معارف إِلٰهيَّة : (152) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
16/06/2024
الدرس (152) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، لازال البحث في الطائفة الاولى ، وكانت تحت عنوان : « طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة انعكاسات لصفات الذَّات المُقدَّسة » ، وعنوان : « صفات أهل البيت عليهم السلام وشؤونهم تجلِّيات لصفات وشؤون الذَّات الإِلهيَّة » ، « ووصل بنا الكلام الى البيان والدليل الثامن من مصاديق هذه الطائفة : ثامناً : بيان النَّاحية المُقدَّسة : «... ونحن صنائع ربُّنا ، والخلق بَعْدُ صنائعنا»(1). تاسعاً : بيان دعاء أَيّام شهر رجب ، عن النَّاحية المُقدَّسة أَيضاً ، الوارد في حَقِّ طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الصاعدة : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ ... بما نطق فيهم من مشيئتِكَ ، فجعلتهم معادنَ لكلماتِكَ ، وأَركاناً لتوحيدكَ ، وآياتكَ ومقاماتكَ الَّتي لا تعطيل لها في كُلِّ مكانٍ ، يَعْرِفُكَ بها مَنْ عَرَفَكَ ، لَا فرق بينكَ وبينها إِلَّا أَنَّهم عبادُكَ وَخَلقُك ، فتقُها وَرَتقُها بيدِكَ ، بدؤها مِنكَ وعودُها إِلَيْكَ ... فبهم ملأَتَ سماءكَ وَأَرضكَ حتَّىٰ ظهر : أَن لا إِلٰهَ إِلَّا أَنْتَ ...»(2). ودلالتها قد اِتَّضحَت ؛ فإِنَّه بعدما كانت طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسطة والنَّازلة نظام عَالَم الخلقة والوجود والإِمكان على الإِطلاق قاطبة ، ووسائط الفيض الإِلٰهيّ الفاردة ، والوسيلة الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة الحصريَّة ، ووجه اللّٰـه ، والسَّبيل والسَّبب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ التَّكويني الحصري والأَدنىٰ بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ( 3) ـ (جلَّ وتقدَّس) وجملة العوالم وطُرّ المخلوقات كانت تلك الطَّبقات خالصة من شائبة الأَنا والمخلوقيَّة ، وانمحت لشدَّة خلوصها ماهيَّاتها وذواتها الممكنة ؛ فلم يُرَ فيها ماهيَّة : (مُحَمَّد ، وعَلِيّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ...) ، وفنيت في الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة فناء حكاية انعكست فيها جميع صفات وأَسمآء وشؤون الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة إِلَّا الأُولوهيَّة ، لخروجها تخصُّصاً وموضوعاً ، فكما أَنَّ اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ صاحب الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المقدَّسة هو : (اللّٰـه ، رحمٰن ، رحيم ، ملك ، قدوس ، سلام ، مؤمن ، مهيمن ، عزيز ، جبَّار ، مُتكبِّر ، خالق ، بارئ ، مصوُّر ، غفَّار ، قهَّار، وهَّاب ، رزَّاق ، فتَّاح ، عليم ، قابض ، باسط ، خافض ، رافع ، معز ، مذل ، سميع ، بصير ، لطيف ، خبير ، عظيم ، عَلِيّ ، مقيت ، رقيب ، مُجيب ، شهيد، حقٌّ ، قويٌّ ، متين ، محصي ، محي ، مميت ، حيّ ، قيُّوم ، واحد ، صمد ، قادر ، مقتدر ، أَوَّل ، آخر ، ظاهر ، باطن ، توَّاب ، منتقم ، عفو ، رؤوف ، غني ، مغني ، مانع ، ضار ، نافع ، هادي ، باقي ، بديع ، وارث) وهلمَّ جرّاً من سائر الأَسمآء الإِلٰهيَّة الحُسنىٰ ، وموصوف بما