مَعَارِف إِلْهِيَّة : (298) ، مَسَائِلُ وفَوَائِدُ وقَوَاعِدُ في مَعَارِفِ الإمَامِيَّة/ الْمُقَدَّمَة / تَنْبِيهَات /
12/11/2024
الدَّرْسُ (298) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطَّاهِرِين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعْدَائِهِمْ أَجَمْعَيْن ، وَصَل بِنَا البَحْثُ ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) في الدَّرْسِ (201 ) الى مُقَدَّمَة (المَسَائِلُ العقائديَّة والمعرفيَّة ، الْمُسْتَفَادة من عَقَائِدِ و مَعَارِفِ الإمَامِيَّة ؛عَقَائِد و مَعَارِف مَدْرَسَة أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ) ، وقَبْلَ الدُّخُول في صَمِيمِ الْبَحْث لابُدَّ من تَقْديم تَنْبِيهَات وفَوَائِد وقَوَاعِد علميَّة ومعرفيَّة ؛ تسهيلا لهضم تلك المَسَائِل والمطالب ، وسنذكر (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) أَوَّلاً (74) تَنْبِيهاً ، ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى التَّنْبِيه الثَّامن و السِّتَّيْن ، ولازال البحث فيه ، وكان تحت عنوان : « تفسير أَسماء وصفات وأَفعال أَهل البيت عليهم السلام بلغة حضاريَّة » ؛ فإِنَّه بعدما كانت حقائق أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة موجودات في عوالم علويَّة صاعدة ، وكانت أَسماء وصفات إِلٰهيَّة حاكمة على جملة العوالم وكافَّة المخلوقات غيرالمتناهية ، وتُديرها وتُدبِّر أُمورها وشؤونها وأَحوالها كانت أَسمائهم صلوات اللّٰـه عليهم وأَوصافهم وأَفعالهم منظومة ودورة معارف ؛ يبلغ المُتدبِّر بها أَعالي الجنان ، ويسبح ويغور في بحور عوالم معارف غير متناهية. وعليه : فينبغي أَنْ لا تُفسَّر ولا تُقرأ بسطحيَّة وبلغة جافَّة؛ وأَنْ لا تُحصر بالبُعد النَّفسي والفردي ، بل لا بُدَّ أَنْ تُفسَّر وتُقرأ بتفسير وقراءة عصريَّة حضاريَّة ، وبالبُعد المجتمعي والأُممي والحضاري الإِلٰهيّ ، وبالبُعد العوالمي الشَّامل لجملة عوالم الخلقة ومخلوقاتها غيرالمتناهية. وخذ على ذلك الأَمثلة التالية : لازال الكلام في المثال الأَوَّل ، وكان تحت عنوان : « شجاعة أَهل البيت عليهم السلام شجاعة قيادة إِلهيَّة » ؛ فإِنَّها وإِنْ كانت تحتاج إِلى عضلات بدنيَّة ، وجرأة نفسيَّة وروحية وعقليَّة وغيرها من الأَبعاد الفرديَّة ، لكنَّها لا تقتصر على ذلك ، بل هي شجاعة أُمميَّة ومجتمعيَّة وحضاريَّة وقيادة إِلٰهيَّة ؛ يتحمَّلون (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) فيها مصير أَجيال جملة المخلوقات وفي طُرِّ العوالم ، وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، والنُّقول التأريخيَّة ، ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى البيان والدليل والنَّقْلِ التَّارِيخِيِّ العاشر : 10ـ ما ورد عن أَبي بكر مُخاطباً عمر ، ومُحذِّراً إِيّاه من أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : «... ناشدتك اللّٰـه يا عمر لَـمَا تركتني من أَغاليطكَ وتربيدكَ ، فواللّٰـه لو هَمَّ بقتلي وقتلكَ لقتلنا بشماله دون يمينه ، وما ينجينا منه إِلَّا ثلاث خصال ... أَنسيت له يوم أُحد وقد فررنا بأَجمعنا ، وصعدنا الجبل ، وقد أَحاطت به ملوك القوم وصناديدهم ، موقنين بقتله ، لا يجد عنه محيصاً للخروج من أَوساطهم ، فلَمَّا أَنْ سدَّد القوم رماحهم نكس نفسه عن دابَّته حتَّىٰ جاوزه طعان القوم ، ثُمَّ قام قائماً في ركابه وقد طرق عن سرجه ... ثُمَّ عهد إِلى رئيس القوم فضربه ضربة على رأسه فبقي على فكٍّ ولسان ، ثُمَّ عمد إِلى صاحب الراية العظمىٰ فضربه ضربة على جمجمته ففلقها ، فمرَّ السيف يهوي في جسده فبرأه ودابَّته نصفين ، فلَمَّا أَن نظر القوم إلى ذلك انحطوا من بين يديه ، فجعل يمسحهم بسيفه مسحاً حتَّىٰ تركهم جراثيم خموداً على تلعةٍ من الأَرض ، يتمرَّغون في حسرات المنايا ، يتجرَّعون كؤوس الموت ، قد اختطف أَرواحهم بسيفه ، ونحن نتوقَّع منه أَكثر من ذلك ، ولم نكن نضبط أَنفسنا من مخافته ، حتَّىٰ ابتدأتَ أَنتَ إِليه فكان منه إِليك ما تعلم، ولولا أَنَّه أَنزل اللّٰـه إِليه آية من كتاب اللّٰـه لَكُنَّا من الهالكين ، وهو قوله : [وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ](1)...»