الرئيسية | دروس في المعارف الإلهية | دروس في المعارف الإِلٰهيَّة | معارف الهية ( 67 ـ 68 ) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية

معارف الهية ( 67 ـ 68 ) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية

22/03/2024


الدرس ( 67 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) ولا زال في الطائفة السادسة، وكانت تحت عنوان : ( لامامة اهل البيت عليهم السلام اياد خطيرة ومهولة ) ، منها الاسم الاعظم ، وروح القدس ، ولازال الكلام في هذا المبحث الاخير ، ووصل البحث الى المطلب التالي ؛ وهو توضيح اكثر لما تقدم في هذه الطائفة السادسة ؛ نذكر ـ لاجل ذلك ـ قضايا ثلاث ، مر الكلام عن القضية الاولى والثانية ، ووصل بنا البحث الى المطلب التالي : / فائدة : تتَّضح من خلال بيان المُقدِّمات الثلاث التَّالية :/ المُقدِّمة الأُولى : / ليلة القدر مخلوق إِلهيّ خطير/ إِنَّ ليلة القدر مخلوق إِلٰهيّ مهول وعظيم وخطير جِدّاً ، خُلِق في بداية عَالَم الدُّنيا ؛ الـمُمتد ـ عَالَم الدُّنيا بحسب إِطلاقات بيانات الوحي ـ إِلى السمآء الأُولىٰ ، بل إِلى الرابعة ، بل قد تشمل بعض إِطلاقاتها السَّمآء السَّابعة. فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان أَبي جعفر عليه السلام ، قال : « لقد خلق اللَّـه تعالىٰ ليلة القدر أَوَّل ما خلق الدُّنيا ، ولقد خلق فيها أَوَّل نبيّ يكون ، وأَوَّل وصيّ يكون ، ولقد قضىٰ أَنْ يكون في كلِّ سنةٍ ليلةٍ يهبط فيها بتفسير الأُمور إِلى مِثْلها من السَّنَة المُقبلة ، فمَنْ جحد ذلك فقد رَدَّ على اللَّـه تعالىٰ علمه ؛ لأَنَّه لا يقوم الأَنبياء والرُّسل والمُحَدَّثون إِلَّا أَنْ يكون عليهم حُجَّة بما يأتيهم في تلك الليلة مع الحُجَّة الَّتي يأتيهم مع جبرئيل عليه السلام ...»(1). ودلالته واضحة. / المُقدِّمة الثَّانية: / حقيقة ليلة القدر أَحد طبقات حقيقة فاطمة عليها السلام المتوسُّطة / إِنَّ ذلك المخلوق المهول والخطير هو أَحد طبقات حقيقة فاطمة الزهراء ÷ المتوسطة. فلاحظ : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام : «إِنَّ فاطمة هي ليلة القدر ، مَنْ عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أَدرك ليلة القدر ، وإِنَّما سميت فاطمة لأَنَّ الخلق فطموا عن معرفتها ، ما تكاملت النُّبوَّة للنَّبي حتَّىٰ أَقَرَّ بفضلها ومحبَّتها ، وهي الصدِّيقة الكبرىٰ ، وعلى معرفتها دارت القرون الأُولىٰ»(2). 2ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام في تفسير قوله تعالىٰ : «[إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ](3) : الليلة : فاطمة. والقدر : اللَّـه ، فَمَنْ عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أَدرك ليلة القدر ، وإِنَّما سميت فاطمة لأَنَّ الخلق فطموا عن معرفتها»(4). 3ـ بيان تفسيره عليه السلام أَيضاً : «... وأَمَّا قوله : [لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ](5)يعني : فاطمة عليها السلام ...»