الرئيسية | دروس في المعارف الإلهية | دروس في المعارف الإِلٰهيَّة | معارف إِلٰهيَّة : (154) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة

معارف إِلٰهيَّة : (154) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة

18/06/2024


الدرس (154) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، لازال البحث في الطائفة الاولى ، وكانت تحت عنوان : « طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة انعكاسات لصفات الذَّات المُقدَّسة » ، وعنوان : « صفات أهل البيت عليهم السلام وشؤونهم تجلِّيات لصفات وشؤون الذَّات الإِلهيَّة » ، ووصل بنا الكلام الى العنوان التالي : « ومنه يتَّضح : ما تقدَّم من بيانات الوحي » ، وصل البحث الى البيان الثالث : ثالثاً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... لا تجعلونا أَرباباً وقولوا في فَضْلِنَا ما شِئْتُم؛ فإِنَّكم لا تبلغون كُنْه ما فينا ولا نهايته ... لا تُسَمُّونا أَرباباً وقولوا في فضلنا مَا شِئْتُم ؛ فإِنَّكم لَنْ تبلغوا مِنْ فضلنا كُنْه ما جعله اللّٰـه لنا ، ولا معشار العشر...» ؛ فإِنَّ من ضمن الأَسمآء والصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة المُنعكسة في طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة : (عدم التناهي) ؛ فكما أَنَّ الباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّت آلاؤه) غير متناهي من حيث : الذَّات والأَسمآء والصِّفات والأَفعال والشؤون ، ولا يُحاط به (جلَّ شأنه) ولا يُبلغ كُنْه ما فيه ولا نهايته كذلك تلك الطَّبقات الشَّريفة المُقدَّسة ؛ فمهما وُصِف أَهل البيت الأَطهار (صلوات اللّٰـه عليهم) بلحاظ تلك الطَّبقات لا يبلغ الواصف كُنْه ما فيهم ولا معشار العشر ولا نهايته. ومنه يتَّضح : وجه الجمع بين هذا البيان الوحياني الشَّريف وما تقدَّمه من البيانين الوحيانيين المُفسِّرين لبيانات القرآن الكريم المُتقدِّمة ؛ فإِنَّ ذينك البيانين ناظرين إِلى الاسم الإِلٰهيّ : (الرَّبّ) بما هو اسم إِلٰهي تتَّصف به طبقات حقائق أَهل البيت لاسيما طبقات حقيقة أَمير المؤمنين عليه السلام الصَّاعدة، بخلاف بيان أَمير المؤمنين عليه السلام هذا ، في قوله : «... لا تجعلونا أَرباباً ...» فإِنَّه ناظر إِلى (الرَّبِّ) ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ وعلا) ، أَي : الإِلٰه ؛ صاحب : (الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) ، فارتفع التنافي ؛ لعدم إِتحاد الموضوع. رابعاً : بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «فإِنَّا صنائعُ رَبِّنَا والنَّاس بعد صنائع لنا ...» ، وبيان النَّاحية المُقدَّسة : «... ونحن صنائع ربِّنا ، والخلق بَعْدُ صنائعنا». فإِنَّه بعدما لم تكن هناك واسطة بين الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ؛ وطبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة كان اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ جلاله) هو الَّذي يتولَّىٰ شؤون تلك الطَّبقات وإِدارة أُمورها من خلق وإِماتة وإِحياء وإِيحاء وأَرزاق وما شاكل ذلك ، فكان هو (تبارك وتعالىٰ) : (الصَّانع لهم ، والمتولِّي لشؤونهم وأَحوالهم صلوات اللّٰـه عليهم). بخلاف جملة العوالم وكافَّة المخلوقات ؛ فإِنَّه لَـمَّا كانت طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المُتوسطة والنَّازلة : (نظام عَالَم الخلقة والإِمكان والوجود ، ووسائط الفيض الإِلٰهي الأَقدس التَّكوينيَّة الحصريَّة ، والعلل الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة الفاعلة ـ كما سيأتي (إِنْ شاء اللّٰـه تعالىٰ) ـ ، والوسيلة الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة الفاردة ، ووجه اللّٰـه ، والباب والسَّبيل والسَّبب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ التَّكويني الحصري الأَدنىٰ) بين الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة و مُطلق