الرئيسية | دروس في المعارف الإلهية | دروس في المعارف الإِلٰهيَّة | معارف إِلٰهيَّة : (173) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة

معارف إِلٰهيَّة : (173) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة

07/07/2024


الدرس ( 173) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة السَّابعة ، ولازال البحث فيها ، وكانت تحت عنوان : (دخول طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام في شراشر جملة العوالم والمخلوقات) ، وصل الكلام الى العنوان التالي : / أَنواع الإِحاطة / ثُمَّ إِنَّه ينبغي الالتفات : أَنَّ الإِحاطة على أَنحاء ثلاثة : أَحدها : الإِحاطة الماديَّة الجغرافيَّة. وهذه تُحيط بالسطح والظاهر فقط. ومجالها : إِذا كان المُحيط من عَالَم الأَجسام الغليظة. مثالها : إِحاطة الكرة الكبيرة بالكرة الصغيرة. وهذا النحو وإِن عُدَّ نحو من أَنحاء الإِحاطة في علم الرياضيِّات وعلم الهندسة ، لكنَّه بالدِّقَّة العقليَّة فيه مسامحة ظاهرة. ومنه يتَّضح : أَنَّ الدِّقَّة العقليَّة تفوق الدِّقَّة في علم الرياضيَّات وعلم الهندسة ؛ لاعتمادهما على قوَّة الخيال ، بخلاف الدِّقَّة العقليَّة ؛ فإِنَّها أَشرس من دون قياس من الدِّقَّة في علم الرياضيَّات وعلم الهندسة ؛ لاعتمادها على قوَّة العقل. والفارق بين القوَّتين عظيم وشاسع جِدّاً ، بل من دون قياس أَيضاً ؛ فإِنَّ العقل عين مُسَلَّحَة أَشرس من عين قوَّة الخيال بمراتب غير متناهية. وهذه نكتة نفيسة تأتي في أَبواب المعارف. ثانيها : الإِحاطة الماديَّة غير الجغرافيَّة. وهذه تُحيط بالظَّاهر والباطن ، لكنَّها تبقىٰ ماديَّة وجسمانيَّة ولها مقدار. ومجالها : إِذا كان المُحيط من عَالَم المادَّة وعَالَم الأَجسام اللطيفة. مثالها : إِحاطة الأَشعَّة البنفسجيَّة أَو الحمراء أَو فوقها أَو تحتها بالأَجسام الأَغلظ. ثالثها : الإِحاطة التجرُّديَّة ، وهذه إِحاطة وجوديَّة ، تكون فيها للمُحيط هيمنة وإِحاطة وقدرة أَعظم وجوداً وكمالاً من هيمنة المُحاط وإِحاطته وقدرته ووجوده وكماله . ومجالها : إِذا لم يكن المُحيط من عَالَم المادَّة والأَجسام ، وإِنَّما كان من عَالَم المُجرَّدات تجرُّداً تامّاً ـ كـ : الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وعَالَم الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ؛ طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ـ ، فتكون نِسْبَة المُحيط إِلى جملة المُحاط ظاهره وباطنه نِسْبَة واحدة. نظيره: نقطة مركز الدائرة بلحاظ جميع نقاط محورها(1)، فإِنَّ نسبتها إِلى الجميع واحدة ؛ من دون أَيّ تبعُّض وتفاوت. مثالها : ما أَشارت إِليه بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان قوله جلَّ ثناؤه : [الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى] (2). أَي : أَنَّ قربه وقدرته وسيطرته وهيمنته على جملة المخلوقات واحدة، لا تتبعَّض ولا تتفاوت ، فهو سبحانه وتعالىٰ : [لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ] (3). إِذنْ : نِسْبَة المخلوقات بالنِّسْبَة إِليه (جلَّ ذكره) تتوحَّد ، فلا يغيب شيء عنه ؛ فجملة العوالم وكافَّة المخلوقات غيرالمتناهية في حضور واحدٍ لديه. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ؛ فإِنَّه سُئل : «عن قوله اللَّـه عزَّ وجلَّ : [الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى]، فقال : استوىٰ من كُلِّ شيء ، فليس شيء أَقرب منه من شيء»(4). 