معارف ألهية (11)تفسير بيان اميرالمؤمنين عليه السلام : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» وبيانه : « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ
26/01/2024
الدرس : ( 11 ) بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين .لازال البحث في تفسير بيان اميرالمؤمنين صلوات الله عليه : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» ، وبيانه عليه السلام ايضا: « أَنا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة، أَنا النقطة والخطُّ »، ومر انه لتفسير كلامه الشريف هذا لابد من تقديم ثمان مقدمات ، تم الكلام عن المُقدِّمة الاولى في الدرس (6 ـ 8 ) ، وكانت تحت عنوان : (أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ) ، وعن المُقدِّمة الثانية في الدرس (9ـ 10 )، وكانت تحت عنوان : ( الصفات والأسمآء الإِلهيَّة مخلوقات إِلهيَّة ) ، ووصل بنا البحث ( بحمد الله تعالى ) الى المُقدِّمة الثالثة : /المُقدِّمة الثالثة :/ /طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة صفات وأَسماء إِلهيَّة/ إِنَّ الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة الحُسنىٰ ـ فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة ـ هي طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة ، والخالصة من شائبة الأَنا والمخلوقيَّة ، والمنتفية والمنمحية (1) فيها ـ لشدَّة خلوصها ـ ماهيَّاتها وذواتها الممكنة ؛ فلم يُرَ فيها ماهيَّة : (مُحَمَّد ، وعَلِيّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ...) ، وفنيت في الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة فناء حكاية انعكست فيها جميع صفات وأَسمآء وشؤون الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة إِلَّا الأُولوهيَّة ، لخروجها تخصُّصاً وموضوعاً ، فكما أَنَّ اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ صاحب الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المقدَّسة هو : (اللّٰـه ، رحمٰن ، رحيم ، ملك ، قدوس ، سلام ، مؤمن ، مهيمن ، عزيز ، جبَّار ، مُتكبِّر ، خالق ، بارئ ، مصوُّر ، غفَّار ، قهَّار، وهَّاب ، رزَّاق ، فتَّاح ، عليم ، قابض ، باسط ، خافض ، رافع ، معز ، مذل ، سميع ، بصير ، لطيف ، خبير ، عظيم ، عَلِيّ ، مقيت ، رقيب ، مُجيب ، شهيد، حقٌّ ، قويٌّ ، متين ، محصي ، محي ، مميت ، حيّ ، قيُّوم ، واحد ، صمد ، قادر ، مقتدر ، أَوَّل ، آخر ، ظاهر ، باطن ، توَّاب ، منتقم ، عفو ، رؤوف ، غني ، مغني ، مانع ، ضار ، نافع ، هادي ، باقي ، بديع ، وارث) وهلمَّ جرّاً من سائر الأَسمآء الإِلٰهيَّة الحُسنىٰ ، وموصوف بما يلائمها من الصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة المقدَّسة كذلك طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصَّاعدة تتَّصف بهذه الأَسمآء والصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة المقدَّسة ، وتفعل أَفاعيلها ، لكن لا بالأَصالة ، بل بالتَّبع وبالتَّجَلِّي والظُّهور والإِفاضة ، كرماً وعطيَّة من الذَّات الإِلٰهيَّة المقدَّسة ، وتفعل أَفاعيلها بإِذن الواحد الأَحد (عزَّ ذكره). وهذا ما أَشارت إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان أَمير المؤمنين (صلوات اللّٰـه عليه) ، فإِنَّه سُئِلَ عن العَالَم العلوي فقال : «صور عارية من المواد ، عالية عن القُوَّة والإِستعداد ، تجلَّىٰ لها فأَشرقت ، وطالعها فتلألأت ، وأَلقىٰ في هويَّتها مِثاله فأَظهر عنها أَفعاله ...»