معارف إِلٰهيَّة : (113) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة العاشرة
07/05/2024
الدرس (113) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، سنذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (108) الى القضيَّة العاشرة ، وكانت تحت عنوان : (تفسير أَسماء أَهل البيت عليهم السلام وصفاتهم وأَفعالهم بلغة حضاريَّة) ، ووصل بنا الكلام الى العنوان التالي (شجاعة أَهل البيت عليهم السلام شجاعة قيادة إِلهيَّة) ، وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، والنقول التأريخيَّة ، وصلنا الى البيان الثالث عشر: 13ـ ما ورد في معركة صفين : «... وخرج العبَّاس بن ربيعة بن الحارث الهاشمي فأبلىٰ ... فقال معاوية : من خرج إِلى هذا فقتله فله كذا وكذا. فوثب رَجُلان من لخم من اليمن فقالا : نحن نخرج إِليه فقال : اخرجا ، فأيَّكما سبق إِلى قتله فله من المال ما ذكرتُ وللآخر مِثْل ذلك، فخرجا إِلى مقرِّ المبارزة وصاحا بالعبَّاس ، ودعواه إلى القتال ، فقال : استأذن صاحبي وأَعود إِليكما ، وجاء إِلى عَلِيٍّ عليه السلام ليستأذنه ، فقال له : أعطني ثيابكَ وسلاحكَ وفرسكَ ، ولبسها وركب الفرس وخرج إِليهما [فظنَّا] أَنَّه على العبَّاس ... فتقدَّم إِليه أَحد الرجلين فالتقيا ضربتين ، ضربه عَلِيّ عليه السلام على مراق بطنه قطعه بإثنتين ، فظنَّ أَنَّه أخطأه ، فلَمَّا تحرَّك الفرس سقط قطعتين، وغار فرسه وصار إِلى عسكر عَلِيّ عليه السلام ، وتقدَّم الآخر فضربه عَلِيٌّ عليه السلام فأَلحقه بصاحبه ... و... في وصف ليلة الهرير : ... إِنَّ قتلاه عرفوا في النهار ؛ فإنَّ ضرباته كانت على وتيرة واحدة ؛ إِن ضرب طولاً قَدَّ ، أَو عرضاً قَطَّ ، وكانت كأَنَّها مكواة بالنَّار»(1).(2) وعلى هذا قس : شجاعة سائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم من أَصحاب الدائرة الاِصطِفائيَّة الأُولىٰ ، بل وأَصحاب الدائرة الاِصطِفائيَّة الثانية كـ : أَبي الفضل العبَّاس عليه السلام . وبالجملة : هناك فارق سنخيٌّ مهول وعظيم جِدّاً ، بل من دون قياس بين شجاعة وبطولة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ؛ المُنطلِقة من الصفات والأَسماء الإِلٰهيَّة ـ كـ : اسم : (الجبَّار ، والمُتكبِّر ، والقهَّار ، والقابض ، والخافض ، والمُذِل ، والخبير ، والعظيم ، والمُقيت ، والحقّ ، والقوي ، والمتين، والمُميت ، والقادر ، والمُقتدِر ، والمتعال ، والمُنتَقِم ، ومالك المُلك ، والجامع ، والمانع ، والضَّار) ـ ، و شجاعة وبطولة ما عداهم ، المُنطلِقة من الصفات الرُّوحيَّة والنزعات النفسانيَّة. ومنه يتَّضح : أَنَّ ثبات أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه يوم أُحد وما شاكله : ثبات كفاءة قيادة إِلٰهيَّة ، وشجاعة إِدارة ربانيَّة ، وثبات مُعالجة إِلٰهيَّة لحلحلة الأَزمات. بخلاف فرار جملة الصحابة في ذلك اليوم وما شاكله ؛ فإِنَّه : فرار عن كفاءة قيادة ، وجبن عن إِدارة ومعالجة وحلحلة الأَزمات. ومن ثَمَّ لا يجوز ولا يحقُّ لأَحدٍ منهم البَتَّة التَّصدِّي لإِدارة أُمور المسلمين أَو بعضهم ؛ وذلك من باب السالبة بانتفاء موضوعها. / زهد أَهل البيت عليهم السلام زهد قيادة إِلهيَّة/ المثال الثَّاني : (زهد أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم) ؛ فإِنَّه ليس زهداً نفسيّاً فرديّاً ، بل زهد أُممي ومجتمعي وحضاري ؛ وزهد قيادة إِلٰهيَّة ، ونظام تدبير إِلٰهي لجملة العوالم وكافَّة المخلوقات ، مُنطلِق من الأَسمآء والصفات والفضائِل الإِلٰهيَّة. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 32 : 601/ح475. (2) ظنَّ كثير خطأً : أَنَّ غاية غايات أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه من حرب الجمل وصفِّين والنهروان هزيمة وإِبادة الطرف ونسفه عسكريّاً ، والحقُّ : أَنَّ الَّذي كان يتوخَّاه أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه وأنجزه : (فَقْئُ الفتنة). وإِلى هذا أَشارت بياناته صلوات اللّٰـه عليه ، منها : أَوَّلاً : بيانه عليه السلام : «... فأَنا فقأتُ عين الفتنة بباطنها وظاهرها ...». بحار الأَنوار ، 26 : 152ـ 153/ح40. المحتضر : 