الرئيسية | دروس في المعارف الإلهية | دروس في المعارف الإِلٰهيَّة ، من الدرس (200 ـ 400 ) المقصد الأَوَّل / الباب الأَوَّل | مَعَارِف إِلْهِيَّة : (305) ، مَسَائِلُ وفَوَائِدُ وقَوَاعِدُ في مَعَارِفِ الإمَامِيَّة/ الْمُقَدَّمَة / تَنْبِيهَات /

مَعَارِف إِلْهِيَّة : (305) ، مَسَائِلُ وفَوَائِدُ وقَوَاعِدُ في مَعَارِفِ الإمَامِيَّة/ الْمُقَدَّمَة / تَنْبِيهَات /

19/11/2024


الدَّرْسُ (305) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطَّاهِرِين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعْدَائِهِمْ أَجَمْعَيْن ، وَصَل بِنَا البَحْثُ ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) في الدَّرْسِ (201 ) الى مُقَدَّمَة (المَسَائِلُ العقائديَّة والمعرفيَّة ، الْمُسْتَفَادة من عَقَائِدِ و مَعَارِفِ الإمَامِيَّة ؛عَقَائِد و مَعَارِف مَدْرَسَة أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ) ، وقَبْلَ الدُّخُول في صَمِيمِ الْبَحْث لابُدَّ من تَقْديم تَنْبِيهَات وفَوَائِد وقَوَاعِد علميَّة ومعرفيَّة ؛ تسهيلا لهضم تلك المَسَائِل والمطالب ، وسنذكر (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) أَوَّلاً (74) تَنْبِيهاً ، ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى التَّنْبِيه التَّاسع والسِّتَّيْن ، ولازال البحث فيه ، وكان تحت عنوان : « روح القدس أَحد أَرواح أَهل البيت عليهم السلام » وعنوان : « الوراثة الاِصْطِفَائيَّة » ؛ فإِنَّ رُوح القدس ـ وهو حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ، والوارد في بيان قوله تعالىٰ : [وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا](1)ـ مودع في ذوات الأَنبياء عليهم السلام ، وأَحد أَرواحهم من النَّبيّ آدم عليه السلام إِلى سيَّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، ثُمَّ سائر أَهل البيت عليهم السلام ، وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى البيان والدليل التالي : 6ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام أَيضاً ، عن الحارث بن المغيرة ، قال : « إِنَّ الأَرض لا تُترك بغير عَالِـمٍ . قلت : الَّذي يعلم عَالِـمكم ما هو ؟ قال : وراثة من رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله ومن عَلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام ، عِلْمٌ يستغنىٰ به عن النَّاس ولا يستغني النَّاس عنه. قلتُ : وحكمة تقذف في صدره أَو تُنكتُ في أُذنه ؟ قال : ذاك وذاك»(2). وهذه وغيرها الكثير براهين وحيانيَّة دالَّة على وراثة ، لكنَّها ليست ماديَّة اِعْتِبَارِيَّة ، بل اِصطفائيَّة تكوينيَّة ملكوتيَّة ، لكنَّه لا تعني القول بالتناسخ الباطل بالضَّرورة الدِّينيَّة ، وإِنَّما تعني : أَنَّ هناك جُنداً وجواهراً وخوادماً ملكوتيَّة ، تنتقل للخدمة من صفيٍّ مُتقدِّم إِلى آخر متأخر زماناً. وإلى هذا أَشارت بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : ما ورد في بيانات الروايات ، أَنَّه : «أتت فاطمة بنت رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله بإبنيها الحسن والحسين عليهما السلام إِلى رسول اللّٰـه صلى الله عليه واله في شكواه الَّذي توفِّي فيه فقالت : يا رسول اللّٰـه ، هٰذان ابناك فورِّثهما شيئاً. فقال : أَمَّا الحسن فإِنَّ له هيبتي وسؤددي ، وأَمَّا الحسين فإِنَّ له شجاعتي وجودي»(3). وهذه وراثة اِصطفائيَّة ، فالهيبة والسؤدد جُنْدٌ روحانيَّة ملكوتيَّة مغروزة في ذات سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، وجواهر مُجرَّدة ومُسخَّرة لحقيقته وذاته صلى الله عليه واله المُقدَّسة ، انتقلت إِلى ذات الإِمام المجتبىٰ عليه السلام ، لكن من دون زوالها عن ذاته صلى