / طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام علل غائيَّة / / الطَّائفة الثَّانية ، ويُمثِّلها : / بيان الحديث القدسي ، عن الإِمام الباقر عليه السلام ، قال : «... كان اللّٰـه ولا شيء غيره ولا معلوم ولا مجهول ، فأَوَّل ما ابتدأ من خلق خلقه أَنْ خلق مُحَمَّداً صلى الله عليه واله وخلقنا أَهل البيت معه من نوره وعظمته ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 18 : 399 ـ 400/ح101. (2) المصدر نفسه ، 40 : 95 ـ 97/ح116. كتاب سليم : 168 ـ 170. (3) بصائر الدرجات ، 1 : 161/ح300 ـ 7. (4) مشارق أَنوار اليقين، الخطبة الافتخارية: 165 ـ 166. (5) بحار الأَنوار ، 26 : 281/ح28. بصائر الدرجات ، 1 : 51. (6) بحار الأَنوار ، 26: 294/ ح56. الاختصاص : 250. (7) بحار الأَنوار ، 43 : 105/ح19. (8) المصدر نفسه ، 26 : 364 ـ 365/ح50. (9) بحار الأَنوار ، 99 : 152
معارف إِلٰهيَّة : (163) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (163) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الثَّانية : / طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام علل غائيَّة / / الطَّائفة الثَّانية ، ويُمثِّلها : / بيان الحديث القدسي ، عن الإِمام الباقر عليه السلام ، قال : «... كان اللّٰـه ولا شيء غيره ولا معلوم ولا مجهول ، فأَوَّل ما ابتدأ من خلق خلقه أَنْ خلق مُحَمَّداً صلى الله عليه واله وخلقنا أَهل البيت معه من نوره وعظمته ... ثُمَّ قال لمُحَمَّد صلى الله عليه واله : وعزَّتي وجلالي وعلوّ شأني ، لولاك ولولا عَلِيّ وعترتكما الهادون المهديُّون الرَّاشدون ما خلقتُ الجنَّة والنَّار ، ولا المكان ، ولا الأَرض ولا السَّماء ، ولا الملائكة ولا خلقاً يعبدني ... من أَجلكم ابتدأتُ خلق ما خلقتُ ...»(1). ودلالته قد اِتَّضحت ؛ فإِنَّه لقرب طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة وتتبعها طبقات حقائقهم عليهم السلام المتوسطة والنَّازلة ، وحُظُوتها لدىٰ الباري (جلَّ قدسه) ، ولعلوِّ مقاماتها وكمالاتها بحيث لا يدانيها مقامات وكمالات مخلوق قَطُّ ؛ لم يكن للمخلوقات غاية وشرف وعزّ ومجد وفخر إِلَّا أَنْ تكون الغاية من خلقتها وقوعها في طريق الوصول إِلى تلك الطَّبقات الموصلة للسَّاحة الإِلٰهيَّة ليس إِلَّا. ولَكَ أَنْ تقول : إِنَّ هناك قاعدة تُذْكَر في المباحث المعرفيَّة ، وهي : «أَنَّ الموجود والمخلوق السَّافل لا يُخلق لأَجل الموجود والمخلوق السَّافل ، بل لأَجل الموجود والمخلوق العالي». وعليه : تكون جملة العوالم الإِلٰهيَّة غيرالمتناهيَّة ، وكافَّة المخلوقات الإِلٰهيَّة غيرالمتناهية أَيضاً مخلوقة لأَجل طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة. وهذا ما تُشير إِليه ـ إِضافة لِـمَا تقدَّم ـ بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان حديث الكساء : «... وعِزَّتي وجلالي ، إِنِّي ما خَلَقتُ سمآءً مبنيَّةً ولا أَرضاً مدحِيَّةً ، ولَا قَمَراً مُنيراً ، ولا شمساً مُضيئةً ، ولا فَلَكاً يَدُور ، ولا بحراً يَجرِي ، ولا فُلْكاً تَسرِي إِلَّا لأَجْلِكُمْ... [ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا] (2) ...»(3). 2ـ بيان الحديث القدسي مُنضمّاً إِليه بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... وأَنَّ أَبي آدم لَـمَّا رأَىٰ اسمي واسم عَلِيّ وابنتي فاطمة والحسن والحسين وأَسمآء أَولادهم مكتوبة على ساق العرش بالنُّور قال : إِلٰهي وسيِّدي ، هل خلقت خلقاً هو أَكرم عليكَ مِنِّي ؟ فقال : يا آدم ، لولا هذه الأَسمآء لَـمَا خلقتُ سمآءً مبنيَّة ، ولا أَرضاً مدحيَّة ، ولاملكاً مُقَرَّباً ، ولا نبيّاً مرسلاً ، ولا خلقتك يا آدم ، فلَمَّا عصىٰ آدم ربَّه وسأله بحقِّنا أَنْ يتقبَّل توبته ، ويغفر خطيئته فأجابه ، وكُنَّا الكلمات تلقَّاها آدم من ربِّه (عزَّوجلَّ) ، فتاب عليه، وغفر له ... فحمد آدم ربَّه (عزَّوجلَّ) وافتخر على الملائكة بنا...» (4). 3ـ بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «... وإِنَّ جميع الرسل والملائكة والأَرواح خُلقوا لخلقنا ...»(5). 4ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام : «...إِنَّ لَنَا عند اللَّـه منزلة ومكاناً رفيعاً ، ولولا نحن لم يخلق اللَّـه أَرضاً ولا سمآءً ، ولا جنَّةً ولا ناراً ، ولا شمساً ولا قمراً ، ولا بَرّاً ولا بحراً ، ولا سهلاً ولا جبلاً ، ولا رطباً ولا يابساً ولا حلواً ولا مرّاً ، ولا ماءً ، ولا نباتاً ولا شجراً ، اخترعنا اللَّـه من نور ذاته، لا يُقاس بنا بشر...»(6). 5ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... لَـمَّا رأَوا أَسماءنا مكتوبة على سرادق العرش ... قال اللَّـه : ... لولا هؤلاء ... ما خلقتُ سمآءً مبنيَّة ، ولا أَرضاً مدحيَّة ، ولا مَلَكاً مُقرَّب ، ولا نبيّاً مرسل ، ولا خلقتكَ يا آدم ...»(7). 6ـ بيان الإِمام الرضا صلوات اللَّـه عليه : «... وإِنَّ آدم لَـمَّا أَكرمه اللَّـه (تعالىٰ ذكره) بإسجاد ملائكته له ، وبإِدخاله الجنَّة قال في نفسه : هل خلق اللَّـه بشراً أَفضل مِنِّي ؟ فعلم اللَّـه (عزَّوجلَّ) ما وقع في نفسه فناداه : ارفع رأسكَ يا آدم ، فانظر إِلى ساق عرشي ، فرفع آدم رأسه فنظر إلى ساق العرش، فوجد عليه مكتوباً : لَا إِلٰه إِلَّا اللَّـه ، مُـحمَّد رسول اللَّـه ، عَلِيّ بن أبي طالب أَمير المؤمنين ، وزوجته فاطمة سيِّدة نساء العالمين ، والحسن والحسين سيِّدا شباب أَهل الجنَّة. فقال آدم عليه السلام : يا ربّ ، مَنْ هؤلاء ؟! فقال (عزَّوجلَّ) : من ذرِّيَّتكَ ، وهم خير منكَ ، ومن جميع خلقي ، ولولا هُم ما خلقتكَ ، ولا خلقتُ الجنَّة والنَّار ، ولا السَّمآء والأَرض ، فإِيَّاكَ أَنْ تنظر إِليهم بعين الحسد؛ فأخرجكَ عن جواري...»(8). ودلالة الجميع قد اِتَّضحت. وهذا أَحد معاني خلوص وإِخلاص السَّافل للعالي ؛ لأَنَّ كمال السَّافل يكمن في توجُّهه إِلى العالي ، لا في تمحوره حول ذاته. ومنه تتَّضح : كثير من بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان الحديث القدسي مخاطباً (تقدَّس ذكره) سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «يا أَحمد، لولاك لَـمَا خلقتُ الأَفلاك ، ولولا عَلِيّ لَـمَا خلقتُكَ ، ولولا فاطمة لَـمَا خلقتكما»(9). فإِنَّه دالٌّ على أَنَّ جملة الأَفلاك لم تُخلق لولا حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ؛ فإِنَّها علَّة غائيَّة لها. وكذا طبقات حقيقته صلى الله عليه واله النَّازلة ؛ فإِنَّها لم تُخلق لولا طبقات حقيقة أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه الصَّاعدة ؛ فإِنَّ طبقات حقيقته عليه السلام الصَّاعدة علَّة غائية لطبقات حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله النازلة. وعلى هذا قس طبقات حقيقتيهما صلوات اللَّـه عليهما وعلى آلهما النازلة ؛ فإِنَّها لم تُخلق لولا طبقات حقيقة فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها الصَّاعدة؛ فإِنَّها علَّة غائيَّة لطبقات حقيقتيهما صلوات اللَّـه عليهما وعلى آلهما النَّازلة. / طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام علل فاعليَّة / / الطَّائفة الثَّالثة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «أَنَا دحوتُ أَرضها ، وَأَنْشأتُ جبالها ، وَفَجَّرت عيونها ، وشققتُ أَنهارها ، وغرستُ أَشجارها ، وَأَطعمتُ ثمارها ، وَأَنْشَأَتُ سحابها ، وَأَسمعتُ رعدها ، ونوَّرتُ برقها ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 25 : 17 ـ 20/ح31. (2) الأحزاب : 33. (3) عوالم العلوم ، 11 / قسم : 2 : 933 . (4) بحار الأَنوار ، 35 : 23/ح15. الروضة البهية : 17 ـ 18. روضة الواعظين : 72 ـ 74. (5) بحار الأَنوار ، 39 : 350/ح24. تفسير فرات : 61 ـ 62. (6) بحار الأَنوار ، 26 : 8 ـ 17/ح2. (7) الهداية الكبرىٰ : 432. (8) بحار الأَنوار ، 26 : 273/ح15. عيون الأَخبار : 170. (9) عوالم العلوم ، 11: 43. ملتقىٰ البحرين: 14. مستدرك سفينة البحار، 3: 334
معارف إِلٰهيَّة : (164) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (164) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الثَّالثة : / طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام علل فاعليَّة / / الطَّائفة الثَّالثة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «أَنَا دحوتُ أَرضها ، وَأَنْشأتُ جبالها ، وَفَجَّرت عيونها ، وشققتُ أَنهارها ، وغرستُ أَشجارها ، وَأَطعمتُ ثمارها ، وَأَنْشَأَتُ سحابها ، وَأَسمعتُ رعدها ، ونوَّرتُ برقها ، وَأَضحيتُ شمسها ، وَأَطلعتُ قمرها ، وَأَنزلتُ قطرها ، ونصبتُ نجومها ، وَأَنا البحر القمقام الزَّاخر ، وسكَّنتُ أَطوادها ، وَأَنشأَتُ جواري الفلكَ فيها ، وَأَشرقتُ شَمسها ، وَأَنا جنب اللّٰـه وكلمته ، وقلب اللّٰـه وبابه الَّذي يؤتىٰ منه ، ادخلوا الباب سُجَّداً أَغفر لكم خطاياكم وَأَزيد المُحسنين ، وبي وعلى يديّ تقوم السَّاعة ، وَفيَّ يرتاب المبطلون ، وَأَنا الأَوَّل والآخر ، والظَّاهر والباطن ، وبكلِّ شيء عليم»(1). ثانياً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «... وَأَنا الأَوَّل وأَنا الآخر ، وَأَنا الباطن وَأَنا الظَّاهر ، وَأَنا بكلِّ شيءٍ عليم ، وَأَنا عَين اللّٰـه ، وَأَنا جنب اللّٰـه وَأَنا أَمين اللّٰـه على المرسلين ... وَأَنا أُحيي وَأَنا أُميت ، وَأَنا حي لا أَموت»(2). ثالثاً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «... أَنَا الَّذي حملتُ نوحاً في السفينة بأَمر رَبِّي ، وَأَنا الَّذي أَخرجتُ يونس من بطن الحوت بإِذنِ رَبِّي ، وَأَنا الَّذي جاوزتُ بموسىٰ بن عمران البحر بِأَمر رَبِّي ، وَأَنا الَّذي أَخرجتُ إِبراهيم من النَّار بإِذن رَبِّي ، وَأَنا الَّذي أَجريتُ أَنهارها ، وَفَجَّرْتُ عيونها ، وغرستُ أَشجارها بإِذنِ رَبِّي ، وَأَنا عذاب يوم الظِّلَّة ، وَأَنا المنادي من مكانٍ قريبٍ قد سمعه الثقلان: الجنّ والإِنس ، وفهمه قوم ، إِنِّي لأُسمع كُلّ قومٍ(3) الجَبَّارين والمنافقين بلغاتهم ، وَأَنا الخضر عَالِم موسىٰ ، وَأَنا مُعَلِّم سليمان بن داود ، وَأَنا ذو القرنين، وَأَنا قُدرة اللّٰـه عزَّوجلّ ... إِنَّ مَيِّتَنا لم يَمُت ، وغائبنا لم يَغِب ، وإِنَّ قتلانا لَنْ يُقتلوا ... لِأَنَّا آيات اللّٰـه ودلائله ، وحُجَج اللّٰـه وخلفاؤه وأُمناؤه وَأَئِمَّتَه ، ووجه اللّٰـه وعين اللّٰـه ولسان اللّٰـه ، بِنَا يُعَذِّبُ اللّٰـهُ عباده ، وبِنَا يُثيب ... وَلَو قال قائل : لِمَ وكيف وفيم؟ لكفر وَأَشرك ؛ لأَنَّه لا يُسأل عمَّا يفعل وهم يُسألون ... أَنَا أُحيي وأُميت بإِذن ربِّي ...»(4). رابعاً : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، مخاطباً أَمير المؤمنين عليه السلام : «يا عَلِيُّ ، كُنتَ مع الأَنبياء سِرّاً ، ومعي جهراً»(5). خامساً : بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «كُنْتُ مع الأَنبياء باطناً ، ومع رسول اللّٰـه ظاهراً»(6). سادساً : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام مُخاطباً أَبا حنيفة ، عن كنز الفوائد للكراجكي ، قال : «ذُكر : أَنَّ أَبا حنيفة أَكَلَ طعاماً مع الإِمام الصَّادق جعفر بن محمَّد عليهما السلام ؛ فلَمَّا رفع عليه السلام يده من أَكله قال : الحمد للّٰـه ربِّ العالمين ، اللَّهُمَّ إِنَّ هذا مِنكَ ومن رسولكَ. فقال أَبو حنيفة : يا أَبا عبداللّٰـه ، أَجعلتَ مع اللّٰـه شريكاً؟ فقال له : ويلكَ ، إِنَّ اللّٰـه تعالىٰ يقول في كتابه : [ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ] (7)، ويقول في موضع آخر : [ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُه] (8). فقال أَبو حنيفة : واللّٰـه لكأَنِّي ما قرأتهما قَطُّ من كتاب اللّٰـه ، ولا سمعتهما إِلَّا في هذا الوقت. فقال أَبو عبداللّٰـه عليه السلام : بَلَىٰ ، قَدْ قرأتهما وسمعتهما ، ولكنَّ اللّٰـه تعالىٰ أَنزل فيكَ وفي أَشباهكَ : [ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا] (9)، وقال : [ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] (10)»(11). سابعاً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... وَلَولَا ما نَهَىٰ اللّٰـهُ عنه من تزكية المرء نفسه لذكر ذاكرٌ فَضَائلَ جَمَّةً تعرِفُها قلوبُ المؤمنين ، وَلَا تَمُجُّها آذانُ السَّامعينَ ، فَدَعْ عنكَ مَنْ مالَت به الرَّمِيَّةُ ؛ فإنَّا صَنَائعُ ربُّنا ، والنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا ...»(12). ثامناً : بيان النَّاحية المُقدَّسة : «... ونحن صنائعُ ربُّنا ، والخلق بعد صنائعنا ...»(13). ودلالتها قد اِتَّضحت ؛ فإِنَّه بعدما كانت طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة : وسائط الفيض الرُّبوبي ، والسَّبب والباب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ الأَدنىٰ بين الخالق (جلَّ وتقدَّس) و جملة العوالم وسائر المخلوقات كانت عللاً فاعليَّة ؛ تفيض الوجود على ما تعلَّقَت به المشيئة والإِرادة الإِلٰهيَّة ، فخُلقت السَّماوات والأَرضين ومَنْ فيهنَّ وما بينهنَّ بأَيدي وقوىٰ أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) الصَّاعدة. إِذَنْ : طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة إِضافة لكونها عللاً غائيَّة هي علل فاعليَّة ؛ إِذْ الباري (تقدَّست أَسماؤه) يتنزَّه عن مباشرة الأَشياء بنفسه ، بل مُنزَّه عنها(14)، وإِنَّما هي من شأن المخلوقات المُكرَّمة ؛ لاحتياج الخلق والإِماتة والإِحياء والإِيحاء ، وسائر الأَشياء والمفاعيل إِلى مُحاذاة وقرب وحركة ، وملابسة وملامسة ومباشرة ومعالجة ، واستنزال وزوال وما شاكلها من أَفاعيل وصفات وشؤون المخلوقات ، والباري (عظمت آلاؤه) مُنَزَّه عن جميع ذلك بالضَّرورة الوحيانيَّة والعقليَّة. فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان جواب الإِمام الصَّادق عليه السلام على سؤال الزنديق : «... فيُعَانِي الأَشْيَاءَ بنفسه؟ قال أَبوعبداللّٰـه عليه السلام : هُوَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُعاني الأَشياء بمباشرةٍ ومُعَالَجةٍ ؛ لأَنَّ ذلك صِفَةُ المَخْلُوقِ الَّذي لا تجيءُ الأَشياءُ له إِلَّا بالمباشرةِ والمُعَالجَةِ ، وهُوَ مُتَعَالٍ نافِذُ الإِرَادَةِ والمَشيئَةِ ، فَعَّالٌ لِـمَا يَشاءُ»(15). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 39 : 348/ح20. مناقب آل أبي طالب ، 1 : 512 ـ 514. (2) بحار الأَنوار ، 39 : 347. (3) في نسخةٍ : (كُلّ يوم). (4) بحار الأَنوار ، 26 : 5/ح1. (5) معارج العُلىٰ (مخطوط). (6) مصباح الهداية : 142. (7) التوبة : 74. (8) التوبة : 59. (9) محمَّد : 24. (10) المطففين : 14. (11) بحار الأَنوار ، 47 : 240/ح25. كنز الفوائد للكراجكي : 196. (12) بحار الأَنوار ، 33 : 57 ـ 60/ح398. نهج البلاغة/باب : المختار من كُتُب أَمير المؤمنين عليه السلام / 28 ـ من كتاب له عليه السلام إِلى معاوية جواباً : 411 ـ 415. (13) بحار الأَنوار ، 53 : 178 ـ 180/ح9. غيبة الشَّيخ : 184 ـ 185. الاحتجاج : 253. (14) مرجع الضمير : (مباشرة الأَشياء بنفسه). (15) أُصول الكافي ، 1 : كتاب التَّوحيد/24 ـ باب إِطلاق القول بأَنَّه شيء: 59 ـ 61/ح6
معارف إِلٰهيَّة : (165) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 165) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، ووصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الثَّالثة ، ولازال البحث فيها ، وكانت تحت عنوان : (طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام علل فاعليَّة) ، وصل الكلام الى المصداق الثامن من مصاديق بيانات هذه الطائفة : ثامناً : بيان النَّاحية المُقدَّسة : «... ونحن صنائعُ ربُّنا ، والخلق بعد صنائعنا ...»(1). ودلالتها قد اِتَّضحت ؛ فإِنَّه بعدما كانت طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة : وسائط الفيض الرُّبوبي ، والسَّبب والباب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ الأَدنىٰ بين الخالق (جلَّ وتقدَّس) و جملة العوالم وسائر المخلوقات كانت عللاً فاعليَّة ؛ تفيض الوجود على ما تعلَّقَت به المشيئة والإِرادة الإِلٰهيَّة ، فخُلقت السَّماوات والأَرضين ومَنْ فيهنَّ وما بينهنَّ بأَيدي وقوىٰ أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) الصَّاعدة. إِذَنْ : طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة إِضافة لكونها عللاً غائيَّة هي علل فاعليَّة ؛ إِذْ الباري (تقدَّست أَسماؤه) يتنزَّه عن مباشرة الأَشياء بنفسه ، بل مُنزَّه عنها( 2)، وإِنَّما هي من شأن المخلوقات المُكرَّمة ؛ لاحتياج الخلق والإِماتة والإِحياء والإِيحاء ، وسائر الأَشياء والمفاعيل إِلى مُحاذاة وقرب وحركة ، وملابسة وملامسة ومباشرة ومعالجة ، واستنزال وزوال وما شاكلها من أَفاعيل وصفات وشؤون المخلوقات ، والباري (عظمت آلاؤه) مُنَزَّه عن جميع ذلك بالضَّرورة الوحيانيَّة والعقليَّة. فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان جواب الإِمام الصَّادق عليه السلام على سؤال الزنديق : «... فيُعَانِي الأَشْيَاءَ بنفسه؟ قال أَبوعبداللّٰـه عليه السلام : هُوَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُعاني الأَشياء بمباشرةٍ ومُعَالَجةٍ ؛ لأَنَّ ذلك صِفَةُ المَخْلُوقِ الَّذي لا تجيءُ الأَشياءُ له إِلَّا بالمباشرةِ والمُعَالجَةِ ، وهُوَ مُتَعَالٍ نافِذُ الإِرَادَةِ والمَشيئَةِ ، فَعَّالٌ لِـمَا يَشاءُ»(3). 2ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «... يا ظاهراً بلا مشافهة ، يا باطناً بلا ملامسة ... يا أَوَّلاً بغير غاية ، يا آخراً بغير نهاية ، يا قائماً بغير انتصاب ، يا عَالِماً بلا اكتساب ...»(4). 3ـ بيان الإِمام الكاظم عليه السلام : «... فَمَنْ ظَنَّ باللّٰـهِ الظنون فقد هَلَكَ وَأَهلكَ ، فاحذروا في صفاته من أَنْ تقفوا له على حَدٍّ من نقص أَو زيادة ، أَو تحريك أَو تَحَرُّك ، أَو زوال أَو استنزال ، أَو نهوض أَو قعود ، فإنَّ اللّٰـه عزَّوجلَّ عن صفة الواصفين ، ونعت النَّاعتين ، وتوَهُّم المُتَوهِّمين»(5). 4ـ بيان الإِمام الرَّضا عليه السلام : «... عظم ربِّي وجلَّ أَنْ يكون في صفة المخلوقين ...»(6). ومن ثَمَّ اقتضت الضرورة لمخلوقات مُكرَّمة تفعل أَفاعيل الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وتقوم مقامه (تقدَّس ذكره) ، وهي على طبقات ، طبقاتها الصَّاعدة : (حقائق أَهل البيت الأَطهار صلوات اللّٰـه عليهم) ، وطبقاتها النَّازلة : (الملائكة المقرَّبين وأَجنادهم) ، فإِسرافيل عليه السلام ـ مثلاً ـ يحيي، لكنَّ إِحياء طبقات حقيقة أَمير المؤمنين (صلوات اللّٰـه عليه) أَرقىٰ وأَعلىٰ ، وأَشَفُّ وأَلطف ، وأَعظم قوَّة وسلطنة وهيمنة من دون قياس. وعزرائيل عليه السلام مميت ، لكنَّ إِماتة طبقات حقيقة أَمير المؤمنين (صلوات اللّٰـه عليه) أَرقىٰ وأَعلىٰ ، وأَشَفُّ وأَلطف ، وأَعظم قوَّة وسلطنة وهيمنة من دون قياس ، وعلى هذا قس ما يقوم به سائر الملائكة عليهم السلام كـ : (ميكائيل عليه السلام الموكَّل في إِيصال الأَرزاق إِلى المخلوقات) ، و(جبرئيل عليه السلام الموكَّل في الإِيحاء النَّازل)، و(رضوان عليه السلام المُوكَّل في الجنان ونعيمها) ، و(مالك عليه السلام المُوكَّل في جهنَّم وجحيمها وعذابها) ، فإِنَّ الطَّبقات الصَّاعدة لهذه الأَفاعيل صادرة من طبقات حقيقة أَمير المؤمنين وسائرطبقات حقائق بقيَّة أَهل البيت بعد طبقات حقيقة سيِّد الأَنبياء (صلوات اللّٰـه عليهم أَجمعين). ومن ثَمَّ يتَّضح : كم هائل وخطير ومهول جِدّاً من بيانات الوحي المعرفيَّة والعقليَّة الأُخرىٰ ـ الآتي (إِنْ شاء اللّٰـه تعالىٰ) ذِكْر ما يُمثِّل بعض طوائفها ـ الَّتي حام حومها أَتباع مدرسة أَهل البيت عليه السلام ، لكنَّهم لم يطوفوا طورها ؛ ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 53 : 178 ـ 180/ح9. غيبة الشَّيخ : 184 ـ 185. الاحتجاج : 253. (2) مرجع الضمير : (مباشرة الأَشياء بنفسه). (3) أُصول الكافي ، 1 : كتاب التَّوحيد/24 ـ باب إِطلاق القول بأَنَّه شيء: 59 ـ 61/ح6. (4) بحار الأَنوار ، 83 : 314 ـ 315/ح67. (5) المصدر نفسه ، 3 : 311 ـ 312/ح5. الكافي ، 1 : 125. (6) بحار الأَنوار ، 4 : 40/ح18
معارف إِلٰهيَّة : (166) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 166) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، ووصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الثَّالثة ، ولازال البحث فيها ، وكانت تحت عنوان : (طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام علل فاعليَّة) ، وصل الكلام الى المطلب التالي : ومن ثَمَّ يتَّضح : كم هائل وخطير ومهول جِدّاً من بيانات الوحي المعرفيَّة والعقليَّة الأُخرىٰ ـ الآتي (إِنْ شاء اللّٰـه تعالىٰ) ذِكْر ما يُمثِّل بعض طوائفها ـ الَّتي حام حومها أَتباع مدرسة أَهل البيت عليهم السلام ، لكنَّهم لم يطوفوا طورها ؛ لعدم تحمُّلهم ما ورد فيها من حقائق وحيانيَّة ومعرفيَّة وعقليَّة ، ومقامات ومراتب وفضائل وكمالات جليلة وعظيمة وخطيرة جِدّاً لأَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) ، صادمة ومذهلة ومرعبة ، وصاكَّة لأَسماع العوالم والمخلوقات ، وفوق طاقة التَّصوُّر والتَّعَقُّل ، فعمدوا إِلى إِسقاط حُجِّيَّتها سنداً من خلال رمي رواتها ـ مع أَنَّهم من أَعمدة وأَساطين أَصحاب الأَئمَّة عليهم السلام ـ بـ : الغلو ، والتَّخليط ، ونقل المناكير وما شاكلها ، أَو إِسقاط حُجِّيَّة متونها من خلال لَيّ أَعناق دلالاتها ، وتشبثوا له بأُمور تشبث الغريق بلحيته ، أَو التَّوقُّف فيها ، وإِحالة أَمرها إِلى أَهلها (صلوات اللّٰـه عليهم) على أَحسن الأَحوال. لكنَّه : بعد أَنْ أَستسمنت ذا ورم ـ حصلت هذه الطفرة العلميَّة والعقائديَّة والمعرفيَّة الَّتي نعيش الآن أَيَّامها المباركة ، المنتشلة من الظلمات والغواشي ، والمُقرِّبة إلى عوالم النُّور والحبور ، والبهاء والسرور ، المُخرجة لِمَنْ له عينين من الحُجُب الظلمانيَّة ـ بزغت هذه البيانات وغيرها ماثلة لكلِّ عينٍ ، مالئة لكُلِّ سمعٍ ، وتجلَّت بحور خضم زاخرة ، يعبُّ عبابها ، وتصطخب أَمواجها ، فيها درر زاهرة ، وجواهر ناصعة ، ونور ساطع في عقول المخلوقات كالشَّمس الضاحية ، وأَدلَّة وحيانيَّة قطعيَّة الصدور والدلالة بالقطع العقلي ، بل والوحياني ، ودلائل ظاهرة قاطعة ، وبراهين واضحة باهرة ، وحجج بالغة ساطعة على شيء جسيم ، يفوح منها مدىٰ عظمة أَهل البيت الأَطهار صلوات اللّٰـه عليهم ، فكن ذا عينين تفز بالحسنيين ، فقد أَلزمتكَ وأَفحمتكَ الحُجَّة ، بعد أَنْ أستفحل الدَّليل وانسدَّ طريق الإِنكار بما لا يخفىٰ أَو يُستر ، فلا يبقىٰ مجال لموقف الشَّكِّ أَو ميدانٍ لمُشكِّك ، فاصغ إِليها سمعكَ ، وذلِّل لها فهمكَ ، واشغل لها قلبكَ ؛ لتعرف من أَين تُؤْكل الكتف ؛ لتلتقط درر الحقيقة من بحور بياناتها ، وهي وإِنْ بَعُدَ الباحث والمُحقِّق والعارف في الغور والغوص فيها ، لكنَّه لا ينال حقيقة بحورها المُوَّاجة ، ولا يُدرِك قعرها ، ومن ثَمَّ تصبح آراء أُولئك وتأويلاتهم كمثل غيم علا فاستَعلىٰ ، ثُمَّ استغلظ فاستوىٰ ، ثُمَّ تمزَّقَ فانجلا رويداً ، ويتَّضح أَنَّها كالشَّمس بلا حجاب وستار على غير أَصلٍ فنِّيٍّ ، وقاعدةٍ صناعيةٍ ، فيكون منهج خُدْعَة مُخالف لِـمَا قامت عليه بيانات الوحي ، بل ظاهرة التَّكليف ، بيِّنة التَّوليد ، تخطب على نفسها أَنَّها فخفخة قول مِمَّنْ داخله الشَّكّ واستولىٰ عليه الرَّيب ، مُحجِّرة للعقول ومميتة للحقائق ، وأَباطيل خُيِّلت لهم وخُلطت عليهم ، ومفتريات اختلقوها من تلقاء أَنفسهم. وهذا ليس سبّاً وحطّاً لمقام أُولئكَ ، وإِنَّما بيان حقيقة. والسَّلام. / خارطة جملة عوالم الخلقة برسم وتخطيط أَهل البيت عليهم السلام / ومِنْ كُلِّ ما تقدَّم يتَّضح : أَنَّ المستفاد من بيانات الوحي : أَنَّ خارطة مسار جملة عالم الدُّنيا برسم وتخطيط أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ، بل وخرائط مسارات كافَّة العوالم وجميع مخلوقاتها ، كـ : عَالَم البرزخ ، وعَالَم الرَّجعة ، وعَالَم القيامة ، وعَالَم الآخرة الأَبديَّة ، وعوالم ما بعدها ، بل وعوالم ما قبل هذه النشأة الأَرضيَّة لم تكن إِلَّا بتخطيطهم صلوات اللَّـه عليهم وهندستهم وتنفيذهم. فانظر : بيانات الوحي ، منها : ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار
معارف إِلٰهيَّة : (167) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 167) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، ووصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الثَّالثة ، ولازال البحث فيها ، وكانت تحت عنوان : (طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام علل فاعليَّة) ، وصل الكلام الى العنوان التالي : / خارطة جملة عوالم الخلقة برسم وتخطيط أَهل البيت عليهم السلام / ومِنْ كُلِّ ما تقدَّم يتَّضح : أَنَّ المستفاد من بيانات الوحي : أَنَّ خارطة مسار جملة عالم الدُّنيا برسم وتخطيط أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ، بل وخرائط مسارات كافَّة العوالم وجميع مخلوقاتها ، كـ : عَالَم البرزخ ، وعَالَم الرَّجعة ، وعَالَم القيامة ، وعَالَم الآخرة الأَبديَّة ، وعوالم ما بعدها ، بل وعوالم ما قبل هذه النشأة الأَرضيَّة لم تكن إِلَّا بتخطيطهم صلوات اللَّـه عليهم وهندستهم وتنفيذهم. فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين عليه السلام ـ المُتقدِّم ـ : «... أَنا دحوتُ أَرضها، وأَنشأتُ جبالها ، وفجَّرتُ عيونها ، وشققتُ أَنهارها ، وغرستُ أَشجارها ، وأَطعمتُ ثمارها ، وأَنشأتُ سحابها ، وَأَسمعتُ رعدها ، ونوَّرتُ برقها ، وأَضحيتُ شمسها ، وأَطلعتُ قمرها ، وأَنزلتُ قطرها ، ونصبتُ نجومها ... وسكنتُ أَطوادها ، وأَنشأتُ جواري الفلك فيها ، وأَشرقتُ شمسها ... ادخلوا الباب سجّداً أغفر لكم خطاياكم وأزيد المحسنين ، بي وعلى يديّ تقوم السَّاعة...»(1). 2ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : ««... أَنَا مُنزل الملائكة منازلها ... أَنا المُنادي لهم : أَلستُ بربِّكم ؛ بأَمر قيُّوم لم يزل ... أَنا صاحب الهبات بعد الهبات ولو أَخبرتكم لكفرتم ... أَنا منشئ الأَنام ... أَنا صاحب النجوم ، أَنا مُدبِّرها بأَمر ربّي ... أَنا المُعطِي ، أَنا المُبذِل ، أَنا القابض يدي على القبض ... أَنا صاحب القطر والمطر ، أَنا صاحب الزلازل والخسوف ... أَنا صاحب الغيث بعد القنوط...»(2). 3ـ بيان خطبته عليه السلام أَيضاً : «أَنَا عندي مفاتيح الغيب ... أَنا أَقمتُ السَّماوات بأَمر ربِّي ... أَنا أَمر الحي الَّذي لا يموت ، أَنا ولي الحقّ على سائر الخلق ... أَنا المفوَّض إِلَيَّ أَمر الخلائق ، أَنَا خليفة الإِلٰه الخالق ... أَنا أرسيتُ الجبال الشَّامخات ، وفجَّرتُ العيون الجاريات ... أَنَا مُقدِّر الأَقوات ، أَنا ناشر الأَموات ، أَنا منزل القطر ، أَنَا مُنَوِّر الشَّمس والقمر والنجوم ، أَنَا قيِّم القيامة ... أَنَا محصي الخلائق وإِنْ كثروا ...»(3). 4ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، الوارد في حقِّ أَهل البيت عليهم السلام : «... هذا كُلّه لآل محمَّد لا يُشاركهم فيه مُشارك ... خلقهم اللّٰـه من نور عظمته ، وولَّاهم أَمر مملكته ...»(4). 5ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن سلمان (رضوان اللَّـه عليه) ، قال: «... وإنَّ اللَّـه عزَّوجلَّ جعل أَمر الدُّنيا إِلَيّ ...قال سلمان: ...ثُمَّ إِنَّ أَمير المؤمنين عليه السلام أَمر الريح فسارت بنا إلى جبل قاف فانتهيت(5) إليه ، وإذا هو من زمرِّدة خضراء وعليها(6) ملك على صورة النسر ، فلَمَّا نظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال الملك : السَّلَامُ عَلَيْكَ يا وصيّ رسول اللَّـه وخليفته ، أَتأذن لي في الكلام؟ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلام وقال له: إِنْ شئتَ تكلَّم ، وإِنْ شئتَ أَخبرتُكَ عمَّا تسألني عنه. فقال الملك: بل تقول أنت يا أمير المؤمنين. قال: تُريد أَنْ آذن لَكَ أَنْ تزور الخضر عليه السلام ، قال: نعم، فقال عليه السلام : قد أذنتُ لَكَ ... فقال سلمان : يا أَمير المؤمنين ، رأيتُ الملك ما زار الخضر إِلَّا حين أَخذ إذنكَ. فقال عليه السلام : والَّذي رفع السماء بغير عمدٍ ، لو أَنَّ أَحدهم رام أَنْ يزول من مكانه بقدر نفسٍ واحدٍ لَـمَا زال حتَّىٰ آذن له ، وكذلك يصير حال ولدي الحسن ، وبعده الحسين وتسعة من ولد الحسين... والَّذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة إِنِّي لأَملك من ملكوت السَّماوات والأَرض ما لو علمتم ببعضه لما احتمله جنانكم...»(7). 6ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام : «إِنَّ اللَّـه لم يزل فرداً مُتَفَرِّداً في الوحدانيَّة ، ثُمَّ خلق محمَّداً وعليّاً وفاطمة عليهم السلام ... وفوَّض أَمر الأَشياء إِليهم في الحُكم والتصرُّف والإِرشاد ، والأَمر والنهي في الخلق ؛ لأَنَّهم الولاة فلهم الأَمر والولاية والهداية ، فهم أَبوابه ونوَّابه وحجَّابه ، يُحلِّلون ما شآء ، ويُحرِّمون ما شآء ، ولا يفعلون إِلَّا ما شآء ، عباد مُكرمون ، لا يسبقونه بالقول ، وهم بأمره يعملون...»(8). 7ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن المفضَّل بن عمر ، قال: «... فقلتُ له: يابن رسول اللَّـه ، فعَلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام يُدخل مُحبّه الجنَّة ومبغضه النَّار أَو رضوان ومالك ؟ فقال: يا مفضَّل ... فَعَلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام إِذاً قسيم الجنَّة والنَّار عن رسول اللَّـه صلى الله عليه واله ، ورضوان ومالك صادران عن أَمره بأمر اللَّـه (تبارك وتعالىٰ)، يا مفضَّل ، خُذ هذا ؛ فإِنَّه من مخزون العلم ومكنونه ، لا تخرجه إِلَّا إِلى أَهله»(9). 8ـ إِطلاق بيانه عليه السلام ، عن إِسماعيل بن عبد العزيز ، قال : «قال لي جعفر بن مُحمَّد عليه السلام : إِنَّ رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله كان يُفوَّض إِليه ... وإنَّ اللّٰـه فوَّض إِلى مُحمَّد صلى الله عليه واله نبيّه فقال: [مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا] (10)، فقال رَجُلٌ: إِنَّما كان رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله مفوَّضاً إِليه في الزَّرع والضَّرع ، فلوّىٰ جعفر عليه السلام عن عنقه مُغضباً ، فقال: في كُلِّ شيءٍ ، واللّٰـه في كُلِّ شيءٍ»(11). 9ـ بيان زيارتهم صلوات اللَّـه عليهم الجامعة : «...السَّلام عليكم يا أَهل بيت النُّبوَّة ، وموضع الرسالة ... وقادة الأُمم ... وساسة العباد ... إِصطفاكم بعلمه ... وفوَّض إِليكم الأُمور ، وجعل لكم التَّدبير ، وعرَّفكم الأَسباب ... وأَعطاكم المقاليد ، وسخَّر لكم ما خلق ... إِياب الخلق إِليكم ، وحسابهم عليكم ، وفصل الخطاب عندكم ... وأَمره إِليكم ... لم تزالوا بعين اللَّـه وعنده ، وفي ملكوته تأمرون ، وله تخلفون ، وإِيَّاه تُسبِّحون ، وبعرشه محدقون ، وبه حافُّون حتَّىٰ مرَّ بكُم علينا ، فجعلكم في بيوتٍ أَذن اللَّـه أَنْ تُرفع ويُذكر فيها اسمه ...»(12). 10ـ بيان زيارة أَمير المؤمنين عليه السلام : «...السَّلام عليك يا أَمير المؤمنين عَلِيّ ابن أَبي طالب ... السَّلام عليكَ يا ... صاحب الدُّنيا ... السَّلام عليكَ يا حافظ سرّ اللّٰـه ، وممضي حكم اللّٰـه ، ومجلي إِرادة اللّٰـه ، وموضع مشيَّة اللّٰـه ... وولي الملك الدَّيَّان ... السَّلام عليكَ يا عماد الجبَّار ... السَّلام عليكَ يا مشهوراً في السَّماوات العليا ، ومعروفاً في الأَرضين السَّابعة السفلىٰ ... السَّلام عليكَ أَيُّها النَّازل من عليِّين ، والعَالِم بما في أَسفل السَّافلين ... اجتباكَ اللّٰـه لقدرته ، فجعلكَ عصا عزِّه ، وتابوت حكمته ...»(13). ودلالة الجميع واضحة ، ولا غبار عليها. ومن ثَمَّ لا تكون بياناتهم المعرفيَّة وسِيَرُهم وأَفعالهم عليهم السلام استراتيجيَّة حضارة فحسب ، بل واستراتيجيَّة عوالم ومخلوقات لا يعيها(14) سائر البشر ، بل ولا سائر الأَنبياء والملائكة المُقرَّبين عليهم السلام. ومن ثَمَّ فلسفة بياناتهم صلوات اللَّـه عليهم وسِيَرِهم وأَفعالهم ليست محدودة بأَمد زمانيّ دنيويّ ، بل ولا بعَالَم الدُّنيا برمَّته ؛ فإِنَّ ساحة القدس الإِلٰهيَّة وَظَّفَتْهُم لرسم خارطة مسار جملة العوالم وطُرّ المخلوقات. ومنه يتَّضح : مدىٰ وضوح جملة الخريطة التَّكوينيَّة واستراتيجيَّة العوالم ومخلوقاتها لدىٰ أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم. / طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة آيات إِلهيَّة ومرادفاتها العقليَّة/ / الطَّائفة الرابعة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان أمير المؤمنين عليه السلام : «أَنَا عينُ اللّٰـه ، وَأَنا جنب اللّٰـه ، وَأَنا يَد اللّٰـه ، وَأَنا باب اللّٰـه»(15). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار، 39: 348. (2) مشارق أَنوار اليقين في أَسرار أَمير المؤمنين عليه السلام ، الخطبة الإِفتخاريَّة: 165 ـ 166. (3) المصدر نفسه : 269 ـ 270. (4) بحار الأَنوار ، 25 : 169 ـ 174/ح38. (5) في المصدر : (فانتهينا). (6) في نسخة : (من زمرِّدة خضرة وعليه). (7) بحار الأَنوار، 27: 33 ـ 40/ح5. المحتضر: 71 ـ 76. (8) بحار الأَنوار ، 25: 339/ح21. (9) المصدر نفسه ، 39 : 194ـ 196/ح5. علل الشرائع : 65. (10) الحشر : 7. (11) بحار الأَنوار ، 17 : 9/ ح16. بصائر الدرجات : 111 ـ 112. (12) بحار الأَنوار، 99/ الزيارة الثالثة: 146 ـ 159. (13) بحار الأَنوار ، 97 : 347 ـ 352. المزار الكبير : 97 ـ 101. (14) مرجع الضمير : (بيانات أَهل البيت عليه السلام المعرفيَّة وسِيَرُهم وأَفعالهم). (15) بحار الأَنوار ، 24 : 194/ح16. بصائر : 19
معارف إِلٰهيَّة : (168) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 168) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الرابعة : / طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة آيات إِلهيَّة ومرادفاتها العقليَّة / / الطَّائفة الرابعة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان أمير المؤمنين عليه السلام : «أَنَا عينُ اللّٰـه ، وَأَنا جنب اللّٰـه ، وَأَنا يَد اللّٰـه ، وَأَنا باب اللّٰـه»(1). ثانياً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «أَنَا علم اللّٰـه ، وَأَنا قلب اللّٰـه الواعي ، ولسان اللّٰـه النَّاطق ، وعين اللّٰـه النَّاظرة ، وَأَنا جنب اللّٰـه ، وَأَنا يد اللّٰـه»(2). ودلالتهما قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّه بعدما تقدَّم : أَنَّ طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فانية وخالصة في حكاية الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، فلا تُري نفسها ، بل محكيِّها ـ الذَّات المُقدَّسة ـ ، فمُحيت فيها ماهيَّة : (مُحَمَّد ، وَعَلِيّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ...) كانت آيات وصفات وأَسمآء إِلٰهيَّة وهلمَّ جرّاً من سائر مرادفاتها الإِلٰهيَّة العقليَّة ؛ الحاكية عن شؤون ساحة القدس الإِلٰهيَّة ، ومن ثَمَّ كان الواحد من أَهل البيت الأَطهار (صلوات اللّٰـه عليهم) ـ بلحاظ طبقات حقيقته الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسِّطة والنَّازلة ـ هو : عين اللّٰـه النَّاظرة ، وجنبه ، ويده ، وبابه ، وعلمه ، وقلبه الواعي ، ولسانه النَّاطق. وجميعها مخلوقات إِلٰهيَّة شريفة ، من مخلوقات عَالَم الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ؛ عَالَم السَّرمد والأَزَل ، المُعبَّر عنه في بيانات الوحي بـ : (عنده). / طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة قطب الكمال والجود الإِلهي/ / الطَّائفة الخامسة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان زيارة أَهل البيت عليهم السلام : «... فَلَيْسَ فوقكم أَحد إِلَّا اللّٰـه ، وَلَا أَقرب إِلَيه منكم ، وَلَا أَكرم عليه منكم ، وَلَا أَحظىٰ لديه ...»(3). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 24 : 194/ح16. بصائر : 19. (2) بحار الأَنوار ، 24 : 198/ح25. توحيد الصدوق : 154 ـ 155. (3) بحار الأَنوار ، 97 : 344
معارف إِلٰهيَّة : (169) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 169) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الخامسة : / طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة قطب الكمال والجود الإِلهي/ / الطَّائفة الخامسة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان زيارة أَهل البيت عليهم السلام : «... فَلَيْسَ فوقكم أَحد إِلَّا اللّٰـه ، وَلَا أَقرب إِلَيه منكم ، وَلَا أَكرم عليه منكم ، وَلَا أَحظىٰ لديه ...»(1). ثانياً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... والنَّبيّ والعترة ... رَأس دائرة الإِيمان ، وقطب الوجود ، وسمآء الجود ، وشرف الموجود ، وضوء شمس الشَّرف ، ونور قمره ، وَأَصل العزَّ والمجد ومبدؤه ومعناه ومبناه ...»(2). ودلالتهما قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّهما مُشيران لتلك الطَّبقات الصَّاعدة من حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم المُقدَّسة ، وتتبعها طبقات حقائقهم عليهم السلام المتوسِّطة والنَّازلة ، فإِنَّها بعدما كانت نظام عَالَم الوجود على الإِطلاق ، ووجه اللّٰـه ، ووسائط الفيض الإِلٰهيّ الفاردة ، والوسيلة الإِلٰهيَّة الحصريَّة ، والسَّبيل والسَّبب والباب والحجاب الإِلٰهيّ الأَدنىٰ والفارد بين الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ؛وسائر العوالم وكافَّة المخلوقات غيرالمتناهية بقَضِّها وقضيضها ؛ كان من الطبيعي اِتِّصافهم (صلوات اللّٰـه عليهم) بما ذُكر في هٰذين البيانين الوحيانيِّين الشِّريفين ؛ من مقاماتٍ وفضائلٍ وكمالاتٍ إِلٰهيَّةٍ ، شريفةٍ ومهولةٍ وخطيرةٍ جِدّاً ، لم يتَّصف بها مخلوق البتَّة. /عدم تناهي أَسماء وصفات وشؤون أَهل البيت عليهم السلام / / الطائفة السَّادسة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين عليهم السلام : «... آل مُحَمَّد ... علم الأَنبياء في علمهم؛ وسرّ الأَوصياء في سرِّهم ؛ وعزّ الأَولياء في عزِّهم كالقطرة في البحر، والذَّرَّة في القفر. والسَّماوات والأَرض عند الإِمام كيده من راحته ؛ يعرف ظاهرها من باطنها ، ويعلم بَرّها من فاجرها ، ورطبها ويابسها ...»(3). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 97 : 344. (2) المصدر نفسه ، 25 : 170/ح38. (3) بحار الأَنوار ، 25 : 173/ح38
معارف إِلٰهيَّة : (170) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 170) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة السَّادسة : /عدم تناهي أَسماء وصفات وشؤون أَهل البيت عليهم السلام / / الطائفة السَّادسة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين عليهم السلام : «... آل مُحَمَّد ... علم الأَنبياء في علمهم؛ وسرّ الأَوصياء في سرِّهم ؛ وعزّ الأَولياء في عزِّهم كالقطرة في البحر، والذَّرَّة في القفر. والسَّماوات والأَرض عند الإِمام كيده من راحته ؛ يعرف ظاهرها من باطنها ، ويعلم بَرّها من فاجرها ، ورطبها ويابسها ...»(1). ثانياً : بيان الإِمام الباقر عليه السلام : «... فقفوا على أَمرنا ونهينا ، ولا تردوا كلّ ما ورد عليكم مِنّا ؛ فإِنّا أَكبر وأَجَلّ وأَعظم وأَرفع من جميع ما يرد عليكم، ما فهمتموه فاحمدوا اللّٰـه عليه ، وما جهلتموه فكلوا أَمره إِلينا وقولوا: أَئِمَّتنا أَعلم بما قالوا ...»(2). ثالثاً : بيان أَبي الحسن عليه السلام مخاطباً عَلِيّ بن أَبي حمزة ، قال : «... لا تعجب فما خفي عَليكَ مِنْ أَمر الإِمام أَعجب وَأَكثر ، وما هذا من الإِمام في علمه إِلَّا كطيرٍ أَخَذَ بمنقاره من البحر قطرة من ماءٍ ، أَفترىٰ الَّذي أَخَذَ بمنقاره نقص من البحر شيئاً؟ فإِنَّ الإِمام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده ، وعجائبه أَكثر من ذلك ... ولا تنفد عجائبه»(3). ودلالتها قد اِتَّضحت ، فإِنَّه بعدما كانت طبقات حقائق أَهل البيت عليه السلام الصَّاعدة نظام عَالَم الخلقة والوجود والإِمكان على الإِطلاق قاطبة، ووسائط الفيض الإِلٰهيّ الفاردة ، والوسيلة الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة الحصريَّة، ووجه اللّٰـه ، والسَّبيل والسَّبب والباب والحجاب والرباط الإِلٰهي التَّكويني الحصري والأَدنىٰ بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ شأنه) وجملة العوالم وكافَّة المخلوقات غيرالمتناهية ، والأَشَدَّ إِلتصاقاً ونوطاً وقرباً للذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وبعدما كانت تلك الطَّبقات الشِّريفة خالصة من شائبة الأَنا والمخلوقيَّة ، وانمحت ـ لشدَّة خلوصها ـ ماهيَّاتها وذواتها الممكنة ؛ فلم يُرَ فيها ماهيَّة : (مُحَمَّد ، وعَلِيّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ...) ، وفنيت في الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة فناء حكاية ـ لا تحقُّقاً ـ ، وصارت تجلِّيات وظهورات للذَّات المُقدَّسة انعكست فيها جميع صفات وأَسمآء وشؤون الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة إِلَّا الأُلوهيَّة ؛ لخروجها موضوعاً وتخصُّصاً ، نظيره : ما مَرَّ في مِثال المرآة شديدة الصقل والصفاء والانعكاس ، والفانية في حكاية ذيها ـ الشَّاخص الخارجي ـ ، فلا تُرِي نفسها ، بل محكيِّها ، ومن ثَمَّ يأخذ ما اِنْطَبَعَ فيها جميع صفات محكيِّها، لكنَّه بالتَّبع وإفاضة من محكيها. ومثال : (الصَّرح) في قضيَّة بلقيس ؛ الواردة في بيان قوله (جلَّ قوله) : [قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ](4)؛ فإِنَّه لشدَّة صفائه وانعكاسه وفناء ذاته في الحكاية ؛ فلم يُرِ نفسه ، بل محكيِّه انعكست فيه جميع صفات محكيِّه ـ اللُّجَّة : الماء الغزير ـ فحسبته ماءً غزيراً فكشفت عن ساقيها لتتخطَّاه ، ولَـمَّا أُخبرت بالواقع ، وأَنَّه (صرح مُمرَّد) لم يُرِ نفسه آمنت من دون مهلة وتردُّد ؛ لإِلتقاطها إِشارة معرفيَّة توحيديَّة إِلى معنىٰ تجلِّي وظهور الذَّات المُقدَّسة في المخلوقات المُكرَّمة ، وحيث إِنَّ ذات الباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (تقدَّس ذكره) وصفاته وأَسمآئه وشؤونه وأَفعاله مُتَّصفة بـ : (بعدم التناهي) انعكست هذه الصفة في طبقات حقائق أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) الصَّاعدة ؛ وفي صفاتها وأَسمآئها وأَفعالها فكانت غيرمتناهية أَيضاً. وهذا ما أَشارت إِليه بيانات الوحي المُتقدِّمة ، منها : 1ـ بيان دعاء أَيام شهر رجب الوارد عن النَّاحية المُقدَّسة في حقِّ طبقات حقائق أَهل البيت الأَطهار (صلوات اللّٰـه عليهم)الصاعدة : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ ... بِمَا نَطَقَ فيهم من مَشيئتِكَ ، فَجَعَلْتَهُم معادِنَ لكلماتِكَ ، وأَركاناً لتوحيدِكَ ، وآياتِكَ وَمَقَامَاتِكَ الَّتي لَا تعطيل لها في كُلِّ مكانٍ ، يَعْرِفُكَ بها مَنْ عَرَفَكَ ، لَا فَرْقَ بَيْنَكَ وبينها إِلَّا أَنَّهُمْ عبادُكَ وَخَلْقُكَ ...»(5). 2ـ بيانهم عليهم السلام : «لنا مع اللّٰـه حالات : هو هو ونحن نحن ، وهو نحن ونحن هو»(6). بخلاف سائرالمخلوقات ـ منها : سائرأَنبياء أُولي العزم والأَوصياء والأَصفياء والأَولياء والملائكة المُقَرَّبين وروح القدس (حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة) ـ فإِنَّه مهما علا شأن ذواتها وأَسمآئها وصفاتها وأَفعالها ؛ إِذا قيست إِلى أَسمآء وصفات وأَفعال وشؤون أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم فهي متناهية ومحدودة ، ولا توجد نِسبة رياضيَّة بين غير المحدود والمحدود(7)، فالمحدود دائماً إِذا قِيس إِلى غير المحدود كان لا شيء وصفراً على جهة الشمال، وإِلَّا ـ أَي : لو جُعِلَ للمحدود في قِبَال غير المحدود قيمة ولو كانت بمقدارٍ مثقال ذرَّة ـ لاِنْقَلَبَت ماهيَّة غير المحدود وصارت محدودةً ، وبطلان إِنقلاب الماهيَّة من الواضحات ، بل(8) خلف الفرض. وعليه : فكُلّ ما تتَّصف به جملة المخلوقات من مقامات وكمالات وفضائل بالقياس إِلى مقامات وكمالات وفضائل أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) كالقطرة في بحر غيرالمتناهي ، والذَّرَّة في قفر غيرالمتناهي. / طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام داخلة في المخلوقات دخول اللَّطيف في الأَغلظ / ومن أَسمآء الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة المُنعكسة في طبقات حقائق أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) : (اللَّطيف) ؛ وحقيقته : أَنَّه «داخل في الأَشياء لا بالمزاولة والممازجة ، وخارج عنها لا بالمزايلة والمفارقة »(9) فيكون حال طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام : «داخلة في جملة العوالم وكافَّة المخلوقات ، لكن لا بالمزاولة والممازجة ، وخارجة عنها ، لكن لا بالمزايلة والمفارقة». ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 25 : 173/ح38. (2) المصدر نفسه ، 26 : 12/ح2. (3) بحار الأَنوار ، 26 : 190 ـ 191/ح2. قرب الإِسناد : 144. (4) النمل : 44. (5) بحار الأَنوار ، 95 : 393. (6) مصباح الهداية : 114. (7) لم تُعرف إِلى الآن نِسْبَة رياضيَّة أَو هندسيَّة أَو معرفية بين المتناهي وغيرالمتناهي غير نِسبْة : أَنَّ المُتناهي آية لغيرالمتناهي. (8) هذا عطف على كلمة : (بطلان) ، فتكون العبارة كالتالي : (وإِلَّا اِنْقَلَبَت ماهيَّة غير المحدود وصارت محدودة وهو خلف الفرض). وهذا دليل آخر على بطلان اِنْقِلاب الماهيَّة. (9) التوحيد : 360/ح1
معارف إِلٰهيَّة : (171) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 171) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة السَّادسة ، ولازال البحث فيها ، وكانت تحت عنوان : (عدم تناهي أَسماء وصفات وشؤون أَهل البيت عليهم السلام) ، وصل الكلام الى العنوان التالي : / طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام داخلة في المخلوقات دخول اللَّطيف في الأَغلظ / ومن أَسمآء الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة المُنعكسة في طبقات حقائق أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) : (اللَّطيف) ؛ وحقيقته : أَنَّه «داخل في الأَشياء لا بالمزاولة والممازجة ، وخارج عنها لا بالمزايلة والمفارقة »(1) فيكون حال طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام : «داخلة في جملة العوالم وكافَّة المخلوقات ، لكن لا بالمزاولة والممازجة ، وخارجة عنها ، لكن لا بالمزايلة والمفارقة». ومنه يتَّضح : ما ورد في عجز بيان أَمير المؤمنين (صلوات اللّٰـه عليه) ـ المتقدم ـ : «والسَّماوات والأَرض عند الإِمام كيده من راحته ؛ يعرف ظاهرها من باطنها، ويعلم بَرّها من فاجرها ، ورطبها ويابسها ...» ؛ فإِنَّه بعدما كانت حقيقة الإِمام عليه السلام بطبقاتها اللَّطيفة ـ كالإِسم الإِلٰهي (اللَّطيف) ـ داخلة في جميع شراشرعوالم الخلقة وفي جملة ذوات وحقائق المخلوقات دخول اللَّطيف في الأَغلظ لا بالمزاولة والممازجة ، وخارجة عنها خروج اللَّطيف عن الأَغلظ لا بالمزايلة والمفارقة كانت السَّماوات والأَرض عنده عليه السلام كيده من راحته ؛ يعرف ظاهرها من باطنها ، ويعلم بَرّها من فاجرها ، ورطبها من يابسها. ومنه يتَّضح : الجمُّ الغفير من بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان زيارة أَهل البيت الأَطهار عليهم السلام الجامعة عن الإِمام الهادي صلوات اللّٰـه عليه : «... السَّلَام عليكم يا أَهل بيت النُّبُوَّة ... ذكركم في الذاكرين ، وَأَسماؤكم في الأَسمآء ، وَأَجسادكم في الأَجساد ، وَأَرواحكم في الأَرواح ، وَأَنفسكم في النفوس ، وآثاركم في الآثار ، وقبوركم في القبور ، فما أَحلىٰ أَسمآءكم ، وَأَكرم أَنفسكم ، وَأَعظم شَأنكم ، وَأَجَلّ خطركم ...»(2). 2ـ بيان أَمير المؤمنين عليه السلام مخاطباً جويرية ، عن أَبي عبداللّٰـه عليه السلام ، قال : «أَنَّ جويرية بن عمر العبدي خاصمه رَجُلٌ في فرس انثىٰ فادَّعيا جميعاً الفرس، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لواحد(3) منكما الْبَيِّنَة؟ فقالا : لا ، فقال لجويرية : أَعطه الفرس ، فقال له: يا أمير المؤمنين بلا بيِّنة ؟ فقال له : واللّٰـه ، لأَنَا أَعلم بِكَ مِنكَ بِنَفْسِكَ ، أَتنسىٰ صنيعك بالجاهليَّة الجهلاء؟ فأخبره بذلك»(4). ودلالتهما قد اِتَّضحت. وسيأتي (إِنْ شآء اللّٰـه تعالىٰ) في الطَّائفة التَّالية مزيد بيان عن هذه القضيَّة ، فإِنْ شئتَ الإِطِّلاع فلاحظ. / دخول طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام في شراشر جملة العوالم والمخلوقات / / الطَّائفة السَّابعة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... أنا أُنَبِّئُكم بما تأكلون وما تدَّخرون في بيوتكم بإِذن رَبِّي ، وَأَنا عَالِم بضمائر قلوبكم ، والأَئِمَّة مِنْ أَولادي عليهم السلام يعلمون ويفعلون هذا إِذا أَحَبُّوا وَأَرادوا ؛ لأَنَّا كُلّنا واحد ...»(5). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) التوحيد : 360/ح1. (2) بحار الأَنوار ، 99 : 127/ح4، الزيارة الثانية. (3) في المصدر : (الِوَاحِد). (4) بحار الأَنوار ، 41 : 288/ح11. بصائر الدرجات : 67. (5) بحار الأَنوار ، 26 : 6/ح1
معارف إِلٰهيَّة : (172) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 172) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة السَّابعة : / دخول طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام في شراشر جملة العوالم والمخلوقات / / الطَّائفة السَّابعة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... أنا أُنَبِّئُكم بما تأكلون وما تدَّخرون في بيوتكم بإِذن رَبِّي ، وَأَنا عَالِم بضمائر قلوبكم ، والأَئِمَّة مِنْ أَولادي عليهم السلام يعلمون ويفعلون هذا إِذا أَحَبُّوا وَأَرادوا ؛ لأَنَّا كُلّنا واحد ...»(1). ثانياً : ما تقدَّم من بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن أَبي عبداللّٰـه عليه السلام ، قال : «أَنَّ جويريَّة بن مسهَّر العبديّ خاصمه رَجُلٌ في فرسٍ أُنثىٰ ، فادَّعيا جميعاً الفرس، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أَلواحدٍ منكما الْبَيِّنَة؟ فقالا : لا . فقال لجويريَّة : أَعطه الفرس ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، بلا بيِّنة ؟ فقال له : واللّٰـه لأَنَا أَعلم بِكَ مِنكَ بِنَفْسِكَ ، أَتنسىٰ صنيعك بالجاهليَّة الجهلاء ، فأخبره بذلك»(2). ثالثاً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «لو كُشف الغطاء ما ازددت يقيناً»(3). رابعاً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «... سلوني قبل أَنْ تفقدوني ، إِنِّي بطُرق السَّمآء أَعلم من العَالِم بطُرق الأَرض ...»(4). خامساً : بيان الإِمام الحسن المجتبىٰ عليه السلام : «... ما يعلم المخزون المكنون المجزوم المكتوم الَّذي لم يطَّلع عليه ملك مُقرَّب ولا نبيّ مرسل غير مُحَمَّد وذرِّيَّته»(5). سادساً : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... ما يخفىٰ عَلَيَّ شيء من بلادكم»(6). ودلالتها قد اِتَّضحت ، وصارت كالشَّمس الضَّاحية ؛ فإِنَّه إِضافة إِلى ما تقدَّم في الإِستدلال على الطَّائفة المُتقدِّمة وغيرها تقدّم أَيضاً في بعض الطَّوائف السَّابقة : أَنَّه لَـمَّا كانت طبقات حقائق ذوات أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة فانية في حكاية الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة انعكست فيها جميع شؤون وصفات وأَسمآء الذَّات المُقدَّسة إِلَّا الأُلوهيَّة ، منها : أَنَّ الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة وشؤونها وصفاتها وأَسمآئها وأَفعالها تتَّصف باللَّطافة ، ومن شؤون اللَّطيف : أَنَّه : (داخل في المخلوقات ، لكن لا بالمزاولة والممازجة ، وخارج عنها ، لكن لا بالمزايلة والمفارقة) ، فيكون نافذاً ومهيمناً ومحيطاً بجملة شراشر ظواهر المخلوقات وبواطنها ولو كانت بمقدار مثقال حبَّة من خردل ، كذلك حال طبقات حقائق ذوات أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ، وتتبعها طبقات حقائق ذواتهم عليهم السلام المتوسِّطة والنَّازلة ، فهي داخلة في جملة شراشر المخلوقات ، وتعلم ظواهرها وبواطن بواطنها وأَسرارها ، بل وما خفي على نفس المخلوقات من ذواتها وأَسرارها وخفاياها ، وجميع شراشرها وجزئيَّاتها وذرَّاتها. / أَنواع الإِحاطة / ثُمَّ إِنَّه ينبغي الإِلتفات : أَنَّ الإِحاطة على أَنحاء ثلاثة : أَحدها : الإِحاطة الماديَّة الجغرافيَّة. وهذه تُحيط بالسطح والظاهر فقط . ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 26 : 6/ح1. (2) بصائر الدرجات ، 1 : 483/ ح895 ـ 11. (3) بحار الأَنوار ، 40 : 153. (4) المصدر نفسه ، 53 : 81/ ح86. (5) بحار الأَنوار ، 43 : 328/ح7. (6) بصائر الدرجات ، 2 : 345/ح1576 ـ 7
