مَعَارِف إِلْهِيَّة : (257) ، مَسَائِلُ وفَوَائِدُ وقَوَاعِدُ في مَعَارِفِ الإمَامِيَّة/ الْمُقَدَّمَة / تَنْبِيهَات /
01/10/2024
الدَّرْسُ ( 257) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطَّاهِرِين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعْدَائِهِمْ أَجَمْعَيْن ، وَصَل بِنَا البَحْثُ ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) في الدَّرْسِ (201 ) الى مُقَدَّمَة (المَسَائِلُ العقائديَّة والمعرفيَّة ، الْمُسْتَفَادة من عَقَائِدِ و مَعَارِفِ الإمَامِيَّة ؛عَقَائِد و مَعَارِف مَدْرَسَة أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ) ، وقَبْلَ الدُّخُول في صَمِيمِ الْبَحْث لابُدَّ من تَقْديم تَنْبِيهَات وفَوَائِد وقَوَاعِد علميَّة ومعرفيَّة ؛ تسهيلا لهضم تلك المَسَائِل والمطالب ، وسنذكر (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) أَوَّلاً (74) تَنْبِيهاً ، لازال البحث في التَّنْبِيه السَّادس و الْأَرْبَعُون ، وكان تحت عنوان : « تطوُّر النظام السياسي بنموِّ العقل البشري » ، ووصل بنا الكلام ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى المطلب التالي : / رجوع إِلى صلب الموضوع/ إِذَنْ : حصل لَدَى العقل البشري نوع تنمويَّة في الإِدارة والتدبير ، بعد الْاِلْتِفَات : أَنَّه كُلَّما تكاملت البشريَّة كُلَّما تعقَّدت ثقافتها : الأَمنيَّة والعسكريَّة والسياسيَّة والْاِقْتِصَادِيَّة والصحيَّة والمروريَّة وهلمَّ جرّاً ، وصعب : نظمها وتدبيرها وإِدارتها. وهذا برهانٌ عقليٌّ دالٌّ على علوِّ سُؤدد سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، وتقدُّمهم على جملة سائر كُمَّل المخلوقات ؛ فإِنَّ العقل البشري بعدما كان في دوامة التنامي والتكامل غيرالمتناهي كان يتعطَّش دائماً ويطلب مُعَلِّماً أَكبر وأَعظم : شأناً ومقاماً ؛ ورفعةً وفضلًا وكمالًا. ومنه يتَّضح : عدم غرابة القول بتقدُّم شؤون وأَدوار ومسؤوليَّات ومقامات وفضائل وكمالات : آباء وأَجداد سيِّد الأَنبياء وأَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آلهما من أَصحاب الدائرة الاِصْطِفائيَّة الثانية ، كـ : (عبداللّٰـه ، وأَبي طالب ، وعبدالمطَّلب ، وهاشم ، وعبد مناف عليهم السلام) على جملة من تقدَّمهم من كُمَّل المخلوقات ، منهم : سائر أَنبياء أُولي العزم ـ كالنَّبيِّ إِبراهيم ـ عليهم السلام ؛ لأَنَّ مسؤوليَّة اللَّاحق تكون أَعظم وأَخطر وأَعقد ، فالمجتمع البشري صار في زمان آباء وأَجداد سيِّد الأَنبياء وأَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آلهما : أَعقد إِدارة وتدبيراً وصلاحاً من أَزمنة سائر جملة الأَنبياء والرُّسل السَّابقين ـ كالنَّبيِّ : إِبراهيم وموسىٰ وعيسىٰ ـ عليهم السلام ؛ فتكون مقامات وشؤون ومسؤوليَّات المدير والمُدبِّر لشؤون هذه الأَعْصار المتأخِّرة أَرفع وأَعظم خطراً. إِنْ قلتَ : إِنَّه على هذا الأَساس يلزم أَنْ يكون الإِمام الثاني عشر عجل الله تعالى فرجه ومقامه ودوره ومسؤوليَّاته وشؤونه وفضائله وكمالاته اَرفع وأَعظم خطراً من مقامات وأَدوار ومسؤوليَّات وشؤون