يلائمها من الصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة المقدَّسة كذلك طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة تتَّصف بهذه الأَسمآء والصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة المقدَّسة ، وتفعل أَفاعيلها ، لكن لا بالأَصالة ، بل بالتَّبع وبالتَّجَلِّي والظُّهور والإِفاضة ، كرماً وعطيَّة من الذَّات الإِلٰهيَّة المقدَّسة ، وتفعل أَفاعيله بإِذنه (عزَّ ذكره). وهذا ما أَشارت إِليه بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان أَمير المؤمنين (صلوات اللّٰـه عليه) ، فإِنَّه سُئِلَ عن العَالَم العلوي فقال : «صور عارية من المواد ، عالية عن القُوَّة والإِستعداد ، تجلَّىٰ لها فأَشرقت ، وطالعها فتلألأت ، وأَلقىٰ في هويَّتها مِثاله فأَظهر عنها أَفعاله ...»(4). نظيره : أَوَّلاً : المرآة شديدة : الصقل ، والصَّفاء ، والفناء ، والحكاية ، والإِنعكاس ؛ فإِنَّها بعدما كانت فانية فناء حكاية في محكيِّها ، فلا تُري نفسها ، بل محكيِّها انطبعت فيها كافَّة صفات وشؤون محكيِّها ـ الشَّاخص الخارجي ـ ، وأَخذت صورتها بالتَّبع جملة صفاته وأَسمائه وشؤونه إِلَّا ما خرج موضوعاً وتخصُّصاً. وإِلى هذا أَشاربيان القاعدة المعرفية : « خلق الله المرآة وجعل فيها اسراراً » ، المستفادة من بيانات الوحي ، منها : بيان خطبة أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «الحمدُ للّٰـه الَّذي ... تتلقَّاه الأَذهان لا بمشاعرة ، وتشهد له المرائي لا بمحاضرة ، لم تحط به الأَوهام ، بل تجلَّىٰ لها بها ، وبها امتنع منها ، وإِليها حاكمها ...»(5). ثانياً : (الصَّرح) الوارد في قضيَّة بلقيس مع النَّبيّ سليمان عليه السلام ، الواردة في بيان قوله جلَّ قوله : قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(6)، فإِنَّه لشدَّة خلوصه وصفائه وانعكاسه وتمرُّد وفناء ذاته في الحكاية ، فلم يُرِ نفسه ، بل محكيِّه ـ اللُّجَّة ، أَي: الماء الغزير ـ انعكست فيه(7) جميع صفاته(8) وأَسمائه وشؤونه ، فحسبته ماءً غزيراً فكشفت عن ساقيها لتتخطَّاه ، ولَـمَّا أُخبرت بالواقع ؛ وأَنَّه : (صرح مُمَّرد) تمرَّدت ذاته وفنيت في حكاية ذيه آمنت بالله تعالىٰ من دون نظر وتدبُّر ومهلة وتردُّد ؛ لإِلتقاطها إِشارة معرفيَّة توحيديَّة إِلى معنىٰ تجلِّي وظهور الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة في المخلوقات المُكرَّمة ، راس هرمها : طبقات حقائق اهل البيت عليهم السلام الصاعدة . ومنه يتَّضح : ما تقدَّم من بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان قولهم عليهم السلام : «... هو هو ، ونحن نحن ، وهو نحن ، ونحن هو» ؛ فإِنَّه لَـمَّا لم يكن هناك فارق بين الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة وطبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة من جهة الحكاية ـ لا من جهة التَّحَقُّق والواقع ـ كان اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ ثناؤه) : (هو نحن ، ونحن هو)، لكنَّه لَـمَّا كان من جهة التَّحَقُّق والحقيقة والواقع ؛ وأَنَّ الحاكي غير المحكي صار : (هو هو ، ونحن نحن) ، فاللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ اسمه) إِلٰه وخالق ومعبود ، وأَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) بجميع طبقات حقائقهم منها الصَّاعدة مألوهين وعباد مخلوقين ، وصفاته (تعالىٰ ذكره) بالذَّات والأَصالة ، وصفاتهم عليهم السلام بالغير وبالتَّبع وحكاية ووجود ظلِّي لصفاته تعالىٰ ، وهو (جلَّ ذكره) غنيّ بالذَّات ، وهم صلوات اللّٰـه عليهم وإِنْ كانوا أَغنياء عن سائر المخلوقات لكنَّهم فقراء ومحتاجين إِليه (علا ذكره). وعلى هذا قس بيان النَّاحية المُقدَّسة : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ ... بما نطق فيهم من مشيئتِكَ ، فجعلتهم ... آياتِكَ ومقاماتِكَ ... يعرفكَ بِها من عرفَكَ، لا فرق بينَكَ وبينها إِلَّا أَنَّهم عبادكَ وخلقكَ ...». ثانياً : بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «هو : الأَوَّل ، والآخر ، والظَّاهر ، والباطن ، سلوني قبل أَنْ تفقدوني ؛ فأَنا : الأَوَّل وأَنَا الآخر ...» ؛ فإِنَّه لَـمَّا كان هناك إِتِّحاد في الحكاية بين الذَّات ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 53 : 178/ح9. غيبة الشَّيخ : 184 ـ 185. الإِحتجاج : 253. (2) بحار الأَنوار ، 95 : 393. ( 3 ) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ استعمال الإِسم الإِلٰهيّ كـ : اسم (اللّٰـه) على نحوين ، فتارة يُطلق ويُراد به المُسَمَّىٰ ، وما وراء الإِسم الإِلٰهيّ ، أَي : الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وأُخرىٰ يُطلق ويُراد به نفس الإِسم الإِلٰهيّ ، وهو : مخلوق عظيم وخطير ومهول جِدّاً ، من مخلوقات عَالَم الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ، وهو احد طبقات حقائق اهل البيت صلوات الله عليهم الصاعدة ، يحكي الَّذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة من وجهٍ ، مهيمن على ما تحته من عوالم ومخلوقات ، ويتصرَّف فيها تصرُّف اللَّطيف في الأَغلظ ، فهو : «داخل فيها لكن لا بالمزاولة والممازجة ، وخارج عنها لكن لا بالمزايلة والمفارقة». والاستعمال الأَوَّل هو الأَكثر إِنسباقاً إِلى الذهن ، وهو استعمال آلي وطريقي للوصول إِلى ما وراء حقيقته وواقعيَّته الشَّريفة ، والاستعمال الثَّاني موضوعي. ثُمَّ إِنَّه ينبغي الإِلتفات أَيضاً : أَنَّ الآليَّة والموضوعيَّة ليست في لفظ الإِسم الإِلٰهيّ المقدَّس ، ولا في معناه ، بل في ما وراء المعنىٰ من واقعيَّة وحقيقة مُقدَّسة ، فينظر إِلى تلك الواقعيَّة والحقيقة المُقدَّسة تارة بما هو آية وعلامة مشير وحاكي للذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وأُخرىٰ بما هو هو كواقعيَّة وحقيقة ووجود مُقدَّس ، مخلوق خطير ومهول وعظيم جِدّاً من عَالَم الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ؛ عَالَم السَّرمد والأَزَل ، والمُعبَّر عنه في بيانات الوحي بـ : عنوان : (عنده). فالتفت. (4) بحار الأَنوار ، 40 : 165. (5) بحار الأَنوار ، 4 : 261/ح9. (6) النمل : 44 . (7) مرجع ضمير : (فيه) : (الصرح) ، كمرجع الضمائر المُتقدِّمة ؛ المُتصلة بكلمة : (فإِنَّه) و(صفائه) و(انعكاسه) و(ذاته). و(نفسه) و(محكيِّه). (8) مرجع الضمير المُتَّصل بكلمة : (صفاته) و(أسمائه) و(شؤونه) و(لتتخطَّاه) : المحكي ، وهو : اللُّجَّة ، أَي : الماء الغزير والوفير