معارف إِلٰهيَّة : (140) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
03/06/2024
الدرس (140) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد ما تقدم في التنويه : اننا نبغي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) من هذا الطرح التعرض لمئات المسائل المعرفية ، لكن قبل الدخول في صميم هذه المسائل ومن باب التبرك ؛ ولاهمية المسائل المتعلقة بحقائق أَهل البيت صلوات الله عليهم ومقاماتهم وشؤونهم واحوالهم لاسيما الصاعدة ، ولعطش الساحة البشرية للتعرف عليها بدانا ( بحمد الله تعالى) بالتعرض لثلاث من تلك المسائل المتعلقة بهم صلوات الله عليهم ، وقد تقدم الكلام من (الدرس/1 ـ الدرس /44) التعرض للمسالة الاولى ، وهي من مسائل المقصد الاول ، وكانت تحت عنوان : تفسير لبيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء » ، وكذا تقدم الكلام من (الدرس/45 ـ الدرس /139) التعرض للمسالة الثانية ، وهي من مسائل المقصد الخامس ؛ مقصد الامامة الإِلهيَّة ، وكانت تحت عنوان : « تعريف حقيقة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام الإِلٰهيَّة » ، والان و ( بحمد الله تعالى) وصلنا الى المسالة الثالثة ، وهي من المسائل المشتركة بين المقصد الثالث ـ اي : مقصد التوحيد ـ والمقصد الخامس ـ اي : مقصد الامامة الالهية ـ ، وهي تحت عنوان : « التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة » ، فنقول مستعينين بالله تعالى : / التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة / هناك ضرورة يجدر الإِلتفات إِليها ، حاصلها : أَنَّ التَّوَسُّل(1)(2) بالوسيلة الإِلٰهيَّة لا يقتصر على طلب قضاء الحوائج وغفران الذُّنوب وقبول التَّوبَة ، بل ولا يقتصر على قبول العبادات والأَعمال ، وإِنَّما عاصم أَيضاً عن الشِّرك ، والتَّعطيل والتَّشبيه ، والغلوّ والتَّقصير سواءٌ أَكان جليّاً أَم خفيّاً ، فالتَّوسُّل مقيم للتَّوحيد ، بل هو أُسُّ الإِيمان والتَّوحيد ؛ فلا يمكن لمخلوقٍ قَطُّ إِقامة وإِتمام أَصل الإِيمان والتَّوحيد إِلَّا به ، ومن ثَمَّ هو في الأَصل ليس بمستحبٍّ ، بل واجبٌ دينيٌّ ، بل ضرورة إِيمانيَّة ودينيَّة ، وهو عبادة معرفيَّة إِلٰهيَّة وعقليَّة ، وجهة وعنوان آخر لنفس مسلك الآية والأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ، وسائر مرادفاتها الإِلٰهيَّة العقليَّة ؛ فإِنَّها الطَّريق والصِّراط الفارد لتجنُّب : الشِّرك ، والتَّعطيل والتَّشبيه ، والتَّقصير والغلوّ الجليّ والخفي. ولَكَ أَنْ تقول : إِنَّه لفرط عظمة الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقَدَّسة ؛ وعلّوها وتعاليها وعدم تناهيها ؛ فلا تُقرُّ بالحدود ولا بالنِّهايات والغايات ، فلا يكتنفها شيء ، ولا يُحيط بها أَمر ، ولا يحدُّها مخلوق ، وعندها تتيه العقول وتستخفُّ الحلوم في بحرٍ مواجٍ لا يُدرَك طرفه ولا يبلغُ عمقه ، يغرق فيه السُّبحاء ، ويُحار فيه العلماء ، ويضيق بالسَّامع عرض الفضاء ، أَقتضت الضَّرورة الإِلٰهيَّة لمخلوقات شريفة ؛ بحور زاخرة لا تنزف ، وجبال شامخة لا تُقهر ، ولا يعتورها موت ولا فناء ، ولا زيف ولا تغيير ، ولا كلل ولا فتور ، ولا يعتريها شين ولا يشوبها مين ، خالصة في حكاية الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة من وجهٍ ، لا يشوبها شوب الإِنا ؛ فلا تُري نفسها ، بل محكيِّها ، وتلك المخلوقات الشَّريفة هي : (الوسيلة) و (الآية) و (الأَسمآء) و(الصِّفات) الإِلٰهيَّة وسائرمرادفاتها الالهية العقليَّة ، وهي طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ؛ النَّاموس الأَنور ، والسِّراج الأَزهر ، والزِّلفة والكوثر ، نور الأَنوار ، ومحلّ سرّ الأَسرار ، وعنصر الأَبرار ، ولسان وبيت الصِّدق ، ومحلّ الرفق ، السِّراج الوهَّاج ، والسَّبيل والمنهاج ، والماء الثجاج، والبحر العجاج، والسَّبيل الأَقوم ، والصِّراط الأَعلم ، والسِّراج لمَن استضاء به ، والمحجَّة العُظمىٰ ، والسَّبيل المفضية لِمَن لزمها النَّجاة ، ولِمَن تقدَّمها غرق في بحر الإِفراط ، ومَنْ تأَخَّر عنها زهق في برِّ التَّفريط ، صاحبة السَّنام الأَعظم ، وطريق الحقّ الأَبلج ، والسَّبيل الَّذي لا يختلج ، والمنهج الحكيم ، والصِّراط القويم ، والقسطاس المُستقيم ، والمنهاج القويم ، والذِّكر الحكيم ، والوجه الكريم ، والنُّور القديم الموصل إِلى النَّعيم المُقيم. وبالجملة : (الوسيلة الإِلٰهيَّة) ـ وهي : طبقات حقائق أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسطة والنَّازلة ـ لَـمَّا كانت فانية فناء حكاية في الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) عُرِّفَ التَّوسُّل والوسيلة (لغة) : ما يجعله العبد من واسطة بينه وبين ربِّه ؛ للتَّوصُّل بها إلى تحصيل المراد والمقصود وهو القرب إِليه (عزَّوجلَّ) ، أَو مُطلق ما يوسِّطه الشَّخص للتّقرُّب به إِلى الطَّرف ، كالأَقارب والمعارف والعمل. واصطلاحاً : عين ما عُرِّفَ به لغة ، نعم الإِختلاف في تحديد مصاديق الواسطة والوسيلة الَّتي نصَّبها الباري (تقدَّس ذكره) ؛ للتَّوسُّل والتَّقرُّب بها إِليه (تقدَّس ذكره). (2) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ لحقيقة التَّوسُّل نحوين : أَحدهما : التَّوسُّل إِلى الشيء. الآخر : التَّوسُّل بالشيء. والتَّوسُّل باللّٰـه الاسم (جلَّ جلاله) من النَّحو الثَّاني ، والتَّوسُّل باللّٰـه المُسَمَّىٰ (جلَّ قدسه) من النحو الأَوَّل ، وهو الأَعظم والأَرفع. ثُمَّ إِنَّ كثيراً من الأَسرار والعطايا العلميَّة والمعرفيَّة والرُّوحيَّة والنَّفسيَّة حصلت لأَصحابها نتيجة التَّأمُّل والتَّدبُّر والتَّوسُّل والعروج الرُّوحي أَثناء العبادة ـ كالصَّلاة والصيام ، والحج والزيارة ، وقراءة القرآن الكريم ، والصَّدقة وإِعانة الملهوف ـ وهذا نحو عبادة علميَّة ومعرفيَّة تكون النَّفس فيه طيِّعة وغير مُتمرِّدة