مَعَارِف إِلْهِيَّة : (591) ، مَسَائِلٌ وفَوَائِدٌ وقَوَاعِدٌ في مَعَارِفِ الإمَامِيَّة/ الْمُقَدَّمَةُ / فَوَائِدٌ
02/09/2025
الدَّرْسُ (591) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطَّاهِرِين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعْدَائِهِمْ أَجَمْعَيْن ، وَصَل بِنَا البَحْثُ ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) في الدَّرْسِ (201 ) الى مُقَدَّمَةِ (المَسَائِل والفَوَائِد والقَوَاعِد الْعَقَائِدِيَّة والمَعْرِفِيَّة ، الْمُسْتَفَادة من عَقَائِدِ و مَعَارِفِ الإمَامِيَّة ؛عَقَائِد و مَعَارِف مَدْرَسَة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ) ، وقَبْلَ الدُّخُول في صَمِيمِ الْبَحْث لابُدَّ من تَقْديم تَنْبِيهَات وفَوَائِد وقَوَاعِد عِلْمِيَّة ومَعْرِفِيَّة ؛ تسهيلا لهضم تلك المَسَائِل والمطالب ، وتَقَدَّمَ : أَوَّلاً (74) تَنْبِيهاً ، من الدَّرْسِ(202 ـ 313) ، وسنذكر (إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) ثانياً من الدَّرْسِ(314)(700) فَائِدَةً تقريباً ، ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى الفَائِدَة (200) ، ولازال البحث فيها ، وكانت تحت عنوان : « خلوّ المقام وهذه الأَبحاث من شائبة الغُلُوّ » ، وعنوان : « لا شائبة ولا شبهة غُلُوّ في مقامات أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ » ؛ فإِنَّه لا تُوجد في جملة هذه الأَبحاث وما سيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) أَيّ شائبة غُلُوّ ـ وخروج عن الجادَّة والمنزلة الوسطىٰ الَّتي ليلها كنهارها جادَّة ومنزلة أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ـ لأَنَّنا نعضُّ بضرس قاطعٍ على ضابطةٍ وقاعدةٍ معرفيَّةٍ وعقليَّةٍ بديهيَّةٍ ، مستفادة من بيانات الوحي المعرفية ، ضربها وقنَّنها علماء المعقول في القرنين الأَخيرين في باب الغُلُوّ والتَّقصير ، سيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) بيانها في بابها ، مضروبة للتمييز بين الغُلُوّ والتَّقصير في صفات الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة (جلَّ ذكره) وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه ، وصفات المخلوق وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه ، وهي : « أَنَّ صفات الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (تقدَّس ذكره) وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه تحكمها وواقعة في إِطار ضابطة : (ما منه الوجود) ، بخلاف صفات المخلوق وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه فتحكمها وواقعة في إِطار ضابطة : (ما به الوجود) » . بل هذه الضابطة أُستحدثت في الآونة الأَخيرة وتوسَّعت بقاعدة وضابطة بديهيَّة أَيضاً ، أَكثر دِقَّة وغوراً وعمقاً ، وهي : « أَنَّ ما منه الوجود على ضربين : أَحدهما : (ما منه الوجود أَصالة وبالذات) . الآخر : (ما منه الوجود حكاية ومن الغير) » . والأَوَّل مختصٌّ ومنحصرٌ بـ : (الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) أَزلاً وأَبداً . والثَّاني وجود ظلِّي وحاكٍ ، يأتي في الممكنات ، مفاض عليها من ساحة القدس الإِلٰهيَّة . نظيره : المرآة المنطبعة فيها صورة الشَّاخص الخارجي . وإِلى هذا النحو الثاني تُشير بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان قوله عزَّ من قائل الحاكي لخبر النَّبيّ عيسىٰ عَلَيْهِ السَّلاَمُ في احتجاجه على بني إِسرائيل : [أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ] (1) ، وبيان قوله جلَّ ذكره : [قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ] (2). ومن ثَمَّ ما تمتَّع به النَّبيّ عيسىٰ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وسائر المخلوقات المُكرَّمة ؛ منهم : إِسرافيل وعزرائيل عَلَيْهِما