معارف إِلٰهيَّة : (173) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 173) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة السَّابعة ، ولازال البحث فيها ، وكانت تحت عنوان : (دخول طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام في شراشر جملة العوالم والمخلوقات) ، وصل الكلام الى العنوان التالي : / أَنواع الإِحاطة / ثُمَّ إِنَّه ينبغي الالتفات : أَنَّ الإِحاطة على أَنحاء ثلاثة : أَحدها : الإِحاطة الماديَّة الجغرافيَّة. وهذه تُحيط بالسطح والظاهر فقط. ومجالها : إِذا كان المُحيط من عَالَم الأَجسام الغليظة. مثالها : إِحاطة الكرة الكبيرة بالكرة الصغيرة. وهذا النحو وإِن عُدَّ نحو من أَنحاء الإِحاطة في علم الرياضيِّات وعلم الهندسة ، لكنَّه بالدِّقَّة العقليَّة فيه مسامحة ظاهرة. ومنه يتَّضح : أَنَّ الدِّقَّة العقليَّة تفوق الدِّقَّة في علم الرياضيَّات وعلم الهندسة ؛ لاعتمادهما على قوَّة الخيال ، بخلاف الدِّقَّة العقليَّة ؛ فإِنَّها أَشرس من دون قياس من الدِّقَّة في علم الرياضيَّات وعلم الهندسة ؛ لاعتمادها على قوَّة العقل. والفارق بين القوَّتين عظيم وشاسع جِدّاً ، بل من دون قياس أَيضاً ؛ فإِنَّ العقل عين مُسَلَّحَة أَشرس من عين قوَّة الخيال بمراتب غير متناهية. وهذه نكتة نفيسة تأتي في أَبواب المعارف. ثانيها : الإِحاطة الماديَّة غير الجغرافيَّة. وهذه تُحيط بالظَّاهر والباطن ، لكنَّها تبقىٰ ماديَّة وجسمانيَّة ولها مقدار. ومجالها : إِذا كان المُحيط من عَالَم المادَّة وعَالَم الأَجسام اللطيفة. مثالها : إِحاطة الأَشعَّة البنفسجيَّة أَو الحمراء أَو فوقها أَو تحتها بالأَجسام الأَغلظ. ثالثها : الإِحاطة التجرُّديَّة ، وهذه إِحاطة وجوديَّة ، تكون فيها للمُحيط هيمنة وإِحاطة وقدرة أَعظم وجوداً وكمالاً من هيمنة المُحاط وإِحاطته وقدرته ووجوده وكماله . ومجالها : إِذا لم يكن المُحيط من عَالَم المادَّة والأَجسام ، وإِنَّما كان من عَالَم المُجرَّدات تجرُّداً تامّاً ـ كـ : الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وعَالَم الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ؛ طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ـ ، فتكون نِسْبَة المُحيط إِلى جملة المُحاط ظاهره وباطنه نِسْبَة واحدة. نظيره: نقطة مركز الدائرة بلحاظ جميع نقاط محورها(1)، فإِنَّ نسبتها إِلى الجميع واحدة ؛ من دون أَيّ تبعُّض وتفاوت. مثالها : ما أَشارت إِليه بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان قوله جلَّ ثناؤه : [الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى] (2). أَي : أَنَّ قربه وقدرته وسيطرته وهيمنته على جملة المخلوقات واحدة، لا تتبعَّض ولا تتفاوت ، فهو سبحانه وتعالىٰ : [لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ] (3). إِذنْ : نِسْبَة المخلوقات بالنِّسْبَة إِليه (جلَّ ذكره) تتوحَّد ، فلا يغيب شيء عنه ؛ فجملة العوالم وكافَّة المخلوقات غيرالمتناهية في حضور واحدٍ لديه. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ؛ فإِنَّه سُئل : «عن قوله اللَّـه عزَّ وجلَّ : [الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى]، فقال : استوىٰ من كُلِّ شيء ، فليس شيء أَقرب منه من شيء»(4). 2ـ بيان الإِمام الكاظم عليه السلام ، عن يعقوب بن جعفر الجعفري ، قال : «ذُكر عنده قوم زعموا أَنَّ اللَّـه تبارك وتعالىٰ ينزل إِلى السَّماء الدُّنيا ، فقال: إِنَّ اللَّـه لا ينزل ولا يحتاج إِلى أَنْ ينزل ، إِنَّما منظره في القرب والبُعد سوآء ، لم يبعد منه قريب ، ولم يقرب منه بعيد ، ولم يحتج إلى شيءٍ ، بل يُحتاج إِليه...»(5). 3ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن القاسم بن يحيىٰ ، عن جدِّه الحسن ، قال : «وسُئِلَ عن معنىٰ قول اللَّـه : [عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى] ، قال : استولىٰ على ما دقَّ وجلَّ»(6). ثانياً : بيان قوله جلَّ قوله : [أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ] (7). ومعناه : أَنَّه (تقدَّس ذكره) لا يحدّه ولا يحبسه مكان ولا زمان. ثالثاً : بيان قوله عزَّ من قائل : [وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا] (8). ودلالته قد اِتَّضحت. وبالجملة : النِّسْبَة بين الشيء الواحد والأَشياء الكثيرة إِنْ كانت واحدة ولم تختلف فالإِحاطة منه لها تجرُّديَّة ، وإِلَّا فماديَّة. إِذنْ : في عَالَم المُجرَّدات تجرُّداً تامّاً ـ كـ : طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ـ لا توجد أَبداً نِسب مُتكثِّرة ، وإِنَّما نِسبة فاردة. ومن ثَمَّ تكون حقيقة ذات الإِمام من أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم داخلة في جملة حقائق ذوات المخلوقات وفي طُرِّ العوالم ومحيطة بها ، ومهيمنة عليها ، وأَقرب إِليها من حبل وريدها ، لكن لا بالمزاولة والممازجة ، وخارجة عنها ، لكن لا بالمزايلة والمفارقة ، وحينئذٍ يعلم عليه السلام ظواهر المخلوقات وبواطن بواطنها ، وسرّها وخفيّها ، ولا يخفىٰ عليه من شؤونها وشؤون عوالمها شيء ولو كان بمقدار حبَّةٍ من خردل ، من بداية الخلقة إِلى مالا نهاية ، في هذه النَّشْأة وفي كُلِّ النَّشَآت. وإِلى هذا أَشارت بيانات الوحي ، منها : بيان زيارتهم عليهم السلام ـ المُتقدِّم ـ : «... ذكركم في الذَّاكرين ، وَأَسماؤكم في الأَسمآء ، وَأَجسادكم في الأَجساد ، وَأَرواحكم في الأَرواح ، وَأَنفسكم في النُّفوس ، وآثاركم في الآثار ، وقبوركم في القبور ، فما أَحلى أَسماءكم ، وَأَكرم أَنفسكم ، وَأَعظم شأنكم ، وَأَجِلّ خطركم ...»(9). مضافاً : أَنَّ من تلك الشؤون والصِّفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة المُتَّصف بها الباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ وعلا) أَنَّه : (يعلم المخزون المكنون المجزوم المكتوم)، كذلك حال طبقات حقائق ذوات أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ، وتتبعها طبقات حقائق ذواتهم (صلوات اللّٰـه عليهم) المتوسِّطة والنَّازلة ، فيعلم الإِمام من آل محمَّد (صلوات اللّٰـه عليهم) من خلالها : (العلم الإِلٰهيّ المخزون المكنون المجزوم المكتوم الَّذي لم يطَّلع عليه ملك مُقَرَّب ولا نبيّ مرسل). / معرفة اللَّه مُتوقِّفة على معرفة أَهل البيت عليهم السلام / / الطائفة الثَّامنة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... معرفتي بالنورانيَّة معرفة اللّٰـه (عزَّوجلَّ) ، ومعرفة اللّٰـه (عزَّوجلَّ) معرفتي بالنَّورانيَّة ، وهو الدِّين الخالص الَّذي قال اللّٰـه تعالىٰ : [وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ] (10)...»(11). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مرجع الضمير : (الدائرة). (2) طه : 5. (3) الإخلاص : 3. (4) بحار الأَنوار ، 55 : 7/ح5. (5) المصدر نفسه ، 3 : 311/ح5. (6) المصدر نفسه ، 3 : 336/ح45. أُصول الكافي ، 1/باب : معاني الأَسماء واشتقاقها : 80/ح3. (7) فصلت : 54. (8) النساء : 126. (9) بحار الأَنوار ، 99 : 132. (10) البينة : 5. (11) بحار الأَنوار ، 26 : 1 ـ 2/ح1
معارف إِلٰهيَّة : (174) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 174) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الثَّامنة : / معرفة اللَّه مُتوقِّفة على معرفة أَهل البيت عليهم السلام / / الطائفة الثَّامنة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... معرفتي بالنورانيَّة معرفة اللّٰـه (عزَّوجلَّ) ، ومعرفة اللّٰـه (عزَّوجلَّ) معرفتي بالنَّورانيَّة ، وهو الدِّين الخالص الَّذي قال اللّٰـه تعالىٰ : [وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ] (1)...»(2). ثانياً : بيان الإِمام العسكري عليه السلام ، عن أَبي هاشم الجعفريّ ، قال : «كُنتُ عند أَبي محمَّد عليه السلام فسأله محمَّد بن صالح الأَرمني عن قول اللّٰـه : [وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا] (3) قال أَبو محمَّد عليه السلام : ثبتت المعرفة ونسوا ذلك الموقف ، وسيذكرونه ، ولولا ذلك لم يدرِ أَحَدٌ مِنْ خالقه ، ولا مَنْ رازقه. قال أَبو هاشم: فجعلتُ أَتَعَجَّب في نفسي من عظيم ما أَعطىٰ اللّٰـه وليَّه ، وجزيل ما حمَّله ، فَأَقبل أَبُو محمَّد عَلَيَّ فقال : الأَمر أَعجب مِمَّا عجبتَ منه يا أَبا هاشم وأَعظم! ما ظنُّكَ بقومٍ مَنْ عرفهم عرف اللّٰـه ، وَمَنْ أَنكرهم أَنكر اللّٰـه ؟ فلا مؤمن إِلَّا وهو بهم مُصَدِّق ، وبمعرفتهم موقن»(4). ودلالتهما قد اِتَّضحت مِمَّا تقدَّم ، وأَصبحت أَجلىٰ من الشَّمس في رابعة النَّهار ؛ فإِنَّ طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ؛ وتتبعها طبقات حقائقهم (صلوات اللّٰـه عليهم) المتوسطة والنَّازلة ؛ لَـمَّا كانت خالصة من شائبة الأَنا ، وقد فنيت ماهيَّاتها وحقائقها وذواتها في الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة فناء حكاية ، كما أَشارت إِلى ذلك بيانات الوحي ، منها : بيانهم عليهم السلام المُتَقدِّم الذكر : «... هو نحن ، ونحن هو»(5). فلا تُري ولا تحكي نفسها ، بل محكيِّها ، كالمرآة شديدة الصَّقل والصَّفاء والاِنْعِكَاس اِنْعَكَسَتْ فيها جملة شؤون وصفات وأَسمآء الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وحينئذٍ تكون ـ بعد الاتحاد في الحكاية ـ معرفة المخلوق لطبقات حقائق ذوات أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة معرفة للّٰـه (تبارك وتعالىٰ) ، ومعرفته (جلَّ جلاله) معرفة لأَهل البيت عليهم السلام بلحاظ طبقات حقائق ذواتهم الصَّاعدة فضلاً عن النَّازلة والمتوسطة. وقس على نقيضه حال من أَنكرهم صلوات اللّٰـه عليهم ، وقصَّرَ في معرفتهم ؛ فإِنَّه إِنكار للّٰـه (جلَّ شأنه) ، وتقصير في معرفته (جلَّ قدسه). فتدبَّر جيِّداً. / مشيئة أَهل البيت عليهم السلام تجلِّي لمشيئة اللّه / / الطائفة التَّاسعة ، ويُمثِّلها : / بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... ونحن إِذا شئنا شاء اللّٰـه ، وَإِذا كرهنا كره اللّٰـه ، الويل كلّ الويل لِـمَنْ أَنكر فضلنا وخصوصيَّتنا ، وما أَعطانا اللّٰـه ربُّنا؛ لأَنَّ مَنْ أَنكر شيئاً مِمَّا َأعطانا اللّٰـه فقد أَنكر قدرة اللّٰـه عزَّوجلَّ ومشيته فينا ...»(6). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) البينة : 5. (2) بحار الأَنوار ، 26 : 1 ـ 2/ح1. (3) الأعراف : 172. (4) بحار الأَنوار ، 5 : 260/ح76. كشف الغمة : 306. (5) مصباح الهداية : 114. (6) بحار الأَنوار ، 26 : 7/ح1
معارف إِلٰهيَّة : (175) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 175) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة التَّاسعة : / مشيئة أَهل البيت عليهم السلام تجلِّي لمشيئة اللّه / / الطائفة التَّاسعة ، ويُمثِّلها : / بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... ونحن إِذا شئنا شاء اللّٰـه ، وَإِذا كرهنا كره اللّٰـه ، الويل كلّ الويل لِـمَنْ أَنكر فضلنا وخصوصيَّتنا ، وما أَعطانا اللّٰـه ربُّنا؛ لأَنَّ مَنْ أَنكر شيئاً مِمَّا َأعطانا اللّٰـه فقد أَنكر قدرة اللّٰـه عزَّوجلَّ ومشيته فينا ...»(1). ودلالته قد اِتَّضحت مِمَّا تقدَّم أَيضاً ولا غبار عليها ؛ فإِنَّه لَـمَّا كانت طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة وتتبعها طبقات حقائق ذواتهم (صلوات اللّٰـه عليهم) المتوسطة والنَّازلة فانية في حكاية الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، ولا تُري نفسها بل محكيِّها ـ الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة ـ اِنْعَكَسَتْ فيها جميع شؤون وصفات وأَسمآء الذَّات المُقدَّسة ، منها : المشيئة الإِلٰهيَّة. نظيره : ما مرَّ في مثال المرآة شديدة الصَّقل والصَّفاء والاِنعكاس ؛ فإِنَّها لا تُري نفسها ، بل محكيِّها. وما مرَّ في مثال : (الصرح) في قضيَّة بلقيس الواردة في بيان قوله عزَّ ذكره : [قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ] (2)فلشدة شفافيَّته وتمرُّد ذاته وانمحائها وفنائها في (اللُّجَّة) اِنمحاء وفناء حكاية لم يُرِ نفسه ، بل مـحكِيَّه ـ اللُّجَّة ، أَي : الماء الغزير ـ انعكست فيه جميع شؤون اللُّجَّة وصفاتها وأَسمآئها ، ومن ثَمَّ حسبته ماءً غزيراً فكشفت عن ساقيها ؛ لتتخطَّاه ، ولَـمَّا أُخبرت بالواقع ـ وأَنَّه صرح مُمرَّد ـ آمنت من دون مهلة ونظر وتردُّد ؛ لإِلتقاطها إِشارة معرفيَّة وتوحيديَّة لمعنىٰ تجلِّي وظهور الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة في المخلوقات المُكرَّمة. هكذا حال طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ؛ فإِنَّه لَـمَّا كانت ذواتها وحقائقها وماهيَّاتها فانية في الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة فناء حكاية ، كما أَشارت إِلى ذلك بيانات الوحي ، منها : بيان النَّاحية المُقدَّسة الوارد في حقِّهم صلوات اللّٰـه عليهم : «أَسأَلُكَ بما نطق فيهم من مشيئَتِكَ ، فجعلتَهُمْ معادنَ لكلماتِكَ ، وأَركاناً لتوحيدِكَ ، وآياتكَ ومَقاماتكَ الَّتي لا تعطيل لها في كُلِّ مكانٍ ، يَعْرِفُكَ بها مَنْ عَرَفَكَ ، لَا فرق بينكَ وبينها إِلَّا أَنَّهم عبادُكَ وَخَلقُك ... فَبِهِمْ ملأَتَ سماءكَ وَأَرضكَ حتَّىٰ ظهر : أَنْ لا إِلٰهَ إِلَّا أَنْتَ ...»(3). وبيانهم عليهم السلام : «... هو نحن ، ونحن هو»(4). فلم تُرِ تلك الطَّبقات نفسها ، بل محكيِّها اِنْعَكَسَت فيها جميع شؤون وصفات وأَسمآء الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، منها : (المشيئة الإِلٰهيَّة) ، فيكون أَحد شؤون وصفات أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) أَنَّهم إِذا شاءوا شاء اللّٰـه ، وإِذا شاء اللّٰـه شاءوا ؛ لإِندكاك ذواتهم المُقدَّسة بالذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة إِندكاك حكاية ـ لا تحققا ـ . مضافاً : أَنَّ المشيئة الإِلٰهيَّة مخلوق من مخلوقات عَالَم الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ؛ عَالَم السَّرمد والأَزل. فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «خلق اللّٰـه المشيئة قبل الأَشياء ، ثُمَّ خلق الأَشياء بالمشيئة»(5). وبيانه عليه السلام أَيضاً : «خلق اللّٰـه المشيئة بنفسها ، ثُمَّ خلق الأَشياء بالمشيئة»(6). ومخلوقات عَالَم الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة أَحد طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة. فلاحظ : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الرِّضا منضَمّاً إِليه بيان الإِمام الصَّادق عليهما السلام : «إِذَا نَزَلَتْ بكم شدَّة فاستعينوا بنا على اللّٰـه، وهو قول اللّٰـه : [وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ](7) قال : قال أَبو عبداللّٰـه عليه السلام: نحن واللّٰـه الأَسماء الحسنىٰ الَّذي لا يقبل من أَحَدٍ إِلَّا بمعرفتنا ، قال : [فادعوه بها] »(8). فإِنَّه حينما تتصاعد طبقات حقائقهم (صلوات اللّٰـه عليهم) المُقدَّسة ؛ ولشدَّة خلوصها للذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة ؛ وفنائها في الحكاية تنتفي ماهيَّاتها وذواتها الشَّريفة الخاصَّة ، فلا يُرىٰ فيها ماهيَّة : (مُحَمَّد ، وعَلِيّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ...) وإِنَّما أَسمآء إِلٰهيَّة ، فتكون المشيئة الإِلٰهيَّة طبقة من طبقات حقائقهم عليهم السلام الصَّاعدة ؛ وظيفتها اِنْعِكَاس وحاكية عن مشيئة الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة ، ومن ثَمَّ إِذا شاء اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّت آلاؤه) شاء أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) ، وإِذا شاءوا (عليهم السَّلام) شاء اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ جلاله) ، وإِذا كره كرهوا ، وإِذا كرهوا كره (جلَّ قدسه). / نكتة توقُّف المخلوق في قبول مقامات وكمالات أَهل البيت عليهم السلام / ثُمَّ إِنَّه مَنْ يتوقَّف في قبول مقامات وكمالات وشؤون أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ـ بعد قيام الدَّليل القطعي عليها ـ أَو يتردَّد فيها فضلاً عن مَنْ يُنْكِرُها فَلْيَعْلَم ـ بل ليراجع نفسه فسيجد ـ أَنَّ منشأ ذلك أَحد أُمور ثلاثة لا رابع لها ، وإِلَّا فتسويلات شيطانيَّة ؛ فإِنَّه : ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 26 : 7/ح1. (2) النمل : 44. (3) بحار الأَنوار ، 95 : 393. (4) مصباح الهداية : 114. (5) بحار الأَنوار ، 4 : 145/ح19. (6) المصدر نفسه /ح20. (7) الأعراف : 180. (8) بحار الأَنوار ، 91 : 6 ـ 7/ح7. تفسير العيَّاشي ، 2 : 42
معارف إِلٰهيَّة : (176) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 176) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة التَّاسعة ، ولازال البحث فيها ، وكانت تحت عنوان : (مشيئة أَهل البيت عليهم السلام تجلِّي لمشيئة اللّه) ، وصل الكلام الى العنوان التالي : / نكتة توقُّف المخلوق في قبول مقامات وكمالات أَهل البيت عليهم السلام / ثُمَّ إِنَّه مَنْ يتوقَّف في قبول مقامات أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم وكمالاتهم وشؤونهم ـ بعد قيام الدَّليل القطعي عليها ـ أَو يتردَّد فيها فضلاً عن مَنْ يُنْكِرُها فَلْيَعْلَم ـ بل ليراجع نفسه فسيجد ـ أَنَّ منشأ ذلك أَحد أُمور ثلاثة لا رابع لها ، وإِلَّا فتسويلات شيطانيَّة ؛ فإِنَّه : إِمَّا أَنْ يكون منشأ توقُّفه وتردُّده وإِنكاره (والعياذ باللَّـه تعالىٰ) في فاعليَّة الباري (تبارك وتعالىٰ) ، كمُعتقد اليهود. وإِمَّا أَنْ يكون ـ منشأ توقُّفه وتردُّده وإِنكاره ـ (والعياذ باللَّـه تعالىٰ) في قابليَّة طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم واستعدادها واستحقاقها ، كمعتقد المُقصِّرة وبعض النَّواصب. وإِمَّا أَنْ يكون ـ منشأ توقُّفه وتردُّده وإِنكاره ـ (والعياذ باللَّـه تعالىٰ) جهلاً بهم صلوات اللَّـه عليهم ، أَو حسداً لهم ، أَو حقداً أَو تكبُّراً عليهم أَو عداوة لهم ، كحال إبليس والبعض الآخر من النَّواصب. وهذا كالأَوَّل والثَّاني إِلحاد وكفر جلي ، لا يُبْقِي ولا يَذَر ؛ فإِنَّ يداه (عزَّ ذكره) مبسوطتان يُنفِقُ كيف يشآء ، وقابليَّة طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم واستعدادها واستحقاقها للفضل والكمال لا حدَّ ولا منتهىٰ ولا غاية لها ، والجهل وجنده كالحسد والحقد والتكَبُّر لاسيما إِذا كان في حقِّ أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم عَالَمٌ من البحر الأُجاج ظُلْمَانِيّاً ، فوق عَالَم جهنَّم ونار الآخرة الأَبديَّة (أعاذنا اللَّـه تعالىٰ منها) ، ومهيمن عليها ، بل هي قطرة في بحره وبحور جنده الظلمانيَّة الأُجاج المتلاطمة ، كما أَشار إِلى ذلك بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام في حديث جنود العقل والجهل(1). وإِلى الأَوَّل أَشارت بيانات الوحي ، منها : بيان قوله جلَّ ذكره : [ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ] (2). وإِلى الأَوَّل والثَّاني أَشارت بياناته الأُخرىٰ ، منها : بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «... أَنَا صاحب النَّار ، أَقُولُ لَـهَا : خُذِي هٰذا ، وذري هذا ... أَنَا صاحب الهدَّة ، وَأَنَا صاحب اللَّوح المحفوظ ... أَنَا صاحب المعجزات والآيات ... أَنَا الَّذي حملتُ نوحاً في السَّفينة بأمر ربِّي ، وَأَنَا الَّذي أَخرجتُ يونس من بطن الحوت بإِذنِ رَبِّي ، وَأَنَا الَّذي جاوزتُ بموسىٰ بن عمران البحر بأمر رَبِّي ، وَأَنَا الَّذي أخرجتُ إبراهيم من النَّار بإِذن رَبِّي ، وَأَنَا الَّذي أَجريتُ أَنهارها ، وَفَجَّرتُ عيونها ، وغرستُ أَشجارها بإِذن رَبِّي ، وَأَنَا عذاب يوم الظِّلَّة ، وَأَنَا المنادي من مكان قريب قد سمعه الثقلان : الجنّ والإِنس وفهمه قوم ... لا تُسَمُّونا أَرْباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم ، فإِنَّكم لن تبلغوا من فضلنا كُنْه ما جعله اللَّـه لَنَا ، ولا معشار العشر ... ولو قال قائل : لِمَ ، وكيف ، وَفِيم ؟ لكفر وأَشرك ؛ لأَنَّه لا يُسأل عمَّا يفعل وهم يُسألون ... مَنْ آمن بما قلتُ ... فهو مؤمن ممتحن ... وَمَنْ شَكّ وعَنَدَ وجَحَدَ ووقف وتحيَّر وارتاب فهو مقصِّر وناصب ... الويل كُلّ الويل لِـمَنْ أَنكر فضلنا وخصوصيَّتنا ، وما أَعطانا اللَّـه ربُّنا ؛ لأَنَّ مَنْ أَنْكرَ شيئاً مِـمَّا أَعطانا اللَّـه فقد أَنْكرَ قدرة اللَّـه عزَّوجلَّ ومشيَّته فينا ... وَحَقَّتْ كلمة العذاب على الكافرين ، أَعني الجاحدين بِكُلِّ ما أَعطانا اللَّـه مِنَ الفضل والإِحْسان» (3). ودلالته واضحة ولا غبار عليها. وإِلى الثَّالث أَشارت بياناته الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه مخاطباً حذيفة بن اليمان : «يا حذيفة ، لا تُحَدِّث النَّاس بما لا يعلمون فيطغوا ويكفروا ، إِنَّ من العلم صعباً شديداً محمله ، لو حملته الجبال عجزت عن حمله ، إِنَّ علمنا أهل البيت يُستنكر ويبطل ويُقتل رواته ، ويُساء إِلى مَنْ يتلوه بغياً وحسداً لما فَضَّلَ اللَّـه به عترة الوصي ، وصي النَّبيّ صلى الله عليه واله ...»(4). 2ـ بيان تفسير أَبي جعفر عليه السلام ، عن بريدة ، قال : «كنتُ عند أَبي جعفر عليه السلام فسألته عن قوله اللَّـه تعالىٰ : [أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ] (5)؛ قال: فنحن النَّاس ، ونحن المحسودون على ما آتانا اللَّـه من الإِمامة دون خلق اللَّـه جميعاً [فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا] (6)جعلنا منهم الرسل والأَنبياء والأَئِمَّة عليهم السلام ، فكيف يقرُّون بها في آل إِبراهيم ، ويُكَذِّبون بها في آل محمَّد عليهم السلام ؟ [فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا] (7)»(8). 3ـ بيان تفسير الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن إِبراهيم ، قال : « قلت لأَبي عبداللَّـه عليه السلام : جُعِلْتُ فداك ، ما تقول في هذه الآية: [أَم يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا] (9)، قال : نحن النَّاس الَّذين قال اللَّـه ، ونحن المحسودون ، ونحن أَهل المُلك ، ونحن ورثنا النَّبيِّين ، وعندنا عصا موسىٰ ، وإِنَّا لخزَّان اللَّـه في الأَرض ، لسنا بِخُزَّانٍ على ذهب ولا فضَّة ...»(10). 4ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن الكناني ، قال : «قال أَبو عبداللَّـه عليه السلام : يا أَبا الصباح ، نحن قوم فرض اللَّـه طاعتنا ، لنا الأَنفال ، ولنا صفو الـمال ، ونحن الرَّاسخون في العلم ، ونحن المحسودون الَّذين قال اللَّـه : [أَم يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ] »(11). ودلالة الجميع واضحة. وفي الختام يجدر الاِلتفات إِلى الأُمور التَّالية : الأَوَّل : أَنَّ أَعظم أَنواع تواضع المخلوق لباريه (تقدَّس ذكره) : تعظيمه لمن عظمه (جلَّ قدسه) بقدره. الثَّاني : أَنَّ أَعظم الصدق : الصدق في الحقائق الأَزليَّة ، وأَعظم الكذب والجحود والغشّ : الكذب والجحود والغشّ في الحقائق الأَزليَّة أَيضاً. وهذه أَخطر من دون قياس من الصدق والكذب والجحود والغشّ في عَالَم السياسة والأُمور العامَّة ؛ لإِرتباطها بالحياة والنشأة الأُخرويَّة الأَبديَّة ، وبالمصير الأَبدي للمخلوقات. الثَّالث : أَنَّ في ذات كُلِّ إِنسانٍ طبقات من الشرك يجب عليه تطهيرها. الرَّابع : أَنَّ بعض طبقات الشرك الخفي يُطهَّر صاحبها منها في عَالَم القيامة. الخامس : أَنَّ في ذات كُلّ مخلوقٍ طبقات من الحسد والبغض والعداء لأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم يجب عليه تطهيرها. ويدلُّ عليه : ما تقدَّم وما سيأتي (إِنْ شاء اللّٰـه تعالىٰ) من ارتطام سائر الأَنبياء والرسل وجملة الملائكة منهم المُقرَّبين عليهم السلام ؛ وتوقُّفهم في مقامات أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم وصفاتهم وشؤونهم وأَحوالهم . السَّادس : أَنَّه دائماً التبرُّم والإِعتراض على ساحة القدس الإِلٰهيَّة ورجالاتها يحمل في طيَّاته إِعتقاد المُتبرِّم والمُعترض ـ والعياذ باللَّـه تعالىٰ ـ : بجهل ساحة القدس الإِلٰهيَّة وبجهل رجالاتها ، وهذا إِلحاد وشرك وكفر خفيٌّ شعر بذلك المخلوق أَم لا، وهو وإِنْ لم يخرج صاحبه عن دائرة الإِيمان والإِسلام ، لكنَّه يحطّ من مراتب ودرجات إِيمانه وإِسلامه ، ويحطُّ من حظِّه في عَالَم الآخرة الأَبديَّة. السَّابع : الكفر والإِلحاد برتب ومراتب الحُجَج الإِلٰهيَّة كفر عظيم ومحذور خطير ، وهو الَّذي أَوقع إِبليس (عليه اللعنة) في ورطته ؛ فإِنَّه لَـمَّا لم يحفظ المراتب تطاول على حُجِّيَّة اللَّـه ووليِّه ، وأَورثه الندامة الأَبديَّة. الثَّامن : أَنَّ الاِمتحانات والاِختبارات المُهمَّة في البصيرة يَمتحن اللَّـه بها الأُمَّة على مدىٰ الأَزمان والدهور. / تفويض جملة أُمور الخلائق لأَهل البيت عليهم السلام / / الطائفة العاشرة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «لو أُهْدِيَ إِلَيَّ كراع لقبلتُ ، وكان ذلك من الدِّين ، ولو أَنَّ كافراً أَو منافقاً أَهدىٰ إِلَيّ وسقاً ما قبلتُ ، وكان ذلك من الدِّين ...»(12). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أُصول الكافي، 1: 17/ح14. (2) المائدة : 64 . (3) بحار الأَنوار ، 26 : 1 ـ 7/ح1. (4) المصدر نفسه ، 28 : 70 ـ 71/ح31. غيبة النعماني : 70 ـ 72. (5) النساء : 54 . (6) النساء : 54 . (7) النساء : 55 . (8) بحار الأَنوار ، 23 : 298/ح44. تفسير فرات : 28. ( 9) النساء : 54 . (10) بحار الأَنوار ، 23 : 299/ح50. (11) المصدر نفسه: 194/ح20. بصائر الدرجات : 55. (12) بحار الأَنوار ، 16 : 373/ح83
