معارف إِلٰهيَّة : (225) ، مسائل وفوائد و قواعد في معارف الإِماميَّة / المُقدَّمة / تنبيهات /
30/08/2024
الدرس (225) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم أَجمعين ، وصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى) في الدرس (201 ) الى مُقدَّمة (المسائل العقائديَّة والمعرفيَّة ، المستفادة من عقائد و معارف الإمامِيَّة ؛عقائد ومعارف مدرسة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ) ، وقبل الدخول في صميم البحث لابُدَّ من تقديم تنبيهات وفوائد وقواعد علميَّة ومعرفيَّة ؛ تسهيلا لهضم تلك المسائل والمطالب ، وسنذكر (إِنْ شآء الله تعالىٰ) أَوَّلاً (74) تنبيها، ووصلنا ( بحمد الله تعالى) الى التَّنْبِيه العشرين ، وكان تحت عنوان (الحُجَج والمُحْكَمَات على مراتب طوليَّة) ، ولازال الكلام فيه ، ووصلنا في هذا الدرس الى العنوان التالي : / نُكتة تقدُّم الجهة الأُولى والثانية على الثالثة: / وصارت حُجِّيَّة المتن والمضمون مُقدَّمة على حُجِّيَّة السند ؛ وذلك لأَنَّ حُجِّيَّة المتن والمضمون تتمُّ من خلال عرض المتن والمضمون على مُحْكَمَات الكتاب الكريم والسُّنَّة الشَّريفة ، فإِذا أَورث ذلك العرض للفقيه القطع واليقين بمطابقته لتلك المُحْكَمَات كانت هذه الجهة ـ أَي : الجهة الأُولىٰ والثانية ـ من جهات الحُجِّيَّة مُقدَّمة على الجهة الثالثة وهي حُجِّيَّة السند وإِنْ كان الخبر متواتراً سنداً ؛ لأَنَّ هذا العرض إِنْ ولَّد للفقيه أَو لمُصنِّف الكتاب ـ كالكليني ـ القطع واليقين بمطابقة الخبر لمُحْكَمَات الثقلين كانت حُجِّيَّة ذلك اليقين ـ لدىٰ الفقيه أَو المُصنِّف ـ ذاتيَّة عقليَّة أَو وحيانيَّة ، وهي مُقدَّمة على حُجِّيَّة اليقين الحسِّي المستفاد من التواتر السندي فضلاً عن حُجِّيَّة الظن المُعتبر ؛ لأَنَّ التواتر السندي فضلاً عن الظَّنِّ السندي المُعتبر لا يُؤمِّن اليقين بمطابقة متن ومضمون الخبر لمُحْكَمَات الثقلين ، وإِلَّا كانت حُجِّيَّة الخبر ذاتيَّة ـ وحيانيَّة كانت أَم عقليَّة ـ ومن الجهة الأُولىٰ أَو الثانية . وتأَخَّرت الجهة الثانية من جهات الحُجِّيَّة عن الجهة الأُولىٰ ؛ وذلك لأَنَّ الَّذي يقوم بعمليَّة عرض المتن والمضمون في الجهة الأُولىٰ نفس الفقيه المُتصدِّي لعمليَّة الاستنباط وتحصيل النتائج ، بخلاف الجهة الثَّانية من جهات الحُجِّيَّة ؛ فإِنَّ الَّذي يتصدَّىٰ لهذا العرض مُصنِّف الكتاب كالكليني، وهو بحسب الفرض من ثِقات وكُبَّار علماء الإِماميَّة ، فاعتمدت هذه الجهة على خبر الثقة. وتقدَّمت الجهة الثانية على الثالثة مع أَنَّ المُعتَمَد عليه في كليهما خبر الثقة ؛ بل في الثالثة قد يُعتَمَد على التواتر الحسِّي ؛ وذلك : أَنَّ مُصنِّف الكتاب ناظر إِلى متن ومضمون الخبر ـ كما تقدَّم ـ ؛ وأَنَّه مقطوع بمطابقته لمُحْكَمَات الثقلين ، بخلافه في الجهة الثالثة ؛ فإِنَّ النظر يكون إِلى السند بقطع النظر عن مطابقة مضمون الخبر للمُحْكَمَات وعدمها. وبالجملة : دراسة متون الأَحاديث ومضامينها أَعظم : دراسة علميَّة صناعيَّة اجتهاديَّة ، بل بها تُقام دراسة الأَسانيد والطرق لا العكس . وهذا أَمرٌ مهمٌّ ، فلذا من يكون لديه باع في علوم المعارف يتمكَّن من تشخيص عن بصيرةٍ واجتهادٍ المنحرف من الرواة عن غيره ، وذلك من خلال مطابقة مضامين ما ينقله مع مُحْكَمَات الثقلين وعدمها . ومن ثَمَّ كان مبنىٰ النجاشي والغضائري المُتشدِّد : أَنَّ صحَّة الكتاب المرتبطة بالمضمون أَعظم من صحَّة الطَّريق ، وهذا يتَّضح من خلال مراجعة جرحهما وتعديلهما. وهذه الأُمور لابُدَّ للباحث أَنْ يجدها بنفسه ، فعليه التتبُّع والتنقيب والاجتهاد عن دراية وبصيرة ، فَمَنْ كان يُريد مراجعة كتاب النجاشي ـ مثلاً ـ فعليه أَنْ لا يُلاحظ النتائج الصَّادرة من مُصنِّفه من جرح وتعديل وما شاكلها ؛ لأَنَّ الأَخذ بها تقليد له ، وإِنَّما عليه قراءة النظام والصرح العلمي في مبناه ومساره العلمي ، وحينئذٍ تكون ـ تلك المراجعة ـ مراجعة علميَّة نافعة . وعلى هذا قس العمل مع كتاب الفهرست للشَّيخ الطوسي ، وكتاب رجال : (البرقي) ، و (العقيقي) ، و (ابن الغضائري) ؛ لمعرفة مبانيهم ومساراتهم العلميَّة ، وليست آرائهم وفتاويهم النهائيَّة. إِذَنْ : علم الرجال علم مضامين ، وليس علم نقول . وبالجملة : ليس مراد الكليني في الكافي ولا ابن قولويه في كامل الزيارات ولا الأَشعري في كفاية الأَثر ؛ ولا الصدوق في الفقيه ولا الطوسي في التهذيب من صحَّة الكتاب صحَّة الصدور ـ فإِنَّ بعض رواياتهم في تلك الكُتُب مراسيل ومقطوعات ومرفوعات ـ ، وإِنَّما مرادهم : صحَّة وحُجِّيَّة المتن والمضمون، وأَنَّه ليس في روايات تلك الكُتُب ما يُناقض أَو يُخالف ضروريَّات ومُحْكَمَات الدِّين والشَّريعة . فحينما يروي ـ مثلاً ـ الكليني والصدوق ، عن أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «... إِنَّ نور أَبي يوم القيامة يُطفئ أَنوار الخلائق إِلَّا خمسة أَنوار : نور مُحمَّد صلى الله عليه واله ونوري(1) ونور الحسن والحسين ، ونور تسعة من ولد الحسين ؛ فإنَّ نوره من نورنا الَّذي خلقه اللّٰـه تعالىٰ قبل أَنْ يخلق آدم بألفي عام»(2) ، فإِنَّ مُرادهما : أَنَّ مضمون هذا الحديث ـ بغض النظر عن اعتبار سنده وصحَّة صدوره ـ لا يتصادم ولا يخالف مُحْكَمَات الدِّين والشَّريعة والكتاب والسُّنَّة ويوافق خطوطها العامَّة. إِذَنْ : منهج ومسلك الفقهاء في المقام يختلف عن منهج ومسلك المُحدِّثين ، ومن ثَمَّ الَّذي يرفع علامة صحَّة الصدور من دون أَنْ يهتم بالمضمون فمنهجه ومسلكه ليس منهج ومسلك فقهاء الإِماميَّة ، وإِنَّما منهج ومسلك المُحدِّثين. ومنه يتَّضح : أَنَّ زعماء اتباع مدرسة أَهل البيت عليهم السلام كالكليني والصدوق والمفيد والمرتضىٰ والطوسي حينما يودعون كُتُبهم روايات عن أَفراد أَصحاب الدائرة الاِصطِفائيَّة الثانية لأَهل البيت عليهم السلام فهذا يُدلِّل على أَنَّهم يفهمون : أَنَّ لأَصحاب هذه الدائرة شأن كبير ، وعلاوة في الاِصطِفاء. / أَدلَّة تراتب الحُجَج الثلاث / وتشير إِلى ترتُّب وتراتب هذه المراحل وجهات الحُجِّيَّة الثلاث بيانات الوحي الوافرة ، منها : ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في رواية الشَّيخ بعد قوله : «ونوري» «ونور فاطمة» . وعلى هذا فالخمسة إِمَّا مبنيّ على اتِّحاد نورَي مُحمَّد وعَلِيّ صلوات اللّٰـه عليهما ، أَو اتِّحاد نورَي الحسنين عليهما السلام ؛ بقرينة عدم توسُّط النور في البين ، ويُحتمل أَنْ يكون قوله : «ونور تسعة» معطوفاً على الخمسة. (بحار الأَنوار). (2) بحار الأَنوار ، 35: 69/ح3. أَمالي الشَّيخ : 192. الإِحتجاج : 122