الرئيسية | دروس في المعارف الإلهية | دروس في المعارف الإِلٰهيَّة | معارف إِلٰهيَّة : (186) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة

معارف إِلٰهيَّة : (186) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة

22/07/2024


الدرس ( 186) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة الخامسة عشرة : / وحي القرآن شعاع من بحور وحي حقائق أَهل البيت عليهم السلام / الطَّائفة الخامسة عشرة ، ويُمثِّلها : بيان الإِمام الحسن العسكري عليه السلام : «قد صعدنا ذرىٰ(1) الحقائق بأَقدام النُّبُوَّة والولاية ، ونوَّرنا(2) سبع طبقات أَعلام الفتوىٰ بالهداية ، فنحن ... غيوث الندىٰ ... وروح القدس في جنان الصَّاقورة(3) ذاق من حدائقنا الباكورة ...»(4). ودلالته قد اِتَّضحت ؛ فإِنَّه بعدما تقدَّم من أَنَّ حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة هي : وسائط الفيض الإِلٰهيّ الحصريَّة الفاردة، والوسيلة الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة الحصريَّة ، ووجه اللّٰـه ، والسَّبيل والسَّبب والباب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ التَّكويني الحصري والأَدنىٰ بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ وتقدَّس) ، وكافَّة العوالم وسائر المخلوقات غيرالمتناهية ، وتقدَّم أَيضاً : أَنَّ طبقات حقائقهم صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة هي : الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ذاتيَّة كانت أَم فعليَّة ، وتقدَّم كذلك : أَنَّ نفس القرآن الكريم وصف حقيقته ووحيه بصيغة الماضي (أَوحينا) الدَّالَّة على المحدوديَّة والتناهي(5)، ووصف حقيقة ووحي ذات سيِّد الأَنبياء وبالتَّبع سائرأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم في أَكثر من بيانٍ بصيغة المضارع (يوحىٰ) الدَّالَّة على الاستمرار والتجدُّد التأبيدي ، يتَّضح ويتجلَّىٰ هذا البيان الشَّريف أَكثر ، لاسيما عجزه ؛ فإِنَّ المراد من بيان قوله عليه السلام : «وروح القدس» أَي : حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ، والمُعبَّر عنها في بيانات الوحي الأُخرىٰ بـ : (الرُّوح الأَمري) ، وهو شُعْبَة من شُعَب أَرواح أَهل البيت عليهم السلام ، وشريحة صغيرة من أَرواحهم المُقدَّسة ، ومرتبة هذه الرُّوح في السَّمآء الرَّابعة أَو الثَّالثة ـ على اختلاف التَّفاسير ـ ، موجودة في جنَّة أسمها : (الصَّاقورة) على وزن فاعولة، مأخوذة من مادَّة الصغر ؛ هذا بالقياس إِلى جنان وحدائق وحي ومعارف حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الأُخرىٰ الصَّاعدة ، وفي هذه الجنَّة يأخذ روح القدس ـ أَي : حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ـ وحيه ومعارفه من حدائق وبحور حقائق أَهل البيت عليهم السلام الطمطامة غيرالمتناهية ، لكن : كُلّ ذلك الوحي الشَّريف وتلك المعارف الإِلٰهيَّة الَّتي حوتها حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة لم تتعدَّ مقام الذوق ، أَي : شيء قليل جِدّاً بلحاظ ما عند أَهل البيت عليهم السلام من وحيّ غيرمتناهي ، وكميَّة الذوق ونوعيَّته كانت بمقدار الباكورة ، أَي : من ثمار بحور معارف ووحي حقائق أَهل البيت عليهم السلام غيرالمتناهي ؛ لكن في بداية نضوجها ، وهذا دالٌّ على مدىٰ عظمت ما تحويه حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم من وحي ومعارف إِلٰهيَّة. إِذَنْ : حقيقة وحي ومعارف القرآن الكريم وإِنْ كانت بنفسها وبلحاظ ما تحتها غيرمتناهية وعظيمة ومهولة جِدّاً ، لكنَّها إِذا قيست إِلى ما فوقها ؛ أَي: إِلى حقائق وحي ومعارف أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة كانت شعاعاً ضعيفاً ونازلاً من أَشعَّة نور وبحور وحيهم ومعارفهم وحقائقهم صلوات اللّٰـه عليهم الطمطامة المتلاطمة غيرالمتناهية أَبداً وأَزلاً. وهذه قاعدة عظيمة جِدّاً لفهم معضلات أَحوال وشؤون أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم. فالتفت ، وتدبَّر جيِّداً ، واغتنم. / حقائق أَهل البيت عليهم السلام محيطة بظواهر وبواطن جميع ما نزل من وحي السَّمآء/ / الطَّائفة السَّادسة عشرة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله