معارف إِلٰهيَّة : (105) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة التَّاسعة
29/04/2024
الدرس (105) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة التَّاسعة ، وكانت تحت عنوان : (أَدوار أَهل البيت عليهم السلام الخفيَّة) ، ولا زال الكلام تحت العنوان التالي: (و لتَّوضيح هذه القضية خُذ المثالين التَّاليين ) ، المثال الأَوَّل : (دور أَمير المؤمنين عليه السلام في الفتوحات الإِسلاميَّة من جانبها المُشرق ) ، لازال البحث في بيانات هذا المثال ، ووصلنا الى البيان الثامن : 8ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام الوارد في أَحداث معركة حنين ، قال : «... فلمَّا صلَّىٰ رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله الغداة انحدر في وادي حنين وهو واد له انحدار بعيد ، وكانت بنو سليم على مُقدّمته فخرج عليهم كتائب هوازن من كلِّ ناحية ، فانهزمت بنو سليم ، وانهزم من وراءهم ، ولم يبق أَحَد إِلَّا انهزم ، وبقي أَمير المؤمنين عليه السلام يُقاتلهم في نفر قليل ، ومرَّ المنهزمون برسول اللّٰـه صلى الله عليه واله لا يلوون على شيءٍ ... فأقبل رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله ينادي: «يا معشر الأَنصار أين؟ إِليَّ ، أَنا رسول اللّٰـه» فلم يلو أَحد عليه ، وكانت نسيبة بنت كعب المازنيَّة تحثو في وجوه المنهزمين التراب ، وتقول : أين تفرُّون ؟ عن اللّٰـه وعن رسوله؟ ومرَّ بها عمر فقالت له : ويلك ، ما هذا الَّذي صنعت ؟ فقال لها : هذا أمر اللّٰـه ...»(1). 9ـ ما ذكره ابن أَعثم الكوفي في كتاب الفتوح في فتح نهاوند وحروبها ، واجتماع الأَعاجم بها لاستئصال المسلمين ومحو بلادهم ، وما أَصاب عمر بن الخطَّاب من رعدةٍ ونفضةٍ سمع المسلمون على إِثرها أَطيط أضراسه رعباً وجبناً وهولاً وفزعاً حينما أُخبر بعدَّة وعدد الأَعاجم واستحضاراتهم وما ينونه من خطر بالمسلمين وبلادهم ، وما طرحه أَعلام ورؤوس الصحابة من معالجات ضحلة وهابطة ، وما طرحه أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه من خارطة معالجات ولَّدت نصر المسلمين بعد استنجاد عمر بن الخطَّاب به صلوات اللّٰـه عليه ، قال ابن أَعثم : «وتحرَّكت الأعاجم بأرض نهاوند ، واجتمعوا بها ، وكتب بعضهم إِلى بعضٍ : أَنْ يكون اجتماعهم بها ، قال: فاجتمع أَهل الري وسمنان والدامغان وما والاها بنهاوند في عشرين أَلفا ، وأَهل ساوه وهمذان في عشرة آلاف ، وأهل نهاوند خاصَّة في عشرة آلاف ، وأهل قم وقاشان في عشرين أَلفا ، وأَهل أصفهان في عشرين أَلفاً ، وأَهل فارس وكرمان في أَربعين ألفاً ... فأقبل إِليهم أَهل أذربيجان في ثلاثين أَلفاً ، فذلك خمسون أَلفاً ومائة أَلف ، ما بين فارس وراجل من المرازبة والأَساورة والأَبطال المعدودين ، المذكورين في كُلِّ بلد من أَرض الفرس ، ثُمَّ إِنَّهم جمعوا نيفاً وسبعين فيلاً يريدون التهويل على خيول المسلمين ، ثُمَّ أَقبل بعضهم على بعض فقالوا: ... قد اجتمعتم من كُلِّ بلدٍ ، وليس فيكم إِلَّا رماة الحدق وأَحلاس السيوف والدرق ، فتعالوا بنا حتَّىٰ ننفي مَنْ بقربنا من جيوش العرب ، ثُمَّ إِنَّا نسير إِليهم في ديارهم فنستأصلهم عن جديد الأَرض ... فتعاقدوا على أَمرهم وتعاهدوا وعزموا على جهاد المسلمين ، وبلغ ذلك أَهل الكوفة ، فاجتمعوا إِلى أَميرهم عمَّار بن ياسر ... فقالوا: الرأَي في ذلك أَنْ نكتب إلى أَمير المؤمنين ونعلمه بذلك ... قال عمَّار : أفعل ذلك إِنْ شآء اللّٰـه تعالى ... كتاب عمار بن ياسر إلى عمر بن الخطَّاب ... أَمَّا بعد ... أَنَّ أَهل الري وسمنان وساوه وهمذان ونهاوند وأصفهان وقم وقاشان وراوند واسفندهان وفارس وكرمان وضواحي أَذربيجان قد اجتمعوا بأرض نهاوند في خمسين ومائة أَلف من فارسٍ وراجلٍ من الكفَّار ، وقد كانوا أَمروا عليهم أَربعة من ملوك الأعاجم ، منهم : ذو الحاجب خرزاد بن هرمز وسنفاد بن حشروا ... وأَنَّهم قد تعاهدوا وتعاقدوا وتحالفوا وتكاتبوا وتواصوا وتواثقوا على أَنَّهم يخرجوننا مِنْ أَرضنا ويأتونكم من بعدنا ، وهم جمع عتيد ، وبأس شديد ، ودواب فره ، وسلاح شاك ... فإِنِّي أخبرك يا أَمير المؤمنين أَنَّهم قد قتلوا كُلَّ مَنْ كان مِنَّا في مدنهم ، وقد تقاربوا مِمَّا كُنَّا فتحناه من أَرضهم ، وقد عزموا أَنْ يقصدوا المدائن ويصيروا منها إلى الكوفة ، وقد واللّٰـه هالنا ذلك ، وما أَتانا من أَمرهم وخبرهم ، وكتبتُ هذا الكتاب إِلى أَمير المؤمنين ليكون هو الَّذي يرشدنا وعلى الأُمور يدلّنا ...قال: فلَمَّا ورد الكتاب على عمر بن الخطَّاب ... وقرأه ، وفهم ما فيه وقعت عليه الرعدة والنفضة حتَّىٰ سمع المسلمون أَطيط أَضراسه ، ثُمَّ قام عن موضعه حتَّىٰ دخل المسجد ، وجعل ينادي : أَين المهاجرون والأَنصار؟ أَلَا! فاجتمعوا رحمكم اللّٰـه وأعينوني ... فأَقبل إِليه النَّاس من كُلِّ جانب ... فقال : إِنَّ الفرس ... ليست لهم همَّة إِلَّا المدائن والكوفة ... وهذا يوم له ما بعده من الأَيّام ، فاللّٰـه اللّٰـه يا معشر المسلمين! أَشيروا عَلَيَّ رحمكم اللّٰـه ... وكان أَوَّل من وثب على عمر بن الخطَّاب وتكلَّم طلحة بن عبيد اللّٰـه ، فقال : ... ثُمَّ وثب الزبير بن العوام ، فقال : ... فقال عمر : أريد غير هذين الرأيين ، قال : فوثب عبد الرحمٰن بن عوف الزهري ، فقال : ... فاعمل برأيك ... وسر إِلى أَعداء اللّٰـه بنفسكَ ونحن معكَ ... فقال عمر : أُريد غير هذا الرأي ، فتكلَّم عثمان بن عفان ... فقال : ... وأنا أُشير عليكَ أَنْ تسير أَنتَ بنفسكَ إِلى هؤلاء الفجَّار بجميع من معك من المهاجرين والأَنصار ... ولكنِّي أَرىٰ أَنْ تكتب إلى أَهل الشَّام فيقبلوا عليكَ من شامهم ، وإِلى أَهل اليمن فيقبلوا إِليك من يمنهم ، ثُمَّ تسير بأهل الحرمين مكَّة والمدينة إلى أَهل المصرين البصرة والكوفة ، فتكون في جمع كثير وجيش كبير ، فتلقىٰ عدوِّكَ بالحد والحديد ، والخيل والجنود. فقال عمر: هذا أَيضاً رأي ليس يأخذ بالقلب ، أريد غير هذا الرأي ، قال : فسكت النَّاس ، والتفت عمر ... إلى عَلِيّ رضي اللّٰـه عنه فقال : يا أبا الحسن! لِمَ لا تُشير بشيءٍ كما أشار غيرك؟ قال: فقال عَلِيّ : ... فقد رأَيتُ قوماً أَشاروا عليك بمشورةٍ بعد مشورة فلم تقبل ذلك منهم ، ولم يأخذ بقلبكَ شيء مِمَّا أَشاروا به عليك ؛ لأَنَّ كُلَّ مشير إِنَّما يشير بما يدركه عقله ، وأُعلمكَ ... إِنْ كتبتَ إِلى الشام أَنْ يقبلوا إِليكَ من شامهم لم تأمن من أَنْ يأتي هرقل في جميع النصرانيَّة فيغير على بلادهم ويهدم مساجدهم ويقتل رجالهم ويأخذ أَموالهم ويسبي نساءهم وذُرِّيَّتهم ، وإنْ كتبتَ إلى أَهل اليمن أَنْ يقبلوا من يمنهم أغارت الحبشة أَيضا على ديارهم ونسائهم ... وإِنْ سرتَ بنفسكَ مع أَهل مكَّة والمدينة إلى أَهل البصرة والكوفة ثُمَّ قصدتَ بهم قصد عدوّكَ انتقضت عليك الأَرض من أَقطارها وأَطرافها ، حتَّىٰ إِنَّكَ تريد بأن يكون مَنْ خلَّفته وراءك أَهمُّ إِليكَ مِمَّا تريد أَنْ تقصده ، ولا يكون للمسلمين كانفة تكنفهم، ولا كهف يلجؤون إليه ، وليس بعدك مرجع ولا موئل إذ كُنتَ أَنتَ الغاية والمفزع والملجأ ، فأقم بالمدينة ولا تبرحها ؛ فإنَّه أَهيب لكَ في عدوِّكَ وأَرعب لقلوبهم ؛ فإنَّكَ متىٰ غزوت الأعاجم بنفسكَ يقول بعضهم لبعض : إِنَّ ملك العرب قد غزانا بنفسه ؛ لقلَّة أَتباعه وأَنصاره ، فيكون ذلك أَشدُّ لكلبهم عليكَ وعلى المسلمين ، فأقم بمكانكَ الَّذي أَنتَ فيه ، وابعث من يكفيك هذا الامر ... فقال عمر ... : يا أَبا الحسن ، فما الحيلة في ذلك وقد اجتمعت الأَعاجم عن بكرة أَبيها بنهاوند في خمسين ومائة ألف يريدون استئصال المسلمين؟ ... فقال له عَلِيٌّ بن أبي طالب عليه السلام: الحيلة أَنْ تبعث إِليهم رجلاً مُجرَّباً قد عرفته بالبأس والشدَّة ، فإِنَّكَ أَبصر بجندكَ وأعرف برجالكَ ... فقال له عمر : نِعْمَ ما قلت يا أبا الحسن! ولكنِّي أَحببتُ أَنْ يكون أَهل البصرة والكوفة هم الَّذين يتولون حرب هؤلاء الأَعاجم ... فقال له عَلِيّ رضي اللّٰـه عنه : إِنْ أَحببتَ ذلك فاكتُب إِلى أَهل البصرة أَنْ يفترقوا على ثلاث فرق : فرقة تقيم في ديارهم فيكونوا حرساً لهم يدفعون عن حريمهم ، والفرقة الثانية يقيمون في المساجد يعمّرونها بالأَذان والصَّلاة؛ لكيلا يُعَطَّل الصَّلاة ويأخذون الجزية من أَهل العهد ، لكيلا ينتفضوا عليك، والفرقة الثالثة يسيروا إِلى إِخوانهم من أَهل الكوفة ، ويصنع أَهل الكوفة أَيضاً كصنع أَهل البصرة ، ثُمَّ يجتمعون ويسيرون إِلى عدوَّهم ؛ فإِنَّ اللّٰـه عزَّوجلَّ ناصرهم عليهم ومظفرهم بهم ، فثق باللّٰـه ، ولا تيأس من روح اللّٰـه ؛ إِنَّه لا ييأس من روح اللّٰـه إِلَّا القوم الكافرون. قال : فلَمَّا سمع عمر مقالة عَلِيٌّ كرم اللّٰـه وجهه ومشورته أقبل على النَّاس ، وقال : ويحكم! عجزتم كُلَّكُم عن آخركم أَنْ تقولوا كما قال أبو الحسن ... ثُمَّ أقبل عليه عمر ... فقال : يا أبا الحسن! فأشر عَلَيَّ الآن برجل ترتضيه ويرتضيه المسلمون أَجعله أَميراً وأستكفيه من هؤلاء الفرس ، فقال عَلِيّ رضي اللّٰـه عنه: قد أصبته ، قال عمر : وَمَنْ هو؟ قال : النعمان بن مقرن المزني ، فقال عمر وجميع المسلمين : أصبت يا أبا الحسن! وما لها من سواه...»(2). وهذا(3) بحث متداخل الأَضلاع والزوايا كتداخل أَسنان دوارة الرحىٰ ، ونكتة عذراء ما فُضَّت قَطُّ ، مرَّت عليها الدُّهور والأَزمان وعلماء الإِماميَّة (أَعزَّهم اللّٰـه) حاموا حومها ؛ ولم يطوفوا طورها بنبرة شفة ، ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 21 : 149 ـ 150. (2) الفتوح ، أَحمد بن أَعثم الكوفي ، 2 : 389 ـ 295. (3) اسم الإشارة عائد إِلى النكتة المُتقدِّمة ؛ وهي : أَنَّ جميع الفتوحات الإِسلاميَّة في جانبها المُشرق في زمن خلفاء السقيفة الثلاث عائدة إِلى أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه