مَعَارِف إِلْهِيَّة : (289) ، مَسَائِلُ وفَوَائِدُ وقَوَاعِدُ في مَعَارِفِ الإمَامِيَّة/ الْمُقَدَّمَة / تَنْبِيهَات /
03/11/2024
الدَّرْسُ (289) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطَّاهِرِين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعْدَائِهِمْ أَجَمْعَيْن ، وَصَل بِنَا البَحْثُ ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) في الدَّرْسِ (201 ) الى مُقَدَّمَة (المَسَائِلُ العقائديَّة والمعرفيَّة ، الْمُسْتَفَادة من عَقَائِدِ و مَعَارِفِ الإمَامِيَّة ؛عَقَائِد و مَعَارِف مَدْرَسَة أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ) ، وقَبْلَ الدُّخُول في صَمِيمِ الْبَحْث لابُدَّ من تَقْديم تَنْبِيهَات وفَوَائِد وقَوَاعِد علميَّة ومعرفيَّة ؛ تسهيلا لهضم تلك المَسَائِل والمطالب ، وسنذكر (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) أَوَّلاً (74) تَنْبِيهاً ، ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى التَّنْبِيه التالي : / التَّنْبِيه السَّادس والسِّتُّون : / / مقام الولاية الإِلهيَّة الْكُبْرَى لأَهل البيت عليهم السلام/ إِنَّ مقام الولاية الإِلٰهيَّة الْكُبْرَى ـ الوارد في بيان قوله تعالىٰ : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ](1) أي : أصحاب الروح الامري ؛ حقيقة الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ الصاعدة ، المشار اليها في بيان قوله (تعالىٰ ذكره) : [وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا] (2) ، والتي ورثها سائرأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم بالوراثة الاِصطِفائيَّة، والمشار اليها في بيانات الوحي الْأُخْرَى ، منها : بيان الامام الصادق عليه السلام : «... فينا روح رسول الله صلى الله عليه واله »(3) ـ وما قد يُعبَّر عن هذه الولاية الإِلٰهيَّة بـ : (الدولة الإِلٰهيَّة) لسيِّد الأَنبياء ولسائرأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الثابتة والحاكمة على جملة العوالم وكافَّة المخلوقات أَرفع شأناً وأَخطر دوراً وأَعظم هولاً من دون قياس من إِمامتهم صلوات اللّٰـه عليهم السياسيَّة ، وحُجِّيَّتهم الإِلٰهيَّة في هذه النَّشْأَة الأَرضيَّة ؛ فإِنَّ الدولة الإِلٰهيَّة لا تقتصر على الحاكميَّة الإِلٰهيَّة في النَّشْأَة الأَرضيَّة ، وإِنَّما تعتمد على حاكميَّة اللّٰـه في طُرِّ العوالم وعلى سائر المخلوقات ـ كما تقدَّم ـ . إِذَنْ : ليس المراد من ولاية أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الولاية السياسيَّة في حقبة زمنيَّة ضيِّقة ، أَو حقبة زمنيَّة خاصَّة بِعَالَم النَّشْأَة الأَرضيَّة ، بل شاملة لِكُلِّ العوالم ؛ وجميع المخلوقات الإِلٰهيَّة غير المتناهية ، وشاملة لكافَّة أُمورها وأَحوالها(4) وشؤونها . وإِلى هذا تشير بيانات الوحي الوافرة الباهرة ، منها: ما تقدَّم ، ويضاف إِليها : بيان قوله جلَّ ثناؤه : [وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ](5). فإِنَّه برهان وحيانيٌّ دالٌّ على أَنَّ غاية النَّشْأَةُ الأَرضيَّة إِلى حين ، وخلافة خليفة اللّٰـه ليست مقرونة بها ، كحال ولاية اللّٰـه ودينه . بعد الْاِلْتِفَات : أَنَّ هناك فوارق بين الدِّين والشريعة(6)، منها : أَوَّلاً : أنَّ دين اللّٰـه واحد ؛ وهو دين الإِسلام . فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان قوله تعالىٰ ذكره : [إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ](7). بخلاف الشَّريعة ؛ فإِنَّها مُتعدِّدة. فلاحظ : بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان قوله تبارك وتعالىٰ : [لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا](8). ثانياً : أَنَّ دين الإِسلام شامل لجميع المخلوقات وجملة العوالم غير المتناهية ؛ من بداية الخلقة إِلى ما لا نهاية ، ومن ثَمَّ يكون عَالَم الآخرة الأَبديَّة محكوماً به ؛ فهو النظام الحاكم لأَهل الجنَّة في الجنان ، ولأَهل النَّار في النيران. بخلاف الشريعة ؛ فإِنَّها مختصَّة بالنَّشْأَة الأَرضيَّة ، وبالثقلين (الإِنس والجن) ، وهذا ما يُوضِّح نكتة اشتقاقها ؛ فإِنَّها مشتقَّة من الشروع والْاِبْتِدَاء. وعليه : فالموقعيَّة العقائديَّة والمعرفيَّة المرتبطة تداعياتها بالدِّين تكون أَعظم هولاً ، وأَخطر أَثراً ، وأَعظم فائدةً من الموقعيَّة العقائديَّة المرتبطة تداعياتها بالشريعة. وحيث إِنَّ ولاية أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ومقاماتهم من الدِّين، بل من أُصوله وأُسسه فلا تختصُّ بالنشأة الأَرضيَّة ، بل شاملة لكُلِّ العوالم ؛ وكافَّة المخلوقات غيرالمتناهية ، وتداعياتها أَخطر وأَعظم هولاً. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان أَمير المؤمنين عليه السلام : «... وليبعثن اللّٰـه أَحياء من آدم إلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه واله كُلّ نبيٍّ مرسل ، يضربون بين يدي بالسيف هام الأَموات والأَحياء والثقلين جميعاً. فيا عجباً وكيف لا أَعجب من أَمواتٍ يبعثهم اللّٰـه أَحياء يُلبُّون زمرة زمرة بالتَّلبية : لبيكَ لبيكَ يا داعي اللّٰـه ... وإنَّ لي الكرَّة بعد الكرَّة ، والرَّجعة بعد الرَّجعة ، وأَنا صاحب الرَّجعات والكرَّات، وصاحب الصولات والنقمات ، والدولات العجيبات ... وَأَنا الحاشر إلى اللّٰـه ... وَأَنا صاحب الجنَّة والنَّار ، وأسكن أَهل الجنَّة الجنَّة ، وأسكن أَهل [النَّار] النَّار ، وإِلَيّ تزويج أَهل الجنَّة ، وإِلَيّ عذاب أَهل النَّار ، وإِلَيّ إِياب الخلق جميعاً ، وأَنا الاياب الَّذي يؤوب إِليه كُلّ شيء بعد القضاء ، وإِلَيّ حساب الخلق جميعاً ... وأنا المؤذن على الأَعراف ... وَأَنا خازن الجنان وصاحب الأَعراف ، وَأَنا ... الحُجَّة على أَهل السماوات والأَرضين وما فيهما وما بينهما ، وَأَنا الَّذي احتجَّ اللّٰـه به عليكم في ابتداء خلقكم ...» (9). ودلالته واضحة على شمول إِمامة أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم لجملة المخلوقات وسائر العوالم ، منها : عَالَم البرزخ ، وعَالَم الرَّجعة ـ آخرة الدُّنيا ـ ، وعَالَم القيامة ، وعَالَم الآخرة الأَبديَّة ـ الجنَّة والنَّار الأَبديَّتان ـ وعَالَم الذَّرِّ والميثاق ؛ وبقيَّة العوالم. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)النساء : 59 . (2)الشورى :52 . (3) بحار الأَنوار ، 25 : 62 ـ63/ح41. بصائر الدرجات : 136 . (4) مرجع الضمير في (أُمورها) ، و (أَحوالها) ، و(شؤونها) : «كُلّ العوالم وجميع المخلوقات». (5) البقرة : 35 ـ 36. (6) ينبغي أَنْ لا يُخلط ـ كما خلطت كثير من كُتُب علم الكلام ـ بين مباحث الدِّين ، ومباحث الشريعة. (7) آل عمران : 19. (8) المائدة : 48. (9) بحار الأَنوار ، 53 : 46 ـ 49/ح20