معارف إِلٰهيَّة : (187) ، التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة
23/07/2024
الدرس ( 187) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين ، بعد أَنْ وصل البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (140) الى مسالة جديدة ، وكانت تحت عنوان : «التَّوسُّل والوسيلة الإِلهيَّة فرض وضرورة إِلهيَّة» ، وتم الكلام عن ادلتها في الدرس (150) ، ووصلنا في الدرس (151) الى العنوان التالي : و « مِمَّا تقدَّم يتَّضح الجمّ الغفير من طوائف بيانات الوحي الأُخرى » ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) (27) طائفة ، وصل بنا الكلام ( بحمد الله تعالى) الى الطَّائفة السَّادسة عشرة : / حقائق أَهل البيت عليهم السلام محيطة بظواهر وبواطن جميع ما نزل من وحي السَّمآء/ / الطَّائفة السَّادسة عشرة ، ويُمثِّلها : / أَوَّلاً : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله الحاكي لولادة أَمير المؤمنين عليه السلام : «... ولقد هبط حبيبي جبرئيل في وقت ولادة عَلِيّ ، فقال : يا حبيب اللّٰـه ، العليّ الأَعلىٰ يقرء عَلَيكَ السَّلَام ، ويهنئكَ بولادة أَخيكَ عَلِيّ ، ويقول : هذا أَوآن ظهور نبوَّتكَ ، وإِعلان وحيكَ وكشف رسالتكَ ... فقمتُ مبادراً فوجدتُ فاطمة بنت أَسد أُمّ عَلِيّ وقد جاء لها المخاض(1)... فمددتُ يدي اليمنىٰ نحو أُمّه فإِذا أَنَا بِعَلِيٍّ على يدي ، واضعاً يده اليمنىٰ في أُذنه اليمنىٰ ، وهو يؤذِّن ويُقيم بالحنيفيَّة ، ويشهد بوحدانيَّة اللّٰـه عزَّوجلَّ وبرسالاتي ، ثُمَّ انثنىٰ إِلَيَّ وقال : السَّلَام عليكَ يا رسول اللّٰـه ، ثُمَّ قال لي : يا رسول اللّٰـه ، أَقرء؟ قلت: اِقرء ، فوالَّذي نفس مُحمَّد بيده ، لقد ابتدأ بالصحف الَّتي أَنزلها اللّٰـه عزَّوجلَّ على آدم فقام بها ابنه شيث ، فتلاها مِنْ أَوَّل حرفٍ فيها إِلى آخر حرف فيها ، حتَّىٰ لو حضر شيث لأَقَرَّ له أَنَّه أَحفظ له منه ، ثُمَّ تَلَا صحف نوح ، ثُمَّ صحف إِبراهيم ، ثُمَّ قرأ توراة موسىٰ حتَّىٰ لو حضر موسىٰ لأَقَرَّ له بأَنَّه أحفظ لها منه ، ثُمَّ قرأ زبور داود حتَّىٰ لو حضر داود لأَقَرّ بأَنَّه أحفظ لها منه ، ثُمَّ قرأ إنجيل عيسىٰ حتَّىٰ لو حضر عيسىٰ لأَقر بأَنَّه أَحفظ لها منه ، ثُمَّ قرأ القرآن الَّذي أَنزل اللّٰـه عَلَيَّ مِنْ أَوَّله إلى آخره فوجدته يحفظ كحفظي له السَّاعة من غير أَنْ أَسمع منه آية ؛ ثُمَّ خاطبني وخاطبته بما يُخاطب الأَنبياء الأَوصياء ، ثُمَّ عاد إِلى حال طفوليَّته ، وهكذا أَحد عشر إِماماً من نسله ...»(2). ثانياً : بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... سلوني ؛ فإنَّ عندي علم الأَوَّلين والآخرين ، أَمَا واللّٰـه لو ثنيت لي وسادة فجلست عليها لأَفتيتُ أَهل التوراة بتوراتهم حتَّىٰ تنطق التَّوراة فتقول : صدق عَلِيٌّ ما كذب ؛ لقد أفتاكم بما أَنزل اللّٰـه فيَّ. وأفتيتُ أَهل الإِنجيل بإنجيلهم حتَّىٰ ينطق الإِنجيل فيقول : صدق عَلِيٌّ ما كذب ، لقد أَفتاكم بما أَنزل اللّٰـه فيَّ. وَأَفتيتُ أَهل القرآن بقرآنهم حتَّىٰ ينطق القرآن فيقول : صدق عَلِيٌّ ما كذب ، لقد أَفتاكم بما أَنزل اللّٰـه فيَّ ... ولولا آية في كتاب اللّٰـه عزَّوجلَّ لأَخبرتكم بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة ، وهي هذه الآية : [يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ] (3)، ثُمَّ قال : سلوني قبل أَنْ تفقدوني ، فوالَّذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة لو سألتموني عن آيةٍ آية في ليلٍ أُنزلت أَو في نهارٍ أُنزلت ، مكِّيِّها ومدنيِّها ، وسفريِّها وحضريِّها ، ناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وتأويلها