معارف إِلٰهيَّة : (142) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
06/06/2024
الدرس (142) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، لازال البحث ( بحمد الله تعالى) في المطلب السابق ، وكان تحت عنوان : ( التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة) ،ووصل بنا الكلام الى المطلب التالي: / أَعداء أَهل البيت عليهم السلام/ / (الجِبْت) نقيض الوسيلة ومرادفاتها الإِلهيَّة العقليَّة / / (الجِبْت) قاطع لطريق الوصول لساحة القدس الإِلهيَّة / وعلى نقيض التَّوسُّل والوسيلة والآية والصِّفات والأَسمآء الإِلٰهيَة ؛ ومرادفاتها الإِلٰهيَّة العقليَّة قام (الجِبْتُ) ـ المُتَمَثِّل بأَعداء أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ـ ؛ فإِنَّه مظهر وتجلِّي الأَنا ، وقاطع لطريق المعرفة والإِيمان والتَّوحيد ، وقاتل لروح التَّفكير الحرّ والبحث العلمي ، والتَّصدِّي(1) للمسؤوليَّة الدِّينيَّة والشَّرعيَّة ، ومُحجِّر للعقول ، ومُميت للحقائق ، وصراط لا يحيد عن الضَّلال والزَّيغ والزَّلل والإِنحراف بجميع أَطواره وأَشكاله وأَنحائه ، المُلقِي بصاحبه في تيه وغياهِب شراك : الشرك ، والتَّعطيل والتَّشبيه ، والغلوّ والتَّقصير الجلي والخفي. وبالجملة : أَحد أَركان المعاني الدَّقيقة والمُعقَّدة والصعبة والمُهمَّة لكلمة : (الجِبْت) : لغة القاطع والسَّاد لطَّريق الوصول إِلى اللّٰـه عزَّوجلَّ ، كمعنىٰ : (جَبّ) أَي : قطع. ثُمَّ إِنَّ الثابت في منطق بيانات الوحي : أَنَّ دور الجِبْت وآثاره المانعة من الوصول إِلى ساحة القدس الإِلٰهيَّة أَخطر من دور الطَّاغوت وآثاره. وللتَّوضيح أَكثر نقول : إِنَّ هناك عناوين ثلاثة ، وردت في بيانات الوحي ، يجدر صرف النظر إِليها : أَحدها : عنوان : (الجِبْت) ؛ فإِنَّه يُطلق في بيانات الوحي ويراد منه : صاحب ومؤسس الفتنة ، وقاطع لطريق الهُدَىٰ ؛ بفتنةٍ ونهجٍ مُؤسَّسٍ. مثاله : المستولي الأَوَّل. ثانيها : عنوان : (الطَّاغوت) ؛ فإِنَّه يُطلق أَيضاً في بيانات الوحي ويُراد منه : مَنْ كان له دور مؤثِّر في الفتنة ، لكنَّه لا يرتقي ولا يكون بقوَّة تأثير الجِبْت . نعم أَشَدُّ شراسة وطغياناً من الجِبْت في جانب الإِجراء والتنفيذ. مثاله : المستولي الثَّاني. ثالثها : عنوان (فرعون) ؛ فإِنَّه يُطلق أَيضاً في بيانات الوحي الإِلٰهيّ ويُراد منه : صاحب المجموعة والمنظومة والنظام الكامل في الظلم والإِضطهاد في جانب التَّطبيق والتَّنفيذ والإِجراء. بل بحسب منطق بيانات الوحي : أَنَّ كُلَّ نظامٍ سياسيٍّ غير قائمٍ على نظم ومنظومة العدل الإِلٰهيّ فهو نظام فرعونيّ. مثاله : المستولي الثَّالث. ومن ثَمَّ عبَّرت بيانات أَهل البيت عليهم السلام عن رؤساء قريش ـ الَّذين واجهوا سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، كـ : أَبي جهل ـ بـ : (الفراعنة) ؛ لأَنَّه كان لقريش نظام قَبَلي ، مارس الظلم(2) والاِضْطِهاد في حقِّ سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ومَنْ والآه(3). ومنه تتَّضح : كثير من بيانات الوحي ، منها : بيان قوله تعالىٰ :[ وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ] (4). فإِنَّه برهان وحيانيٌّ دالٌّ على أَنَّ ظاهرة الفرعونيَّة عبارة عن منظومة ونظام(5) يُمارِس الظلم والاِضْطِهاد في جانب التنفيذ والإِجراء ، وهذا بخلاف (الجِبْت) و (الطَّاغوت) ، فإِنَّهما ليسا أَصحاب منظومة ونظام ، وإِنَّما دورهما دور فرديّ ، لكن قد يقوما بأَفعال لا تقوم بها منظومة ونظام. / عصارة ما تقدَّم / وعصارة القول : أَنَّ التَّوسُّل بالوسيلة والآية الإِلٰهيَّة ومرادفاتها الإِلٰهيَّة العقليَّة : عين التَّوحيد ، وأَعظم الفرائض في أَبواب العقائد ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) هذا عطف على كلمة : (التَّفكير) ، فتكون العبارة كالتَّالي : (وقاتل لروح التَّصَدِّي للمسؤوليَّة الدِّينيَّة والشَّرعيَّة). (2) يجدر الإِلتفات : أَنَّ (المظلوميَّة) في منهاج الوحي الإِلٰهي ليس معناها : (استضعاف الإِنسان لنفسه ، وانكفاءه وانكساره وتخاذله) ـ كما عليه منهج النصرانيَّة المُنحرفة ، وما تُروِّج إِليه الثقافة الغربيَّة تحت عنوان : (التَّسامح والتَّساهل) ؛ لضعضعة الشُّعوب المحرومة ـ بل معناه : الإِيعاز للمظلوم أَنْ يكون عفوّاً وغفوراً ، وأَنْ لا يستوفي من الظالم ـ إِنْ تمكَّن منه ـ أَكثر من حقِّه. وهذا المعنىٰ ظهر جليّاً في تعامل أَهل البيت ـ سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت ـ صلوات اللّٰـه عليهم مع مَنْ ظلمهم بعد التمكُّن منه ، والنصوص الوحيانيَّة والتَّأريخيَّة مشحونة بتلك السِّيْرَة فاطرقها تسمع الجواب واضحاً وجليّاً. (3) إِنَّ أَعظم ظلم جرىٰ على البشريَّة لا يَكمُن في إِقصاء أَهل البيت عليهم السلام عن الحُكم ودورهم السياسي ؛ وإِقامتهم للعدل الإِلٰهيّ بين بني البشر ـ سوآء أَكان عدلًا اقتصاديّاً أَو تجاريّاً أَو أَمنيّاً أَو مجتمعيّاً أَو غيرها ـ بل في إِبعادهم عن أَنْ يكونوا مُعلِّمين وهداة ومربِّين ومزكِّين إِلٰهيِّين للبشريَّة جمعاء. بعد الإِلتفات : أَنَّ المخلوق يصبح حيوانا وبهيمة ، بل أَضلّ سبيلاً من دون نور العلم ، فأَعظم شيء في كمال المخلوق تنمية روحه وعقله وقلبه ونوره. فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «النَّاس إِثنان : عَالِم ، ومُتَعَلِّم ، وسائر النَّاس هَمَج ، والهَمَج في النَّار». بحار الأَنوار ، 1 : 187/ح3. والمراد : من (سائر النَّاس) : باقي النَّاس ، باتِّفاق أَهل اللُّغة ، كما في اللِّسان. والمراد : من (الهَمَج) ـ بالتَّحريك ـ جمع هَمجَة ، وهي : ذباب صغير كالبعُّوض يسقط على وجوه الغنم والحمير وأَعينها. ذكره الجوهري. وبالجملة : مقام سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم في كونهم مُعلِّمين وهداة ومربِّين ومُزكِّين إِلٰهيِّين أَعظم من مقام الولاية السياسيَّة ، ومقام القيادة والقدرات الماليَّة والعسكرية. (4) الأعراف : 141. (5) وهذا ما أَشار إِليه بيان الآية الكريمة بقوله : [ آل فرعون ]