معارف إِلٰهيَّة : (177) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 177) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة العاشرة : / تفويض جملة أُمور الخلائق لأَهل البيت عليهم السلام / / الطائفة العاشرة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «لو أُهْدِيَ إِلَيَّ كراع لقبلتُ ، وكان ذلك من الدِّين ، ولو أَنَّ كافراً أَو منافقاً أَهدىٰ إِلَيّ وسقاً ما قبلتُ ، وكان ذلك من الدِّين ...»(1). ثانياً : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ،عن إِسماعيل بن عبد العزيز ، قال : «إِنَّ رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله كان يفوَّض إِلَيه ، إِنَّ اللّٰـه تبارك وتعالىٰ فَوَّضَ ... إِلى مُحَمَّد صلى الله عليه واله نبيّه فقال : [مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا] (2)، فقال رَجُلٌ: إِنَّما كان رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله مفوَّضاً إِليه في الزرع والضَّرع ، فلوَّىٰ جعفر عليه السلام عن عنقه مغضباً ، فقال : في كلِّ شيء ، واللّٰـه في كلِّ شيء»(3). ودلالتهما قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّه بعدما كانت طبقات حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله الصَّاعدة وتتبعها طبقات حقيقة ذاته صلى الله عليه واله المتوسطة والنَّازلة رأس هرم طبقات حقائق أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) ؛ وبعد اتحادها والذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة حكاية لا تشخُّصاً ؛ فصارت اِنعكاساً لساحة القدس الإِلٰهيَّة كان كُلُّ ما يصدر من طبقات حقيقته صلى الله عليه واله المُقدَّسة صادراً عن الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، ومن ثَمَّ يكون سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله مُفوَّضاً إِليه من قِبَل ساحة القدس الإِلٰهيَّة في كلِّ شيءٍ ؛ سوآء أَكان في عالم تشريع الأَحكام الإِلٰهيَّة أَم في غيرها. وحيث إِنَّ الثابت في بيانات الوحي : أَنَّ كل ما اعطي لسيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله من مقامات وفضائل وكمالات وشؤون الهية اعطي لأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ـ إِلَّا ما خرج بالدليل ( النبوة والازواج ) ـ يثبت أَنَّ سائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم مُفوَّض إِليهم من قِبَل ساحة القدس الإِلٰهيَّة في كلِّ شيءٍ أَيضاً ؛ سوآء أَكان في عالم تشريع الأَحكام الإِلٰهيَّة أَم في غيرها. / حدّ ماهيَّة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام / / الطائفة الحادية عشرة ، ويُمثِّلها : / بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «... الإِمام ... البحر الَّذي لا ينزف ... مهيمن اللّٰـه على الخلائق ، وأَمينه على الحقائق ... ظاهره أَمر لا يُمْلك ، وباطنه غيب لا يُدرك ... بشر ملكيّ ، وجسد سماويّ ، وأَمر إِلٰهيّ ، وروح قدسي ، ومقام عَلِيّ ، ونور جليّ ، وسرّ خفيّ ، فهو ملك الذَّات، إِلٰهيّ الصِّفات ... خلقهم اللّٰـه من نور عظمته ، وولَّاهم أَمر مملكته ، فهم سرّ اللّٰـه المخزون ... ومبدء الوجود وغايته ، وقدرة الرَّبّ ومشيئته ... والأَسرار الإِلٰهيَّة المودعة في الهياكل البشريَّة ...»(4). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 16 : 373/ح83. (2) الحشر : 7. (3) بحار الأَنوار ، 17 : 9/ح16. بصائر الدرجات : 111 ـ 112. (4) بحار الأَنوار ، 25 : 169 ـ 174/ح38
معارف إِلٰهيَّة : (178) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 178) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الحادية عشرة : / حدّ ماهيَّة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام / / الطائفة الحادية عشرة ، ويُمثِّلها : / بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «... الإِمام ... البحر الَّذي لا ينزف ... مهيمن اللّٰـه على الخلائق ، وأَمينه على الحقائق ... ظاهره أَمر لا يُمْلك ، وباطنه غيب لا يُدرك ... بشر ملكيّ ، وجسد سماويّ ، وأَمر إِلٰهيّ ، وروح قدسي ، ومقام عَلِيّ ، ونور جليّ ، وسرّ خفيّ ، فهو ملك الذَّات، إِلٰهيّ الصِّفات ... خلقهم اللّٰـه من نور عظمته ، وولَّاهم أَمر مملكته ، فهم سرّ اللّٰـه المخزون ... ومبدء الوجود وغايته ، وقدرة الرَّبّ ومشيئته ... والأَسرار الإِلٰهيَّة المودعة في الهياكل البشريَّة ...»(1). ودلالته قد اِتَّضحت مِمَّا تقدَّم ؛ فإِنَّه برهان وحيانيٌّ وارد لبيان وتعريف ماهيَّة وحقيقة الإِمام من أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) ، وقد أَخذ عليه السلام فيه ثلاث طبقات أَساسيَّة من ماهيَّته وحقيقته عليه السلام : أَحدها : الطَّبقات النَّازلة والمُتمثِّلة بالجنبة البشريَّة ؛ فهو يأكل الطَّعام ، ويمشي في الأَسواق ... . وإِلى هذه الطَّبقة أَشار بيانه عليه السلام بقوله : «... الإِمام ... بشر ... في الهياكل البشريَّة ...». الأُخرىٰ : الطَّبقات المتوسِّطة ، والمُتمثِّلة بالجنبة الملائكيَّة السَّماوية ، والعوالم الروحانيَّة. وإِلى هذه الطَّبقة أَشار بيانه عليه السلام بقوله : «... الإِمام ... ملكيّ ، وجسد سماويّ ... وروح قدسيّ ... فهو ملك الذَّات ...». الثَّالثة : الطَّبقات الصَّاعدة ، والمُتمثِّلة بالجنبة الإِلٰهيَّة ، ووسائط الفيض الإِلٰهيّ الحصريَّة ، والوسيلة الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة الفاردة ، وعلل الوجود : (الغائيَّة والفاعليَّة) ، ووجه اللّٰـه ، والسَّبيل والسَّبب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ التَّكويني الحصري والأَدنىٰ بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (تعالىٰ ذكره) و كافَّة العوالم وسائر المخلوقات ، المُنعكسة في هذه الطَّبقات جميع الأَسمآء والصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة إِلَّا الأُلوهيَّة ، كما تقدَّم. وإِلى هذه الطَّبقة أَشار بيانه عليه السلام بقوله : «... الإِمام ... البحر الَّذي لا ينزف ... مهيمن اللّٰـه على الخلائق ، وأَمينه على الحقائق ... ظاهره أَمر لا يُمْلك ، وباطنه غيب لا يُدرك ... وأَمر إِلٰهيّ ... ومقام عَلِيّ ، ونور جليّ ، وسرّ خفيّ ، فهو ... إِلٰهيّ الصِّفات ... خلقهم اللّٰـه من نور عظمته ، وولَّاهم أَمر مملكته ، فهم سرّ اللّٰـه المخزون ... مبدء الوجود وغايته ، وقدرة الرَّبّ ومشيئته ... والأَسرار الإِلٰهيَّة...». وإِلى هذه الطَّبقات الثلاث أَشارت بيانات القرآن الكريم أَيضاً. فلاحظ: أَوَّلاً : بيان قوله جلَّ جلاله : [وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ] (2)(3)فإِنَّه مُشير إِلى الطَّبقة الثانية والأُولىٰ. ثانياً : بيان قوله جلَّ وعلا : [وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ] (4) فإِنَّه مُشير إِلى الطَّبقة الثَّالثة ، فإِنَّ ضمير (هو) عائد إِلى (صاحبكم) و (نطقه) أَي : إِلى ذات سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، وقد عبَّرَ (جلَّ شأنه) عنها بصيغة المضارع (يوحىٰ) المفيدة للتجدُّد والاستمرار التَّأبيدي ، الدالُّ على أَنَّ ذاته صلى الله عليه واله بحر وحي زخَّار لا نهاية ولا إِنقطاع له أَبداً ، من بداية الخلقة إِلى ما لا نهاية ، ومن ثَمَّ ورد في بيانات الوحي في حقِّ طبقات حقيقته صلى الله عليه واله المتوسطة : أَنَّه كان في العوالم السَّابقة نبيّاً ورسولاً لكُلِّ الأَنبياء عليهم السلام ، بل ولمطلق المخلوقات. فانظر: 1ـ بيانه صلى الله عليه واله : «كنتُ نبيّاً وآدم بين الماء والطين» أَو «بين الرُّوح والجسد»(5). 2ـ بيان الإِمامين الباقر والصَّادق عليهما السلام : «إِنَّ اللّٰـه خلق الخلق وهي أَظلَّة ، فأرسل رسوله مُحمَّداً صلى الله عليه واله فمنهم مَنْ آمن به ، ومنهم مَنْ كذَّبه ، ثُمَّ بعثه في الخلق الآخر فآمن به مَنْ كان آمن به في الأَظلَّة ، وجحده مَنْ جحد به يومئذ ، فقال: [مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ ] (6)»(7). 3ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن المفضَّل بن عمر ، قال : «... يا مفضَّل ، أَمَا علمتَ أَنَّ اللّٰـه (تبارك وتعالىٰ) بعث رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله وهو روح إِلى الأَنبياء وهم أَرواح قبل خلق الخلق بأَلفي عام ؟ قلتُ : بلىٰ ، قال : أَمَا علمتَ أَنَّه دعاهم إِلى توحيد اللّٰـه وطاعته واتِّباع أَمره ووعدهم الجنَّة على ذلك وأَوعد مَنْ خالف ما أَجابوا إِليه وأَنكره النَّار ؟ قلتُ : بلىٰ ...»(8). 4ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «ما بعث اللّٰـه نبيّاً أَكرم مِنْ مُحمَّد صلى الله عليه واله ، وَلَا خلق اللّٰـه قبله أَحَداً ، وَلَا أَنذر اللّٰـه خلقه بأَحدٍ من خلقه قبل مُحمَّد ، فذلك قوله تعالىٰ : [هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى] (9)، وقال : [ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ] (10) فلم يكن قبله مُطاع في الخلق ، ولا يكون بعده إِلى أَنْ تقوم السَّاعة ، في كُلِّ قرنٍ إِلى أَنْ يرث اللّٰـه الأَرض وَمَنْ عليها»(11). ودلالة الجميع واضحة. ثُمَّ إِنَّ صفة : (عدم تناهي وحي ذات سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله) لم يثبتها القرآن الكريم لأَحدٍ غيره صلى الله عليه واله قطُّ ، بل ولم يثبتها لنفسه(12)، فإِنَّه عبَّرَ عنها بصيغة الماضي (أَوحينا) ، الدَّالَّة على التناهي. فلاحظ: بيان قوله تبارك وتعالىٰ : [وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ] (13). ثالثاً : بيان قوله علا ذكره : [قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ] (14)، فإِنَّه مُشيرٌ إِلى الطَّبقة الأُولىٰ والثَّالثة ، وعبَّرَ عن الثَّالثة أَيضاً بصيغة المضارع (يوحىٰ) المفيدة للتجدُّد والاستمرار التَّأبيدي ، كما تقدَّم. إِنْ قلتَ : إِنَّ هذه البيانات الوحيانيَّة الشَّريفة أَخَصُّ من المُدَّعىٰ ؛ فإِنَّها واردة لبيان حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، وكلامنا في بيان حقيقة وماهيَّة الإِمام من مُطلق أَهل البيت : سيِّد الأَنبياء وسائر أَئمَّة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم. قلتُ : اعتقاد الاماميَّة ، ومن الأُصول الموضوعيَّة المُسلَّمة عندنا نحن الاماميَّة ، بل وما صرَّحت به بيانات الوحي : أَنَّ كُلَّ ما كان ثابتاً لسيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله من مقاماتٍ وشؤونٍ وأَحوالٍ ومناقبٍ وفضائلٍ وكمالاتٍ إِلٰهيَّة ثابتة لسائرأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم من دون فرق إِلَّا ما خرج بالدَّليل: (النُّبُوَّة والأَزواج) ، وبقي الباقي على حاله ، منه هذا المقام والمنقبة والشَّأن والفضيلة والكمال الإِلٰهيّ. فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «كُلُّ ما كان لمُحَمَّدٍ صلى الله عليه واله فلنا مِثله إِلَّا النُّبوَّة والأَزواج»(15). ودلالته واضحة. / وحي الإِمامة الإِلهيَّة وحيُ علمٌ لدنِّيٌّ من دون واسطة / ثُمَّ إِنَّ هذا النحو من الوحي الَّذي تتمتَّع به حقيقة سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ليس وحي نبوَّة بتوسُّط جبرئيل عليه السلام أَو غيره ، وإِنَّما وحي إِمامةٍ إِلٰهيَّة وعلمٌ لدنِّيٌّ من دون واسطة. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 25 : 169 ـ 174/ح38. (2) الأنعام : 8 ـ 9. (3) لا بأس بالالتفات إِلى أَنَّ سورة الأَنعام من أَوَّلها إِلى آخرها انفجارات عقائديَّة ومعرفيَّة ، وتحوي على أُس العقائد. (4) النجم : 1 ـ 4. (5) بحار الأَنوار ، 18 : 278. (6) يونس : 74. (7) بحار الأَنوار ، 5 : 259/ح64. (8) المصدر نفسه ، 39 : 194 ـ 195/ح5. علل الشرائع : 65. (9) النجم : 56. (10) الرعد : 7. (11) بحار الأَنوار ، 16 : 371/ح82. (12) مرجع الضمير المُستتر في (يثبتها) ، والضمير المُتَّصل في (لنفسه) : القرآن الكريم. (13) الشورى : 52. (14) الكهف : 110. (15) بحار الأَنوار ، 26 : 317/ح83
معارف إِلٰهيَّة : (179) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 179) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الحادية عشرة ، ولازال البحث فيها ، وكانت تحت عنوان : (حدّ ماهيَّة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام) ، وصل الكلام الى العنوان التالي : / وحي الإِمامة الإِلهيَّة وحيُ علمٌ لدنِّيٌّ من دون واسطة / ثُمَّ إِنَّ هذا النحو من الوحي الَّذي تتمتَّع به حقيقة سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ليس وحي نبوَّة بتوسُّط جبرئيل عليه السلام أَو غيره ، وإِنَّما وحي إِمامةٍ إِلٰهيَّة وعلمٌ لدنِّيٌّ من دون واسطة. فلاحظ : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن صالح بن سهل ؛ قال : «كُنتُ جالساً عنده فقال لي ابتداء منه : يا صالح بن سهل ، إِنَّ اللّٰـه جعل بينه وبين الرسول رسولاً ولم يجعل بينه وبين الإِمام رسولاً ، قال : قلتُ : وكيف ذاك ؟ قال: جعل بينه وبين الإِمام عموداً من نورٍ ينظر اللّٰـه به إِلى الإِمام ، وينظر الإِمام به إِليه ، فإِذا أَراد علم شيء نظر في ذلك النُّور فعرفه»(1). ودلالته واضحة. وعليه : تكون حقيقة وماهيَّة سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم بحور وحي غير متناهية أَبد الآباد ودهر الدُّهور طمطامة ومهولة. / إِقصاء الفلاسفة ومَنْ شاكلهم لرجالات الوحي/ / اِنكفاء أَصحاب المذاهب الإِسلاميَّة عن أَهل البيت عليهم السلام/ ومنه يتَّضح : أَنَّه بعدما لم يكن الأَنبياء والأَوصياء عليهم السلام خارجين عن دائرة البشريَّة فلماذا يَقصي كلامهم الفلاسفة ومَنْ جرىٰ على شاكلتهم ، بل هذه المُؤآخذة تُسجَّل أَيضاً على أَصحاب المذاهب الإِسلاميَّة ؛ فإِنَّهم انكفؤوا ولم يتعاطوا مع أَهل البيت الأَطهار صلوات اللّٰـه عليهم كما تعاطوا مع غيرهم(2)، مع أَنَّ مدرسة أَهل البيت عليهم السلام منفتحة على الجميع ، وتلك كُتُبنا مملوءة بأَقوال أَصحاب المذاهب ، بل هناك أَقوال لهم لم تُحفظ إِلَّا في كُتُب أَصحابنا ، كـ : كتاب : (الخلاف) ، و (التبيان) للشَّيخ الطُّوسي ، و(مجمع البيان) للطبرسي ، وهذا خير دليل على انفتاح مدرسة أَهل البيت عليهم السلام وأَتباعهم. / أَهل البيت عليهم السلام سفينة نوح والبيت المعمور/ / الطائفة الثَّانية عشرة ، ويُمثِّلها : / 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «مثل أَهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح مَنْ ركبها نجا ، ومن تخلَّف عنها زخ في النَّار»(3). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بصائر الدرجات ، 2 : 340 ـ 341/ح1571 ـ 2. (2) توجد لدىٰ أَهل الخلاف كُتُب حديثيَّة وكُتُب تفسيريَّة ـ كتفسير الثعلبي ـ وكُتُب دورات رجاليَّة مخطوطة كثيرة ختموا عليها بعدم الطَّبع ؛ لإِحتوائها على ذكر وفضائل وتراجم أَهل البيت عليهم السلام ورواة وفقهاء مدرستهم عليهم السلام ، وهذا من الأُمور الخطيرة (والعياذ باللّٰـه تعالىٰ) لإِبادة السُّنَّة الشَّريفة. (3) بحار الأَنوار ، 23 : 122/ح45. عيون الأَخبار : 196. صحيفة الرضا عليه السلام : 22
معارف إِلٰهيَّة : (180) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 180) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الثَّانية عشرة : / أَهل البيت عليهم السلام سفينة نوح والبيت المعمور/ / الطائفة الثَّانية عشرة ، ويُمثِّلها : / 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «مثل أَهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح مَنْ ركبها نجا ، ومن تخلَّف عنها زخ في النَّار»(1 ). 2ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... ونحن البيت المعمور الَّذي مَنْ دخله كان آمناً ...»(2). ودلالتهما قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ السَّالك لمسلك أَهل البيت عليهم السلام ـ بعدما كانت طبقات حقائقهم عليهم السلام الصَّاعدة وتتبعها طبقات حقائقهم عليهم السلام المتوسطة والنَّازلة هي : الأَعلىٰ ، والأَشدُّ بالسَّاحة الإِلٰهيَّة نوطاً والتصاقاً ، ونظام عوالم الوجود على الإِطلاق ، ووسائط الفيض الإِلٰهيّ الحصريَّة ، والوسيلة الإِلٰهيَّة الوحيدة الموصلة لساحة القدس الإِلٰهيَّة ، ووجه اللّٰـه والسَّبيل والسَّبب والباب والحجاب الفارد ، والرباط الإِلٰهيّ الأَدنىٰ بين الخالق (جلَّ جلاله) وسائر العوالم وكافَّة المخلوقات وفي جملة النَّشَآت ـ كراكب سفينة نوح المنجية من الهلكة ؛ فيرىٰ راكبها سبلها لائحة ، وطرقها واضحة ، وأعلام الهداية والفلاح على مسالكها مرفوعة ، وأَصوات الدَّاعين إِلى الفوز والنجاح في مناهجها مسموعة ، الموصلة في سلوك شوارعها إِلى رياض نضرة ، وحدائق خضرة مُزيَّنة بأَزهار كلّ علمٍ ، وثمار كلّ حكمةٍ ، ويبصر في طيِّ منازلها طُرقاً مسلوكة معمورة ، موصلة إِلى كلِّ شرفٍ ومنزلةٍ ، فلم يعثر على حكمةٍ إِلَّا وفيها صفوها ، ولم يظفر بحقيقةٍ إِلَّا وفيها أَصلها. وداخل في البيت المعمور المشحون بذخائر السَّعادات ، المُزيَّن بالنيِّرات المنجية عن ظلم الجهالات ، والمُورِث للنجاة من غياهب الشرك والكفر والضلال والزيغ والانحراف ، المؤدِّي إِلى ساحة القدس الإِلٰهيَّة ورضا الرحمٰن ، المُورِث للنعيم المقيم. وقس على نقيضه نفوس مَنْ شَحَّت عن سلوك سُبُل تلك الطَّبقات الشَّريفة. / أَمير المؤمنين عليه السلام باب مدينة العلم والحكمة والفقه لجملة العوالم والمخلوقات/ / الطائفة الثالثة عشر ، ويُمثِّلها : / 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «أَنَا مدينة العلم وَعَلِيّ بابها ، وقد أَوجب اللّٰـه على خلقه الاستكانة لِعَلِيّ عليه السلام بقوله : [ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ] (3)»(4). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 23 : 122/ح45. عيون الأَخبار : 196. صحيفة الرضا عليه السلام : 22. (2) بحار الأَنوار ، 56 : 197/ح62. (3) البقرة : 58. (4) بحار الأَنوار ، 24 : 203
معارف إِلٰهيَّة : (181) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 181) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة التالية : / أَمير المؤمنين عليه السلام باب مدينة العلم والحكمة والفقه لجملة العوالم والمخلوقات/ / الطائفة الثالثة عشرة ، ويُمثِّلها : / 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «أَنَا مدينة العلم وَعَلِيّ بابها ، وقد أَوجب اللّٰـه على خلقه الاستكانة لِعَلِيّ عليه السلام بقوله : [ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ] (1)»(2). 2ـ بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً : «أَنَا مدينة العلم وَعَلِيّ بابها ، وَلَنْ يدخل المدينة إِلَّا من بابها ...»(3). 3ـ بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً : «أَنَا مدينة العلم وَعَلِيّ بابها ، فَمَنْ أَراد العلم فليأتِ الباب»(4). 4ـ بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً : «أَنَا مدينة العلم وَعَلِيّ بابها ، فَمَنْ أَرَادَ العلم فليقتبسه مِنْ عَلِيٍّ»(5). 5ـ بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً : «يا عَلِيّ ، أَنَا مدينة الحكمة وَأَنت بابها ، وَلَنْ تُؤْتَىٰ المدينة إِلَّا مِنْ قِبَلِ الباب ...»(6). 6ـ بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً : «أَنَا مدينة العلم وَعَلِيّ بابها ، فَمَنْ أَراد الحكمة فليأتها من بابها ، وَأَنتم جميعاً مصطرخون فيما أُشكل عليكم من أُمور دينكم إِليه ، وهو مستغن عن كُلِّ أَحَدٍ منكم ؛ إِلى ماله من السَّوابق الَّتي ليست لأَفضلكم عند نفسه ...»(7). 7ـ بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً : «... يَا عَلِيّ ، أَنا مدينة الحكمة وَأَنْتَ بابها ، فَمَنْ أَتَىٰ المدينة من الباب وصل ، يا عَلِيّ أَنتَ بابي الَّذي أُوتىٰ منه ، وَأَنا باب اللّٰـه ، فَمَنْ أَتاني من سواك لم يصل ، ومَنْ أَتىٰ سواي لم يصل ...»(8). 8 ـ بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً : «أَنا مدينة الفقه وَعَلِيّ بابها»(9). ودلالة الجميع قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ أَهل البيت الأَطهار عليهم السلام لَـمَّا كانت طبقات حقائقهم الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسطة والنَّازلة هي : نظام عَالَم الوجود على الإِطلاق ، ووسائط الفيض الإِلٰهيّ في قوس النزول ، والوسيلة الإِلٰهيَّة الحصريَّة في قوس الصعود والنزول ، وجنب اللّٰـه ووجهه (جلَّ شأنه) ؛ والسَّبيل والسَّبب والباب والحجاب والرِّباط الإِلٰهيّ الفارد والأَدنىٰ في قوس الصعود والنزول بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ وعلا) وكافَّة العوالم وسائر المخلوقات بقضِّها وقضيضها على الإِطلاق قاطبة ؛ فلا ينزل فيضٍ ـ كالعلم والحكمة والفقه ـ من ساحة القدس الإِلٰهيَّة ولو كان بمقدار مثقال ذرَّةٍ إِلَّا عن سبيلها ، وحيث إِنَّ طبقات حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسطة والنَّازلة مُتقدِّمة على سائر طبقات حقائق سائر أَهل البيت عليهم السلام نابها الأَكبر وسنامها الأَطول ، وهامتها الأَعظم ، ورأس هرمها ، والأَلصق بالذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة على الإِطلاق ، أبد الآباد ودهر الدُّهور كانت طبقات حقيقته صلى الله عليه واله : الظهور والتَّجلِّي الأَعظم على الإِطلاق لحقيقة علم الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة وحكمته وفقهه (جلَّ قدسه) ، فصارت ذاته وحقيقته صلى الله عليه واله مدينة الوحي والعلم والفقه الإِلٰهيّ ، والحكمة الإِلٰهيَّة ، ونظام لا يختل ولا يتبدَّل ولا يتخلَّف ولا يختلف أَبداً ، وبحور زاخرة لا تنزف ، وكنوز لا تفند ، وجبال شامخة لا تقهر ، الكالّ عن نعتها أَفهام النَّاعتين ، والعاجز عن وصفها لسان الواصفين. وحيث إِنَّ طبقات حقيقة أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه التَّالية والأَلصق بها على الإِطلاق كان كُلُّ ما يرد من خيرٍ ووحيٍ إِلٰهيٍّ ، وعلومٍ وحِكَمٍ إِلٰهيَّةٍ وفقهٍ إِلٰهيٍّ لجملة العوالم ولطُرِّ المخلوقات ، وعبر كافَّة النَّشَآت ؛ من بداية الخلقة وعبر سالف الأَزمان وغابر الدُّهور إِلى أَبد الآباد ودهر الدهور ما دام للّٰـه حاجة في خلقه لا يكون إِلَّا عن طريق باب فارد أَوحد : طبقات حقيقة أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه ليس إِلَّا ، مفاتيح أَبواب الكرم ، ومجاديع هواطل النعم ، مَنْ أَتاها عرف من أَين تؤكل الكتف ، ومَنْ تخلَّفَ عنها كَمَنْ يتعلَّق بنسيج العنكبوت للعروج إِلى أَسباب السَّماوات!! وهذا ما يشير إِليه بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «لو يعلم النَّاس متىٰ سُمِّيَ عَلِيّ أَمير المؤمنين لَـمَا أَنكروا فضائله ، سُمِّيَ بذلك وآدم بين الرُّوح والجسد ، وحين قال اللّٰـه : [أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ] (10)فقال اللّٰـه تعالىٰ : أَنَا رَبّكم ، وَمحمَّد نَبِيُّكم ، وَعَلِيّ أَميركم»(11) ، منضمّاً إِليه بيان أَبي جعفر عليه السلام ، عن عبد المؤمن الأَنصاري ، قال : «قلتُ له : لِمَ سُمِّيَ أَمير المؤمنين (صلوات اللّٰـه عليه) أمير المؤمنين ؟ قال: لأَنَّ ميرة المؤمنين منه ، وهو كان يميرهم العلم»(12)، وبيانه عليه السلام أَيضاً ، عن جابر ، قال : «قلتُ : جُعِلْتُ فداك ، لِمَ سُمِّيَ أَمير المؤمنين أَمير المؤمنين؟ قال : لأَنَّه يميرهم العلم ، أَمَا سمعتَ كتاب اللّٰـه عزَّوجلَّ : [وَنَمِيرُ أَهْلَنَا] (13)»(14). فإِنَّ البيان الأَوَّل دالٌّ على أَنَّ أَمير المؤمنين (صلوات اللّٰـه عليه) تمتَّع بهذا المقام الإِلٰهيّ وهو في عَالَم الذَّرِّ والميثاق ، والبيان الثَّاني والثَّالث دالَّان على أَنَّ دور هذا المقام علَّة فاعليَّة لإِمارة العلم وإِفاضته وتزويد المخلوقات به ، وحيث إِنَّ المقام والهبة الإِلٰهيَّة أَمر تكوينيّ يُفعَّل لدىٰ المخلوق من حين تمتُّعه به كان أَمير المؤمنين (صلوات اللّٰـه عليه) هو العلَّة الفاعليَّة لإِمارة المخلوقات وتزويدها بالعلم والمعرفة في العوالم السَّابقة ، كـ : عَالَم : الذَّرِّ والميثاق ، والبرزخ النَّازل ، والأَصلاب ، والأَرحام. ويُشير إِلى هذه القضيَّة في عَالَم الأَصلاب بيانه (صلوات اللّٰـه عليه) المُتقدَّم : «... وأَنا الخضر عَالَم موسىٰ ، وأَنَا مُعَلِّم سليمان بن داود ...»(15). / جملة علوم طُرّ المخلوقات وفي كافَّة العوالم لا تكون إِلاَّ بأَمير المؤمنين عليه السلام/ وممَّا تقدَّم يتَّضح : الجمّ الغفير من بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام ، مخاطباً كميل بن زياد : «يا كميل ، ما مِنْ علم إِلَّا وأَنا أفتحه ...»(16). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) البقرة : 58. (2) بحار الأَنوار ، 24 : 203. (3) المصدر نفسه ، 31 : 436. (4) المصدر نفسه ، 34/189. (5) المصدر نفسه ، 40 : 203/ح9. الإِرشاد ؛ للمفيد : 15. (6) بحار الأَنوار ، 23 : 126/ح53. أَمالي الصدوق : 162. إِكمال الدين : 140. (7) بحار الأَنوار ، 28 : 199/ح6. (8) المصدر نفسه ، 40 : 204. (9) تذكرة خواص الأَئمَّة : 29. اللآلي المصنوعة ، 1 : 329. طبعة بيروت. (10) الأعراف : 172. (11) بحار الأَنوار ، 26 : 278/ح20. (12) المصدر نفسه ، 37 : 295/ح11. بصائر الدرجات : 149. (13) يوسف : 65. (14) بحار الأَنوار ، 37 : 293/ح7. معاني الأَخبار : 63. علل الشرائع : 65. البرهان : 258. (15) بحار الأَنوار ، 26 : 5/ح1. (16) المصدر نفسه ، 74 : 266 ـ 277/ح1. بشارة المصطفىٰ : 29
