معارف ألهية (9)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
25/01/2024
الدرس : (9 )/ بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه: «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ » ، ومر انه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 _ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى )الى المُقدِّمة الثانية : /المُقدِّمة الثانية:/ /الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة / إِنَّ مُطلق الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة مخلوقات مهولة ، غير المسَمَّىٰ والموصوف بها ؛ (صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) ، داخلة في ما تحتها من جملة العوالم والمخلوقات(1) دخول اللطيف في الأَغلظ ؛ لا بالممازجة والمزاولة ، وخارجة عنها خروج اللطيف عن الأَغلظ ؛ لا بالمفارقة والمزايلة ، ومُهيمنة عليها ، وتتصرَّف فيها تصرف الالطف . مثاله : اسم : (اللَّـه) ؛ فإنَّه مخلوق مهول ، مهيمن على ما دونه من جملة العوالم وطرِّ المخلوقات ، داخل فيها ، لكن لا بالممازجة والمزاولة ، وخارج عنها، لكن لا بالمفارقة والمزايلة ، وهو من مخلوقات عَالَم السرمد والأَزل والأَبد؛ عَالَم الحضرة الربوبيَّة (2) ؛ عَالَم الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ، والمُعَبَّر عنه في بيانات الوحي بعنوان : (عنده) ، وهو غير المُسَمَّىٰ بـ : (اسم اللَّـه) ؛ صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، فإِنَّه (تقدَّست أسماؤه وعظمت آلاؤه) وراء وفوق ذلك ، ومهيمن على سائر العوالم وكافَّة المخلوقات ، منها: (اسم اللَّـه)، وداخل فيها وفيه دخول اللطيف في الأَغلظ ؛ لا بالممازجة والمزاولة ، وخارج عنها وعنه خروج اللطيف عن الأَغلظ ؛ لا بالمفارقة والمزايلة . وعلى هذا قس صفة : (الأُلوهيَّة) ؛ فإِنَّها مخلوق مهول من عَالَم السرمد والأَزل والأَبد ؛ عَالَم الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة أَيضاً ، مهيمنة على ما دونها من مطلق العوالم وجميع المخلوقات هيمنة اللطيف على الأَغلظ ، وهي غير الموصوف بها ؛ صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة. إِذَنْ : اسم اللَّـه وصفته مخلوقان بنحو التَّجلِّي والإِشتقاق التَّكوينيّ للمُسَمَّىٰ والموصوف بهما ؛ صاحب : (الذات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة) ، وهو (جلَّ قدسه) وراء وفوق جملة عَالَم الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ـ ذاتيَّة كانت أَم فعليَّة ـ مملوكة له ، ومهيمن عليها هيمنة اللَّطيف على الأَغلظ(3). وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان قوله عظمت آلاؤه : [قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى](4). ودلالته واضحة ؛ فإِنَّـه جـيء بـ : (لام الْـمُلك) ، الداخلة على : (هو) ـ (له) ـ ، والمقصود منه : المُسمَّىٰ (تقدَّست أسماؤه) ؛ صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة(5)، وهو (عزَّ ذكره) مالك لجملة أَسمائه وصفاته(6) ـ فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة ـ ، ومن البيِّن والواضح : أَنَّ المالك غير المملوك ، وما عدا المُسَمَّىٰ (سبحانه وتعالىٰ) ـ صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ـ مخلوق من مخلوقاته، وإِلَّا لكانت (والعياذ بالله تعالىٰ) آلهة. فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام: «... والاسم غير المُسَمَّىٰ ... لِلَّـه تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ اسماً ، فلو كان الاسم هو المُسَمَّىٰ لكان كُلُّ اسمٍ منها إِلٰها ...» (7). وعليه : تكون جميع الأَسمآء والصفات الإِلٰهيَّة ـ فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة ـ مخلوقات إِلٰهيَّة ، وتجلِّيات وظهورات وآيات للذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة، يعود واقعها إِلى حروفٍ ، بل حرفٍ فاردٍ ، وهو : (اللَّام) ، أَي : لام الملك ، وأُضيفت إِلى أَعظم اسم إِلٰهي : (هو) ، وهو الجامع لجملة الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة. 2ـ بيانه جلَّت آلاؤه : [وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ](8). ودلالته قد اتَّضحت من سابقه. نعم هناك فارقٌ واحدٌ ، وهو إِضافة (اللام) ؛ فإِنَّها في هذا البيان الشريف أُضيفت لاسم الجلالة : (اللَّـه) ، بخلاف البيان السَّابق ؛ فإِنَّها أُضيفت للإسم الإِلٰهي : (هو) . 3ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام: «إِن اللَّـه (تبارك وتعالىٰ) خلق اسماً ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المستفاد من بيانات الوحي : عدم انحصار المخلوقات الإِلٰهيَّة (الحيَّة الشاعرة ، الناطقة العاقلة) بالمخلوقات الثلاثة ـ الإِنس والجنّ والملائكة ـ بل هي إِلى ما شاء الله تعالىٰ ، موجودة في السماوات والأَرضين ، وفي فضائنا ونشأتنا هذه ، مخفيَّة على كثير من المخلوقات ، منها الطبقات النَّازلة من الملائكة. (2) معنىٰ الحضرة الرُّبوبيَّة : ذلك العَالَم الحاوي على مخلوقات مُكرَّمة ، لا يُشمُّ منها رائحة المخلوقيَّة، والخالصة من شائبة الأَنا والفرعونيَّة ، والفانية فناء حكاية في ذيها : (الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة). ومخلوقات هذا العالم : طبقات حقائق أَهل البيت صلوات الله عليهم الصَّاعدة ، والَّتي لا يُرىٰ فيها ماهيَّة : (مُحمَّد ، وعَلِيّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين...) ، بل عكوسات وتجليَّات ربوبيَّة. (3) ينبغي الالتفات : أَنَّ الخلقة في العوالم الصَّاعدة ؛ أَي : عَالَم الـمُجرَّدات التامَّة تختلف عن العوالم النَّازلة ؛ أَي : العوالم الجسمانيَّة ؛ فإِنَّها في تلك العوالم لا تكون إِلَّا بنحو الظهور والتجلِّي والإِشتقاق . نظيره : الصورة المرآتيَّة. (4) الإسراء : 110. (5) يجدر بالباحث وغيره لاسيما في أَبواب المعارف الإِلٰهيَّة ، وتفادياً من حصول الخلط في المباحث والمعارف الإِلتفات إِلى إِطلاقات واستعمالات الأَسماء الإِلٰهيَّة الواردة في بيانات الوحي ؛ فإِنَّه تارة يُراد منها : المُسَمَّىٰ (جلَّ شأنه) صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وأُخرىٰ يُراد منها : الاسم الإِلٰهي. وهو مخلوق مهول ، وتشخيص ذلك يعتمد على القرائن ، كقرينة السياق. (6) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ هذا البيان الشَّريف وإِن ذكر الأَسماء الإِلٰهيَّة فحسب ، لكنَّه شامل أَيضاً لسائر الصِّفات الإِلٰهيَّة ؛ بدليل : أَنَّه لَـمَّا كانت الصفات الإِلٰهيَّة وما يسانخها من الأَسمآء الإِلٰهيَّة مُتفقين حقيقة ، ومختلفين بالإِعتبار واللحاظ الذهني ـ كحال المصدر واسمه على رأي مشهور الأُصوليِّين ـ كما أَصحرت بذلك بيانات الوحي ، وسيأتي (إِنْ شاء الله تعالىٰ) عرضها في محلِّها كان ذكر أَحدهما مغنٍ عن الآخر ، ومن باب : (إِذا أَجتمعا أَفترقا ، وإِذا افترقا اتَّفقا). (7) أُصول الكافي ، 1 : 38 ـ باب : معاني الأَسمآء واشتقاقها : 80/ح2. (8) الأعراف : 180