87. ثانياً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «... فأَنا فقأتُ عين الفتنة ، ولم يكن ليجترئ عليها أَحد غيري ، بعد أَنْ ماج غيهبها ، واشتدَّ كلبها ...». بحار الأَنوار ، 41 : 348 ـ 349/ح61. نهج البلاغة ، 1: 199 ـ 201. ثالثاً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «أنا فقأتُ عين الفتنة ، ولولا أَنا ما قوتل أَهل النهروان ولا أَصحاب الجمل ، ولولا أَنِّي أَخشىٰ أَنْ تتَّكلوا فتدعوا العمل لأخبرتكم بالَّذي قضىٰ اللّٰـه على لسان نبيّكم لـمَنْ قاتلهم ؛ مبصراً بضلالهم ، عارفاً للهدىٰ الَّذي نحن عليه». بحار الأَنوار ، 33 : 356/ ح588. رابعاً : بيان الإِمام الباقر في تفسيره لبيان أَمير المؤمنين عليهما السلام : «... فقأت عين الفتنة ، وأَقتل أُصول الضلالة ...». بحار الأَنوار ، 39: 348ـ 349/ح20. مناقب آل أَبي طالب ، 1 : 512 ـ 514. ودلالة الجميع واضحة ؛ فإِنَّه عليه السلام ـ مثلاً ـ بيَّن في حرب الجمل : أَنَّ أُمّ المؤمنين والصحابي يُقتلا إِذا زاغا عن جادَّة الدِّين وحارباه ؛ فإِنَّ مُوقعيَّة أُمّ المؤمنين والصحابي لا تعني المقايضة على أَصل الدِّين. وهذه البصيرة العظيمة وبيان المراتب أَعظم من دون قياس من الإِنتصار والحسم العسكري في معركة الجمل وهزيمة عائشة ومَنْ ضلَّ من الصحابة ، وأَعظم من دون قياس أَيضاً من الإِنتصار عسكريّاً على معاوية في حرب صفِّين ، فإِنَّ سن وترسيخ الثوابت الإِنسانيَّة ، بل الحضاريَّة العوالميَّة أَعظم من الحسم العسكري ، فمثلاً : كان المُعتقد السَّائد عند المسلمين دينيّاً وسياسيّاً : أَنَّ القرآن النَّاطق ـ وهو : الإِمام من أَهل البيت عليهم السلام ـ لا يعدل ولا يُعادل القرآن الصامت ـ المصحف الشريف ـ ، لكن : أَمير المؤمنين عليه السلام أَثبت في معركة صفِّين بطلان وضحالة هذا الإِعتقاد ؛ وأَنَّ القرآن الصامت لا يقي الفتنة ، ولا يعطي الهداية من دون القرآن النَّاطق. وهذه عبرة وبصيرة سنَّها وأَنجزها أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه في معركة صفِّين أَعظم من إِبادة معاوية وجيشه. وعلى هذا قس ما حصل في معركة النهروان ؛ فإِنَّ ما حقَّقه صلوات اللّٰـه عليه فيها من إِنجاز حضاري أَعظم من دون قياس من الحسم والإِنتصار العسكري وهزيمة أَصحاب النهروان ؛ فإِنَّهم كانوا أَصحاب فتنة فقأها صلوات اللّٰـه عليه وبنىٰ فيها بصيرة حضاريَّة ، عظيمة وخطيرة في المسلمين ، بل في البشريَّة ، بل وفي جملة المخلوقات ؛ فإِنَّ الخوارج كانوا يتمترسون بـ : (سبُّوح قدُّوس) ، وبـ : شعار (لا حكم إِلَّا لِلّٰـه) ؛ وهو شعار حقّ وعدل ، لكن الزيغ كان يكمن في منهاجهم ، ومعناه : أَنَّ الشعار العادل ينبغي أَن لا يغرَّ العاقل ، فلا بُدَّ من النظر إِلى ما ورائه ، ومن ثَمَّ أَجاب صلوات اللّٰـه عليه عن شعارهم هذا : أَنَّه : «كلمة حقّ أُريد بها باطل...». [ بحار الأَنوار، 33 : 338/ح583 ] ، ومعناه : أَنَّ كلمة الحقّ قد تكون فتنة ؛ ومن ثَمَّ المصحف الشريف قد يكون فتنة ، وأُمومة المؤمنين قد تكون فتنة ، وصحبة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله قد تكون فتنة. وهذه الفتن لا تُرفع ولا تُفقأ عينها إِلَّا بأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم. إِذَنْ : القرآن الصَّامت لا محالة يكون فتنة إِذا تُرك القرآن النَّاطق. ثُمَّ إِنَّه لا يمكن تأسيس هذه البصيرة وما شاكلها في المسلمين ، بل في جملة البشريَّة ، بل في كافَّة المخلوقات وفي طُرِّ العوالم إِلَّا بيد أَمير المؤمنين وسائرأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ؛ فإِنَّه مَنْ كان يجرأ على قتال أُمّ المؤمنين والصحابة كالزبير وطلحة إِذا عادوا أَصل الدِّين غير أَمير المؤمنين عليه السلام مؤسس دين الإِسلام بعد سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله . والخلاصة : أَنَّ العبرة الَّتي توخَّاها أَمير المؤمنين عليه السلام من حروبه أَعظم من دون قياس من المكاسب السياسيَّة والعسكريَّة. وهذه بصيرة بنيويَّة عقائديَّة ، معرفيَّة ، حضاريَّة ، ونظام الدِّين ، تبقىٰ شاخصة إِلى ما بعد عَالَم الآخرة الأَبديَّة ، يجب على المخلوق الإِلتفات إِليها والعضّ عليها بضرس قاطع