معارف إِلٰهيَّة : (139) ، خاتمة تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وفيها قضايا ، القضيَّة السابعة والعشرون
03/06/2024
الدرس (139) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنَّ تم ( بحمد الله تعالى) في الدرس (86) تعريف حقيقة الإِمام و إِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة ، وصل بنا الكلام الى الخاتمة ، نذكر فيها (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) قضيَّة ، بعضها توضيح أَكثر لِـمَا تقدَّم بيانه ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) الى القضيَّة الاخيرة ، وكانت تحت عنوان (تطوُّر النظام السياسي بنموِّ العقل البشري) ،ووصل بنا الكلام الى البيان والدليل الثاني من بيانات وادلة المطلب المتقدم ، ولاجل حصول الربط بين المطالب نعيد ما ذكرناه في الدرس المتقدم ثم نكمل بيانات وادلة المسالة، فنقول مستعينين بالله تعالى : إِذَنْ : حصل لدىٰ العقل البشري نوع تنمويَّة في الإِدارة والتدبير ، بعد الإِلتفات : أَنَّه كُلَّما تكاملت البشريَّة كُلَّما تعقَّدت ثقافتها : الأَمنيَّة والعسكريَّة والسياسيَّة والإِقتصاديَّة والصحيَّة والمروريَّة وهلمَّ جرّاً ، وصعب : نظمها وتدبيرها وإِدارتها. وهذا برهانٌ عقليٌّ دالٌّ على علوِّ سُؤدد سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، وتقدُّمهم على جملة سائركُمَّل المخلوقات ؛ فإِنَّ العقل البشري بعدما كان في دوامة التنامي والتكامل غير المتناهي كان يتعطَّش دائماً ويطلب مُعَلِّماً أَكبر وأَعظم : شأناً ومقاماً ؛ ورفعةً وفضلًا وكمالًا. ومنه يتَّضح : عدم غرابة القول بتقدُّم شؤون وأَدوار ومسؤوليَّات ومقامات وفضائل وكمالات : آباء وأَجداد سيِّد الأَنبياء وأَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آلهما من أَصحاب الدائرة الإِصطفائيَّة الثانية ، كـ : (عبداللّٰـه ، وأَبي طالب ، وعبدالمطَّلب ، وهاشم ، وعبد مناف عليهم السلام) على جملة من تقدَّمهم من كُمَّل المخلوقات منهم : سائر أَنبياء أُولي العزم كالنَّبيِّ إِبراهيم عليهم السلام ؛ لأَنَّ مسؤوليَّة اللَّاحق تكون أَعظم وأَخطر وأَعقد ، فالمجتمع البشري صار في زمان آباء وأَجداد سيِّد الأَنبياء وأَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آلهما : أَعقد إِدارة وتدبيراً وصلاحاً من أَزمنة سائر جملة الأَنبياء والرُّسل السَّابقين ؛ كالنَّبيِّ : إِبراهيم وموسىٰ وعيسىٰ عليهم السلام ؛ فتكون مقامات وشؤون ومسؤوليَّات المدير والمُدبِّر لشؤون هذه الأَعصار المتأخِّرة أَرفع وأَعظم خطراً. إِنْ قلتَ : إِنَّه على هذا الأَساس يلزم أَنْ يكون الإِمام الثاني عشر عجل الله تعالى فرجه ومقاماته وادواره ومسؤوليَّاته وشؤونه وفضائله وكمالاته اَرفع وأَعظم خطراً من مقامات وأَدوار ومسؤوليَّات وشؤون وفضائل وكمالات سيِّد الأَنبياء وسائر أَصحاب الكساء صلوات اللّٰـه عليهم ؛ لأَنَّ المجتمع البشري في زمان إِمامته عجل الله تعالى فرجه تطوَّر عمَّا كان في تلك الأَزمنة ، وتعقَّدت إِدارته ومسؤوليَّاته ، وتعقَّد صلاحه ، لكنَّه مخالف للضَّرورة الدينيَّة ، فإِذا بطل هذا اللازم فالملزوم(1) مثله. قلت : صحيح : أَنَّ إِدارة المجتمع وإِصلاحه قد تعقَّد أَكثر مِـمَّا كان في زمان سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، لكنَّ الثابت في عقيدتنا نحن الإِماميَّة ؛ وما دلَّت عليه بيانات القرآن الكريم وروايات الفريقين المتواترة ، منها : بيان قوله تعالىٰ : [وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ](2): أَنَّ المخلوق الأَوَّل والرئيس الَّذي يتولَّىٰ إِدارة الأُمور في هذا الزمان ، بل وفي كُلِّ زمان : سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، ووزرائه : أَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت منهم : الإِمام الثَّاني عشر صلوات اللّٰـه عليهم ؛ ضمن نظام واحد للدولة الإِلٰهيَّة العظيمة ، لا يحجزهم فاصِل عَالَم البرزخ وغيره عن أَداء مسؤوليَّاتهم ؛ وإِدارة شؤون هذه النشأة الأَرضيَّة على مرِّ الدهور والأَزمان. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله منضمّاً إِليه بيان أَمير المؤمنين عليه السلام ـ المُتَقدِّم ـ : «... أَيُّهَا اَلنَّاسُ ، خُذُوهَا عَنْ خَاتَمِ اَلنَّبِيِّينَ صلى الله عليه واله: «إِنَّهُ يَمُوتُ مَنْ مَاتَ مِنَّا وَلَيْسَ بِمَيِّتٍ ، وَيَبْلَى مَنْ بَلِيَ مِنَّا وَلَيْسَ بِبَالٍ» ، فَلاَ تَقُولُوا بِمَا لاَ تَعْرِفُونَ ، فَإِنَّ أَكْثَرَ اَلْـحَقِّ فِيمَا تُنْكِرُونَ ...»(3). ودلالته قد اتضحت ، فان معنى هذا البيان الشريف واشباهه ونظائره ليس ما فهمه جملة من العرفاء والصوفية ؛ من ان اهل البيت صلوات الله عليهم لم يموتوا ولم يدفنوا ، بل معناه : انهم صلوات الله عليهم ماتوا ودفنوا لكنهم بعد الموت وانتقالهم الى عالم البرزخ لم تمت ارتباطاتهم وتصرفاتهم في عالمنا الارضي هذا ، فيتصرفون صلوات الله عليهم في هذه النشاة الارضية ويديرون ويدبرون احوال وشؤون مخلوقاتها بابدانهم صلوات الله عليهم البرزخية ؛ كتصرفهم وادارتهم وتدبيرهم لاحوالها وشؤونها قبل موتهم صلوات الله عليهم وتبقى ارتباطاتهم بهذه النشاة الارضية على حالها من دون اي تغير واختلاف .وبهذا البدن البرزخي يتصل المعصوم منهم وهم في عالم البرزخ بالامام الحي ؛ كالامام الحجة ابن الحسن عجل الله تعالى فرجه . 2ـ بيان أَمير المؤمنين عليه السلام ـ المتقدِّم أَيضاً ـ : «... إِنَّ مَيِّتنا لم يمت ، وغائبنا لم يغب ، وإِنَّ قتلانا لن يُقتلوا ...»(4). 3ـ ما حصل لسماعة مع الإِمام الصَّادق عليه السلام ، قال : «دخلتُ على أَبي عبداللّٰـه عليه السلام وأَنا أُحدِّث نفسي ، فرآني فقال : مالك تُحدِّث نفسكَ ؟ تشتهي أَنْ ترىٰ أَبا جعفر ؟ قلتُ : نعم ، قال : قم فادخل البيت. فدخلتُ فإِذا هو أَبو جعفر عليه السلام . قال : أَتىٰ قوم من الشيعة الحسن بن عَلِيّ عليهما السلام بعد قتل أَمير المؤمنين عليه السلام فسألوه فقال : تعرفون أَمير المؤمنين إِذا رأيتموه ؟ قالوا : نعم. قال : فارفعوا الستر ، فعرفوه فإذا هم بأَمير المؤمنين عليه السلام لا ينكرونه ، وقال أَمير المؤمنين : يموتُ مَنْ مات منَّا وليس بمَيِّت ، ويبقىٰ من بقي مِنَّا حُجَّة عليكم»(5). 4ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، قال : «إِنَّ أَمير المؤمنين عليه السلام أَتَىٰ أَبا بكر فقال له : أَما أَمركَ رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله أَنْ تطيعني؟ فقال : لا ، ولو أَمرني لفعلتُ. قال : فانْطَلِق بنا إِلى مسجد قبا ؛ فإذا رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله يُصَلِّي ، فلَمَّا انصرف قال عَلِيّ عليه السلام: يا رسول اللّٰـه ، إِنِّي قلت لأَبي بكر : أَمركَ اللّٰـه ورسوله أَنْ تطيعني ، فقال : لا. فقال رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله : قد أَمرتُكَ فأطعه. قال : فخرج فلقي عمر وهو ذعر فقال له : مالك ؟ فقال : قال لي رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله : كذا وكذا. فقال عمر : تبّاً لأُمَّةٍ ولَّوكَ أَمرَهم ، أَمَا تعرف سحر بني هاشم؟!»(6). 5ـ بيان الإِمام الكاظم عليه السلام ، قال : «خرجتُ مع أَبي إِلى بعض أَمواله ، فلَمَّا برزنا إِلى الصَّحراء استقبله شيخ أَبيض الرأس واللحية ، فسلَّم عليه فنزل إِليه أَبي جعلتُ أسمعه يقول له : جُعِلْتُ فداك ، ثُمَّ جلسا فتساءلا طويلاً ، ثُمَّ قام الشَّيخ وانصرف وودَّع أَبي ، وقام ينظر في قفاه حتَّىٰ توارىٰ عنه ، فقلتُ لأَبي : مَنْ هذا الشَّيخ الَّذي سمعتكَ تقول له ما لم تقله لأَحد ؟ قال : هذا أَبي»(7). 6ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن إِبراهيم بن أَبي البلاد ، قال : «قلتُ لأَبي الحسن الرضا عليه السلام : حدَّثني عبد الكريم بن حسَّان ، عن عبيدة بن عبد اللّٰـه بن بشر(8) الخثعميّ عن أَبيك أَنَّه قال : كُنتُ ردف أَبي وهو يريد العريض ، قال: فلقيه شيخ أَبيض الرَّأس واللّحية يمشي ، قال : فنزل إِليه فقبَّل بين عينيه. فقال إِبراهيم : ولا أَعلمه إِلَّا أَنَّه قَبَّلَ يده ، ثُمَّ جعل يقول له : جُعِلْتُ فداك ، والشَّيخ يوصيه ، قال : وقام أَبي حتَّىٰ توارىٰ الشَّيخ ثُمَّ ركب ، فقلتُ: يا أبه ، مَنْ هذا الَّذي صنعت به ما لم أَركَ صنعته بأحد ؟ قال : هذا أَبي يا بنيّ»(9). 7ـ ما حصل لسماعة مع الإِمام أَبي الحسن عليه السلام ، قال : «كُنْتُ عند أَبي الحسن عليه السلام فأطلت الجلوس عنده ، فقال : أَتحب أَنْ ترىٰ أَبا عبداللّٰـه عليه السلام ؟ فقال : وددتُ واللّٰـه. فقال: قم وادخل ذلك البيت. فدخلتُ البيت فإذا أَبو عبداللّٰـه عليه السلام قاعد»(10). 8ـ بيان الإِمام الرضا عليه السلام ، عن الحسن الوشاء ، قال : «قال لي إِبتداءً : إِنَّ أَبي كان عندي البارحة ، قلتُ : أبوك ؟ قال : أَبي ، قلتُ : أَبوك ؟ قال : أَبي ، قلتُ : أَبوك ؟ قال : في المنام ، إِنَّ جعفراً عليه السلام كان يجيئ إِلى أَبي فيقول : يا بنيَّ إِفعل كذا ، يا بنيَّ إِفعل كذا يا بنيّ إِفعل كذا. قال : فدخلتُ عليه بعد ذلك فقال لي : يا حسن ، إِنَّ منامنا ويقظتنا واحدة»(11). 9ـ بيان زيارة أَمير المؤمنين عليه السلام : «... بأَبي أَنتَ وأُمِّي يا أَمير المؤمنين ، أَشهدُ أَنَّك تراني وتبصرني وتعرف كلامي وتجيبني ، وتعرف ما يجنَّه قلبي وضميري ...»(12). ودلالة الجميع واضحة. مسالة جديدة (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المراد من الملزوم : (أَنَّ آباء وأَجداد سيِّد الأَنبياء وأَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آلهما أَفضل شأناً وأَعلىٰ وأَعظم وأَخطر أَدواراً ومسؤوليَّات ومقامات وفضائل وكمالات إِلٰهيَّة مِنْ جميع مَنْ تقدَّمهم من جملة كُمَّل المخلوقات ، كسائرأَنبياء أُولي العزم عليهم السلام ؛ لأَنَّ مسؤوليَّاتهم صلوات اللّٰـه عليهم كانت أَعظم وأَخطر وأَعقد من مسؤوليَّات من تقدَّمهم). (2) التوبة : 105. (3) نهج البلاغة / خ86 : 143. (4) بحار الأَنوار ، 26 : 6/ح1. (5) بحار الأَنوار ، 27 : 303 ـ 304/ح4. بصائر الدرجات : 78. (6) المصدر نفسه/ح6. بصائر الدرجات : 78. (7) بحار الأَنوار ، 27 : 305/ح8. بصائر الدرجات : 80 ـ 81. (8) في المصدر : (بشير). (9) بحار الأَنوار ، 27 : 303/ح3. بصائر الدرجات : 78. (10) بحار الأَنوار ، 27 : 304/ح5. بصائر الدرجات : 78. (11) بحار الأَنوار ، 27 : 302/ح1. قرب الإِسناد : 151 ـ 152. (12) بحار الأَنوار ، 97 : 351/ح34. المزار الكبير : 97 ـ 101