2ـ بيان الإِمام الكاظم عليه السلام ، عن يعقوب بن جعفر الجعفري ، قال : «ذُكر عنده قوم زعموا أَنَّ اللَّـه تبارك وتعالىٰ ينزل إِلى السَّماء الدُّنيا ، فقال: إِنَّ اللَّـه لا ينزل ولا يحتاج إِلى أَنْ ينزل ، إِنَّما منظره في القرب والبُعد سوآء ، لم يبعد منه قريب ، ولم يقرب منه بعيد ، ولم يحتج إلى شيءٍ ، بل يُحتاج إِليه...»(5). 3ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن القاسم بن يحيىٰ ، عن جدِّه الحسن ، قال : «وسُئِلَ عن معنىٰ قول اللَّـه : [عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى] ، قال : استولىٰ على ما دقَّ وجلَّ»(6). ثانياً : بيان قوله جلَّ قوله : [أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ] (7). ومعناه : أَنَّه (تقدَّس ذكره) لا يحدّه ولا يحبسه مكان ولا زمان. ثالثاً : بيان قوله عزَّ من قائل : [وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا] (8). ودلالته قد اِتَّضحت. وبالجملة : النِّسْبَة بين الشيء الواحد والأَشياء الكثيرة إِنْ كانت واحدة ولم تختلف فالإِحاطة منه لها تجرُّديَّة ، وإِلَّا فماديَّة. إِذنْ : في عَالَم المُجرَّدات تجرُّداً تامّاً ـ كـ : طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ـ لا توجد أَبداً نِسب مُتكثِّرة ، وإِنَّما نِسبة فاردة. ومن ثَمَّ تكون حقيقة ذات الإِمام من أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم داخلة في جملة حقائق ذوات المخلوقات وفي طُرِّ العوالم ومحيطة بها ، ومهيمنة عليها ، وأَقرب إِليها من حبل وريدها ، لكن لا بالمزاولة والممازجة ، وخارجة عنها ، لكن لا بالمزايلة والمفارقة ، وحينئذٍ يعلم عليه السلام ظواهر المخلوقات وبواطن بواطنها ، وسرّها وخفيّها ، ولا يخفىٰ عليه من شؤونها وشؤون عوالمها شيء ولو كان بمقدار حبَّةٍ من خردل ، من بداية الخلقة إِلى مالا نهاية ، في هذه النَّشْأة وفي كُلِّ النَّشَآت. وإِلى هذا أَشارت بيانات الوحي ، منها : بيان زيارتهم عليهم السلام ـ المُتقدِّم ـ : «... ذكركم في الذَّاكرين ، وَأَسماؤكم في الأَسمآء ، وَأَجسادكم في الأَجساد ، وَأَرواحكم في الأَرواح ، وَأَنفسكم في النُّفوس ، وآثاركم في الآثار ، وقبوركم في القبور ، فما أَحلى أَسماءكم ، وَأَكرم أَنفسكم ، وَأَعظم شأنكم ، وَأَجِلّ خطركم ...»(9). مضافاً : أَنَّ من تلك الشؤون والصِّفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة المُتَّصف بها الباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ وعلا) أَنَّه : (يعلم المخزون المكنون المجزوم المكتوم)، كذلك حال طبقات حقائق ذوات أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ، وتتبعها طبقات حقائق ذواتهم (صلوات اللّٰـه عليهم) المتوسِّطة والنَّازلة ، فيعلم الإِمام من آل محمَّد (صلوات اللّٰـه عليهم) من خلالها : (العلم الإِلٰهيّ المخزون المكنون المجزوم المكتوم الَّذي لم يطَّلع عليه ملك مُقَرَّب ولا نبيّ مرسل). / معرفة اللَّه مُتوقِّفة على معرفة أَهل البيت عليهم السلام / / الطائفة الثَّامنة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... معرفتي بالنورانيَّة معرفة اللّٰـه (عزَّوجلَّ) ، ومعرفة اللّٰـه (عزَّوجلَّ) معرفتي بالنَّورانيَّة ، وهو الدِّين الخالص الَّذي قال اللّٰـه تعالىٰ : [وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ] (10)...»(11). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مرجع الضمير : (الدائرة). (2) طه : 5. (3) الإخلاص : 3. (4) بحار الأَنوار ، 55 : 7/ح5. (5) المصدر نفسه ، 3 : 311/ح5. (6) المصدر نفسه ، 3 : 336/ح45. أُصول الكافي ، 1/باب : معاني الأَسماء واشتقاقها : 80/ح3. (7) فصلت : 54. (8) النساء : 126. (9) بحار الأَنوار ، 99 : 132. (10) البينة : 5. (11) بحار الأَنوار ، 26 : 1 ـ 2/ح1