الله عليه واله الشَّريفة ، هذه حال الوراثة الاِصطفائيَّة. وعلى هذا قس : ما ورِثه سيِّد الشهداء عليه السلام من جدِّه صلى الله عليه واله من شجاعة وجود. بل وكُلُّ وراثةٍ تحصل من هذا القبيل لكلِّ معصومٍ ، لكنَّها لا تزول ولا تتزلزل عن ذات المورِّث ، بل تبقىٰ على حالتها السَّابقة ، بخلاف الوراثة الماديَّة. / الوراثة الاِ صطفائيَّة لا تحجب الوراثة الماديَّة / وهذه الوراثة الاِصطفائيَّة لا تحجب ـ بالضرورة الدِّينيَّة ـ عن الوريث الوراثة الماديَّة ، خلافاً لِـمَا أَصرَّ عليه أَصحاب سُنَّة السقيفة ، من أَنَّ وراثة الكُمَّل ـ كوراثة فاطمة الزهراء عليها السلام من أَبيها صلى الله عليه واله وراثة اِصطفائيَّة ملكوتيَّة فقط ـ تحجب الوراثة الماديَّة. وغير خفيٍّ : أَنَّ هذه جرأَة على الشَّريعة القويمة ، وهتك لأَستار السُّنَّة الكريمة ، تضع منها الحبلىٰ لشناعتها ، وتضحك منها الثكلىٰ لغرابتها. وهذا ما أَشارت إِليه بيانات الوحي الوافرة الباهرة ، منها : بيان خطبة فاطمة الزهراء عليها السلام : «... أَيُّها المسلمون ، أَأُغلب على إرثي؟ يا بن أَبي قحافة ، أَفي كتاب اللّٰـه ترث أَباك ولا أَرث أَبي؟ لقد جئت شيئاً فريَّا! أَفعلىٰ عمد تركتم كتاب اللّٰـه ونبذتموه وراء ظهوركم؟! إِذ يقول: [وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ](4)، وقال فيما اقتصَّ من خبر يحيىٰ بن زكريّا إِذْ قال : [فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ](5)، وقال: [وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ](6)، وقال: [يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ](7)، وقال : [إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ](8)، وزعمتم أَنْ لَا حظوة لي ولا أرث من أَبي ، ولا رحم بيننا، أَفخصَّكم اللّٰـه بآية أَخرج منها أَبي؟! أَم هل تقولون : أَهل ملتين لا يتوارثان؟ أَو لستُ أَنا وأَبي من أَهل ملَّة واحدة ؟ أَم أَنتم أَعلم بخصوص القرآن وعمومه من أَبي وابن عمي؟! فدونكم مخطومة مرحولة تلقاكَ يوم حشركَ ، فنعم الحَكَم اللّٰـه ، والزعيم محمَّد ، والموعد القيامة ، وعند السَّاعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم إِذ تندمونَ ، و[لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ](9)، و[مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ](10)...»(11). ودلالته واضحة. / القول بثبوت الوراثة الماديَّة لفاطمة عليها السلام دون الاِ صطفائيَّة / هذا ، وقد زاد كثير من علماء الخاصَّة فضلاً عن غيرهم في الطين بِلَّة ؛ فناقشوا في وراثتها عليها السلام الاِصطفائيَّة ، ثُمَّ ادَّعوا ثبوت المادِيَّة في حقِّها عليها السلام حسب، لكنَّها : عثرة فاحشة ، وزلَّة عظيمة طائشة ، ودعوة ساقطة عن كلِّ قيمةٍ واعتبارٍ ، وعريَّة عن كلِّ شاهد ومِثْال ، ويرد عليها ما أَوردناه على سابقتها حرفاً بحرف ، بل المُتمعِّن في بيانات الوحي الباهرة الوافرة يراها صارخة ومثبتة لهذه الحقيقة كالأُولىٰ ، فإِنَّهما كفرسي رهان ورضعي لبان يجريان في حقِّها عليها السلام ، والعصمة لأَهلها. / وراثة الصلاح والفساد / بل الوارد في بيانات الوحي : أَنَّ المؤمن الصالح ، بل والشَّخص الطالح لا يورِّث المال فحسب ، بل والصلاح إِنْ كان صالحاً ، والفسق والفجور إِنْ كان طالحاً. ... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الشورى : 52. (2) المصدر نفسه ، 26 : 62/ح141. بصائر الدرجات ، 2 : 120/ ح1169 ـ 1. (3) بحار الأَنوار ، 43 : 263/ح10. إرشاد المفيد : 169. إعلام الورىٰ : 210. (4) النمل : 16. (5) مريم : 5 ـ 6. (6) الأنفال : 75. (7) النساء : 11. (8) البقرة : 180. (9) الأنعام : 67. (10) الزمر : 40. (11) بحار الأَنوار ، 29 : 226 ـ 227. الاحتجاج ، 1 : 138 ـ 139