معارف الهية (75) تعريف حقيقة الامام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية
30/03/2024
الدرس (75 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، لازال البحث في تعريف حقيقة الامام عليه السلام وامامة اهل البيت عليهم السلام الالهية ، ومر الكلام في الدرس ( 54) انه لابد من التعرض لبيانات الوحي ليتجلى ذلك التعريف ، واذا رجعنا الى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كل طائفة منها بعض خصائص ذلك التعريف وفصوله واجناسه ، وسنذكر ( ان شاء الله تعالى ) ( 13 ) طائفة ، مر الكلام عن الطائفة الاولى في الدرس ( 54 ) ، وعن الطائفة الثانية والثالثة في الدرس ( 55 ) ، وعن الطائفة الرابعة في الدرس ( 56 و 57 ) ، وعن الطائفة الخامسة في الدرس ( 58 ) ، وعن الطائفة السادسة في الدرس (59 الى 72 ) ، وعن الطائفة السابعة والثامنة في الدرس(73) ، وعن الطائفة التاسعة في الدرس(74) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى الطائفة العاشرة : / حاكميَّة إِمامة أَهل البيت عليهم السلام شاملة لجملة البشر / الطائفة العاشرة : ما دلَّ على أَنَّ إِمامة أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم حاكمة ومُهيمنة على جملة البشر ؛ من بدء الخِلقة والوجود إِلى أَبد الآباد ودهر الدُّهور ، منهم سائر كُمَّل البشر ؛ فإِنَّ سائر جملة الأَنبياء والمرسلين والأَوصياء والأَصفياء عليهم السلام وإِن كانوا من كُمَّل المخلوقات لكنَّهم مع ذلك يحتاجون إِلى مخلوقات أَعلىٰ منهم رتبة ومقاماً وعلماً وشرفاً وفضلاً وكمالاً ، يُؤمُّونهم وينظِّمون ويُديرون أُمورهم ، وأَئمَّة أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم هم الَّذين متَّعتهم يد ساحة القدس الإِلٰهيَّة بخاصيَّة إِدارة أُمور وشؤون الكُمَّل من موقع تكويني إِلٰهيّ أَرفع وأَعلىٰ. / فلاحظ : بيانات الوحي ، منها : / أَوَّلاً : بيان الحديث القدسي ، عن عدَّة من أَصحاب رسول الله صلى الله عليه واله ، منهم جابر بن عبدالله الأَنصاري، قال: «... ثُمَّ نظر آدم عليه السلام إِلى نور قد لمع فسدَّ الجو المُنخرق ، فأَخذ بالمطالع من المشارق ، ثُمَّ سرىٰ كذلك حتَّىٰ طبق المغارب ؛ ثُمَّ سما حتَّىٰ بلغ ملكوت السَّماء ، فنظر فإذا هو نور مُحمَّد صلى الله عليه واله ، وإذا الاكناف به قد تضوَّعت طيباً ، وإِذا أَنوار أَربعة قد اكتنفته عن يمينه وشماله ومن خلفه وأمامه ، أشبه شيء به أَرجاً ونوراً ، ويتلوها أَنوار من بعدها تستمد منها ... فبهر آدم صلَّىٰ اللّٰـه عليه ما رأىٰ من ذلك ، وقال : يا عَالِم الغيوب ... مَنْ هذا الخلق السعيد الَّذي كرَّمت ورفعت على العالمين ؟! ومَنْ هذه الأَنوار المكتنفة له ؟! فأَوحىٰ اللَّـه عزَّ وجل إِليه : يا آدم ، هذا وهؤلاء وسيلتكَ ووسيلة من أسعدتُ من خلقي ، هؤلاء السَّابقون المُقرَّبون والشَّافعون المُشَفَّعون ، وهذا أَحمد سيِّدهم وسيِّد بريَّتي ...» (1). ودلالته واضحة. / الأَدب الإِلهي كاشف عن صلاحيات ومواقع إِلهيَّة / بعد الإِلتفات إِلى أَمر استقرَّت عليه كلمة مُحقِّقي المُتكلِّمين والمُفسِّرين وغيرهم من بُحَّاث المعارف يجدر الإِلتفات إِليه ، حاصله : أَنَّ الأَدب