مَعَارِف إِلْهِيَّة : (308) ، مَسَائِلُ وفَوَائِدُ وقَوَاعِدُ في مَعَارِفِ الإمَامِيَّة/ الْمُقَدَّمَة / تَنْبِيهَات /
22/11/2024
الدَّرْسُ (308) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطَّاهِرِين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعْدَائِهِمْ أَجَمْعَيْن ، وَصَل بِنَا البَحْثُ ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) في الدَّرْسِ (201 ) الى مُقَدَّمَة (المَسَائِلُ العقائديَّة والمعرفيَّة ، الْمُسْتَفَادة من عَقَائِدِ و مَعَارِفِ الإمَامِيَّة ؛عَقَائِد و مَعَارِف مَدْرَسَة أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ) ، وقَبْلَ الدُّخُول في صَمِيمِ الْبَحْث لابُدَّ من تَقْديم تَنْبِيهَات وفَوَائِد وقَوَاعِد علميَّة ومعرفيَّة ؛ تسهيلا لهضم تلك المَسَائِل والمطالب ، وسنذكر (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) أَوَّلاً (74) تَنْبِيهاً ، ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى التَّنْبِيه التالي : / التَّنْبِيه الْحَادي و السَّبعون : / / توظيف الأَضْدَاد أَحد صفات أَهل البيت صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم الإِلهيَّة/ هناك فوارق جمَّة بين حقيقة وشؤون الإِمام من أَهل البيت صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم ، وحقيقة وشؤون سائرالمخلوقات ، منها : إِنَّ طبقات حقيقة الإِمام من أَهل البيت صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم الصَّاعدة وتتبعها طبقات حقيقته صلوات اللّٰـه عليه المتوسطة والنَّازلة بعد ما كانت نظام عَالَم الوجود قاطبة ، والوسيلة الإِلٰهيَّة ، والسَّبيل والسَّبب والباب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ الأَدنىٰ والفارد بين الباريّ ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ قدسه) ، وكافَّة العوالم وكُلّ المخلوقات غير المتناهية بقضِّها وقضيضها انعكست فيها جميع أَسماء وصفات وشؤون الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة إِلَّا الأُلوهيَّة ؛ لخروجها تخصُّصاً وموضوعاً ـ كما تَقَدَّمَ تحقيق جميع ذلك ـ ، ومن تلك الأَسماء والصفات والشؤون المنعكسة : (صفة توظيف الأَضْدَاد)، فالإمام عليه السلام كالباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (عزَّ ذكره) يوظِّف الأَضْدَادَ ، ويوفِّق ويلائم بينها ، ويجعل كلّاً في محلِّه ، فيوظِّف ويُوفِّق ويلائم مثلاً بين : (الغضب والرويَّة) ، وبين : (الإِقدام والإِحجام) ، وبين : (الشَّجاعة والرحمة والرأفة) وهلمَّ جرَّ. فلاحظ: 1ـ ما ذكره الشريف الرضي في حقِّ أَمير المؤمنين صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : «مَنْ سمع كلامه لا يشكُّ أَنَّه كلام مَنْ قبع في كِسر بيت ، أَو انقطع في سفح جبل ، لا يسمع إِلَّا حسّه ، ولا يرىٰ إِلَّا نفسه ، ولا يكاد يوقن بأَنَّه كلام مَنْ ينغمس في الحرب ؛ مصلتاً سيفه فيقطُّ الرقاب ، ويجدل الأَبطال ، ويعود به ينطف دماً ويقطر مهجاً ، وهو مع ذلك زاهد الزهَّاد ، وبدل الأَبدال ، وهذه من فضائله العجيبة ، وخصائصه الَّتي جمع بها بين الأَضْدَاد»(1). 2ـ ما ذكره ابن أبي الحديد في الشرح في حقِّ أَمير المؤمنين صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : «كان أَمير المؤمنين عليه السلام ذا أَخلاق متضادَّة ، فمنها : أَنَّ الغالب على أَهل الإِقدام والمغامرة والجرأة أَنْ يكونوا ذوي قلوب قاسية وفتك وتنمُّر وجبريَّة، والغالب على أهل الزهد ورفض الدُّنيا ، وهجران ملاذّها والْاِشْتِغَال بمواعظ النَّاس وتخويفهم المعاد وتذكيرهم الموت أَنْ يكونوا ذوي رقَّة ولين وضعف قلب وخور طبع ، وهاتان حالتان متضادَّتان ، وقد اجتمعتا له عليه السلام. ومنها : أَنَّ الغالب على ذوي الشَّجاعة وإراقة الدماء أَنْ يكونوا ذوي أَخلاق سبعيَّة ، وطباع حوشيَّة ، وغرائز وحشيَّة ، وكذلك الغالب على أَهل الزهادة وأَرباب الوعظ والتذكير ورفض الدنيا أَنْ يكونوا ذوي انقباض في الأَخلاق، وعبوس في الوجوه ، ونفار من النَّاس واستيحاش ، وأَمير المؤمنين عليه السلام كان أَشجع النَّاس وأَعظمهم إراقة للدم ، وأَزهد النَّاس وأَبعدهم عن ملاذ الدُّنيا ، وأكثرهم وعظاً وتذكيراً بأَيَّام اللّٰـه ومثلاته ، وأَشدَّهم اجتهاداً في العبادة وآداباً لنفسه في المعاملة ، وكان مع ذلك أَلطف العَالَم أَخلاقاً ، وأسفرهم وجهاً ، وأَكثرهم بشراً ، وأَوفاهم هشاشة وبشاشة، وأَبعدهم عن انقباض موحش ، أَو خلق نافر ، أَو تجهَّم مباعد ، أَو غلظة وفظاظة ينفر معهما نفس ، أَو يتكدَّر معهما قلب حتَّىٰ عيّب بالدُّعابة ، ولَـمَّا لم يجدوا فيه مغمزاً ولا مطعناً تعلَّقوا بها واعتمدوا في التنفير عنه عليها «وتلك شكاة ظاهر عنكَ عارها» وهذا من عجائبه وغَرَائِبه اللَّطِيفَةُ»(2). وهذا بخلاف سائر المخلوقات، فليست لها المُكْنَة من ذلك. وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 40 : 165. (2) بحار الأَنوار ، 40 : 89. شرح نهج البلاغة لابن أَبي الحديد ، 1 : 24 ـ 25