(2). ودلالته ـ كدلالة سوابقه ـ واضحة. ثُمَّ إِنَّه ينبغي الْاِلْتِفَات في المقام إِلى النقاط الثلاث التَّالية : الأُوْلَىٰ : أَنَّ هناك مُميِّزات وخصائص ونعوت اختصَّ بها أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه من بين جملة الخلائق ، منها : أَنَّ يد ساحة القدس الإِلٰهيَّة قدَّرت أَنْ لا يدخل صلوات اللّٰـه عليه في جيشٍ قَطُّ ويُهزَم. ومعناه : أَنَّ لسؤدده صلوات اللّٰـه عليه تموِّج بنحو يجعل الجيش الَّذي يُشارك فيه لا يُهزَمُ أَبداً. الثَّانية : أُصيب أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه في معركة أُحد بجراحات عجيبة وبالغة الشدَّة والخطورة ، بقيت الزهراء صلوات اللّٰـه عليها تداويها وتعالجها لأَشهر عديدة ، ولعلَّه أُصيب فيها بجراحات أَكثر مِـمَّا أُصيب به بدن سيِّد الشهداء صلوات اللّٰـه عليه يوم العاشر من المُحرَّم ، والَّتي أَحصتها بيانات الروايات بـ : (1800) جرح ، وهذه ضريبة البطولة الَّتي قام بها صلوات اللّٰـه عليه في معركة أُحد. الثَّالثة : المعروف في كُتُب التأريخ : أَنَّ المسلمين انتصروا في بادي الأَمر في معركة أُحد لكنَّهم انهزموا بعد ذلك. والحقُّ : أَنَّ لهذه الواقعة تتمَّة حذفتها أَقلام أَصحاب السقيفة والدولة الأُمويَّة ؛ لكونها مرتبطة بأَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه ، وهي : أَنَّ المسلمين انتصروا بعد ذلك ، فكانت خاتمة معركة أُحد اِنْتِصَاراً للمسلمين. وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي والقصَّاصات والنُّقول التأريخيَّة ، منها : ما ذكره أَبو بكر في هذا الدَّليل ، وما ذكره عمر في الدَّليل التَّالي ، ويضاف إِليهما : أَوَّلاً : بيان زيارة أَمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير ، عن الإِمام الهادي عليه السلام: «... ويوم أُحُدٍ إِذ يُصعِدُون ولا يلوُون على أَحدٍ ، والرَّسُولُ يدعوهم في أُخراهم ، وأَنتَ تذُودُ بُهَمَ المشركين عن النَّبيِّ ذات اليمين وذات الشَّمال ؛ حتَّىٰ رَدَّهُمُ اللّٰـهُ تعالىٰ عنكما خائفين ، ونَصَرَ بِكَ الخاذِلِين...»(3). ثانياً : لو كانت قريش قد انتصرت في نهاية المعركة فلماذا لم يغيروا على المدينة المنوَّرة ويسبوا نسائها وأَطفالها ، ويسلبوا أَموالها ، فقريش الَّتي أَكلت نساؤها كبد حمزة عليه السلام كيف يُعقل أَنْ لا تفعل ذلك ، وركبوا الجمال وانصرفوا إِلى مكَّة عائدين. ومنه يتَّضح : السِّرّ في ما بلغ إِليه أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه من مقاماتٍ الهية ، بعدما لم يكن بين اللّٰـه (العزيز الجبَّار) وبين أَحدٍ من خلقه قرابة ، فاللّٰـه وإِنْ كان كريماً ، لكنَّه يعطي كُلَّ مخلوقٍ بحسبه. 11ـ ما ورد عن أَبي واثلة(4) شقيق بن سلمة ، قال : «كنتُ أُماشي عمر بن الخطَّاب إِذْ سمعتُ منه همهمة ، فقلتُ له : مه يا عمر ، فقال : ويحكَ، أَمَا ترىٰ الهزبر القثم ابن القثم الضَّارب بالبهم ، الشَّديد على مَنْ طغا وبغا(19) بالسَّيفين والراية ، فالتفتُ فإذا هو عَلِيُّ بن أبي طالب ، فقلتُ له : يا عمر ، هو عَلِيُّ بن أبي طالب ، فقال : ادن منِّي أُحدِّثُّكَ عن شجاعته وبطالته ، ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) النحل : 96. (2) بحار الأَنوار ، 29 : 140 ـ 145/ح30. الإِحتجاج ، 1 : 127 ـ 130. (3) بحار الأَنوار ، 97 : 365. (4) هكذا في الكتاب ومصدره ، وفيه وهم ، والصحيح : أَبي وائل. راجع : التقريب ، وأسد الغابة ، وغيرهما. (البحار)