مَعَارِف إِلْهِيَّة : (250) ، مَسَائِلُ وفَوَائِدُ وقَوَاعِدُ في مَعَارِفِ الإمَامِيَّة/ الْمُقَدَّمَة / تَنْبِيهَات /
24/09/2024
الدَّرْسُ (250) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطَّاهِرِين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعْدَائِهِمْ أَجَمْعَيْن ، وَصَل بِنَا البَحْثُ ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) في الدَّرْسِ (201 ) الى مُقَدَّمَة (المَسَائِلُ العقائديَّة والمعرفيَّة ، الْمُسْتَفَادة من عَقَائِدِ و مَعَارِفِ الإمَامِيَّة ؛عَقَائِد و مَعَارِف مَدْرَسَة أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ) ، وقَبْلَ الدُّخُول في صَمِيمِ الْبَحْث لابُدَّ من تَقْديم تَنْبِيهَات وفَوَائِد وقَوَاعِد علميَّة ومعرفيَّة ؛ تسهيلا لهضم تلك المَسَائِل والمطالب ، وسنذكر (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) أَوَّلاً (74) تَنْبِيهاً ، ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى التَّنْبِيه التالي : / التَّنْبِيه الْأَرْبَعُون: / / الفارق بين اِسْتِعْمَالَات فقه الشريعة وفقه الدِّين / إِنَّ اِسْتِعْمَالَات الوحي الواردة في أَبْوَابِ المعارف ليست على نسق اِسْتِعْمَالَاته في أَبْوَابِ الفروع ؛ لأَنَّ معاني الأَوَّل كمعارفه لا تختصُّ بالنشأة الأَرضيَّة ، بل شاملة لمطلق الْعَوَالِم والنَّشَآت. بخلاف الثاني ؛ فإِنَّه غالباً ما يختصُّ بهذه النَّشْأة الارضية. وهذا يرسم فارقاً مُهمّاً في الاِسْتِعْمَالَات اللُّغويَّة الواردة في بيانات الوحي بين فقه المعارف وفقه الفروع. وهذا مؤيِّد ومُؤكِّدة لصحَّة القاعدة اللُّغويَّة المختارة ـ ( خذ الغايات واترك المبادئ ) ـ ؛ لأنَّ أَبْوَاب المعارف ـ كهذه القاعدة ـ شاملة لمطلق الْعَوَالِم سواء كانت قبل هذه النشأة ـ كعَالَم : الذر والميثاق والأَظلَّة والأشباح ، والأَصلاب ، والأَرحام ـ أَم في هذه النشأة أَم بعدها ـ كعَالَم : البرزخ ، والرَّجعة ، والقيامة ، والآخرة الأَبديَّة ، وبعدها ـ . وعليه : لا بُدَّ من اِخْتِلَاَف ضوابط الاِسْتِعْمَالَات والظُّهورات في أَبْوَابِ المعارف عن ضوابطهما في أَبْوَابِ الفروع ؛ وذلك بحكم اِخْتِلَاَف موضوع البحث. لكن : هناك رهط من الأُمَّة ، ضرب الله بينهم وبين الحقِّ بسورٍ ظاهره الرَّحمة وباطنه العذاب ، لم يراعوا هذه الضابطة ؛ فوقعوا بين إفراط وتفريط. فمنهم مَنْ لم يُحَكِّم هذه القاعدة في أَبْوَابِ المعارف ، ومن ثَمَّ وسَّعَ حُكم الماديَّات والنشأة الأَرضيَّة إِلى العَالَم الرُّبُوبِيّ وعَالَم النُّور والملائكة. ومنهم ـ كبعض العرفاء والصوفيَّة وأَصحاب الفرق الباطنيَّة ـ حَكَّمَ العكس في فقه الفروع ، وقال: إِنَّه ناظر حصراً إِلى الباطن والنشأة الخفيَّة والغيبيَّة ، وليس بناظر إِلى المصاديق والنشأة الماديَّة. مثاله : ماهيَّة الصَّلاة وحقيقتها ؛ فإِنَّها ليست ما هو المعهود من أَجزاء وشرائط ، بل غايتها ، وهي : ذكر الله سبحانه وتعالى. وماهيَّة الصُّوم وحقيقته ؛ فإِنَّها ليست ما هو المعهود ، وإِنَّما : الإِعراض عمَّا عدا الله عَزَّ وَجَلَّ؛ وإِن أَرتكب الصائم المفطِّرات المعهودة . وماهيَّة الحَجِّ وحقيقته ؛ فإِنَّها ليست ما هو المعهود ، وإِنَّما : التوجُّه إِلى كعبة القلوب : ( الذَّات المقدَّسة ) وإِنْ لَمْ تُقصد الديار المُقدَّسة ؛ ولم يُؤتَ بأفعال الحجِّ خارجاً . وإِنَّ قوله تعالىٰ : [وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ](1) دليل على ذلك ؛ وأَنَّ غاية العبادة : ( اليقين ) ، فإذا حصل أَنتفت الغاية ، فلا عبادة . وهي كما ترى تخطب على نفسها ؛ بأَنَّ أَصحابها عملوا بالشُّبهات ، وساروا في الشَّهوات ، فخالفوا ما أَنجبته بيانات الوحي الشريف ، وطاهر كلماته ، منها : 1ـ بيان الإمام الصَّادق عليه السلام ، عن الهيثم التميميّ ، قال: « قال أَبو عبداللَّـه عليه السلام : يا هيثم التميميّ ، إِنَّ قوماً آمنوا بالظَّاهر وكفروا بالباطن فلم ينفعهم شيء ، وجاء قوم من بعدهم فآمنوا بالباطن وكفروا بالظَّاهر فلم ينفعهم ذلك شيئاً ، ولا إِيمان بظاهر إِلَّا بباطن ، ولا بباطن إِلَّا بظاهر »(2). 