العوالم وكافَّة المخلوقات بقَضِّها وقضيضها كان كُلُّ ما يصدر ـ ولو كان مثقال ذرَّة ولا أَصغر من ذلك ولا أَكبر ـ من الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة باتجاه جملة عوالم الخلقة وجميع المخلوقات من خلق وإِماتة وإِحياء وإِيحاء ، وتزريق المعارف والمعلومات والعلوم ، وأَرزاق ، ورحمة وعذاب وهلمَّ جرّاً من الفيوضات الإِلٰهيَّة وإدارة شؤونها لا يكون إِلَّا عن طريق هذه الطَّبقات والحقائق الحيَّة الشَّاعرة ، القابضة والباسطة والفاعلة بإذن اللّٰـه وقوَّته ومدده؛ فكان من الطَّبيعي أَن يكون مُطلق عَالَم الإِمكان والوجود ؛ والخلائق وعوالمها صنائع لأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ؛ من دون غلوّ ولا ارتياب ولا تردُّد ولا إِشكال ؛ فإِنَّ ما تفعله هذه الطَّبقات الصَّاعدة من حقائق أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) ليس من باب : (ما منه الوجود أَصالة وبالذَّات) ؛ فإِنَّ هذا من مختصَّات الذَات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وإِنَّما من باب : (ما منه الوجود حكاية وبالغير) ، وهذا تتمتَّع به المخلوقات المكرَّمة ، رأس هرمها : (طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسِّطة والنَّازلة) ؛ فإِنَّها تفعل وتتصرَّف وتفيض جملة الخير والوجود ، وكُلّ ما يتعلَّق بشؤون المخلوقات وعوالمها ، لكن بمشيئةٍ وإرادةِ وبعطاءٍ ومددٍ من الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المقدَّسة ، فهم (صلوات اللّٰـه عليهم) لا يشاؤون إِلَّا ما شاء اللّٰـه ، ولا يريدون ولا يفعلون إِلَّا ما أَراد اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ شأنه). فتدبَّر جيِّداً. ويضاف إِليه : أَنَّ الخلق والإِماتة والإِحياء والإِيحاء وما شاكلها من الأَفعال الإِلٰهيَّة المُتعلِّقة بالمخلوقات تحتاج إِلى : محاذات وقرب ، وملامسة وملابسة ، ومباشر وتباشر ، والباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (علا ذكره) منزَّه عن جميع ذلك بالضرورة الوحيانيَّة والعقليَّة ؛ لاحتياجها إِلى حركة وقرب وبُعد. فانظر : بيانات الوحي الباهرة ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، في جوابه على سؤال الزنديق حين سأله : «... فيُعَانِي الأَشْيَاءَ بنفسه؟ قال أَبوعبداللّٰـه عليه السلام : هُوَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُعاني الأَشياء بمباشرة ومُعَالَجةٍ ؛ لأَنَّ ذلك صِفَةُ المَخْلُوقِ الَّذي لا تجيءُ الأَشياءُ له إِلَّا بالمباشرةِ والمُعَالجَةِ ، وهُوَ مُتَعَالٍ نافِذُ الإِرَادَةِ والمَشيئَةِ ، فَعَّالٌ لِـمَا يَشاءُ»(1). ومن ثَمَّ أَوكَلَ (تعالىٰ ذكره) مَهامِّها وأُمورها ـ كـ : خلقها وإِحيائها وإِماتتها ، وما يتعلَّق بجميع أَحوالها وشؤونها وشراشرها ـ إِلى مخلوقاته المُكرَّمة ، رأس هرمها : طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ، وتتبعها طبقاتها المتوسطة والنَّازلة ؛ فكانت يد اللّٰـه المبسوطة على العباد ، وقواه الفاعلة في مُطلق شؤون العوالم وسائر المخلوقات بإِذنٍ ومددٍ وعطاءٍ منه (جلَّ وتقدَّس) ، فلذا كانت طُرُّ المخلوقات : (صنائع لأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم) ، من دون غلوّ ولا ارتياب ولا تردد ولا إِشكال. والفارق بين عطاء اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (تبارك وتعالىٰ) وأَفعاله ؛ وعطاء طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة وأَفعالها هو : ما تقدَّم وما سيأتي (إِنْ شاء اللّٰـه تعالىٰ) من الفارق بين : (ما منه الوجود أَصالة وبالذَّات)، و(ما منه الوجود حكاية وبالغير) ، والأَوَّل من مختصَّات الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ليس إِلَّا ، والثَّاني وجود ظلِّي تتمتَّع به المخلوقات المكرَّمة ، وحينئذٍ لا غلوّ في البين بعدما كان الجميع منه (عظمت آلاؤه) ، كحال ما يقوم به (إسرافيل عليه السلام) في درجات ومراتب الإِحياء