الرئيسية | دروس في المعارف الإلهية | دروس في المعارف الإِلٰهيَّة | معارف إِلٰهيَّة : (178) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة

معارف إِلٰهيَّة : (178) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة

12/07/2024


الدرس ( 178) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الحادية عشرة : / حدّ ماهيَّة الإِمام وإِمامة أَهل البيت عليهم السلام / / الطائفة الحادية عشرة ، ويُمثِّلها : / بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «... الإِمام ... البحر الَّذي لا ينزف ... مهيمن اللّٰـه على الخلائق ، وأَمينه على الحقائق ... ظاهره أَمر لا يُمْلك ، وباطنه غيب لا يُدرك ... بشر ملكيّ ، وجسد سماويّ ، وأَمر إِلٰهيّ ، وروح قدسي ، ومقام عَلِيّ ، ونور جليّ ، وسرّ خفيّ ، فهو ملك الذَّات، إِلٰهيّ الصِّفات ... خلقهم اللّٰـه من نور عظمته ، وولَّاهم أَمر مملكته ، فهم سرّ اللّٰـه المخزون ... ومبدء الوجود وغايته ، وقدرة الرَّبّ ومشيئته ... والأَسرار الإِلٰهيَّة المودعة في الهياكل البشريَّة ...»(1). ودلالته قد اِتَّضحت مِمَّا تقدَّم ؛ فإِنَّه برهان وحيانيٌّ وارد لبيان وتعريف ماهيَّة وحقيقة الإِمام من أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) ، وقد أَخذ عليه السلام فيه ثلاث طبقات أَساسيَّة من ماهيَّته وحقيقته عليه السلام : أَحدها : الطَّبقات النَّازلة والمُتمثِّلة بالجنبة البشريَّة ؛ فهو يأكل الطَّعام ، ويمشي في الأَسواق ... . وإِلى هذه الطَّبقة أَشار بيانه عليه السلام بقوله : «... الإِمام ... بشر ... في الهياكل البشريَّة ...». الأُخرىٰ : الطَّبقات المتوسِّطة ، والمُتمثِّلة بالجنبة الملائكيَّة السَّماوية ، والعوالم الروحانيَّة. وإِلى هذه الطَّبقة أَشار بيانه عليه السلام بقوله : «... الإِمام ... ملكيّ ، وجسد سماويّ ... وروح قدسيّ ... فهو ملك الذَّات ...». الثَّالثة : الطَّبقات الصَّاعدة ، والمُتمثِّلة بالجنبة الإِلٰهيَّة ، ووسائط الفيض الإِلٰهيّ الحصريَّة ، والوسيلة الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة الفاردة ، وعلل الوجود : (الغائيَّة والفاعليَّة) ، ووجه اللّٰـه ، والسَّبيل والسَّبب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ التَّكويني الحصري والأَدنىٰ بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (تعالىٰ ذكره) و كافَّة العوالم وسائر المخلوقات ، المُنعكسة في هذه الطَّبقات جميع الأَسمآء والصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة إِلَّا الأُلوهيَّة ، كما تقدَّم. وإِلى هذه الطَّبقة أَشار بيانه عليه السلام بقوله : «... الإِمام ... البحر الَّذي لا ينزف ... مهيمن اللّٰـه على الخلائق ، وأَمينه على الحقائق ... ظاهره أَمر لا يُمْلك ، وباطنه غيب لا يُدرك ... وأَمر إِلٰهيّ ... ومقام عَلِيّ ، ونور جليّ ، وسرّ خفيّ ، فهو ... إِلٰهيّ الصِّفات ... خلقهم اللّٰـه من نور عظمته ، وولَّاهم أَمر مملكته ، فهم سرّ اللّٰـه المخزون ... مبدء الوجود وغايته ، وقدرة الرَّبّ ومشيئته ... والأَسرار الإِلٰهيَّة...». وإِلى هذه الطَّبقات الثلاث أَشارت بيانات القرآن الكريم أَيضاً. فلاحظ: أَوَّلاً : بيان قوله جلَّ جلاله : [وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ] (2)(3)فإِنَّه مُشير إِلى الطَّبقة الثانية والأُولىٰ. ثانياً : بيان قوله جلَّ وعلا : [وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ] (4) فإِنَّه مُشير إِلى الطَّبقة الثَّالثة ، فإِنَّ ضمير (هو) عائد إِلى (صاحبكم) و (نطقه) أَي : إِلى ذات سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، وقد عبَّرَ (جلَّ شأنه) عنها بصيغة المضارع (يوحىٰ) المفيدة للتجدُّد والاستمرار التَّأبيدي ، الدالُّ على أَنَّ ذاته صلى الله عليه واله بحر وحي زخَّار لا نهاية ولا إِنقطاع له أَبداً ، من بداية الخلقة إِلى ما لا نهاية ، ومن ثَمَّ ورد في بيانات الوحي في حقِّ طبقات حقيقته صلى الله عليه واله المتوسطة : أَنَّه كان في العوالم السَّابقة نبيّاً ورسولاً لكُلِّ الأَنبياء عليهم السلام ، بل ولمطلق المخلوقات. فانظر: 1ـ بيانه صلى الله عليه واله : «كنتُ نبيّاً وآدم بين الماء والطين» أَو «بين الرُّوح والجسد»(5). 