معارف إِلٰهيَّة : (182) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 182) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الثالثة عشرة ، ولازال البحث فيها ، وكانت تحت عنوان : (أَمير المؤمنين عليه السلام باب مدينة العلم والحكمة والفقه لجملة العوالم والمخلوقات) ، وصل الكلام الى العنوان التالي : / جملة علوم طُرّ المخلوقات وفي كافَّة العوالم لا تكون إِلاَّ بأَمير المؤمنين عليه السلام/ وممَّا تقدَّم يتَّضح : الجمّ الغفير من بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام ، مخاطباً كميل بن زياد : «يا كميل ، ما مِنْ علم إِلَّا وأَنا أفتحه ...»(1). ثانياً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «علم ما كان وما يكون كُلّه في القرآن الكريم ، وعلم القرآن كُلّه في سورة الفاتحة ، وعلم الفاتحة كُلّه في البسملة منها ، وعلم البسملة كلّها في بائها ، وأَنَا النقطة تحت الباء»(2). ثالثاً : بيان الإِمام الباقر عليه السلام : «... ليس أَحَد عنده علم شيءٍ إِلَّا خرج من عند أَمير المؤمنين عليه السلام ؛ فليذهب النَّاس حيث شاءوا ، فواللّٰـه ليأتين الأَمر هٰهنا. وَأَشار بيده إلى صدره»(3). رابعاً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «أَمَا إِنَّه ليس عند أَحَدٍ علم وَلَا حَقّ وَلَا فتيا إِلَّا شيء أُخذ عن عَلِيّ بن أَبِي طالب عليه السلام ، وَعَنّا أَهل البيت ، وما مِنْ قضاءٍ يُقْضَىٰ بِهِ بحقٍّ وصوابٍ إِلَّا بدء ذلك ومفتاحه وسببه وعلمه مِنْ عَلِيٍّ عليه السلام وَمِنّا. فإِذا اختلف عليهم أَمرهم قاسوا وعملوا بالرأي ، وكان الخطأ مِنْ قِبَلهم إِذا قاسوا ، وكان الصَّواب إِذا اتَّبعوا الآثار من قِبَلِ عَلِيّ عليه السلام »(4). خامساً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «كُلُّ ما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل»(5). سادساً : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... أعلم ما في المشرق والمغرب ، وَمَا في السَّماوات والأَرض ، وَمَا في البرِّ والبحر وعدد ما فيهنَّ ، وليس ذلك لإِبليس وَلَا لملك الموت»(6). سابعاً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «... فكُلُّ علمٍ خرج إِلى أَهل السَّماوات والأَرض فمنَّا وعنَّا ...»(7). ودلالتها قد اِتَّضحت أَيضاً ، فإِنَّه إِضافة إِلى إِطلاقها وما تقدَّم بيانه دالَّة بقرينة ما تقدَّم أَنَّه لا يوجد علمٌ ولا حقٌّ ولا فتيا ولا صوابٌ من بداية الخلقة إِلى ما لا نهاية له ، لدىٰ كُلّ العوالم وجميع المخلوقات إِلَّا وكان أَمير المؤمنين وسائرأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم هم العلل الفاعليَّة لها ؛ لكون طبقات حقائقهم عليهم السلام الصَّاعدة هي الصِّفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة ، كـ : الاسم الإِلٰهيّ : (الوهاب ، والعليم ، والهادي ، والمغني ، والنَّافع ، والنُّور ، والوارث ، والرشيد) ، ووسائط الفيض الإِلٰهيَّة ، والعلل التَّكوينيَّة الفاعليَّة الإِلٰهيَّة ، والأَسباب الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة ، يُفاض من خلالها كُلّ خيرٍ وعلمٍ وحكمةٍ وحقٍّ وفتيا وصوابٍ ؛ على طُرِّ العوالم وجملة المخلوقات من بداية الخلقة والوجود إِلى ما لا نهاية ، في هذه النَّشْأة وفي سائر النَّشَآت . ومنه يتَّضح : ما تقدَّم من بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... وأَنا النقطة تحت الباء» ، أَي : (باء الاستعانة) ؛ فعلم ما كان وما يكون كلّه موجود في القرآن الكريم ، وعلم القرآن كلّه في سورة الفاتحة ، وعلم الفاتحة كلّه في البسملة منها ، وعلم البسملة كُلّه في بائها ، وأَمير المؤمنين هو : (باء الاستعانة) ، أَي : أَنَّه عليه السلام هو : النقطة والمحور والوسيلة والباب الَّذي لا يمكن لأَحدٍ قَطُّ ـ سواء أ كان نبيّاً مرسلاً أَم ملكاً مُقرَّباً أَم مؤمناً ممتحناً ـ في جملة العوالم والنَّشَآت إِحتواء خيرٍ ووحيٍّ وعلمٍ وحكمةٍ وحقٍّ وفتيا حقَّةٍ وصوابٍ وهلمَّ جرّاً إِلَّا بعد التَّوسُّل والتَّشَبُّت والاستعانة بطبقات حقيقته ؛ وطبقات حقائق سائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم، وإِلَّا فشطط كلام وشطح مقال ، شعر المخلوق بذلك أَم لا. / وحي القرآن لا يكون إِلاَّ من طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام/ ومنه يتَّضح : أَنَّ ما يأتي به جبرئيل عليه السلام من وحي لا يكون إِلَّا بتوسُّط طبقات حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله المتوسطة ؛ لأَنَّها المنبع ، وبتوسط طبقات حقيقة أَمير المؤمنين وسائرأَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) المتوسُّطة أَيضاً ؛ لأَنَّها باب ذلك المنبع المُقدَّس الكريم الشَّريف. بل الوحي الصَّاعدة ـ وحي (روح القدس) حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ـ لا يكون منبعه إِلَّا الطَّبقات الصَّاعدة لذات حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، وباب إِفاضته ونزوله على مراتب طبقات ذات سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله المُتوسِّطة لا يكون إِلَّا طبقات حقائق ذات أَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت عليه السلام الصَّاعدة. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المصدر نفسه ، 74 : 266 ـ 277/ح1. بشارة المصطفىٰ : 29. (2) مشارق أَنوار اليقين : 25. (3) بحار الأَنوار ، 2 : 94/ح34. بصائر الدَّرجات ، 1 : 46/ح55. (4) بحار الأَنوار ، 2 : 95/ح36. (5) مختصر البصائر : 198/ح179 ـ 20. (6) بحار الأَنوار ، 63 : 275 ـ 276/ح163. دلائل الإِمامة : 125. (7) بحار الأَنوار ، 25 : 24/ح41
معارف إِلٰهيَّة : (183) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 183) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الثالثة عشرة ، ولازال البحث فيها ، وكانت تحت عنوان : (أَمير المؤمنين عليه السلام باب مدينة العلم والحكمة والفقه لجملة العوالم والمخلوقات) ، وصل الكلام الى العنوان التالي : / وحي القرآن لا يكون إِلاَّ من طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام/ ومنه يتَّضح : أَنَّ ما يأتي به جبرئيل عليه السلام من وحي لا يكون إِلَّا بتوسُّط طبقات حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله المتوسطة ؛ لأَنَّها المنبع ، وبتوسط طبقات حقيقة أَمير المؤمنين وسائرأَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) المتوسُّطة أَيضاً ؛ لأَنَّها باب ذلك المنبع المُقدَّس الكريم الشَّريف. بل الوحي الصَّاعدة ـ وحي (روح القدس) حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ـ لا يكون منبعه إِلَّا الطَّبقات الصَّاعدة لذات حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، وباب إِفاضته ونزوله على مراتب طبقات ذات سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله المُتوسِّطة لا يكون إِلَّا طبقات حقائق ذات أَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت عليه السلام الصَّاعدة. بل الوحي الصَّاعدة ـ وحي (روح القدس) حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ـ لا يكون منبعه إِلَّا الطَّبقات الصَّاعدة لذات حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، وباب إِفاضته ونزوله على مراتب طبقات ذات سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله المُتوسِّطة لا يكون إِلَّا طبقات حقائق ذات أَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة. بل وحي القرآن الكريم بطبقته الصَّاعدة ـ أَي : طبقة (روح القدس) و(الروح الأَمري) ـ فضلاً عن النَّازلة لا يكون إِلَّا شيء يسير وشعاع نازل من أَشعَّة نور وبحور وحي ذوات وحقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الطمطامة المُتلاطمة وغير المتناهية أَبد الآباد ودهر الدُّهور. وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الحسن العسكري صلوات اللّٰـه عليه : «قد صعدنا ذرىٰ(1) الحقائق بأَقدام النُّبُوَّة والولاية ، ونوَّرنا(2) سبع طبقات أَعلام الفتوىٰ بالهداية، فنحن ... غيوث الندىٰ ... وروح القدس في جنان الصَّاقورة(3) ذاق من حدائقنا الباكورة ...»(4). وسيأتي (إِنْ شآء اللّٰـه تعالىٰ) توضيح وشرح هذا البيان الوحيانيّ الشَّريف في الطَّائفة الخامسة عشرة ، فانتظر هنيئة. وعليه : فوحي القرآن الكريم ـ سوآء أَكان الوحي النَّازل عن طريق جبرئل عليه السلام ، أَو الوحي الصَّاعدة عن طريق (روح القدس) ـ من سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ؛ لكونه صلى الله عليه واله قمَّة الهرم ، إِلى سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ونفسه الجزئية وبدنه الشريف في النشاة الارضية . فتدبَّر جيداً. وهذه وغيرها نكات بكر ما فُضَّت من قبل قَطُّ ، خذها واغتنم ، وعظ عليها بضرس قاطع تربت يداك. / أَهل البيت عليهم السلام مُعلِّمون إِلهيُّون لجملة الخلائق وفي كافَّة العوالم/ وهكذا تتَّضح : بيانات الوحي الشَّريفة الأُخرىٰ ، منها : أَوَّلاً : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... إِنَّ اللّٰـه تعالىٰ خلقني وخلق عليّا عليه السلام قبل أَنْ يخلق آدم ... ثُمَّ خلق الملائكة فسبَّحنا وسبَّحَت الملائكة ، فهلَّلنا فهلَّلت الملائكة ، وكبَّرنا فكبَّرت الملائكة ، وكان ذلك بتعليمي وتعليم عَلِيّ ، وكان ذلك في علم اللّٰـه السَّابق : أَنَّ الملائكة تتعلَّم مِنَّا التَّسبيح والتَّهليل، وكلّ شيءٍ يُسَبِّح للّٰـه ويُكبِّره ويُهلِّله بتعليمي ، وتعليم عَلِيّ ...»(5). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الذُّرىٰ : جميع الذُّرْوَة ، وهو : العلو. والمكان المرتفع. وأَعلىٰ الشيء وقمَّته. (2) في نسخة : (ونوَّرنا سبع طبقات النُّبوَّة والهداية). وفي أُخرىٰ : (سبع طبقات أَعلام الفتوة والهداية). (3) في نسخة : (الصَّاغورة). (4) بحار الأَنوار ، 26 : 264 ـ 265/ح50. (5) المصدر نفسه : 345 ـ 346/ح18. إِرشاد القلوب : 215 ـ 216
معارف إِلٰهيَّة : (184) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 184) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الثالثة عشرة ، ولازال البحث فيها ، وكانت تحت عنوان : (أَمير المؤمنين عليه السلام باب مدينة العلم والحكمة والفقه لجملة العوالم والمخلوقات) ، وصل الكلام الى العنوان التالي : / أَهل البيت عليهم السلام مُعلِّمون إِلهيُّون لجملة الخلائق وفي كافَّة العوالم/ وهكذا تتَّضح : بيانات الوحي الشَّريفة الأُخرىٰ ، منها : أَوَّلاً : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... إِنَّ اللّٰـه تعالىٰ خلقني وخلق عليّا عليه السلام قبل أَنْ يخلق آدم ... ثُمَّ خلق الملائكة فسبَّحنا وسبَّحَت الملائكة ، فهلَّلنا فهلَّلت الملائكة ، وكبَّرنا فكبَّرت الملائكة ، وكان ذلك بتعليمي وتعليم عَلِيّ ، وكان ذلك في علم اللّٰـه السَّابق : أَنَّ الملائكة تتعلَّم مِنَّا التَّسبيح والتَّهليل، وكلّ شيءٍ يُسَبِّح للّٰـه ويُكبِّره ويُهلِّله بتعليمي ، وتعليم عَلِيّ ...»(1). ثانياً : بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً : «... إِنَّ اللّٰـه خلقني وعليّاً من نورٍ واحدٍ قبل خلق آدم ... ثُمَّ خلق الأَشياء من نوري ونور عَلِيّ عليه السلام ... فَكُلّ مَنْ سَبَّحَ اللّٰـه وكبَّره فإنَّ ذلك من تعليم عَلِيّ عليه السلام »(2). ثالثاً : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... لم نزل أَنواراً حول العرش نُسَبِّح فيُسَبِّح أَهل السَّمآء لتسبيحنا ، فَلَمَّا نزلنا إِلى الأَرض سَبَّحْنا فَسَبَّحَ أَهل الأَرض ، فَكُلُّ علمٍ خرج إِلى أَهل السَّماوات والأَرض فَمِنَّا وَعَنَّا ...»(3). ودلالتها قد اِتَّضحت أَيضاً ، فإِنَّ طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة لَـمَّا كانت هي واسطة الفيض الإِلٰهيّ الفاردة ، وجنب اللّٰـه ووجهه الكريم ، والوسيلة الإِلٰهيَّة الوحيدة ، والسَّبيل والسَّبب والباب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ الأَدنىٰ الحصري بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (تبارك وتعالىٰ) وجملة العوالم وسائر المخلوقات ، فكلّ ما كان يصدر إِلى الملائكة وينزل عليها وعلى سائرالمخلوقات من ساحة القدس الإِلٰهيَّة مهول وخطير وعظيم كان ذلك الشيء النَّازل أَم كان بمقدار حبَّةٍ من خردلٍ ، لا يكون إِلَّا عن طريق حقائق أَهل البيت عليهم السلام ، فيكونوا صلوات اللّٰـه عليهم بلحاظ العلم وسائرالمعارف الإِلٰهيَّة مُعلِّمين إِلٰهيِّين لكافَّة الملائكة وجملة سائر المخلوقات ؛ في جميع العوالم والنَّشَآت ، من بداية الخلقة إِلى مالا نهاية. / لو علمت المخلوقات كيف كان بدء الخلقة لَمَا وقع الخلاف والإِختلاف بينهم/ / الطَّائفة الرَّابعة عشرة ، ويُمثِّلها : / بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «يهلك أَصحاب الكلام ، وينجو المُسَلِّمون ؛ إِنَّ المُسَلِّمين هم النجباء ، يقولون : هذا ينقاد ، وهذا لا ينقاد. أَمَا واللّٰـه ، لو علموا كيف كان أَصل الخلق ما اختلف اثنان»(4). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المصدر نفسه : 345 ـ 346/ح18. إِرشاد القلوب : 215 ـ 216. (2) بحار الأَنوار ، 25 : 24/ح42. (3) المصدر نفسه / ح41. (4) بحار الأَنوار ، 2 : 132/ح23
معارف إِلٰهيَّة : (185) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 185) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة التالية : / لو علمت المخلوقات كيف كان بدء الخلقة لَمَا وقع الخلاف والإِختلاف بينهم/ / الطَّائفة الرَّابعة عشرة ، ويُمثِّلها : / بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «يهلك أَصحاب الكلام ، وينجو المُسَلِّمون ؛ إِنَّ المُسَلِّمين هم النجباء ، يقولون : هذا ينقاد ، وهذا لا ينقاد. أَمَا واللّٰـه ، لو علموا كيف كان أَصل الخلق ما اختلف اثنان»(1). ودلالته قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ أَصحاب علم الكلام ومن جرىٰ على شاكلتهم كالفلاسفة والعرفاء والصُّوفيَّة أَسَّسوا بعقولهم النَّاقصة أُصولاً ، وقالوا : هذا الكلام ينقاد ويستقيم ويجري على أُصولنا ، وهذا الكلام لا ينقاد ولا يستقيم ولا يجري على أُصولنا ، لكنَّهم لو علموا كيفية بدؤ الخليقة وأَنَّ الأَصل فيها أَهل البيت عليهم السلام ـ كما تقدَّم ـ لالتجأوا إِلى علومهم (صلوات اللّٰـه عليهم) ، وما اختلفوا في شيءٍ ، فلجهلهم بأَصل الخلقة وحقيقة أَهل البيت عليهم السلام وما تقدَّم بيانه وما سيأتي (إِنْ شاء اللّٰـه تعالىٰ) يُثبتون بعقولهم أُصولاً باطلة تنشأ منها مُقدِّمات فاسدة ، يبنون عليها علومهم ومعتقداتهم ، لكنَّهم لو كانوا يعلمون كيفيَّة الخلق وأَصله ؛ وكيفيَّة إِفاضة وحصول العلم والمعلومة ، ومركزيَّة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم في تزريقها وبثِّها ونشرها على جملة المخلوقات وفي كافَّة العوالم لَـمَا اختلفوا ولا تنازعوا ، ولم يتعرَّضوا لفهم ما لم يُكلَّفوا بفهمه ، ولا يُحيط به علمهم ، ولِاعترفوا بعجزهم وقصور مداركهم ، ولَـمَا ارتطموا بأُمورٍ عرَّضوا من خلالها أَنفسهم للوقوع في الهلكة ، والنَّاجي مَنْ سلَّم باطنه وظاهره لعلوم أَهل البيت الأَطهار صلوات اللّٰـه عليهم ، ونشب أَظفاره بها بكلِّ ما أُتي من قوَّةٍ ، وأَخذ وتعبَّد والتصق بها التصاق متين ؛ كـ : التصاق عرق الوريد بالبدن ، واللَّحم باللَّحم ، والجلد بالجلد. / وحي القرآن شعاع من بحور وحي حقائق أَهل البيت عليهم السلام / الطَّائفة الخامسة عشرة ، ويُمثِّلها : بيان الإِمام الحسن العسكري عليه السلام : «قد صعدنا ذرىٰ(2) الحقائق بأَقدام النُّبُوَّة والولاية ، ونوَّرنا(3) سبع طبقات أَعلام الفتوىٰ بالهداية ، فنحن ... غيوث الندىٰ ... وروح القدس في جنان الصَّاقورة(4) ذاق من حدائقنا الباكورة ...»(5). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 2 : 132/ح23. (2) الذُّرىٰ : جميع الذُّرْوَة ، وهو : العلو. والمكان المرتفع. وأَعلىٰ الشيء وقمَّته. (3) في نسخة : (ونوَّرنا سبع طبقات النُّبوَّة والهداية). وفي أُخرىٰ : (سبع طبقات أَعلام الفتوة والهداية). (4) في نسخة : (الصَّاغورة). (5) بحار الأَنوار ، 26 : 264 ـ 265/ح50
معارف إِلٰهيَّة : (186) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 186) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الخامسة عشرة : / وحي القرآن شعاع من بحور وحي حقائق أَهل البيت عليهم السلام / الطَّائفة الخامسة عشرة ، ويُمثِّلها : بيان الإِمام الحسن العسكري عليه السلام : «قد صعدنا ذرىٰ(1) الحقائق بأَقدام النُّبُوَّة والولاية ، ونوَّرنا(2) سبع طبقات أَعلام الفتوىٰ بالهداية ، فنحن ... غيوث الندىٰ ... وروح القدس في جنان الصَّاقورة(3) ذاق من حدائقنا الباكورة ...»(4). ودلالته قد اِتَّضحت ؛ فإِنَّه بعدما تقدَّم من أَنَّ حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة هي : وسائط الفيض الإِلٰهيّ الحصريَّة الفاردة، والوسيلة الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة الحصريَّة ، ووجه اللّٰـه ، والسَّبيل والسَّبب والباب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ التَّكويني الحصري والأَدنىٰ بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ وتقدَّس) ، وكافَّة العوالم وسائر المخلوقات غيرالمتناهية ، وتقدَّم أَيضاً : أَنَّ طبقات حقائقهم صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة هي : الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ذاتيَّة كانت أَم فعليَّة ، وتقدَّم كذلك : أَنَّ نفس القرآن الكريم وصف حقيقته ووحيه بصيغة الماضي (أَوحينا) الدَّالَّة على المحدوديَّة والتناهي(5)، ووصف حقيقة ووحي ذات سيِّد الأَنبياء وبالتَّبع سائرأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم في أَكثر من بيانٍ بصيغة المضارع (يوحىٰ) الدَّالَّة على الاستمرار والتجدُّد التأبيدي ، يتَّضح ويتجلَّىٰ هذا البيان الشَّريف أَكثر ، لاسيما عجزه ؛ فإِنَّ المراد من بيان قوله عليه السلام : «وروح القدس» أَي : حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ، والمُعبَّر عنها في بيانات الوحي الأُخرىٰ بـ : (الرُّوح الأَمري) ، وهو شُعْبَة من شُعَب أَرواح أَهل البيت عليهم السلام ، وشريحة صغيرة من أَرواحهم المُقدَّسة ، ومرتبة هذه الرُّوح في السَّمآء الرَّابعة أَو الثَّالثة ـ على اختلاف التَّفاسير ـ ، موجودة في جنَّة أسمها : (الصَّاقورة) على وزن فاعولة، مأخوذة من مادَّة الصغر ؛ هذا بالقياس إِلى جنان وحدائق وحي ومعارف حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الأُخرىٰ الصَّاعدة ، وفي هذه الجنَّة يأخذ روح القدس ـ أَي : حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ـ وحيه ومعارفه من حدائق وبحور حقائق أَهل البيت عليهم السلام الطمطامة غيرالمتناهية ، لكن : كُلّ ذلك الوحي الشَّريف وتلك المعارف الإِلٰهيَّة الَّتي حوتها حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة لم تتعدَّ مقام الذوق ، أَي : شيء قليل جِدّاً بلحاظ ما عند أَهل البيت عليهم السلام من وحيّ غيرمتناهي ، وكميَّة الذوق ونوعيَّته كانت بمقدار الباكورة ، أَي : من ثمار بحور معارف ووحي حقائق أَهل البيت عليهم السلام غيرالمتناهي ؛ لكن في بداية نضوجها ، وهذا دالٌّ على مدىٰ عظمت ما تحويه حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم من وحي ومعارف إِلٰهيَّة. إِذَنْ : حقيقة وحي ومعارف القرآن الكريم وإِنْ كانت بنفسها وبلحاظ ما تحتها غيرمتناهية وعظيمة ومهولة جِدّاً ، لكنَّها إِذا قيست إِلى ما فوقها ؛ أَي: إِلى حقائق وحي ومعارف أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة كانت شعاعاً ضعيفاً ونازلاً من أَشعَّة نور وبحور وحيهم ومعارفهم وحقائقهم صلوات اللّٰـه عليهم الطمطامة المتلاطمة غيرالمتناهية أَبداً وأَزلاً. وهذه قاعدة عظيمة جِدّاً لفهم معضلات أَحوال وشؤون أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم. فالتفت ، وتدبَّر جيِّداً ، واغتنم. / حقائق أَهل البيت عليهم السلام محيطة بظواهر وبواطن جميع ما نزل من وحي السَّمآء/ / الطَّائفة السَّادسة عشرة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله الحاكي لولادة أَمير المؤمنين عليه السلام : «... ولقد هبط حبيبي جبرئيل في وقت ولادة عَلِيّ ، فقال : يا حبيب اللّٰـه ، العليّ الأَعلىٰ يقرء عَلَيكَ السَّلَام ، ويهنئكَ بولادة أَخيكَ عَلِيّ ، ويقول : هذا أَوآن ظهور نبوَّتكَ ، وإِعلان وحيكَ وكشف رسالتكَ ... فقمتُ مبادراً فوجدتُ فاطمة بنت أَسد أُمّ عَلِيّ وقد جاء لها المخاض(6)... فمددتُ يدي اليمنىٰ نحو أُمّه فإِذا أَنَا بِعَلِيٍّ على يدي ، واضعاً يده اليمنىٰ في أُذنه اليمنىٰ ، وهو يؤذِّن ويُقيم بالحنيفيَّة ، ويشهد بوحدانيَّة اللّٰـه عزَّوجلَّ وبرسالاتي ، ثُمَّ انثنىٰ إِلَيَّ وقال : السَّلَام عليكَ يا رسول اللّٰـه ، ثُمَّ قال لي : يا رسول اللّٰـه ، أَقرء؟ قلت: اِقرء ، فوالَّذي نفس مُحمَّد بيده ، لقد ابتدأ بالصحف الَّتي أَنزلها اللّٰـه عزَّوجلَّ على آدم فقام بها ابنه شيث ، فتلاها مِنْ أَوَّل حرفٍ فيها إِلى آخر حرف فيها ، حتَّىٰ لو حضر شيث لأَقَرَّ له أَنَّه أَحفظ له منه ، ثُمَّ تَلَا صحف نوح ، ثُمَّ صحف إِبراهيم ، ثُمَّ قرأ توراة موسىٰ حتَّىٰ لو حضر ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الذُّرىٰ : جميع الذُّرْوَة ، وهو : العلو. والمكان المرتفع. وأَعلىٰ الشيء وقمَّته. (2) في نسخة : (ونوَّرنا سبع طبقات النُّبوَّة والهداية). وفي أُخرىٰ : (سبع طبقات أَعلام الفتوة والهداية). (3) في نسخة : (الصَّاغورة). (4) بحار الأَنوار ، 26 : 264 ـ 265/ح50. (5) هذا بلحاظ طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ، أَمَّا بلحاظ ما تحت حقيقته الصَّاعدة من مخلوقات ، منها : طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام النَّازلة ، فالقرآن الكريم غير محدود وغير متناهي وهو الأَعظم ، فهذه قضيَّة نسبيَّة ، فالتفت. وإِلى كُلِّ هذا أَشارت بيانات الوحي ، منها : بيانات حديث الثقلين. فلاحظ: بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «يا أَيُّها النَّاس ، إِنِّي تارك فيكم الثقلين : الثقل الأَكبر ، والثقل الأَصغر ... قالوا: وما الثقل الأَكبر ؟ وما الثقل الأَصغر ؟ قال: الثقل الأَكبر كتاب الله ... والثقل الأَصغر عترتي أَهل بيتي». بحار الأَنوار ، 23 : 140/ح89. بصائر الدرجات : 122 ـ 123. وهذا البيان الشَّريف مُشير إِلى النَّحو الثَّاني ؛ فإِنَّ طبقات حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة إِذا قيست إِلى طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام النَّازلة كانت هي الأَعظم. أَمَّا إِذا قيست طبقات حقيقته الصَّاعدة إِلى طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة أَيضاً كانت طبقات حقائقهم صلوات اللّٰـه عليهم هي الأَعظم والأَخطر على الإِطلاق. وإِلى هذا تُشير بياناته الأُخرىٰ ، منها : بيانه صلى الله عليه واله : «... وإِنِّي تارك فيكم الثقلين ، أَحدهما أَعظم من الآخر : كتاب اللّٰـه ... وعترتي أَهل بيتي ...». بحار الأَنوار ، 10 : 369/ح18. ولم يُصَرِّح صلى الله عليه واله بتقدُّم أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم للتقيَّة. بل صرَّحَت بذلك بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... فَكُلُّ علمٍ خرج إِلى أَهل السَّماوات والأَرض فمنَّا وعنَّا ...». بحار الأَنوار، 25 : 24/ح41. بتقريب : مُرَكَّب من مُقدِّماتٍ ثلاث : الأُولىٰ : أَنَّ حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ؛ والمُتمثِّلة بـ : (روح القُدس ؛ أَي : الرُّوح الأَمري) من كُمَّل المخلوقات الإِلٰهيَّة الشَّريفة. الثَّانية : أَنَّ وحي القرآن الكريم أَحد العلوم السَّماويَّة. الثَّالثة : أَنَّ جملة ما خرج من علوم إِلٰهيَّة لأَهل السَّماوات والأَرض منهم روح القدس ـ حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ـ لا يكون إِلَّا عن طريق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، فهي منهم وعنهم. ومعناه : أَنَّهم صلوات اللّٰـه عليهم مُعَلِّمُون إِلٰهيُّون. والنتيجة : أَنَّ حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة تلميذ لطبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ومُتَعَلِّم عنها ، فيكونوا صلوات اللّٰـه عليهم هم الأَخطر والأَعظم. (6) في روضة الواعظين : (وقد جاءها المخاض)
معارف إِلٰهيَّة : (187) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 187) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة السَّادسة عشرة : / حقائق أَهل البيت عليهم السلام محيطة بظواهر وبواطن جميع ما نزل من وحي السَّمآء/ / الطَّائفة السَّادسة عشرة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله الحاكي لولادة أَمير المؤمنين عليه السلام : «... ولقد هبط حبيبي جبرئيل في وقت ولادة عَلِيّ ، فقال : يا حبيب اللّٰـه ، العليّ الأَعلىٰ يقرء عَلَيكَ السَّلَام ، ويهنئكَ بولادة أَخيكَ عَلِيّ ، ويقول : هذا أَوآن ظهور نبوَّتكَ ، وإِعلان وحيكَ وكشف رسالتكَ ... فقمتُ مبادراً فوجدتُ فاطمة بنت أَسد أُمّ عَلِيّ وقد جاء لها المخاض(1)... فمددتُ يدي اليمنىٰ نحو أُمّه فإِذا أَنَا بِعَلِيٍّ على يدي ، واضعاً يده اليمنىٰ في أُذنه اليمنىٰ ، وهو يؤذِّن ويُقيم بالحنيفيَّة ، ويشهد بوحدانيَّة اللّٰـه عزَّوجلَّ وبرسالاتي ، ثُمَّ انثنىٰ إِلَيَّ وقال : السَّلَام عليكَ يا رسول اللّٰـه ، ثُمَّ قال لي : يا رسول اللّٰـه ، أَقرء؟ قلت: اِقرء ، فوالَّذي نفس مُحمَّد بيده ، لقد ابتدأ بالصحف الَّتي أَنزلها اللّٰـه عزَّوجلَّ على آدم فقام بها ابنه شيث ، فتلاها مِنْ أَوَّل حرفٍ فيها إِلى آخر حرف فيها ، حتَّىٰ لو حضر شيث لأَقَرَّ له أَنَّه أَحفظ له منه ، ثُمَّ تَلَا صحف نوح ، ثُمَّ صحف إِبراهيم ، ثُمَّ قرأ توراة موسىٰ حتَّىٰ لو حضر موسىٰ لأَقَرَّ له بأَنَّه أحفظ لها منه ، ثُمَّ قرأ زبور داود حتَّىٰ لو حضر داود لأَقَرّ بأَنَّه أحفظ لها منه ، ثُمَّ قرأ إنجيل عيسىٰ حتَّىٰ لو حضر عيسىٰ لأَقر بأَنَّه أَحفظ لها منه ، ثُمَّ قرأ القرآن الَّذي أَنزل اللّٰـه عَلَيَّ مِنْ أَوَّله إلى آخره فوجدته يحفظ كحفظي له السَّاعة من غير أَنْ أَسمع منه آية ؛ ثُمَّ خاطبني وخاطبته بما يُخاطب الأَنبياء الأَوصياء ، ثُمَّ عاد إِلى حال طفوليَّته ، وهكذا أَحد عشر إِماماً من نسله ...»(2). ثانياً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... سلوني ؛ فإنَّ عندي علم الأَوَّلين والآخرين ، أَمَا واللّٰـه لو ثنيت لي وسادة فجلست عليها لأَفتيتُ أَهل التوراة بتوراتهم حتَّىٰ تنطق التَّوراة فتقول : صدق عَلِيٌّ ما كذب ؛ لقد أفتاكم بما أَنزل اللّٰـه فيَّ. وأفتيتُ أَهل الإِنجيل بإنجيلهم حتَّىٰ ينطق الإِنجيل فيقول : صدق عَلِيٌّ ما كذب ، لقد أَفتاكم بما أَنزل اللّٰـه فيَّ. وَأَفتيتُ أَهل القرآن بقرآنهم حتَّىٰ ينطق القرآن فيقول : صدق عَلِيٌّ ما كذب ، لقد أَفتاكم بما أَنزل اللّٰـه فيَّ ... ولولا آية في كتاب اللّٰـه عزَّوجلَّ لأَخبرتكم بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة ، وهي هذه الآية : [يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ] (3)، ثُمَّ قال : سلوني قبل أَنْ تفقدوني ، فوالَّذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة لو سألتموني عن آيةٍ آية في ليلٍ أُنزلت أَو في نهارٍ أُنزلت ، مكِّيِّها ومدنيِّها ، وسفريِّها وحضريِّها ، ناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وتأويلها وتنزيلها لأَخبرتكم ...» (4). ودلالتهما قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّهما مشيران إِلى قوس النزول ؛ فبعد ما كان أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم بطبقات حقائقهم الصَّاعدة ـ وتتبعها طبقات حقائق ذواتهم الشِّريفة المتوسطة والنَّازلة ـ : وسائط الفيض الرُّبوبي الحصريَّة ، والوسيلة الإِلٰهيَّة ، والعلل الإِلٰهيَّة الفاعليَّة ، والسَّبيل والسَّبب والباب والحجاب الإِلٰهيّ ، والرباط الإِلٰهيّ الأَدنىٰ والوحيد بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ جلاله) و كافَّة العوالم وسائر المخلوقات ، وبعدما كانت طبقات حقيقة ذات أَمير المؤمنين عليه السلام الصَّاعدة : رأس هرم تلك الطَّبقات ـ بعد طبقات حقيقة ذات سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ـ كان ما ينزل من ساحة القدس الإِلٰهيَّة إِلى جملة العوالم وكافَّة المخلوقات من بداية الخلقة إِلى ما لا نهاية من فيض : وحي وعلم إِلٰهيّ ، ومعارف إِلٰهيَّة لا يكون إِلَّا عن طريق طبقات حقيقة ذات أَمير المؤمنين عليه السلام باب مدينة العلم والفقه والحكمة ؛ فتكون طبقات حقيقته (صلوات اللّٰـه عليه) النَّازلة في النَّشْأة الأَرضيَّة ، تبعاً لطبقاتها الصَّاعدة والمتوسطة الشِّريفة مُحيطة وعالمة وعارفة بظاهر وباطن جميع ما نزل من وحي سمآء ساحة القدس الإِلٰهيَّة إِلى كُمَّل المخلوقات من أَنبياء ورسل وغيرهم ، أَكثر من دون قياس من إِحاطتهم وعلمهم ومعرفتهم بما نزل وأُوحي إِليهم ، وبرسالاتهم وكُتُبهم وصحفهم السَّماويَّة. فتدبر جيدا . بعد الالتفات : ان للقران الكريم نزولين : دفعي ونجومي ، والثاني بدأ من بداية نزول جبرئيل عليه السلام ، والاول نزول جملة القران الكريم وحقيقته دفعة واحدة في العوالم السابقة ؛ في ليلة القدر على قلب سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله في البيت المعمور عند السماء الرابعة ، ومن قلبه المبارك في هذه المرتبة الى قلب امير المؤمنين وسائر اهل البيت عليهم السلام في تلك المرتبة والعوالم السابقة ، وامير المؤمنين عليه السلام قرأ القران الكريم حين ولادته من هذه المرتبة الصاعدة . وليس باستطاعة جبرئيل عليه السلام ان يكون وسيطا في هذا النزول ، وانما الذي قام به ( الروح الامري ) قبل ولادة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله في هذه النشاة الارضية ؛ وحينما كان في العوالم السابقة نبيا لكل الانبياء ، وهذا ما تشير اليه بيانات الوحي ، منها: بيان قوله تعالى :[وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ]. الشورى : 52 / الإِمام عليه السلام عَالِمٌ قبل المحو بما سيحدث بعده / وينبغي الالتفات : أَنَّه ليس المراد من بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «ولولا آية في كتاب اللّٰـه عزَّوجلَّ لأَخبرتكم بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة ، وهي هذه الآية : [يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ]» أَنَّ أَمير المؤمنين عليه السلام لا يعلم قبل المحو بما سيُثبته اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ عزَّوجلَّ بعد المحو، وإِنَّما مراده صلوات اللّٰـه عليه : ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في روضة الواعظين : (وقد جاءها المخاض). (2) بحار الأَنوار ، 35 : 19 ـ 23/ح15. الروضة : 17 ـ 18. روضة الواعظين : 72 ـ 73. الهداية الكبرىٰ : 124 ـ 127/ح3. وبين هذه المصادر إِختلافات ، لكنَّها غير مُخلَّة بالمعنىٰ. (3) الرعد : 39. (4) بحار الأَنوار ، 10 : 117 ـ 121/ح1. التوحيد : 319 ـ 323. الأَمالي : 205 ـ 208/ المجلس الخامس والخمسون. الاحتجاج : 137