(2). نظيره : أَوَّلاً : المرآة شديدة : الصقل ، والصَّفاء ، والفناء ، والحكاية ، والانعكاس ؛ فإِنَّها بعدما كانت فانية فناء حكاية في محكيِّها ، فلا تُري نفسها ، بل محكيِّها انطبعت فيها كافَّة صفات وشؤون محكيِّها ـ الشَّاخص الخارجي ـ ، وأَخذت صورتها بالتَّبع جملة صفاته وأَسمائه وشؤونه إِلَّا ما خرج موضوعاً وتخصُّصاً. وإِلى هذا أَشارت بيانات الوحي ، منها : بيان خطبة أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «الحمدُ للّٰـه الَّذي ... تتلقَّاه الأَذهان لا بمشاعرة ، وتشهد له المرائي لا بمحاضرة ، لم تحط به الأَوهام ، بل تجلَّىٰ لها بها ، وبها امتنع منها ، وإِليها حاكمها ...»(3). ثانياً : (الصَّرح) الوارد في قضيَّة بلقيس مع النَّبيّ سليمان عليه السلام ، الواردة في بيان قوله جلَّ قوله : [قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ](4)، فإِنَّه لشدَّة خلوصه وصفائه وانعكاسه وتمرُّد وفناء ذاته في الحكاية ، فلم يُرِ نفسه ، بل محكيِّه ـ اللُّجَّة ، أَي: الماء الغزير ـ انعكست فيه(5) جميع صفاته(6) وأَسمائه وشؤونه ، فحسبته ماءً غزيراً فكشفت عن ساقيها لتتخطَّاه ، ولَـمَّا أُخبرت بالواقع ؛ وأَنَّه : (صرح مُمَّرد) تمرَّدت ذاته وفنيت في حكاية ذيه آمنت بالله تعالىٰ من دون نظر وتدبُّر ومهلة وتردُّد ؛ لإِلتقاطها إِشارة معرفيَّة توحيديَّة إِلى معنىٰ تجلِّي وظهور الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة في المخلوقات المُكرَّمة ؛ طبقات حقائق أَهل البيت عليهم السلام الصاعدة ، المنتفية فيها ماهيَّة : (مُـحَمَّد ، وعَلِيّ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ...) ، لتصبح أَسمآء إِلٰهيَّة : (حميد ، وأَعلىٰ، وفاطر ، وقديم الإِحسان ، ومُحسن ...) ، لا يشوبها شوب الأَنا والمخلوقيَّة ، ولا تُري نفسها ، بل محكيِّها : (المُسَمَّىٰ (العزيز الجبَّار) ؛ صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقَدَّسة) (7) . وإِلى كُلِّ هذا أَشارت بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان أَمير المؤمنين صلوات الله عليه : «... نحن الاسم المخزون المكنون ، نحن الأَسماء الحسنىٰ الَّتي إِذا سُئل الله عزَّوجلَّ بها أَجاب...» (8). ثانياً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «... وأَنا أَسماء اللَّـه الحسنىٰ ...» (9). ثالثاً : بيانه عليه السلام أَيضاً : «... أَنا الأَسماء الحسنىٰ الَّتي أَمر أَن يدعى بها..» (10). رابعاً : بيان الإِمام البا قر عليه السلام : «... عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا ، نحن الأَسماء الحسنىٰ الَّتي لا يقبل اللَّـه من العباد عملاً إِلَّا بمعرفتنا ...»