الإِلٰهي من اللَّـه (عزَّوجلَّ) مع أَصفيائه ، أَو من الأَصفياء معه تعالىٰ ، أَو بين الأَصفياء يرجع في حقيقته إِلى أَنَّ مَنْ حُبي بهذا الأَدب يتمتَّع بمقامات دينيَّة ، وصلاحيَّات شرعيَّة ، ومواقع عقائديَّة. مثاله : ما حصل من النَّبيّ موسىٰ إِتجاه الخضر عليهما السلام ، في الحوارية الَّتي جرت بينهما ، وحكتها بيانات سورة الكهف(2): فإِنَّه حينما يصف نفسه بـ : (التابع في بيان قوله جلَّ جلاله ـ المُقتصّ لخبرهما ـ : [قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا](3)، ليست قضيَّة مجاملات أَو تعارفات أَو مدائح ، وإِنَّما حقيقة كاشفة عن مقامات وشؤون وهِبَات إِلٰهيَّة يتمتَّع بها الخضر دون النَّبيّ موسى عليهما السلام ، ومعناه: أَنَّ للخضر موقعيَّة إِلٰهيَّة غيبيَّة ، لا يتمتَّع بها النَّبيّ موسىٰ عليه السلام ؛ وإِنْ كان له عليه السلام (4) من جهةٍ أُخرىٰ فضلاً وكمالاً وموقعيَّة إِلٰهيَّة غيبيَّة ؛ لا يتمتَّع بها الخضر عليه السلام ، امتاز وتقدَّم بها عليه. وعلى هذا قس : ما فعله الخضر عليه السلام ؛ فإِنَّه لم يقل للنَّبيّ موسىٰ عليه السلام : (اتبعني) ، وإِنَّما قال : [ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي](5) فإِنَّه لو كانت له ولاية تفوق ولاية النَّبيّ موسىٰ عليه السلام من جميع الجهات لكان المناسب له أَن يَبُتَّ بالقضيَّة ، ولا يجعل الخيار بيد النَّبيّ موسىٰ عليه السلام . ومعناه : أَنَّ بينهما عليهما السلام مشاركة ولائيَّة إِلٰهيَّة وتوزيع أَدوار إِلٰهيَّة. إِذَنْ : في عَالَم الأَصفياء نظم ولائي غيبيّ إِلٰهي ، دقيق ورشيق جِدّاً ، وصفاء عجيب في دقَّة الحقائق والمواقع والمأموريَّات والمناصب والمواقع والمقامات الإِلٰهيَّة بشكل بديع ؛ لا يزيد فيها مخلوق على حَدِّه وقدره المتمتَّع به من يد السَّاحة الإِلٰهيَّة. وبالجملة : الأَدب الإِلٰهيّ ـ من اللَّـه عزَّوجلَّ إِتِّجَاه الأَصفياء ، أَو من الأَصفياء إِتِّـجَاهه (تقدَّس اسمه) ، أَو بين الأَصفياء المُصطفين بالإِصطفاء الإِلٰهي ـ يُحدِّد مواقع الأَصفياء الرسميَّة الإِلٰهيَّة ودرجات الولاية الإِلٰهيَّة. ثُمَّ إِنَّ ما ورد في كثير من بيانات الوحي ، منها : بيان قوله تقدَّست أَسماؤه : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ](6). براهين وحيانيَّة دالَّة على أَنَّ التَّأَدُّب مع سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ليس من فروع الدِّين ، بل من أُصوله ، وإِلَّا كيف تحبط الفروع مطلق أَعمال المُكلَّف منها: الأُصول والإِيمان ، فكيف يحبط سوء أَدب فرعي مع سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله الإِيمان باللَّـه تعالىٰ. ثانياً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... الإِمام ... يختاره اللَّـه ويجعل فيه ما يشاء ويوجب له بذلك الطاعة والولاية على جميع خلقه ... وتتمة البحث تاتي (ان شاء الله تعالى) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 26 : 310 ـ 315/ح77. تفضيل الأَئمَّة : (مخطوط). (2) سورة الكهف : 65 ـ 82. (3) الكهف : 66. (4) مرجع الضمير : (النَّبيّ موسىٰ عليه السلام ). (5) الكهف : 70. (6) الحجرات : 2.