معارف إِلٰهيَّة : (176) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
10/07/2024
الدرس ( 176) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة التَّاسعة ، ولازال البحث فيها ، وكانت تحت عنوان : (مشيئة أَهل البيت عليهم السلام تجلِّي لمشيئة اللّه) ، وصل الكلام الى العنوان التالي : / نكتة توقُّف المخلوق في قبول مقامات وكمالات أَهل البيت عليهم السلام / ثُمَّ إِنَّه مَنْ يتوقَّف في قبول مقامات أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم وكمالاتهم وشؤونهم ـ بعد قيام الدَّليل القطعي عليها ـ أَو يتردَّد فيها فضلاً عن مَنْ يُنْكِرُها فَلْيَعْلَم ـ بل ليراجع نفسه فسيجد ـ أَنَّ منشأ ذلك أَحد أُمور ثلاثة لا رابع لها ، وإِلَّا فتسويلات شيطانيَّة ؛ فإِنَّه : إِمَّا أَنْ يكون منشأ توقُّفه وتردُّده وإِنكاره (والعياذ باللَّـه تعالىٰ) في فاعليَّة الباري (تبارك وتعالىٰ) ، كمُعتقد اليهود. وإِمَّا أَنْ يكون ـ منشأ توقُّفه وتردُّده وإِنكاره ـ (والعياذ باللَّـه تعالىٰ) في قابليَّة طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم واستعدادها واستحقاقها ، كمعتقد المُقصِّرة وبعض النَّواصب. وإِمَّا أَنْ يكون ـ منشأ توقُّفه وتردُّده وإِنكاره ـ (والعياذ باللَّـه تعالىٰ) جهلاً بهم صلوات اللَّـه عليهم ، أَو حسداً لهم ، أَو حقداً أَو تكبُّراً عليهم أَو عداوة لهم ، كحال إبليس والبعض الآخر من النَّواصب. وهذا كالأَوَّل والثَّاني إِلحاد وكفر جلي ، لا يُبْقِي ولا يَذَر ؛ فإِنَّ يداه (عزَّ ذكره) مبسوطتان يُنفِقُ كيف يشآء ، وقابليَّة طبقات حقائق أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم واستعدادها واستحقاقها للفضل والكمال لا حدَّ ولا منتهىٰ ولا غاية لها ، والجهل وجنده كالحسد والحقد والتكَبُّر لاسيما إِذا كان في حقِّ أَهل البيت صلوات اللَّـه عليهم عَالَمٌ من البحر الأُجاج ظُلْمَانِيّاً ، فوق عَالَم جهنَّم ونار الآخرة الأَبديَّة (أعاذنا اللَّـه تعالىٰ منها) ، ومهيمن عليها ، بل هي قطرة في بحره وبحور جنده الظلمانيَّة الأُجاج المتلاطمة ، كما أَشار إِلى ذلك بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام في حديث جنود العقل والجهل(1). وإِلى الأَوَّل أَشارت بيانات الوحي ، منها : بيان قوله جلَّ ذكره : [ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ] (2). وإِلى الأَوَّل والثَّاني أَشارت بياناته الأُخرىٰ ، منها : بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه : «... أَنَا صاحب النَّار ، أَقُولُ لَـهَا : خُذِي هٰذا ، وذري هذا ... أَنَا صاحب الهدَّة ، وَأَنَا صاحب اللَّوح المحفوظ ... أَنَا صاحب المعجزات والآيات ... أَنَا الَّذي حملتُ نوحاً في السَّفينة بأمر ربِّي ، وَأَنَا الَّذي أَخرجتُ يونس من بطن الحوت بإِذنِ رَبِّي ، وَأَنَا الَّذي جاوزتُ بموسىٰ بن عمران البحر بأمر رَبِّي ، وَأَنَا الَّذي أخرجتُ إبراهيم من النَّار بإِذن رَبِّي ، وَأَنَا الَّذي أَجريتُ أَنهارها ، وَفَجَّرتُ عيونها ، وغرستُ أَشجارها بإِذن رَبِّي ، وَأَنَا عذاب يوم الظِّلَّة ، وَأَنَا المنادي من مكان قريب قد سمعه الثقلان : الجنّ والإِنس وفهمه قوم ... لا تُسَمُّونا أَرْباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم ، فإِنَّكم لن تبلغوا من فضلنا كُنْه ما جعله اللَّـه لَنَا ، ولا معشار العشر ... ولو قال قائل : لِمَ ، وكيف ، وَفِيم ؟ لكفر وأَشرك ؛ لأَنَّه لا يُسأل عمَّا يفعل وهم يُسألون ... مَنْ آمن بما قلتُ ... فهو مؤمن ممتحن ... وَمَنْ شَكّ وعَنَدَ وجَحَدَ ووقف وتحيَّر وارتاب فهو مقصِّر وناصب ... الويل كُلّ الويل لِـمَنْ أَنكر فضلنا وخصوصيَّتنا ، وما أَعطانا اللَّـه ربُّنا ؛ لأَنَّ مَنْ أَنْكرَ شيئاً مِـمَّا أَعطانا اللَّـه فقد أَنْكرَ قدرة اللَّـه عزَّوجلَّ ومشيَّته فينا ... وَحَقَّتْ كلمة العذاب على الكافرين ، أَعني الجاحدين بِكُلِّ ما أَعطانا اللَّـه مِنَ الفضل والإِحْسان» (3). ودلالته واضحة ولا غبار عليها. وإِلى الثَّالث أَشارت بياناته الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين صلوات اللَّـه عليه مخاطباً حذيفة بن اليمان : «يا حذيفة ، لا تُحَدِّث النَّاس بما لا يعلمون فيطغوا ويكفروا ، إِنَّ من العلم صعباً شديداً محمله ، لو حملته الجبال عجزت عن حمله ، إِنَّ علمنا أهل البيت يُستنكر ويبطل ويُقتل رواته ، ويُساء إِلى مَنْ يتلوه بغياً وحسداً لما فَضَّلَ اللَّـه به عترة الوصي ، وصي النَّبيّ صلى الله عليه واله ...»(4). 2ـ بيان تفسير أَبي جعفر عليه السلام ، عن بريدة ، قال : «كنتُ عند أَبي جعفر عليه السلام فسألته عن قوله اللَّـه تعالىٰ : [أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ] (5)؛ قال: فنحن النَّاس ، ونحن المحسودون على ما آتانا اللَّـه من الإِمامة دون خلق اللَّـه جميعاً [فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا] (6)جعلنا منهم الرسل والأَنبياء والأَئِمَّة عليهم السلام ، فكيف يقرُّون بها في آل إِبراهيم ، ويُكَذِّبون بها في آل محمَّد عليهم السلام ؟ [فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا] (7)»(8). 3ـ بيان تفسير الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن إِبراهيم ، قال : « قلت لأَبي عبداللَّـه عليه السلام : جُعِلْتُ فداك ، ما تقول في هذه الآية: [أَم يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا] (9)، قال : نحن النَّاس الَّذين قال اللَّـه ، ونحن المحسودون ، ونحن أَهل المُلك ، ونحن ورثنا النَّبيِّين ، وعندنا عصا موسىٰ ، وإِنَّا لخزَّان اللَّـه في الأَرض ، لسنا بِخُزَّانٍ على ذهب ولا فضَّة ...»(10). 4ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن الكناني ، قال : «قال أَبو عبداللَّـه عليه السلام : يا أَبا الصباح ، نحن قوم فرض اللَّـه طاعتنا ، لنا الأَنفال ، ولنا صفو الـمال ، ونحن الرَّاسخون في العلم ، ونحن المحسودون الَّذين قال اللَّـه : [أَم يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ] »(11). ودلالة الجميع واضحة. وفي الختام يجدر الاِلتفات إِلى الأُمور التَّالية : الأَوَّل : أَنَّ أَعظم أَنواع تواضع المخلوق لباريه (تقدَّس ذكره) : تعظيمه لمن عظمه (جلَّ قدسه) بقدره. الثَّاني : أَنَّ أَعظم الصدق : الصدق في الحقائق الأَزليَّة ، وأَعظم الكذب والجحود والغشّ : الكذب والجحود والغشّ في الحقائق الأَزليَّة أَيضاً. وهذه أَخطر من دون قياس من الصدق والكذب والجحود والغشّ في عَالَم السياسة والأُمور العامَّة ؛ لإِرتباطها بالحياة والنشأة الأُخرويَّة الأَبديَّة ، وبالمصير الأَبدي للمخلوقات. الثَّالث : أَنَّ في ذات كُلِّ إِنسانٍ طبقات من الشرك يجب عليه تطهيرها. الرَّابع : أَنَّ بعض طبقات الشرك الخفي يُطهَّر صاحبها منها في عَالَم القيامة. الخامس : أَنَّ في ذات كُلّ مخلوقٍ طبقات من الحسد والبغض والعداء لأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم يجب عليه تطهيرها. ويدلُّ عليه : ما تقدَّم وما سيأتي (إِنْ شاء اللّٰـه تعالىٰ) من ارتطام سائر الأَنبياء والرسل وجملة الملائكة منهم المُقرَّبين عليهم السلام ؛ وتوقُّفهم في مقامات أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم وصفاتهم وشؤونهم وأَحوالهم . السَّادس : أَنَّه دائماً التبرُّم والإِعتراض على ساحة القدس الإِلٰهيَّة ورجالاتها يحمل في طيَّاته إِعتقاد المُتبرِّم والمُعترض ـ والعياذ باللَّـه تعالىٰ ـ : بجهل ساحة القدس الإِلٰهيَّة وبجهل رجالاتها ، وهذا إِلحاد وشرك وكفر خفيٌّ شعر بذلك المخلوق أَم لا، وهو وإِنْ لم يخرج صاحبه عن دائرة الإِيمان والإِسلام ، لكنَّه يحطّ من مراتب ودرجات إِيمانه وإِسلامه ، ويحطُّ من حظِّه في عَالَم الآخرة الأَبديَّة. السَّابع : الكفر والإِلحاد برتب ومراتب الحُجَج الإِلٰهيَّة كفر عظيم ومحذور خطير ، وهو الَّذي أَوقع إِبليس (عليه اللعنة) في ورطته ؛ فإِنَّه لَـمَّا لم يحفظ المراتب تطاول على حُجِّيَّة اللَّـه ووليِّه ، وأَورثه الندامة الأَبديَّة. الثَّامن : أَنَّ الاِمتحانات والاِختبارات المُهمَّة في البصيرة يَمتحن اللَّـه بها الأُمَّة على مدىٰ الأَزمان والدهور. / تفويض جملة أُمور الخلائق لأَهل البيت عليهم السلام / / الطائفة العاشرة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «لو أُهْدِيَ إِلَيَّ كراع لقبلتُ ، وكان ذلك من الدِّين ، ولو أَنَّ كافراً أَو منافقاً أَهدىٰ إِلَيّ وسقاً ما قبلتُ ، وكان ذلك من الدِّين ...»(12). ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أُصول الكافي، 1: 17/ح14. (2) المائدة : 64 . (3) بحار الأَنوار ، 26 : 1 ـ 7/ح1. (4) المصدر نفسه ، 28 : 70 ـ 71/ح31. غيبة النعماني : 70 ـ 72. (5) النساء : 54 . (6) النساء : 54 . (7) النساء : 55 . (8) بحار الأَنوار ، 23 : 298/ح44. تفسير فرات : 28. ( 9) النساء : 54 . (10) بحار الأَنوار ، 23 : 299/ح50. (11) المصدر نفسه: 194/ح20. بصائر الدرجات : 55. (12) بحار الأَنوار ، 16 : 373/ح83