معارف إِلٰهيَّة : (161) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
25/06/2024
الدرس (161) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، لازال البحث في الطائفة الاولى ، وكانت تحت عنوان : « طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة انعكاسات لصفات الذَّات المُقدَّسة » ، وعنوان : « صفات أهل البيت عليهم السلام وشؤونهم تجلِّيات لصفات وشؤون الذَّات الإِلهيَّة » ، وصل بنا الكلام الى العنوان التالي : / نكتة إِبتلاءات بعض الأَنبياء عليهم السلام / وهذا ما يُوضِّح : نكتة وفلسفة تعرُّض بعض الأَنبياء عليهم السلام السَّابقين إِلى الإِبتلاءات ، منهم : النَّبيّ آدم عليه السلام ؛ فإِنَّه لَـمَّا عُرضت عليه بعض مقامات وشؤون أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم توقَّف فعوقب بإِبتلائه المعروف وأُخرج من الجنَّة ، وعفي عنه بعد أَن رجع واستغفر وتاب ، لكنَّه لم يُجعل من أَنبياء أُولي العزم عليهم السلام بسبب توقفه. وهكذا النَّبيّ أَيوب عليه السلام ؛ فابتُلي بالمرض وسائر إِبتلاءاته إِلى أَنْ تاب فأدركته السعادة بأَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم. وعلى هذا قس حال النَّبيّ يونس عليه السلام ، فأبتُلي بالحوت ، وحُبس في بطنه إِلى أَنْ تاب وقَبَل ولاية أَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، منضمّاً إِليه بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه ، قال : «إِنَّ اللَّـه تعالىٰ عرض ولاية عَلِيّ بن أبي طالب عليه السلام على أَهل السَّماوات وأَهل الأَرض فقبلوها ما خلا يونس بن متى ، فعاقبه اللَّـه وحبسه في بطن الحوت ؛ لإنكاره ولاية أَمير المؤمنين عَلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام حتَّىٰ قبلها». قال أبو يعقوب(1): «فنادىٰ في الظلمات أَنْ لا إِلٰه إِلَّا أَنْتَ سبحانك إِنِّي كنت من الظالمين لإنكاري ولاية عَلِيّ بن أبي طالب عليه السلام ». قال أبو عبد اللَّـه: فأنكرتُ الحديث فعرضته على عبداللَّـه بن سليمان المدنيّ فقال لي : «لا تجزع منه ؛ فإنَّ أَمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب عليه السلام خطب بنا بالكوفة ، فحمد اللَّـه تعالىٰ وأَثنىٰ عليه ، فقال في خطبته : «فلولا إِنَّه كان من المُقِرِّين للبث في بطنه إلى يوم يُبعثون». فقام إِليه فلان بن فلان وقال: يا أَمير المؤمنين ؛ إِنَّا سمعنا اللَّـه(2):[ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ]. فقال : أُقعد يا بكّار ، : «فلولا إِنَّه كان من المُقِرِّين للبث ... إلى آخِر الآية»(3)»(4). 2ـ بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه ، مُخاطِباً سلمان (رضوان اللَّـه عليه) : «... يا سلمان ، أَنا الَّذي دُعيت الأُمم كُلِّها إِلى طاعتي فكفرت فعُذِّبت بالنَّار...». قال سلمان: ... وأَنتَ قصَّة أَيُّوب وسبب تغيُّر نعمة اللَّـه عليه. فقال أَمير المؤمنين عليه السلام: «أتدري ما قصَّة أَيُّوب ، وسبب تغيُّر نعمة اللَّـه عليه ؟ قال: اللَّـه أعلم وأَنْتَ يا أمير المؤمنين. قال: لَـمَّا كان عند الانبعاث للنطق شَكَّ أَيُّوب في ملكي ، فقال: هذا خطب جليل وأَمر جسيم. قال اللَّـه (عزَّوجلّ) : يا أَيُّوب أَتَشكُّ في صورة أقمته أَنا؟ إِنِّي ابتليتُ آدم بالبلاء فوهبته له وصفحت عنه بالتسليم عليه بأَمرة المؤمنين ، وأنت تقول : خطب جليل ، وأَمر جسيم ؟! فوعزَّتي لأُذيقنَّك من عذابي أَو تتوب إِلَيّ بالطَّاعة لأَمير المؤمنين. ثُمَّ أَدركته السَّعادة بي ؛ يعني : أَنَّه تاب وأذعن بالطَّاعة لأَمير المؤمنين عليه السلام وعلى ذرِّيَّته الطَّيبين عليهم السلام »(5). 3ـ بيان تفسير الإِمام الباقر صلوات اللَّـه عليه ، وبيان نكتة عدم جعل النَّبيّ آدم عليه السلام من أَنبياء أُولي العزم عليهم السلام : «في قول اللَّـه عزَّوجلَّ : [ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا] (6) قال: عهد إِليه في مُـحمَّد والأَئمَّة من بعده فترك ، ولم يكن له عزم فيهم أَنَّهم هكذا...»(7). 4ـ بيان الإِمام الرضا صلوات اللَّـه عليه : «... وإِنَّ آدم عليه السلام لَـمَّا أَكرمه اللَّـه (تعالىٰ ذكره) بإسجاد ملائكته له ، وبإدخاله الجنَّة قال في نفسه : هل خلق اللَّـه بشراً أَفضل منِّي ؟ فعلم الله (عزَّوجلَّ) ما وقع في نفسه، فناداه : ارفع رأسَكَ يا آدم ، فانظر إِلى ساق عرشي ، فرفع آدم رأسه فنظر إِلى ساق العرش فوجد عليه مكتوباً : لا إِلٰه إِلَّا اللَّـه، مُـحَمَّد رسول اللَّـه، عَلِيّ بن أبي طالب أمير المؤمنين، وزوجته فاطمة سيِّدة نساء العالمين ، والحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنَّة. فقال آدم عليه السلام: يا ربّ ، مَنْ هؤلاء ؟ فقال (عزَّوجلَّ): من ذُرِّيَّتك ، وهم خير منكَ ومن جميع خلقي ، ولولاهم ما خلقتكَ ولا خلقتُ الجنَّة والنَّار ، ولا السَّماء والأَرض ، فإِيَّاك أَنْ تنظر إِليهم بعين الحسد فأُخرجكَ عن جواري. فنظر إِليهم بعين الحسد ، وتمنَّىٰ منزلتهم ، فتسلَّط الشَّيطان عليه حتَّىٰ أكل من الشَّجرة الَّتي نُهي عنها ، وتسلَّط على حوَّاء ؛ لنظرها إِلى فاطمة عليها السلام بعين الحسد حتَّىٰ أَكلت من الشَّجرة كما أَكل آدم ، فأخرجهما اللَّـه (عزَّوجلَّ) عن جنَّته ، وأَهبطهما عن جواره إِلى الأرض»(8). ودلالة الجميع واضحة. / مقامات كُمَّل المخلوقات لا تُعطى إِلاَّ بقدر معرفتهم بأَهل البيت عليه السلام / ثُمَّ إِنَّ كمَّل المخلوقات ـ منهم : الملائكة المُقرَّبين ، والأَنبياء والمرسلين، والأَوصياء والأَصفياء عليهم السلام ـ لم يُعطوا تلك المقامات والكمالات ولم يُفضَّل بعضهم على الآخر إِلَّا بقدر معرفتهم بأَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ، وبقدر تحمُّل قابليَّاتهم لأَسرارهم. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أَبو يعقوب ـ هذا ـ وأَبو عبداللَّـه الآتي ذكره من أَصحاب رواة وإسناد هذا الحديث الشريف. (2) في المصدر : (إِنَّا سمعنا اللَّـه يقول). (3) الصافات : 143. (4) بحار الأَنوار ، 26 : 333 ـ 334/ح16. تفسير فرات الكوفي : 94. (5) بحار الأَنوار ، 26 : 292 ـ 293/ح52. كنز جامع الفوائد : 264 ـ 265. وفيه : (أَنَّه تاب إِلى اللَّـه). (6) طٰه : 115. (7) بحار الأَنوار ، 11 : 35/ح31. علل الشرائع : 52. (8) بحار الأَنوار ، 26 : 273/ح15. عيون الأَخبار : 170