معارف إِلٰهيَّة : (151) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
15/06/2024
الدرس (151) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، لازال البحث ( بحمد الله تعالى) في المطلب السابق ، وكان تحت عنوان : ( التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة) ، ووصل بنا الكلام الى الطلب التالي : / مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى / ومِنْ كلِّ هذا : تتجلَّىٰ الغشاوة عن أَبصار مُتأمِّلي كثير من بيانات الوحي(1) ودلائله النيِّرة وبراهينه الباهرة ، وينقشع العمىٰ عن عيون متدبِّريها ، ليمتد بصرهم إِلى أَعنان عوالم لم يصل إِليها فكر وخيال ملك مُقرَّب ولا نبيٍّ مرسل ولا مؤمن ممتحن ، ليزدادوا في هذا الأَمر : بصيرة وسروراً ، وإِيماناً مع إِيمانهم ، ويقيناً ورغبةً وتصديقاً بشرع السَّماء ، وكرامة وزلفىٰ وأثَرَة عند اللّٰـه. وهذه مِنَّة من اللّٰـه (جلَّ شأنه) يجب شكرها. وهلمَّ معي لنكشف نقاب بعض طوائفها ؛ المُترادفة عقلاً مع ما تقدَّمها وما يتلوها ؛ ليعضد بعضها الآخر لترتقي من درجات اليقين الحاصلة من نفس طائفتها إِلى درجات أَرقىٰ من اليقين والقطع العقلي والوحياني غيرالمتناهي(2) ، ونخرج بعض لبابها وشذرات من دررها. / طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة انعكاسات لصفات الذَّات المُقدَّسة / / صفات أهل البيت عليهم السلام وشؤونهم تجلِّيات لصفات وشؤون الذَّات الإِلهيَّة / الطَّائفة الأُولىٰ ، ويُمثِّلها : أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين (صلوات اللّٰـه عليه) في خطبةٍ في جامع البصرة : «معاشر المؤمنين والمسلمين : إِنَّ اللّٰـه (عزَّوجلَّ) أَثنىٰ على نفسه فقال: «هو الأَوَّل ... والآخِر ... والظَّاهر ... والباطن ... سلوني قبل أَنْ تفقدوني ، فأَنا الأَوَّل ، وَأَنا الآخر» ، إِلى آخِر كلامه ، فبكىٰ أَهل البصرة كلّهم، وصلّوا عليه»(3). ثانياً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «... وأَنا ... قلب اللّٰـه وبابه الَّذي يؤتىٰ منه ، ادخلوا الباب سُجَّداً أَغْفِر لكم خطاياكم وأَزيد المحسنين ...»(4). ثالثاً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «... ولولا مَا نَهَىٰ اللّٰـهُ عَنْهُ مِنْ تَزْكيةِ المَرءِ نَفسَهُ؛ لَذَكَرَ ذَاكِرٌ فَضَائلَ جَمَّةً ، تَعرِفُهَا قُلُوب المُؤمِنينَ ، ولا تَمُجُّهَا آذَانُ السَّامِعينَ ، فَدَعْ عَنْكَ مَنْ مَالَتْ بِهِ الرَّمِيَّةُ ، فَإنَّا صَنَائعُ رَبِّنَا ، والنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا ...»(5).(6) رابعاً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «... لا تجعلونا أَرباباً وقولوا في فَضْلِنَا ما شِئْتُم؛ فإِنَّكم لا تبلغون كُنْه ما فينا ولا نهايته ... لا تُسَمُّونا أَرباباً وقولوا في فضلنا مَا شِئْتُم ؛ فإِنَّكم لَنْ تبلغوا مِنْ فضلنا كُنْه ما جعله اللّٰـه لنا ، ولا معشار العشر...»(7). (8) خامساً : بيانهم عليهم السلام : «لنا مع اللّٰـه حالات : هو هو ، ونحن نحن ، وهو نحن ، ونحن هو»(9). سادساً : بيان أَبي جعفر عليه السلام ، عن أَبي حمزة ، قال : «سئلتُ أَبا جعفر عليه السلام عن قول اللّٰـه : [وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا] (10)، قال: تفسيرها في بطن القرآن : عَلِيّ هو ربُّه في الولاية والطَّاعة ، والرَّبُّ هو : الخالق الَّذي لا يوصف»(11). سابعاً : بيان تفسيرهم صلوات اللّٰـه عليهم لبيان قوله تعالىٰ :« [أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا] (12)... : يرد إِلى أَمير المؤمنين عليه السلام فيُعذِّبه عذاباً نكراً حتَّىٰ يقول : [يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا] (13)... أَي: من شيعة أَبي تراب»(14). ثامناً : بيان النَّاحية المُقدَّسة : «... ونحن صنائع ربُّنا ، والخلق بَعْدُ صنائعنا»(15). تاسعاً : بيان دعاء أَيّام شهر رجب ، عن النَّاحية المُقدَّسة أَيضاً ، الوارد في حَقِّ أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ ... بما نطق فيهم من مشيئتِكَ ، فجعلتهم معادنَ لكلماتِكَ ، وأَركاناً لتوحيدكَ ، وآياتكَ ومقاماتكَ الَّتي لا تعطيل لها في كُلِّ مكانٍ ، يَعْرِفُكَ بها مَنْ عَرَفَكَ ، لَا فرق بينكَ وبينها إِلَّا أَنَّهم عبادُكَ وَخَلقُك ، فتقُها وَرَتقُها بيدِكَ ، بدؤها مِنكَ وعودُها إِلَيْكَ ... فبهم ملأَتَ سماءكَ وَأَرضكَ حتَّىٰ ظهر : أَن لا إِلٰهَ إِلَّا أَنْتَ ...»(16). ودلالتها قد اِتَّضحَت ؛ فإِنَّه بعدما كانت طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسطة والنَّازلة نظام عَالَم الخلقة والوجود والإِمكان على الإِطلاق قاطبة ، ووسائط الفيض الإِلٰهيّ الفاردة ، والوسيلة الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة الحصريَّة ، ووجه اللّٰـه ، والسَّبيل والسَّبب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ التَّكويني الحصري والأَدنىٰ بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ(17) ـ (جلَّ وتقدَّس) وجملة العوالم وطُرّ المخلوقات كانت تلك الطَّبقات خالصة من شائبة الأَنا والمخلوقيَّة ، وانمحت لشدَّة خلوصها ماهيَّاتها وذواتها الممكنة ؛ فلم يُرَ فيها ماهيَّة : (مُحَمَّد ، وعَلِيّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ...) ، وفنيت في الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة فناء حكاية انعكست فيها جميع صفات وأَسمآء وشؤون الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة إِلَّا الأُولوهيَّة ، لخروجها تخصُّصاً وموضوعاً ، فكما أَنَّ اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ صاحب الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المقدَّسة هو : (اللّٰـه ، رحمٰن ، رحيم ، ملك ، قدوس ، سلام ، مؤمن ، مهيمن ، عزيز ، جبَّار ، مُتكبِّر ، خالق ، بارئ ، مصوُّر ، غفَّار ، قهَّار، وهَّاب ، رزَّاق ، فتَّاح ، عليم ، قابض ، باسط ، خافض ، رافع ، معز ، مذل ، سميع ، بصير ، لطيف ، خبير ، عظيم ، عَلِيّ ، مقيت ، رقيب ، مُجيب ، شهيد، حقٌّ ، قويٌّ ، متين ، محصي ، محي ، مميت ، حيّ ، قيُّوم ، واحد ، صمد ، قادر ، مقتدر ، أَوَّل ، آخر ، ظاهر ، باطن ، توَّاب ، منتقم ، عفو ، رؤوف ، غني ، مغني ، مانع ، ضار ، نافع ، هادي ، باقي ، بديع ، وارث) وهلمَّ جرّاً من سائر الأَسمآء الإِلٰهيَّة الحُسنىٰ ، وموصوف بما يلائمها من الصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة المقدَّسة كذلك طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة تتَّصف بهذه الأَسمآء والصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة المقدَّسة ، وتفعل أَفاعيلها ، لكن لا بالأَصالة ، بل بالتَّبع وبالتَّجَلِّي والظُّهور والإِفاضة ، كرماً وعطيَّة من الذَّات الإِلٰهيَّة المقدَّسة ، وتفعل أَفاعيله بإِذنه (عزَّ ذكره). وهذا ما أَشارت إِليه بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ينبغي الإِلتفات : أَنَّه من خلال ما تقدَّم ستنحل شفرات كم هائل من بيانات الوحي عين اليقين وحقيقته ، وصراط الحقّ وعصمته ، المستعصي حلّها وفهمها وهضمها عبر القرون على مَنْ تعامل معها ، فاضطرَّه إِمَّا إِلى دفع حُجِّيَّتها أَو رفعها وإسقاطها سنداً أَو متناً ؛ بالتَّأويل وما شاكله ، أَو إِحالتها على أَهلها (صلوات اللّٰـه عليهم) على أَفضل الأَحوال ، لكنَّه سيتِّضح (إِنْ شاء اللّٰـه تعالىٰ) : أَنَّ تلك التَّأويلات وذلك