معارف إِلٰهيَّة : (220) ، مسائل وفوائد و قواعد في معارف الإِماميَّة / المُقدَّمة / تنبيهات /
25/08/2024
الدرس (220) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم أَجمعين ، وصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (201 ) الى مُقدَّمة (المسائل العقائديَّة والمعرفيَّة ، المستفادة من عقائد و معارف الإمامِيَّة ؛عقائد ومعارف مدرسة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ) ، وقبل الدخول في صميم البحث لابُدَّ من تقديم تنبيهات وفوائد وقواعد علميَّة ومعرفيَّة ؛ تسهيلا لهضم تلك المسائل والمطالب ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) أَوَّلاً (74) تنبيها، ووصلنا ( بحمد الله تعالى) الى التَّنْبِيه العشرين ، وكان تحت عنوان (الحُجَج والمُحْكَمَات على مراتب طوليَّة) ، ولازال الكلام فيه ، ووصلنا في هذا الدرس الى العنوان التالي : / حجِّيَّة الخبر / ثُمَّ إِنَّ العمدة عندنا وركن أَركان حُجِّيَّة الخبر ؛ والسُّلَّم الَّذي يُرتقىٰ ويُعرج به في عَالَم المعاني ـ سوآء أَكان ذلك في علم الفروع أَم في علوم المعارف الإِلٰهيَّة(1) وجملة العلوم الدِّينيَّة والشَّرعيَّة ـ لا يكمن في حُجِّيَّة صدور الخبر وسنده(2) وإِنْ كان متواتراً (3) ؛ ولا في حُجِّيَّة دلالته وإِنْ كانت صريحة وقطعيَّة ـ فإِنَّ هذه الحُجَج لا تؤمِّن إِلَّا لقلقة الأَلفاظ ، أَمَّا المعاني فلا(4) ـ وإِنَّما يكمن في المتن. والمراد من حُجِّيَّة المتن ليس حُجِّيَّة الدلالة ، وإِنَّما المراد : نفس نظام المعلومات المودعة في متن الخبر ، فيدرس الفقيه أَو الباحث ذلك المتن والمضمون ـ بغض النَّظر عن الدَّليل ودلالته وصدوره وسنده وجهته ؛ والكتاب الَّذي وَرَدَ فيه المتن والمضمون ـ ويعرضه على مُحْكَمات الكتاب الكريم، ومُحْكَمات السُّنَّة القطعيَّة، ومُحْكَمات وبديهيَّات العقل ، ومُحْكَمات وبديهيَّات الوجدان الَّتي لا يختلف عليها وجدان بشر ، ويوزنه مع منظومة معادلات وقواعد الدِّين والشَّريعة ، فإِذا أَورث له ذلك العرض : القطع واليقين بمطابقة هذا المتن والمضمون لتلك المُحْكَمات كانت حُجِّيَّة ذلك المتن وحيانيَّة ذاتيَّة . وهذا هو أَعظم ميزان وضابطة قُرِّرَت في بيانات الوحي لحُجِّيَّة الخبر . ثُمَّ إِنَّ صحَّة وحُجِّيَّة المتن والمضمون ليست من شأن الرواة بما هم رواة ، وإِنَّما هي من شأن الفقهاء المُتضلِّعين في فقه الفروع ، وفي علم الكلام ، وعلم العقائد والمعارف الإِلٰهيَّة ، وعلم الأَخلاق والآداب(5) والنظام الرُّوحي والأَخلاقي والآدابي الدِّيني ، وعلم التَّفسير ، وعلم السِّيَر، وغيرها . بخلاف صحَّة السَّنَد وحُجِّيَّته ؛ فإِنَّه يمكن معرفتها من قِبَلِ عامَّة النَّاس ، وتدور مدار الحافظة ، كما أَشارت إِلى ذلك بيانات الوحي ، أَمَّا حُجِّيَّة المتن والمضمون فتحتاج إِلى حصول مطابقة ـ المتن والمضمون ـ لأُصول وقواعد الشرع والدِّين ، وهذه ليست من اِختصاص إِلَّا الفقيه المُتضلِّع في شَتَّىٰ العلوم الشرعيَّة والدِّينيَّة ؛ فصحَّة المتن والمضمون لا تدور مدار فقاهة الفقيه فحسب ، بل وتضلُّعه في كافَّة العلوم الشَّرعيَّة والدِّينيَّة . إِذَنْ : صحَّة المتن والمضمون تتطلّب فقاهة وتضلُّع الفقيه بذلك العلم الَّذي يختصُّ به ذلك المتن والمضمون ، فلو لم يكن للفقيه باعٌ بالعلم الَّذي يختصُّ به المتن والمضمون فَمِنْ أَين يعرف صحَّة وحُجِّيَّة ذلك المتن والمضمون وعدمها . وهذا بحث تصوِّري وتصديقي لا يتوقَّف على حُجِّيَّة صدور الخبر وسنده . وهذه القضيَّة ـ أَي : التعامل مع حُجِّيَّة المتن وعرضه على مُحْكَمَات الشَّرع والدِّين ـ ليست خاصَّة بمدرسة الإِماميَّة ، بل شاملة لكافَّة مدارس ومذاهب المسلمين . هذا هو المذهب والمنهج العلمي لمشهور طبقات الفقهاء ، ومشهور علماء مدرسة الإِماميَّة ، بل ومدارس