معارف إِلٰهيَّة : (219) ، مسائل وفوائد و قواعد في معارف الإِماميَّة / المُقدَّمة / تنبيهات /
24/08/2024
الدرس (219) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم أَجمعين ، وصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (201 ) الى مُقدَّمة (المسائل العقائديَّة والمعرفيَّة ، المستفادة من عقائد و معارف الإمامِيَّة ؛عقائد ومعارف مدرسة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ) ، وقبل الدخول في صميم البحث لابُدَّ من تقديم تنبيهات وفوائد وقواعد علميَّة ومعرفيَّة ؛ تسهيلا لهضم تلك المسائل والمطالب ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) أَوَّلاً (74) تنبيها، ووصلنا ( بحمد الله تعالى) الى التَّنْبِيه التالي : / التَّنْبِيه العشرون: / / الحُجَج والمُحْكَمَات على مراتب طوليَّة / إِنَّ لِحُجِّيَّة الخبر مراتب طوليَّة من عدَّة جهات ، أَهمُّها ثلاث : الأُوْلَىٰ : حُجِّيَّة المتن . الثَّانية : صحَّة وحُجِّيَّة الكتاب . الثَّالثة : حُجِّيَّة الطَّريق والسَّند . ثُمَّ إِنَّ أَعظم مراتب الحُجَج هي : (المُحْكَمَات)(1) ، وهي على مراتب طوليَّة أَيضاً ، أَعلاها ورأس هرمها : أُمُّهات المُحْكَمَات ، ومعناها : المركز والمُحور والمُهيمن . وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان قوله تعالىٰ : [هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأوِيْلِهِ] (2). والإِحْكَام المأخوذ في بيان هذه الآية الكريمة وإِنْ كان قد يُفسِّره البعض بإِحْكَام الدلالة ، لكنَّ الحقّ : أَنَّ عظمة إِحْكَام المُحْكَم وعمدته لا تكمن في الدلالة ، وإِنَّما ـ تكمن ـ في جهة المتن والمضمون الحاوي على معلومات ومعادلات علميَّة مُحيطة ومُهيمنة على ما تحتها . نظيره : العلوم البشريَّة ـ كعلم : الرياضيَّات ، والهندسة ، والفيزياء ، والكيمياء ، والأَحْيَاء ـ ؛ فإِنَّ فيها معلومات وقواعد ومعادلات علميَّة فوقيَّة، مُحيطة ومُهيمنة على سائر مسائل ومباحث علومها المختصَّة بها ، وتتفرَّع منها تلك المسائل والمباحث وأَبواب العلم . وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان قوله عزَّ ذكره : [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ](3). فإِنَّه برهانٌ وحيانيٌّ دالٌّ على أَنَّ نفس المعلومات والمعادلات العلميَّة والعقليَّة والمعرفيَّة الإِلٰهيَّة المُودعة في بيانات القرآن الكريم لها هيمنة وإِشرَاف وإِحاطة وسَعَة تتخطَّىٰ ما موجود في سائر الكُتُب السَّماويَّة الأُخرىٰ ـ كـ : التوراة ، والإِنجيل ـ (4). ثُمَّ إِنَّ الإِحْكَام في عَالَم المعاني غير الإِحْكَام في عَالَم البلاغة والدِّلالة والأَلفاظ . ويحتاج ـ الإِحْكَام في عَالَم المعاني ـ إِلى علمٍ وافرٍ . وكُلَّما زاد العلم فيه صعد الفهم في تشخيص المُحْكَم . إِذَنْ : القرآن الكريم وإِنْ كان جميعه ـ صدوراً وأَلفاظاً ودلالات ـ نوراً وحُجَّة قطعاً ، لكنَّه مع كلِّ ذلك يُحذِّر الباري عزَّوجلَّ من المساواة بين طبقاته ومراتبه ، وإِيَّاكَ أَنْ تأخذ بها بمفردها ، بل بعضها فتْنَوِي وزيغي وهو المُتشابه إِنْ اِتَّبَعَهُ المخلوق بمفرده وبعقله ، أَمَّا إِذا أَخذ به وبالمُحْكَمات تحت رعاية الراسخين في العلم لا بعقله فسيهتدي . إِذَنْ : مع أَنَّ جميع القرآن الكريم عظيمٌ ونورٌ ومُقَدَّسٌ ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لكن نفس القرآن الكريم يُشير إِلى أَنَّ نظام المعلومات ونظام المعادلات العلميَّة الموجودة فيه ليس على طبقةٍ واحدةٍ في الأَهميَّة والعظمة ، بل على طبقات. وعلى هذا قس السُّنَّة الشَّريفة ؛ فإِنَّهما يرتضعان من ثدي واحد ، ومن ثَمَّ ورد عن أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم : أَنَّ في أَخبارهم مُحْكَمَاً ومُتشابهاً، والمُتشابه لا يجوز الأَخذ به إِلَّا تحت رعاية المُحْكَمات . فلاحظ : بيان الإمام الرَّضا عليه السلام : «مَنْ رَدَّ مُتشابه القرآن إِلى مُحْكَمه هُدِيَ إِلى صراطٍ مستقيم ٍ، ثُمَّ قال عليه السلام : إِنَّ في أَخبارنا مُتشابهًا كمتشابه القرآن ، ومُحْكَماً كمُحْكَمْ القرآن ، فردُّوا متشابهها إِلى مُحْكَمها ، ولا تَتَّبِعُوا متشابهها دون مُحْكَمها فتضلُّوا»(5). / حجِّيَّة الخبر / ثُمَّ إِنَّ العمدة عندنا وركن أَركان حُجِّيَّة الخبر ؛ والسُّلَّم الَّذي يُرتقىٰ ويُعرج به في عَالَم المعاني ـ سوآء أَكان ذلك في علم الفروع أَم في علوم المعارف الإِلٰهيَّة(6) وجملة العلوم الدِّينيَّة والشَّرعيَّة ـ لا يكمن في حُجِّيَّة صدور الخبر وسنده(7) وإِنْ كان متواتراً (8) ؛ ولا في حُجِّيَّة دلالته وإِنْ كانت صريحة وقطعيَّة ـ فإِنَّ هذه الحُجَج لا تؤمِّن إِلَّا لقلقة الأَلفاظ ، أَمَّا المعاني فلا(9) ـ وإِنَّما يكمن في المتن. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المراد من المُحْكمات : القوانين الدستوريَّة المُبَدَّهة. ثُمَّ إِنَّ مُحْكَمات الكتاب الكريم والسُّنَّة الشَّريفة تعني : يقين وحياني. لكنْ : إِذا دخلت في وعاء المُتلقِّي وكان غير معصومٍ فلا تكون وحياً ولا محكماً ، وحُجِّيَّتها ظنيَّة الدلالة، وإِنْ حصل له القطع واليقين بتلك الدلالة ؛ فإِنَّ هذا القطع واليقين لا يخرج عن حريم الحسِّ ، وهو في عِرضة الخطأ والاشتباه ، وَمِنْ ثَمَّ تؤول حقيقة هذا القطع واليقين إِلى ظنٍّ ، فالتفت ، وتأَمَّل جيِّداً. (2) آل عمران : 7. (3) المائدة : 48. (4) معنىٰ كلمة : (التوراة) في اللغة العبريَّة : الشَّريعة. ومعنىٰ كلمة : (الإِنجيل) في اللغة العبريَّة أَيضاً : البشارة الملكوتيَّة. (5) بحار الأَنوار ، 2 : 185/ ح9. (6) يجدر الاِلتفات : أَنَّ المعارف والعقائد الإِلٰهيَّة حقائق تكوينيَّة من أَكوان وعوالم غيبيَّة صاعدة. (7) ضعف الطَّريق واعتباره لا دخالة له في تحصيل البرهان من المتن والمضمون. (8) التَّواتر السندي لا ينفع في أَبحاث العقائد ، لأَنَّه يُورث اليقين الحسِّي ، والمطلوب في أَبحاث العقائد تحصيل اليقين العَقلي ، وفيه ـ اليقين العقلي ـ لا يُفرَّق بين الرواية المتواترة والضعيفة سنداً ، لأَنَّ البيان والبرهان العقلي المُستفاد من المتون والمضامين هو المطلوب في هذه الأَبحاث. ويُضاف إِليه : أَنَّ الخبر المُتواتر سنداً قد يكون متنه ظنِّيّ الدلالة فعاد إِلى الظَّنِّ ، وهو لا ينفع في أُسس وأُصول العقائد. فالتفت. ثُمَّ إِنَّه يجب على الَّذي ليس له باع عقلي في أَبحاث العقائد ترك أَبحاث هذا الباب ، ولا يلجه ولا يتصدَّىٰ إِليه ، وليترك المجال لمن له الأَهليَّة في ذلك. (9) ينبغي الاِلتفات : أَنَّ لقلقة ودغدغة المعاني ـ فضلاً عن الحقائق ـ غير لقلقة ودغدغة الأَلسن. وكذا حفظ المعاني فضلاً عن حفظ الحقائق فإِنَّهما غير حفظ الأَصوات