الرئيسية | دروس في المعارف الإلهية | دروس في المعارف الإِلٰهيَّة | معارف إِلٰهيَّة : (170) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة

معارف إِلٰهيَّة : (170) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة

04/07/2024


الدرس ( 170) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة السَّادسة : /عدم تناهي أَسماء وصفات وشؤون أَهل البيت عليهم السلام / / الطائفة السَّادسة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين عليهم السلام : «... آل مُحَمَّد ... علم الأَنبياء في علمهم؛ وسرّ الأَوصياء في سرِّهم ؛ وعزّ الأَولياء في عزِّهم كالقطرة في البحر، والذَّرَّة في القفر. والسَّماوات والأَرض عند الإِمام كيده من راحته ؛ يعرف ظاهرها من باطنها ، ويعلم بَرّها من فاجرها ، ورطبها ويابسها ...»(1). ثانياً : بيان الإِمام الباقر عليه السلام : «... فقفوا على أَمرنا ونهينا ، ولا تردوا كلّ ما ورد عليكم مِنّا ؛ فإِنّا أَكبر وأَجَلّ وأَعظم وأَرفع من جميع ما يرد عليكم، ما فهمتموه فاحمدوا اللّٰـه عليه ، وما جهلتموه فكلوا أَمره إِلينا وقولوا: أَئِمَّتنا أَعلم بما قالوا ...»(2). ثالثاً : بيان أَبي الحسن عليه السلام مخاطباً عَلِيّ بن أَبي حمزة ، قال : «... لا تعجب فما خفي عَليكَ مِنْ أَمر الإِمام أَعجب وَأَكثر ، وما هذا من الإِمام في علمه إِلَّا كطيرٍ أَخَذَ بمنقاره من البحر قطرة من ماءٍ ، أَفترىٰ الَّذي أَخَذَ بمنقاره نقص من البحر شيئاً؟ فإِنَّ الإِمام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده ، وعجائبه أَكثر من ذلك ... ولا تنفد عجائبه»(3). ودلالتها قد اِتَّضحت ، فإِنَّه بعدما كانت طبقات حقائق أَهل البيت عليه السلام الصَّاعدة نظام عَالَم الخلقة والوجود والإِمكان على الإِطلاق قاطبة، ووسائط الفيض الإِلٰهيّ الفاردة ، والوسيلة الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة الحصريَّة، ووجه اللّٰـه ، والسَّبيل والسَّبب والباب والحجاب والرباط الإِلٰهي التَّكويني الحصري والأَدنىٰ بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ شأنه) وجملة العوالم وكافَّة المخلوقات غيرالمتناهية ، والأَشَدَّ إِلتصاقاً ونوطاً وقرباً للذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وبعدما كانت تلك الطَّبقات الشِّريفة خالصة من شائبة الأَنا والمخلوقيَّة ، وانمحت ـ لشدَّة خلوصها ـ ماهيَّاتها وذواتها الممكنة ؛ فلم يُرَ فيها ماهيَّة : (مُحَمَّد ، وعَلِيّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ...) ، وفنيت في الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة فناء حكاية ـ لا تحقُّقاً ـ ، وصارت تجلِّيات وظهورات للذَّات المُقدَّسة انعكست فيها جميع صفات وأَسمآء وشؤون الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة إِلَّا الأُلوهيَّة ؛ لخروجها موضوعاً وتخصُّصاً ، نظيره : ما مَرَّ في مِثال المرآة شديدة الصقل والصفاء والانعكاس ، والفانية في حكاية ذيها ـ الشَّاخص الخارجي ـ ، فلا تُرِي نفسها ، بل محكيِّها ، ومن ثَمَّ يأخذ ما اِنْطَبَعَ فيها جميع صفات محكيِّها، لكنَّه بالتَّبع وإفاضة من محكيها. ومثال : (الصَّرح) في قضيَّة بلقيس ؛ الواردة في بيان قوله (جلَّ قوله) : [قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ](4)؛ فإِنَّه لشدَّة صفائه وانعكاسه وفناء ذاته في الحكاية ؛ فلم يُرِ نفسه ، بل محكيِّه انعكست فيه جميع صفات محكيِّه ـ اللُّجَّة : الماء الغزير ـ فحسبته ماءً غزيراً فكشفت عن ساقيها لتتخطَّاه ، ولَـمَّا أُخبرت بالواقع ، وأَنَّه (صرح مُمرَّد) لم يُرِ نفسه آمنت من دون مهلة وتردُّد ؛ لإِلتقاطها إِشارة معرفيَّة توحيديَّة إِلى معنىٰ تجلِّي وظهور الذَّات المُقدَّسة في المخلوقات المُكرَّمة ، وحيث إِنَّ ذات الباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (تقدَّس ذكره) وصفاته وأَسمآئه وشؤونه وأَفعاله مُتَّصفة بـ : (بعدم التناهي) انعكست هذه الصفة في طبقات حقائق أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) الصَّاعدة ؛ وفي صفاتها وأَسمآئها وأَفعالها فكانت غيرمتناهية أَيضاً. وهذا ما أَشارت إِليه بيانات الوحي المُتقدِّمة ، منها : 1ـ بيان دعاء أَيام شهر رجب الوارد عن النَّاحية المُقدَّسة في حقِّ طبقات حقائق أَهل البيت الأَطهار (صلوات اللّٰـه عليهم)الصاعدة : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ ... بِمَا نَطَقَ فيهم من مَشيئتِكَ ، فَجَعَلْتَهُم معادِنَ لكلماتِكَ ، وأَركاناً لتوحيدِكَ ، وآياتِكَ وَمَقَامَاتِكَ الَّتي لَا تعطيل لها في كُلِّ مكانٍ ، يَعْرِفُكَ بها مَنْ عَرَفَكَ ، لَا فَرْقَ بَيْنَكَ وبينها إِلَّا أَنَّهُمْ عبادُكَ وَخَلْقُكَ ...»(5). 2ـ بيانهم عليهم السلام : «لنا مع اللّٰـه حالات : هو هو ونحن نحن ، وهو نحن ونحن هو»(6). بخلاف سائرالمخلوقات ـ منها : سائرأَنبياء أُولي العزم والأَوصياء والأَصفياء والأَولياء والملائكة المُقَرَّبين وروح القدس (حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة) ـ فإِنَّه مهما علا شأن ذواتها وأَسمآئها وصفاتها وأَفعالها ؛ إِذا قيست إِلى أَسمآء وصفات وأَفعال وشؤون أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم فهي متناهية ومحدودة ، ولا توجد نِسبة رياضيَّة بين غير المحدود والمحدود(7)، فالمحدود دائماً إِذا قِيس إِلى غير المحدود كان لا شيء وصفراً على جهة الشمال، وإِلَّا ـ أَي : لو جُعِلَ للمحدود في قِبَال غير المحدود قيمة ولو كانت بمقدارٍ مثقال ذرَّة ـ لاِنْقَلَبَت ماهيَّة غير المحدود وصارت محدودةً ، وبطلان إِنقلاب الماهيَّة من الواضحات ، بل(8) خلف الفرض. وعليه : فكُلّ ما تتَّصف به جملة المخلوقات من مقامات وكمالات وفضائل بالقياس إِلى مقامات وكمالات وفضائل أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) كالقطرة في بحر غيرالمتناهي ، والذَّرَّة في قفر غيرالمتناهي. / طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام داخلة في المخلوقات دخول اللَّطيف في الأَغلظ / ومن أَسمآء الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة المُنعكسة في طبقات حقائق أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) : (اللَّطيف) ؛ وحقيقته : أَنَّه «داخل في الأَشياء لا بالمزاولة والممازجة ، وخارج عنها لا بالمزايلة والمفارقة »(9) فيكون حال طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام : «داخلة في جملة العوالم وكافَّة المخلوقات ، لكن لا بالمزاولة والممازجة ، وخارجة عنها ، لكن لا بالمزايلة والمفارقة». ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 25 : 173/ح38. (2) المصدر نفسه ، 26 : 12/ح2. (3) بحار الأَنوار ، 26 : 190 ـ 191/ح2. قرب الإِسناد : 144. (4) النمل : 44. (5) بحار الأَنوار ، 95 : 393. (6) مصباح الهداية : 114. (7) لم تُعرف إِلى الآن نِسْبَة رياضيَّة أَو هندسيَّة أَو معرفية بين المتناهي وغيرالمتناهي غير نِسبْة : أَنَّ المُتناهي آية لغيرالمتناهي. (8) هذا عطف على كلمة : (بطلان) ، فتكون العبارة كالتالي : (وإِلَّا اِنْقَلَبَت ماهيَّة غير المحدود وصارت محدودة وهو خلف الفرض). وهذا دليل آخر على بطلان اِنْقِلاب الماهيَّة. (9) التوحيد : 360/ح1