الدَّفع أَو الرفع فخفخة قول مِمَّن داخله الشَّكّ واستولىٰ عليه الرَّيب ، بل تخطب على نفسها : أَنَّ هذا الصنيع ظاهر التكلُّف ، بَيِّن التوليد ، وجرأة على الشريعة القويمة ، وهتك لأَستار السُّنَّة الكريمة ، ولو مشينا مع ذلك الكم الهائل من بيانات الوحي كما تشاء الصناعة العلميَّة والقواعد الأُصوليَّة لوجدنا منها الكم الغفير مقطوع الصدور والدلالة بالقطع العقلي ، بل الوحياني من خلال التَّرادف العقلي وغيره ، ومن ثَمَّ لا يبقىٰ مجال لموقف الشَّكّ ، أَو ميداناً لمُشكِّكٍّ. (2) إِنَّ اليقين والقطع بعدما كانا على درجات ومراتب غير متناهية فتلك البيانات الوحيانيَّة المُتقدِّمة وما سيأتي (إِنْ شاء اللّٰـه تعالىٰ) وإِنْ كانت كُلُّ طائفةٍ تورث بنفسها اليقين والقطع العقلي ، بل والوحياني ، لكن : بضم بعضها إِلى الآخر ستحصل درجات ومراتب أَرقىٰ من اليقين والقطع العقلي والوحياني غيرالمتناهي. فالتفت ، واغتنم. (3) بحار الأَنوار ، 39 : 348/ح20. مناقب آل أَبي طالب ، 1 : 512 ـ 514. (4) بحار الأَنوار ، 39 : 348/ح20. (5) المصدر نفسه ، 33 : 58/ح398. نهج البلاغة/باب : المختار من الكتب : 413/كتاب : (28). (6) قال صاحب البحار مُعَلِّقاً على عجز هذا المقطع : «هذا كلام مشتمل على أَسرار عجيبة من غرائب شأنهم الَّتي تعجز عنها العقول ...». وقال ابن أَبي الحديد في شرح عجز هذا المقطع ، 15: 194 : «هذا كلام عظيم ، عالٍ على الكلام ، ومعناه عالٍ على المعاني ...». (7) بحار الأَنوار ، 26 : 1 ـ 7/ح1. (8) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ هذا البيان ثبت بالاستقراء اليسير ، وفي بعض المصادر الحديثيَّة : أَنَّ له اثنى عشر طريقاً. (9) مصباح الهداية : 114. (10) الفرقان : 55. (11) بحار الأَنوار ، 35 : 369 ـ 370/ح14. بصائر الدرجات : 21 ـ 22. (12) الكهف : 87. (13) النبأ : 40. (14) بحار الأَنوار ، 24 : 262 ـ 263/ح20. كنز الفوائد : 369. (15) بحار الأَنوار ، 53 : 178/ح9. غيبة الشَّيخ : 184 ـ 185. الإِحتجاج : 253. (16) بحار الأَنوار ، 95 : 393. (17) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ استعمال الإِسم الإِلٰهيّ كـ : اسم (اللّٰـه) على نحوين ، فتارة يُطلق ويُراد به المُسَمَّىٰ ، وما وراء الإِسم الإِلٰهيّ ، أَي : الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وأُخرىٰ يُطلق ويُراد به نفس الإِسم الإِلٰهيّ ، وهو : مخلوق عظيم وخطير ومهول جِدّاً ، من مخلوقات عَالَم الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ، وهو احد طبقات حقائق اهل البيت صلوات الله عليهم الصاعدة ، يحكي الَّذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة من وجهٍ ، مهيمن على ما تحته من عوالم ومخلوقات ، ويتصرَّف فيها تصرُّف اللَّطيف في الأَغلظ ، فهو : «داخل فيها لكن لا بالمزاولة والممازجة ، وخارج عنها لكن لا بالمزايلة والمفارقة». والاستعمال الأَوَّل هو الأَكثر إِنسباقاً إِلى الذهن ، وهو استعمال آلي وطريقي للوصول إِلى ما وراء حقيقته وواقعيَّته الشَّريفة ، والاستعمال الثَّاني موضوعي. ثُمَّ إِنَّه ينبغي الإِلتفات أَيضاً : أَنَّ الآليَّة والموضوعيَّة ليست في لفظ الإِسم الإِلٰهيّ المقدَّس ، ولا في معناه ، بل في ما وراء المعنىٰ من واقعيَّة وحقيقة مُقدَّسة ، فينظر إِلى تلك الواقعيَّة والحقيقة المُقدَّسة تارة بما هو آية وعلامة مشير وحاكي للذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وأُخرىٰ بما هو هو كواقعيَّة وحقيقة ووجود مُقدَّس ، مخلوق خطير ومهول وعظيم جِدّاً من عَالَم الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ؛ عَالَم السَّرمد والأَزَل ، والمُعبَّر عنه في بيانات الوحي بـ : عنوان : (عنده). فالتفت