وتنزيلها لأَخبرتكم ...» (4). ودلالتهما قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّهما مشيران إِلى قوس النزول ؛ فبعد ما كان أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم بطبقات حقائقهم الصَّاعدة ـ وتتبعها طبقات حقائق ذواتهم الشِّريفة المتوسطة والنَّازلة ـ : وسائط الفيض الرُّبوبي الحصريَّة ، والوسيلة الإِلٰهيَّة ، والعلل الإِلٰهيَّة الفاعليَّة ، والسَّبيل والسَّبب والباب والحجاب الإِلٰهيّ ، والرباط الإِلٰهيّ الأَدنىٰ والوحيد بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ جلاله) و كافَّة العوالم وسائر المخلوقات ، وبعدما كانت طبقات حقيقة ذات أَمير المؤمنين عليه السلام الصَّاعدة : رأس هرم تلك الطَّبقات ـ بعد طبقات حقيقة ذات سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ـ كان ما ينزل من ساحة القدس الإِلٰهيَّة إِلى جملة العوالم وكافَّة المخلوقات من بداية الخلقة إِلى ما لا نهاية من فيض : وحي وعلم إِلٰهيّ ، ومعارف إِلٰهيَّة لا يكون إِلَّا عن طريق طبقات حقيقة ذات أَمير المؤمنين عليه السلام باب مدينة العلم والفقه والحكمة ؛ فتكون طبقات حقيقته (صلوات اللّٰـه عليه) النَّازلة في النَّشْأة الأَرضيَّة ، تبعاً لطبقاتها الصَّاعدة والمتوسطة الشِّريفة مُحيطة وعالمة وعارفة بظاهر وباطن جميع ما نزل من وحي سمآء ساحة القدس الإِلٰهيَّة إِلى كُمَّل المخلوقات من أَنبياء ورسل وغيرهم ، أَكثر من دون قياس من إِحاطتهم وعلمهم ومعرفتهم بما نزل وأُوحي إِليهم ، وبرسالاتهم وكُتُبهم وصحفهم السَّماويَّة. فتدبر جيدا . بعد الالتفات : ان للقران الكريم نزولين : دفعي ونجومي ، والثاني بدأ من بداية نزول جبرئيل عليه السلام ، والاول نزول جملة القران الكريم وحقيقته دفعة واحدة في العوالم السابقة ؛ في ليلة القدر على قلب سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله في البيت المعمور عند السماء الرابعة ، ومن قلبه المبارك في هذه المرتبة الى قلب امير المؤمنين وسائر اهل البيت عليهم السلام في تلك المرتبة والعوالم السابقة ، وامير المؤمنين عليه السلام قرأ القران الكريم حين ولادته من هذه المرتبة الصاعدة . وليس باستطاعة جبرئيل عليه السلام ان يكون وسيطا في هذا النزول ، وانما الذي قام به ( الروح الامري ) قبل ولادة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله في هذه النشاة الارضية ؛ وحينما كان في العوالم السابقة نبيا لكل الانبياء ، وهذا ما تشير اليه بيانات الوحي ، منها: بيان قوله تعالى :[وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ]. الشورى : 52 / الإِمام عليه السلام عَالِمٌ قبل المحو بما سيحدث بعده / وينبغي الالتفات : أَنَّه ليس المراد من بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «ولولا آية في كتاب اللّٰـه عزَّوجلَّ لأَخبرتكم بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة ، وهي هذه الآية : [يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ]» أَنَّ أَمير المؤمنين عليه السلام لا يعلم قبل المحو بما سيُثبته اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ عزَّوجلَّ بعد المحو، وإِنَّما مراده صلوات اللّٰـه عليه : ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في روضة الواعظين : (وقد جاءها المخاض). (2) بحار الأَنوار ، 35 : 19 ـ 23/ح15. الروضة : 17 ـ 18. روضة الواعظين : 72 ـ 73. الهداية الكبرىٰ : 124 ـ 127/ح3. وبين هذه المصادر إِختلافات ، لكنَّها غير مُخلَّة بالمعنىٰ. (3) الرعد : 39. (4) بحار الأَنوار ، 10 : 117 ـ 121/ح1. التوحيد : 319 ـ 323. الأَمالي : 205 ـ 208/ المجلس الخامس والخمسون. الاحتجاج : 137