الرئيسية | دروس في المعارف الإلهية | دروس في المعارف الإِلٰهيَّة | معارف إِلٰهيَّة : (175) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة

معارف إِلٰهيَّة : (175) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة

09/07/2024


الدرس ( 175) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة التَّاسعة : / مشيئة أَهل البيت عليهم السلام تجلِّي لمشيئة اللّه / / الطائفة التَّاسعة ، ويُمثِّلها : / بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... ونحن إِذا شئنا شاء اللّٰـه ، وَإِذا كرهنا كره اللّٰـه ، الويل كلّ الويل لِـمَنْ أَنكر فضلنا وخصوصيَّتنا ، وما أَعطانا اللّٰـه ربُّنا؛ لأَنَّ مَنْ أَنكر شيئاً مِمَّا َأعطانا اللّٰـه فقد أَنكر قدرة اللّٰـه عزَّوجلَّ ومشيته فينا ...»(1). ودلالته قد اِتَّضحت مِمَّا تقدَّم أَيضاً ولا غبار عليها ؛ فإِنَّه لَـمَّا كانت طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة وتتبعها طبقات حقائق ذواتهم (صلوات اللّٰـه عليهم) المتوسطة والنَّازلة فانية في حكاية الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، ولا تُري نفسها بل محكيِّها ـ الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة ـ اِنْعَكَسَتْ فيها جميع شؤون وصفات وأَسمآء الذَّات المُقدَّسة ، منها : المشيئة الإِلٰهيَّة. نظيره : ما مرَّ في مثال المرآة شديدة الصَّقل والصَّفاء والاِنعكاس ؛ فإِنَّها لا تُري نفسها ، بل محكيِّها. وما مرَّ في مثال : (الصرح) في قضيَّة بلقيس الواردة في بيان قوله عزَّ ذكره : [قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ] (2)فلشدة شفافيَّته وتمرُّد ذاته وانمحائها وفنائها في (اللُّجَّة) اِنمحاء وفناء حكاية لم يُرِ نفسه ، بل مـحكِيَّه ـ اللُّجَّة ، أَي : الماء الغزير ـ انعكست فيه جميع شؤون اللُّجَّة وصفاتها وأَسمآئها ، ومن ثَمَّ حسبته ماءً غزيراً فكشفت عن ساقيها ؛ لتتخطَّاه ، ولَـمَّا أُخبرت بالواقع ـ وأَنَّه صرح مُمرَّد ـ آمنت من دون مهلة ونظر وتردُّد ؛ لإِلتقاطها إِشارة معرفيَّة وتوحيديَّة لمعنىٰ تجلِّي وظهور الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة في المخلوقات المُكرَّمة. هكذا حال طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ؛ فإِنَّه لَـمَّا كانت ذواتها وحقائقها وماهيَّاتها فانية في الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة فناء حكاية ، كما أَشارت إِلى ذلك بيانات الوحي ، منها : بيان النَّاحية المُقدَّسة الوارد في حقِّهم صلوات اللّٰـه عليهم : «أَسأَلُكَ بما نطق فيهم من مشيئَتِكَ ، فجعلتَهُمْ معادنَ لكلماتِكَ ، وأَركاناً لتوحيدِكَ ، وآياتكَ ومَقاماتكَ الَّتي لا تعطيل لها في كُلِّ مكانٍ ، يَعْرِفُكَ بها مَنْ عَرَفَكَ ، لَا فرق بينكَ وبينها إِلَّا أَنَّهم عبادُكَ وَخَلقُك ... فَبِهِمْ ملأَتَ سماءكَ وَأَرضكَ حتَّىٰ ظهر : أَنْ لا إِلٰهَ إِلَّا أَنْتَ ...»(3). وبيانهم عليهم السلام : «... هو نحن ، ونحن هو»(4). فلم تُرِ تلك الطَّبقات نفسها ، بل محكيِّها اِنْعَكَسَت فيها جميع شؤون وصفات وأَسمآء الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، منها : (المشيئة الإِلٰهيَّة) ، فيكون أَحد شؤون وصفات أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) أَنَّهم إِذا شاءوا شاء اللّٰـه ، وإِذا شاء اللّٰـه شاءوا ؛ لإِندكاك ذواتهم المُقدَّسة بالذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة إِندكاك حكاية ـ لا تحققا ـ . مضافاً : أَنَّ المشيئة الإِلٰهيَّة مخلوق من مخلوقات عَالَم الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ؛ عَالَم السَّرمد والأَزل. فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «خلق اللّٰـه المشيئة قبل الأَشياء ، ثُمَّ خلق الأَشياء بالمشيئة»(5). وبيانه عليه السلام أَيضاً : «خلق اللّٰـه المشيئة بنفسها ، ثُمَّ خلق الأَشياء بالمشيئة»(6). ومخلوقات عَالَم الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة أَحد طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة. فلاحظ : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الرِّضا منضَمّاً إِليه بيان الإِمام الصَّادق عليهما السلام : «إِذَا نَزَلَتْ بكم شدَّة فاستعينوا بنا على اللّٰـه، وهو قول اللّٰـه : [وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ](7) قال : قال أَبو عبداللّٰـه عليه السلام: نحن واللّٰـه الأَسماء الحسنىٰ الَّذي لا يقبل من أَحَدٍ إِلَّا بمعرفتنا ، قال : [فادعوه بها] »(8). فإِنَّه حينما تتصاعد طبقات حقائقهم (صلوات اللّٰـه عليهم) المُقدَّسة ؛ ولشدَّة خلوصها للذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة ؛ وفنائها في الحكاية تنتفي ماهيَّاتها وذواتها الشَّريفة الخاصَّة ، فلا يُرىٰ فيها ماهيَّة : (مُحَمَّد ، وعَلِيّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ...) وإِنَّما أَسمآء إِلٰهيَّة ، فتكون المشيئة الإِلٰهيَّة طبقة من طبقات حقائقهم عليهم السلام الصَّاعدة ؛ وظيفتها اِنْعِكَاس وحاكية عن مشيئة الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة ، ومن ثَمَّ إِذا شاء اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّت آلاؤه) شاء أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) ، وإِذا شاءوا (عليهم السَّلام) شاء اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ جلاله) ، وإِذا كره كرهوا ، وإِذا كرهوا كره (جلَّ قدسه). / نكتة توقُّف المخلوق في قبول مقامات وكمالات أَهل البيت عليهم السلام / ثُمَّ إِنَّه مَنْ يتوقَّف في قبول مقامات وكمالات وشؤون أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم ـ بعد قيام الدَّليل القطعي عليها ـ أَو يتردَّد فيها فضلاً عن مَنْ يُنْكِرُها فَلْيَعْلَم ـ بل ليراجع نفسه فسيجد ـ أَنَّ منشأ ذلك أَحد أُمور ثلاثة لا رابع لها ، وإِلَّا فتسويلات شيطانيَّة ؛ فإِنَّه : ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 26 : 7/ح1. (2) النمل : 44. (3) بحار الأَنوار ، 95 : 393. (4) مصباح الهداية : 114. (5) بحار الأَنوار ، 4 : 145/ح19. (6) المصدر نفسه /ح20. (7) الأعراف : 180. (8) بحار الأَنوار ، 91 : 6 ـ 7/ح7. تفسير العيَّاشي ، 2 : 42