2ـ بيانه عليه السلام أَيضاً ، عن المفضَّل : « أَنَّه كَتَبَ إِلى أَبي عبد الله عليه السلام ، فجاءه هذا الجواب مِنْ أَبي عبد الله عليه السلام : ... كتبتَ تَذْكُر : أَنَّ قُوماً أَنَا أَعرفهم كان أَعجبك نحوهم وشأنهم ، وأَنَّكَ أُبْلِغْتَ عنهم أُموراً تُرْوَى عنهم كرهتها لهم ، ولَمْ تَرَ بهم إِلَّا طريقاً(3)حسناً وورعاً وتخشّعاً ، وبَلَغَكَ أَنَّهم يزعمون أَنَّ الدِّين إِنَّما هو معرفة الرِّجال ، ثُمَّ بعد ذلك إِذا عرفتهم فاعمل ما شئتَ ... وَذَكَرْتَ : أنَّه بلغكَ أَنَّهم يزعمون أَنَّ الصَّلاة والزَّكاة وصوم شهر رمضان والحجّ والعمرة والمسجد الحرام ، والبيت الحرام والمشعر الحرام والشهر الحرام هو رَجُل(4)، وأَنَّ الطهر والاِغتِسَال من الجنابة هو رَجُل ، وكلُّ فريضة افترضها الله على عباده هو رَجُل(5)، وأَنَّهم ذكروا ذلك بزعمهم : أَنَّ مَنْ عرف ذلك الرَّجُل فقد اكتفى بعلمه به من غير عمل ، وقد صَلَّـى وآتى الزَّكاة وصام وحجَّ واعتمر واغتسل من الجنابة وتطهَّر وعظَّم حرمات الله والشَّهر الحرام والمسجد الحرام(6)، وأَنَّهم ذكروا : أَنّ من عرف هذا بعينه وبحدِّه ، وثبت في قلبه جاز له أنْ يتهاون ، فليس له أَنْ يجتهد في العمل ، وزعموا أَنَّهم إِذا عرفوا ذلك الرَّجُل فقد قُبِلَت منهم هذه الحدود لوقتها وإِنْ لم يعملوا بها ... ويزعمون أَنَّ لهذا ظَهْرَاً وبَطْناً يعرفونه ، فالظَّاهر ما يتناهون عنه يأخذون به مدافعة عنهم ، والباطن هو الَّذي يطلبون ، وبه أُمروا بزعمهم ... وأَنا أُبيِّنه حتَّى لا تكون من ذلك في عمى ولا شُبْهَة ... أُخبرك أَنَّه مَنْ كان يدين بهذه الصِّفة الَّتي كَتَبْتَ تسألني عنها فهو مشرك بالله تباك وتعالى ، بيّن الشّرك لا شَكّ فيه ، وأُخبرك أَنَّ هذا القول كان من قوم سمعوا ما لم يعقلوه عن أَهله ، ولم يعطوا فَهْمَ ذلك ، ولم يعرفوا حدّ ما سمعوا ، فوضعوا حدود تلك الأَشياء مقايسة برأيهم ومنتهى عقولهم ، ولم يضعوها على حدود ما أُمروا كذباً وافتراء على الله ورسوله ، وجرأة على المعاصي ، فكفى بهذا لهم جهلاً ... ومَنْ أَطاع حرَّم الحرام ظاهره وباطنه ، ولا يكون تحريم الباطن واستحلال الظَّاهر ، إِنَّما حرَّم الظَّاهر بالباطن ، والباطن بالظَّاهر معاً جميعاً ، ولا يكون الأَصل والفروع وباطن الحرام حرام وظاهره حلال ، ولا يحرّم الباطن ويستحلّ الظَّاهر ، وكذلك لا يستقيم أَن يعرف صلاة الباطن ولا يعرف صلاة الظَّاهر ، ولا الزَّكاة ولا الصوم ولا الحجّ ولا العمرة ولا المسجد الحرام وجميع حرمات الله وشعائره وأَنْ يترك معرفة الباطن ؛ لأَنَّ باطنه ظهره ، ولا يستقيم إِنْ ترك واحدة منها إِذا كان الباطن حراماً خبيثاً فالظَّاهر منه إِنَّما يشبه الباطن ، فمن زعم أَنَّ ذلك إِنَّما هي المعرفة وأنَّه إذا عرف اكتفى بغير طاعة فقد كذب وأَشرك ذاك لم يعرف ولم يطع ، وإِنَّما قيل: « اعرف واعمل ما شئت من الخير » ... »(7). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة . وبالجملة : الظَّاهر في قاموس الدِّين يُسمَّى : شريعة ، فإذا لم يُتَّبع لم يلج المخلوق في الدِّين والباطن. وسبب هذا الِانْحِرَافَ : التَّطبيق الخاطئ لقاعدة : ( خذ الغايات واترك المبادئ ) في أَبْوَابِ فقه الفروع ؛ فإنَّ حقيقة هذه القاعدة تتوخَّى عدم حصر الوضع في المبادئ ، بل يشمل الغايات ، وليس معناها نسف المبادئ. إِذَنْ : على الباحث الاِلْتِفَات بدقَّة لموارد تطبيق هذه القاعدة. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات : 99 . (2) بصائر الدرجات ، 2 : 518/ح1896 ــ 5 . (3) خ . ل : (إِلَّا هدياً حسناً). (4) في المختصر : (هم رجال). (5) في المختصر : (فهي رجال). (6) في المختصر : (والمسجد الحرام ، والبيت الحرام). (7) بحار الأَنوار ، 24 : 286/ح1