(11). خامساً: بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «نحن واللَّـه الأَسماء الحسنىٰ الَّذي لا يُقبل من أَ حدٍ إِلَّا بمعرفتنا ، قال: [فَادْعُوهُ بِهَا](12)»(13). سادساً : بيان الإِمام الرضا عليه السلام : «إِذا نزلت بكم شدَّة فاستعينوا بنا على اللَّـه ، وهو قول اللَّـه : [وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا](14)»(15). ودلالة الجميع واضحة. ومن كُلِّ هذا تتَّضح : كثير من بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان خطبة أَمير المؤمنين عليه السلام في جامع البصرة : «معاشر المؤمنين والمسلمين ، إِنَّ اللَّـه عزَّوجلَّ أَثنىٰ على نفسه فقال: «هو الأَوَّل ... والآخر ... ... وتتمة البحث تاتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ، وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1 )يجدر الالتفات : أَنَّ لعنوان : (المحو) و (الفناء) معانٍ : أَحدها: الحكاية ؛ ومن ثَمَّ لا يوجد في المخلوق الحاكي رائحة المخلوقيَّة ، وجبل الأَنانية والفرعونيَّة. ثانيها : طفيليٌّ في الوجود. وهذا المعنىٰ كالأَوَّل مراد في المقام. ثالثها : أَنَّ الحاكي عين المحكي. وبطلان هذا المعنىٰ وفساده من الواضحات ؛ لأَنَّه يعني : (الوحدة الشَّخصيَّة). وسيأتي (إِنّ شاء الله تعالىٰ) بيانها في محلِّها وبيان أَدلَّة فسادها. (2) بحار الأَنوار ، 40 : 165. (3) بحار الأَنوار ، 4 : 261/ح9. (4) النمل : 44 . (5 مرجع ضمير : (فيه) : (الصرح) ، كمرجع الضمائر المُتقدِّمة ؛ المُتصلة بكلمة : (فإِنَّه) و(صفائه) و(انعكاسه) و(ذاته) و(نفسه) و(محكيِّه). (6) مرجع الضمير المُتَّصل بكلمة : (صفاته) و(أسمائه) و(شؤونه) و(لتتخطَّاه) : المحكي ، وهو : اللُّجَّة ، أَي : الماء الغزير والوفير. (7) هناك قضيَّة وآليَّة معرفيَّة مُهمَّة جدّاً ، أَشارت إِليها بيانات الوحي ، ينبغي صرف النظر إِليها ، حاصلها : أَنَّ النَّبيّ سليمان عليه السلام استخدم ووظَّف الجمال وعلوم الفنون المُحلَّلة لهداية المخلوقات إِلى الإِيمان باللَّـه (عزَّوجلَّ) وتوحيده. وهذا أَمر بديع ، وأَصل قرآنيٌّ مُشرِّع ومجوِّز لاستخدام واستعمال الجمال والفنون المُحلَّلة في الدعوىٰ الإِلٰهيَّة. ومعناه : أَن نشر الدعوىٰ إِلى الحقِّ لا يتوقَّف على البرهان العقلي والفكر الجاف ، بل يمكن من خلال توسُّط الجمال وعلوم الفنون المُحلَّلة : تسويق أَدقَّ المعاني وأَصعبها وأَعقدها إِلى نفوس المخلوقات وأّذهانها وعقولها ، وإِيجاد الجذبات الروحيَّة والمعنويَّة في دخيلة ذواتها. ولعلَّ بلقيس لو أُقيم لها البرهان العقلي لم تستجب له كما استجابت للغة الفنّ في حادثة الصرح. وهذا ما نفتقده بشكل استراتيجي كبير في الدعوىٰ إِلى نور الإِيمان وهداية الثقلين ، فنحن لم نستخدم الجمال وعلوم الفنِّ وما شاكلها في جانب الخير ؛ كما استخدمه العدو في جانب الشرّ ونشر الرذيلة. وكثير من البلدان الإِسلاميَّة كانت شعوبها قبل فترة موالية لأَهل البيت صلوات الله عليهم ، لكن قلبت الوهابيَّة بفنِّ قراءة القرآن الكريم اعتقادهم وولائهم لأَهل البيت عليه السلام إِلى عداءٍ لهم صلوات الله عليهم. (8) بحار الأَنوار ، 27 : 28/ح5. (9) المصدر نفسه ، 53 : 46 ـ 49/ح20. (10)مشارق انوار اليقين :269 . (11) المصدر نفسه ، 25 : 4ـ 5/ح7. المحتضر : 129. (12) الأعراف : 180. (13) بحار الأَنوار ، 91 : 6/ح7. تفسير العياشي ، 2 : 42. (14) الأعراف : 180. (15) بحار الأَنوار ، 91 : 5ـ 6/ح7. تفسير العياشي ، 2: 42