مَعَارِف إِلْهِيَّة : (240) ، مَسَائِلُ وفَوَائِدُ وقَوَاعِدُ في مَعَارِفِ الإمَامِيَّة/ الْمُقَدَّمَة / تَنْبِيهَات /
14/09/2024
الدَّرْسُ (240) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطَّاهِرِين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعْدَائِهِمْ أَجَمْعَيْن ، وَصَل بِنَا البَحْثُ ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) في الدَّرْسِ (201 ) الى مُقَدَّمَة (المَسَائِلُ العقائديَّة والمعرفيَّة ، الْمُسْتَفَادة من عَقَائِدِ و مَعَارِفِ الإمَامِيَّة ؛عَقَائِد و مَعَارِف مَدْرَسَة أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ) ، وقَبْلَ الدُّخُول في صَمِيمِ الْبَحْث لابُدَّ من تَقْديم تَنْبِيهَات وفَوَائِد وقَوَاعِد علميَّة ومعرفيَّة ؛ تسهيلا لهضم تلك المَسَائِل والمطالب ، وسنذكر (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) أَوَّلاً (74) تَنْبِيهاً ، ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى التَّنْبِيه التاسع و العشرون ، وكان تحت عنوان (دين اللَّه لا يُصَاب بعقول البشر) ، ولازال الكلام في تتمة بحثه التالي : وعلى هذا قس أَشباه ونظائر هذا البيان الوحيانيّ الشَّريف(1)، كبيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «... والسُّنَّة إِذا قيست محق الدِّين»(2). ومن ثَمَّ إِذا أَراد أَصحاب جملة المدارس المعرفيَّة البشريَّة ـ فلاسفة أَو عرفاء كانوا أَم غيرهم ـ الوصول إِلى جواهر ودرر ولباب العقائد والمعارف الإِلٰهيَّة بعقولهم وفلسفتهم وعرفانهم وما شاكلها بمنأىٰ عن بيانات الوحي فهذه حوالة على مُفلِّس ؛ ولن يصلوا أَبداً ، والواقع الخارجي يشهد عليهم ـ نتيجة هذا السلوك ـ بإخفاقات حصلت لهم في لبِّ لباب التَّوحيد فضلاً عن غيره ، ومن ثَمَّ وقعوا في شراك الشرك والكفر الخفي ، المشمول بقوله تعالىٰ : [وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ] (3). نعم ، لا بأس بتجنيد جهود أَصحاب المدارس المعرفيَّة البشريَّة ونتاجاتهم لقراءة بيانات وعلوم ومعارف الوحي الإِلٰهيّ. ومنه يتَّضح : مدىٰ ضحالة ما يقوم به أَصحاب المذاهب والمدارس المعرفيَّة ؛ فإِنَّهم يأتون بأَقوالٍ وآراءٍ وفتاوىٰ علماء البشر لتوسعة أُفق البحث العقائدي والمعرفي ، ويعرضون عن ما يأتي به كُمَّل المخلوقات : رسل الغيب ورجالات الوحي ـ رأس هرمهم أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ـ ، فأَيُّ تعصُّبٍ أَعمىٰ هذا. بعد الاِلتفات : أَنَّ عقول كُمَّل المخلوقات فوق عقول سائرالبشر. فانظر : بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «... ولا بَعَثَ اللّٰـهُ نبيّاً وَلَا رَسُولاً حتَّىٰ يستكمِل العقل ، ويكون عقلُهُ أَفضل مِنْ جميع عُقُول أُمَّتِهِ»(4). ثانياً : بيانه صلى الله عليه واله ، مُنْضَمّاً إِليه بيان الإِمام الصادق عليه السلام ، قال : «مَا كلَّمَ رسولُ اللّٰـه صلى الله عليه واله العِبَادَ بِكُنْه عَقْلِهِ قَطُّ». وقَالَ : قَالَ رسولُ اللّٰـهِ صلى الله عليه واله : «إِنَّا مَعَاشِرَ الأَنبياء أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ على قَدْرِ عُقُولِـهِمْ»(5). ودلالتهما واضحة. إِذَنْ : الوحي لا يدعو إِلى عدم تحكيم العقل ، ولا يدعو إِلى قراءة الوحي بلغة حسيَّة أَو لغة عاطفيَّة ، وإِنَّما يدعو إِلى قراءة وفهم بيانات الوحي العقائديَّة والمعرفيَّة وقراءة سائر الحقائق بلغة وبراهين عقليَّة ، لكن من خلال الخوض في نتاج بحور بيانات الوحي الطمطامة غيرالمتناهية وهدايتها. ولَكَ أَنْ تقول : على الباحث والمُسْتَنْبِط للنتائج في أَبواب العقائد والمعارف الإِلٰهيَّة كما يقرأ كلام علماء البشر بقراءة عقليَّة عميقة عليه أَنْ يقرأ أَيضاً كلام الوحي بقراءة عقليَّة عميقة ، ويكون التَّعامل على وفق قاعدة : «أُنظر إِلى ما قيل ولا تنظر إِلى مَنْ قال» ، وكما يعكف الباحث الدَّهر كُلّه على قراءة كلام فيلسوفٍ أَو عارفٍ بشريٍّ فليعكف أَيضاً الدَّهر كُلّه على قراءة بيانات الوحي. والغريب أَنَّ الكثير من الفلاسفة والعرفاء إِذا طُلب منهم ذلك أَجابوا: أَنَّ ذلك مسلكٌ أخباريٌّ حشويٌّ قشريٌّ ، لكن نقول له : مَنْ قال لكَ اِقرأ بيانات الوحي بقراءة حشويَّة قشريَّة ، ولا تغوص في أَعماق بحور معاني وحقائق كلمات الوحي ، بل عمدة التَّعَبُّد هو : «التَّعَقُّل» ، لكن برافد وعين الوحي النوريَّة. وهذه المُؤاخذة لا تُسجَّل على الفلاسفة والعرفاء حسب ، بل على كُلِّ مَنْ لم يجعل الأَربعة عشر معصوماً عليهم السلام هم المدار ، وهذا نحو صنميَّة تقف أَمام الوحي لتعطيله. / التَّنْبِيه الثلاثون: / / أَبواب المعارف الإِلهيَّة قائمة في الحقائق/ إِنَّ أَبواب المعارف الإِلٰهيَّة عبارة عن جرعات مُنَبِّهَة عن سكر المجاز ؛ والعَود إِلى الحقيقة ، فالتَّوسُّل والدُّعاء والطَّلَب والصَّلاة وما شاكلها من العبادات لا تدور ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المراد من البيان الوحياني : ما تقدَّم في صدر مبحث الدرس السابق ، وهو : بيان الإِمام زين العابدين عليه السلام : «إِنَّ دين اللّٰـه لا يُصاب بالعقول ...». (2) وسائل الشيعة ، 29 : 352/ح1. الكافي ، 7 : 299/ح6. (3) يوسف : 106. (4) أُصول الكافي ، 1 : 12/ح11. (5) المصدر نفسه : 19/ح15