النَّازلة ، وما يقوم به (عزرائيل وجنده عليهم السلام) في درجات الإِماتة بطبقاتها النَّازلة ، وما يقوم به (روح القدس ـ حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ـ) في درجات الإِيحاء المتوسِّطة ، وما يقوم به (جبرئيل عليه السلام) في مراتب الإِيحاء النَّازلة ، وما يقوم به (ميكائيل عليه السلام) في إِنزال الأَرزاق بطبقاتها النَّازلة على المخلوقات ، وما يقوم به (مالك وأَعوانه عليهم السلام) من العذاب في جهنَّم بمراتبه النَّازلة ، وما يقوم به (رضوان عليه السلام) من نعيم الجنان بدرجاته النَّازلة ، وهلَّم جرّاً ، فإِنَّ هذه الشؤون والأَفعال لا تكون إِلَّا بإِذن الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وبقوَّةٍ وعطاءٍ وفضلٍ وكرمٍ ومددٍ من اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ اسمه) ليس إِلَّا ، عبر طبقات حقائق أَهل البيت ^ الصَّاعدة ، وتتبعها حقائقها المتوسِّطة والنَّازلة. وينبغي الإِلتفات : أَنَّ أَفعال طبقات حقائق أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) أَرفع وأَشف وأَلطف ، وأَشَدُّ قوَّة وهيمنة من دون قياس مِمَّا تأتي به بقيَّة المخلوقات المُكرَّمة ؛ فإِحياء أَمير المؤمنين (صلوات اللّٰـه عليه) وإِماتته ، الواردان في بيان قوله عليه السلام : «... وأَنَا أُحيي وأُميت ...»(2) أَعلىٰ وأَرفع ، وأَشَّف وأَلطف ، وأَشَدُّ قوَّة وهيمنة من دون قياس من إِحياء (إسرافيل عليه السلام) وإِماتة (عزرائيل عليه السلام). ومنه يتَّضح : كثير من بيانات الوحي الأُخرىٰ، منها : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام ، عن الحارث الأَعور ، قال : «أتيت أَمير المؤمنين عليه السلام فقال : ما جاء بك؟ فقلت : حُبُّكَ ، فقال : اللّٰـه اللّٰـه ما جاء بك إِلَّا حُبِّي؟ فقلت : نعم ، فقال : أَمَا إِنِّي سأُحدّثُكَ بشكرها ، إِنَّه لا يموت عبد يُحبّني حتَّىٰ يراني حيث يحبّ ، ولا يموت عبد يبغضني حتَّىٰ يراني حيث يكرهه»(3). ودلالته قد اتَّضحت ؛ فإِنَّه (صلوات اللّٰـه عليه) لَـمَّا كان هو القابض للأَرواح والمميت بدرجات الإِماتة الصَّاعدة ، وبطبقات حقيقته × الصَّاعدة والَّتي يُمثِّل بعضها الاسم الإِلٰهي المميت ؛ فإِنْ كان الميِّت مؤمناً ومحبّاً له ولأَهل بيته (صلوات اللّٰـه عليهم) تجلَّىٰ عليه السلام له بلحاظ تلك الطَّبقات، وحضر عنده بأَسمآء الجمال الإِلٰهيَّة كإِسم : (الرحمٰن ، والرَّحيم ، والرَّافع ، والمعز ، والغفور ، والبَرّ ، والشكور ، والودود ، والولي ، والحميد ، والعفو ، والرؤف ، والمغني ، والنَّافع ، والنُّور ، والهادي ، والباقي ، والوارث ، والرشيد). وإِنْ كان كافراً ومبغضاً له ولأَهل بيته (صلوات اللّٰـه عليهم) تجلَّىٰ عليه السلام له بلحاظ تلك الطبقات ، وحضر عنده بأَسمآء النقمة والعذاب ، كإِسم : (المُتَكَبِّر ، والقَهَّار ، والخافض ، والمُذل ، والمُقيت ، والحسيب ، والقوي ، والمتعال ، والمنتقم ، والمانع ، والضَّار). وهذه وغيرها نكات ونتف معرفيَّة توحيديَّة لا زالت بكراً لم تفضَّ من قَبْل قَطُّ ، خذها واغتنم ، وعضّ عليها بضرس قاطع تربت يداك. / خلط الملائكة بين الذات المُقدَّسة وحقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة / ومن كُلِّ ما تقدَّم تتَّضح : نكتة حصول الخلط والإِشتباه لدىٰ جملة الملائكة عليهم السلام ـ منهم المُقرَّبين ؛ كـ : إِسرافيل وجبرئيل عليهما السلام ، مع أَنَّ الجميع معصومون ـ وعدم تمكُّنهم من التمييز بين صفات وأَسمآء وكمالات وشؤون: (الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) و صفات وأَسمآء وكمالات وشؤون : (طبقات حقائق سيِّد الأَنبياء وسائرأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم الصَّاعدة) ؛ والنكتة هي ما تقدَّم : ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 10 : 194 ـ 199/ح3. أُصول الكافي ، 1 : 59 ـ 61/ح6. التوحيد : 248 ـ 253. (2) بحار الأَنوار ، 103 : 34. (3) بحار الأَنوار ، 27 : 122/ح106