معارف إِلٰهيَّة : (165) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
29/06/2024
الدرس ( 165) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، ووصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الثَّالثة ، ولازال البحث فيها ، وكانت تحت عنوان : (طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام علل فاعليَّة) ، وصل الكلام الى المصداق الثامن من مصاديق بيانات هذه الطائفة : ثامناً : بيان النَّاحية المُقدَّسة : «... ونحن صنائعُ ربُّنا ، والخلق بعد صنائعنا ...»(1). ودلالتها قد اِتَّضحت ؛ فإِنَّه بعدما كانت طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة : وسائط الفيض الرُّبوبي ، والسَّبب والباب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ الأَدنىٰ بين الخالق (جلَّ وتقدَّس) و جملة العوالم وسائر المخلوقات كانت عللاً فاعليَّة ؛ تفيض الوجود على ما تعلَّقَت به المشيئة والإِرادة الإِلٰهيَّة ، فخُلقت السَّماوات والأَرضين ومَنْ فيهنَّ وما بينهنَّ بأَيدي وقوىٰ أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) الصَّاعدة. إِذَنْ : طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة إِضافة لكونها عللاً غائيَّة هي علل فاعليَّة ؛ إِذْ الباري (تقدَّست أَسماؤه) يتنزَّه عن مباشرة الأَشياء بنفسه ، بل مُنزَّه عنها( 2)، وإِنَّما هي من شأن المخلوقات المُكرَّمة ؛ لاحتياج الخلق والإِماتة والإِحياء والإِيحاء ، وسائر الأَشياء والمفاعيل إِلى مُحاذاة وقرب وحركة ، وملابسة وملامسة ومباشرة ومعالجة ، واستنزال وزوال وما شاكلها من أَفاعيل وصفات وشؤون المخلوقات ، والباري (عظمت آلاؤه) مُنَزَّه عن جميع ذلك بالضَّرورة الوحيانيَّة والعقليَّة. فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان جواب الإِمام الصَّادق عليه السلام على سؤال الزنديق : «... فيُعَانِي الأَشْيَاءَ بنفسه؟ قال أَبوعبداللّٰـه عليه السلام : هُوَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُعاني الأَشياء بمباشرةٍ ومُعَالَجةٍ ؛ لأَنَّ ذلك صِفَةُ المَخْلُوقِ الَّذي لا تجيءُ الأَشياءُ له إِلَّا بالمباشرةِ والمُعَالجَةِ ، وهُوَ مُتَعَالٍ نافِذُ الإِرَادَةِ والمَشيئَةِ ، فَعَّالٌ لِـمَا يَشاءُ»(3). 2ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «... يا ظاهراً بلا مشافهة ، يا باطناً بلا ملامسة ... يا أَوَّلاً بغير غاية ، يا آخراً بغير نهاية ، يا قائماً بغير انتصاب ، يا عَالِماً بلا اكتساب ...»(4). 3ـ بيان الإِمام الكاظم عليه السلام : «... فَمَنْ ظَنَّ باللّٰـهِ الظنون فقد هَلَكَ وَأَهلكَ ، فاحذروا في صفاته من أَنْ تقفوا له على حَدٍّ من نقص أَو زيادة ، أَو تحريك أَو تَحَرُّك ، أَو زوال أَو استنزال ، أَو نهوض أَو قعود ، فإنَّ اللّٰـه عزَّوجلَّ عن صفة الواصفين ، ونعت النَّاعتين ، وتوَهُّم المُتَوهِّمين»(5). 4ـ بيان الإِمام الرَّضا عليه السلام : «... عظم ربِّي وجلَّ أَنْ يكون في صفة المخلوقين ...»(6). ومن ثَمَّ اقتضت الضرورة لمخلوقات مُكرَّمة تفعل أَفاعيل الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وتقوم مقامه (تقدَّس ذكره) ، وهي على طبقات ، طبقاتها الصَّاعدة : (حقائق أَهل البيت الأَطهار صلوات اللّٰـه عليهم) ، وطبقاتها النَّازلة : (الملائكة المقرَّبين وأَجنادهم) ، فإِسرافيل عليه السلام ـ مثلاً ـ يحيي، لكنَّ إِحياء طبقات حقيقة أَمير المؤمنين (صلوات اللّٰـه عليه) أَرقىٰ وأَعلىٰ ، وأَشَفُّ وأَلطف ، وأَعظم قوَّة وسلطنة وهيمنة من دون قياس. وعزرائيل عليه السلام مميت ، لكنَّ إِماتة طبقات حقيقة أَمير المؤمنين (صلوات اللّٰـه عليه) أَرقىٰ وأَعلىٰ ، وأَشَفُّ وأَلطف ، وأَعظم قوَّة وسلطنة وهيمنة من دون قياس ، وعلى هذا قس ما يقوم به سائر الملائكة عليهم السلام كـ : (ميكائيل عليه السلام الموكَّل في إِيصال الأَرزاق إِلى المخلوقات) ، و(جبرئيل عليه السلام الموكَّل في الإِيحاء النَّازل)، و(رضوان عليه السلام المُوكَّل في الجنان ونعيمها) ، و(مالك عليه السلام المُوكَّل في جهنَّم وجحيمها وعذابها) ، فإِنَّ الطَّبقات الصَّاعدة لهذه الأَفاعيل صادرة من طبقات حقيقة أَمير المؤمنين وسائرطبقات حقائق بقيَّة أَهل البيت بعد طبقات حقيقة سيِّد الأَنبياء (صلوات اللّٰـه عليهم أَجمعين). ومن ثَمَّ يتَّضح : كم هائل وخطير ومهول جِدّاً من بيانات الوحي المعرفيَّة والعقليَّة الأُخرىٰ ـ الآتي (إِنْ شاء اللّٰـه تعالىٰ) ذِكْر ما يُمثِّل بعض طوائفها ـ الَّتي حام حومها أَتباع مدرسة أَهل البيت عليه السلام ، لكنَّهم لم يطوفوا طورها ؛ ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 53 : 178 ـ 180/ح9. غيبة الشَّيخ : 184 ـ 185. الاحتجاج : 253. (2) مرجع الضمير : (مباشرة الأَشياء بنفسه). (3) أُصول الكافي ، 1 : كتاب التَّوحيد/24 ـ باب إِطلاق القول بأَنَّه شيء: 59 ـ 61/ح6. (4) بحار الأَنوار ، 83 : 314 ـ 315/ح67. (5) المصدر نفسه ، 3 : 311 ـ 312/ح5. الكافي ، 1 : 125. (6) بحار الأَنوار ، 4 : 40/ح18