(6). ودلالته ـ كدلالة سابقيه ـ واضحة. / المُقَدِّمة الثَّالثة: / أَحَد طبقات حقيقة الزَّهراء عليها السلام : النَّفس الكُلِّيَّة / أَحَد المهام الإِلهيَّة المُوكلة للزهراء عليها السلام : تقدير أُمور الخلائق ليلة القدر / إِنَّ تقدير أُمور جملة العوالم وكافَّة المخلوقات ـ كما سيأتي إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ في الأَبحاث التالية ـ بيد طبقات حقيقة الزهراء صلوات اللَّـه عليها الصَّاعدة ، وهي طبقة النَّفس الكليَّة. والنتيجة : أَنَّ ما يُقدَّر في ليلة القدر لطُرِّ العوالم وجميع المخلوقات غير المتناهية احد المهام الإِلٰهيَّة العظيمة المُوكلة إِليها صلوات اللَّـه عليها. فالتفت ، واغتنم تربت يداك. / القضيَّة الثَّالثة: / وحي وجود سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله النَّازل من طبقات نوره المباركة / إِنَّ بدن ونفس سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله الجزئيَّان يلتقطان وحي السَّمآء ؛ من نور وقلب سيِّد الأَنبياء ’ ، وهو : (البيت المعمور) في طبقة السَّمآء... وتتمة البحث تاتي ( ان شاء الله تعالى ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 25 : 73/ح63. كنز الفوائد : 395 ـ 398. (2) بحار الأَنوار ، 43 : 105. تفسير فرات الكوفي ، في تفسير سورة القدر. (3) القدر : 1. (4) بحار الأَنوار ، 43 : 65/ح58. (5) القدر : 3. (6) بحار الأَنوار ، 25 : 97/ح70 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدرس ( 68 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، ووصل البحث ( بحمد الله تعالى ) ولا زال في الطائفة السادسة، وكانت تحت عنوان : ( لامامة اهل البيت عليهم السلام اياد خطيرة ومهولة ) ، منها الاسم الاعظم ، وروح القدس ، ولازال الكلام في هذا المبحث الاخير ، ووصل البحث الى المطلب التالي ؛ وهو توضيح اكثر لما تقدم في هذه الطائفة السادسة ؛ نذكر ـ لاجل ذلك ـ قضايا ثلاث ، مر الكلام عن القضية الاولى والثانية ، ووصل بنا البحث الى القضية الثالثة : / القضيَّة الثَّالثة: / / وحي وجود سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله النَّازل من طبقات نوره المباركة / إِنَّ بدن ونفس سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله الجزئيَّان يلتقطان وحي السَّمآء ؛ من نور وقلب سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، وهو : (البيت المعمور) في طبقة السَّمآء الرابعة، والَّذي نزلت عليه حقيقة القرآن الكريم ونوره دفعة واحدة ليلة القدر في العوالم السَّالفة. وعلى هذا قس : الأَبدان والنفوس الجزئيَّة لذوات سائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ؛ فإِنَّها تلتقط ذبذبات الوحي من نور ذلك القلب والنور المبارك لسيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله. وإِلى هذا تشير بيانات الوحي ، منها : 1ـ ما ورد عن سيِّد الأَنبياء في بيان ولادة أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليهما وعلى آلهما : «... ولقد هبط حبيبي جبرئيل في وقت ولادة عَليّ فقال : يا حبيب اللَّـه ، العليّ الأَعلىٰ يقرء عليكَ السَّلَام ويهنئك بولادة أَخيكَ عَلِيّ ، ويقول : هذا أَوآن ظهور نُبوَّتك ، وإعلان وحيكَ ، وكشف رسالتكَ ؛ إِذ أَيَّدتُكَ بأَخيكَ ووزيركَ وصنوكَ وخليفتكَ ، وَمَنْ شددتُ به أَزركَ ، وأَعلنتُ به ذِكركَ ، فقم إِليه واستقبله بيدك اليمنىٰ ... فقمتُ مبادراً فوجدتُ فاطمة بنتُ أَسد أُمّ عَلِيّ وقد جاء لها المخاض ... فقال حبيبي جبرئيل : ... أُمدد يَدَكَ يا مُحمَّد ، فمددتُ يدي اليمنىٰ نحو أُمَّه فإذا أَنَا بِعَلِيٍّ على يدي ، واضعاً يده اليمنىٰ في أُذنه اليمنىٰ ، وهو يؤذِّن ويُقيم بالحنيفيَّة ، ويشهد بوحدانيَّة اللَّـه (عزَّوجلَّ) ، وبرسالاتي(1)، ثُمَّ انثنىٰ إِلَيّ وقال : السَّلَامُ عليكَ يا رسول اللَّـه ، ثُمَّ قال لي : يا رسول اللَّـه ، أَقرء ؟ قلتُ : اِقرء، فوالَّذي نفس مُحمَّد بيده ، لقد ابتدأ بالصحف الَّتي أَنزلها اللَّـه (عزَّوجلَّ) على آدم ، فقام بها ابنه شيث فتلاها من أَوَّل حرف فيها إلى آخر حرف فيها ، حتَّىٰ لو حضر شيث لأَقَرَّ له أَنَّه أَحفظ له منه ... ثُمَّ قرأ القرآن الَّذي أَنزله اللَّـه عَلَيّ من أَوَّلَه إِلى آخره ، فوجدته يحفظ كحفظي له السَّاعة من غير أَنْ أسمع منه آية ، ثُمَّ خاطبني وخاطبته بما يُخاطب الأَنبياء الأَوصياء ، ثُمَّ عاد إِلى حال طفوليَّته ، وهكذا أَحد عشر إِماماً من نسله...»(2). ودلالته على ما تقدَّم واضحة ؛ وإِلَّا كيف قرأ صلوات اللَّـه عليه القرآن كُلّه وسيِّد الأَنبياء ’ لم يُبعثُ بَعدُ ، ولم يُنزِل منه جبرئيل عليه السلام حرفاً واحداً!!. 2ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن عَلِيِّ بن عبد العزيز ، عن أَبيه ، قال: «قلتُ لأَبي عبداللَّـه عليه السلام: جُعْلْتُ فداك ، إِنَّ النَّاس يزعمون أَنَّ رسول اللَّـه صلى الله عليه واله وجَّه عليّاً عليه السلام إِلى اليمن ليقضي بينهم ، فقال عليٌّ عليه السلام : فما وردت عَلَيَّ قضيَّةٌ إِلَّا حكمتُ فيها بحُكم اللَّـه وحُكم رسول اللَّـه صلى الله عليه واله. فقال: صدقوا. قلتُ : وكيف ذاك ولم يكن أُنزل القرآن كلَّه ؟ وقد كان رسول اللَّـه صلى الله عليه واله غائباً عنه ؟ فقال : تتلقَّاه به روح القدس»(3). ودلالته قد اِتَّضحت. 3ـ بيانات الوحي الواردة في بيان مصحف فاطمة صلوات اللَّـه عليها(4)، جمعاً بين بيانات الوحي الدَّالَّة على أَنَّه (أَملاه سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله عليها وخطَّه أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليهما بيده) وبياناته الأُخرىٰ الدَّالَّة على أَنَّه (حصل ذلك بعد استشهاده صلى الله عليه واله) ، ومعناه : ما تقدَّم ، وأَنَّها كانت تتلقَّاه من قلب ونور أَبيها صلوات اللَّـه عليهما وعلى آلهما في طبقة البيت المعمور من السَّمآء الرابعة ، وتذكره لأَمير المؤمنين فيخُطَّه بيمينه(5). فانظر: أَوَّلاً : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... وعندنا واللَّـه مصحف فاطمة ، ما فيه آية من كتاب اللَّـه ، وإِنَّه لإِملاء رسول اللَّـه صلى الله عليه واله ، وخَطَّه عَليٌّ عليه السلام بيده ...»(6). ثانياً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «مصحف فاطمة عليها السلام ما فيه شيء من كتاب اللَّـه ، وإِنَّما هو شيءٌ أُلقي عليها بعد موت أَبيها صلَّىٰ اللَّـه عليهما وعلى أَولادهما»(7). ودلالتهما قد اِتَّضحت أَيضاً. / حقيقة أَمير المؤمنين عليه السلام الصَّاعدة الباب الحصري لحقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله الصَّاعدة / ومن كلِّ هذا تتَّضح : كثير من بيانات الوحي الواردة في المقام ، منها: ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في روضة الواعظين : (برسالتي). وفي الروضة : (ويشهد للَّـه بالوحدانيَّة وبرسالتي). (2) بحار الأَنوار ، 35 : 21 ـ 22/ح5. الروضة : 17 ـ 18. روضة الواعظين : 72 ـ 74. (3) بحار الأَنوار ، 25 : 57/ح23. بصائر الدرجات : 134. مختصر البصائر : 1. (4) مصحف فاطمة صلوات اللَّـه عليها أَعظم من الإِنجيل والتوراة والزبور وصحف الأَنبياء صلى الله عليه واله ، بل هو في كفَّة وكُتُب سائر جملة الأَنبياء عليهم السلام المُتقدِّمين في كفَّة أُخرىٰ ؛ فإِنَّه من الأُمور المُسلَّمة : أَنَّه ليس في الكتب السَّماويَّة المُتقدِّمة