الحاكي لولادة أَمير المؤمنين عليه السلام : «... ولقد هبط حبيبي جبرئيل في وقت ولادة عَلِيّ ، فقال : يا حبيب اللّٰـه ، العليّ الأَعلىٰ يقرء عَلَيكَ السَّلَام ، ويهنئكَ بولادة أَخيكَ عَلِيّ ، ويقول : هذا أَوآن ظهور نبوَّتكَ ، وإِعلان وحيكَ وكشف رسالتكَ ... فقمتُ مبادراً فوجدتُ فاطمة بنت أَسد أُمّ عَلِيّ وقد جاء لها المخاض(6)... فمددتُ يدي اليمنىٰ نحو أُمّه فإِذا أَنَا بِعَلِيٍّ على يدي ، واضعاً يده اليمنىٰ في أُذنه اليمنىٰ ، وهو يؤذِّن ويُقيم بالحنيفيَّة ، ويشهد بوحدانيَّة اللّٰـه عزَّوجلَّ وبرسالاتي ، ثُمَّ انثنىٰ إِلَيَّ وقال : السَّلَام عليكَ يا رسول اللّٰـه ، ثُمَّ قال لي : يا رسول اللّٰـه ، أَقرء؟ قلت: اِقرء ، فوالَّذي نفس مُحمَّد بيده ، لقد ابتدأ بالصحف الَّتي أَنزلها اللّٰـه عزَّوجلَّ على آدم فقام بها ابنه شيث ، فتلاها مِنْ أَوَّل حرفٍ فيها إِلى آخر حرف فيها ، حتَّىٰ لو حضر شيث لأَقَرَّ له أَنَّه أَحفظ له منه ، ثُمَّ تَلَا صحف نوح ، ثُمَّ صحف إِبراهيم ، ثُمَّ قرأ توراة موسىٰ حتَّىٰ لو حضر ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الذُّرىٰ : جميع الذُّرْوَة ، وهو : العلو. والمكان المرتفع. وأَعلىٰ الشيء وقمَّته. (2) في نسخة : (ونوَّرنا سبع طبقات النُّبوَّة والهداية). وفي أُخرىٰ : (سبع طبقات أَعلام الفتوة والهداية). (3) في نسخة : (الصَّاغورة). (4) بحار الأَنوار ، 26 : 264 ـ 265/ح50. (5) هذا بلحاظ طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ، أَمَّا بلحاظ ما تحت حقيقته الصَّاعدة من مخلوقات ، منها : طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام النَّازلة ، فالقرآن الكريم غير محدود وغير متناهي وهو الأَعظم ، فهذه قضيَّة نسبيَّة ، فالتفت. وإِلى كُلِّ هذا أَشارت بيانات الوحي ، منها : بيانات حديث الثقلين. فلاحظ: بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «يا أَيُّها النَّاس ، إِنِّي تارك فيكم الثقلين : الثقل الأَكبر ، والثقل الأَصغر ... قالوا: وما الثقل الأَكبر ؟ وما الثقل الأَصغر ؟ قال: الثقل الأَكبر كتاب الله ... والثقل الأَصغر عترتي أَهل بيتي». بحار الأَنوار ، 23 : 140/ح89. بصائر الدرجات : 122 ـ 123. وهذا البيان الشَّريف مُشير إِلى النَّحو الثَّاني ؛ فإِنَّ طبقات حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة إِذا قيست إِلى طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام النَّازلة كانت هي الأَعظم. أَمَّا إِذا قيست طبقات حقيقته الصَّاعدة إِلى طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة أَيضاً كانت طبقات حقائقهم صلوات اللّٰـه عليهم هي الأَعظم والأَخطر على الإِطلاق. وإِلى هذا تُشير بياناته الأُخرىٰ ، منها : بيانه صلى الله عليه واله : «... وإِنِّي تارك فيكم الثقلين ، أَحدهما أَعظم من الآخر : كتاب اللّٰـه ... وعترتي أَهل بيتي ...». بحار الأَنوار ، 10 : 369/ح18. ولم يُصَرِّح صلى الله عليه واله بتقدُّم أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم للتقيَّة. بل صرَّحَت بذلك بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... فَكُلُّ علمٍ خرج إِلى أَهل السَّماوات والأَرض فمنَّا وعنَّا ...». بحار الأَنوار، 25 : 24/ح41. بتقريب : مُرَكَّب من مُقدِّماتٍ ثلاث : الأُولىٰ : أَنَّ حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ؛ والمُتمثِّلة بـ : (روح القُدس ؛ أَي : الرُّوح الأَمري) من كُمَّل المخلوقات الإِلٰهيَّة الشَّريفة. الثَّانية : أَنَّ وحي القرآن الكريم أَحد العلوم السَّماويَّة. الثَّالثة : أَنَّ جملة ما خرج من علوم إِلٰهيَّة لأَهل السَّماوات والأَرض منهم روح القدس ـ حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ـ لا يكون إِلَّا عن طريق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، فهي منهم وعنهم. ومعناه : أَنَّهم صلوات اللّٰـه عليهم مُعَلِّمُون إِلٰهيُّون. والنتيجة : أَنَّ حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة تلميذ لطبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ومُتَعَلِّم عنها ، فيكونوا صلوات اللّٰـه عليهم هم الأَخطر والأَعظم. (6) في روضة الواعظين : (وقد جاءها المخاض)