2ـ بيان الإِمامين الباقر والصَّادق عليهما السلام : «إِنَّ اللّٰـه خلق الخلق وهي أَظلَّة ، فأرسل رسوله مُحمَّداً صلى الله عليه واله فمنهم مَنْ آمن به ، ومنهم مَنْ كذَّبه ، ثُمَّ بعثه في الخلق الآخر فآمن به مَنْ كان آمن به في الأَظلَّة ، وجحده مَنْ جحد به يومئذ ، فقال: [مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ ] (6)»(7). 3ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن المفضَّل بن عمر ، قال : «... يا مفضَّل ، أَمَا علمتَ أَنَّ اللّٰـه (تبارك وتعالىٰ) بعث رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله وهو روح إِلى الأَنبياء وهم أَرواح قبل خلق الخلق بأَلفي عام ؟ قلتُ : بلىٰ ، قال : أَمَا علمتَ أَنَّه دعاهم إِلى توحيد اللّٰـه وطاعته واتِّباع أَمره ووعدهم الجنَّة على ذلك وأَوعد مَنْ خالف ما أَجابوا إِليه وأَنكره النَّار ؟ قلتُ : بلىٰ ...»(8). 4ـ بيانه عليه السلام أَيضاً : «ما بعث اللّٰـه نبيّاً أَكرم مِنْ مُحمَّد صلى الله عليه واله ، وَلَا خلق اللّٰـه قبله أَحَداً ، وَلَا أَنذر اللّٰـه خلقه بأَحدٍ من خلقه قبل مُحمَّد ، فذلك قوله تعالىٰ : [هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى] (9)، وقال : [ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ] (10) فلم يكن قبله مُطاع في الخلق ، ولا يكون بعده إِلى أَنْ تقوم السَّاعة ، في كُلِّ قرنٍ إِلى أَنْ يرث اللّٰـه الأَرض وَمَنْ عليها»(11). ودلالة الجميع واضحة. ثُمَّ إِنَّ صفة : (عدم تناهي وحي ذات سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله) لم يثبتها القرآن الكريم لأَحدٍ غيره صلى الله عليه واله قطُّ ، بل ولم يثبتها لنفسه(12)، فإِنَّه عبَّرَ عنها بصيغة الماضي (أَوحينا) ، الدَّالَّة على التناهي. فلاحظ: بيان قوله تبارك وتعالىٰ : [وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ] (13). ثالثاً : بيان قوله علا ذكره : [قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ] (14)، فإِنَّه مُشيرٌ إِلى الطَّبقة الأُولىٰ والثَّالثة ، وعبَّرَ عن الثَّالثة أَيضاً بصيغة المضارع (يوحىٰ) المفيدة للتجدُّد والاستمرار التَّأبيدي ، كما تقدَّم. إِنْ قلتَ : إِنَّ هذه البيانات الوحيانيَّة الشَّريفة أَخَصُّ من المُدَّعىٰ ؛ فإِنَّها واردة لبيان حقيقة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، وكلامنا في بيان حقيقة وماهيَّة الإِمام من مُطلق أَهل البيت : سيِّد الأَنبياء وسائر أَئمَّة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم. قلتُ : اعتقاد الاماميَّة ، ومن الأُصول الموضوعيَّة المُسلَّمة عندنا نحن الاماميَّة ، بل وما صرَّحت به بيانات الوحي : أَنَّ كُلَّ ما كان ثابتاً لسيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله من مقاماتٍ وشؤونٍ وأَحوالٍ ومناقبٍ وفضائلٍ وكمالاتٍ إِلٰهيَّة ثابتة لسائرأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم من دون فرق إِلَّا ما خرج بالدَّليل: (النُّبُوَّة والأَزواج) ، وبقي الباقي على حاله ، منه هذا المقام والمنقبة والشَّأن والفضيلة والكمال الإِلٰهيّ. فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «كُلُّ ما كان لمُحَمَّدٍ صلى الله عليه واله فلنا مِثله إِلَّا النُّبوَّة والأَزواج»(15). ودلالته واضحة. / وحي الإِمامة الإِلهيَّة وحيُ علمٌ لدنِّيٌّ من دون واسطة / ثُمَّ إِنَّ هذا النحو من الوحي الَّذي تتمتَّع به حقيقة سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ليس وحي نبوَّة بتوسُّط جبرئيل عليه السلام أَو غيره ، وإِنَّما وحي إِمامةٍ إِلٰهيَّة وعلمٌ لدنِّيٌّ من دون واسطة. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 25 : 169 ـ 174/ح38. (2) الأنعام : 8 ـ 9. (3) لا بأس بالالتفات إِلى أَنَّ سورة الأَنعام من أَوَّلها إِلى آخرها انفجارات عقائديَّة ومعرفيَّة ، وتحوي على أُس العقائد. (4) النجم : 1 ـ 4. (5) بحار الأَنوار ، 18 : 278. (6) يونس : 74. (7) بحار الأَنوار ، 5 : 259/ح64. (8) المصدر نفسه ، 39 : 194 ـ 195/ح5. علل الشرائع : 65. (9) النجم : 56. (10) الرعد : 7. (11) بحار الأَنوار ، 16 : 371/ح82. (12) مرجع الضمير المُستتر في (يثبتها) ، والضمير المُتَّصل في (لنفسه) : القرآن الكريم. (13) الشورى : 52. (14) الكهف : 110. (15) بحار الأَنوار ، 26 : 317/ح83