وصحف الأَنبياء عليهم السلام علم : (ما كان وما يكون) ، بينما من أَوصاف مصحف فاطمة عليها السلام ـ كأَوصاف القرآن الكريم ـ أَنَّ فيه ما كان وما يكون إِلى يوم القيامة ؛ فكلُّ مَنْ يملك إِلى يوم القيامة وكلّ الأَحداث البشريَّة إِلى يوم القيامة أَيضاً في مصحف فاطمة صلوات اللَّـه عليها. (5) يجدر الإِلتفات إِلى القضيَّة التَّالية ، وهي : أَنَّه ليس في اقتران وزواج أَمير المؤمنين من فاطمة صلوات اللَّـه عليهما بُعد بدنيّ وفرديّ حسب ، ولا إِقتران وزواج وسكن روحي فحسب ، ولا بُعد الزوجيَّة العادي ، ولا بُعد زواج أُسري فقط ، وإِنَّما هو زواج واقتران ولاية إِلٰهيَّة عظيمة بولاية إِلٰهيَّة عظيمة أُخرىٰ ، وزواج واقتران نور عظيم بنورٍ عظيم آخر ، ومشاركة نور في الولاية، واقتران كفؤيَّة في الولاية في عَالَم النور وعَالَم الملكوت ، وتشارك في الولاية وفي شعشعة أَنوار السَّاحة الربوبيَّة. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي المعرفيَّة ، لكن بقراءةٍ معرفيَّة عقائديَّة سياسية أَشارت إِليها بيانات أَهل البيت عليهم السلام ، منها : بيان قوله عزَّ مَنْ قائل : [مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ] [الرحمن: 19 - 22]. فقوله تعالىٰ : [مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ] إِشارة معرفيَّة إِلى أَنَّ إِقتران أَمير المؤمنين بفاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليهما إِقتران بحران ، أَحدهما : ما تُمثِّله حقيقة أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه ، وهو: (بحر العلم) ، والآخر : ما تُمثِّله حقيقة فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها ، وهو : (بحر النُّبوَّة). وهذان البحران من عوالم : الغيب والملكوت والنور والولاية الإِلٰهيَّة. وقوله تعالىٰ ذكره : [بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ] إِشارة معرفيَّة إِلى حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، فإِنَّها البرزخ بين هاتين الولايتين الإِلٰهيَّتين. وقوله تبارك وتعالىٰ : [لَا يَبْغِيَانِ] إِشارة معرفيَّة إِلى أَنَّ لكلِّ منهما صلوات اللَّـه عليهما مسؤوليَّاته الإِلٰهيَّة الخاصَّة في الولاية ، وفي العقيدة وفي الدِّين ، وفي ولاية الأَمر في بُعده الدِّيني ، وفي ولاية الأَمر في بُعده السياسي. وقوله تبارك اسمه : [يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ] مشير إِلى حقائق سائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم. وإلى كلِّ هذا أَشارت بيانات تفسير أَهل البيت عليهم السلام ، منها : 1ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : « في قوله عزَّوجلَّ : [مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ]، قال : عَلِيٌّ وفاطمة. [بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ] قال : لا يبغي عَلِيّ على فاطمة ، ولا تبغي فاطمة على عَلِيٍّ : [يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ] الحسن والحسين عليهما السلام ». بحار الأَنوار، 24 : 97/ح1. 2ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : « في قوله : [مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ] قال : عليٌّ وفاطمة بحران عميقان لا يبغي أَحدهما على صاحبه». وفي رواية : «[ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ] : رسول اللَّـه. [يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ] : الحسن والحسين». بحار الأَنوار، 43: 32/ح39. 3ـ عن ابن عبَّاس قال : «إن فاطمة عليها السلام بكت للجوع والعرىٰ ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه واله: اقنعي يا فاطمة بزوجكِ ، فواللَّـه ، إِنَّه سيِّد في الدُّنيا ، وسيِّد في الآخرة ، وأَصلح بينهما ، فأنزل اللَّـه: [مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ]، يقول: أَنا اللَّـه ، أَرسلتُ البحرين : عَلِيّ بن أبي طالب عليه السلام بحر العلم ، وفاطمة بحر النُّبوَّة ، يلتقيان يتَّصلان ، أَنا اللَّـه أَوقعتُ الوصلة بينهما ، ثُمَّ قال : [بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ] مانع رسول اللَّـه صلى الله عليه واله ... [فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا] يا معشر الجنّ والإِنس [تُكَذِّبَانِ] بولاية أَمير المؤمنين عليه السلام ، أَو حبّ فاطمة الزَّهراء عليها السلام ؟ فاللؤلؤ: الحسن ، والمرجان الحسين...». بحار الأَنوار ، 24 : 99/ح6. مناقب آل أبي طالب ، 3 : 101. 4ـ عن فرات الكوفي ، عن ابن عبَّاس أَيضاً ، قال : «في قوله تعالىٰ : [مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ] ، قال: عليٌّ وفاطمة. [بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ]، قال : رسول اللَّـه صلى الله عليه واله. [يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ]، قال: الحسن والحسين عليهما السلام ». وحدَّثنا عَلِيُّ بن عتَّاب والحسين بن سعيد وجعفر بن مُحمَّد الفزاريّ ، عن الصَّادق عليه السلام يقول: «هكذا معنىٰ الآية. وقال : عَلِيُّ بن موسىٰ الرِّضا عليه السلام هكذا». بحار الأَنوار ، 37 : 64/ح34. تفسير فرات الكوفي: 177. ودلالة الجميع واضحة. ومن ثَمَّ ما قامت به فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها من تسجيل بناء وبنيان عقائدي ومعرفي لم تكن فيه مُخالفة للمسار العقائدي والمعرفي ؛ أَو المسار الولائي ؛ أَو لمسار الولاية السياسيَّة ؛ أَو الولاية الإِعتقاديَّة لأَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليهما ، ولم تَخُن في الدِّين بمواثيق اللَّـه ، ولا بمواثيق سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، ولا بمواثيق الدين ، شبيه ما حصل بين النَّبيّ موسىٰ والخضر عليهما السلام في القضيَّة الواردة في سورة الكهف ، فإنَّ كلَّ واحدٍ منهما لم يتعدَّ على صلاحيَّات الآخر ، ومن ثَمَّ وصف النَّبيّ موسىٰ عليه السلام نفسه بأَنَّه تابع للخضر عليه السلام. فانظر : بيان قوله جلَّ وتقدَّس الحاكي لخبرهما : [فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا] [الكهف: 65ـ 66]. وهكذا حال الخضر عليه السلام ؛ فإِنَّه لم يفرض على النَّبيِّ موسىٰ عليه السلام إِتِّباعه أَو عدم إِتباعه ، وإِنَّما ترك الخيار مفتوحاً للنَّبيّ موسىٰ عليه السلام. فلاحظ : بيان قوله تقدَّس ذكره : [قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا] [الكهف: 70]. وبالجملة : ما تقدَّم بيان واضح وصريح دالٌّ على علوِّ مقامات فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها الإِلٰهيَّة ، وتقدُّمها على مقامات الأَئمَّة الأَحد عشر من سائر أَهل البيت عليهم السلام ، فإِنَّ مقاماتها الإِلٰهيَّة كفؤ لمقامات أَمير المؤمنين عليهما السلام الإِلٰهيَّة ، وأَصل لكلِّ مقامات الأَصفياء. (6) بصائر الدرجات ، 1 : 310/ح587 ـ 5. (7) المصدر نفسه : 321/ ح609ـ 27