السَّلاَمُ تمتَّع به أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وزيادة ؛ فيحيون ويميتون بفعلٍ أَلطف ، وأَعظم هيمنة ، وأَشدُّ سلطنة وقدرة وقوَّة على وفق القاعدة ؛ ومن دون أَيّ شائبة غُلُوّ في المقام . ووصل بنا الكلام ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى المطلب التالي : / الإِماتة وسائر الأَفعال الإِلهيَّة على طبقات / وَمِنْ كُلِّ ما تقدَّم يتَّضح : أَنَّ الإِماتة على مراتب وطبقات ودرجات من حيث الغلظة واللطافة . أَحدها : ما يقوم به جنود عزرائيل عَلَيْهِم السَّلاَمُ . ثانيها : أَلطف وأشف ، وهي : ما يقوم به عزرائيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ . ثالثها : أَلطف وأَشف مِمَّا يقوم به عزرائيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، وهي : ما يقوم به الاسم الإِلٰهي (المميت) ، وهو : أَحد طبقات حقيقة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وحقائق سائر أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة في مرتبة الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة . وهذا ما تُشير إِليه بياناتهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم) ، منها : ما تقدَّم ، ويضاف إِليها : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً ، مُخاطباً الحارث الهمداني : « يا حار همدان ، من يمت يرني ، من مؤمن أَو منافق قبلاً »(3) . وبيانه (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) أَيضاً ، عن عبد الرحيم القصير ، قال : « قلت لأَبي جعفرعَلَيْهِ السَّلاَمُ : حدَّثني صالح بن ميثم ، عن عباية الأَسدي أَنَّه سمع عليّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ يقول : واللَّـه ، لا يبغضني عبد أَبداً يموت على بغضي إِلَّا رآني عند موته حيث يكره ، ولا يحبّني عبداً أَبداً فيموت على حبِّي إِلَّا رآني عند موته حيث يحب . فقال أَبو جعفر عَلَيْهِ السَّلاَمُ : نعم ، ورسول اللَّـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ باليمين »(4). رابعها : وهي الأَلطف والأَشدُّ على الإِطلاق ، والمهيمنة على جميع ذلك ؛ ما يقوم به : (الـمُميت) ـ المُسَمَّىٰ ـ صاحب الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة . وعلى هذا قس الإِحياء وسائر الأَفعال والصفات والأَسماء والشؤون(5) . فأَين الغُلُوّ في المقام . وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) آل عمران: 49 . (2) السجدة: 11. (3) بحار الأَنوار، 6: 181. (4) المصدر نفسه ، 39: 238/ح25. فروع الكافي، 3: 132ـ133. (5) هناك خلط حصل لدىٰ البعض بين الفاعل بالآلة ـ كحال عزرائيل وإسرافيل وجندهما عَلَيْهِم السَّلاَمُ ـ ، والفاعل بالتَّجلِّي ـ كحال الباري المُسَمَّىٰ (تعالىٰ ذكره) ، والأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ؛ طبقات حقائق أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ـ وحكم بالوحدة. والحقُّ : أَنَّ بينهما فرق وبون شاسع ؛ فإِنَّ الفاعل بالآلة ناقص ؛ لإِحتياجه إِلى حركة ، وقرب وبُعد ، ومُوازاة ، ومباشرة ومعالجة . بخلاف الفاعل بالتَّجلِّي ؛ فإِنَّه أَكمل أَنواع الفاعل ، ولا نقص فيه ؛ ومن ثَمَّ لا يحتاج إِلى جملة ذلك . وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ في ردِّه على سؤال الزنديق : « ... فما هو؟ قال أَبو عبداللَّـه عَلَيْهِ السَّلاَمُ : هو الرَّبُّ ، وهو المَعْبُود ، وهو اللَّـهُ ... قال السَّائلُ : فيُعاني الأَشياء بنفسه ؟ قال أَبو عبداللَّـه عَلَيْهِ السَّلاَمُ : هو أَجَّلُّ من أَنْ يُعَانِيَ الأَشياء بمباشرةٍ ومعالجةٍ ؛ لأَنَّ ذلك صِفَةُ المخلوق الَّذي لا تجِيءُ الأَشياءُ له إِلَّا بالمباشرةِ والمعالجةِ ، وهو مُتعَالٍ نافِذُ الإِرادة والمشِيئَة ، فَعَّالٌ لِـمَا يَشاءُ » . أُصول الكافي، 1: 59ـ 61/ح6. ودلالته واضحة