معارف إِلٰهيَّة : (188) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 188) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة السَّادسة عشرة ، ولازال البحث فيها ، وكانت تحت عنوان : (حقائق أَهل البيت عليهم السلام محيطة بظواهر وبواطن جميع ما نزل من وحي السَّمآء) ، وصل الكلام الى العنوان التالي : / الإِمام عليه السلام عَالِمٌ قبل المحو بما سيحدث بعده / وينبغي الالتفات : أَنَّه ليس المراد من بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه ـ المتقدم ـ : «ولولا آية في كتاب اللّٰـه عزَّوجلَّ لأَخبرتكم بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة ، وهي هذه الآية : [يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ] » أَنَّ أَمير المؤمنين عليه السلام لا يعلم قبل المحو بما سيُثبته اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ عزَّوجلَّ بعد المحو، وإِنَّما مراده صلوات اللّٰـه عليه : أَنَّ الحكمة الإِلٰهيَّة اقتضت أَنَّ بعض الأُمور والمعارف والأَحكام الإِلٰهيَّة تجري على هذا النحو ، ولو أَخبرتكم بما سيحصل بعد المحو في مُستقبل الأُمور لبطلت تلك الحكمة الإِلٰهيَّة ، فحفاظاً على تلك الحكمة الإِلٰهيَّة أَنا لا أُخبركم بذلك. والدَّليل : ما تقدَّم من بيانات وحيانيَّة ؛ وأَنَّ طبقات حقائق أَهل البيت عليه السلام الصَّاعدة انعكست فيها جميع صفات وأَسمآء وشؤون الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة إِلَّا الأُولوهيَّة ؛ لخروجها موضوعاً وتخصُّصاً ، ومن تلك الصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة المُنعكسة في حقائقهم عليهم السلام: علمهم بما كان وما سيكون بعد المحو. بل نفس قوله عليه السلام : «ولولا آية في كتاب اللّٰـه عزَّوجلَّ لأَخبرتكم بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة» دالٌّ بوضوح على أَنَّ علم ذلك موجود عنده صلوات اللّٰـه عليه ، لكن الحكمة الإِلٰهيَّة الكاشف عنها بيان قوله تعالىٰ: [يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ] هي المانعة من إِصحاره عليه السلام بما سيثبته الباري ـ المُسَمَّىٰ ـ تقدَّس ذكره بعد المحو. بل كيف وحقيقة (أُمّ الكتاب) هي أَحد طبقات حقيقته وحقائق سائر أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ؛ في عَالَم الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ؛ عَالَم السرمد والأَزل ، والمُعبَّر عنه في بيانات الوحي ـ كهذا البيان الشَّريف ـ بعنوان : (عنده). فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «... هذا كُلّه لآل مُحمَّد لا يشاركهم فيه مُشارك ... فهم ... أُمّ الكتاب وخاتمته ...»(1). 2ـ بيانه صلوات اللّٰـه عليه أَيضاً : «... أَنا أُمّ الكتاب ...»(2). 3ـ بيان زيارته صلوات اللّٰـه عليه : «... السَّلام على من عنده ... أُمّ الكتاب ...»(3). ودلالة الجميع واضحة. إِذَنْ : المانع ليس هو عدم علمه صلوات اللّٰـه عليه بما سيحدث بعد المحو ، وإِنَّما نفس الحكمة الإِلٰهيَّة الكاشف عنها بيان الآية الكريمة. فتأَمَّل جيِّداً. / ما حوته الأَنبياء من كمالات لم يكن إِلاَّ بالتَّوسُّل بأَهل البيت عليهم السلام/ / الطَّائفة السَّابعة عشرة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... والَّذي نفسي بيده ، ما استوجب آدم أَنْ يخلقه اللّٰـه وينفخ فيه من روحه ، وَأَنْ يتوب عليه ؛ ويردَّه إِلى جنَّته إِلَّا بنبوَّتي والولاية لِعَلِيٍّ بعدي ، والَّذي نفسي بيده ، ما أَرىٰ إِبراهيم ملكوت السَّماوات والأَرض ؛ ولا اتَّخذه خليلاً إِلَّا بنبوَّتي والإِقرار لِعَلِيٍّ بعدي ، والَّذي نفسي بيده ، ما كلَّم اللّٰـه موسىٰ تكليماً ؛ ولا أَقام عيسىٰ آية للعالمين إِلَّا بنبوَّتي ومعرفة عَلِيّ بعدي ، والَّذي نفسي بيده ، ما تنبَّأ نبيّ إِلَّا بمعرفتي والإِقرار لنا بالولاية ، ولا استأهل خلق من اللّٰـه النظر إِليه إِلَّا بالعبوديَّة له ؛ والإِقرار لِعَلِيٍّ بعدي ...»(4). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 25 : 169 ـ 174/ح38. (2) مشارق أَنوار اليقين : 165 ـ 166. (3) بحار الأَنوار ، 97 : 302. مصباح الزائر : 75 ـ 77. المزار الكبير : 81 ـ 82. (4) بحار الأَنوار ، 40 : 96 ـ 97/ح116. كتاب سليم بن قيس : 168 ـ 170
معارف إِلٰهيَّة : (189) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 189) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة السَّابعة عشرة : / ما حوته الأَنبياء من كمالات لم يكن إِلاَّ بالتَّوسُّل بأَهل البيت عليهم السلام/ / الطَّائفة السَّابعة عشرة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... والَّذي نفسي بيده ، ما استوجب آدم أَنْ يخلقه اللّٰـه وينفخ فيه من روحه ، وَأَنْ يتوب عليه ؛ ويردَّه إِلى جنَّته إِلَّا بنبوَّتي والولاية لِعَلِيٍّ بعدي ، والَّذي نفسي بيده ، ما أَرىٰ إِبراهيم ملكوت السَّماوات والأَرض ؛ ولا اتَّخذه خليلاً إِلَّا بنبوَّتي والإِقرار لِعَلِيٍّ بعدي ، والَّذي نفسي بيده ، ما كلَّم اللّٰـه موسىٰ تكليماً ؛ ولا أَقام عيسىٰ آية للعالمين إِلَّا بنبوَّتي ومعرفة عَلِيّ بعدي ، والَّذي نفسي بيده ، ما تنبَّأ نبيّ إِلَّا بمعرفتي والإِقرار لنا بالولاية ، ولا استأهل خلق من اللّٰـه النظر إِليه إِلَّا بالعبوديَّة له ؛ والإِقرار لِعَلِيٍّ بعدي ...»(1). ثانياً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام منضمّاً إِليه بيان النَّبيّ صالح والنَّبيّ سليمان عليهما السلام ، عن سلمان قال : «... فقلنا : يا أَمير المؤمنين ، مَنْ هذا الشَّابُّ؟ فقال عليه السلام : صالح النَّبيّ ... فلمَّا نظر إِليه صالح لم يتمالك نفسه حتَّىٰ بكىٰ ، وأَومأ بيده إلى أَمير المؤمنين عليه السلام ، ثُمَّ أَعادها إِلى صدره وهو يبكي ... فقلنا له: ما بكاؤك؟ قال صالح : إِنَّ أَمير المؤمنين عليه السلام كان يمرّ بي عند كلّ غداة فيجلس ، فتزداد عبادتي بنظري إِليه فقطع ذلك مذ عشرة أَيّام فأقلقني ذلك ، فتعجَّبنا من ذلك. فقال عليه السلام : تريدون أَنْ أُريكم سليمان بن داود؟ قلنا : نعم ، فقام ونحن معه حتَّىٰ دخل بستاناً ... وإِذا سرير عليه شابّ ملقىٰ على ظهره ... فنهض قائماً وقال : السَّلام عليك يا أَمير المؤمنين ، ووصي رسول ربّ العالمين، أَنتَ واللّٰـه الصِّدِّيق الأَكبر ، والفاروق الأَعظم ، قد أَفلح مَنْ تمسَّكَ بِكَ ، وقد خاب وخسر من تخلَّف عنكَ ، وإِنِّي سألت اللّٰـه (عزَّوجلَّ) بكم أَهل البيت فأَعطيتُ ذلك المُلك. قال سلمان : فلَمَّا سمعنا(2) كلام سليمان بن داود لم أَتمالك نفسي حتَّىٰ وقعتُ على أقدام أَمير المؤمنين عليه السلام أُقَبِّلها ، وحمدتُ اللّٰـه (عزَّوجلَّ) على جزيل عطآئه بهدايته إِلى ولاية أَهل البيت ... وفعل أَصحابي كما فعلتُ ...»(3). ثالثاً : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «ما نُبِّئ نبيّ قَطُّ إِلَّا بمعرفة حقِّنا ، وبفضلنا على مَنْ سوانا»(4). رابعاً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «ولايتنا ولاية اللّٰـه الَّتي لم يبعث نبيّ قَطُّ إِلَّا بها»(5). ودلالتها قد اِتَّضحت أَيضاً مِمَّا سبق ؛ فإِنَّ أَهل البيت الأَطهار (صلوات اللّٰـه عليهم) لَـمَّا كانوا هم السَّبيل والواسطة والوسيلة الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة الحصريَّة الموصولة لساحة القُدس الإِلٰهيَّة ، فمن أَراد الحبوة والحُظوَة والهبة الإِلٰهيَّة والقرب الإِلٰهيّ كالنُّبوَّة وارتفاع الدرجات والمقامات الإِصطفائيَّة فعليه أَوَّلاً معرفة ذلك السَّبيل ، ومعرفة الواسطة والوسيلة الإِلٰهيَّة الموصلة ثُمَّ الإِلتصاق بها ، سوآء أَكان ذلك المخلوق نبيّاً مرسلاً ، أَم ملكاً مُقرَّباً ، أَم مؤمناً مُمتحناً ، أَم غيرهم. / استمرار الهبة الإِلهيَّة لا يكون إِلاَّ بالتَّوسُّل واتِّباع أَهل البيت عليهم السلام / / الطَّائفة الثَّامنة عشرة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله مخاطباً يهوديّاً : «... يا يهودي ، إِنَّ موسىٰ لو أَدركني ثُمَّ لم يُؤمن بي وبنبوَّتي ما نفعه إِيمانه شيئاً ، ولا نفعته النُّبُوَّة ، يايهودي ، ومن ذرِّيَّتي المهدي إِذا خرج نزل عيسىٰ بن مريم لنصرته ، وقدَّمه وصلَّىٰ خلفه»(6).... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 40 : 96 ـ 97/ح116. كتاب سليم بن قيس : 168 ـ 170. (2) في المصدر : (سمعتُ). (3) بحار الأَنوار ، 27 : 37 ـ 38/ح5. (4) المصدر نفسه ، 26 : 281/ح28. بصائر الدرجات : 51. (5) بحار الأَنوار ، 27 : 136/ح133. أَمالي الشَّيخ : 63. (6) بحار الأَنوار ، 16 : 366/ح72. جامع الأَخبار : 8 ـ 9. الأَمالي : 131 ـ 132
معارف إِلٰهيَّة : (190) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 190) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الثَّامنة عشرة : / استمرار الهبة الإِلهيَّة لا يكون إِلاَّ بالتَّوسُّل واتِّباع أَهل البيت عليهم السلام / / الطَّائفة الثَّامنة عشرة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله مخاطباً يهوديّاً : «... يا يهودي ، إِنَّ موسىٰ لو أَدركني ثُمَّ لم يُؤمن بي وبنبوَّتي ما نفعه إِيمانه شيئاً ، ولا نفعته النُّبُوَّة ، يايهودي ، ومن ذرِّيَّتي المهدي إِذا خرج نزل عيسىٰ بن مريم لنصرته ، وقدَّمه وصلَّىٰ خلفه»(1). ثانياً : بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً : «... فلو كان موسىٰ عليه السلام بين أَظهركم لما حلَّ له إِلَّا أَنْ يتَّبعني»(2). ثالثاً : بيان الإِمام الرِّضا عليه السلام : «... أَنا ... كافر بنبوَّة كُلّ عيسىٰ لم يقرَّ بنبوَّة مُحَمَّد صلى الله عليه واله وبكتابه ، ولم يُبشِّر به أُمَّته ...»(3). ودلالتها قد اِتَّضحت أَيضاً ، فإِنَّه بعدما كانت طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة ، وتتبعها طبقات حقائق ذواتهم عليهم السلام المتوسطة والنَّازلة : نظام عَالَم الوجود والإِمكان على الإِطلاق ، وعلل الوجود الفاعليَّة ، ووسائط الفيض الإِلٰهيّ الحصريَّة ، ووجه اللّٰـه ، والوسيلة الإِلٰهيَّة الفاردة ، والسَّبيل والسَّبب والباب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ التَّكوينيّ الأَدنىٰ والوحيد ؛ بين الباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ شأنه) وكافَّة العوالم وسائر المخلوقات ؛ من بداية الخلقة إِلى ما لانهاية ، فلا يتحقَّق استمرار الفيض الإِلٰهيّ والعطايا والكرامات الإِلٰهيَّة إِلَّا بالتَّوسُّل والتَّشَفُّع ؛ وتشبُّث والتصاق المخلوق بكُلِّ ما أُوتي من قوَّةٍ بهذه الطَّبقات الشَّريفة ؛ لاسيما رأس هرمها طبقات حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، سيما إِذا كان المخلوق من كُمَّل المخلوقات ، كسائر أَنبياء أُولي العزم عليهم السلام ؛ فلخطورة عطيَّة نبوَّة أُولي العزم مثلاً اِقتضت الضرورة بذل جهده الجهيد في استمرار فيضها ، ولا يتحقَّق ذلك إِلَّا باتِّباع سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله بجميع طبقات وجوده الشَّريف ، منها : طبقاته صلى الله عليه واله النَّازلة ووجوده المُقدَّس في هذه النَّشْأة الأَرضيَّة واتِّباع نبوَّته ورسالته في هذه النَّشْأَة ، وإِلَّا فلا نفع بما تقدَّم ولا كرامة ، وصار حاله كحال إِبليس ، بل أَضَلّ سبيلاً. وإِلى هذا يشير بيان الحديث القدسي : «... يا مُحَمَّد ... سبقت رحمتي غضبي لَكَ ولذريَّتكَ ، أَنْتَ مُقرَّبي من خلقي ، وَأَنتَ أَميني وحبيبي ورسولي، وعزَّتي وجلالي : لو لقيني جميع خلقي يشكُّون فيكَ طرفة عين ، أَو يبغضون صفوتي من ذرِّيَّتك لأَدخلتهم ناري ولا أُبالي ...»(4). وهذه قضيَّة عقليَّة بديهيَّة قبل أَنْ تكون شرعيَّة. مضافاً : أَنَّه قُرِّرَ في محلِّه : أَنَّ المخلوق كما يحتاج بالضَّرورة إِلى علَّته الفاعليَّة(5) إِبتداءً وإِظهاراً لواقعيَّته ؛ وواقعيَّة الهبة والعطيَّة كالنُّبوَّة والرسالة الإِلٰهيَّة يحتاج إِليها(6) بالضَّرورة أَيضاً في إِستمرار فيض وجوده ؛ ووجود الهبة والعطيَّة واستدامتها ، وإِلَّا فعدم محض ، فتامل جيدا. / عرض ولاية أَهل البيت عليهم السلام على جملة المخلوقات / / الطَّائفة التَّاسعة عشرة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... وانَّ اللّٰـه لم يخلق أَحداً إِلَّا وأَخذ عليه الإِقرار بالوحدانيَّة ، والولاية للذرِّيَّة الزكيَّة ، والبراءة من أَعدائهم ...»(7). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 16 : 366/ح72. جامع الأَخبار : 8 ـ 9. الأَمالي : 131 ـ 132. (2) بحار الأَنوار ، 26 :315 ـ 316/ح78. تفضيل الأَئمَّة (مخطوط). (3) عيون أَخبار الرِّضا × ، 1 : 123/ح1. (4) بحار الأَنوار ، 37 : 321/ح52. كشف اليقين : 89 ـ 91. (5) العلَّة الفاعليَّة الإِلٰهيَّة الصَّاعدة ـ كما تقدَّم ـ هي : طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ، رأس هرمها : طبقات حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله الصَّاعدة. (6) مرجع الضمير : (العلَّة الفاعليَّة) ، وهي طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة. (7) بحار الأَنوار ، 25 : 174/ح38
معارف إِلٰهيَّة : (191) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس ( 191) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة التَّاسعة عشرة : / عرض ولاية أَهل البيت عليهم السلام على جملة المخلوقات / / الطَّائفة التَّاسعة عشرة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... وانَّ اللّٰـه لم يخلق أَحداً إِلَّا وأَخذ عليه الإِقرار بالوحدانيَّة ، والولاية للذرِّيَّة الزكيَّة ، والبراءة من أَعدائهم ...»(1). ثانياً : بيان الإِمام الباقر عليه السلام : «... إِي واللّٰـه ، وما مِنْ نَبِيٍّ ولا ملك إِلَّا وكان يدين بمحبَّتنا»(2). ثالثاً : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... وما خلق اللّٰـه خلقاً إِلَّا وقد عرض ولايتنا عليه ، واحتجَّ بنا عليه ، فمؤمن بنا وكافرٍ وجاحدٍ ؛ حتَّىٰ السَّماوات والأَرض والجبال (الآية)»(3). رابعاً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «... ولم يبعث اللّٰـه نبيّاً ولا رسولاً إِلَّا وأَخذ عليه الميثاق لمُحمَّد صلى الله عليه واله بالنُّبُوَّة ، ولِعَلِيٍّ بالإِمامة»(4). خامساً : بيان الإِمام أَبي الحسن عليه السلام : «ولاية عَلِيّ مكتوبة في جميع صحف الأَنبياء ، ولن يبعث اللّٰـه نبيّاً إِلَّا بنبوَّة مُحمَّد ووصيّه عَلِيّ صلوات اللّٰـه عليهما»(5). ودلالتها قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّه بعدما كانت طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة وتتبعها طبقات ذواتهم المتوسطة والنَّازلة : نظام عَالَم الخِلقة والوجود والإِمكان على الإِطلاق ، ووسائط الفيض الإِلٰهيّ الوحيدة في قوس النزول ، ووجه اللّٰـه ، والوسيلة الإِلٰهيَّة الفاردة ، والسَّبيل والسَّبب والباب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ الأَدنىٰ والحصري في قوس الصعود والنزول بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (تعالىٰ ذكره) ، وجملة العوالم وجميع المخلوقات ، ولخطورة مُحوريَّتهم صلوات اللّٰـه عليهم في نظام عَالَم الخلقة والوجود والإِمكان ، ولعظم دورهم عليهم السلام في إِدارة شؤون عَالَم المُلك ظاهره وباطنه : كان على مَنْ يُوالي اللّٰـه (علا ذكره) ؛ ويبغي سلوك الجادَّة الواضحة الَّتي لا تخرج إِلى عوجٍ ، ولا تزيل عن منهج الحقِّ ، ويُريد أَنْ ينبثق له نور الحقيقة ، ويتجلَّىٰ عنه ظلام الجهل : لصق وجوده وكيانه ؛ ونشب أَظفاره بجميع مراتبه وطبقات وجوده وحقيقته بجميع مراتبهم (صلوات اللّٰـه عليهم) وطبقات ما يمكن منها ، والتَّديُّن بمحبَّتهم ومودَّتهم ، والبراءة من أَعدائهم المشار إِليها في بيانات الوحي الوافرة الباهرة ، منها : بيان قوله تبارك وتعالىٰ : [قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] (6) اِقتضىٰ العدل الإِلٰهيّ : إِقامة الحُجَّة في بداية الخلقة في عَالَم الذَّرِّ والميثاق على طُرِّ العوالم وسائر المخلوقات ، منهم : سائر الأَنبياء والمرسلين وجملة الملائكة منهم المُقرَّبين ، والسَّماوات والأَرضين والحجر والمدر ؛ من خلال تعريفها بـ : الصراط المستقيم ـ طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ـ الموصل لساحة القدس الإِلٰهيَّة ، والكاشف عن وحدانيَّة وواحديَّة الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، ووحدانيَّة وواحديَّة صفاته وأَسمائه وأَفعاله (جلَّ جلاله). وحيث إِنَّ سلوك الصراط الإِلٰهيّ يحتاج إِلى وسيلة إِلٰهيَّة أَيضاً ؛ وآلة موصلة اقتضىٰ العدل الإِلٰهيّ أَيضاً : تعريفها بتلك الوسيلة وهي طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام أَيضاً ، الموصلة لساحة القدس الإِلٰهيَّة ، والَّتي يجب الإِلتصاق والتَّشفع بها ، وبعدها طُلب منها المحبَّة والمودَّة ؛ واتِّباع أَصحاب تلك الطَّبقات صلوات اللّٰـه عليهم ؛ وموالاتهم والبراءة من أَعدائهم ، وأُخذت عليهم البيعة بذلك والعهود والمواثيق المُغلَّظة. وهكذا اقتضىٰ العدل الإِلٰهيّ وإِقامة للحُجَّة أَيضاً على المخلوقات : درجها وكتابتها في صحف الأَنبياء والمرسلين ، ولم يُبعث نبيّ ولا رسول ـ بعدما كانت من أَساسيَّات أُصول الدِّين ـ إِلَّا بنبوَّة سيِّد الأَنبياء ووصاية أَمير المؤمنين (صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آلهما) ، فَمَنْ وفىٰ ببيعته وعهده وميثاقه ـ وهم شيعة أَهل البيت عليهم السلام ، من طُرِّ العوالم وجملة المخلوقات ، منهم : كافَّة الأَنبياء والمرسلين وسائر الملائكة ـ وآمن وسلَّم لهم (صلوات اللّٰـه عليهم) حتَّىٰ لقي الرحمٰن (جلَّ وعلا) : كَسَبَ رضاه (تقدَّس ذكره) ، وورث الجنان خالداً فيها ونعم المصير ، ومَنْ نكل وكفر وأَشرك وجحد وأَلحد ولم يفِ ببيعته وعهده وميثاقه المأخوذ عليه في عَالَم الذَّرِّ والميثاق ـ كـ : إِبليس وجنده ـ ولم يؤمن بهم (صلوات اللّٰـه عليهم) ؛ ولم يُسَلِّم لهم وصدَّ عنهم وتكبَّر وتعالىٰ عليهم فعليه غضب الجبَّار (عظمت آلاؤه) ، وورث جهنَّم خالداً فيها وبئس المصير. / بأَهل البيت عليهم السلام بدء الوجود وبهم يُختم / / الطَّائفة العشرون ، ويُمثِّلها : / 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... بنا فتح اللّٰـه ، وبنا يختم ...»(7). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 25 : 174/ح38. (2) المصدر نفسه ، 14 : 371/ح10. (3) المصدر نفسه ، 47 : 46/ح7. السرائر : 473. (4) بحار الأَنوار ، 24 : 352/ح70. كنز الفوائد : 53 ـ 54. (5) بحار الأَنوار ، 26 : 280/ح24. بصائر الدرجات : 21. (6) الشورىٰ : 23. (7) بحار الأَنوار ، 32 : 297 ـ 298/ح257. أَمالي المفيد : 177. أَمالي الطوسي : 1 : 62
معارف إِلٰهيَّة : (192) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (192) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة العشرون : / بأَهل البيت عليهم السلام بدء الوجود وبهم يُختم / / الطَّائفة العشرون ، ويُمثِّلها : / 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... بنا فتح اللّٰـه ، وبنا يختم ...»(1). 2ـ بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً ، الوارد في حقِّ أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «... يا عَلِيُّ ، اصطفاك اللّٰـه بأَوَّلها ، وجعلك وليَّ آخرها»(2). ودلالتهما قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّه بعدما كانت طبقات حقائق أَهل البيت الأَطهار صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة ؛ وتتبعها طبقات حقائق ذواتهم المُقدَّسة عليهم السلام المتوسطة والنَّازلة نظام عَالَم الوجود على الإِطلاق ، ووسائط الفيض الرُّبوبي ، ووجه اللّٰـه ، والوسيلة الإِلٰهيَّة ، والسَّبيل والسَّبب والباب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ الأَدنىٰ بين الخالق(3) (تقدَّس ذكره) وسائر العوالم وجملة المخلوقات ، وعلل(4) فاعليَّة مفيضة لطُرِّ الخير(5) ؛ من بداية الخلقة إِلى ما لا نهاية كانت بحقائق أَهل البيت عليهم السلام يُفتح كُلَّ خيرٍ وفعلٍ وهبةٍ إِلٰهيَّةٍ ، وبها يُختم. ومنه تتَّضح : كثير من بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن خثيمة ، قال : «... ونحن وجه اللّٰـه الَّذي يُؤتىٰ منه ، لن نزال في عباده ما دامت للّٰـه فيهم رَوِيَّة ، قلتُ : وما الرَّوِيَّة؟ قال : الحاجة ، فإِذا لم يكن للّٰـه فيهم حاجة رفعنا إِليه فصنع ما أَحَب»(6). 2ـ بيان الإِمام الرِّضا عليه السلام ، عن سليمان بن جعفر الجعفري ، قال : «سألت الرضا عليه السلام فقلتُ : تخلو الارض من حُجَّة ؟ فقال : لَو خَلَت الأَرض طرفة عين من حُجَّةٍ لساخت بأهلها»(7). / لا معنى لخلقة جهنَّم مع الحبّ لأَهل البيت عليهم السلام / / الطَّائفة الحادية والعشرون ، ويُمثِّلها : / بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله في حديث المعراج ، منضمّاً إِليه بيان جبرئيل عليه السلام: «يا عَلِيّ ، إِنَّه لَـمَّا أُسري بي إلى السَّمآء ... لقيني جبرئيل في محفل من الملائكة ، فقال : لو اجتمعت أُمَّتُكَ على حبِّ عَلِيٍّ ما خلق اللّٰـه عزَّوجلَّ النَّار ...»(8). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 32 : 297 ـ 298/ح257. أَمالي المفيد : 177. أَمالي الطوسي : 1 : 62. (2) بحار الأَنوار ، 18 : 216/ح47. (3) المراد من (الخالق) تقدَّست أَسماؤه في المقام المُسَمَّىٰ ، أَي : صاحب الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة، وإِلَّا فاسم (الخالق) مخلوق أَيضاً. (4) هذه العبارة وما بعدها عطف على جملة : (نظام عالم الوجود ...) فتكون العبارة هكذا : (ودلالتهما قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّه بعدما كانت طبقات ... الصَّاعدة ... والمتوسطة والنَّازلة علل فاعليَّة ...). (5) كـ : (الإِحياء) المُتمتِّع بقدرتها النَّازلة الملك إِسرافيل عليه السلام ، و(الإِماتة) المُتمتِّع بقدرتها في طبقاتها النَّازلة أَيضاً الملك عزرائيل وأَعوانه عليهم السلام ، و(الإِيحاء) المُتمتِّع بقدرتها في مراتبها المتوسطة روح القدس (حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة) وبمراتبها النَّازلة الملك جبرئيل عليه السلام ، و(الأَرزاق) المتمتِّع بقدرتها في طبقاتها النَّازلة الملك ميكائيل عليه السلام ، وهلمَّ جرّاً. (6) بحار الأَنوار ، 4 : 7/ح14. (7) المصدر نفسه ، 23 : 29/ح43. عيون الأَخبار : 150 ـ 151. علل الشرائع : 77. إِكمال الدِّين : 118. بصائر الدرجات : 144. (8) بحار الأَنوار ، 18 : 388 ـ 390/ح97. مجالس الشَّيخ : 50 ـ 51
معارف إِلٰهيَّة : (193) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (193) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الحادية والعشرون : / لا معنى لخلقة جهنَّم مع الحبّ لأَهل البيت عليهم السلام / / الطَّائفة الحادية والعشرون ، ويُمثِّلها : / بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله في حديث المعراج ، منضمّاً إِليه بيان جبرئيل عليه السلام: «يا عَلِيّ ، إِنَّه لَـمَّا أُسري بي إلى السَّمآء ... لقيني جبرئيل في محفل من الملائكة ، فقال : لو اجتمعت أُمَّتُكَ على حبِّ عَلِيٍّ ما خلق اللّٰـه عزَّوجلَّ النَّار ...»(1). ودلالته قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ السالك للسبيل والسَّبب والباب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ الأَدنىٰ ، بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ اسمه) وكافَّة العوالم وجميع المخلوقات ، والمُتشبِّث بالوسيلة الإِلٰهيَّة : طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ، رأس هرمها طبقات حقيقة أَمير المؤمنين عليه السلام بعد طبقات حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ؛ وتتبعها طبقات حقائق ذواتهم صلوات اللّٰـه عليهم الشَّريفة المتوسطة والنَّازلة سيطير لا محالة بعنانها ـ يوم تذوب من النفوس أَحداق عيونها ، وتضع الحوامل ما في بطونها ـ ويرتقي أَعلىٰ مدارج الكمال ليصل إِلى ساحة القدس الإِلٰهيَّة ، وينال منزلة لا يرتقيها الحافر ، ولا يوفي عليها الطائر ، ويرث جنَّات تجري من تحتها الأَنهار خالداً فيها ، ومساكن طيَّبة ورضوان من اللّٰـه أَكبر. ومن ثَمَّ لو سلك جملة الخلق هذا المسلك فلا معنىٰ لخلقة النَّار. / الشَّاك بأَمير المؤمنين عليه السلام والمخالف له مشرك وكافر/ / الطَّائفة الثَّانية والعشرون ، ويُمثِّلها : / بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله الوارد في حقِّ أَمير المؤمنين عليه السلام : «المخالف لِعَلِيِّ بعدي كافر ، والشَّاك به مُشرك مغادر ، والمحبّ له مؤمن صادق ، والمبغض له منافق ، والمحارب له مارق ، والرَّاد عليه زاهق ، والمقتفي لأَثره لاحق»(2). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 18 : 388 ـ 390/ح97. مجالس الشَّيخ : 50 ـ 51. (2) بحار الأَنوار ، 27 : 226/ح22. مشارق الأَنوار : 8