العامَّة ، كما نقل ذلك الشَّيخ الأَنصاري في رسائله، ومن أُولئكَ الفقهاء والعلماء : الشَّيخ المفيد ، والسيِّد المرتضىٰ ، وابن البرَّاج ، والحلبيُّون ، والكشي ، وابن الغضائري ـ الابن ـ ، والنجاشي ، وابن إدريس ، وابن زهرة ، والمُحقِّق الحلِّي ، بل والشَّيخ الطُّوسي وإِنْ اختلف مبناه قليلاً . ويُعبَّر عن هذا المنهج بـ : (دراسة المتن ومحوريَّة المُحْكَمَات) . لكنَّه منهج مهجور ومُغَيَّب في العصر الراهن . وقد أَطلق الشَّيخ المفيد والمُحقِّق الحلِّي عنوان الحشويَّة والقشريَّة على مَنْ يجعل السند والطَّريق هو الرُّكن الرَّكين في حُجِّيَّة الخبر ، لكن هذا لا يعني أَنَّه لا دور للسند والطَّريق في حُجِّيَّة الخبر ، بل له دور لكنَّه ليس هو الرُّكن الرَّكين ، ولا يؤمِّن إِلَّا لقلقة الأَلفاظ ، أَمَّا المعاني فالَّذي يُؤمِّنها ويُؤمِّن الانطلاق إِلى العمق هو المتن بتوسُّط أَلفاظ الوحي . ولك أَنْ تقول : إِنَّ الاقتصار على النقل منهج المبتدئِين ، وطمع الباحث عن الحقيقة لا يكون إِلَّا في الفهم العقلي بالنَّقل ، والعلم العقلي المُنظَّم للنَّقل ، ولا يتمُّ إِلَّا من خلال البرهان والعلم والنُّور المُستفاد من الإِشارات الإِرشاديَّة للمُقدِّمات العلميَّة اليقينيَّة الموجودة في متون بيانات الوحي الإِلٰهيّ الطَّاهرة الباهرة . / ضرورة التَّمسُّك بقوالب بيانات الوحي والغور في أَعماقها غير المتناهيَّة / / قاعدة التَّوقيفيّة شاملة لكافَّة المعارف الإِلهيَّة / / معنى قاعدة التَّوقيفيَّة : التَّمسُّك بأَلفاظ الوحي والغور في بحور معانيها / وهناك توصية وردت في بيانات أَهل البيت عليهم السلام المعرفيَّة ، حاصلها : ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) يجدر الالتفات : أَنَّ المعارف والعقائد الإِلٰهيَّة حقائق تكوينيَّة من أَكوان وعوالم غيبيَّة صاعدة . (2) ضعف الطَّريق واعتباره لا دخالة له في تحصيل البرهان من المتن والمضمون . (3) التَّواتر السندي لا ينفع في أَبحاث العقائد ، لأَنَّه يُورث اليقين الحسِّي ، والمطلوب في أَبحاث العقائد تحصيل اليقين العَقلي ، وفيه ـ اليقين العقلي ـ لا يُفرَّق بين الرواية المتواترة والضعيفة سنداً ، لأَنَّ البيان والبرهان العقلي المُستفاد من المتون والمضامين هو المطلوب في هذه الأَبحاث . ويُضاف إِليه : أَنَّ الخبر المُتواتر سنداً قد يكون متنه ظنِّيّ الدلالة فعاد إِلى الظَّنِّ ، وهو لا ينفع في أُسس وأُصول العقائد. فالتفت . ثُمَّ إِنَّه يجب على من ليس له باع عقلي في أَبحاث العقائد ترك أَبحاث هذا الباب ، ولا يلجه ولا يتصدَّىٰ إِليه ، وليترك المجال لمن له الأَهليَّة في ذلك . (4) ينبغي الاِلتفات : أَنَّ لقلقة ودغدغة المعاني ـ فضلاً عن الحقائق ـ غير لقلقة ودغدغة الأَلسن. وكذا حفظ المعاني فضلاً عن حفظ الحقائق فإِنَّهما غير حفظ الأَصوات . (5) ينبغي الاِلتفات : أَنَّ الأَدب والخُلق وجهان لحقيقة واحدة ، غاية الأَمر : أَنَّ الخُلق هيئة نفسانيَّة ، والأَدب هيئة بدنيَّة ، وبينهما ترابط ؛ فالأَدَب الصَّالح هيئة بدنيَّة نابعة من الخُلق الصَّالح ، والأَدب الطَّالح هيئة بدنيَّة أَيضاً ، لكنَّها نابعة من الخُلق الطَّالح . إِذَنْ : الفارق بين الآداب والأَخلاق : أَنَّ الأَخلاق هي : الصِّفات والهيئات النَّفسانيَّة ، أَمَّا الآداب فهي : الهيئات البارزة على السلوك العملي الجارحي ، وهي انعكاسات عن تلك الصِّفات والهيئات النفسانيَّة ؛ فهي هيئات عارضة على الأَعمال الجوارحيَّة منبعثة عن الصِّفات والهيئات النَّفسانيَّة . وبالجملة : الآداب أُمور محسوسة تُرىٰ بالعين المُجرَّدة ؛ كآداب المائدة والحمَّام وما شاكلها ، بخلاف الأَخلاق ؛ فإِنَّها لا تُرىٰ ولا تُلمس باليد . والأَدب إِنْ كان سيئاً يكشف عن خُلقٍ سيء ، والخلق السيء يكشف عن نقصٍ في المعرفة على أَقلِّ تقدير