وفضائل وكمالات سيِّد الأَنبياء وسائر أَصحاب الكساء صلوات اللّٰـه عليهم ؛ لأَنَّ المجتمع البشري في زمان إِمامته عجل الله تعالى فرجه تطوَّر عمَّا كان في تلك الأَزمنة ، وتعقَّدت إِدارته ومسؤوليَّاته ، وتعقَّد صلاحه ، لكنَّه مخالف للضَّرورة الدينيَّة ، فإِذا بطل هذا اللازم فالملزوم(1) مثله. قلت : صحيح : أَنَّ إِدارة المجتمع وإِصلاحه قد تعقَّد أَكثر مِـمَّا كان في زمان سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، لكنَّ الثابت في عقيدتنا نحن الإِماميَّة ؛ وما دلَّت عليه بيانات القرآن الكريم وروايات الفريقين المتواترة ، منها : بيان قوله تعالىٰ : [وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ](2): أَنَّ المخلوق الأَوَّل والرئيس الَّذي يتولَّىٰ إِدارة الأُمور في هذا الزمان ، بل وفي كُلِّ زمان : سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، ووزرائه : أَمير المؤمنين وسائر أَهل البيت منهم : الإِمام الثَّاني عشر صلوات اللّٰـه عليهم ؛ ضمن نظام واحد للدولة الإِلٰهيَّة العظيمة ، لا يحجزهم فاصِل عَالَم البرزخ وغيره عن أَداء مسؤوليَّاتهم ؛ وإِدارة شؤون هذه النشأة الأَرضيَّة على مرِّ الدهور والأَزمان. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله منضمّاً إِليه بيان أَمير المؤمنين عليه السلام ـ المُتَقدِّم ـ : «... أَيُّهَا اَلنَّاسُ ، خُذُوهَا عَنْ خَاتَمِ اَلنَّبِيِّينَ صلى الله عليه واله : «إِنَّهُ يَمُوتُ مَنْ مَاتَ مِنَّا وَلَيْسَ بِمَيِّتٍ ، وَيَبْلَى مَنْ بَلِيَ مِنَّا وَلَيْسَ بِبَالٍ» ، فَلاَ تَقُولُوا بِمَا لاَ تَعْرِفُونَ ، فَإِنَّ أَكْثَرَ اَلْـحَقِّ فِيمَا تُنْكِرُونَ ...»(3). ودلالته قد اِتَّضَحْت ؛ فإِنَّ معنى هذا البيان الشريف وأَشْبَاهه ونَظَائِره ليس ما فهمه بعض العرفاء والصُّوفِيَّة من أَنَّ اَهْلَ الْبَيْتِ صلوات الله عليهم لم يموتوا ولم يدفنوا ، بل معناه : أَنَّهُمْ صلوات الله عليهم ماتوا ودفنوا لكنهم بعد الموت وانتقالهم الى عالم البرزخ لم تمت ارتباطاتهم وتصرفاتهم في عالمنا الارضي هذا ، فيتصرفون صلوات الله عليهم في هذه النشاة الارضية ويديرون ويدبرون احوال وشؤون مخلوقاتها بابدانهم صلوات الله عليهم البرزخية كتصرفهم وادارتهم وتدبيرهم لاحوالها وشؤونها قبل موتهم صلوات الله عليهم وتبقى ارتباطاتهم بهذه النشاة الارضية على حالها من دون اي تغير واختلاف . وبهذا البدن البرزخي يَتَّصِل المعصوم منهم وهم في عالم البرزخ بالإمَامِ الحي ؛ كالإمَامِ الْحُجَّة ابن الحسن عجل الله تعالى فرجه . ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المراد من الملزوم : (أَنَّ آباء وأَجداد سيِّد الأَنبياء وأَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آلهما أَفضل شأناً وأَعلىٰ وأَعظم وأَخطر أَدواراً ومسؤوليَّات ومقامات وفضائل وكمالات إِلٰهيَّة مِنْ جميع مَنْ تقدَّمهم من جملة كُمَّل المخلوقات ، كسائر أَنبياء أُولي العزم عليهم السلام ؛ لأَنَّ مسؤوليَّاتهم صلوات اللّٰـه عليهم كانت أَعظم وأَخطر وأَعقد من مسؤوليَّات من تقدَّمهم). (2) التوبة : 105. (3) نهج البلاغة / خ86 : 143