معارف إِلٰهيَّة : (194) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (194) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الثَّانية والعشرون : / الشَّاك بأَمير المؤمنين عليه السلام والمخالف له مشرك وكافر / / الطَّائفة الثَّانية والعشرون ، ويُمثِّلها : / بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله الوارد في حقِّ أَمير المؤمنين عليه السلام : «المخالف لِعَلِيِّ بعدي كافر ، والشَّاك به مُشرك مغادر ، والمحبّ له مؤمن صادق ، والمبغض له منافق ، والمحارب له مارق ، والرَّاد عليه زاهق ، والمقتفي لأَثره لاحق»(1). ودلالته قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّه بعدما كانت طبقات حقائق أَهل البيت الأَطهار صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة ، وعلى رأس هرمها طبقات حقيقة أَمير المؤمنين عليه السلام ، بعد طبقات حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، وتتبعها طبقات حقائق ذواتهم صلوات اللّٰـه عليهم المتوسطة والنَّازلة : نظام عَالَم الوجود قاطبة ، والوسيلة الإِلٰهيَّة ، والسَّبيل والسَّبب والباب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ الأَدنىٰ والفارد بين الباريّ ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ قدسه) ، وكافَّة العوالم وكُلّ المخلوقات بقضِّها وقضيضها ؛ فلا يمكن لمخلوق مهما علا شأوه ومقامه ، وارتفعت درجته ومرتبته الوصول لساحة القدس الإِلٰهيَّة من دون سلوك هذه الرابطة والحلقة التكوينيَّة الموصلة ؛ ومن ثَمَّ يكون المحب لهم صلوات اللّٰـه عليهم والمقتفي لآثارهم مؤمن صادق ، ولاحق بهم ، وواصل إِلى الجنان ورضى الرحمٰن ، بخلاف المخالف والمبغض والمحارب لهم ، والشَّاكّ بهم ، والرَّادّ عليهم ؛ فإِنَّه بعدما لم يسلك هذا الصراط التَّكويني الحصري ؛ المجعول من قِبَل يد السَّاحة الإِلٰهيَّة المُقدَّسة ؛ فمِن الطَّبيعي يستحيل عليه ولوج ساحة القدس الإِلٰهيَّة ، وكسب رضى الرحمٰن (تقدَّس ذكره) ، ووراثة الجنان ، وليس له إِلَّا لظى خالداً فيها وبئس المصير ، وكُلّ ما أَتىٰ به من أَعمال وعبادات ومعارف ومعتقدات لا تخرج عن طور الكفر والشرك والنفاق ، والمروق عن الدِّين في مقام توحيد حاكمية اللّٰـه تعالى ، ومقام توحيد تطبيق الأَحكام الإِلٰهيَّة ، ولا يُمَيَّز بين صالحها كصلاته وفاسدها كزناه، فجميعها حطب جهنَّم. فلاحظ : بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام : «سوآء على مَنْ خالف هذا الأَمر صلَّىٰ أَو زنا»(2). 2ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «إِنَّ النَّاصب لنا أَهل البيت لا يبالي صام أَم صلَّىٰ ، زنا أَو سرق ؛ إِنَّه في النَّار إِنَّه في النَّار»(3). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ قد اِتَّضحت. بل قد تكون صلاته وصيامه وحَجَّه وسائر عباداته أَشنع وأَشدُّ جرماً من دون قياس من شناعة وجرم الزِّنىٰ والسَّرقة وسائرالكبائر ، وذلك إِذا كان لمُؤدِّي تلك العبادة جنبة إِعلاميَّة ، كما لو كان مُؤدِّيها عَالِم دين ، أَو من وجهاء القوم ، أَو من وجوه المجتمع ؛ كما لو كان قائداً أَو سياسيّاً معروفاً ؛ بحيث يُعطي بإِدائه لتلك العبادة جنبة إِعلاميَّة ومقبوليَّة وترويج لخطِّه المعرفي والعقائديّ المُنحرف ، لا سيما إِذا اجتمع مع ذلك جنبة المكان أَو الزمان أَو كليهما ، كما لو صلَّىٰ صلاة الجمعة ، وكان إِمام جماعة لفرقة مخالفة أَو مُنحرِفة في الأَماكن المُقدَّسة ؛ كـ : المسجد الحرام ، أَو المسجد النَّبويّ . وهذه العبادة أَضرّ بالدِّين وأَهله من دون قياس مِـمَّن لو ارتكب أَحد الكبائر المُشار إِليها في فقه الفروع . فالتفت ، وتدبَّر جِيِّداً . بل من دون سلوك هذا الصراط المُستقيم ؛ صراط أَهل البيت عليهم السلام ، والجادَّة والمنزلة الوسطىٰ الدَّقيقة الوزن ، والحادَّة اللسان ، والصعبة الترقِّي إِلَّا على المؤمن الحاذق الذكي ، فلا طهارة ؛ ويكون حيُّهم أَعمىٰ نجس ومَيِّتهم في النَّار مُبلس . فانظر : بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... وإِيّاك أَنْ تغتسل من غسالة الحمَّام ، ففيها تجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والنَّاصب لنا أَهل البيت وهو شرّهم ، فإِنَّ اللّٰـه تبارك وتعالىٰ لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب ، وإِنَّ النَّاصب لنا أَهل البيت أَنجس منه»(4). وبالجملة : المخالف لأَمير المؤمنين وسائرأَهل البيت الأَطهار صلوات اللّٰـه عليهم ؛ والشَّاكّ به وبهم ، والمبغض والمحارب له ولهم ، والرَّادُّ عليه وعليهم : كافر ومشرك ومنافق ومارق وزاهق في مقام : (توحيد حاكميَّة اللّٰـه عزَّ ذكره) ومقام : (توحيد تطبيق أَحكامه جلَّ ذكره) ؛ لكونه حاد عن النَّاموس الأَنور ، والسراج والزلفة والكوثر ، نور الأَنوار ، ومحلّ سرّ الأَسرار ، الصراط المستقيم ، والجادَّة الواضحة الَّتي لا تخرج سالكها إِلى عوجٍ ، ولا تزيله عن منهجِ ما حُمِّل في عَالَم الذَّرِّ والميثاق ؛ وهدي إِليه ، فيكون كفر وشرك ونفاق وضلال في مقام توحيد حاكميَّة اللّٰـه (تعالىٰ ذكره) ؛ وفي مقام توحيد تطبيق أَحكامه (تقدَّس ذكره) ، ومُحرِّم ومانع على نفسه من الوصول إِلى ساحة القدس الإِلٰهيَّة ورضى الرحمٰن ، والتَّنعُّم بالجنان ، ومردي بنفسه في غياهب مسالك خُطْل ، تورث سالكها غضب الجبَّار (علا ذكره) ، وتورده جهنَّم خالداً فيها وبئس المصير. بخلاف المقتفي لأَثره وسائرأَهل البيت الأَطهار عليهم السلام ، فإِنَّه مُوحِّد وسالك الصراط المُستقيم ، والسَّبيل والسَّلسبيل ، والنهج القويم ، والدَّليل إِذا عميت المهالك، ومؤمن صادق ولاحق برضىٰ الرحمٰن ، وواصل من دون ريب وارتياب لساحة القدس الإِلٰهيَّة ، والنَّعيم الَّذي لا يبيد أَبداً. / أَهل البيت عليهم السلام تُطيعهم وتواليهم جملة المخلوقات وفي كُلِّ العوالم / / الطَّائفة الثَّالثة والعشرون ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... ويطيعنا كُلّ شيءٍ حتّىٰ السَّماوات والأَرض ، والشَّمس والقمر والنجوم ، والجبال والشَّجر والدواب والبحار ، والجنَّة والنَّار ... ومع كلّ هذا نأكل ونشرب ونمشي في الأَسواق ...»(5). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 27 : 226/ح22. مشارق الأَنوار : 8 . (2) بحار الأَنوار ، 27 : 235/ح50. ثواب الأَعمال : 203. (3) المصدر نفسه/ح51. ثواب الأَعمال : 203. (4) بحار الأَنوار ، 78 : 47/ح14. علل الشرائع ، 1 : 276. الكافي ، 6 : 508. (5) بحار الأَنوار ، 26 : 7/ح1
معارف إِلٰهيَّة : (195) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (195) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الثَّالثة والعشرون : / أَهل البيت عليهم السلام تُطيعهم وتواليهم جملة المخلوقات وفي كُلِّ العوالم / / الطَّائفة الثَّالثة والعشرون ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... ويطيعنا كُلّ شيءٍ حتّىٰ السَّماوات والأَرض ، والشَّمس والقمر والنجوم ، والجبال والشَّجر والدواب والبحار ، والجنَّة والنَّار ... ومع كلّ هذا نأكل ونشرب ونمشي في الأَسواق ...»(1). ثانياً : بيان الإِمام الباقر عليه السلام ، عن أَبي حمزة ، قال : «قال له رجل : كيف سُمِّيت الجمعة ؟ قال: إِنَّ اللّٰـه عزَّوجلَّ جمع فيها خلقه لولاية مُحمَّد صلى الله عليه واله ووصيِّه في الميثاق ، فسمَّاه يوم الجمعة ؛ لجمعه فيه خلقه»(2). ثالثاً : بيان إِمضاء الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن وهب بن منبّه ، قال : «إِنَّ موسىٰ عليه السلام نظر ليلة الخطاب إلى كلِّ شجرةٍ في الطُّور ، وكلّ حجرٍ ونباتٍ ينطق بذكر مُحمَّد واثني عشر وصيّاً له من بعده ، فقال موسىٰ : إِلٰهيّ ، لا أَرىٰ شيئاً خلقته إِلَّا وهو ناطق بذكر مُحمَّد وأوصيائه الاثني عشر ، فما منزلة هؤلاء عندك ؟ قال : يابن عمران ، إِنِّي خلقتهم قبل أَنْ أخلق الأَنوار ، خلقتهم في خزانة قدسي ، ترتع في رياض مشيِّتي ، وتتنسَّم من روح جبروتي ، وتشاهد أَقطار ملكوتي حتَّىٰ إِذا شئتُ بمشيَّتي أَنفذتُ قضائي وقدري ، يابن عمران ، إِنِّي سبَّقت بهم السِّبَّاق حتَّىٰ أُزحزح بهم جناني ، يابن عمران ، تمسَّك بذكرهم ؛ فإِنَّهم خزنة علمي ، وعيبة حكمتي ، ومعدن نوري. قال حسين بن علوان : فذكرتُ ذلك لجعفر بن محمَّد عليه السلام فقال : حَقٌّ ذلك ...»(3). رابعاً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «... والَّذي نفسي بيده ، لملائكة اللّٰـه في السَّماوات أَكثر من عدد التراب (في الأَرض) ، وما في السَّمآء موضع قدم إِلَّا وفيها ملك (يُسبح للّٰـه ويُقدِّسه) ، ولا في الأَرض شجرة ولا مِثْل غرزة إِلَّا وفيها ملك موكّل بها ؛ يأتي اللّٰـه كلّ يومٍ بعملها(4) ـ واللّٰـه أعلم بها ـ وما منهم أحد إِلَّا ويتقرَّب إِلى اللّٰـه في كُلِّ يومٍ بولايتنا أَهل البيت ، ويستغفر لمحبّينا ، ويلعن أَعدائنا ، ويسأل اللّٰـه أَنْ يُرسل عليهم العذاب إِرسالاً»(5). خامساً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «... علم عَالِم المدينة ... يسير في ساعة من النهار مسيرة الشَّمس سنة حتَّىٰ يقطع اثنىٰ عشر أَلف عَالَم مثل عَالمَكم هذا ، وما يعلمون أَنَّ اللّٰـه خلق آدم ولا إبليس ، قال : فيعرفونكم ؟ قال : نعم ، وما افترض عليهم إِلَّا ولايتنا ، والبراءة مِنْ عدونا»(6). سادساً : بيان زيارة أَهل البيت عليه السلام : «... يا آل رسول اللّٰـه ... يتقرَّب أَهل السَّمآء بحبِّكم ، وبالبراءة من أَعدائكم ، وتواتر البكاء على مصابكم ، والإِستغفار لشيعتكم ومحبّيكم ...»(7). ودلالتها قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ الثَّابت في البراهين الوحيانيَّة والعقليَّة : أَنَّ جملة المخلوقات طائعة ومُسلِّمة ومتوجهة للّٰـه (تعالىٰ ذكره) تكويناً ، شعرت بذلك المخلوقات أَم لا. فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان قوله تبارك وتعالىٰ : [أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا ] (8). 2ـ بيان قوله جلَّ قوله : [ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ] (9). وحيث إِنَّ أَهل البيت عليهم السلام هم الوسيلة والواسطة الإِلٰهيَّة الحصريَّة بينه (جلَّ شأنه) وسائر العوالم وجملة المخلوقات ، ولا يمكن وصول مخلوق أَو شأن من شؤونه وأَعماله وعباداته قَطُّ إِلى ساحة القدس الإِلٰهيَّة إِلَّا من خلال إِطاعتهم عليهم السلام والتَّشَبُّث بهم تكويناً ، وقد ثبت ـ فيما تقدَّم ـ : أَنَّ جملة المخلوقات طائعة ومتوجهة وساجدة وذاكرة ومسبحة دائماً للّٰـه تكويناً ، فتكون جميعها طائعة تكويناً لأَهل البيت عليهم السلام ومتوجهة وساجدة وذاكرة ومسبحة لهم صلوات الله عليهم بالتَّبع ، شعرت بذلك المخلوقات أَم لا. مضافاً : أَنَّه ثبت في الأَبحاث السَّابقة : أَنَّ طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة بعدما كانت حقيقتها فانية في حكاية الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة انعكست فيها جميع شؤون وصفات وأَسمآء الذَّات المُقدَّسة إِلَّا الأُلوهيَّة ، ومن شؤون الذَّات المُقدَّسة : أَنَّه أَسلم للّٰـه ما في السَّماوات والأَرض كذلك يكون شأن طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة. / عدم إِطاعة أَهل البيت عليهم السلام ومخالفتهم جاهلية أُولى/ / العبادة من دون التَّوسُّل بأَهل البيت عليهم السلام شرك وكفر جليّ أَو خفي/ / الطَّائفة الرَّابعة والعشرون ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان الإِمام الباقر عليه السلام ، عن الفضيل بن يسار ، قال : «نظر إِلى النَّاس يطوفون حول الكعبة فقال : هكذا كانوا يطوفون في الجاهليَّة ، إِنَّما أُمروا أَنْ يطوفوا ثُمَّ ينفروا إِلينا ، فيعلمونا ولايتهم ، ويعرضون علينا نصرهم ...»(10) . ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 26 : 7/ح1. (2) المصدر نفسه ، 55 : 370. الكافي ، 3 : 415. (3) بحار الأَنوار ، 26 : 308 ـ 309/ح73. المحتضر : 151. (4) خ . ل : (بعلمها). (5) بصائر الدرجات ، 1 : 152 ـ 153/ح283 ـ 9. تفسير القمي ، 2 : 255. (6) بصائر الدرجات ، 2 : 270/ح1433 ـ 16. الاختصاص : 319. (7) بحار الأَنوار ، 99 : 164. (8) آل عمران : 83. (9) التغابن : 1. (10) بحار الأَنوار ، 65 : 87/ح12. تفسير العياشي ، 2 : 234
معارف إِلٰهيَّة : (196) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (196) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الرَّابعة والعشرون : / عدم إِطاعة أَهل البيت عليهم السلام ومخالفتهم جاهلية أُولى/ / العبادة من دون التَّوسُّل بأَهل البيت عليهم السلام شرك وكفر جليّ أَو خفي/ / الطَّائفة الرَّابعة والعشرون ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان الإِمام الباقر عليه السلام ، عن الفضيل بن يسار ، قال : «نظر إِلى النَّاس يطوفون حول الكعبة فقال : هكذا كانوا يطوفون في الجاهليَّة ، إِنَّما أُمروا أَنْ يطوفوا ثُمَّ ينفروا إِلينا ، فيعلمونا ولايتهم ، ويعرضون علينا نصرهم ...»(1) . ثانياً : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن عبد الرحمٰن بن كثير ، قال : «حججتُ مع أَبي عبداللّٰـه عليه السلام ؛ فلَمَّا صرنا في بعض الطَّريق صعد على جبلٍ ؛ فأشرف فنظر إِلى النَّاس ، فقال : ما أَكثر الضَّجيج وَأَقلّ الحجيج ؟ فقال له داود الرقِّيّ : يابن رسول اللّٰـه ، هل يستجيب اللّٰـه دعاء هذا الجمع الَّذي أَرىٰ؟ قال : ويحكَ يابا(2) سليمان ! إِنَّ اللّٰـه لا يغفر أَنْ يُشْرَكُ به ، إِنَّ الجاحد لولاية عَلِيّ عليه السلام كعابد وثن ...»(3). ودلالتهما قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّه بعدما تقدَّم بيان مدىٰ قرب والتصاق طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسُّطة والنَّازلة بالحضرة الرُّبوبيَّة ؛ تكون العبادة وسائر أَعمال المخلوقات وشؤونها من دون توسُّط أَهل البيت عليهم السلام : عبادة أَوثان ، وكفر وشرك وإِلحاد باللّٰـه تعالىٰ ، وحيادة عنه جلَّ قدسه في مقام الولاية والحاكميَّة الإِلٰهيَّة ، ومقام تطبيق الأَحكام الإِلٰهيَّة ، كـ : كفرالجاهليَّة الأُولىٰ وشركها وإِلحادها وحيادتها عن ساحة القدس الإِلٰهيَّة . / طهارة المخلوق وقبول أَعماله لا تكون إِلاَّ بولاية أَهل البيت عليهم السلام / / رفع الأَعمال لا يكون إِلاَّ بولاية أَهل البيت عليهم السلام / / الطَّائفة الخامسة والعشرون ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... أَوَ لَا أُنَبِئكم بِأَسوأ حالاً من هذا ؟ قالوا : بلىٰ يا رسول الله . قال : رَجُلٌّ حضر الجهاد في سبيل اللّٰـه ، فَقُتل مُقْبِلاً غير مُدْبِر ، والحور العين يطلَّعن إِليه ، وخزَّان الجنان يتطلَّعون ورود روحه عليهم ، وَأَملاك الأَرض يتطلَّعون نزول حور العين إِليه ، والملائكة وخزَّان الجنان فلا يأتونه ، فتقول ملائكة الأَرض حوالي ذلك المقتول : ما بال الحور العين لا ينزلن إِليه ؟ وما بال خزَّان الجنان لا يردون عليه ؟ فَيُنادون من فوق السَّماء السَّابعة : ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 65 : 87/ح12. تفسير العياشي ، 2 : 234. (2) خ . ل : (يا أَبا). (3) بصائر الدرجات ، 2 : 190 ـ 191/ح 1285ـ 15. الاختصاص : 303
معارف إِلٰهيَّة : (197) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (197) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة التالية : / طهارة المخلوق وقبول أَعماله لا تكون إِلاَّ بولاية أَهل البيت عليهم السلام / / رفع الأَعمال لا يكون إِلاَّ بولاية أَهل البيت عليهم السلام / / الطَّائفة الخامسة والعشرون ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... أَوَ لَا أُنَبِئكم بِأَسوأ حالاً من هذا ؟ قالوا : بلىٰ يا رسول الله. قال : رَجُلٌّ حضر الجهاد في سبيل اللّٰـه ، فَقُتل مُقْبِلاً غير مُدْبِر ، والحور العين يطلَّعن إِليه ، وخزَّان الجنان يتطلَّعون ورود روحه عليهم ، وَأَملاك الأَرض يتطلَّعون نزول حور العين إِليه ، والملائكة وخزَّان الجنان فلا يأتونه ، فتقول ملائكة الأَرض حوالي ذلك المقتول : ما بال الحور العين لا ينزلن إِليه ؟ وما بال خزَّان الجنان لا يردون عليه ؟ فَيُنادون من فوق السَّماء السَّابعة : يَا أَيَّتُها الملائكة ، انظروا إِلى آفاق السَّماء ودوينها ، فينطرون فإذا توحيد هذا العبد وإِيمانه برسول اللّٰـه صلى الله عليه واله ؛ وصلاته وزكاته وصدقته وأَعمال برّه كُلّها محبوسات دوين السَّمآء قد طبقت آفاق السَّمآء كلّها كالقافلة العظيمة ، قد ملأت ما بين أَقصى المشارق والمغارب ومهاب الشمال والجنوب ، تُنادي أَملاك تلك الأَثقال الحاملون لها الواردون بها : ما بالنا لا تفتح لنا أَبواب السَّمآء لندخل إِليها بأَعمال هذا الشَّهيد ، فيأمر اللّٰـه بفتح أَبواب السَّمآء فتفتح ، ثُمَّ يُنادي : يا هؤلاء الملائكة ، أدخلوها إِنْ قدرتم ، فلا تقلهم أَجنحتهم ولا يقدرون على الإِرتفاع بتلك الأَعمال ، فيقولون : يا ربّنا ، لا نقدر على الإِرتفاع بهذه الأَعمال ، فيناديهم منادي ربّنا عزَّوجلَّ : يا أَيُّها الملائكة ، لستم حُمَّال هذه الأَثقال الصَّاعدين بها ، إِنَّ حملتها الصَّاعدين بها مطاياها الَّتي ترفعها إِلى دوين العرش ، ثُمَّ تقرُّها في درجات الجنان. فيقول الملائكة : يا ربّنا ، ما مطاياها ؟ فيقول اللّٰـه تعالىٰ : وما الَّذي حملتم من عنده ؟ فيقولون : توحيده لَكَ ، وإِيمانه بنبيِّكَ. فيقول اللّٰـه تعالىٰ : فمطاياها : موالاة عَلِيّ أَخي نبيِّي ، وموالاة الأَئِمَّة الطَّاهرين ، فإِنْ أَتَت فهي الحاملة الرَّافعة ، الواضعة لها في الجنان ، فينظرون فإذا الرَّجُل مع ماله من هذه الأَشياء ليس له موالاة عَلِيّ والطَّيبين من آله ؛ ومعاداة أَعدائهم ، فيقول اللّٰـه تبارك وتعالىٰ للأَملاك الَّذين كانوا حامليها : اعتزلوها والحقوا بمراكزكم من ملكوتي ؛ ليأتيها مَنْ هو أَحقُّ بحملها ووضعها في موضع إِستحقاقها ، فتلحق تلك الأَملاك بمراكزها المجعولة لها ، ثُمَّ يُنادي مُنادي ربّنا عزَّوجلَّ : يا أَيَّتها الزبانية ، تناوليها وحطِّيها إِلى سوآء الجحيم ؛ لأَنَّ صاحبها لم يجعل لها مطايا من موالاة عَلِيّ عليه السلام والطَّيبين من آله ، قال : فتنادي(1) تلك الأَملاك ، ويقلب اللّٰـه تلك الأَثقال أَوزاراً وبلايا على باعثها(2)؛ لما فارقها عن مطاياها من موالاة أَمير المؤمنين عليه السلام ، ونادت تلك الملائكة إِلى مخالفته لِعَلِيّ عليه السلام ، وموالاته لأَعدائه ، فَيُسلِّطها اللّٰـه عزَّوجلَّ وهي في صورة الأُسود على تلك الأَعمال وهي كالغربان والقرقس(3)، فيخرج من أَفواه تلك الأُسود نيران تحرقها ، ولا يبقىٰ له عمل إِلَّا أُحبط ، ويبقىٰ عليه موالاته لأَعداء عَلِيّ عليه السلام ، وجحده ولايته فيقر ذلك في سوآء الجحيم ...»(4). ثانياً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... فواللّٰـه ، لرَجُلٍ على يقين من ولايتنا أَهل البيت خير مِمَّن له عبادة أَلف سَنة ، ولو أَنَّ عَبداً عَبَدَ اللّٰـه أَلف سَنَة لا يقبل اللّٰـه منه حتَّىٰ يعرف ولايتنا أَهل البيت ، ولو أَنَّ عبداً عَبَدَ اللّٰـه أَلف سنَة ؛ وجاء بعمل اثنين وسبعين نبيّاً ما يقبل اللّٰـه منه حتَّىٰ يعرف ولايتنا أَهل البيت ، وإِلَّا أَكبَّه اللّٰـه على منخريه في نار جهنَّم»(5). ثالثاً : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن المفضَّل ، قال : «... أُخبركَ أَنَّ من عرف أَطاع ... وَمَنْ زَعَمَ أَنَّه يحلِّل الحلال ويحرِّم الحرام بغير معرفة النَّبيّ لم يُحَلِّل للّٰـه حلالاً ، ولم يُحَرِّم له حراماً ، وإِنَّه مَنْ صَلَّىٰ وَزَكَّىٰ وحجَّ واعتمر وفعل ذلك كلّه بغير معرفةِ من افترض اللّٰـه عليه طاعته لم يقبل منه شيئاً من ذلك ، ولم يصلِّ ولم يصم ولم يزكِّ ولم يحجّ ولم يعتمر ، ولم يغتسل من الجنابة ولم يتطَهَّر ، ولم يُحرِّم للّٰـه حراماً ، ولم يحلِّل للّٰـه حلالاً ، وليس له صلاة وإِنْ ركع وسَجَد ، ولا له زكاة وإنْ أَخرج لكلِّ أَربعين درهماً درهماً ، وَمَنْ عرفه وأَخذ عنه أَطَاعَ اللّٰـه ...»(6). ودلالتها قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ من يُريد الوصول لغايةٍ مُعيَّنةٍ فعليه : أَوَّلاً : معرفة الطَّريق الموصل لتلك الغاية. وثانياً : سلوكه بوسيلة موصلة. ومِنْ ثَمَّ مَنْ أَراد الوصول إِلى ساحة القدس الإِلٰهيّ ، وصعود معارفه ومعتقداته وعباداته وأَعماله وقبولها : معرفة الطِّريق والصراط المُستقيم الموصل ، وسلوكه وسيلة موصلة لمبتغاه ، وقد تقدَّم بعض دلائل وبيانات الوحي الطَّاهرة ، وبراهينه الواضحة الباهرة ، وحُجَجِه البالغة المُصرِّحة بـ : أَنَّ أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم هم : الصراط القويم ، والسَّبيل المُستقيم الموصل إِلى النَّعيم المُقيم ، والجادَّة الواضحة الَّتي لا تخرج سالكها إِلى عوجٍ ، ولا تزيله عن منهج الحقّ ، والوسيلة والسفينة المنجية في ظلمات الجهالات ، والمشحونة بذخائر السَّعادات ، والموصلة في سلوك شوارعها إِلى رياض نضرة ، وحدائق خضرة مُزيَّنة بأَزهار كُلّ علمٍ ، وثمار كُلّ حكمةٍ ، وفي طيِّ منازلها طُرقاً مسلوكة معمورة ، موصلة إِلى كلِّ شرفٍ ومنزلةٍ ، فلم يُعثر على حكمةٍ إِلَّا وفيها صفوها ، ولم يظفر بحقيقةٍ إِلَّا وفيها أَصلها. / عرض أَعمال جملة المخلوقات على أَهل البيت عليهم السلام / / الطَّائفة السَّادسة والعشرون ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... وإِنَّ أَعمال الخلق تعرض في كُلِّ يوم عَلَيَّ ثُمَّ تُرْفَع إِلى اللّٰـه عزَّوجلَّ ...»(7). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في نسخة : (فتأتي). (2) في نسخة من المصدر : (على فاعلها). (3) في نسخة : (القرقش). (4) بحار الأَنوار ، 27 : 187 ـ 190/ح46. التفسير المنسوب للإِمام العسكري عليه السلام : 27 ـ 29. (5) بحار الأَنوار ، 27 : 196/ح57. جامع الأَخبار : 207. (6) بحار الأَنوار ، 24 : 293/ح1. بصائر الدرجات : 154 ـ 157. (7) بحار الأَنوار ، 27 : 35/ح5
معارف إِلٰهيَّة : (198) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (198) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة التالية : / عرض أَعمال جملة المخلوقات على أَهل البيت عليهم السلام / / الطَّائفة السَّادسة والعشرون ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... وإِنَّ أَعمال الخلق تعرض في كُلِّ يوم عَلَيَّ ثُمَّ تُرْفَع إِلى اللّٰـه عزَّوجلَّ ...»(1). ثانياً : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن عبد الرحمٰن بن كثير ، قال : «قوله: [وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ] (2) قال : هم الأَئمَّة ، تُعرض عليهم أَعمال العباد كُلّ يومٍ إِلى يوم القيامة»(3). ودلالتهما قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّه بعدما كانت طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة ؛ وتتبعها طبقات حقائق ذواتهم المتوسطة والنَّازلة نظام عَالَم الوجود قاطبة ، والعلل الغائيَّة والفاعليَّة الإِلٰهيَّة ، ووسائط الفيض الإِلٰهيّ ، ووجه اللّٰـه والجهة الإِلٰهيَّة الفاردة الَّتي تتوجَّه من خلالها جملة المخلوقات وفي طُرِّ العوالم ، وتَرفع عباداتها وأَعمالها إِلى ساحة القدس الإِلٰهيَّة وتُقبل وتُؤجر عليها ، والسَّبب والباب والحجاب التَّكويني الإِلٰهيّ الحصري ، والرباط الإِلٰهيّ الأَدنىٰ بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (تبارك اسمه) ، وجميع العوالم وكُلّ المخلوقات ؛ كان من الطَّبيعي : أَنَّ أَعمال الخلائق من بداية الخلقة إِلى ما لا نهاية ؛ في هذه النَّشْأَة وفي غيرها تُعرض على أَهل البيت عليهم السلام بجميع طبقات حقائق ذواتهم الشَّريفة ويطلعون عليها . / أَسرار إِلهيَّة لم يُكلَّف بها إِلاَّ أَهل البيت عليهم السلام / / الطَّائفة السَّابعة والعشرون ، ويُمثِّلها : / بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... وإِنَّ عندنا سرّاً من اللّٰـه ما كلّف به أَحداً غيرنا ...»(4). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 27 : 35/ح5. (2) التوبة : 105. (3) بصائر الدرجات ، 2 : 222 ـ 223/ح1522 ـ 4. (4) بحار الأَنوار ، 2 : 210/ح105
معارف إِلٰهيَّة : (199) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
الدرس (199) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة التالية : / أَسرار إِلهيَّة لم يُكلَّف بها إِلاَّ أَهل البيت عليهم السلام / / الطَّائفة السَّابعة والعشرون والاخيرة ، ويُمثِّلها : / بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... وإِنَّ عندنا سرّاً من اللّٰـه ما كلّف به أَحداً غيرنا ...»(1). ودلالته قد اِتَّضحت أَيضاً ، فإِنَّه بعدما كانت طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة ، وتتبعها طبقات حقائقهم المتوسطة والنَّازلة هي : السَّبب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ الأَدنىٰ والفارد بين الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وجملة العوالم وجميع المخلوقات فمن الطَّبيعي أَيضاً أَنْ يكون عندهم صلوات اللّٰـه عليهم أَسراراً إِلٰهيَّة لم يطَّلع عليها إِلَّا الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، ولم يُكلَّف بها أَحد غيرهم صلوات اللّٰـه عليهم قَطُّ من مطلق المخلوقات وكافَّة العوالم غير المتناهية. وبهذا تنتهي ( بحمد الله تعالى) هذه المسألة ، وبانتهائها تنتهي المسائل الثلاث المتعرضة لجملة من حقائق ومقامات وشؤون أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، التي اردنا التبرك باستعراضه ، وسننتقل (إِنْ شآء الله تعالىٰ) الى المسائل المعرفية التي وعدنا سابقا بالتعرض اليها . وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 2 : 210/ح105
معارف إِلٰهيَّة : (200)
الدرس (200) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين . وردت بيانات وحيانية كثيرة ، دالة ومؤكدة على مدى خطورة وعظيم فائدة طلب العلم ، منها : 1 ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، عن أبي ذر رضي الله عنة ، قال : « قال رسول الله صلى الله علية وآلة : يا أبا ذر ، الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أحب الى الله من قيام ألف ليلة ، يصلى في كل ليلة ألف ركعة ، والجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أحب الى الله من ألف غزوة وقراءة القرآن كلة . قال: يا رسول الله مذاكرة العلم خير من قراءة القرآن كلة ؟ فقال رسول الله صلى الله علية وآلة : يا أبا ذر ، الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أحب الى الله من قراءة القرآن كلة اثنا عشر ألف مرة ، عليكم بمذاكرة العلم ، فأن بالعلم تعرفون الحلال من الحرام . يا أبا ذر ، الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم خير لك من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها ، والنظرالى وجة العالم خير لك من عتق الف رقبة » (1). 2ـ بيان أمير ألمؤمنين صلوات الله علية ، قال : « اذا أرذل الله عبدا حظر علية العلم ». أي: لم يوفقة لتحصيلة . (2) 3ـ بيان أَبي جعفر صلوات الله عليه : «... ففضل إِيمان المؤمن بحمله: [إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ](3) وبتفسيرها على مَنْ ليس مِثْله في الإِيمان بها كفضل الإِنسان على البهائم ...»(4). 4ـ بيان الإِمام الصَّادق صلوات الله عليه : «النَّاس إثنان : عَالِم ومُتعلِّم ، وسائر النَّاس همج ، والهمج في النَّار»(5). والهمج ـ بالتحريك ـ جمع : همجة ، وهي : ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم والحمير وأَعينها. كذا ذكره الجوهري(6). ودلالة الجميع واضحة على عظيم خطر طلب علوم أَهل البيت صلوات الله عليهم ، وعظيم ثمارها ؛ وهول فوائدها ، ومن ثم ورد في بيانات الوحي الاخرى ، منها : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : « إِنَّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم حتى يطأ عليها رضا به »(7). وليس في ذلك اي نحو تجوز ـ كما يفعله البعض ؛ لقصورمعارفه وادراكاته واحكامه المسبقة ـ ؛ فانها الفاظ ومعاني دالة على حقائق تكوينية ، فانه بعدما كانت للملائكة أجسام ولها أجنحة ، ولعظيم خطر معارف الوحي ؛ معارف أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم وعلومهم تقوم الملائكة بفعل ما اخبر عنه بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله من دون اي تجوز وحزازة واشكال ، والفضل والكرامة والمكرمة لعلوم أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ومعارفهم . وليس المقصود مما ذكرناه ترغيب للقارئ ، بل بيان واقع ، وكل مخلوق حر في تصرفاته ومعتقداته ومعارفه . ثُمَّ إِنَّه بانتهاء الدرس المتقدم تنتهي ( بحمد الله تعالى) هذه المسألة ، وبانتهائها تنتهي المسائل الثلاث المتقدمة والمتعرضة لجملة من حقائق ومقامات وشؤون أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، والتي كان الهدف من تقديمها ـ اضافة للتبرك ـ عطش الساحة البشرية للتعرف عليها ، وسننتقل في الدرس اللحق (إِنْ شآء الله تعالىٰ) الى بداية المسائل المعرفية التي وعدنا سابقا بالتعرض اليها . وفق الله المطلعين عليها للتدبر في بحور أسرارها ودررها وجواهرها. وصلى الله على محمد وآلة ألطاهرين . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار ألأنوار ، 1: 203 ـ 204/ ح 21. (2) ألمصدر نفسة : 196/ ح 18. (3) القدر : 1. (4) بحار الأَنوار ، 25 : 74/ح63. كنز الفوائد : 395 ـ 398. (5) بحار الأَنوار ، 1 : 187/ح3. (6) المصدر نفسه. (7) المصدر نفسه ، 1 : 177 / ح47
معارف إِلٰهيَّة : (201) ، مسائل وفوائد و قواعد في معارف الإِماميَّة / المُقدَّمة /
الدرس (201) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين . / المُقدَّمة / الحمدُ لِلّٰـه الـمُمْتَنِع عن الإِدراك بما ابتدع من تصريف الذَّوات ، الخارج بالكبرياء والعظمة من جميع تصرُّف الحالات ، مُحَرَّم على بَوارع ناقبات الفِطَن تحديده ، وعلى عوامق ثاقبات الفِكَر تكييفه ، وعلى غوائص سابحات النَّظر تصويره . والصَّلاة والسَّلام على مُحمَّدٍ عبده ورسوله ، المُخرَج من أَكرم المعادن مَـحْتِداً ، وأَفضل المنابت منبتاً ، من أَمنع ذِرْوَة وأَعزّ أُرُوْمَة ، من الشَّجرة الَّتي صاغ الله منها أَنبياءه ، وانتجب منها أُمناءه ، الطَّيِّبة العود ، المعتدلة العمود ، الباسقة الفروع ، النَّاضِرة الغصون ، اليانعة الثمار ، الكريمة الحشا ، في كرمٍ غُرست ، وفي حرمٍ أُنبتت ، وفيه تشعَّبت وأَثمرت وعزَّت وامتنعت فَسَمَت به وشمخت ، وعلى آله القُبَّة الَّتي طالت أَطنابها ، واتَّسع فناؤها ، مَنْ ضوىٰ إِليهم نجا إِلى الجنَّة ، ومَنْ تخلَّفَ عنهم هوىٰ إِلى النَّار ، معدن الكرم ، وموضع الحِكَم ، وقادة الأُمم إِلى الخير والنَّعيم ، نور الأَنوار ، ومحلّ سرّ الأَسرار ، وعنصر الأَبرار ، ومعلن الأَخيار . واللَّعنة الدَّائمة أَبد الآباد ودهر الدُّهور على أَعدائهم وشانِئيهم وظالميهم ومتابعهيم وغاصبي حقوقهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم، ومناوئي شيعتهم من الأَوَّلين والآخرين. وبعد : فقد كُنتُ ومنذُ مُدَّة وبحمد الله ومَنِّه وكرمه مُشتغلاً بتحرير أَهم المسائل والفوائد والقواعد العقائديَّة والمعرفيَّة والعقليَّة الحديثة ، المُستفاد بعضها من الأَبحاث الدَّائرة في يومنا هذا في أَروقة السَّاحة المعرفيَّة لدىٰ أَتباع مدرسة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم في حوزة النجف الأَشرف ، وبعضها الآخر جهود وتحقيقات خاصَّة ؛ لا سيما جملة القضايا والأَبحاث المُختصَّة بطبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة ، والَّتي لم يُنبس بها قبل هذه المنشورات بنبرة شفةٍ قَطُّ. وكان الهدف من هذا الجهد إِبراز أَهمّ الأَبحاث والتَّحقيقات ـ العلميَّة والعقائديَّة والمعرفيَّة والعقليَّة ـ المُستجدَّة في يومنا هذا ؛ والمُستفادة من بيانات الوحي القطعيَّة ، والمغيَّبة عن عقول أَتباع مدرسة أَهل البيت^ طوال القرون الماضية ، وقد تجمَّعت لديَّ (وبحمد الله) مئات من تلك المسائل والفوائد والقواعد ، أَوقعتها تحت عنوان عام : (المسائل والفوائد والقواعد النَّجفيَّة في معارف الإِماميَّة) ، منتشرة على ستَّة مقاصد ، مشتملة على نيفٍ وستين باباً ومبحثاً عامّاً ، وبالشَّكل التَّالي : المقصد الأَوَّل : قواعد أُصول الفقه في عِلم الكلام . ويُعبَّر عنه أَيضاً بـ: (نظريَّة المعرفة) ، أَو (منطق المعرفة). وفيه : تسعة أَبواب : الباب الأَوَّل : أَعظم ضرورة في العلم ضرورة اختيار نوع المنهج . ويُعبَّر عنه أَيضاً بـ : (ضرورة تمهيد المنهج في البحث العقائدي والمعرفي). الباب الثَّاني : لسان ومصطلحات المعرفة والنظام اللغوي فيها . ويُعبَّر عنه أَيضاً بـ : (نظام القراءات في النَّصِّ الدِّيني). الباب الثَّالث : قواعد في أُصول الحُجِّيَّة والمعرفة العقائديَّة . ويُعبَّر عنه أَيضاً بـ : (قواعد نظميَّة في المعرفة). الباب الرَّابع : الفوارق بين المدارس المعرفيَّة . الباب الخامس : الغلو والتَّقصير. الباب السَّادس : أَدلَّة البحوث المعرفيَّة . الباب السَّابع : وظائف العقل . وفيه : فصلان : الأَوَّل : وظائف مُطلق العقل وحُجِّيَّته واعتباره . الثَّاني : وظائف العقل العملي والعقل النَّظري . الباب الثَّامن : ما يرتبط بالإِدراك والذِّهن . الباب التَّاسع : درجات الحسّ والمعرفة . المقصد الثَّاني : القواعد العامَّة في عَالَم التَّكوينيَّات . ويُعبَّر عنه أَيضاً بـ: (الإِلٰهيَّات بالمعنىٰ الأَعم) . وفيه : أَحد عشر باباً : الباب الأَوَّل : القواعد النظميَّة في معرفة التَّكوينيَّات . الباب الثَّاني : القواعد العامَّة للأَجسام . الباب الثَّالث : تقسيم العوالم . الباب الرَّابع : المُجرَّدات . معنىٰ : (اللَّطيف). الباب الخامس : السَّببيَّة والمُسبَبِيَّة . الباب السَّادس : الإِبداع . الباب السَّابع : المادِّي . الباب الثَّامن : عَالَم الخيال . الباب التَّاسع : الجِسمِيَّة وطبقاتها . (الملائكة) . الباب العاشر : عَالَم الذَّرِّ والميثاق . الباب الحادي عشر : الرُّوح والنَّفس . المقصد الثَّالث : الإِلٰهيَّات بالمعنىٰ الأَخصِّ . وفيه : بابان : الباب الأَوَّل : التَّوحيد . وفيه : ثلاثة فصول : الفصل الأَوَّل : التَّوحيد وأَقسامه . وفيه : ثلاثة أُمور : الأَمر الأَوَّل : إِثبات معرفة الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المقدَّسة . الأَمر الثَّاني : الرؤية . الأَمر الثَّالث : المعرفة بالآيات ومرادفاتها الإِلٰهيَّة العقليَّة ، ونفي التَّجسيم والتَّعطيل . الفصل الثَّاني : الصِّفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة . وفيه : ثلاثة أُمور : الأَمر الأَوَّل : مُطلق الصِّفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة . الأَمر الثَّاني : الصِّفات الإِلٰهيَّة الذَّاتيَّة . الأَمر الثَّالث : الصِّفات الإِلٰهيَّة الفعليَّة . الفصل الثَّالث : الأَفعال الإِلٰهيَّة ؛ (البحوث التفصيليَّة لعَالَم التَّكوين). الباب الثَّاني : العدل الإِلٰهي . وفيه : ثلاثة فصول : الفصل الأَوَّل : القضاء والقدر. الفصل الثَّاني : الأَمر بين الأَمرين . الفصل الثَّالث : البَدَاء . المقصد الرَّابع : النُّبُوَّة . وفيه : تسعة أَبواب : الباب الأَوَّل : النُّبوَّة العامَّة . الباب الثَّاني : النُّبوَّة الخاصَّة لسيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله . الباب الثَّالث : مقامات سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله . الباب الرَّابع : المعراج . الباب الخامس : حقيقة الوحي . الباب السَّادس : أَقسام الحُجَج . الباب السَّابع : الدِّين والملَّة والشَّريعة والنِّحْلَة . الباب الثَّامن : الأَديان والملل والنِّحَل . الباب التَّاسع : الكُتُب السَّماويَّة ، وحقيقة القرآن الكريم ؛ ومراتبه وبحوثه المرتبطة بالعقائد . المقصد الخامس : الإِمامة . وفيه : ثلاثة عشر باباً : الباب الأَوَّل : الإِمامة والولاية الإِلٰهيَّة . الباب الثَّاني : مقامات وشؤون وأَحوال أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم . الباب الثَّالث : مقامات وشؤون وأَحوال أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه . الباب الرَّابع : مقامات وشؤون وأَحوال وحُجِّيَّة فاطمة الزهراء صلوات اللّٰـه عليها . الباب الخامس : مقامات وشؤون وأَحوال سيِّدا شباب أَهل الـجنَّة صلوات اللّٰـه عليهما . الباب السَّادس : مقامات وشؤون وأَحوال الإِمام زين العابدين والباقر والصَّادق صلوات اللّٰـه عليهم . الباب السَّابع : مقامات وشؤون وأَحوال الإِمام الكاظم والرِّضا والجواد صلوات اللّٰـه عليهم . الباب الثَّامن : مقامات وشؤون وأَحوال الإِمامين العسكريين صلوات اللّٰـه عليهما . الباب التَّاسع : مقامات وشؤون وأَحوال الإِمام المهدي عجل الله تعالى فرجه . الباب العاشر : الدَّائرة الاِصْطِفائيَّة، والقواعد العامَّة في الاصطفاء . الباب الحادي عشر: أَفراد الدائرة الاصطفائيَّة الثانيَّة . الباب الثَّاني عشر : مصحف فاطمة صلوات اللّٰـه عليها . الباب الثَّالث عشر : المذاهب ، والوحدة ، والتَّقريب . المقصد السَّادس : المعاد . وفيه : تسعة أَبواب : الباب الأَوَّل : القضاء والقدر ؛ (الآجال والأَرزاق). الباب الثَّاني : عَالَم الموت . الباب الثَّالث : عَالَم البرزخ . الباب الرَّابع : عَالَم الرَّجعة ؛ (آخرة عَالَم الدُّنيا). الباب الخامس : عَالَم القيامة . الباب السَّادس : الميزان والحساب . الباب السَّابع : الشفاعة . الباب الثَّامن : الجنَّة والنَّار. الباب التَّاسع : ما بعد الجنَّة والنَّار. / خاتمة / / تنبيهات: / وفي الختام يجدر صرف النَّظر إِلى التنبيهات التَّالية : / التنبيه الأَوَّل:/ / بيان واقع/ إِنَّ السَّاحة العلميَّة والمعرفيَّة لدىٰ أَتباع مدرسة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، بل البشريَّة ستشهد (إِنْ شآء الله تعالىٰ) على اِثرِ هذه الجهود والمسائل طفرة نوعيَّة ـ علميَّة وعقائديَّة ومَعرفيَّة وعقليَّة ـ لم تُشْهَد من قبل قَطُّ ،... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار
معارف إِلٰهيَّة : (202) ، مسائل وفوائد و قواعد في معارف الإِماميَّة / المُقدَّمة / تنبيهات /
الدرس (202) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، لازال الكلام في مُقدَّمة (المسائل العقائديَّة والمعرفيَّة ، المستفادة من عقائد و معارف الإِماميَّة ؛عقائد ومعارف مدرسة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ) ، ووصل البحث الى العنوان التالي : / تنبيهات: / وقبل الدخول في صميم البحث ـ ولخطورة وجسامة واهميَّة العلوم والمعارف المصحر بها في هذه المسائل والمطالب العلميَّة والمعرفيَّة ـ لابدَّ من تقديم تنبيهات وفوائد وقواعد علميَّة ومعرفيَّة ؛ تسهيلا لهضم تلك المسائل والمطالب ، والتنبيهات هي : / التنبيه الأَوَّل: / / بيان واقع / إِنَّ السَّاحة العلميَّة والمعرفيَّة لدىٰ أَتباع مدرسة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، بل البشريَّة ستشهد (إِنْ شآء الله تعالىٰ) على اِثرِ هذه الجهود والمسائل طفرة نوعيَّة ـ علميَّة وعقائديَّة ومَعرفيَّة وعقليَّة ـ لم تُشْهَد من قبل قَطُّ ، لاسيما الأَبحاث المُتعلِّقة بطبقات حقائق أَهل البيت صلوات الله عليهم الصَّاعدة . وهذا ما لا يخفىٰ على النَّاقد المُنصِف البصير ، بعد مراجعته لأَوَّلها وآخرها ، وتدبَّر في معانيها وحقائقها ، وعمل نظره في ملحمة التَّحليل وسندان التَّعَمُّق ، وغاص في بحر التَّفكير ، فإِنَّه سيجد كم هائل من المعلومات والمعارف والعقائد والحقائق الوحيانيَّة المهولة الخطيرة الَّتي كانت قبل هذا اليوم ومنذُ قرونٍ مُغيَّبة ، ولم يُنبس بها بنَبْرَةِ شفةٍ ، ولم يشمَّ رائحتها قبل هذه المنشورات أَحد قَطُّ. وهذا ليس من باب التَّبَجُّح ، وإِنَّما لبيان واقع ، والتَّحدُّث بنعمة الله وأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، وإِبراز مفخرة وبناء حضاري وعلمي ومعرفي وعقائدي وعقلي حصل في العصر الرَّاهن في جامعة العلم الكبرىٰ ؛ حوزة النجف الأَشرف العلميَّة ، وإِلفات نظر المُتلقِّي ؛ كيما لا يتفاجأ بنوعيَّة وجرأت الطرح المُستفاد من بيانات الوحي القطعيَّة ؛ بالقطع الوحياني والعقلي ، بل واللفظي ، والمُتَّكئة قراءتها ونتائجها على آليَّات علميَّة ومعرفيَّة، منها : التَّرادف بأَنحائه الثلاثة ـ اللَّفظي ، والعقلي (المعنوي) ، والوجودي ـ ، لاسيما التَّرادف العقلي ، والقائمة على وفق المُحكمات والموازين والقواعد والضوابط والمعادلات : الوحيانيَّة والعلميَّة والعقليَّة والمعرفيَّة ، ومن ثَمَّ لا يُقال : لا تقولوا ما لم يقله الأَوائل . نعم ، من لوازم وطبيعة الطفرات العلميَّة والمعرفيَّة لاسيما العقائديَّة حصول الأَخذ والرَّد فيها ، بل قد يحصل الطعن في رجالاتها ، كما حصل ذلك في الأَزمان السَّالفة ، وفي الباقي من الماضي اعتبار. وهذه الجهود المبذولة وإِن لم يُقدَّر عطاؤها في هذا العصر ، بل قد تُسَوَّف وتُقَزَّم وتُحارب ؛ لغايةٍ في نفس يعقوب قضاها ، لكنَّه ستأتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) أَجيال لاحقة ـ بعد أَنْ تنقشع عنها الموانع ؛ كـ : قُصور الفهم والتَّدبُّر، والجهل المُركَّب ، والقناعات المُسبَّقة ، والأَمراض النَّفسيَّة كالشَّكِّ والرِّيبة وما شاكلهما ـ تُقَدِّر هذه الجهود لا محالة . وهذا هو حال كُلّ طفرةٍ علميَّةٍ وعقائديَّةٍ ومعرفيَّةٍ وعقليَّةٍ تحصل في حينها ، فالتفت. / التَّنْبِيه الثَّاني : / / العقائد والمعارف الإِلهيَّة علوم تكوينيَّة / / آليَّات التَّوصُّل إِلى النتائج في أَبواب المعارف آليَّات تكوينيَّة / إِنَّ العقائد والمعارف الإِلٰهيَّة : حقائق تكوينيَّة كونيَّة من أَكوان وعوالم غيبيَّة صاعدة ، ومن ثَمَّ لا ينفع معها إِلَّا البراهين العقليَّة المُستفادة من متون ومضامين بيانات الوحي المعرفيَّة العقليَّة ؛ فلذا لا يوجد في صناعة علم العقائد والمعارف الإِلٰهيَّة إِطلاق وعموم وتقييد وتخصيص بمنفصل ، ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار
معارف إِلٰهيَّة : (203) ، مسائل وفوائد و قواعد في معارف الإِماميَّة / المُقدَّمة / تنبيهات /
الدرس (203) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، لازال الكلام في مُقدَّمة (المسائل العقائديَّة والمعرفيَّة ، المستفادة من عقائد و معارف الإِماميَّة ؛عقائد ومعارف مدرسة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ) ، ووصل البحث بنا الى التَّنْبِيهات ، ولازال الكلام فيها ، ووصلنا ( بحمد الله تعالى) الى : / التَّنْبِيه الثَّاني : / / العقائد والمعارف الإِلهيَّة علوم تكوينيَّة / / آليَّات التَّوصُّل إِلى النتائج في أَبواب المعارف آليَّات تكوينيَّة / إِنَّ العقائد والمعارف الإِلٰهيَّة : حقائق تكوينيَّة كونيَّة من أَكوان وعوالم غيبيَّة صاعدة ، ومن ثَمَّ لا ينفع معها إِلَّا البراهين العقليَّة المُستفادة من متون ومضامين بيانات الوحي المعرفيَّة العقليَّة ؛ فلذا لا يوجد في صناعة علم العقائد والمعارف الإِلٰهيَّة إِطلاق وعموم وتقييد وتخصيص بمنفصل ، وإِلَّا فدليل على بطلان الصَّنعة والنتائج ؛ كحال سائر القواعد والعلوم العقليَّة ، نعم يوجد فيها خروج تخصُّصي ونسبي ومُجمل ومفصَّل ، ومن ثَمَّ وجوه الجمع بين الأَدلَّة المُتعارضة أَو الدِّلالات المُتعارضة في أَبواب المعارف تختلف عن وجوه الجمع في باب فقه الفروع . وعليه : فلا يصحُّ الإِشكال على النتائج المُتحصَّلة منها بآليَّات علم فقه الفروع ؛ كضعف سند الدَّليل ؛ لأَنَّ فقه الفروع علم اعتباري ، وآليَّاته آليَّات اعتباريَّة ؛ فلذا يصحُّ فيه التَّقييد والتَّخصيص. وضعف الطَّريق والسَّنَد واعتباره لا دخالة له في تحصيل البرهان العقلي والوحياني من المتون والمضامين . فالتفت . بل التَّواتر السَّنَدي لا يغني ولا يُسمن من جوعٍ ، ولا ينفع في أَبحاث العقائد ؛ لأَنَّه يُورِث اليقين الحسِّي ؛ وهو في معرض الخطأ ، والمطلوب في أَبحاث العقائد تحصيل اليقين العقلي الَّذي لا يقبل الخطأ ، واستفادة اليقين العقلي لا يُفرَّق فيه بين الدَّليل المتواتر والضَّعيف سنداً ؛ لأَنَّ اليقين العقلي يدور مدار متون ومضامين الأَدلَّة بغضِّ النَّظر عن أَسانيدها ؛ ومن باب ما ورد في بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «لا تنظر إِلى مَنْ قال ، وانظر إِلى ما قال»(1). ويُضاف إِليه : أَنَّ الدَّليل المتواتر سنداً قد يكون متنه ظَنِّيّ الدِّلالة ، فعاد إِلى الظَّنِّ ، وهو لا ينفع في أُسس وأُصول العقائد بالإِجماع . نعم ، إِنْ كان متنه ومضمونه مفيداً لليقين العقلي كان حُجَّةً في أَبواب العقائد وغيرها ، لكنَّه لا لكونه متواتراً سنداً ، بل لكون متنه ومضمونه أَورث القطع العقلي . فتدبَّر جيِّداً. ثُمَّ إِنَّه يجب على مَنْ ليس له باعٌ عقليٌّ في صناعة وأَبحاث العقائد ترك أَبحاث وتحقيقات هذا الباب ، ولا يلجه ولا يتصدَّىٰ له ، وليترك المجال لأَهله. بعد الالتفات : أَنَّ لغة بيانات الوحي المعرفيَّة : لغة عقليَّة وحيانيَّة ، وهي أَعظم من نتاج العقل البشري الأَرضي بما لا يُتَنَاهىٰ. / المُرَاد مِنْ حُجِّيَّة المتن والمضمون / والمراد من حُجِّيَّة المتن ليست حُجِّيَّة الدِّلالة ، وإِنَّما ـ المراد ـ : نفس نظام المعلومات المُودعة في متن الدَّليل ، فيدرس الفقيه أَو الباحث ذلك المتن والمضمون ـ بِغَضِّ النَّظَر عن الدَّليل ودلالته ؛ وصدوره وسنده وجهته ؛ والكتاب الَّذي ورد فيه المتن والمضمون ـ ويعرضه على مُحكمات القرآن الكريم ، ومُحكمات السُّنَّة الشَّريفة القطعيَّة ، ومُحكمات وبديهيَّات العقل ، ومُحكمات وبديهيَّات الوجدان الَّتي لا يختلف عليها وجدان بشر ، ويوزنه مع منظومة معادلات وقواعد الدِّين والشَّريعة ؛ فإِذا أَورث له ذلك العرض : القطع واليقين بمطابقة هذا المتن والمضمون لتلك المُحكمات أخذ به ، وكانت حُجِّيَّة ذلك المتن عقليَّة وحيانيَّة ذاتيَّة . ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كنز العمَّال ، 16 : 197/ح44218
معارف إِلٰهيَّة : (204) ، مسائل وفوائد و قواعد في معارف الإمامِيَّة / المُقدَّمة / تنبيهات /
الدرس (204) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، لازال الكلام في مُقدَّمة (المسائل العقائديَّة والمعرفيَّة ، المستفادة من عقائد و معارف الإمامِيَّة ؛عقائد ومعارف مدرسة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ) ، ووصل البحث بنا الى التَّنْبِيهات ، ولازال الكلام فيها ، ووصلنا ( بحمد الله تعالى) الى التَّنْبِيه الثَّاني ، ولازلنا فيه ، ووصل البحث الى العنوان التالي : / المُرَاد مِنْ حُجِّيَّة المتن والمضمون / والمراد من حُجِّيَّة المتن ليست حُجِّيَّة الدِّلالة ، وإِنَّما ـ المراد ـ : نفس نظام المعلومات المُودعة في متن الدَّليل ، فيدرس الفقيه أَو الباحث ذلك المتن والمضمون ـ بِغَضِّ النَّظَر عن الدَّليل ودلالته ؛ وصدوره وسنده وجهته ؛ والكتاب الَّذي ورد فيه المتن والمضمون ـ ويعرضه على مُحكمات القرآن الكريم ، ومُحكمات السُّنَّة الشَّريفة القطعيَّة ، ومُحكمات وبديهيَّات العقل ، ومُحكمات وبديهيَّات الوجدان الَّتي لا يختلف عليها وجدان بشر ، ويوزنه مع منظومة معادلات وقواعد الدِّين والشَّريعة ؛ فإِذا أَورث له ذلك العرض : القطع واليقين بمطابقة هذا المتن والمضمون لتلك المُحكمات أخذ به ، وكانت حُجِّيَّة ذلك المتن عقليَّة وحيانيَّة ذاتيَّة . ثُمَّ إِنَّ تحصيل حُجِّيَّة المتن والمضمون ليست إِلَّا من شأن الفقهاء المُتضلِّعين في فقه الفروع ، وعلم الكلام ، وعلم العقائد والمعارف الإِلٰهيَّة ، وعلم الأَخلاق والآداب والنِّظام الرُّوحي والأَخلاقي والآدابي الدِّيني ، وعلم التَّفسير ، وعلم السِّيَر ، وغيرها . بخلاف حُجِّيَّة السَّنَد ؛ فإِنَّها يُمكن معرفتها من قِبَلِ عامَّة النَّاس ، وتدور مدار الحافظة ، كما أَشارت إِلى ذلك بيانات الوحي ، أَمَّا حُجِّيَّة المتن والمضمون فتحتاج إِلى حصول مطابقة لمُحكمات وأُصول وأُسس وقواعد ومعادلات الشَّرع والدِّين ، وهذه ليست من اختصاص إِلَّا الفقيه المُتَضلِّع في شَتَّىٰ العلوم الشَّرعيَّة والدِّينيَّة ؛ فحُجِّيَّة المتن والمضمون لا تدور مدار فقاهة الفقيه فحسب ، بل وتضلُّعه في كافَّة العلوم الشَّرعيَّة والدِّينيَّة . إِذَنْ : حُجِّيَّة المتن والمضمون تتطلَّب فقاهة وتضلُّع الفقيه بذلك العلم الَّذي يختصُّ به ذلك المتن والمضمون ؛ فلو لم يكن للفقيه باعٌ بالعلم الَّذي يختصُّ به المتن والمضمون فمن أَين يعرف حُجِّيَّة المتن والمضمون وعدمها. فتأَمَّل. وهذا بحث تصوُّريٌّ وتصديقيٌّ لا يتوقَّف على حُجِّيَّة صدور الخبر وسنده . / التنبيه الثَّالث: / / دين اللّه لا يُصاب بالعقول / إِنَّ العقل بمفرده يتيه في مباحث وأَبواب العقائد والمعارف الإِلٰهيَّة ومباحث وأَبواب فقه الفروع ؛ لكونها خارجة عن حريمه وعَالَمه ومكنته ، فلابُدَّ له من الإِهتداء والإِقتداء ببيانات الوحي ، ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار
معارف إِلٰهيَّة : (205) ، مسائل وفوائد و قواعد في معارف الإِماميَّة / المُقدَّمة / تنبيهات /
الدرس (205) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، لازال الكلام في مُقدَّمة (المسائل العقائديَّة والمعرفيَّة ، المستفادة من عقائد و معارف الإمامِيَّة ؛عقائد ومعارف مدرسة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ) ، ووصل البحث بنا الى التَّنْبِيهات ، ولازال الكلام فيها ، ووصلنا ( بحمد الله تعالى) الى التَّنْبِيه التالي : / التنبيه الثَّالث: / / دين اللّه لا يُصاب بالعقول / إِنَّ العقل بمفرده يتيه في مباحث وأَبواب العقائد والمعارف الإِلٰهيَّة ومباحث وأَبواب فقه الفروع ؛ لكونها خارجة عن حريمه وعَالَمه ومكنته ، فلابُدَّ له من الإِهتداء والإِقتداء ببيانات الوحي ، ونشب أَظفاره بكُلِّ ما أُوتي من قوَّةٍ والالتصاق بها ، بل كُلَّما ارتقت وتصاعدت معاني وحقائق أُصول الدِّين والعقائد والمعارف الإِلٰهيَّة ؛ ومعاني وحقائق الأَخلاق والآداب والسُّنن ؛ والأَعمال والحالات والرِّياضيات الرُّوحيَّة والنَّفسيَّة ؛ ومعاني وحقائق فروع الدِّين كُلَّما ازدادت حاجته أَكثر وأَعظم إِلى هدي بيانات الوحي . / التنبيه الرَّابع : / / المطالب العقائديَّة أَشقُّ وأَصعب من مطالب فقه الفروع / إِنَّ مباحث وأَبواب العقائد بحورٌ موَّاجةٌ ، متلاطمة وخطيرة جِدّاً ، وبحوثها صعبة ومُعقَّدة وخطيرة وعظيمة جِدّاً ؛ ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار
معارف إِلٰهيَّة : (206) ، مسائل وفوائد و قواعد في معارف الإِماميَّة / المُقدَّمة / تنبيهات /
الدرس (206) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، لازال الكلام في مُقدَّمة (المسائل العقائديَّة والمعرفيَّة ، المستفادة من عقائد و معارف الإمامِيَّة ؛عقائد ومعارف مدرسة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ) ، ووصل البحث بنا الى التَّنْبِيهات ، ولازال الكلام فيها ، ووصلنا ( بحمد الله تعالى) الى التَّنْبِيه التالي : / التنبيه الرَّابع : / / المطالب العقائديَّة أَشقُّ وأَصعب من مطالب فقه الفروع / إِنَّ مباحث وأَبواب العقائد بحورٌ موَّاجةٌ ، متلاطمة وخطيرة جِدّاً ، وبحوثها صعبة ومُعقَّدة وخطيرة وعظيمة جِدّاً ؛ أَصعَب وأَخطر وأَعظم من أَبحاث فقه الفروع بمئات المرّات ، ومن ثَمَّ سُمِّيَّت العقائد بـ : (الفقه الأَكبر) ؛ فلذا يُراد لها جهود ضخمة تُبذل من قِبَلِ أَجيال العلماء والفضلاء والباحثين وطلبة العلوم الدِّينيَّة. / لكلِّ بابٍ عقائدي لغته الخاصَّة / ثُمَّ إِنَّ كُلَّ بابٍ عقائديٍّ يحتاج له إِلى لغته الخاصَّة ؛ فمباحث التَّوحيد شَكْلٌ ، ومباحث النُّبُوَّة شَكْلٌ آخر ، ومباحث الإِمامة شَكْلٌ ثالث ، ومباحث المعاد شَكْلٌ رابع ، ومباحث عِلم الخلاف شَكْلٌ خامس ، ومباحث المذاهب والأَديان شَكْلٌ سادس ، ومباحث الكُتُب السَّماويَّة شَكْلٌ سابع ، وهلُمَّ جرّاً. وقد يصير الشَّخص مُتَنَمِّراً في بابٍ وفي لغةٍ وأُمِّيّاً في باب آخر ولغةٍ أُخرىٰ. ومعناه : أَنَّ البحث العقائديَّ صعبٌ ومُعقَّدٌ وشاقٌ جِدّاً. / التَّنبيه الخامس: / / لابُدَّ من التَّحَرُّر من ضيق المشرب في متابعة الحقيقة / إِنَّ مَنْ يُريد تحرِّي حقيقةً فعليه التَّحَرُّر من ضيق المشرب والمدرسة الَّتي ينتمي إِليها ، ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار