مَعَارِف إِلْهِيَّة : (379) ، مَسَائِلُ وفَوَائِدُ وقَوَاعِدُ في مَعَارِفِ الإمَامِيَّة/ الْمُقَدَّمَة / فَوَائِدٌ
01/02/2025
الدَّرْسُ (379) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطَّاهِرِين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعْدَائِهِمْ أَجَمْعَيْن ، وَصَل بِنَا البَحْثُ ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) في الدَّرْسِ (201 ) الى مُقَدَّمَة (المَسَائِل والفَوَائِد والقَوَاعِد العقائديَّة والمعرفيَّة ، الْمُسْتَفَادة من عَقَائِدِ و مَعَارِفِ الإمَامِيَّة ؛عَقَائِد و مَعَارِف مَدْرَسَة أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ) ، وقَبْلَ الدُّخُول في صَمِيمِ الْبَحْث لابُدَّ من تَقْديم تَنْبِيهَات وفَوَائِد وقَوَاعِد علميَّة ومعرفيَّة ؛ تسهيلا لهضم تلك المَسَائِل والمطالب ، وتَقَدَّمَ : أَوَّلاً (74) تَنْبِيهاً ، من الدَّرْسِ(202 ـ 313) ، وسنذكر (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) ثانياً من الدَّرْسِ(314)(700) فَائِدَةً تقريباً ، ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى الفَائِدَة (56) ، ولازال البحث فيها ، وكانت تحت عنوان : « مُصطلح (الوَهْم)» ؛ وعنوان : « إِطلاق عنوان (الوَهْم) على جملة من إِدْرَاكات العقل المُتعلِّق بأَلطف الأَجسام توسُّطاً » ؛ فإِنَّ المقصود من عنوان ولفظ: (الوَهْم) و(القوىٰ الواهمة) الوارد في بيانات الوحي وفي اِصطِلاح المعقول والعلوم العقليَّة ـ كـ: الفلسفيَّة والكلاميَّة والعرفانيَّة ـ ليس ما يُقصد في العرف واللُّغة ـ أَي: الخلط والِاشْتِبَاه، وخطرات القلب، والسَّراب الَّذي لا حقيقة له، أَو مرجوح طرفي الُمتردَّد فيه ـ بل الإِدْرَاك العقلي المُتَعَلِّق بالجسم أَو المقدار، والعقل المُقيَّد والمُرتبط والمُتعَلِّق بالجسم والجسمانيَّات والمقادير ـ سواء كانت مادِّيَّة: (دنيويَّة)، أَو (برزخيَّة مثاليَّة)، أَو (أُخرويَّة أَبديَّة) ـ ، ويُعبِّر عنه الَمشَّاء بـ: (العقل السَّاقط) . ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى المطلب التالي : / إِطلاق عنوان (الوَهْم) على مُطلق العقل ونتاجاته أَيضاً / بل يُطلق عنوان (الوَهْم) في لسان بيانات الوحي علىٰ إِدْرَاكَات مُطلق العقل ونتاجاتها أَيضاً؛ رغم عدم تعلُّقه بالجسم المُتوسِّط؛ وذلك لكونه مخلوقاً ومحدوداً بماهيَّة اِمكانيَّة، وَكُلُّ مُمكن زوج تركيبي، وهذه الحدود لیست جغرافيَّة، بل نوعيَّة ماهويَّة، فبلحاظ ما بعد حَدِّ العَالَم العقلي وما وراء قدرته الاِمكانيَّة؛ ولقصور وعجز إِدْرَاكه واِحاطته بمطلق الواقعيَّة يكون إِدْرَاك العقل ـ وإِنْ كان بنحو الجزم والقطع واليقين ـ لواقعيَّة ما بعد حدِّه وَهْماً. نعم ، إِنْ اِعتَمَدَ الحكم العقلي على مطابقته لبيانات الوحي كانت حقيقة تلك الإِدْرَاكَات العقليَّة مُتَّصِفَة باليقين ، وحقيقة مطابقة للواقع . وهذا ما تُشير إِليه كثير من بيانات الوحي، منها: بيان أَمير المؤمنين (صلوات اللّٰـه عليه) المُفسِّر لكثير من بيانات القرآن الكريم، عن أَبي مَعْمَر السعداني: «أَنَّ رَجُلاً أَتَىٰ أَمير المؤمنين عَلِيّ بن أَبي طالب عليه السلام، فقال: يا أَمير المؤمنين إِنِّي قد شككتُ في كتاب الله المُنزل، قال له عليه السلام: ... هات ويحكَ ما شككتَ فيه، قال: وأَجد الله تبارك وتعالىٰ يقول: [وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا](1). وقال: [يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ](2). وقال: [وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا](3). فمرَّة يخبر أَنَّهم يظنُّون، ومرَّة يخبر أَنَّهم يعلمون، والظَّنّ شَكّ فأَنَّىٰ ذلك يا أَمير المؤمنين، وكيف لا أَشكّ فيما تسمع ... فقال عَلِيٌّ عليه السلام : وَأَمَّا قوله: ... [الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ](4) يعني: يوقنون أَنَّهم يُبعثون ويُحشرون ويُحاسبون ويُجزون بالثَّوَاب والعقاب، فالظَّنُّ ها هنا اليقين خاصَّة، وكذلك قوله: [فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا](5)، وقوله: [مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ](6)، يعني: مَنْ كان يؤمن بأَنَّه مبعوث فإِنَّ وعد الله لآتٍ من الثَّواب والعقاب ... وأَمَّا قوله: [وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا](7)، يعني: أَيقنوا أَنَّهم داخلوها، وكذلك قوله: [إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ](8)، يقول: إِنِّي أَيقنتُ أَنِّي ابعث فأُحاسَب ... وأَمَّا قوله للمنافقين: [وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا](9)، فهذا الظَّنّ ظَنّ شَكّ، وليس ظَنّ یقین؛ والظَّنُّ ظنَّان: ظَنّ شَكّ، وَظَنّ يقين، فما كان من أَمر مَعَاد من الظَّنِّ فهو ظَنُّ يقين، وما كان من أَمر الدُّنيا فهو ظَنُّ شَكّ فَاِفْهَم ما فسَّرتُ لَكَ ...»(10). ودلالته واضحة. ونُكْتَة ما أَشار إِليه (صلوات اللّٰـه عليه) قد اِتَّضَحَت. وعليه: يكون أَصل المعنىٰ اللُّغوي محفوظاً في الِاستعمالات الوحيانيَّة والاِصطلاح العقلي. / إِطلاق عنوان (الوَهْم) أَيضاً على إِدراكات القلوب ومكاشفاتها عياناً / بل الِاستعمالات الوحيانيَّة تَطْلِق عنوان (الوَهْم) أَحياناً علىٰ إِدْرَاكَات القلوب، مع أَنَّ إِدْرَاكَاتها إِدْرَاكَات عيانيَّة ووجدانيَّة ومكاشفات عيان؛... وتتمَّة البحث تاتي (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الأَطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الكهف: 53. (2) النور: 25. (3) الأَحزاب: 10. (4) البقرة: 46. (5) الكهف: 110. (6) العنكبوت: 5. (7) الكهف: 53. (8) الحاقة: 20. (9) الأَحزاب: 10. (10) توحيد الصدوق: 248ـ 263/ح5